أمطار النار
استخدام إسرائيل غير القانوني للفسفور الأبيض في غزة
I. ملخص
يوثق هذا التقرير استخدام إسرائيل الموسع لذخائر الفسفور الأبيض أثناء عملياتها العسكرية التي دامت 22 يوماً في غزة، من 27 ديسمبر/كانون الأول 2008، حتى 18 يناير/كانون الثاني 2009، وكانت باسم عملية "الرصاص المصبوب". وبناء على تحقيقات مستفيضة في غزة، انتهى التقرير إلى أن قوات الجيش الإسرائيلي تكرر تفجيرها لذخائر الفسفور الأبيض في الجو فوق مناطق مأهولة بالسكان، مما أدى إلى مقتل وإصابة المدنيين، وإلحاق الأضرار بالأعيان المدنية، ومنها مدرسة وسوق تجاري ومخزن للمساعدات الإنسانية ومستشفى.
ولم يكن الفسفور الأبيض هو الذي قتل أغلب المدنيين الذين ماتوا في غزة – فقد مات الكثيرون غيرهم جراء الصواريخ والقنابل والمدفعية الثقيلة وقذائف الدبابات ونيران الأسلحة الصغيرة – لكن استخدام هذا السلاح في أحياء سكنية مأهولة بالمدنيين، منها وسط مدينة غزة؛ ينتهك القانون الإنساني الدولي (قوانين الحرب)، الذي يتطلب اتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة لتفادي الإضرار بالمدنيين ويحظر الهجمات العشوائية التي لا تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية.
ولم يكن الاستخدام غير القانوني للفسفور الأبيض عارضاً أو غير متعمد. بل كان متكرراً ودام لفترة طويلة وشمل مواقع متباينة، مع تفجير الجيش الإسرائيلي "جواً" للذخائر في مناطق مأهولة بالسكان حتى اليوم الأخير من عمليته العسكرية. وحتى إذا كانت النية من استخدام الفسفور الأبيض استخدامه كمادة تمويه وليس كسلاح، فإن إطلاق الجيش الإسرائيلي لقذائف المدفعية عيار 155 ملم التي تحتوي على الفسفور الأبيض المتفجر جواً في مناطق كثيفة السكان هو عمل عشوائي ويشير إلى ارتكاب جرائم حرب.
إن الأخطار التي تواجه المدنيين جراء الفسفور الأبيض معروفة جيداً للقادة الإسرائيليين، الذين يستخدمون هذا السلاح منذ سنوات طويلة. وطبقاً لتقرير طبي تم إعداده أثناء أعمال القتال من قبل وزارة الصحة، فإن "الفسفور الأبيض قد يسبب الإصابة أو الوفاة حين يلامس الجلد، أو لدى استنشاقه أو ابتلاعه". وورد في التقرير أن الحروق التي تلحق بأقل من 10 في المائة من الجسم قد تكون قاتلة إذ قد تصيب الكبد أو الكليتين أو القلب بالأضرار.
وإذا أراد الجيش الإسرائيلي مادة للتمويه كي يخفي تحركات قواته، كان لديه بديل جاهز وغير قاتل للفسفور الأبيض، وهو قذائف الدخان التي تنتجها شركة إسرائيلية. وكان بإمكان الجيش الإسرائيلي استخدام هذه القذائف ذات نفس الأثر مع التقليل كثيراً من الأضرار التي تلحق بالمدنيين.
واستخدام الفسفور الأبيض في مناطق كثيفة السكان كسلاح هو أمر ينطوي على مشكلة أكبر. إذ لم تعثر هيومن رايتس ووتش على دليل على أن قوات الجيش الإسرائيلي أطلقت الفسفور الأبيض براً على أهداف عسكرية واضحة، مثل المقاتلين الفلسطينيين في المخابئ، لكنها استخدمت الفسفور الأبيض المتفجر جواً من أجل أثره العرضي. ولدى إطلاق الفسفور الأبيض من المدافع مع انفجاره جواً لتعظيم المساحة التي يشملها الانفجار؛ لن يكون للفسفور الأثر القاتل نفسه الخاص بالقذائف عالية التفجير فحسب، بل سيكون أيضاً سلاحاً عشوائياً لا يميز بين المدنيين والعسكريين.
واستخدام الجيش الإسرائيلي العمدي أو عن لا مبالاة لذخائر الفسفور الأبيض يتضح ويثبت من خمس نقاط. أولاً، على حد علم هيومن رايتس ووتش، لم يستخدم الجيش الإسرائيلي قط ذخائر الفسفور الأبيض في غزة من قبل، رغم التوغلات الكثيرة بالجنود والمدرعات. ثانياً، الاستخدام المتكرر للفسفور الأبيض المتفجر جواً في مناطق مأهولة بالسكان حتى الأيام الأخيرة من العملية يكشف عن نسق أو سياسة محددة وليس الاستخدام العرضي أو العشوائي. ثالثاً، كان الجيش الإسرائيلي على دراية كاملة بآثار الفسفور الأبيض والمخاطر التي قد يمثلها بحق المدنيين. رابعاً، إذا كان الجيش الإسرائيلي قد استخدم الفسفور الأبيض كمادة تمويه، فقد أخفق في استخدام بدائل متوفرة لديه، وهي بالأساس ذخائر الدخان، التي لها نفس المزايا التكتيكية دون تعريض السكان المدنيين للخطر. خامساً، في إحدى الحالات على الأقل التي تم توثيقها في هذا التقرير – ضربة 15 يناير/كانون الثاني على الأونروا في مدينة غزة – دأب الجيش الإسرائيلي على إطلاق الفسفور الأبيض رغم التحذيرات المتكررة من العاملين في الأمم المتحدة بشأن مخاطر هذا السلاح على المدنيين. وبموجب القانون الإنساني الدولي، فهذه الأوضاع تستدعي التحقيق المستقل في استخدام الفسفور الأبيض، وإذا تبينت الحاجة، يجب مقاضاة جميع المسؤولين عن هذا التصرف بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وفي البداية أنكر الجيش الإسرائيلي استخدام الفسفور الأبيض في غزة، ثم قال إنه يستخدم جميع الأسلحة بما يستقيم مع القانون الدولي. وهو يقول الآن إنه يجري تحقيقاً في استخدام الفسفور الأبيض، حسب الزعم تحت إشراف ضابط برتبة كولونيل. ونظراً لسجل الجيش الإسرائيلي في التحقيقات الداخلية السابقة، ونظراً لتدني رتبة المشرف عن التحقيق حسب ما تم الإبلاغ، فإن موضوعية التحقيق تبقى موضع شك.
استخدام الفسفور الأبيض في غزة
الفسفور الأبيض مادة كيميائية يتم نشرها بواسطة قذائف المدفعية والقنابل والصواريخ وقذائف الهاون، وتُستخدم بالأساس في التمويه على العمليات العسكرية البرية. ولدى إطلاق هذه المادة فهي لدى الارتطام بالأرض أو لدى انفجارها جواً، تبعث دخاناً أبيض كثيفاً يستخدمه العسكريون في إخفاء تحركات القوات. كما يقاطع الدخان أيضاً نظم تتبع الأسلحة المستعينة بالأشعة تحت الحمراء، من ثم فهو يحمي القوات العسكرية من الأسلحة الموجهة مثل الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات. واستخدامه في المناطق المفتوحة مسموح به بموجب القانون الدولي، لكن الفسفور الأبيض المتفجر جواً فوق مناطق مأهولة هو غير قانوني بما أنه يعرض المدنيين لمخاطر لا ضرورة لها وانتشار شظاياه المحترقة على مجال واسع يمكن أن يرقى لكونه هجوم عشوائي بلا تمييز.
ويمكن أيضاً استخدام الفسفور الأبيض كسلاح ضد الأهداف العسكرية الصلبة، مثل الخنادق الخرسانية. إلا أنه لا يمكن استخدامه كسلاح مضاد للأفراد لدى توفر سلاح آخر أقل تسبباً في المعاناة التي لا ضرورة لها.
ولا يُعتبر الفسفور الأبيض سلاحاً كيميائياً وهو ليس محظوراً لكونه سلاح كيماوي. لكن مثل كل الأسلحة فإن استخدامه مُقيد بالمبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، إذ يجب استخدامه على نحو يميز بالدرجة الكافية بين المقاتلين والمدنيين، ويجب ألا يستهدف الفئة الأخيرة إطلاقاً.
وفي غزة، كان أغلب استخدام الجيش الإسرائيلي للفسفور الأبيض، على هيئة الفسفور المتفجر جواً من قذائف المدفعية عيار 155 ملم. وكل قذيفة تنفجر جواً تنشر 116 شظية فسفور أبيض محترقة تنتشر على مساحة تمتد مسافة 125 متراً من نقطة الانفجار، بناء على ظروف الهجوم وزاويته.
ويشتعل الفسفور الأبيض ويحترق لدى اتصاله بالأوكسجين، ويستمر في الاحتراق حتى درجة 1500 فهرنهايت (816 درجة مئوية) حتى لا يتبقى منه أي شيء أو حتى ينتهي ما حوله من أوكسجين. وحين يلامس الفسفور الأبيض الجلد فهو يؤدي لحروق كثيفة ومستديمة، وأحياناً ما تصل إلى العظام. والتلوث جسدياً بالفسفور الأبيض أمر ممكن وامتصاص الجسد لهذه المادة الكيميائية قد يسبب أضرار جسيمة في الأعضاء الداخلية، كما قد يسفر عن الوفاة.
وفي عمليات إسرائيل في غزة، فالظاهر أنها استخدمت الفسفور الأبيض في ثلاثة سياقات. أولاً، في ثلاث مرات على الأقل استخدم الجيش الإسرائيلي الفسفور الأبيض المتفجر جواً في مناطق كثيفة السكان. في حي تل الهوى المزدحم في مدينة غزة، على سبيل المثال، أطلقت القوات الإسرائيلية في 15 يناير/كانون الثاني قذائف فسفور أبيض متفجرة جواً فوق البيوت والمباني السكنية مباشرة، حيث يعيش المدنيون وحيث يلجأون، مما أسفر عن مقتل 4 مدنيين على الأقل من أسرة واحدة. وفي ذلك اليوم، ضربت قذائف الفسفور الأبيض مستشفى القدس ومبناه الإداري الذي تديره جمعية الهلال الأحمر الفلسطينية، مما أشعل النيران في أجزاء من المستشفى واستدعى إخلاء نحو 50 مريضاً و500 من سكان الحي كانوا قد لجأوا إلى المبنى.
وفي 15 يناير/كانون الثاني أيضاً، ضربت ثلاث قذائف فسفور أبيض على الأقل المجمع الرئيسي للأونروا في حي الرمال في وسط مدينة غزة، مما أسفر عن إصابة ثلاثة أشخاص وإشعال النار التي أتت على أربعة مباني ودمرت ما قيمته 3.7 مليون دولار من الإمدادات الطبية. وطبقاً لمسؤولي الأونروا، فإنهم تحدثوا إلى مسؤولي الجيش الإسرائيلي طوال صباح ذلك اليوم مع اقتراب القذائف بشكل تدريجي من المجمع، مطالبين إياهم بوقف إطلاق النار. وكان يأوي إلى مجمع الأمم المتحدة في ذلك الحين نحو 700 مدني.
وفي منشآة أخرى عليها علامات واضحة على كونها تابعة للأمم المتحدة – وهي مدرسة في بيت لاهيا يلجأ إليها نحو 1600 شخص مشرد – أطلق الجيش الإسرائيلي ثلاث قذائف فسفور أبيض متفجرة جواً على الأقل في 17 يناير/كانون الثاني، اليوم السابق على وقف العمليات العسكرية الكبرى. وسقطت قذيفة في فصل بالمدرسة، لتسفر عن مقتل شقيقين كانا نائمين وإصابة أمهما وابنة عم بجراح بليغة. وألحقت الهجمة الإصابات بـ 12 شخصاً آخرين وأشعلت النار في أحد الفصول. وكما هو الحال بالنسبة لكل منشآت الأمم المتحدة في غزة، فقد أمدت الأمم المتحدة الجيش الإسرائيلي بالإحداثيات الجغرافية الإلكترونية (نظام جي بي إس) للمدرسة قبيل العمليات العسكرية.
وفي الهجمات التي استهدفت مجمع الأونروا ومدرسة الأمم المتحدة في بيت لاهيا، كشفت تحقيقات هيومن رايتس ووتش عن عدم وجود مبررات عسكرية لاستخدام الفسفور الأبيض كمادة للتمويه، لأن القوات الإسرائيلية لم تكن على الأرض في تلك المناطق وقت شن الهجمات. وحين تقصت هيومن رايتس ووتش في رسالة منها بشأن هذه الحوادث، رفض الجيش الإسرائيلي الرد متذرعاً بأنه يجري تحقيقاً في الوقت الحالي.
ثانياً، استخدم الجيش الإسرائيلي الفسفور الأبيض المتفجر جواً على أطراف مناطق سكنية، ربما كمادة للتمويه لإخفاء تحركات قواته. وفي بعض هذه الحالات، مثل مهاجمة قرية صفاية بالقرب من بيت لاهيا في 4 يناير/كانون الثاني والخزاعة شرقي خان يونس في 10 و13 يناير/كانون الثاني، فإن كميات كبيرة من الفسفور الأبيض سقطت على مسافة بضعة مئات من الأمتار داخل المناطق السكنية، مما أسفر عن مقتل ستة مدنيين على الأقل وإصابة العشرات. واستخدام الفسفور الأبيض في هذه المناطق السكنية خرق الالتزام باتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة أثناء العمليات العسكرية لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين.
ثالثاً، من الواضح أن الجيش الإسرائيلي استخدم الفسفور الأبيض المتفجر جواً في مناطق مفتوحة على امتداد خط هدنة 1948 الفاصل بين إسرائيل وغزة، ربما لإخفاء تحركات قواته البرية ولحرق الشجيرات والأشجار التي تستخدمها الجماعات الفلسطينية المسلحة كغطاء، وكذلك لإشعال الألغام والمتفجرات العشوائية. ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش أيضاً من التحقيق فيما إذا كان هذا الاستخدام قد أدى لتدمير أعيان مدنية بشكل مفرط يفوق كثيراً الميزة العسكرية المتوقعة، لأن الاعتبارات الأمنية أدت لمنع السفر إلى المنطقة.
وفي جميع هذه الحالات، إذا كان التمويه بالدخان هو الهدف المأمول من الاستخدام، فإن الجيش الإسرائيلي لديه بدائل أخرى للفسفور الأبيض شديد الاحتراق، وهي بالأساس، مقذوفات المدفعية عيار 155 ملم، ذات خواص التمويه المماثلة لكن دون الآثار المحرقة والتدميرية. وسحابات الدخان المتولدة عن قذيفة الدخان المدفعية يمكن أن تنتشر بشكل أيسر على مساحة أكبر من التي ينتشر فيها الفسفور الأبيض، دون خطر إشعال الحرائق أو إصابة المدنيين بالحروق. وتنتج شركة "الصناعات العسكرية الإسرائيلية" (آي إم آي) هذه القذائف. وفيما لا تمنع قذائف الدخان عمل نظم تتبع الأسلحة ونظم الرؤية بالأشعة تحت الحمراء، فإن الجيش الإسرائيلي استخدم الفسفور الأبيض بشكل متصل أثناء النهار، مما ينفي حجة استخدامه لمنع الرؤية الليلية [بالأشعة تحت الحمراء]، ولم تعثر هيومن رايتس ووتش على أدلة على أن حماس أطلقت صواريخ موجهة مضادة للدبابات. وحتى إذا كان جنود إسرائيليون أو مدرعات إسرائيلية تحتاج إلى التمويه وكانت على الأرض في المناطق التي تم استخدام الفسفور الأبيض فيها؛ فإن التفجير جواً للذخائر الفسفورية له أثر تمويهي أقل كفاءة من التفجير أرضاً، لأن الدخان يُرجح أن يتشتت على مساحة أكبر. والتفجير البري للفسفور الأبيض، لدى توجيهه بدقة، يؤدي لخسائر أقل في صفوف المدنيين لأن شظايا القذائف المشتعلة يمكن احتوائها بيسر في حالة الإطلاق براً.
والاستخدام المتكرر والمتسق للفسفور الأبيض المتفجر جواً بدلاً من مقذوفات الدخان، خاصة في غياب القوات الإسرائيلية على الأرض، يوحي بقوة بأن الجيش الإسرائيلي لم يستخدم هذا السلاح لما له من خصائص تفيد في التمويه، بل لآثاره المحرقة. ولا تعرف هيومن رايتس ووتش بأن الجيش الإسرائيلي قد استخدم الفسفور الأبيض في غزة من قبل، رغم التوغلات المتكررة بالجنود والمدرعات داخل غزة فيما سبق.
وتبريراً لكثرة أعداد الإصابات المدنية جراء القتال في غزة، كثيراً ما لامت الحكومة الإسرائيلية والمسؤولين بالجيش الإسرائيلي حماس على استخدام المدنيين كـ "دروع بشرية" وعلى القتال من داخل أعيان مدنية. وفي الحالات التي تم توثيقها في هذا التقرير، لم تعثر هيومن رايتس ووتش على أدلة على أن حماس استخدمت دروع بشرية في المناطق القريبة من مواقع الهجمات وقت وقوعها. وتوجد بعض المناطق التي يبدو أن المقاتلين الفلسطينيين كان لهم تواجد فيها، مثل الخزاعة وتل الهوى في مدينة غزة، لكن ليس في هذا ما يبرر هذا الاستخدام العشوائي بلا تمييز للفسفور الأبيض في مناطق مأهولة بالسكان.
ولطالما انتقدت هيومن رايتس ووتش الجيش الإسرائيلي على إطلاقه قذائف المدفعية شديدة التفجير عيار 155 ملم على أو بالقرب من مناطق مأهولة بالسكان في هجمات عشوائية في خرق لقوانين الحرب. واستخدام المدفعية نفسها في إطلاق الفسفور الأبيض المتفجر جواً، وهي القذائف التي تنبعث منها شظايا فسفور محترق لمسافة 125 متراً في جميع الاتجاهات، هو أمر غير قانوني بالمثل، حين يتم في مناطق مأهولة بالسكان.
وإجمالي عدد الفلسطينيين الذين قتلوا وأصيبوا جراء الفسفور الأبيض ليس معروفاً، ويُرجح أن يبقى غير معروف. ولم تتمكن المستشفيات في غزة من توفير الإحصاءات الخاصة بالإصابات الناجمة عن الفسفور الأبيض، لأنه لا يوجد فيها الأدوات التشخيصية اللازمة لتحديد أسباب الحروق. كما أن السجلات الطبية في تلك الفترة كانت ضعيفة لأن المستشفيات كانت مزدحمة للغاية بأعداد غفيرة من الجرحى والقتلى.
إلا أن الأثر الجسيم على المدنيين والأعيان المدنية واضح. ففي الحالات الست الموثقة في هذا التقرير، وحدها، وهي تمثل مجموعة مختارة من هجمات الفسفور الأبيض على غزة، فإن قذائف الفسفور الأبيض وشظايا الفسفور الأبيض المحترقة، والحرائق المشتعلة بسببها، أدت إلى مقتل 12 مدنياً، ومنهم ثلاث نساء وسبعة أطفال، وأحدهم طفل يبلغ من العمر 15 شهراً. ولحقت الإصابات بالعشرات جراء الحروق واستنشاق الدخان. وصادفت هيومن رايتس ووتش حالات لمدنيين كانوا ما زالوا متأثرين بالإصابات جراء وطأ بقايا فسفور أبيض بالأقدام بعد 12 يوماً من توقف أعمال القتال الأساسية.
وقال أطباء فلسطينيون وأجانب عالجوا ضحايا الحروق لـ هيومن رايتس ووتش إنهم شاهدوا حروقاً كثيفة وعميقة للغاية. وفي بعض الحالات بدأت الجراح في الاحتراق ثانية أثناء تنظيفها، وهو ما يستقيم مع حقيقة أن الفسفور الأبيض يشتعل حين يلامس الأوكسجين. وقال أحد الأطباء بمستشفى الشفاء في مدينة غزة لـ هيومن رايتس ووتش: "لأول مرة أرى هذا النوع العجيب من الحروق، فهو عميق للغاية يبلغ العظام". وأضاف: "ويؤدي لعدوى بكتيرية مما يجعله لا يشبه أي حرق آخر".
وتم نقل جرحى مصابون بحروق جسيمة إلى مصر للعلاج، خاصة إذا كانوا بحاجة إلى رقع جلدية، لأن مستشفيات غزة لا يمكنها توفير الرعاية الملائمة. وقال طبيب في القاهرة يعالج سكان غزة لـ هيومن رايتس ووتش: "لدينا الكثير من الحروق، في واقع الأمر هي حروق كيماوية". وأضاف: "وأغلبها حروق من الدرجة الثالثة، وهي تبدو كيماوية وليست بالحروق العادية. إذ لا يوجد جلد على الحرق وأحياناً لا توجد عضلات".
