توصّلت "هيومن رايتس ووتش"، استنادا إلى فيديوهات تمّ التحقق من صحّتها وروايات شهود، إلى أنّ القوات الإسرائيليّة استخدمت الفسفور الأبيض في عمليّات عسكرية نفذتها في لبنان وغزّة يومي 10 و11 أكتوبر/تشرين الأول على التوالي. تُظهر الفيديوهات عدّة انفجارات جويّة للفسفور الأبيض أطلٍق بالمدافع فوق ميناء مدينة غزّة وموقعين ريفيين على طول الحدود الإسرائيليّة اللبنانيّة.
الفسفور الأبيض، الذي يُمكن استخدامه كستار دخاني أو كسلاح، قادر على التسبب في أضرار للمدنيّين جراء الحروق الشديدة التي يُسبّبها وآثاره طويلة الأمد على الناجين. يُعدّ استخدامه في مناطق مكتظة بالسكّان في غزّة انتهاكا لمتطلّبات القانون الدولي التي تقضي بأن تتخذ أطراف النزاع كلّ الاحتياطات الممكنة لتجنّب إصابة المدنيين ووقوع خسائر في الأرواح. يُبرز استخدامه أيضا الحاجة إلى إعادة النظر في وضع وملاءمة "البروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليديّة"، وهو حاليا القانون الدولي الوحيد بخصوص استخدام الأسلحة الحارقة.
- ما هو الفسفور الأبيض؟
- كيف يُستخدم الفسفور الأبيض؟
- ما هي الأضرار التي يُسبّبها الفسفور الأبيض؟
- ما هو وضع الفسفور الأبيض بموجب القانون الدولي؟
- ما هي سياسات إسرائيل وممارساتها السابقة فيما يتعلّق بالفسفور الأبيض؟
1. ما هو الفسفور الأبيض؟
الفسفور الأبيض مادة كيميائيّة منتشرة في قذائف المدفعيّة والقنابل والصواريخ، تشتعل عند تعرّضها للأكسجين. يُنتج هذا التفاعل الكيميائي حرارة شديدة تصل إلى 815 درجة مئوية، وضوءًا ودخانا كثيفا يُستخدم لأغراض عسكريّة، لكنّه يُسبّب أيضا إصابات مروّعة عندما يُلامس الناس. لا يُعتبر الفسفور الأبيض سلاحا كيميائيا لأنّه يعمل أساسا بالحرارة واللهب، وليس بالسُميّة. يُمكن إطلاقه في قطع اسفينية الشكل مشبعة بالفسفور، وتنبعث منه رائحة مميّزة تُشبه رائحة "الثوم".
2. كيف يُستخدم الفسفور الأبيض؟
يُستخدم الفسفور الأبيض أساسا للتعتيم على العمليّات العسكريّة على الأرض. يُمكنه تكوين ستارة من الدخان أثناء الليل أو النهار لإخفاء التحركات المرئيّة للقوات. كما أنّه يتداخل مع بصريّات الأشعّة تحت الحمراء وأنظمة تتبّع الأسلحة، وبالتالي يحمي القوات العسكريّة من الأسلحة الموجهّة، مثل الصواريخ المضادة للدبابات.
عند انفجاره فيي الجو، يُغطّي الفسفور الأبيض مساحة أكبر من تلك التي يغطيها عند انفجاره على الأرض، وهو مفيد لإخفاء تحرّكات القوّات الكبيرة. لكن هذا يؤدّي إلى تأثيرات حارقة على مساحة أوسع، وفي المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، مثل غزّة، فإنّه يزيد من المخاطر التي يواجهها المدنيّون. في الانفجارات الأرضيّة، تكون منطقة الخطر مركّزة أكثر، ويبقى ستار الدخان لفترة أطول. تعتمد سحابة الفسفور الأبيض على العوامل الجويّة، لذا لا يُمكن تعميم المدّة التي يظلّ فيها في الهواء.
يُمكن أيضا استخدام الفسفور الأبيض كسلاح حارق. استخدمت القوات الأمريكيّة الفسفور الأبيض أثناء معركة الفلّوجة الثانية في العراق عام 2004 "لإخراج" مقاتلين مختبئين، تمّت بعد ذلك مهاجمتهم.
3. ما هي الأضرار التي يُسبّبها الفسفور الأبيض؟
يُسبّب الفسفور الأبيض حروقا شديدة، غالبا ما تصل إلى العظام، ويكون شفاؤها بطيئا، وقد تتطوّر إلى التهابات. إذا لم تتم إزالة جميع شظايا الفسفور الأبيض، يُمكن أن تؤدّي إلى تفاقم حالة الجروح بعد العلاج، وقد تشتعل مجددا عند تعرّضها للأكسجين. حروق الفسفور الأبيض التي تتجاوز 10% من جسم الإنسان غالبا ما تكون قاتلة. قد تتسبب أيضا في تلف للجهاز التنفسي وفشل أعضاء الجسم.
الأشخاص الناجون من الإصابات الأوليّة غالبا ما تستمرّ معاناتهم مدى الحياة. تتسبب التقلّصات – أي الشدّ الدائم للعضلات والأنسجة الأخرى – في شلّ الحركة، في حين تؤدّي صدمة الهجمة الأولى، والعلاجات المؤلمة، والندوب التي تغيّر المظهر إلى ضرر نفسي وإقصاء اجتماعي.
