تنويه: تتضمن هذه المقالة توصيفات مؤلمة للعنف، بالإضافة إلى لقطات وروابط لصور ومقاطع فيديو قاسية.
مع ورود الأخبار في وقت مبكر من صباح السبت عن اختراق عناصر من جماعات فلسطينية مسلحة من غزة السياج الحدودي، وقتلهم مئات المدنيين، من بينهم أطفال، في جنوب إسرائيل، بدأت فيديوهات تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي. مع نهاية اليوم، ظهر المزيد من الفيديوهات، حيث قصفت إسرائيل بالغارات الجوية الجيب المحاصر والمكتظ بالسكان، حيث يفتقر المدنيون إلى ملاجئ.
الصور والفيديوهات مروعة: بعضها يُظهر شبابا وشابات يركضون من مهرجان موسيقي للنجاة بحياتهم، ويصرخون من الخوف تحت وابل الرصاص. يُظهر أحد الفيديوهات مسلحا فلسطينيا يلقي قنبلة يدوية في ملجأ عام للحماية من القنابل ملحق بمحطة للحافلات، ويطلق النار على رجل أعزل يهرب. يظهر فيديو آخر مسلح يطلق النار على رجل يرتدي ملابس مدنية على الأرض من مسافة قريبة. أظهرت فيديوهات أخرى رهائن، التُقطت بعضها عند حدود غزة: امرأة إسرائيلية شابة تتوسل الرحمة على دراجة نارية، وأم تتشبث بطفليها الصغيرين، ومجموعة مدنيين يُقتادون بعنف في أحد الشوارع، وشوهدت جثثهم فيما بعد منتشرة على الأرض، ومكومة وهامدة.
من غزة، شارك الناس صورا وفيديوهات تظهر الدمار والمدنيين الذين قتلتهم الضربات الإسرائيلية. ظهرت مشاهد لأحياء سويّت بالأرض وتحولت إلى أنقاض، وعائلات نازحة خرجت في حالة صدمة من المكان الذي كانت فيه منازلها قائمة ذات يوم. أظهرت فيديوهات أخرى، وهناك الكثير منها، أشخاص يصرخون من الألم وهم يحملون أطفالا قتلى، ويسرعون بمدنيين مضرجين بالدماء إلى المستشفيات، ويسحبون الجثث من المنازل المنهارة.
فحصنا الفيديوهات جمعيها، وتحققنا من وقت التقاطها ومكانها وما أظهرته. كانت الفيديوهات مرعبة، وكانت حقيقية.
لكن نُشِرت الكثير من الأكاذيب أيضا مع تلك الفيديوهات، منها الضمني والصارخ. بعض المعلومات الخاطئة التي تدعي أنها من إسرائيل وغزة ولبنان وأماكن أخرى تبدو مقصودة: لقاطات مزورة، وفيديوهات تم التلاعب بها، وترجمات خاطئة، ولقطات واقعية من ألعاب الفيديو، وغيرها. لكن يبدو أن كثير منها يُشاركها غير قصد صحفيون ومسؤولون ومواطنون معنيون على حد سواء. يتضمن ذلك لقطات من نزاعات سابقة وتحديد خاطئ للمواقع الجغرافية وسياق خاطئ.
هناك أيضا عشرات التقارير التي تزعم وقوع انتهاكات خطيرة دون التحقق منها بالضرورة، بما فيه استخدام الفسفور الأبيض وقطع رؤوس الأطفال، من بين مزاعم أخرى.
هنا يأتي دور "مختبر التحقيقات الرقمية" في "هيومن رايتس ووتش"، الذي يعمل بشكل وثيق مع زملاء في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك فريق الأزمات والنزاعات لدينا، من ضمنهم باحثون ميدانيون. منذ صباح السبت، عندما بدأت الفيديوهات الأولى للمجزرة بالظهور، جمعنا المعلومات الأساسية وحفظناها وتحققنا منها ووضعناها في سياقها ليسترشد بها بحثنا. نجري تحقيقات في جرائم حرب محتملة ارتُكبت في إسرائيل، حيث يرزح الناس تحت وطأة فداحة الخسائر في الأرواح فيما يوصف بالمجزرة، وفي غزة، حيث يواجه أكثر من 2.2 مليون شخص حاليا حصارا كاملا وقصفا جويا شبه مستمر.
مهما كان الوضع، سواء كان التحقيق في الفظائع في السودان أو أوكرانيا أو على الحدود اليمنية السعودية، منهجيتنا لإجراء الأبحاث مفتوحة المصدر حول الأزمات تظل نفسها.
- الاكتشاف: نسأل الباحثين عن المنصات الأكثر شعبية في منطقة ما أو موقع ما، وما الذي يمكننا الحصول عليه، وكيف يمكننا فعل ذلك مع مراعاة سلامة فرق البحث والمصادر لدينا. منذ السبت، ظهر كثير من المحتوى في منصة التراسل على التواصل الاجتماعي تيليغرام. نفهم كيفية البحث في هذه المنصات، ومن الأفضل العثور على المصادر الأصلية لمقاطع الفيديو والصور عند ظهورها.