وأثناء الأبحاث التي دامت 11 يوماً من 21 إلى 31 يناير/كانون الثاني 2009، عثر باحثو هيومن رايتس ووتش على 24 قذيفة مدفعية فسفور أبيض عيار 155 ملم في مناطق للمدنيين في غزة، والظاهر أنها كانت في الأماكن التي سقطت فيها، بما في ذلك بعض المنازل وفي الطرقات في الأحياء السكنية. وكانت القذائف والعبوات داخلها ملونة بطلاء أخضر فاتح يميزها عن غيرها من القذائف، وهو ما يعني أن بداخلها فسفور أبيض.
أظهر نازعو الألغام الفلسطينيين لـ هيومن رايتس ووتش 48 قذيفة إضافية قالوا إنهم أخرجوها من مناطق للمدنيين، رغم أن الموقع الدقيق لمكان عثورهم على هذه القذائف غير واضح. ومن غير المرجح أن نازعي الألغام جمعوا أيا من هذه القذائف من مناطق مفتوحة بالقرب من خط الهدنة بين إسرائيل وغزة؛ لأن الاعتبارات الأمنية تحظر الدخول إلى هذه المناطق، وتكرر فتح القوات الإسرائيلية النار على أي شخص يقترب حتى مائة متر من الأراضي الإسرائيلية.
كما عثرت هيومن رايتس ووتش على عبوات وعشرات الشظايا الفسفورية المحترقة وفيها فسفور أبيض، في الطرقات وعلى أسطح المباني وفي الباحات الخاصة بالسكان، وفي مدرسة الأمم المتحدة في بيت لاهيا. والكثير منها تعاود الاحتراق لدى ركلها أو تحريكها، وهو ما يكشف الفسفور الأبيض على الأوكسجين في الهواء. وحين اشتعلت وانبعث منها الدخان، بعثت رائحة نفاذة تشبه الثوم، وهذا من خصائص الفسفور الأبيض.
وجميع قذائف الفسفور الأبيض التي عثرت عليها هيومن رايتس ووتش من نفس المجموعة المصنوعة في الولايات المتحدة في عام 1989 في شركة "ثيوكول إيروسبايس" والتي كانت تدير مصنع ذخائر الجيش في لويزيانا في ذلك الحين. بالإضافة إلى أنه في 4 يناير/كانون الثاني 2009، صورت وكالة رويترز للأنباء وحدات من سلاح مدفعية الجيش الإسرائيلي وهم يجهزون مقذوفات عليها ما يشير إلى أنها أميركية الصنع، وأنها مصنوعة في ترسانة "باين بلاف" للأسلحة بتاريخ سبتمبر/أيلول 1991.
إن استعداد الجيش الإسرائيلي للتحقيق في استخدامه للفسفور الأبيض هو خطوة تحظى بالترحيب، لكن يظهر من تاريخ الجيش الإسرائيلي أن احتمال موضوعية التحقيق هو احتمال ضئيل. فالتحقيقات السابقة للجيش الإسرائيلي أخفقت في الفحص الموضوعي لخروقات قوانين الحرب المفترض ارتكاب الجنود والقادة الإسرائيليين لها. وفي حالة عملية الرصاص المصبوب، فإن التحقيقات العسكرية يظهر منها بالفعل أن الجنود والقادة لم يفعلوا ما يسوء، حتى قبل انتهاء التحقيقات.
وقال الكولونيل ليرون ليبمان، الذي أصبح رئيساً لقسم القانون الدولي في الجيش الإسرائيلي بعد انتهاء أعمال القتال الموسعة في يناير/كانون الثاني: "يجب ألا يقلق القادة أثناء القتال من التحقيقات ويذهب النوم من عيونهم بسببها". وأضاف: "من المستحيل ألا ترتكب الأخطاء في مثل هذه البيئة المزدحمة، وتحت الضغوط".[1] وأضاف الكولونيل ليبمان أن اتهامات جرائم الحرب المنسوبة إلى الجنود والقادة الإسرائيليين هي "إرهاب قانوني".
وعلى حكومة الولايات المتحدة – التي أمدت إسرائيل بذخائر الفسفور الأبيض – أن تجري تحقيقاً لتحديد ما إذا كانت إسرائيل قد استخدمت السلاح بما ينتهك القانون الإنساني الدولي.
منهج التقرير
أثناء العمليات العسكرية الموسعة، من 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 حتى 18 يناير/كانون الثاني 2009، منعت إسرائيل دخول جميع وسائل الإعلام والمراقبين الحقوقيين إلى غزة. وتم أيضاً منع الدخول عبر رفح من مصر. ومع عدم قدرة باحثي هيومن رايتس ووتش على دخول غزة، فقد أمضوا فترة على الجانب الإسرائيلي من خط هدنة 1948 القريب من شمال غزة. وفي 9 و10 و15 يناير/كانون الثاني، شاهدوا مدفعية الجيش الإسرائيلي تكراراً وهي تطلق الفسفور الأبيض المتفجر جواً فوق المناطق المدنية، ومنها ما يبدو أنها مدينة غزة وجباليا. وأطلقت القوات الإسرائيلية هذه القذائف من منصة مدفعية عيار 155 ملم تقع إلى شرق الطريق السريع رقم 232 الممتد داخل إسرائيل. وكان شكل الانفجار، الذي تنبعث منه شظايا محترقة لأسفل، متسقاً مع الصور الصحفية التي تم التقاطها منذ بدء الغزو البري في 3 يناير/كانون الثاني. ومع منع إسرائيل الباحثين من دخول غزة، فلم يتمكنوا من أن يحددوا بشكل دقيق مكان سقوط الفسفور الأبيض أو آثاره على السكان المدنيين.
ودخل باحثو هيومن رايتس ووتش غزة عبر معبر رفح من مصر في 21 يناير/كانون الثاني، بعد ثلاثة أيام من توقف العمليات العسكرية الموسعة، وأمضوا الأيام العشرة التالية في التحقيق في مواقع كثيرة تم فيها استخدام الفسفور الأبيض، وأجروا التحقيقات في الأضرار اللاحقة بالمدنيين والأعيان المدنية جراء استخدامه. وأثناء تلك الفترة، أجرى باحثو هيومن رايتس ووتش 29 مقابلة مع ضحايا وشهود على استخدام الفسفور الأبيض، وكذلك مع سائقي عربات الإسعاف والأطباء الذين عالجوا الأشخاص المصابين بحروق. وتم إجراء مقابلات مع أطباء عالجوا مرضى الحروق، وكذلك مع شاهد آخر على هجمات الفسفور الأبيض، في القاهرة بمصر، في 9 و10 فبراير/شباط.
وفي 1 فبراير/شباط 2009 قدمت هيومن رايتس ووتش قائمة من الأسئلة التفصيلية عن الفسفور الأبيض للجيش الإسرائيلي، وهي معروضة كملحق بهذا التقرير. وفي 15 فبراير/شباط رد الجيش الإسرائيلي على الرسالة، وهي في ملحق التقرير أيضاً، قائلاً إنه لا يمكنه عرض الإجابات في الإطار الزمني المذكور، وهو أسبوعين. وورد في الرسالة: "شكل الجيش الإسرائيلي فريقاً للتحقيق من القيادة الجنوبية لفحص القضايا التي أثرتموها، وسوف يستند ردنا على ما تنتهي إليه نتائج التحقيق.
II. التوصيات
إلى الحكومة الإسرائيلية
- ينبغي فوراً تشكيل هيئة مستقلة للتحقيق في كافة مزاعم الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي على يد قوات الجيش الإسرائيلي في غزة، في الفترة من 27 ديسمبر/كانون الأول إلى 18 يناير/كانون الثاني، بما في ذلك استخدام الفسفور الأبيض. وينبغي عرض نتائج التحقيق علناً وأن تشمل توصيات بإجراءات تأديبية أو ملاحقات جنائية حسب الضرورة.
- يجب أمر الجيش الإسرائيلي بالكف عن أي استخدام لذخائر الفسفور الأبيض في المناطق المأهولة بالسكان، في غزة وأي مكان آخر.
- يجب التصديق على بروتوكول حظر وتقييد استخدام الأسلحة المحرقة (البروتوكول الثالث)، لاتفاقية الأسلحة التقليدية.
- يجب مساعدة الضحايا والتعويض على القتلى والجرحى والأضرار اللاحقة بالممتلكات جراء استخدام الجيش الإسرائيلي غير القانوني للفسفور الأبيض في المناطق المأهولة بالمدنيين في غزة.
- يجب السماح بدخول الخبراء الطبيين إلى غزة، وكذلك المواد الطبية المتخصصة والمعدات المطلوبة لعلاج الأشخاص المصابين بالفسفور الأبيض.
- يجب تيسير إخراج ضحايا الفسفور الأبيض من غزة، وهذا بالنسبة لمن لا يتوفر لهم العلاج هناك. ويجب مساعدة هؤلاء الأشخاص في العثور على علاج في إسرائيل أو أماكن أخرى.
إلى الأمم المتحدة
- يجب النظر في استخدام الجيش الإسرائيلي للفسفور الأبيض ضمن تحقيقات الأمم المتحدة في مجريات القتال في غزة، من قبل مجلس حقوق الإنسان ولجنة التحقيق التي عينها الأمين العام، وكذلك في معرض أية تحقيقات مستقبلية.
- يجب الكشف علناً عن نتائج كافة تحقيقات الأمم المتحدة في مجريات النزاع المسلح في غزة وجنوب إسرائيل.
- على مجلس الأمن أو الأمانة العامة بالأمم المتحدة أن تعين هيئة دولية مستقلة لتقصي الحقائق كي تحقق في المزاعم القابلة للتصديق الخاصة بخرق القانون الإنساني الدولي في غزة وجنوب إسرائيل من قبل الجيش الإسرائيلي وحماس بين 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 و18 يناير/كانون الثاني 2009، بما في ذلك استخدام الفسفور الأبيض. ويجب أن تتوصل الهيئة إلى الحقائق الأساسية وتوصي بآليات لتحميل الجناة المسؤولية ولإمداد الضحايا بالتعويضات.
إلى الولايات المتحدة
- ينبغي التحقيق فيما إذا كانت إسرائيل استخدمت الفسفور الأبيض المصنوع في الولايات المتحدة في غزة بشكل ينتهك القانون الإنساني الدولي أو أي اتفاقات أو سياسات نقل أسلحة.
- يجب وقف كل عمليات نقل ذخائر الفسفور الأبيض إلى إسرائيل إلى أن ينتهي التحقيق المذكور أعلاه.
III. ما هو الفسفور الأبيض؟
الفسفور الأبيض هو مادة كيماوية تشتعل وتحترق لدى اتصالها بالأوكسجين، وتولد دخاناً أبيض كثيفاً يدوم لمدة سبع دقائق، وله رائحة مميزة تشبه رائحة الثوم.
ويستخدم العسكريون ذخائر الفسفور الأبيض بالأساس بصفته "مادة تمويه" لتغطية التحركات الخاصة بالعمليات البرية، من قوات ومدرعات ومركبات. ويمكن أيضاً استخدامه كسلاح حارق لإحراق أو "إخراج العدو بالنار" من مكمنه، أو لإشعال النار في الأهداف العسكرية. ويمكن استخدام الفسفور الأبيض في قذائف المدفعية أو القنابل أو الصواريخ أو القنابل اليدوية.
وليس الفسفور الأبيض محظوراً بموجب معاهدة دولية، مثل غاز الخردل أو الألغام المضادة للأفراد. ولا يُعتبر سلاحاً كيماوياً، لكنه من الذخائر المحرقة، إذ أنه يتسبب في اشتعال الحرائق.
وحين يتم استخدامه بحيث يشتعل في الجو، يمكن أن تسقط 116 شظية مغلفة بالفسفور من القذيفة المدفعية 155 ملم العادية، وتنتشر الشظايا المذكورة على مساحة تصل إلى 250 متراً (قطر الدائرة). وإجمالاً فإن القذيفة المتفجرة جواً تُطلق ما هو مجموعه 12.74 رطلاً (5.7 كيلوغرام) من الفسفور الأبيض المحترق.
وحين يلامس الفسفور الأبيض الأشخاص أو الأشياء، فهو يؤدي إلى حروق كثيفة ودائمة الأثر، ويبعث بحرارة مرتفعة ويمتص السوائل. وهو قابل للذوبان في المواد العضوية والدهون لكن ليس في الماء، التي تعادل أثره بأن تقطع عنه إمداد الأوكسجين.
وبالإضافة إلى التسبب في حروق جسيمة، فإن الفسفور الأبيض يمكنه أيضاً اختراق الأجساد وإصابة الأعضاء الداخلية بالتسمم. وطبقاً لتقرير تم تحضيره أثناء القتال الأخير من قبل مكتب المسؤول الطبي بالجيش الإسرائيلي فإن "من نتائج الفسفور الأبيض طويلة الأمد الفشل الكلوي والإصابة في الكلى". وانتهى التقرير إلى أن "الجرح الذي تتسبب فيه متفجرات تحوي الفسفور مدمر للغاية للأنسجة العضوية".[2]
وصدر تقرير من وزارة الصحة الإسرائيلية وهو بدوره يجري تقييماً مروعاً للمخاطر الطبية للفسفور الأبيض. والتقرير بعنوان "التعرض للفسفور الأبيض" ورد فيه أن "الفسفور الأبيض قد يسبب إصابات جسيمة والوفاة حين يلامس الجلد، أو لدى استنشاقه أو ابتلاعه". وورد أيضاً: "بسبب كونه قابل للذوبان للغاية في الدهون، فسرعان ما يخترق الجلد من السطح أو من الشظية المغروسة في الجلد. وأغلب الدمار اللاحق بالأنسجة سببه الحرارة المصاحبة لاستمرار تأكسد الفسفور ومن تأكسد حمض الفسفوريك" كما ورد في التقرير أن "التسمم النظامي" يمكن أن يؤدي إلى:
بالإضافة إلى الآثار المحرقة "المألوفة"، فإن الفسفور الأبيض سام، وله آثار خطيرة تكثف من أثر الإصابات. والكثير من الدراسات المعملية أظهرت أن الحروق التي تغطي نسبة قليلة من الجسد، نحو 12 إلى 15 في المائة من الجسم، في حيوانات التجارب وأقل من 10 في المائة في البشر، يمكن أن تكون قاتلة بسبب آثارها على الكبد والقلب والكليتين. وبالإضافة إلى وجود آثار أخرى منها النقص الحاد في الكالسيوم والتأخر في التئام الجروح والحروق.[3]
استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض
استخدمت القوات الإسرائيلية الفسفور الأبيض في الماضي، ويُلاحظ استخدامه على نحو خاص في حربي 1982 و2006 في لبنان.[4] ويستخدم الجيش الإسرائيلي نظم إطلاق غير مباشرة لقصف ذخائر الفسفور الأبيض، مما يعني أن وحدة الإطلاق لا ترى الهدف، بل تعتمد على أجهزة تحديد مواقع توفر لها معلومات عن النقطة المستهدفة. ولإطلاق الفسفور الأبيض على غزة، استخدم الجيش الإسرائيلي قذائف مدفعية عيار 155 ملم وقذائف هاون عيار 120 ملم. وعثر باحثو هيومن رايتس ووتش على بقايا نوعي القذائف في غزة، بالأساس في المناطق السكنية. واستخدام الفسفور الأبيض المتفجر جواً بواسطة قذائف مدفعية عيار 155 ملم في مناطق مأهولة بالمدنيين، مما أدى إلى وقوع إصابات ودمار، هو بؤرة تركيز هذا التقرير.
وكل قذيفة عيار 155 ملم تحتوي على عبوة خضراء فاتحة اللون عليها حروف "WP CANISTER" وداخلها أربعة خانات معدنية مقسمة. والخانات تضم 116 شظية مغمسة في الفسفور. وحين تنفجر العبوة جواً، تنبعث منها الشظايا، من داخل العبوة الخارجية للقذيفة، وتنتشر على مساحة واسعة، مما يخلف القذائف الفارغة على الأرض. وحين تنكشف الشظايا على الأوكسجين فهي تشتعل. وقد عثر باحثو هيومن رايتس ووتش على قذائف فارغة، وعبوات فسفور أبيض غير مشتعلة، وبقايا العبوات الداخلية وشظايا فسفور أبيض من داخل العبوات في مناطق متعددة من قطاع غزة. ورأى الباحثون الشظايا تشتعل حين يتم تحريكها أو كشفها للأوكسجين، لمدة أسبوعين بعد سقوطها.
وجميع قذائف الفسفور الأبيض التي عثرت عليها هيومن رايتس ووتش في غزة من نفس المجموعة، إذ صُنعت جميعاً في الولايات المتحدة، وعليها حروف: THS89D112-003 155MM M825E1. الحروف: THS89D ترمز إلى كود الجهة المُصنعة، وتعني أن القذائف وما داخلها مصنوع في أبريل/نيسان 1989 في شركة "ثايوكول أيروسبايس"، وهي الشركة التي كانت تدير مصنع ذخائر الجيش الأميركي في لويزيانا في ذلك الحين، والرموز 112-003 تشير إلى الرمز الوسيط ثم الرقم التتابعي على التوالي، مما يشير إلى أن عدة مجموعات من نفس نوع الذخيرة هذا قد صُنعت في وقت واحد. والرمز 155 mm يشير إلى عيار القذيفة. والجزء: M825E1 هو الكود العسكري الأميركي لقذائف عيار إم 825 فيها فسفور أبيض أعيد تصنيعها لتصبح مستوفية لمعيار إم 825 أيه 1، وهو الطراز الحالي.[5]
بالإضافة إلى أن وكالة رويترز للأنباء صورت وحدة المدفعية بالجيش الإسرائيلي بالقرب من غزة، والجنود يستخدمون مقذوفات طراز إم 825 أيه 1، في 4 يناير/كانون الثاني 2009، وعلى هذه المقذوفات الكثير من أرقام: PB-91J011-002A وترمز إلى أن هذه القذائف مصنوعة في الولايات المتحدة، طرف ترسانة باين بلاف للأسلحة بتاريخ سبتمبر/أيلول 1991.
ومن بدائل الفسفور الأبيض كمادة للتمويه، مقذوفات الدخان عيار 155 ملم، التي تُحدث أثراً تمويهياً موازياً دون الآثار المحرقة أو المدمرة.[6] فضلاً عن أن الستار الدخاني المتولد عن القذائف الدخانية يمكن أن ينتشر بيسر على مساحة أكبر من مساحة انتشار الفسفور الأبيض. ولدى الجيش الإسرائيلي قذائف دخانية، وتصنع شركة "الصناعات العسكرية الإسرائيلية – IMI" القذيفة عيار 155 ملم طراز إم 11 6 أيه 1.[7]
وفي بعض الحالات الموثقة في هذا التقرير، يبدو من القرائن أن الجيش الإسرائيلي استخدم الفسفور الأبيض المتفجر جواً لآثاره المحرقة، وربما لتفجير مخابئ أسلحة حماس أو الأجهزة المتفجرة يدوية الصنع.
وقابلت هيومن رايتس ووتش جندي إسرائيلي شارك في عملية الرصاص المصبوب كعامل طبي احتياطي وخدم في غزة لأكثر من عامين قبل فك الاشتباك في عام 2005. وقد أمضى الأيام الأخيرة من العملية في غزة، حسب قوله، بالقرب من زيتون، جنوب شرق مدينة غزة.
وفيما يخص الفسفور الأبيض، فإن الجندي – الذي طلب عدم ذكر اسمه – قال إنه رأى الجيش الإسرائيلي يفجره جواً بزاوية 30 درجة من مدفعية 155 ملم فوق المنازل التي اشتبهوا في أن داخلها كمائن، بناء على معلومات استخباراتية.
وقال: "لا أعرف لماذا الزاوية منخفضة، لكنها مستخدمة بغرض حرق المنزل". وأضاف: "قيل لنا أنه منزل خاو، وكنا نعرف أنه مفخخ بالألغام. وقد انفجر [بعد إصابته بالفسفور الأبيض] ووقعت عدة تفجيرات أخرى [ربما بسبب أسلحة مُخزنة في المنزل]".[8]
وأضاف: "كما رأيت مجندون يستخدمون الفسفور الأبيض في زيتون. وقد تم إطلاقه على ارتفاعات منخفضة للغاية. ولم تصدر تعليمات خاصة بشأنه. لكن ضمن تدريبنا الطبي مررنا بسيناريو حول كيفية التعامل معه".
واستخدام الفسفور الأبيض المتفجر جواً لتدمير البيوت المشتبه في أن داخلها أسلحة أو أنها كمائن هو مسألة تثور حولها تساؤلات كثيرة، حين يكون لدى الجيش الإسرائيلي أسلحة أكثر دقة مصممة لتقليل الأضرار الجانبية، مثل القنبلة طراز جي بي يو – 39، وهي قنبلة موجهة زنة 250 رطلاً (113 كغم).