للحرائق الناجمة عن الفسفور الأبيض يمكنها أيضا أن تُدمّر المباني والممتلكات، وتُلحق أضرارا بالمحاصيل، وتقتل الماشية. بالإضافة إلى ذلك، يفاقمّ نقص الموارد المتاحة لمقدّمي الخدمات الطبيّة في مناطق النزاع المسلّح عمليّة علاج الإصابات الخطيرة، الصعبة أصلا.
4. ما هو وضع الفسفور الأبيض بموجب القانون الدولي؟
عندما تُستخدم كسلاح، تُعنبر الذخائر التي تحتوي على الفسفور الأبيض أسلحة حارقة. رغم أنّ الأسلحة الحارقة غير محظورة بشكل صريح في القانون الإنساني الدولي، إلاّ أنّ القانون الإنساني العرفي الدولي يفرض على الدول اتخاذ كلّ الاحتياطات الممكنة لتجنّب إلحاق أضرار بالمدنيين بسبب هذه الأسلحة.
إضافة إلى ذلك، تخضع الأسلحة الحارقة للبروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليديّة. انضمّت فلسطين ولبنان لهذا البروتوكول، لكن إسرائيل ظلّت خارجه. يحظر البروتوكول الثالث استخدام الأسلحة الحارقة الملقاة جوا على "تجمّعات المدنيين"، لكن فيه ثغرتين كبيرتين.
أوّلا، يقيّد البروتوكول استخدام بعض الأسلحة الحارقة التي تُطلق من الأرض، وليس كلها، ضدّ تجمّعات المدنيين، وهذا يشمل الضربات المدفعيّة بالفسفور الأبيض في غزّة. وثانيا، يشمل تعريف البروتوكول للأسلحة الحارقة الأسلحة "المصمّمة أساسا" لإشعال النيران وإحراق الأشخاص، وبالتالي يُمكن القول إنه يستثني الذخائر متعدّدة الأغراض، مثل تلك التي تحتوي على الفسفور الأبيض اذا استُخدِمت كستائر دخانيّة، حتى لو كانت لها نفس الآثار الحارقة. أوصت هيومن رايتس ووتش والعديد من الدول الأعضاء في اتفاقيّة الأسلحة التقليديّة بسدّ هذه الثغرة وتشديد القيود المفروضة على استخدام الأسلحة الحارقة التي تُطلق من الأرض.
تؤيّد هيومن رايتس ووتش النداء المدعوم على نطاق واسع والموجه للدول الأعضاء في اتفاقية الأسلحة التقليديّة بأنّ تتفق في اجتماعها المقرر في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 على تخصيص وقت لمناقشة وضع البروتوكول الثالث وملاءمته.
5. ما هي سياسات إسرائيل وممارساتها السابقة فيما يتعلّق بالفسفور الأبيض؟
أثناء "عمليّة الرصاص المصبوب"، التي امتدّت من 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 إلى 18 يناير/كانون الثاني 2009، أطلق الجيش الإسرائيلي نحو 200 ذخيرة فسفور أبيض من الأرض على مناطق مأهولة بالسكان في غزّة. اعتمدت القوات الإسرائيليّة بشكل خاص على قذائف مدفعيّة من طراز M825E1 وبعيار 155 مليمتر، التي تُرسل شظايا الفسفور المشتعلة إلى مسافة 125 مترا في جميع الاتجاهات، مما يجعل تأثيرها ممتدا على نطاق واسع. ذكرت وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة أنّ الجيش الإسرائيلي استخدم الذخائر فقط لتكوين ستائر من الدخان. لكن أيّا كان الغرض الظاهري منها، توصّلت هيومن رايتس ووتش إلى سقوط العشرات من المدنيين في الحوادث الستّة التي وثقتها. كما ألحقت قذائف الفسفور الأبيض أضرارا بالمباني المدنيّة، بما في ذلك مدرسة، وسوق، ومخزن للمساعدات الإنسانيّة، ومستشفى.
أثارت هذه الهجمات غضبا دوليّا ومحليّا. في 2013، ردّا على عريضة مقدّمة إلى "محكمة العدل العليا" في إسرائيل بشأن هجمات غزّة، ادّعى الجيش الإسرائيلي أنّه لن يستخدم بعد الآن الفسفور الأبيض في المناطق المأهولة بالسكّان، إلاّ في حالتين ضيقتين كشف عنهما للقضاة فقط. في حُكم المحكمة، أوضحت القاضية إدنا أربيل أنّ الظروف "ستجعل استخدام الفسفور الأبيض استثناءً نادرا في ظروف خاصة جدا". رغمّ أنّ هذا التعهد أمام المحكمة لا يُمثل تغييرا رسميا في السياسات، إلا أنّ القاضية أربيل دعت الجيش الإسرائيلي إلى إجراء "فحص شامل وكامل" واعتماد توجيه عسكريّ دائم.
في 2013 أيضا، أعلنت القوّات المسلّحة الإسرائيليّة أنّها تعمل على تطوير قذائف دخان جديدة خالية من الفسفور الأبيض. ذكرت أنها ستحتفظ بحق استخدام وتخزين ذخائر الفسفور الأبيض حتى تتوفر لها بدائل كافية، لكنها أوضحت أنه "استنادا إلى نتائج عمليّة التطوير هذه، تهدف القذائف الجديدة إلى الحلول مكان قذائف الدخان الحالية بشكل تدريجي، كوسائل أساسية يستخدمها جيش الدفاع الإسرائيلي لأغراض حجب الرؤية بواسطة ستائر الدخان".