- التوثيق: لإنشاء صورة تحليلية لما نراه على أرض الواقع، نحتاج إلى التأكد من توثيق البيانات في الوقت الفعلي. نضمن أن يتمكن جميع الباحثين لدينا من الوصول إلى أدوات التوثيق المتاحة لدينا، وأننا نصنف الفيديوهات والصور بشكل منهجي. غالبا ما يقترن هذا التوثيق، حيثما ممكنا، بأبحاث ميدانية لإجراء تحقيقات رصينة.
- الحفظ: في كثير من الأحيان، تُحذف الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة تلك التي تعرض محتوى قاسيا، أو تقرر الحسابات حذف المحتوى. كما أفادت هيومن رايتس ووتش سابقا، في السنوات الأخيرة، حذفت منصات وسائل التواصل الاجتماعي المحتوى في الإنترنت في كثير من الأحيان وبسرعة أكبر، بطريقة تمنع استخدام هذا المحتوى للتحقيق مع الأشخاص المشتبه في تورطهم في جرائم خطيرة، بما فيها جرائم الحرب. نتأكد من أننا نحتفظ بنسخ من المنشورات والفيديوهات والصور على وسائل التواصل الاجتماعي حتى نتمكن من استخدامها كأدلة في التحقيقات.
- التحقق: هل هي حقيقية؟ مع انتشار كثير من المعلومات الخاطئة والمضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، تعد عملية التحقق خطوة أساسية بالنسبة إلينا. نحدد مكان التقاط الصورة ومكان وقوع الأحداث التي تظهر في الفيديوهات. هذه العملية هي تحديد الموقع الجغرافي. نحدد المعالم المرئية في الفيديوهات مثل ممرات المشاة وقمم الجبال ومجاري الأنهار، ونطابقها مع صور الأقمار الصناعية أو الخرائط الطبوغرافية للحدود. بعد ذلك نتحقق من الفترة الزمنية التي التُقط فيها جزء من المحتوى، وهي عملية تسمى تحديد الموقع الزمني. للقيام بذلك، نبحث عن أقرب تاريخ تمت فيه مشاركة كل فيديو أو صورة على الإنترنت، ونحلل الظلال لتحديد في أي وقت من اليوم التُقطت فيه، أو نطابق مظهر المعالم التي تتغير بمرور الوقت، مثل المباني أو الأشجار، للتأكد من أن صور الأقمار الصناعية الحديثة تتفق مع ما نتحقق منه. لضمان فهمنا للسياق، نعمل مع زملاء يتحدثون اللغات المحلية التي نسمعها في الفيديوهات ومع الخبراء لتحديد الأسلحة التي يحملها الأشخاص أو الملابس التي يرتدونها. كل هذا يسمح لنا ببناء صورة كاملة عن صحة الفيديو أو الصورة.
- التحليل: بعد ذلك نحلل المحتوى، ونبحث عن الأنماط أو المؤشرات التي تشير إلى أن المحتوى يدعم نتائج الأبحاث الأخرى. تتضمن هذه العملية تحديد الأشخاص الذين يظهرون في الفيديو، مثل المدنيين والأطفال وكبار السن، وما هي الأسلحة المستخدمة، ونوع الإصابات التي لحقت بالضحايا، وما إذا كانت هناك أهداف عسكرية في المنطقة، وغير ذلك. هذا يساعدنا على فهم الأحكام التي يمكننا اتخاذها بموجب القانون الدولي والأدلة التي لدينا والتي تدعمها الأبحاث مفتوحة المصدر.
كما هو الحال في جميع أبحاثنا، هذه عملية دقيقة وتستغرق وقتا طويلا وبطيئة في كثير من الأحيان. نظرا لكمّ الفيديوهات والصور المنشورة على الإنترنت كل يوم، يعد هذا مصدرا مهما للمعلومات لعملنا، لكنه يعني أيضا أننا نقوم بانتظام بجمع وتحليل عدة مئات من أجزاء المحتوى لأي بحث نجريه. نعطي الأولوية لتحليل مئات الأدلة المرئية من النزاع الحالي بين إسرائيل والجماعات الفلسطينية المسلحة في غزة، والذي أدى إلى مقتل أكثر من 1,200 إسرائيلي وأجنبي في إسرائيل، وألف فلسطيني منذ يوم السبت.
على مدى الأسابيع والأشهر المقبلة، سنشارك نتائج أبحاثنا بالترافق مع الباحثين على الأرض. بدأنا ببناء مجموعة من الأدلة لتوثيق الانتهاكات التي تتكشف. تتمثل مهمتنا في تكوين صورة شاملة عن الانتهاكات التي حدثت ومن يجب محاسبته.