استخدام حماس المزعوم للفسفور الأبيض
في 14 يناير/كانون الثاني زعمت الشرطة الإسرائيلية أن حماس أطلقت قذيفة هاون واحدة فيها فسفور أبيض من غزة على إسرائيل. وقال المتحدث باسم الشرطة ميكي روزنفيلد إن القذيفة سقطت في حقل قريب من سديروت ذلك الصباح، ولم تسفر عن أية إصابات أو أضرار.[9] وأفادت صحيفة هاآرتس أنها أصابت حقلاً مفتوحاً في منطقة إشكول في غرب النقب.[10]
وذهب باحث لـ هيومن رايتس ووتش إلى سديروت اليوم التالي للزعم بوقوع الانفجار للتحقيق، لكن السلطات المحلية قالت إنها لا علم لها بوقوع هجوم. وقال أحد سكان سديروت إنه سمع بشأن قذيفة هاون، وربما كانت محملة بالفسفور الأبيض، وأنها سقطت في حقل على مشارف البلدة، لكنه لا يعرف أين تحديداً. وحين طُلب من المتحدث باسم الشرطة ميكي روزنفيلد التفاصيل قال لـ هيومن رايتس ووتش: "كل ما لدي وارد في البيان الصحفي".[11]
IV. هجمات الفسفور الأبيض على المناطق المأهولة بالسكان
حققت هيومن رايتس ووتش في ست حالات في غزة استخدم فيها الجيش الإسرائيلي ذخائر الفسفور الأبيض في مناطق مأهولة بالسكان. واثنتان من هذه الحالات كانتا في قرى بالقرب من خط الهدنة بين غزة وإسرائيل، على جانب غزة من الخط. في بلدة صفاية، إلى الشمال، والخزاعة، إلى الجنوب. ومع تصعيد الجيش الإسرائيلي لحملته البرية، أطلق قذائف فسفور أبيض على مناطق أكثر كثافة سكانية في أماكن حضرية، ومنها حي الرمال وحي تل الهوى في مدينة غزة، وكذلك وسط بيت لاهيا.
الهجمات على المناطق الحضرية
حي تل الهوى، مدينة غزة
يقع حي تل الهوى جنوب شرق مدينة غزة في منطقة سكنية ثرية نسبياً ذات شوارع واسعة وبنايات سكنية متعددة الطوابق يسكنها في الأغلب أشخاص من المهنيين وأسرهم – وهي منطقة يدعوها أحد السكان بأنها "معقل علماني". وقد أصابت الهجمات الجوية للجيش الإسرائيلي مواقع في هذه المنطقة، مثل المبنى الإداري لوزارة الداخلية ومبنى تستخدمه إدارة الجمارك بوزارة المالية، منذ بداية العملية. وقد بدأ القتال البري حين بدأت قوات الجيش الإسرائيلي تتوافد على الحي من الجنوب لفترات قصيرة في 11 يناير/كانون الثاني أو نحوه، وحسب الزعم بغرض مواجهة نيران الهاون والرصاص الكثيف من الجماعات الفلسطينية المسلحة.[12]
واشتد القتال حوالي منتصف الليل من 14 – 15 يناير/كانون الثاني، حين تقدمت القوات الإسرائيلية إلى تل الهوى بالقوات والدبابات، وهو أكبر توغل لها داخل وسط المدينة حتى الآن. وطبقاً للتقارير الإعلامية والسكان، فقد تمركزوا في أجزاء من الحي، مع تمركز الدبابات في الشارع الصناعي، بعد المزيد من المواجهات المسلحة مع حماس. وحوالي الساعة 7 صباح يوم 15 يناير/كانون الثاني، بدأ الجيش الإسرائيلي يطلق مدفعية شديدة التفجير وفسفور أبيض على المنطقة. وطبقاً لثلاثة من السكان بالمنطقة، تمت مقابلتهم في مقابلات منفصلة، فقد دام القصف نحو ثلاث ساعات، وأثناء تلك الفترة أسفر الفسفور الأبيض عن مقتل أربعة مدنيين، وهم جميعاً ينتمون لأسرة واحدة وكانوا في سيارة. وتم استئناف القصف في الصباح التالي، حوالي الساعة 1:15 صباحاً، ودام على الأقل حتى الساعة العاشرة من صباح اليوم نفسه.
وزارت هيومن رايتس ووتش المنطقة في 22 يناير/كانون الثاني لفحص أين تم استخدام الفسفور الأبيض. وعلى سطح أحد المباني السكنية، رأى الباحثون حفرة تسببت فيها قذيفة أصابت السطح واخترقت المبنى من فوق. وعلى ذلك السطح، وفي المنطقة المفتوحة المواجهة عبر الشارع، كانت توجد ثماني قطع من الشظايا المغمسة بالفسفور الأبيض، وقد غطاها السكان بالرمال لوقف الاحتراق. وحين تم الكشف عنها وركلها، اشتعلت القطع ثانية وانبعث منها دخان كريه الرائحة. ولدى سؤال السكان، أظهروا قطعتين من غلاف قذيفة مدفعية عيار 155 ملم المحملة بالفسفور الأبيض والمطلية باللون الأخضر الفاتح، وهذا في شقة فتحي صباح، 46 عاماً، وهو صحفي يعمل لصالح صحيفة الحياة. والقطعتان من نفس المجموعة، من إنتاج عام 1989 من شركة ثايكول أيروسبايس التي كانت تدير مصنع ذخائر الجيش في لويزيانا. وتم العثور على قذيفة ثالثة عليها نفس العلامات على مسافة مربع سكني من الساحة المفتوحة، ومعها عبوة خضراء فاتحة من قذائف الفسفور الأبيض، عليها كتابة"WP CANISTER" والعشرات من قطع الشظايا المغمسة بالفسفور.
وقال سكان الحي لـ هيومن رايتس ووتش ما حدث حين انفجرت القذائف في 15 يناير/كانون الثاني. فطبقاً لفتحي صباح، فقد وقعت عدة انفجارات حوالي الساعة 7 صباحاً، فأفزعت أسرته وهم نيام في الطابق الثاني من بنايتهم السكنية. وبعد نحو ثلاث ساعات، انفجرت قذيفة فوق مبناهم، حسب قوله، تلتها نيران ودخان. وأوضح:
أفقت من النوم في السابعة صباحاً على صوت تفجيرات ثقيلة في المنطقة. وكانت القذائف تتساقط حولنا واحدة كل دقيقة. ورحت أراقب ورأيت دخاناً أبيض ولهباً يغمر الطريق الرملي، على مسافة 200 متر. وحين رأينا أن القصف ثقيل قلنا للسكان في المبنى أن يهبطوا إلى الطابق السفلي، فدخلت النساء إلى القبو والرجال إلى الطابق الثاني. وحوالي الساعة 10 صباحاً، أصابت قذيفة المبنى. وبعد عشر دقائق صعد مُلاك الشقق في الطوابق العليا للطوابق العليا لتفقدها. قال اثنان من ملاك الشقق على الجانب الجنوبي للمبنى إن القذائف أصابت شققهما. وبعد ساعة شممنا رائحة شيء ما. صعدنا فيما بعد واكتشفنا أن حجرة النوم في الطابق الخامس مشتعلة. واتصلنا بالإطفاء واللجنة الدولية للصليب الأحمر. وقالوا إن الجيش الإسرائيلي لا يسمح لهم بالمرور.[13]
وفي هذه اللحظة، حسب قول صباح، توافد الجيران على المبنى طلباً للمساعدة، إذ كانت هناك أسرة عالقة في سيارة مشتعلة في أخر قصف. وقال شخص آخر من سكان الحي تمت مقابلته على انفراد، 55 عاماً ويُدعى محمد الشريف، وهو مالك لمصنع طلاء، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان يعرف بشأن السيارة المحترقة:
قالت لي ابنتي أن ثمة سيارة مشتعلة وداخلها أشخاص. طللت إلى الخارج ورأيت شاباً فقد السيطرة على نفسه وهو يحاول الدخول إلى سيارة مشتعلة. حين وصلت إلى السيارة كان قد سقط وقد اشتعلت فيه النيران. كان القصف مستمراً فجررته إلى شارع ضيق وحاولت أن أحادثه، لكنه لم يكن قادراً على الكلام. كانت إحدى عينيه قد احترقت وقد ألمت به إصابات بليغة.[14]
وطبقاً للشريف، فإنه برفقة الرجل الآخر حوصرا داخل الشارع لمدة تسعين دقيقة مع استمرار القصف، ولأنهما كانا يخشيان القناصة الإسرائيليين في المنطقة. وما إن توقف القصف، حتى حمل برفقة شابين آخرين الرجل المصاب إلى سيارة لأحد الجيران واقتادوه إلى مستشفى الشفاء. وحوالي الساعة 2:30 مساءً عاد الشريف إلى السيارة ووجد أن أجزاء منها قد ذابت وأن خزان الوقود انفجر.
وفي ذلك التوقيت تقريباً وصل فتحي صباح بدوره إلى السيارة، حيث صادف أحد الجيران وسيارة إسعاف كانت قد حضرت لإخراج جثث الموتى للدفن. ووسط الحطام والحريق، حسب قوله، عثروا على عظام قليلة لشاغلي السيارة الأربعة. وقطعة من جمجمة وبعض الأسنان إلى جوار السيارة، حسب قول الشريف.
القتلى هم:
عدي الحداد، 55 عاماً، مدير فرع في بنك فلسطين
إحسان، 44 عاماً (زوجة عدي)
حاتم، 24 عاماً، طالب محاسبة بالجامعة الإسلامية (ابن عدي وإحسان)
آلاء، 14 عاماً، تلميذة (ابنة عُدي وإحسان).
الرجل المصاب الذي حاول دخول السيارة كان أحد أبناء عدي وإحسان، وهو محمد الحداد، 25 عاماً. وتحدثت هيومن رايتس ووتش إلى الحداد في وحدة الحروق بمستشفى الشفاء في 27 يناير/كانون الثاني، ودعم في أقواله الحقائق التي وردت على لسان كل من صباح والشريف.
وطبقاً لمحمد الحداد، فقد بدأ الجيش الإسرائيلي في قصف تل الهوى في الساعة الصابحة صباح يوم 15 يناير/كانون الثاني. وانتظر هو وأسرته في منزلهم بشارع الجامعة الإسلامية حتى الساعة 11 صباحاً، حسب قوله، حين أعلنت إسرائيل أنها ستبدأ في وقف مؤقت أحادي الجانب لإطلاق النار. وفي ذلك التوقيت، استقلوا سيارتهم الفولكس فاجن غولف الرمادية موديل عام 1996. وأوضح ما حدث بعد ذلك:
بعد أن تحركنا نحو 100 متر نحو التقاطع في نهاية شارعنا، تعرضنا للإصابة. أخرجتني قوة الانفجار من السيارة. وفقدت وعيي، لكن بعدها عدت إلى السيارة، حيث قال السيد الشريف إنه عثر عليّ. وبعدها أفقت في المستشفى.[15]
وبالإضافة إلى فقده لعينه اليسرى، فقد أصيب الحداد بحروق من الدرجة الثالثة في رجليه ويديه وجبينه وانكسر فكه. والوحيد غيره المتبقي من أسرته، هو شقيقه الأصغر سلام، 18 عاماً، وكان قد خرج من بيت الأسرة في العاشرة صباحاً، قبل بدء وقف إطلاق النار.
وقد عالج د. نظيف أبو شعبان، رئيس وحدة الحروق والجراحات التجميلية في مستشفى الشفاء، محمد أبو حداد لدى وصوله. وقال د. أبو شعبان إنه لم يعالج أي من إصابات الفسفور الأبيض قبيل عملية الرصاص المصبوب وأن المستشفى لم يُصنف الإصابات بصفتها جراء الفسفور الأبيض بسبب نقص الأدوات التشخيصية اللازمة. إلا أن د. أبو شعبان قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه يبدو أن إصابات محمد تتفق مع كونها إصابات ناجمة عن الفسفور الأبيض. وقال: "نعتقد أنها بسبب الفسفور الأبيض لأن الحروق عميقة للغاية. وقد استأصلنا الأنسجة المحترقة ثم تدهور حال إصاباته. وحين رأيناه لأول مرة كانت الجروح سطحية أكثر من حالها الآن. وسوف نجري له عملية ثانية غداً لاستئصال المزيد من الأنسجة".[16]
وفي 28 يناير/كانون الثاني، تفقدت هيومن رايتس ووتش بقايا عربة أسرة الحداد، والتي ما زالت ملقاة في الشارع الذي ضُربت فيه. وقد احترق الهيكل المعدني للسيارة وداخلها، وذابت العجلات، وتشوه المعدن من حولها. وانفجر الجزء الخلفي للسيارة جزئياً، والظاهر أن السبب هو قوة انفجار خزان الوقود.
واستمر قصف الجيش الإسرائيلي لتل الهوى بالفسفور الأبيض حتى مطلع الصباح التالي، 16 يناير/كانون الثاني، رغم أن الإصابات في صفوف المدنيين غير معروفة. وقال الصحفي فتحي صباح أنه شاهد حوالي الساعة 11:15 صباحاً: "قطع من شيء ما أصابت نافذة المطبخ وأحترق الزجاج ومرت عبره، فأشعلت الحرائق". وأضاف: "رمينا الماء عليه لكنه لم يتوقف عن الاحتراق فدفعناه خارج النافذة". وقال: "هب إلى الداخل الدخان الأبيض، وملأ الشقة وخنق أفراد الأسرة". وأضاف: "لم نكن نعرف كنهه، وكنا نخشى أن المنطقة قد تعرضت للهجوم، فلجأنا إلى مركز المبنى، لدى المصعد، ونحن نحسب أنه أسلم مكان لأنه بعيد عن النوافذ". ووقف 11 شخصاً من العائلة يختنقون مع قدوم الدخان من السلم المركزي الملتف حول المصعد. وقال: "خشينا الخروج من المبنى حتى رغم عدم وجود قتال، فاتصلنا باللجنة الدولية للصليب الأحمر على جهازي اللاسلكي لكنهم لم يتمكنوا من الحضور بما أن سيارات الإسعاف كانت ممنوعة من دخول المنطقة، من قبل الجيش الإسرائيلي". وطبقاً لصباح، فإن النيران اشتعلت لعدة دقائق قبل أن تكف. وقال: "حين ذهبت إلى السطح كان مغطى بشظايا مشتعلة، وكذلك الشوارع".
مستشفى الشفاء، حي تل الهوى، مدينة غزة
قصف 15 يناير/كانون الثاني في تل الهوى أصاب أيضاً مجمع مستشفى القدس، وتديره الجمعية الفلسطينية للهلال الأحمر. وكان المستشفى يعالج نحو 50 مريضاً في ذلك التوقيت، ويؤوي نحو 500 من السكان المحليين الذين خرجوا التماساً للملجأ بعيداً عن القتال.
وقد أتت النيران على المبنى الإداري وأعلى طابقين من مبنى المستشفى الرئيسي، جراء ذخائر الفسفور الأبيض المتفجر جواً. والمستشفى عليه بوضوح علامة دالة على أنه مستشفى، وليس هناك ما يوحي باندلاع قتال من منطقة قريبة منه في ذلك الحين، رغم تواجد الجيش الإسرائيلي في تل الهوى.
وقد قصف الجيش الإسرائيلي المنطقة طيلة نهار يوم 15 يناير/كانون الثاني، وفي 9 صباحاً، بدأ الدخان يتصاعد من المبنى الإداري. وقال محمد أبو مصبح، 28 عاماً، مدير خدمات إدارة الكوارث في المستشفى، لـ هيومن رايتس ووتش: "رأيت قطعاً من الشظايا المشتعلة تتساقط". وأضاف:
سقطت قطعاً مشتعلة على مسافة متر ونصف المتر من محطة الأوكسجين، وسقطت الكثير من الشظايا حول المجمع. وسقطت شظايا مشتعلة أخرى بالقرب من مولد الكهرباء حيث نُخزن 20 ألف لتراً من الوقود. واستخدمنا المياه والرمال لإطفاء الحرائق. وخشينا أن ينتشر الحريق ليطول الأوكسجين والوقود مما قد يؤدي لانفجار.[17]
وبدأ العاملون الطبيون في مقاومة الحريق في المبنى الإداري ومعهم أعضاء فريق الطوارئ الطبي في المستشفى، باستخدام الدلاء لنقل المياه والرمال. وأدركوا أن طفايات الحريق تزيد الاشتعال، فحاولوا وضع حاجز للنيران بقطع ممشى في الطابق الثاني يربط بين المبنى الإداري والمستشفى. وبعد فترة وجيزة أصابت قذيفة فسفور أبيض المستشفى نفسه واشتعلت النيران في السطح. وترك العاملون بالمستشفى المبنى الإداري وركزوا جهودهم على مبنى المستشفى نفسه. وأصابت عدة قذائف دبابات المستشفى بدورها، ومنها واحدة أصابت الصيدلية في الطابق الثاني حوالي الساعة 9:30 صباحاً، لكن النيران كانت هم العاملين الأول. وبعد ساعتين وصلت المطافئ والدفاع المدني وبدأوا في مكافحة الحرائق المنتشرة من أعلى بناية المستشفى إلى الطوابق السفلية.
وقال أبو مصبح: "مع حصار قوات الإطفاء لمنطقة وانتقالهم إلى أخرى كانت الرياح تعيد إشعال الحريق فيهرعون إلى الأماكن التي انتهوا منها". واضاف: "ولم ينطفئ الحريق بالكامل حتى السادسة من صباح اليوم التالي". وأضاف أن الحريق دمر سيارتي إسعاف ومنطقة تخزين معدات طبية على مسافة 200 متر تقريباً من مقر المستشفى الرئيسي.[18]
ومع اشتعال المستشفى، قرر الأطباء إخلاء المبنى. وطبقاً لأبو مصعب ود. جمال الصفادي، 36 عاماً، وهو جراح عظام، فقد اتصل المستشفى باللجنة الدولية للصليب الأحمر لتنسيق الإخلاء المبدئي لحوالي 500 شخص من الحي كانوا قد لجأوا إلى المستشفى بعيداً عن القتال.[19] وبإمكان هذه المجموعة التحرك أسرع من مرضى المستشفى البالغ عددهم 50 مريضاً تقريباً، حسب ما خطر للعاملين بالمستشفى، إذ سيستغرق الأمر بعض الوقت لتحضير الجرحى للنقل. وحوالي الساعة الثالثة مساءً، وصلت عربتان تابعتان للصليب الأحمر لقيادة قافلة المدنيين، الذين كان من المقرر نقلهم إلى مدرسة قريبة للأونروا. وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر للمستشفى إنه من غير الممكن تنسيق نقلة أخرى مع الجيش الإسرائيلي حتى الغد.
وقال د. الصفدي لـ هيومن رايتس ووتش إنه في ذلك التوقيت، كان المستشفى يعالج 40 بالغاً مصابين، وسبعة أطفال رضع في الحضانة، وأربعة مرضى في العناية المركزة. وفيما تم إخلاء السكان المحليين من المستشفى، أعاد العاملون بالمستشفى توطين نحو 30 مريضاً في حجرات عمليات المستشفى، وهي تُعد أكثر أمناً.
وبين الساعة 8 و8:30 مساءً، طبقاً لأبو مصبح ود. الصفدي، انفجرت قذيفة أخرى يُعتقد أنها تحوي فسفوراً أبيض، بالقرب من المستشفى، فأدت لاشتعال المزيد من الشظايا التي سقطت على السقف. ومع اشتعال الحريق مجدداً، قرر مدير المستشفى د. خالد جودة، ومدير حجرة الطوارئ، د. بشار مراد، أنه يجب إخلاء الجميع.
وأحد من تم إخراجهم من المستشفى هو طارق البرادي، 24 عاماً، وهو طالب تكنولوجيا معلومات في الجامعة الإسلامية، وقال إنه كان في المستشفى لتلقي العلاج من كسور متعددة وجروح شظايا ألمت به جراء ضربة جوية على بيته في تل الهوى، في 4 يناير/كانون الثاني. وأدت الهجمة نفسها إلى مقتل شقيقه عمر البالغ من العمر 12 عاماً، حسب قوله.
وأثناء الإخلاء من مستشفى القدس، قال طارق إنه كان يرقد على محفة في سيارة إسعاف. ووصف الرحلة إلى مستشفى الشفاء:
استقللت سيارة الإسعاف مع فتاة تبلغ من العمر 8 أعوام كانت تنزف من رأسها. وأطللت من النافذة فرأيت مجموعة من الأشخاص المصابين يسيرون في الشارع. وكان هناك الكثير منهم. لم أتعرف في الشوارع على شوارع غزة. رأيتها تحترق ولم أصدق أن ما أراه هو مبنى المستشفى.[20]
وطبقاً لـ د. الصفدي، فإن الوفاة ماتت أثناء نقلها إلى مستشفى الشفاء.
وقد تفقدت هيومن رايتس ووتش الضرر الذي ألم بمستشفى القدس وانتهت إلى وجود أدلة مادية تتفق مع الروايات الشخصية لهجمات الفسفور الأبيض. والطابقان العلويان من المبنى الرئيسي للمستشفى أتت عليهما النيران، وثمة طابق ثالث تضرر بشدة. وتفحمت حجرات المرضى في الطابق الرابع – وكانت غير مشغولة بالأشخاص أثناء الهجوم – من الأرض للسقف. وتم تدمير حجرة ألعاب الأطفال تماماً، في الطابق الرابع، ولطخت بقع الفحم لعبة السلم وأرجوحة دائرية صغيرة. كما احترقت صالة الألعاب في الطابق السادس وكانت مفتوحة على السماء حين تفحصت هيومن رايتس ووتش الموقع.
وعلى مسافة 100 متر تقريباً في الشارع إلى الجنوب، يوجد المبنى الإداري للمستشفى ذات الطوابق الستة، ويفصله عن مبنى المستشفى الرئيسى مبنى آخر منخفض. والمبنى بأكمله أتت عليه النيران وما تبقى منه لا يزيد عن الجدران. ومن الخارج تفحمت النوافذ تماماً ببقع سوداء ممتدة أعلى إطار النوافذ العلوي.
وتفحصت هيومن رايتس ووتش هيكلين لقذيفتي فسفور أبيض عيار 155 ملم في مكتب مدير المستشفى. وقال مسؤولو المستشفى إن إحدى القذيفتين منقولة من الطابق العلوي لمبنى المستشفى الرئيسي والأخرى سقطت إلى جوار المستشفى. وكانت الأجزاء العلوية من القذيفتين قد انفجرت مما أزال العلامات المنقوشة عليها، لكن القذيفتين كانتا كما هو واضح من نفس مجموعة قذائف الفسفور الأبيض التي عثرت عليها هيومن رايتس ووتش في شتى أنحاء غزة، إذ كان عليها نفس الطلاء الأخضر الفاتح.
مجمع مقر الأونروا، مدينة غزة
يغطي مجمع الأونروا نحو أربعة هكتارات على أطراف حي غزة الأكثر ثراء، وهو حي الرمال، والمقر محاط بأسوار خرسانية ارتفاعها ثلاثة أمتار على الأقل. وفي المجمع مقار لجميع عمليات الأونروا في سائر أنحاء الشرق الأوسط ومكتبه الميداني الخاص بعمليات غزة، بما في ذلك المرافق اللوجستية مثل المخازن والمرأب.
وحوالي الساعة 7:30 صباح يوم 15 يناير/كانون الثاني، بدأت قذائف مدفعية الجيش الإسرائيلي تسقط بالقرب من المجمع، رغم اتصالات بمكاتب الجيش الإسرائيلي من العاملين في الأونروا، يطلبون فيها من الجيش أن يتوقف. وحوالي الساعة 10 صباحاً، كانت ست قذائف قد سقطت على المجمع، وثلاث منها على الأقل محملة بالفسفور الأبيض، وكذلك شظايا من جولة ثقيلة من قذائف المدفعية. ولحقت الإصابات بثلاثة أشخاص وأدى الفسفور الأبيض لإشعال الحرائق. وكان يؤوي إلى المجمع نحو 700 مدني[21] في ذلك التوقيت.
وطبقاً لبيان صادر عن الأونروا: "أشعلت قذائف الفسفور الأبيض – وهي مادة شديدة الاشتعال – ورشة [العربات] ومخزنين كبيرين يحتويان على مساعدات غذائية ودوائية".[22] واستمرت أجولة الطحين الممتلئة في الاحتراق نحو 12 يوماً، حتى 27 يناير/كانون الثاني.
وزارت هيومن رايتس ووتش مجمع الأونروا في 28 يناير/كانون الثاني وشاهدت أربعة مباني – مخزنين كبيرين ومرأب للعربات وورشة – وقد أتت عليها النيران. وقال العاملون في الأونروا إن إعادة بناء وتعمير المخازن ستكلف نحو 10 ملايين دولار، ومنها 3.7 مليون دولار قيمة الإمدادات الطبية التي احترقت.[23] كما أتت النيران على البطانيات والحشايا ومعدات التعقيم ولحوم معلبة وحقائب طحين الدقيق. واحترقت ثلاث سيارات بالكامل وتضررت 15 سيارة.
وطبقاً للأونروا، فإن الهجوم أصاب أحد العاملين بالأمم المتحدة واثنين من المدنيين كانا يلتمسان اللجوء في المجمع.[24]
وطبقاً لما ذكرت الحكومة الإسرائيلية، فإن الجيش الإسرائيلي فتح النيران على مقر الأونروا بعد أن هاجمت حماس جنود إسرائيليين من داخل المجمع. وقال رئيس الوزراء إيهود أولمرت للأمم للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وكان في زيارة لإسرائيل وقت وقوع الهجوم: "نحن لا نريد لمثل هذه الحوادث أن تقع وأعتذر عنها لكن لا أعرف إن كنتم تعرفون، فإن حماس أطلقت النار من موقع الأونروا". وأضاف: "إنه حادث مؤسف وأعتذر عليه".[25]
ونفى مدير الأونروا في غزة، جون غينغ بصفة قطعية دخول أي مقاتل فلسطيني إلى المجمع، دعك من إطلاق النار من داخله على جنود إسرائيليين.[26] وقال مسؤولون بالأمم المتحدة أنهم أجروا عشرات المكالمات المُلحة بشكل متزايد مع ضباط الجيش الإسرائيلي مع اقتراب القذائف من المجمع، مطالبين إياهم بوقف الهجوم، ولم يحذر الجيش الإسرائيلي الأونروا بشأن نشاط لحماس في المجمع أو بالقرب منه. وقال غينغ: "كان يجب أن يخبرونا إذا كان هناك مقاتلين يعملون من داخل المجمع أو من المنطقة". وأضاف: "حقيقة أنهم لم يفعلوا نعتبرها مؤشر على أنهم لم يكن هناك مقاتلين في المجمع أو المنطقة".[27]
أما محمد أبو شملة، 46 عاماً، فقد وصل إل محل عمله في الأنروا، حيث يعمل حارس أمن، في تمام الساعة 7:30 من صباح اليوم. وقال لـ هيومن رايتس ووتش إنه سمع انفجارات مدفعية هناك منذ ما بعد وصوله مباشرة حتى الساعة التاسعة صباحاً:
في البداية لم أكن أعرف أين تتساقط القذائف لكن الجدران كانت تهتز. وبعد نحو 30 دقيقة انتقلنا [إلى مبنى آخر] لأننا حسبنا أن المكان الجديد أكثر أمناً. ثم قال لنا أحد الزملاء أن هناك حريقاً داخل المجمع يهدد شاحنات الوقود. فخرجنا للمساعدة. وكانت الرائحة مروعة، مثل القمامة. وكانت النار مشتعلة في المرأب. وبدأنا في تحريك السيارات التي لم تشتعل بعد. وكانت هناك سحابات من الدخان الأسود في كل مكان. ورأيت قذيفة على الأرض لم تكن قد انفجرت. ولم أنم بالمرة تلك الليلة، إذ رحت أركض في أنحاء المكان في محاولة لإطفاء الحرائق. وكانت النيران ما زالت تشتعل وتنطفئ حين غادرت المجمع صباح اليوم التالي في التاسعة.[28]
وقال المسؤول الميداني للأونروا في غزة، سكوت أندرسن، لـ هيومن رايتس ووتش، إنه كان في المجمع حين بدأ القصف:
لا أعرف تحديداً متى أصبنا بأول قذيفة، لكن القذائف تواترت بالقرب من الساعة 8 صباحاً، واتصلت بوحدة تنسيق الجيش الإسرائيلي في إيريز لأحاول أن أحملهم على وقف الهجوم. ونسق القصف كان كالتالي، إذ بدأ من ناحية كلية تدريب غزة، في الجزء الغربي من مجمع الأونروا، ثم انتقل القصف إلى الغرب ومضى في طريقه ليشمل كل المجمع. وتم استهداف المجمع نفسه لمدة ساعة تقريباً.[29]
وأندرسن، ضابط الجيش الأميركي المتقاعد، خمن أن الجيش الإسرائيلي "يسير" بنيران مدفعيته عبر المنطقة، إذ يطلق القذائف في قوس ممتد على مسافات منتظمة. وأظهر لباحثي هيومن رايتس ووتش ثلاث قذائف مدفعية مضروبة، وكلها عليها طلاء أخضر يدل على أنها تحوي الفسفور الأبيض، وقال إنها سقطت في المجمع، وكذلك أظهر ست حفر دالة على نقاط الارتطام، داخل المجمع، والظاهر أنها حيث سقطت القذائف.[30] وسجلت هيومن رايتس ووتش أربعة من من نقاط الارتطام الستة، واحدة على سطح المخزن، وأخرى على جدار معدني اخترقته وسور منخفض، وأخرى في حفرة في ساحة الانتظار، وواحدة في زاوية ساحة الانتظار.
وطبقاً لأندرسن فإن القذيفة التي أصابت حفرة ساحة الانتظار لم تنفجر، فخلفت عبوة فيها فسفور أبيض ما زال داخلها. وفيما بعد أزال فريق نزع ألغام من الأمم المتحدة القذيفة من المنطقة، حسب قوله.
كما شاهدت هيومن رايتس ووتش صوراً فوتوغرافية لقذائف مدفعية مضروبة ومتفجرات لم تنفجر ذكرت الأمم المتحدة أنها أخرجتها من مجمع الأونروا بعد ضربه. وقذائف العيار 155 ملم خضراء الطلاء كان عليها العلامات الدالة على كونها تحوي الفسفور الأبيض. وطبقاً للصور، فإن شظايا فسفور أبيض سقطت أيضاً داخل المجمع، وكذلك شظايا من قذيفة مدفعية واحدة على الأقل لم تنفجر.
ولم يراود أندرسن أدنى شك في أن الفسفور الأبيض أصاب المجمع. وقال: "بدا مثل الفسفور، ورائحته كالفسفور، وهو يحترق مثلما يحترق الفسفور".
وطبقاً لأندرسن فإن مبعث القلق الأساسي بعد الهجوم مباشرة كان مخزون المجمع من الوقود الديزل البالغة كميته 100 ألف لتر[31] وست شاحنات نقل وقود، اثنتان منهم ممتلئتان في ذلك التوقيت، وربما تشتعل فيها النيران:
وكانت اثنتان من شاحنات الوقود متوقفتان إلى جوار جدار أحد المخازن التي اشتعلت فيها النيران. ورأيت الشظايا المحترقة تسقط تحت أحد الشاجنات، فهرعت برفقة زميل إليها بطفايات الحريق، ونحن نظن أن بإمكاننا إطفاءها، لكن لم نستطع. من ثم أزحناها بعيداً من تحت الشاحنة بالعصي. وتبين لنا أننا سنموت على أية حال إذا انفجرت الشاحنة. ثم سقطت قذيفة أخرى، ورأيتها بنفسي وهي تمر فوقي، وسقطت القذيفة لدى طرف ساحة الانتظار. وبعد ذلك أخرجنا الجميع، ونقلنا شاحنات الوقود نحو 800 متر على امتداد الطريق إلى ساحة فارغة تم قصفها بالفعل. وأصيب الناس هنا بإصابات خفيفة فقط، فقد كنا محظوظين.
ورأت هيومن رايتس ووتش حفرة صغيرة قال أندرسن إنها جراء قذيفة مدفعية، وهي على مسافة 10 أمتار تقريباً من حيث كانت شاحنات الوقود متوقفة.
وحسب ما قالت كلير ميتشل، مسؤولة ميدانية في الأونروا، فإن خمسة من كبار العاملين في الأونروا أجروا عشرات المكالمات الهاتفية مع الجيش الإسرائيلي أثناء الهجوم، وقد سجلت قائمة بالاتصالات التي أجرتها الأونروا مع الجيش الإسرائيلي في تلك الفترة.
وقالت: "بدأ سكوت [أندرسن] يتصل حوالي الساعة 8 صباحاً بالميجور أفياد سيلبرمان في [معبر] إيريز. وأجرى أيدان أوليري اتصالات بشكل منتظم بدءاً من بعد الساعة التاسعة صباحاً بقليل، مع يوري سينغر و[باروخ] شبيغل الجنرال [المتقاعد] [رئيس وحدة التنسيق الإنساني في الجيش الإسرائيلي] في تل أبيب".[32]
وأكد أندرسن إجراء مكالمات هاتفية عديدة مع الجيش الإسرائيلي: "رحت أتصل بأشخاص في الجيش الإسرائيلي في إيريز طوال الوقت. وقالوا إنهم يحاولون وقف القصف. ويبدو أنهم لم يكن بوسعهم شيء". وأضاف: "أعرف أنه في الجيش الأميركي يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل وقف قصف المدفعية".
وقال مدير الأونروا في غزة، جون غينغ، إنه بدوره تحدث إلى الجيش الإسرائيلي وقت الهجوم.[33] وقال ومعه عاملون آخرون في الأونروا إنهم أعطوا الجيش الإسرائيلي الإحداثيات الدقيقة لجميع مرافق الأمم المتحدة في غزة قبل عملية الرصاص المصبوب. وفي كلمة له في مؤتمر صحفي في 15 يناير/كانون الثاني، قال غينغ إنه بعد إصابة القذائف الأولى للمجمع، نبهت الأونروا الجيش الإسرائيلي إلى الموقع الدقيق لشاحنات الوقود. وأصر على أنه "لا يوجد مقاتلين في المجمع، ولم يتم إطلاق النار إطلاقاً من داخل المجمع".[34]
وطبقاً لكبير المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، بريغادير جنرال آفي بينياهو، فإن الجيش الإسرائيلي فتح التحقيق. وقال: "إذا اتضح أننا قمنا بالرد على مصدر لإطلاق النار، فسوف نقول هذا، وإذا تبين أن العملية تمت بالخطأ فلن نتردد في الاعتراف".[35]
مدرسة الأونروا في بيت لاهيا
حوالي الساعة 6 صباح يوم السبت الموافق 17 يناير/كانون الثاني، بدأ الجيش الإسرائيلي بإطلاق ثلاث قذائف مدفعية على الأقل، وهي التي حددت هيومن رايتس ووتش أنها محملة بالفسفور الأبيض، على وفي جوار مدرسة ابتدائية تديرها الأمم المتحدة في بيت لاهيا. وفي ذلك التوقيت كان في المدرسة نحو 1600 شخص، وكانوا يلتمسون اللجوء هناك بعيداً عن المناطق المجاورة. ولم تعثر هيومن رايتس ووتش على أية قرائن تشير إلى أن وحدات الجيش الإسرائيلي أو الجماعات المسلحة الفلسطينية قد نشطا في المنطقة في ذلك الحين.
وتمخض الهجوم عن مقتل شقيقين صغيرين حين سقطت قذيفة الفسفور الأبيض على فصل في الطابق العلوي من المدرسة، وأصابت القذيفة أيضاً أمهما وابنة عم لهما بجراح بليغة. كما نثر القصف شظايا الفسفور الأبيض فوق المدرسة وفي المنطقة المحيطة، مما أدى إلى إصابة 12 شخصاً، وأدى لإشعال النار في فصل مدرسي يؤوي إليه الأشخاص المشردون، وألحق الأضرار بسوق تجاري قريب.[36] وزارت هيومن رايتس ووتش الموقع في 23 يناير/كانون الثاني، بعد ستة أيام من الهجوم، وشاهدت شظايا الفسفور الأبيض ما زالت تحترق حين يخرجها الأطفال من الرمال.
وطبقاً لاثنين من الشهود، فحوالي الساعة 3 صباحاً، بدأ الجيش الإسرائيلي في إطلاق القذائف التي يبدو أنها تحوي الفسفور الأبيض على مسافة نحو 600 متر شمالي المدرسة. نمر المقوسي، 50 عاماً، وهو موظف عاطل عن العمل يعيش على الجانب الآخر من الطريق، في مواجهة المدرسة، قال إنه شاهد القذائف تنفجر شمالي بيت لاهيا كل بضعة دقائق. وقال: "حيثما تسقط قطع القذيفة، تندلع النيران فوراً"، وقد خمن أن القذائف قادمة من الجنوب الشرقي.[37] ويوسف داود، 45 سنة، كهربائي عاطل يقيم في الشارع نفسه، وفي مواجهة المدرسة بدوره، كان يشاهد الانفجارات نفسها. وإثر مقابلته بصورة منفصلة، قال لـ هيومن رايتس ووتش: "لم ينم أي ممن كانوا في البيت. كنا جميعاً نخشى القصف المقترب".[38]
وحوالي الساعة السادسة صباحاً، ولأسباب مجهولة، بدأت القوات الإسرائيلية تقصف مدرسة الأمم المتحدة في بيت لاهيا. وطبقاً لثلاثة شهود عيان – رجلان يقيمان على الجانب الآخر من الطريق، قبالة المدرسة، ورجل ثالث كان داخل المدرسة في ذلك الحين – فلم تكن هناك قوات إسرائيلية في المنطقة في ذلك التوقيت. وجميع شهود العيان قالوا إنهم شاهدوا ثلاث قذائف على الأقل تنفجر فوق المدرسة.
علي الشمالي، 46 عاماً، ويعمل كمساعد في المدرسة ومتطوع في اللجنة المحلية للأشخاص المشردين، قال إنه شاهد قذيفة تسقط عبر سطح المدرسة وتستقر في فصل بالطابق العلوي. وقال: بعد أقل من عشر دقائق سقطت قذيفة فسفورية[39] أخرى فهرعنا إلى الطابق العلوي. ثم ثلاث أو أربع قذائف فسفورية أخرى، وأصابت واحدة السوق المجاور للمدرسة".[40]
والقذيفة التي أصابت الفصل المدرسي قتلت على الفور شقيقين صغيرين وأصابت أمهما إصابات بليغة، حسب قول الشمالي. وتعرف مركز الميزان لحقوق الإنسان، ومقره مدينة غزة، في الطفلين على بلال الأشقر، 5 أعوام، ومحمد الأشقر، 4 أعوام.[41] وحسب قول قريبة للضحايا، أزهار الأشقر، فإن أم الصبي، نجود، 28 عاماً، أصيب في رأسها ويدها اليمنى، وتم فيما بعد بترها في المستشفى. وابنة عم الصبي، منى، 18 عاماً، أصيب في الساق وتم بتر ساقها فيما بعد.[42]
واستقرت العشرات من الشظايا المحترقة في فناء المدرسة واشتعلت النيران في فصل بالطابق الثاني، حسب قول جميع الشهود. وفي 23 يناير/كانون الثاني، شاهدت هيومن رايتس ووتش الفصل المتفحم وداخله ملابس محترقة وأغراض شخصية أخرى.
واستمر الهجوم مع توافد سيارات الإسعاف والمطافئ إلى المكان، حسب قول الشهود، فيما فر المشردون الذين كانوا يأوون إلى المدرسة إلى الشوارع والمنازل القريبة. وقال يوسف داود إنه رأى المزيد من القذائف تنفجر فوق المدرسة، فأدت لانفجار قطع من الركام والشظايا المشتعلة استقرت في شرفته. وقال: "كان الدخان أبيض وفيه مسحة من اللون الأصفر، والرائحة مروعة. ويبدو أنها تؤثر على صحة الصغار وكبار السن على الأخص".
وطبقاً لنمر المقوسي، فإن بعض القذائف سقطت في المدرسة فيما سقطت أخرى في الشارع القريب. وقال متذكراً: "كان المشهد يفوق الوصف. فالناس في المستشفى يركضون في ذعر، وكانوا قد تركوا منازلهم والتمسوا اللجوء في المدرسة التي أصبحت مأواهم الآن، لكنها بدورها لم تعد حصينة. وبعض الناس اشتعلت فيهم النار وذابت أجزاء من أجسادهم".
وصل شاهد رابع، هو رأفت شامية، 34 عاماً، إلى الموقع بعد حوالي 50 دقيقة من بدء القصف، للمساعدة في إخلاء المصابين. وقال: "وصلت ورأيت قطعاً من الفسفور مبعثرة في الفناء. وكانت هناك قذيفة أصابت منطقة دورات المياه بعد أن وصلت".[43] وأطلع هيومن رايتس ووتش على مشاهد الفيديو التي قال إنه سجلها للواقعة من هاتفه الجوال، بدءاً من الساعة 6:55 صباحاً. ويظهر في مشاهد الفيديو عشرات الشظايا المحترقة المبعثرة في مجمع المدرسة، والتي ينبعث منها دخان كثيف، وكذلك احتراق الفصل في الطابق الثاني. ويمكن في التسجيل سماع صوت فرقعة قوية، والظاهر أن مبعثه قذيفة أصابت المدرسة. وطبقاً للشمالي، فإن الجولة الأخيرة من الهجوم أصابت دورات مياه المدرسة.
كما انبعثت من الكثير من القذائف المتفجرة جواً شظايا مشتعلة سقطت في منطقة السوق المجاورة للمدرسة، حسب قول الشهود. وكان السوق مصاباً بأضرار جسيمة حين تفقدته هيومن رايتس ووتش في 23 يناير/كانون الثاني.
وقال الشمالي لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يكن ثمة مقاتلين فلسطينيين في المدرسة. وقال: "لم يكن من المسموح لأي شخص يحمل السلاح بالدخول إلى المدرسة. وحتى في الظروف العادية، فليس من المسموح للمدنيين بالدخول إلى المبنى. وأنا أعرف أحوال المدرسة، فهذه وظيفتي، ولم يأت من المدرسة أي إطلاق للنار".
وكما هو الحال بالنسبة لمواقع الأونروا التي تعرضت للهجمات الإسرائيلية، فقد أفضت الأمم المتحدة بإحداثيات مدرسة بيت لاهيا للجيش الإسرائيلي قبل بدء العملية العسكرية.
وقال كريستوفر غانس، المتحدث باسم الأونروا: "كان الجيش الإسرائيلي يعرف جيداً بإحداثيات المدرسة وكان من المفترض أنه يعرف بوجود مئات الأشخاص المحتمين بالمدرسة. وحين تُصاب المدرسة إصابة مباشرة في الطابق الثالث منها، فيجب إجراء تحقيق لمعرفة ما إذا كانت جرائم حرب قد ارتكبت".[44]
وعلى حد علم هيومن رايتس ووتش، فإن الجيش الإسرائيلي لم يجر عمليات برية في المنطقة المحيطة بالمدرسة في أي وقت أثناء عملية الرصاص المصبوب. وتحقيقات هيومن رايتس ووتش في المنطقة لم تكشف عن أية أدلة مادية توحي بوقوع مواجهة مع الجماعات الفلسطينية المسلحة، من قبيل الحفر المتخلفة عن الرصاصات، أو فوارغ الرصاص أو آثار لسير الدبابات على الأرض.
الهجمات على المجتمعات السكنية البعيدة
قرية صفاية، بيت لاهيا
قصفت القوات الإسرائيلية مناطق مفتوحة في شمال غزة منذ بدء العملية العسكرية في 27 ديسمبر/كانون الأول، لكنها لم تضرب أية مناطق سكنية شمال بيت لاهيا، ومنها قرية صفاية، الواقعة شمالي العتاترة. والسكان هناك، وأغلبهم يعملون في الحقول القريبة، يقولون إنهم مكثوا في منازلهم، دون أن يخشوا على سلامتهم بسبب غياب الجماعات المسلحة الفلسطينية عن المنطقة. وبعضهم على اتصال دائم بالإسرائيليين، إذ يتاجرون معهم في الفراولة وغيرها من السلع.
وأصبحت قرية صفاية أكثر خطراً في 3 يناير/كانون الثاني، حين كثف الجيش الإسرائيلي من قصفه وغاراته الجوية للشمال، في تحضير ظاهر للهجوم البري الذي كان من المقرر أن يبدأ تلك الليلة. وطبقاً لأحد السكان المحليين ورئيس التعاونية الزراعية لمزارعي الفراولة، والخضراوات والزهور، محمود خلايل: "كانوا يبثون رسالة مفادها الإخلاء".[45] وطبقاً لسكان آخرين، فقد أسقط الجيش الإسرائيلي منشورات من الجو تحذر المدنيين بضرورة مغادرة المنطقة، لكن السكان لم يغادروا لأنهم، حسب قولهم، لم يكن هناك أي مقاتلين في المنطقة وحسبوا أنهم في أمان.[46]
وطبقاً لمحمود خلايل، فحوالي الساعة العاشرة مساءً، وصلته مكالمة هاتفية من ضابط إسرائيلي يُدعى بالاد، وكان يعرفه من خلال نشاط التنسيق الخاص بالأعمال مع الجيش الإسرائيلي. وقال له بالاد أن يحذر سكان المنطقة وأن يغادروا، خاصة في منطقة عائلة الغول والبدو.[47] وبدأت الدبابات الإسرائيلية تقترب بعد فترة وجيزة، حسب قول خلايل، تحت غطاء جوي. وحوالي الساعة 1:30 صباح يوم 4 يناير/كانون الثاني، حسب قوله، أطلق الجيش الإسرائيلي ثلاثة صواريخ على الطرف الشمالي لمنزله. وتفقد باحثو هيومن رايتس ووتش المنزل في 23 يناير/كانون الثاني فرأوا ضرراً لحق بطرفه الشمالي يتفق مع مواصفات الضربة الصاروخية، رغم أنه لم يتم التحقق يقيناً من عدد الصواريخ التي أصابت المكان. وطبقاً لخلايل، فإن الضابط الإسرائيلي بالاد اتصل به مجدداً حوالي الساعة السابعة صباحاً، ليخبر الجميع بألا يغادروا المنطقة، بل يمكثوا في بيوتهم.
واستمر القصف والضرب الجوي في المناطق المفتوحة حول قرية صفاية طوال اليوم، وكذلك إلى الجنوب قليلاً حيث اقتربت القوات الإسرائيلية من قرية العتاترة، التي تبعد نحو 500 متر، والتي احتلوها بعد ذلك. وقال سكان صفاية لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لجأوا إلى منازلهم، على أمل أن تتوقف الهجمات، وأنهم لم يروا أو يسمعوا مقاتلين فلسطينيين في المنطقة.[48] ومن بينهم 14 عضواً من عائلة أبو حليمة، الذين تجمعوا في منزل سعد الله وصباح أبو حليمة، في الردهة الوسطى بالمنزل على الأرجح.
والمنزل، الذي زارته هيومن رايتس ووتش في 23 يناير/كانون الثاني، هو ثاني مبنى من حيث البُعد عن الحقول المفتوحة، ومنه – البيت – ترى العين مشاهد مفتوحة لبيت لاهيا ومخيم جباليا للاجئين. وتبين من آثار الدبابات أنها تمركزت في حقل قريب على مسافة 100 إلى 120 متراً من منزل أبو حليمة بعد أن غادرت الأسرة المنطقة في 4 يناير/كانون الثاني.
وفي مقابلات منفصلة، قال ثلاثة أفراد من العائلة لـ هيومن رايتس ووتش ما حدث في ذلك العصر، حوالي الساعة 4 مساءً، حين أصابت قذيفة مدفعية تحتوي على الفسفور الأبيض إصابة مباشرة منزلهم، فأسفرت عن مقتل خمسة من العائلة وجرح خمسة آخرين. وتستقيم الشهادة مع الروايات الواردة في الصحف ومع ما ذكره بتسيلم، مركز حقوق الإنسان الإسرائيلي.
وقال أحمد أبو حليمة، الابن البالغ من العمر 22 عاماً لسعد الله وصباح أبو حليمة، وكان داخل المنزل ساعة الهجوم، قال لـ هيومن رايتس ووتش ما رآه:
كنت أحدث أبي حين سقطت القذيفة. وأصابت أبي مباشرة وقطعت رأسه. كان الانفجار كبيراً والرائحة لا تُحتمل. وقد انبعث من الانفجار حريق كبير. وراحت القطع [من القذيفة] تحترق ولم نتمكن من إطفاءها... وهرعنا إلى الخارج، أربعتنا الذين لم نتضرر. زوجة شقيقي وابنته وغادة وفرح، نزلوا بلا ملابس [لأنها كانت تحترق]. وشقيقي يوسف وعلي أيضاً. كان على وجه يوسف حرق وحرق آخر على ظهر علي.[49]
وكان عمر أبو حليمة، شقيق أحمد، ويبلغ من العمر 18 عاماً، في المنزل المجاور لدى منزل عمله، حين سقطت القذيفة:
سمعت صوت الانفجار، فهرعنا إلى الطريق ورأينا أن بيتنا أصيب. صعدنا للطابق العلوي وحين وصلت وجدت أبي وأربعة آخرين قتلى. نقلناهم إلى الخارج ثم تعاملنا مع الأربعة المصابين.
كان الدخان كثيفاً على السلم. دخلنا واشتممت رائحة غريبة للغاية. لم يحصل لنا شيء كهذا من قبل. كان من الصعب التقدم، في البداية رأيت أمي تخرج من المنزل وهي مصابة ببعض الحروق. وعثرنا عليها في مدخل المنزل. قالت لنا أن ندخل ونُحضر أشقائي المصابين. لكن حين دخلنا لم نر شيئاً بسبب الدخان والتراب، ولم نتمكن من التنفس. عثرنا على زوجة شقيقي، غادة، وكانت تحترق في اللهب، وكذلك ابنتها فرح، وكانت تحترق بدورها. كان هناك أيضاً شقيقي يوسف وعلي. وجميعهم مصابون بحروق بشعة، وكانت ثيابهم تذوب. كانوا جميعاً يحترقون لكن عبد الرحمن وأبي انقطعت رؤوسهم من أجسادهم أيضاً. نقلنا المصابين في جرارين، وأمي في الأول. حاولنا الاتصال بالإسعاف لكنهم قالوا إنه ليس بإمكانهم الحضور.[50]
القتلى في الهجوم هم:
سعد الله أبو حليمة، 45 عاماً، أب (زوج صباح)
عبد الرحمن، 14 عاماً، الابن
زيد، 11 عاماً، الابن
حمزة، 10 أعوام، الابن
شهد، 15 شهراً، الابنة.
المُصابون هم:
صباح أبو حليمة، 44 عاماً، الأم (زوجة سعد الله)
يوسف، 16 عاماً، الابن
علي، 5 أعوام، الابن
غادة، 21 عاماً، زوجة الابن محمد
فرح، عامان، ابنة غادة ومحمد
وفي 23 يناير/كانون الثاني، زارت هيومن رايتس ووتش منزل أبو حليمة. وفي السطح فوق الردهة، حيث قالت الأسرة إنها كانت تختبئ، رأى الباحثون حفرة قطرها نحو المتر، ويبدو أن سببها هو القذيفة. والردهة نفسها تحت الحفرة كانت متفحمة ومحترقة وفيها بقايا أثاث محترق. والحجرات حول الردهة محترقة سوداء الجدران ومفاتيح الكهرباء البلاستيكية ومنافذ الكهرباء ذائبة. والخشب حول الأبواب والنوافذ متفحم محترق. وعلى جدار إحدى الحجرات كتب أحدهم بقلم أحمر الشفاه باللغة العربية مع بعض الأخطاء الإملائية: "من جيش دفاع إسرائيل، نحن آسفون".[51] ولا يعرف السكان إن كانت القوات الإسرائيلية قد دخلت منازل الحي لأنهم فروا، لكن مواقع الدبابات على مسافة 100 متر تقريباً إلى شرق منزل أبو حليمة تشير إلى تواجد القوات على مقربة من المكان.
ووسط بقايا متعلقات العائلة، عثرت هيومن رايتس ووتش على شظايا قذيفة مدفعية عيار 155 ملم، مطلية باللون الأخضر الفاتح الذي يستخدمه العسكريون للدلالة على أنها قذائف فسفور أبيض، وكذلك تم العثور على قطعة القاعدة الخاصة بالقذيفة. وتم العثور على عبوتين لمتفجرات مستخدمتان لحمل الفسفور الأبيض في قذائف المدفعية، على أعتاب البيت. وتم العثور على قذيفة وعبوة فسفور آخريين على مسافة نحو 20 متراً غرب البيت، وثالثة على مسافة 50 متراً تقريباً من المنزل في نفس الاتجاه. ولا تعرف هيومن رايتس ووتش إذا كانت أي من القذائف قد ضربت هذه المواقع تحديداً أم تم نقلها إليها.
وفي اليوم التالي، زارت هيومن رايتس ووتش صباح أبو حليمة، الأم، التي كانت تتلقى العلاج من الحروق الجسيمة في مستشفى الشفاء بمدينة غزة. وكانت رجل وذراع صباح أبو حليمة اليمنيين مضمدتين. وكانت حسب ما رؤيت في صدمة ولم تحاول هيومن رايتس ووتش مقابلتها. وراحت تكرر: "إنهم يأخذون أطفالي". إلا أنها قبل ذلك تحدثت إلى وسائل الإعلام عما جرى لأسرتها. وقالت لصحيفة نيويورك تايمز: "راح الأطفال يصرخون: حريق! حريق! وكان هناك دخان في كل مكان وكانت هناك رائحة بشعة خانقة. صاح ابني البالغ من العمر 14 عاماً: سأموت، سوف أصلي. ورأيت زوجة ابني وجسدها يذوب".[52]
وتحدثت هيومن رايتس ووتش إلى د. علاء علي من وحدة الحروق بمستشفى الشفاء، حيث كانت صباح أبو حليمة تلقى الرعاية. وقال إنها دخلت المستشفى في الساعة 5:05 مساء يوم 4 يناير/كانون الثاني، وأظهر لنا سجلات المستشفى التي تؤكد هذه المعلومة وتوقيتها، وقال: "كانت صباح مصابة بحروق عميقة للغاية تصل إلى العظام، وفي بعض المواضع احترقت العظام نفسها".[53]
وبعد 17 يوماً، في المستشفى العسكري بالقاهرة، قابلت هيومن رايتس ووتش عضواً آخر من الأسرة، وهو محمد أبو حليمة، 24 عاماً، وكان في رفقة زوجته غادة وابنته فرح المصابتان بحروق سيئة للغاية. وروايته لما حدث في 4 يناير/كانون الثاني تتفق مع روايات أخوته: "الهجوم على المنزل كان فجائياً، فقد ضربوا الحي ثم ضربونا. ونحن مزارعون ولم يكن بيننا مقاتلين".[54]
وطبقاً لمحمد أبو حليمة، فزوجته غادة احترق 40 في المائة من جسدها وابنته أصيبت بحروق في 45%. والأطباء في المستشفى لم يسمحوا لـ هيومن رايتس ووتش برؤية غادة أو فرح لأنهما ما زالتا تلقيان العلاج في وحدة العناية المركزة، لكن تم التقاط صور فوتوغرافية للمريضتين في المستشفى وتكشفان عن الحروق الكبيرة في ظهر غادة وعلى صدر ورجلي فرح. وطبقاً لمنظمة أطباء لأجل حقوق الإنسان – إسرائيل، التي تتابع الحالة، فإن صباح أبو حليمة نُقلت بدورها إلى مصر للعلاج في أواسط فبراير/شباط، لأن مستشفى الشفاء لم يتمكن من علاج حروقها على النحو الملائم.[55]
وفي شهادة مُقدمة إلى بتسيلم في 8 يناير/كانون الثاني من مستشفى الشفاء في مدينة غزة، عرضت غادة أبو حليمة تفاصيل الهجوم، وكانت متسقة مع ما قاله أقاربها فيما بعد لـ هيومن رايتس ووتش. وقالت أيضاً إن أول سيارة إسعاف نقلتها هي وفرح إلى معبر رفح مع مصر، قد تعرضت لهجوم من الجيش الإسرائيلي. وقالت: "لحقت إصابات طفيفة بالسائق، في وجهه، وهو عائد بالسيارة إلى المستشفى".[56]
ولم يكن قصف أسرة أبو حليمة بالفسفور الأبيض نهاية محنة الأسرة. فطبقاً لعمر، وأحمد ومحمد أبو حليمة، وكذلك ثلاثة من الشهود الآخرين في المنطقة تمت مقابلتهم كل على انفراد، فإن الجيش الإسرائيلي أطلق النيران على الأسرة وهي تحاول إخراج الجرحى والقتلى إلى المستشفى على متن جرارات وفي سيارة، مما أدى لمقتل اثنين من أبناء العم، هما محمد ومطر.
قرية الخزاعة
تقع الخزاعة إلى شرق خان يونس، على مسافة 500 متر تقريباً من خط الهدنة بين إسرائيل وغزة، من ثم تُعد أقرب بؤرة سكنية فلسطينية إلى إسرائيل، وهي على مرأى من أبراج المراقبة الإسرائيلية. ويفصلها عن خط الهدنة حقول مفتوحة.
وفي سلسلة من التوغلات البرية بين 11 و13 يناير/كانون الثاني، اشتبكت القوات الإسرائيلية مع مقاتلين فلسطينيين، فقتلت ثلاثة منهم على الأقل على ما يبدو. وفي الوقت نفسه، قال مسؤولون محليون إن 16 مدنياً ماتوا ولحقت الإصابات بعشرات آخرين، والكثير منهم جراء استنشاق الدخان من الاستخدام الموسع للفسفور الأبيض.[57] وفي مناسبتين منفصلتين استخدم الجيش الإسرائيلي الفسفور الأبيض المتفجر جواً بكثافة، عبر المدفعية، مما أسفر عن مقتل امرأة وإصابة العشرات الآخرين، ومنهم صبي احترقت قدمه جراء الوطأ على شظية فسفور أبيض بعد 12 يوماً من الهجوم.
وقال سكان ونشطاء حقوق إنسان محليون لـ هيومن رايتس ووتش إن المقاتلين الفلسطينيين كانوا نشطين في المنطقة، وقال قائد الجهاد الإسلامي لوسائل الإعلام إن نحو 12 مقاتلاً اشتبكوا بشكل مباشر مع الجيش الإسرائيلي في الخزاعة.[58] لكن يبدو أن الاشتباكات كانت في حدها الأدنى، مع انسحاب المقاتلين في الأغلب كلما تقدمت القوات الإسرائيلية. وحتى في وجود هؤلاء المقاتلين، فإن استخدام إسرائيل الموسع للفسفور الأبيض المتفجر جواً في منطقة مأهولة بالسكان هو أمر غير قانوني نظراً لآثار هذا السلاح العشوائية. بالإضافة إلى أن الغرض من الفسفور الأبيض كان إخفاء تقدم القوات، لذا فمن غير الواضح سبب إطلاق الفسفور الأبيض المتفجر جواً فوق الحي وعدم تفجيره براً، مما سوف يؤدي لخلق سحابات دخان أكثر كثافة.
وقد بدأ هجوم الجيش الإسرائيلي على خزاعة حوالي الساعة التاسعة والنصف مساء يوم 10 يناير/كانون الثاني، مع قصف مدفعي قوي للمنطقة، بما في ذلك استخدام قذائف الفسفور الأبيض التي انفجرت فوق منطقة النجار، التي يسكنها بالأساس أفراد ينتمون لهذه العائلة.[59] وطبقاً لثلاثة من السكان، تمت مقابلة كل منهم على انفراد، فإن قذائف الفسفور الأبيض انفجرت فوق المنازل الخاصة، فأمطرت المنطقة بشظايا محترقة. وبعض المنازل في المنطقة اشتعلت فيها النيران، وساعد الجيران بعضهم على إطفاء ألسنة اللهب.
وقالت إيمان النجار، 30 عاماً ومن السكان، لـ هيومن رايتس ووتش، كيف ضربت قذائف الفسفور الأبيض منزلها:
تلك الليلة، وبدءاً من حوالي الساعة التاسعة والنصف، بدأوا في إطلاق الفسفور الأبيض بشكل عشوائي. ونالت كل المنازل هنا تقريباً نصيبها... وحسبنا أنه الضباب لكنه كان دخاناً. وكان التنفس صعباً، وحاولنا إطفاء الحريق. خرج الحي بأكمله... اثنتان من قطع الفسفور سقطت في منزلي واشتعلتا. راح الناس يختنقون، فذهبنا إلى بيت الجيران.[60]
وعلى مسافة بضعة مئات من الأمتار من منزل إيمان النجار، انفجرت قذيفة لتخترق سقف أحد المنازل، مما أدى إلى مقتل حنان النجار، 47 عاماً، وإصابة أطفالها الأربعة الذين كانوا داخل البيت. وبناء على تفقد هيومن رايتس ووتش لبقايا القذيفة التي عُثر عليها في البيت، تبين أنها قذيفة فسفور أبيض.[61]
وكان ماجد النجار، زوج حنان، في المنزل المجاور حين بدأت شظايا الفسفور الابيض تتساقط على المنطقة، لتشعل النيران في المباني. وغادر المنزل الذي كان فيه ليساعد زوجين مسنين على الفرار من ألسنة اللهب، حسب قوله، وفي تلك اللحظة شاهد قذيفة مدفعية تضرب بيته:
في البداية سقطت قطع الفسفور. وأخرجنا الزوجين المسنين ثم ضربت القذيفة المنزل... رأيت وسمعت صوت القذيفة فعدت أدراجي. رأيت الأطفال والرجال يخرجون، وبعضهم لحقت به الإصابات. طفلتي الصغيرة آية لحقت بها الحروق وانكسر ذراعها الأيمن. وابني أحمد احترقت قدمه اليمنى. وابني الآخر معز أصيب بخدش في معصمه ورأسه، وهو يبلغ من العمر 12 عاماً.[62]
وحين دخل ماجد النجار بيته شاهد قذيفة أصابت زوجته حنان في صدرها مباشرة. وأظهر لـ هيومن رايتس ووتش صورة لحنان التقطها بهاتفه الجوال، وفيها صدرها مُصاب بجرح مفتوح. كما رأت هيومن رايتس ووتش ابنته المصابة آية، التي تم تجبير ذراعها الأيمن.
وقال ماجد النجار: "نقلناهم إلى مستشفى ناصر في خان يونس، ووصلت سيارة الإسعاف بعد ساعة. وكنا 10 أشخاص داخل السيارة، ومعنا زوجتي المتوفاة أيضاً".
وتفحصت هيومن رايتس ووتش المنزل في 24 يناير/كانون الثاني وشاهدت حفرة في السقف، التي دخلت منها القذيفة. ورغم أن حنان النجار يبدو أنها أصيبت بشكل مباشر بالقذيفة الفارغة، فثمة أدلة على تواجد الفسفور الأبيض في المكان. إذ تظهر علامات حروق من شظايا الفسفور الأبيض تلطخ بعض الجدران الخارجية والأرض حول المنزل. على السقف عبوة فسفور أبيض وبقايا شظايا غير محترقة، كانت تشتعل لدى ركلها.
وفي اليوم التالي للهجوم، 11 يناير/كانون الثاني، انتقلت قوات الجيش الإسرائيلي إلى منطقة النجار بخزاعة للمرة الأولى. ومنذ 5 صباحاً إلى 11 مساءً تقريباً، مكثوا على أطراف القرية، حسب قول السكان ونشطاء حقوق الإنسان المحليين، وتم هدم عدة منازل. وعاد الجيش الإسرائيلي حوالي الساعة 3 صباح يوم 12 يناير/كانون الثاني ودمروا بعض البيوت الأخرى، لكنهم انسحبوا مجدداً في وقت الظهيرة تقريباً.
ووقع الهجوم التالي حوالي منتصف الليل من يوم 13 يناير/كانون الثاني، مع القصف الثقيل، وشمل الاستخدام الموسع للفسفور الأبيض المتفجر جواً. ووصف إسماعيل خضر، مزارع يبلغ من العمر 50 عاماً، ما جرى أثناء الهجوم: "حين سقط الفسفور أصبحنا وسط جزيرة من الدخان. كانت النار في كل مكان وبلغ الدخان ارتفاع الخصر. كانت القطع الفسفورية رغوية المظهر. واحترقت أجزاء من مزرعتي".[63] وأظهر خضر لـ هيومن رايتس ووتش حقل البصل الصغير المجاور لمنزله، حيث دفن بعض شظايا الفسفور الأبيض لوقف احتراقها. وحين تم كشفها على الهواء، عاودت الاشتعال وانبعثت منها رائحة الثوم.
وفي الحي السكني المحيط بمنزل ماجد النجار، عثرت هيومن رايتس ووتش على قرائن وأدلة غير قابلة للدحض على استخدام الفسفور الأبيض، رغم أنه لم يكن من الواضح إن كانت الشظايا قد سقطت في 10 أو 13 يناير/كانون الثاني. وكانت توجد بقايا قذائف عليها أكواد: THS89D112-003 155MM M825E1 متناثرة داخل مبنى متعدد الطوابق احترق، وفيه حفرة في السقف، ويقع إلى جوار مسجد. وفي منزل محترق آخر كانت توجد عبوة فسفور أبيض وقاعدة قذيفة فسفور ابيض. وكانت توجد قذيفة فسفور أبيض عليها أكواد: THS89D112-003 155MM M825E1 بين المنزلين، وأحد المنزلين كان محترقاً تماماً. وأخيراً، فإن منزل عبد الهادي قديح، 88 عاماً، كان في سقفه حفرة يبدو أن قذيفة دخلت منها. وتم العثور على عبوة فسفور أبيض وشظايا فسفورية على السطح. وبالخارج ثلاثة خطوط لصف عبوات الفسفور، وكذلك المزيد من شظايا الفسفور.
والاستخدام الموسع للفسفور الأبيض في المنطقة أدى إلى وقوع إصابات كثيرة جراء استنشاق الدخان، حسب قول السكان ونشطاء حقوق الإنسان المحليين. وأكد هذا د. يوسف أبو ريش، مدير مستشفى الناصر في خان يونس القريبة من البلدة، حيث تم نقل الكثير من المصابين. وقال لـ هيومن رايتس ووتش إن المستشفى استقبل أكثر من 150 مريضاً في 13 يناير/كانون الثاني، وأغلبهم يعانون من استنشاق الدخان. وقال: "حتى الإسعاف التي جلبت الضحايا كانت مليئة برائحة خبيثة. والكثير من الضحايا كانوا يعانون من ضيق التنفس، والهستيريا وتقلص العضلات اللاإرادي".[64] ووصل 12 مريضاً إلى المستشفى قتلى ذلك اليوم، حسب قول د. أبو ريش، لكن هذا كان بسبب كل الهجمات التي وقعت في منطقة خان يونس، وليس فقط جراء الفسفور الأبيض.
وراجعت هيومن رايتس ووتش سجلات المستشفى وخلصت إلى أنه في 13 يناير/كانون الثاني عالج الأطباء هناك 13 شخصاً على ما قالت المستشفى إنه حروق كيماوية. وتطلب الأمر نقل اثنين من المرضى إلى مصر للعلاج. كما أظهر د. أبو ريش لـ هيومن رايتس ووتش سبع عينات من الفسفور الابيض في جرار زجاجية وقال إن أحد سكان خزاعة جمعها في 13 يناير/كانون الثاني.
V. تصريحات إسرائيل المتغيرة بشأن الفسفور الأبيض
منذ تغطية وسائل الإعلام لأول مرة استخدام الجيش الإسرائيلي للفسفور الأبيض في غزة، في اليوم العاشر للعمليات العسكرية، راحت مواقف الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي المُعلنة تتغير إزاء الموضوع، بدءاً من الإنكار التام، إلى تبرير الاستخدام، ثم إعلان فتح التحقيق الداخلي.
وكتبت صحيفة "التايمز" اللندنية لأول مرة عن استخدام الفسفور الأبيض في 5 يناير/كانون الثاني. وفي اليوم التالي، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي اتصلت به هيومن رايتس ووتش، في بادئ الأمر، إن الجيش الإسرائيلي كان يستخدم الفسفور الأبيض لتحديد مواقع الأهداف، ثم أنكر أن الفسفور الأبيض قد تم استخدامه.[65] وزعم أن وسائل الإعلام ذكرت بالخطأ أن القذيفة المستخدمة لتعليم الأهداف هي قذيفة فسفور أبيض. واستمر الإنكار والنفي لوسائل الإعلام. وفي 7 يناير/كانون الثاني قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي لشبكة سي إن إن: "يمكنني أن أخبرك عن يقين بأن الفسفور الأبيض لا يُستخدم على الإطلاق".[66]
وسرعان ما عارض المراسلون من داخل غزة وإسرائيل ما ورد من مزاعم الجيش الإسرائيلي. ففي 8 يناير/كانون الثاني، نشرت التايمز صوراً لذخائر الفسفور الأبيض وهي مصفوفة إلى جوار منصات مدفعية الجيش الإسرائيلي خارج قطاع غزة.[67] وبناء على هذه الصور، تعرفت هيومن رايتس ووتش على قذائف مدفعية فسفور أبيض طراز إم 825 أيه 1. وفي 9 و10 يناير/كانون الثاني 2009، لاحظ باحثو هيومن رايتس ووتش من خط الهدنة بين إسرائيل وغزة جنوب سديروت عدة قذائف فسفور أبيض تنفجر جواً فوق ما يبدو أنه مدينة غزة أو منطقة جباليا. وفي 10 يناير/كانون الثاني، أصدرت هيومن رايتس ووتش بياناً صحفياً تدعو فيه إسرائيل إلى "وقف استخدام الفسفور الأبيض في العمليات العسكرية في المناطق كثيفة السكان في غزة".[68]
ومما زاد من عدم مصداقية مزاعم الجيش الإسرائيلي ونفيه لاستخدام الفسفور الأبيض، الصور الإعلامية التي تظهر فيها قذائف الفسفور الأبيض وهي تنفجر في الجو. لكن في 13 يناير/كانون الثاني، قال أركان الحرب الجنرال غابي أشكينازي للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست: "لا يعمل الجيش الإسرائيلي إلا بما يتفق مع المسموح به في القانون الدولي ولا يستخدم الفسفور الأبيض".[69] إلا أنه في اليوم نفسه بدأ مسؤولون آخرون في الجيش الإسرائيلي يتراجعون عن موقفهم، إذ كفوا عن إنكار استخدام الفسفور الأبيض، وزعموا أن الجيش "يستخدم الأسلحة بما ينسجم مع القانون الدولي".[70]
أيضاً في 13 يناير/كانون الثاني، اقتبست أسوشيتد برس بيتر هربي، رئيس وحدة الأسلحة في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وهو يقول إن استخدام الفسفور الأبيض لعمل سحابة دخانية أو للتعليم على هدف ليس أمراً محظوراً في القانون الدولي، وإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر "لا دليل لديها يوحي بأنه قد تم استخدامه بأية طريقة".[71] وفي 15 يناير/كانون الثاني، بعد يومين، وإثر تقارير إخبارية عن إصابة الجيش الإسرائيلي لمجمع الأونروا في مدينة غزة بقذائف الفسفور الابيض، استخدم المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، مارك ريغيف، تصريح اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتبرير هجوم الجيش الإسرائيلي، وقال لشبكة سي إن إن: "أحيلكم إلى تصريح صدر بالأمس عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر. فبعد النظر في الموضوع [استخدام الجيش الإسرائيلي للفسفور الأبيض]، لم يتم اكتشاف وقوع أي خطأ من جانب إسرائيل".[72]
إلا أنه في 17 يناير/كانون الثاني، خالف الصليب الأحمر هذا التفسير لموقفه، إذ قالت اللجنة: "لم نعلق علناً على مشروعية الاستخدام الحالي للأسلحة الفسفورية التي تستخدمها إسرائيل، على عكس ما يُنسب إلينا في التقارير الإعلامية الأخيرة"، حسب ما قال هربي في تصريح رسمي.[73] إلا أن الحكومة الإسرائيلية استمرت في ذكر موقف اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالخطأ في تبريرها – إسرائيل – استخدام الفسفور الأبيض.[74]
ورداً على أسئلة وسائل الإعلام، زادت اللجنة الدولية من توضيح موقفها، إذ قال بيتر هربي لصحيفة كريستيان ساينس مونيتور في مطلع فبراير/شباط: "حقيقة أن القانون الإنساني الدولي لا يحظر تحديداً الأسلحة الفسفورية لا يعني أن أي استخدام لأسلحة تحوي هذه المادة يُعد قانونياً. إن مشروعية كل استخدام في كل واقعة يجب النظر فيها على ضوء كافة القواعد الأساسية التي ذكرتها. وربما تكون قانونية أو لا، بناء على مجموعة من العوامل".[75]
وطبقاً للصحف، فقد قال هربي أيضاً: "إن استخدام أسلحة الفسفور الأبيض ضد أي هدف عسكري يقع في منطقة تركز لمدنيين هو أمر محظور ما لم يكن الهدف العسكري منفصل بوضوح عن المدنيين. واستخدام الأسلحة المحرقة المحمولة جواً ضد الأهداف العسكرية في مكان فيه كثافة مدنية هو ببساطة أمر محظور. وهذا الحظر وارد في البروتوكول الثالث الخاص بالاتفاقية الخاصة ببعض الأسلحة التقليدية".
وفي مواجهة الانتقاد الجاري بشأن استخدام الجيش الإسرائيلي للفسفور الأبيض، ففي 19 يناير/كانون الثاني أعلن رئيس الأركان أشكينازي أنه طلب من المحامي العام للجيش التحقيق في مزاعم استخدام الجيش الإسرائيلي للفسفور الأبيض في غزة. وورد في بيان للجيش: "رداً على مزاعم المنظمات غير الحكومية ومزاعم الصحافة الأجنبية إزاء استخدام الأسلحة الفسفورية، ومن أجل إزالة أي التباس، فقد تم تشكيل فريق للتحقيق من القيادة الجنوبية للنظر في الموضوع".[76] وطبقاً لصحيفة هاآرتس، فإن الجيش قام بتعيين ضابط المدفعية الكولونيل شاي آلكالاي، للتحقيق مع فرقة جنود احتياطيين ربما أطلقت الفسفور الأبيض على مناطق فيها سكان في بيت لاهيا. وقد أطلقت الفرقة نحو 20 قذيفة على منطقة كثيفة السكان في شمال غزة، حسب ما ذكرت الصحيفة.[77]
وفي 23 يناير/كانون الثاني، اقتبست صحيفة تايمز يغال بالمور، متحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، وهو يقول: "نعم، تم استخدام الفسفور الأبيض لكن ليس بشكل غير قانوني. بعض الممارسات يمكن أن تكون غير قانونية لكننا سننظر في هذا. إن الجيش الإسرائيلي يجري تحقيقاً بشأن واقعة محددة".[78] وقال مسؤول بوزارة الدفاع الإسرائيلية لم يتم ذكر اسمه للصحيفة: "قبل شهر على الأقل من استخدامه [الفسفور الأبيض] تمت مشاورة فريق دفاع قانوني بشأن تداعيات الاستخدام".[79]
ورداً على أسئلة مكتوبة بشأن استخدام الفسفور الابيض في غزة، أرسلتها هيومن رايتس ووتش؛ قال الجيش الإسرائيلي في 15 فبراير/شباط إنه "شكل فريق للتحقيق من القيادة الجنوبية للنظر في الموضوعات التي أثرتموها، وسوف يكون ردنا مستنداً إلى نتائج التحقيق".
VI. المعايير القانونية
لا يحظر القانون الإنساني الدولي (قوانين الحرب) ذخائر الفسفور الأبيض، سواء لأثرها "التمويهي" لإخفاء تحركات القوات أو لأثرها كأسلحة محرقة. إلا أن استخدامه – الفسفور الأبيض – تنظمه قواعد قوانين الحرب، وثمة قيود مفروضة على استخدام جميع الأسلحة من أجل تقليل الضرر اللاحق بالمدنيين منها وبالأعيان المدنية. فضلاً عن أن ثمة خصائص تخص الفسفور الأبيض – أثره الحارق الذي يؤدي لحروق جسيمة، ومجال انتشاره الواسع لدى إطلاقه جواً – تثير بواعث قلق إضافية من وجهة نظر القانون الدولي.
وتحقيقات هيومن رايتس ووتش في استخدام إسرائيل لذخائر الفسفور الأبيض أثناء عملية غزة الأخيرة انتهت إلى أنه في انتهاك لقوانين الحرب، أخفق الجيش الإسرائيلي بشكل عام في اتخاذ كل الاحتياطات المستطاعة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين لدى استخدام الفسفور الأبيض، وأنه في حالات معينة، استخدم الجيش الإسرائيلي الفسفور الأبيض بأسلوب عشوائي بلا تمييز أدى إلى وفاة وإصابة المدنيين. والأشخاص الذين يخططون ويأمرون وينفذون الهجمات العشوائية بشكل طوعي – أي عمداً أو عن لا مبالاة – يُعدون مسؤولون عن ارتكاب جرائم حرب. والاستخدام الموسع والمتكرر للفسفور الأبيض بشكل غير قانوني –بتفجيره جواً فوق مناطق مأهلوة بالمدنيين مع توفر بديل دخاني غير قاتل – هو من مؤشرات وجود القصد الإجرامي.
استخدام الفسفور الأبيض وأعمال القتال
ينظم أعمال القتال في غزة بالأساس القانون الدولي العرفي، كما هو وارد في البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 لاتفاقيات جنيف لعام 1949 (البروتوكول الأول)، وفي أنظمة لاهاي لعام 1907.[80] وأغلب الأحكام ذات الصلة في الصكين الدوليين تُعد من الوارد في القانون الدولي العرفي، وهي قواعد الحرب المستندة إلى ممارسات الدول القائمة وهي ملزمة لكافة الأطراف في النزاعات المسلحة، سواء كانت دول أو جماعات مسلحة من غير الدول، مثل حماس والجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى.
ويفرض القانون الإنساني الدولي القيود على وسائل وأساليب القتال والحرب بالنسبة لأطراف النزاعات المسلحة، ويطالبهم باحترام وحماية المدنيين والمقاتلين الأسرى. والمحاور الأساسية لهذا القانون هي "حصانة المدنيين" و"التمييز"،[81] فيما يقر القانون الإنساني بأن لا مفر من وقوع بعض الإصابات في صفوف المدنيين، فإنه يفرض على الأطراف المتقاتلة واجب التمييز في جميع الأوقات بين المقاتلين والمدنيين، واستهداف المقاتلين فقط وأهدافهم العسكرية. وتُحظر الهجمات العمدية ضد المدنيين.[82] وتسقط عن المدنيين حصانتهم من الهجوم فقط حين يشاركون بشكل مباشر في أعمال القتال وعلى مدى الوقت الذي يقومون خلاله بهذا الدور.[83]
كما يحمي القانون الإنساني الدولي الأعيان المدنية، وتُعرف على أنها أي شيء لا يعتبر هدفاً عسكرياً.[84] وتُحظر الهجمات المباشرة على الأعيان المدنية، كالمنازل والشقق السكنية ودور العبادة والمدارس والمستشفيات – ما لم تكن مستخدمة في أغراض عسكرية.[85] وإذا تم استخدام مستشفى في أغراض عسكرية، فلا يمكن استهدافه إلا بعد التحذير بفترة معقولة، وإذا لم يتم الاستجابة للتحذير الصادر.[86]
وتحظر قوانين الحرب الهجمات العشوائية. والهجمات العشوائية هي التي تستهدف أهدافاً عسكرية ومدنية، أو أعيان مدنية، دون تمييز بين الفئتين. وأمثلة على الهجمات العشوائية هي تلك التي لا تستهدف هدفاً عسكرياً محدداً أو تستخدم أسلحة لا يمكن توجيهها إلى هدف عسكري محدد. من ثم فإذا شن أحد أطراف النزاع هجوماً دون محاولة توجيهه بدقة إلى هدف عسكري، أو بأسلوب يؤدي لإصابة المدنيين دون مراعاة للوفيات أو الإصابات المحتملة، يُعد إذن هجوماً عشوائياً. والهجمات العشوائية المحظورة تشمل أيضاً القصف، وهي هجمات المدفعية والهجوم بغير ذلك من السبل مع استهداف عدة أهداف عسكرية متفرقة في منطقة فيها تجمع من المدنيين أو الأعيان المدنية، على أنها هدف عسكري واحد.[87]
كما تُحظر الهجمات التي تنتهك مبدأ التناسب. والهجمات غير المتناسبة هي تلك التي من المتوقع أن تؤدي إلى خسائر عارضة في أرواح المدنيين أو تضر بالأعيان المدنية بشكل مفرط مقارنة بالميزة العسكرية الأكيدة والمباشرة المتوقعة من الهجوم.[88]
ويتطلب القانون الإنساني أن يتخذ أطراف النزاع العناية الدائمة أثناء العمليات العسكرية لإعفاء المدنيين من آثار الهجوم و"اتخاذ كل الاحتياطات المستطاعة" لتفادي أو تقليل الخسائر العارضة اللاحقة بأرواح المدنيين والأعيان المدنية.[89] وتشمل هذه الاحتياطات فعل كل المستطاع للتحقق من أن الأهداف الخاضعة للهجوم هي أهداف عسكرية وليست أعيان مدنية أو مدنيين،[90] وإعطاء "تحذير مسبق فعال" قبل الهجمات إذا سمحت الظروف.[91]
ولا يحظر القانون الإنساني الدولي القتال في المناطق الحضرية، رغم أن تواجد المدنيين يفرض التزامات أكبر على الأطراف المتقاتلة كي تتخذ اللازم لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين. والقوات التي يتم نشرها في مناطق مأهولة يجب أن تتفادى وضع أغراضها العسكرية بالقرب من مناطق مكتظة بالسكان،[92] وأن تعمل على إبعاد المدنيين من جوار الأهداف العسكرية.[93] ولا يجوز للمقاتلين التوسل بوجود المدنيين لحماية الأهداف العسكرية من الهجوم. و"الحماية" هنا تشير إلى الاستخدام العمد لتواجد المدنيين لاعتبار القوات أو النقاط العسكرية في المنطقة حصينة من الهجوم.[94] إلا أنه حتى إذا اعتبر أحد الأطراف القوات المعادية مسؤولة عن وضع أهداف عسكرية مشروعة الاستهداف في مناطق مدنية أو بالقرب منها، فلا يعفيه هذا من الالتزام بأن يأخذ في الحسبان الخطر الذي قد يلحق بالمدنيين لدى إجراء الهجوم.
الفسفور الأبيض وقانون الأسلحة المحرقة
البروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية ينظم استخدام الأسلحة المحرقة.[95] ويُعرف البروتوكول الأسلحة المحرقة بأنها "أي سلاح أو أية ذخيرة، مصممأو مصممة في المقام الأول لإشعال النار في الأشياء أو لتسبيب حروق للأشخاصبفعل اللهب أو الحرارة أو مزيج من اللهب والحرارة المتولدين عن تفاعلكيماوي لمادة تطلق على الهدف".[96] والفسفور الأبيض سلاح محرق.[97]
والهدف الأساسي من البروتوكول الثالث هو حظر استخدام الأسلحة المحرقة المُطلقة من الجو ضد الأهداف العسكرية الواقعة وسط تجمع من المدنيين.[98] كما تحظر قوانين الحرب العرفية استخدام الأسلحة المحرقة المضادة للأفراد طالما توجد أسلحة أخرى يُرجح أن تسبب معاناة أقل.[99]
وإسرائيل دولة طرف في اتفاقية الأسلحة التقليدية لكن ليس البروتوكول الثالث. إلا أنه ورد في دليل الجيش الإسرائيلي لعام 1998:
ليست الأسلحة المحرقة محظورة، إلا أنه بسبب مجال تغطيتها الواسع، فهذا البروتوكول الخاص باتفاقية الأسلحة التقليدية يقصد حماية المدنيين ويمنع استهداف مراكز تجمع السكان بالأسلحة المحرقة. كما أنه من المحظور مهاجمة هدف عسكري يقع في تجمع للمدنيين باستخدام الأسلحة المحرقة. ولا يحظر البروتوكول استخدام هذه الأسلحة أثناء القتال (على سبيل المثال، أثناء استهداف المخابئ الخرسانية بالنيران لإخراج المقاتلين منها).[100]
وتُعارض هيومن رايتس ووتش أي استخدام لأسلحة محرقة قد يؤدي إلى معاناة لا ضرورة لها.[101]
استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض بموجب القانون الدولي
استخدام إسرائيل لذخائر الفسفور الأبيض أثناء النزاع المسلح في غزة ينتهك القانون الإنساني الدولي من وجهتين. أولاً، استخدام الجيش الإسرائيلي العام للفسفور الأبيض المتفجر جواً كسلاح للتمويه في مناطق مكتظة بالسكان في غزة ينتهك الالتزام باتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين والأعيان المدنية. ثانياً، استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض المتفجر جواً في وقائع معينة مما أدى لخسائر في صفوف المدنيين، يخرق الحظر على الهجمات العشوائية أو غير المتناسبة.
واستخدام الفسفور الأبيض كمادة للتمويه في مناطق مكتظة السكان في غزة ينتهك المطلب الخاص بالقانون الإنساني الدولي باتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة لإلحاق الخسارة في أرواح المدنيين أو غصابتهم. ومصدر القلق هذا يفاقم منه الأسلوب الخاص بالاستخدام (للفسفور الأبيض) الذي شهدته هيومن رايتس ووتش وتبينت صحته في الصور الإعلامية للمقذوفات الفسفور الأبيض المتفجرة جواً. والتفجير في الهواء ينثر شظايا محترقة على مساحة نصف قطرها يبلغ 125 متراً من نقطة الانفجار، مما يعرض المزيد من المدنيين والأهداف المدنية للضرر، أكثر من الانفجار على الأرض.
وفي وقائع حققت فيها هيومن رايتس ووتش، استخدمت القوات الإسرائيلية ذخائر الفسفور الأبيض بأسلوب عشوائي وغير متناسب، في انتهاك لقوانين الحرب. وفي هذه الوقائع، حتى إذا كانت نية استخدام الفسفور الأبيض هي استخدامه للتمويه، فقد كان له أثر ووقع السلاح وليس المادة التمويهية. والمنطق الخاص باستخدامه للتمويه هو موضع شك لأن القوات الإسرائيلية لم تتواجد في المناطق التي تم قصفها لحجبها عن الأعين، أو كانت هذه القوات منذ فترة طويلة في وضع انتشار ثابت دون تغيير لمواقعها. وإذا كان الغرض هو التمويه على المناورات العسكرية، فقد كان بإمكان الجيش الإسرائيلي تحقيق التمويه باستخدام قذائف الدخان دون التسبب في نفس الدرجة من الضرر في صفوف المدنيين. ولم تؤكد إسرائيل أنها استخدمت الفسفور الأبيض كسلاح، لكن الغياب الظاهر لمقاتلي حماس من المناطق المستهدفة، كما حققت هيومن رايتس ووتش، ومع وجود القيود القانونية على استخدام الأسلحة الفسفورية في المناطق المأهولة، لا يبرر استخدام الفسفور الأبيض على هذا النحو. ويبقى هذا صحيحاً حتى إذا كان قد تم نشر قوات حماس وسط المدنيين أو استخدموا المدنيين كـ "دروع" حسب ما أكدت إسرائيل، لأن إسرائيل يبقى عليها واجب مهاجمة عناصر حماس بأسلوب أقل عشوائية لتقليل الإصابات في صفوف المدنيين.
وفي الحالات التي تم التحقيق فيها، أطلقت إسرائيل الفسفور الأبيض المتفجر جواً من مدفعية عيار 155 ملم. ولطالما انتقدت هيومن رايتس ووتش استخدام إسرائيل للقذائف إم 107 شديدة التفجير في المناطق المأهولة بكثافة بالسكان، ووصفت هذه القذائف في استخدامها هذا بأنها عشوائية الأثر.[102] وأثناء جولة القتال الأخيرة في غزة، كما في الماضي، أطلق الجيش الإسرائيلي نسخة إسرائيلية معدلة من مدفعية هاوتزر الأميركية طراز إم 109 أيه 3، تُدعى دوهر. ويتم إطلاقها عادة كسلاح غير مباشر، أي يسقط بعيداً عن مرمى البصر. ولقذائف إم 107 أثر تدميري يتراوح بين 100 إلى 300 متر.[103] والذخائر الفسفورية المتفجرة جواً لها أثر عشوائي مماثل جراء مجال تدميرها الواسع – المساحة التي يتراوح نصف قطرها بين 63 إلى 125 متراً، بناء على الارتفاع الذي يتم عنده التفجير. وحقيقة أن الفسفور الأبيض ليس قاتل مثل القذائف شديدة التفجير طراز إم 107 هو أمر لا علاقة لها بمسألة استخدام هذه القذائف من عدمه على نحو عشوائي في انتهاك لقوانين الحرب.
واستخدام الجيش الإسرائيلي لذخائر الفسفور الأبيض ربما كان أيضاً ينتهك الحظر على الهجمات التي من المتوقع أن تؤدي لخسائر في صفوف المدنيين بشكل مفرط مقارنة بالمكسب العسكري المتوقع. وفي الحالات التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش، فإن القيمة العسكرية لإطلاق الفسفور الأبيض كمادة للتمويه يبدو أنها في حدها الأدنى نظراً لغياب القوات الإسرائيلية البرية عن المنطقة المستهدفة. وبالمقارنة، فإن الضرر المتوقع أن يلحق بالمدنيين والأعيان المدنية باستخدام الفسفور الأبيض هو في الأغلب مفرط، من ثم فهو غير متناسب، وينتهك قوانين الحرب. وبما أن الآثار المحرقة للفسفور الأبيض على المدنيين معروفة، فإن الضرر اللاحق بالمدنيين جراء الفسفور الأبيض في المناطق المأهولة هو ضرر متوقع ومُنتظر وقوعه.
استخدام الفسفور الأبيض في المناطق المأهولة والمسؤولية الجنائية الشخصية
الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي التي يتم ارتكابها بشكل إرادي، أي عمداً أو بشكل ينطوي على اللامبالاة، هي جرائم حرب، ويستتبعها وقوع المسؤولية الجنائية الشخصية.[104] وتشمل جرائم الحرب الهجمات العمدية أو العشوائية على المدنيين، وكذلك الهجمات التي من المتوقع أن تكون خسائر المدنيين فيها غير متناسبة مقارنة بالمكسب العسكري المتوقع. ويمكن أيضاً تحميل الأفراد المسؤولية الجنائية جراء محاولة ارتكاب جريمة حرب، وكذلك جراء المساعدة فيها أو تيسيرها أو التحريض عليها أو الإسهام فيها. والمسؤولية قد تقع أيضاً على الأشخاص الذين خططوا أو حرضوا على ارتكاب جريمة الحرب. والقادة والزعماء المدنيين يمكن أن يخضعوا أيضاً للمحاسبة جراء جرائم الحرب حين يكونون على دراية أو كان يجب أن يعرفوا بارتكاب جرائم حرب ولم يتخذوا ما يكفي من إجراءات لمنع هذه الجرائم أو لمعاقبة المسؤولين عنها.
وحتى إذا كان المقصود استخدام الفسفور الأبيض كمادة للتمويه وليس كسلاح، فإن إطلاق الجيش الإسرائيلي لقذائف فسفور أبيض عيار 155 ملم على مناطق كثيفة السكان هو عمل عشوائي وغير متناسب، ويشير إلى وقوع جرائم حرب.
واستخدام الجيش الإسرائيلي المتعمد أو عن لا مبالاة للفسفور الأبيض يظهر من خمسة أوجه: أولاً، على حد علم هيومن رايتس ووتش، لم يستخدم الجيش الإسرائيلي من قبل قط الفسفور الأبيض في غزة، رغم التوغلات الكثيرة بالأفراد والمدرعات. ثانياً، الاستخدام المتكرر للفسفور الأبيض المتفجر جواً في المناطق السكانية حتى الأيام الأخيرة من العملية يكشف عن نسق أو سياسة وليس مجرد استخدام عارض أو غير مقصود. ثالثاً، كان الجيش الإسرائيلي يعلم جيداً بآثار الفسفور الأبيض وأخطاره على المدنيين. رابعاً، إذا كان الجيش الإسرائيلي استخدم الفسفور الأبيض كمادة للتمويه، فقد أخفق في استخدام البدائل المتاحة له، وهي بالأساس الذخائر الدخانية، التي كان لها مزايا تكتيكية شبيهة دون ما للفسفور الأبيض من أثر يضر بالسكان المدنيين. خامساً، في واحدة على الأقل من الحالات الموثقة في هذا التقرير – ضربة 15 يناير/كانون الثاني لمجمع الأونروا في مدينة غزة – راح الجيش الإسرائيلي يطلق الفسفور الأبيض رغم التحذيرات المتكررة من العاملين بالأمم المتحدة من المخاطر على المدنيين. وبموجب القانون الإنساني الدولي، فهذه الظروف تستدعي التحقيق المستقل في استخدام الفسفور الأبيض، وإذا تبين وجود المسؤولية، أن تتم مقاضاة جميع المسؤولين عن الاستخدام، بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
شكر وتنويه
أجرى أبحاث هذا التقرير وكتبه العاملون في هيومن رايتس ووتش مارك غارلاسكو، المحلل العسكري الرئيسي، وفريد آبراهامز، الباحث الرئيسي في قسم الطوارئ، وبيل فان إسفلد الباحث، وفارس أكرم، الاستشاري البحثي، وداريل لي، استشاري هيومن رايتس ووتش. كما راجعه جو ستورك نائب رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وجيمس روس، مدير الشؤون القانونية والسياسات، وآيان ليفين، مدير قسم البرامج.
وتتوجه هيومن رايتس ووتش بالشكر لجميع الضحايا والشهود في هجمات الفسفور الأبيض على ما منحوه من وقت لرواية ما تعرضوا له. وتشكر أيضاً منظمات حقوق الإنسان التي قدمت المساعدة، وهي بالأساس، مركز الميزان لحقوق الإنسان، ومنظمة "كسر الصمت"، وبتسيلم، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومنظمة أطباء لأجل حقوق الإنسان – إسرائيل.
الملحقات
رسالة هيومن رايتس ووتش إلى الجيش الإسرائيلي
الجنرال آفي بناياهو
وحدة المتحدثون باسم جيش الدفاع الإسرائيلي
مكتب المنظمات الدولية
هاتف: 03 569 1842
فاكس: 03 569 3971
1 فبراير/شباط 2009
سيادة الجنرال بناياهو،
نُقدر لكم إذا أمدنا مكتبكم بالردود على أسئلتنا أدناه، وهي تخص استخدام الجيش الإسرائيلي للفسفور الأبيض أثناء "عملية الرصاص المصبوب". ونقدر لكم إذا وردنا ردكم في موعد أقصاه 15 فبراير/شباط 2009.
أسئلة عامة:
- ما هي سياسة الجيش الإسرائيلي إزاء استخدام الفسفور الأبيض في العمليات العسكرية؟
- ما هي سياسة الجيش الإسرائيلي والممارسة القائمة بشأن استخدام الفسفور الأبيض في المناطق المأهولة بالسكان؟
- لأي أغراض استخدم الجيش الإسرائيلي الفسفور الأبيض في أثناء عملية "الرصاص المصبوب" وهل استخدم الجيش الفسفور الأبيض كمادة للتمويه؟ وهل نظر الجيش الإسرائيلي في استخدام بدائل للفسفور الأبيض لأغراض التمويه، مثل مقذوفات الدخان عيار 155 ملم؟
- هل استخدم الجيش الإسرائيلي الفسفور الأبيض للاستفادة من أثره الحارق؟
- أشار بعض المسؤولين الإسرائيليين علناً إلى أن الجيش الإسرائيلي استخدم مادة بخلاف الفسفور الأبيض ولها نفس الخصائص والآثار. فهلا تفضلتم بالتوضيح؟
- ذكر مسؤولون بالجيش الإسرائيلي أن الجيش سيجري تحقيقاً في استخدام الفسفور الأبيض أثناء عملية "الرصاص المصبوب". فمن هو أو ما هو المكتب الذي سيجري التحقيق وما هي مواصفات التحقيق؟ وهل سيتم الكشف عن نتائج التحقيق علناً؟
أسئلة متعلقة بالوقائع:
- في فترة ما بعد الظهر من يوم 4 يناير/كانون الثاني، شن الجيش الإسرائيلي هجمات بالمدفعية على قرية سفاية وحولها في منطقة زراعية شمال غرب بيت لاهيا. وتجمع 14 شخصاً من أسرة أبو حليمة في منزلهم، ويبعد عن الحقول المفتوحة مسافة بيت واحد [31.56306N/03448942E]. وحوالي الساعة الرابعة مساءً، سقطت قذيفة مدفعية على منزل أبو حليمة وانفجرت داخل المنزل وانبعث منها ما توصلت تحقيقاتنا الميدانية إلى أنه مقذوفات من الفسفور الأبيض انتشرت في كافة الحجرات، لتسفر عن مقتل أربعة أشخاص وتلحق الإصابات الخطيرة بأربعة آخرين. فهل تم استخدام الفسفور الأبيض في هجوم سفاية ولأي غرض؟
- بدءاً من مساء 10 يناير/كانون الثاني، شن الجيش الإسرائيلي عدة هجمات على قرية خوذة شرق خان يونس. وفي مرتين على الأقل، في 10 و13 يناير/كانون الثاني، أطلق الجيش الإسرائيلي حسب الزعم قذائف فسفور أبيض لفترات مطولة على مناطق مأهولة، خاصة في 13 يناير/كانون الثاني، مما تسبب في نشوب الحرائق في المنازل وألحق الخسائر بالمدنيين. وقال السكان إنه لم تكن هناك أي جماعات فلسطينية مسلحة تقاتل في ذلك الحين في تلك المنطقة. وفي أحد المنازل [31.30582N/034.35833E] سقطت قذيفة مدفعية للجيش الإسرائيلي، تبين من أبحاثنا أنها تحتوي على الفسفور الأبيض، لتخترق السقف وتتسبب في مقتل هنا النجار وإصابة بعض أطفالها. وفي الجوار عثرت هيومن رايتس ووتش على قذائف مدفعية أخرى عليها علامات تشير إلى أنها كانت تحوي داخلها الفسفور الأبيض، وهذا في مبنى متعدد الطوابق مجاور لمسجد [31.30916N/034.36479E] وتم العثور على قذائف عليها علامات تدل على الفسفور الأبيض في منازل وجوار منازل بالإحداثيات التالية: [31.30927N/034.36466E; 31.30968N/034.36353E; 31.30976N/034.36367E, 31.30580N/034.35873E]فهل تم استخدام الفسفور الأبيض في الخوذة في 10 و13 يناير/كانون الثاني، وإذا كانت الإجابة بالإيجاب، فما هو الغرض من الهجمات على الخوذة؟
- حسب الزعم أطلق الجيش الإسرائيلي قذائف مدفعية شديدة التفجير وفيها فسفور أبيض على تل الهوى في مدينة غزة صباح 15 يناير/كانون الثاني، طيلة ثلاث ساعات تقريباً، وفي فترة ما بعد الظهر ومساء 16 يناير/كانون الثاني لمدة استغرقت 8 ساعات تقريباً. وعثرت هيومن رايتس ووتش على قذيفتي مدفعية بلون أخضر فاتح عيار 155 ملم من النوع المستخدم في إطلاق الفسفور الأبيض، وهذا في شقة فتحي صباح، وهو صحفي يعمل مع صحيفة الحياة [31.51243N/034.45655E]. كما فحصت هيومن رايتس ووتش بقايا سيارة بالجوار [31.50971/034.43843E] يبدو أنها أصيبت بقذيفة فيها فسفور أبيض، مما أدى لمقتل عدي الحداد، وزوجه وابنه وابنته وألحق إصابات خطيرة بابن آخر. فهل تم استخدام الفسفور الأبيض في الهجوم على تل الهوى ولأي سبب؟
- في 15 يناير/كانون الثاني أشعل انفجار هوائي مزعوم جراء اشتعال الفسفور الأبيض نيراناً لحقت بالطابقين العلويين من مبنى مستشفى القدس الرئيسي، وسط منطقة سكنية مأهولة بالمدنيين بكثابة في حي غاردن سيتي. وكان المستشفى عليه ما يدل على كونه كذلك. وكانت المدرعات الإسرائيلية ناشطة في المنطقة في ذلك الحين. وأسفر عن الهجوم إخلاء 47 مريضاً، منهم أربعة في العناية المركزة، وزهاء 500 شخص من سكان الحي الذين التمسوا الملجأ هناك من القتال. فهل تم استخدام الفسفور الأبيض ولأي غرض في حي مستشفى القدس؟
- يغطي مقر الأونروا مساحة تبلغ حوالي 4 هكتارات في حي رمال بمدينة غزة. وصباح 15 يناير/كانون الثاني أصيب المقر إصابات مباشرة بقذائف أطلقها الجيش الإسرائيلي، ومنها ما وصفه مسؤولو الأونروا بقذائف فسفور أبيض. وتفحصت هيومن رايتس ووتش صور القذائف التي جمعها فريق عمل الأونروا إثر الهجوم، وعليها علامات واضحة تشير إلى أن القذائف كان بها فسفور أبيض. وقد أدت الحرائق الناجمة عن الانفجار في تدمير أربعة مباني منها ورشة للسيارات ومخزنين كبيرين فيهما إمدادات طبية وغيرها من الإمدادات الإنسانية. ويقول مسؤولو الأونروا إن خمسة من كبار مسؤولي الأونروا أجروا عشرات المكالمات أثناء الهجوم بالجيش الإسرائيلي، وممن تمت محادثتهم التالين: الميجور أفياد سيلبرمان، أوري سينجر، الجنرال باروخ شبيغل. وقد رفض مسؤولو الأونروا تأكيدات المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي بأن مقاتلين فلسطينيين كانوا يعملون داخل المقر. ماذا كان الغرض من هجوم الجيش الإسرائيلي على مقر الأونروا؟ وهل تم استخدام الفسفور الأبيض ولأي غرض؟
- صباح 17 يناير/كانون الثاني، وحسب الزعم أطلق الجيش الإسرائيلي عدة قذائف فسفور أبيض على مدرسة ابتدائية للصبية والفتيات للأونروا شمال شرق بيت لاهيا. وفيما بعد اطلعت هيومن رايتس ووتش على بقايا القذائف في مبنى المدرسة، وكذلك على شظايا من الفسفور الأبيض مدفونة في الرمال، وتعاود الاشتعال حين تتعرض للهواء. وفي وقت الهجوم كان في المدرسة 1900 شخص يلتمسون اللجوء من القتال. وعلى حد علم هيومن رايتس ووتش، فلم تكن هناك وحدات للجيش الإسرائيلي أو جماعات فلسطينية مسلحة تعمل في المنطقة في ذلك الحين. وأسفر القذف عن مقتل شقيقين صغيرين، عمرهما 4 و5 سنوات، وألحق إصابات خطيرة بأمهما. وقال مسؤولو الأونروا علناً إنهم نقلوا إحداثيات المدرسة الإلكترونية بنظام الـ جي بي إس وكذلك غيرها من مباني الأونروا للجيش الإسرائيلي. وتعرف عدة شهود عيان على القذائف كونها قادمة من مواقع للجيش الإسرائيلي تقع إلى الجنوب الشرقي، قرب جباليا، على مسافة كيلومتر تقريباً. وكانت وحدات للجيش الإسرائيلي متمركزة أيضاً في ذلك الحين في منطقة العطارة، على مسافة 4 كيلومترات إلى الشمال. فما هو الغرض من قذف الجيش الإسرائيلي لمدرسة الأونروا في بيت لاهيا؟ وهل استخدم الجيش الإسرائيلي الفسفور الأبيض في الهجوم ولماذا؟
شكراً لكم على اهتمامكم بهذا الشأن. ونقدر لكم كثيراً ردكم في موعد أقصاه 15 فبراير/شباط.
مع بالغ التقدير،
جو ستورك
نائب المدير التنفيذي
قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
رد الجيش الإسرائيلي على رسالة هيومن رايتس ووتش
قوات الدفاع الإسرائيلية
وحدة الناطقون باسم قوات الدفاع الإسرائيلية
مكتب المنظمات الدولية
هاتف: 972 – 3 – 5691842
فاكس: 972 – 3 – 5693971
15 فبراير/شباط 2009
جو ستورك،
هيومن رايتس ووتش
بشأن: الأسئلة الخاصة بعملية "الرصاص المصبوب"
عزيزي السيد ستورك،
تلقينا أسئلتكم بشأن عملية "الرصاص المصبوب" التي أرسلتم بها في 2 و11 فبراير/شباط. وعملكم بالغ الأهمية بالنسبة لنا ونحن ملتزمون بمساعدتكم قدر الإمكان وفي الإطار الزمني الملائم كلما أمكن. إلا أنه بدافع من رغبتنا في توفير الرد الأكثر دقة، فلن نتمكن من إرسال الردود في ظرف فترة الأسبوعين كما طلبتم. لقد شكلت قوات الدفاع الإسرائيلية فريق تحقيق من القيادة الجنوبية للنظر في القضايا التي أثرتموها، وسوف نقدم لكم الردود بناء على ما سنتوصل إليه من نتائج.
مع وافر التحية،
دانيال لوفر، حقوق الإنسان (ضابط غير مفوض)
مكتب المنظمات الدولية
فرع الطعون العامة
وحدة الناطقون باسم باسم قوات الدفاع الإسرائيلية
غير سري
[1] انظر: Tomer Zarchin, "War Crime Charges Over Gaza Offensive are 'Legal Terror,''' Haaretz, February 19, 2009, http://www.haaretz.com/hasen/spages/1065338.html (تمت الزيارة في 7 مارس/آذار 2009).
[2] "Identification of Explosive White Phosphorus Injury and Its Treatment," توقيع د. غيل هيرشورن، كولونيل ورئيس وحدة الإصابات، مقر القيادة العسكرية الطبية. عملية الرصاص المصبوب، رقم: SH9 01293409
[3] "التعرض للفسفور الأبيض" توقيع د. ليون فولز، مكتب الحرب بوزارة الصحة، 15 يناير/كانون الثاني 2009. بشأن: عملية الرصاص المصبوب، رقم: SH9 01393109
[4] في حرب 2006، قالت إسرائيل إنها استخدمت قذائف فسفورية "ضد أهداف عسكرية في مناطق مفتوحة"، رغم أن القوات اللبنانية زعمت أن الإصابات لحقت بالمدنيين جراء استخدامها، انظر: Meron Rapoport, "Israel Admits to Using Phosphorus Bombs in Recent Lebanon War," Haaretz, October 22, 2006, http://www.haaretz.com/hasen/objects/pages/PrintArticleEn.jhtml?itemNo=777560 (تمت الزيارة في 4 فبراير/شباط 2009). وفي حرب 1982، قال أطباء لبنانيون ومراسلون غربيون إن قذائف الفسفور الأبيض قتلت وجرحت المدنيين، لا سيما في بيروت. انظر: William E. Farrell, "Battered Beirut Burying Its Dead as Latest Truce Appears to Hold," New York Times, June 27, 1982, http://query.nytimes.com/gst/fullpage.html?sec=health&res=9C0CE1D7153BF934A15755C0A964948260 (تمت الزيارة في 4 فبراير/شباط 2009)، وانظر: Robert Fisk, Pity the Nation (New York: Atheneum, 1990) صفحات 282 إلى 285.
[5] انظر: Jane's Ammunition Handbook 2007-2008,Leland S. Ness and Anthony g. Williams, eds., (Surrey, UK: Jane's Information Group Limited, 2007) صفحة 44، انظر: http://www.janes.com/extracts/extract/jah/jah_0461.html (تمت الزيارة في 6 مارس/آذار 2009). الطراز إم 825 الأصلي كان فيه مشكلة تخص عدم الاتزان أثناء الطيران، مما استدعى استحداث الطراز أيه 1 الجديد. وإيه 1 تعني القذائف القديمة التي تم تجديدها لتصبح مستوفية لمعايير الطراز أيه 1.
[6] الفائدة الوحيدة اللصيقة بالفسفور الأبيض التي تميزه عن الدخان هي القدرة على مقاطعة الأشعة تحت الحمراء، مما يعني تعطيل استخدام أجهزة الرؤية الليلية المستخدمة في الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات (نظام ATGMs). إلا أن الجيش الإسرائيلي استخدم الفسفور الأبيض بشكل موسع للغاية بالنهار، مما ينفي نية استخدامه لمنع الرؤية الليلية، ولم تعثر هيومن رايتس ووتش على أي دليل على أن حماس أطلقت صواريخ موجهة مضادة للدبابات.
[7] انظر: Jane's Ammunition Handbook 2007-2008, Leland S. Ness and Anthony g. Williams, eds., (Surrey, UK: Jane's Information Group Limited, 2007), صفحة 644. انظر: http://www.janes.com/extracts/extract/jah/jah_0462.html (تمت الزيارة في 6 مارس/آذار 2009).
[8] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع جندي احتياطي إسرائيلي، القدس، 11 فبراير/شباط 2009.
[9] "Israel: Hamas Fires Phosphorus Shell," Associated Press 14 يناير/كانون الثاني 2009.
[10] Yanir Yagna, "For the First Time, Gaza Militants Fire Phosphorus Shells at Israel," Haaretz, January 14, 2009, http://www.haaretz.com/hasen/spages/1055472.html, (تمت الزيارة في 6 مارس/آذار 2009).
[11] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية ميكي روزنفيلد، سديروت، 15 يناير/كانون الثاني 2009.
[12] انظر: Sakher Abu El Oun, "Israel Says Gaza War Nearing End as Fighting Rages," Agence France-Presse, January 11, 2009, Adel Zaanoun, "Gaza City Pounded by Air Strikes, Tank Fire: Witness," Agence France-Presse, January 12, 2009, and Richard Boudreaux and Rushdi abu Alouf, "Israeli Offensive Presses into Gaza City," Los Angeles Times, January 12, 2009
[13] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع فتحي صباح، مدينة غزة، 26 يناير/كانون الثاني 2009.
[14] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد الشريف، مدينة غزة، 27 يناير/كانون الثاني 2009.
[15] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد الحداد، 27 يناير/كانون الثاني 2009.
[16] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع د. نظيف أبو شعبان، مستشفى الشفاء، 29 يناير/كانون الثاني 2009.
[17] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد أبو مصبح، مدينة غزة، 27 يناير/كانون الثاني 2009.
[18] طبقاً لجمعية الهلال الأحمر الفلسطينية، فإن 16 من سيارات إسعافها تضررت وتدمرت ثلاث منها أثناء العمليات العسكرية في غزة. وملابسات الوقائع الخاصة بذلك غير معروفة. جمعية الهلال الأحمر الفلسطينية، تفاصيل أخبار، التاريخ غير معروف، على: http://www.palestinercs.org/news_details.aspx?nid=158 (تمت الزيارة في 6 مارس/آذار 2009).
[19] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع د. جمال أبو الصفدي، مدينة غزة، 27 يناير/كانون الثاني 2009.
[20] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع طارق البرادي، مدينة غزة، 27 يناير/كانون الثاني 2009.
[21] انظر: "Attacks against the UN in Gaza Must be Investigated," بيان صحفي للأونروا، 24 يناير/كانون الثاني 2009، على: http://www.un.org/unrwa/refugees/stories/2009/attacks_un_in_gaza_jan09.html (تمت الزيارة في 26 يناير/كانون الثاني 2009).
[22] المرجع السابق.
[23] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع سكوت أندرسن، مقر الأونروا، مدينة غزة، 28 يناير/كانون الثاني 2009.
[24] انظر "الأمين العام غاضب من قصف مبنى الامم المتحدة في غزة"، بيان صحفي للأمين العام للأمم المتحدة، 15 يناير/كانون الثاني 2009، على: http://www.un.org/unrwa/news/statements/SecGen/2009/headquarters_15jan09.html (تمت الزيارة في 6 مارس/آذار 2009).
[25] انظر: Barak Ravid, "Olmert to Ban: Gunmen Fired at IDF Troops from UN Gaza Compound," Haaretz, January 15, 2009, http://www.haaretz.com/hasen/spages/1055761.html (تمت الزيارة في 24 فبراير/شباط 2009).
[26] انظر: Ibrahim Barzak and Christopher Torchia, "Israeli Shells Hit UN Headquarters in Gaza Strip; Airstrike Kills top Hamas Figure," Associated Press, 15 يناير/كانون الثاني 2009.
[27] انظر: Isabel Kershner and Taghreed el-Khodary, "Israel Shells U.N. Site in Gaza, Drawing Fresh Condemnation," New York Times, 16 يناير/كانون الثاني 2009.
[28] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد أبو شملة، مقر الأونروا، مدينة غزة، 28 يناير/كانون الثاني 2009.
[29] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع سكوت أندرسن. في 27 ديسمبر/كانون الأول، اليوم الأول للهجوم الجوي الإسرائيلي، أصاب صاروخ إسرائيلي جو أرض مجموعة من الطلاب وهم يغادرون كلية تدريب غزة، مما أسفر عن مقتل ثمانية وإلحاق الإصابات بـ 19 شخصاً، انظر: "إسرائيل/غزة: يجب أن لا يكون المدنيون أهدافاً"، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 30 ديسمبر/كانون الأول 2008، على: http://www.hrw.org/en/news/2008/12/30-1
[30] العلامات، غير المقروءة جزئياً، على القذائف الثلاث التي شاهدتها هيومن رايتس ووتش في مجمع الأونروا هي: PB91KO1B-035; 155 H/…OJ M…825A1/PB 91…011 0…5A; and …H018-02….
[31] كمية الوقود في المستودع وقت الهجوم غير معروفة.
[32] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع كلير ميتشل، مقر الأونروا، مدينة غزة، 28 يناير/كانون الثاني 2009.
[33] انظر: Ibrahim Barzak and Christopher Torchia, "Israeli Shells Hit UN Headquarters in Gaza Strip; Airstrike Kills top Hamas Figure," Associated Press, 15 يناير/كانون الثاني 2009.
[34] مؤتمر صحفي مع منسق الإغاثة والطوارئ بالأمم المتحدة، جون هولمز، ومدير الأونروا في غزة، جون غينغ، 15 يناير/كانون الثاني 2009، على: http://www.unmultimedia.org/tv/unifeed/detail/10679.html (تمت الزيارة في 24 فبراير/شباط 2009).
[35] انظر: Tovah Lazaroff and Yaakov Katz, "UNRWA to Keep Up Aid Flow Despite IDF Fire," Jerusalem Post, 16 يناير/كانون الثاني 2009.
[36] انظر: "Field Update on Gaza from the Humanitarian Coordinator, 17-18 January 2009," UN Office for the Coordination of Humanitarian Affairs, January 18, 2009, http://www.ochaopt.org/documents/ocha_opt_gaza_humanitarian_situation_report_2009_01_18_english.pdf (تمت الزيارة في 2 مارس/آذار 2009).
[37] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع نمر المقوسي، بيت لاهيا، 27 يناير/كانون الثاني 2009.
[38] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع يوسف داود، بيت لاهيا، 27 يناير/كانون الثاني 2009.
[39] أشار من أجريت معهم المقابلات جميعاً إلى الذخائر "الفسفورية" لكنهم قالوا إنهم كانوا لا يعرفون هذا السلاح وقت الهجمات، بل عرفوا فيما بعد أنه فسفور ابيض، من وسائل الإعلام وغيرها من المصادر.
[40] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع علي الشمالي، بيت لاهيا، 27 يناير/كانون الثاني 2009.
[41] "IOF Attacks 3rd UNRWA Shelter; Kills more Civilian Refugees, Including Children,"بيان صحفي لمركز الميدان لحقوق الإنسان، 17 يناير/كانون الثاني 2009، على: http://www.mezan.org/site_en/press_room/press_detail.php?id=956(تمت الزيارة في 27 يناير/كانون الثاني 2009).
[42] مقابلة هاتفية لـ هيومن رايتس ووتش مع أزهار الأشقر، 21 مارس/آذار 2009.
[43] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع رأفت شامية، بيت لاهيا، 27 يناير/كانون الثاني 2009. تسجيلات الفيديو مسجلة لدى هيومن رايتس ووتش.
[44] انظر: "Israel Shells UN School in Gaza," Al-Jazeera.net (English edition) 17 يناير/كانون الثاني 2009، على: http://english.aljazeera.net/news/middleeast/2009/01/20091177657498163.html, (تمت الزيارة في 3 فبراير/شباط 2009).
[45] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمود خلايل، صفاية، 23 يناير/كانون الثاني 2009.
[46] للاطلاع على والاستماع إلى عدة تحذيرات صادرة عن الجيش الإسرائيلي، انظرموقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، على: http://www.mfa.gov.il/MFA/Government/Communiques/2009/IDF_warns_Gaza_population_7-Jan-2009.htm (تمت الزيارة في 6 مارس/آذار 2009).
[47] قبل ست ساعات من المكالمة الهاتفية المذكورة، تسببت غارة جوية بطائرة إف 16 على مسافة كيلومترات قليلة من منزل محمود خلايل، في مقتل اثنين من أسرة الغول، هما أكرم الغول، 48 عاماً، ومحمود صلاح أحمد الغول، 17 عاماً، وهما أب وابن عم باحث استشاري يعمل مع هيومن رايتس ووتش في غزة. "إسرائيل: ينيبغي التحقيق في مقتل القاضي الراحل في غزة"، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 9 يناير/كانون الثاني 2009، على: http://www.hrw.org/en/news/2009/01/12-1
[48] كشف تحقيق إعلامي في العتاترة جنوبي صفاية عن أن مقاتلي حماس اشتبكوا مع الجيش الإسرائيلي هناك، مما أدى لجرح أربعة جنود إسرائيليين على الأقل. انظر: Ethan Bronner and Sabrina Tavernise, "In Shattered Gaza Town, Roots of Seething Split," New York Times, 3 فبراير/شباط 2009).
[49] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أحمد أبو حليمة، صفاية، 23 يناير/كانون الثاني 2009.
[50] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عمر أبو حليمة، صفاية، 23 يناير/كانون الثاني 2009.
[51] الكتابة بالعربية هي: "من جيش دفاع إسرائيل نحن آسفون". وكانت الكتابة هناك حتى 20 يناير/كانون الثاني على الأقل، حين شاهدها مراسل من أسوشيتد برس (ألفرد دي مونتسكو، "Gaza Family Returns Home After Phosphorus Blast," Associated Press 20 يناير/كانون الثاني 2008).
[52] Ethan Bronner, "Outcry Erupts Over Reports That Israel Used Phosphorus Arms on Gazans," New York Times, 21 يناير/كانون الثاني، 2009.
[53] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع د. علاء علي، مستشفى الشفاء، مدينة غزة، 24 يناير/كانون الثاني 2009.
[54] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد أبو حليمة، القاهرة، مصر، 10 فبراير/شباط 2009.
[55] مقابلة هاتفية لـ هيومن رايتس ووتش مع ران يارون، أطباء لأجل حقوق الإنسان – إسرائيل، 24 فبراير/شباط 2009.
[56] "شهادة: أفراد عائلة أبو حليمة الذين قتلوا واحترقوا في تفجير الجيش لمنزلهم، 3 يناير/كانون الثاني 2009"، شهادة من غادة رياض رجب أبو حليمة، من قبل بتسيلم بتاريخ 8 يناير/كانون الثاني 2009، على: http://www.btselem.org/English/Testimonies/20090104_Abu_Halima_home_set_on_fire_by_shelling.asp (تمت الزيارة في 24 فبراير/شباط 2009).
[57] انظر: Ashraf Khalil, "In Gaza Town, A Bitter Aftermath," Los Angeles Times, 15 فبراير/شباط 2009.
[58] المرجع السابق.
[59] في 10 يناير/كانون الثاني، نفى متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الكابتن غاي شبيغلمان، أن الجيش الإسرائيلي نفذ عمليات في منطقة خزاعة ذلك اليوم، وقال: "لم يتم استخدام الفسفور الأبيض" (انظر: Adel Zaaanoun, "Three Palestinians killed, dozens hurt in Gaza," Agence France-Presse 10 يناير/كانون الثاني 2009).
[60] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع إيمان النجار، خزاعة، 24 يناير/كانون الثاني 2009.
[61] عثرت هيومن رايتس ووتش أيضاً على قذيفة مدفعية مستخدمة في الإضاءة خارج المنزل. وكان على تلك القذيفة أكواد: TZ 1-81 155MM 485A2 ILLUMINATION ROUND, THS89D112-003 155MM M825E1
[62] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع ماجد النجار، خزاعة، 24 يناير/كانون الثاني 2009.
[63] عثر باحثو هيومن رايتس ووتش أيضاً على قذيفة إضاءة خارج البيت، عليها أكواد: ILLUM T2 1/84 155 M485A2
[64] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع د. يوسف أبو ريش، مستشفى الناصر، خان يونس، 24 يناير/كانون الثاني 2009.
[65] مقابلة هاتفية لـ هيومن رايتس ووتش مع متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، 6 يناير/كانون الثاني 2009.
[66] انظر: CNN, "Group Accuses Israel of Firing White Phosphorus into Gaza," January 12, 2009, http://edition.cnn.com/2009/WORLD/meast/01/12/white.phosphorus/index.html (تمت الزيارة في 28 يناير/كانون الثاني 2009).
[67] انظر: Michael Evans and Sheera Frenkel, "Victims' Strange Burns Increase Concern Over Phosphorus Shells," The Times, January 8, 2009, http://www.timesonline.co.uk/tol/news/world/middle_east/article5470047.ece (تمت الزيارة في 2 مارس/آذار 2009).
[68] إسرائيل: ينبغي الكف عن استخدام الفسفور الأبيض في غزة، بيان صحفي بتاريخ 10 يناير/كانون الثاني 2009، على: http://www.hrw.org/en/news/2009/01/12-0
[69] Robert Marquand and Nicholas Blanford, "Gaza: Israel Under Fire for Alleged White Phosphorus Use," Christian Science Monitor,14 يناير/كانون الثاني 2009.
[70] Bradley S. Klapper, "Red Cross Says Israel Firing White Phosphorus in Gaza, But No Evidence of Improper Use," Associated Press 13 يناير/كانون الثاني 2009.
[71] المرجع السابق
[72] يمكن الاطلاع على مقابلة شبكة سي إن إن مع ريغيف على: http://www.youtube.com/watch?v=9KXlv-FGDa4 (تمت الزيارة في 4 فبراير/شباط 2009). وإحالته لتصريح اللجنة الدولية للصليب الأحمر واردة أيضاً لمدة دقيقتين في المقابلة.
[73] اللجنة الدولية للصليب الأحمر، "الأسلحة الفسفورية: رأي اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، 17 يناير/كانون الثاني 2009، على: http://www.icrc.org/Web/Eng/siteeng0.nsf/html/weapons-interview-170109 (تمت الزيارة في 28 يناير/كانون الثاني 2009).
[74] انظر: "FAQ - Answers and Questions on the Operation in Gaza," موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، على: http://www.mfa.gov.il/MFA/Terrorism-+Obstacle+to+Peace/Hamas+war+against+Israel/FAQ_Operation_Gaza_Jan_2009.htm (تمت الزيارة في 29 يناير/كانون الثاني 2009).
[75] Ilene R. Prusher, "After the War, Gazans Seek Answers on White Phosphorus," Christian Science Monitor, February 5, http://www.csmonitor.com/2009/0205/p04s01-wogn.html, (تمت الزيارة في 24 فبراير/شباط 2009).
[76] Luke Baker, "Amnesty Accuses Israel of Crimes Over White Phosphorus," Reuters, 18 يناير/,كانون الثاني 2009.
[77] Amos Harel, "IDF Probes Improper Use of Phosphorus Shells in Gaza Strip," Haaretz, January 21, 2009, http://haaretz.com/hasen/spages/1057361.html, (تمت الزيارة في 6 مارس/آذار 2009). وطبقاً لمصادر بالجيش الإسرائيلي تم اقتباسها في المقال، فإلى جانب هذا الاستخدام، استخدم الجيش الإسرائيلي الفسفور الأبيض بشكل مقتصد وبما يتفق مع القانون الدولي.
[78] James Hider and Sheera Frenkel, "Israel Admits Using White Phosphorus in Attacks on Gaza," The Times, January 24, 2009, http://www.timesonline.co.uk/tol/news/world/middle_east/article5575070.ece تمت الزيارة في 24 فبراير/شباط 2009.
[79] المرجع السابق.
[80] انظر عموماً، البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف بتاريخ 12 أغسطس/آب 1949، والخاص بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية (البروتوكول الأول)، 1125 U.N.T.S. 3 دخل حيز النفاذ في 7 ديسمبر/كانون الأول 1978. اتفاقية لاهاي الرابعة، في: Hague Convention IV - Laws and Customs of War on Land: 18 October 1907, 36 Stat. 2277, 1 Bevans 631, 205 Consol. T.S. 277, 3 Martens Nouveau Recueil (ser. 3) 461 دخلت حيز النفاذ في 26 يناير/كانون الثاني 1910.
[81] انظر البروتوكول الأول، مادة 48 و51 (2)، و52 (2).
[82] تنص المادة 48 من البروتوكول الأول على: "تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية".
[83] البروتوكول الأول، مادة 51 (3).
[84] المرجع السابق، المادة 52 (1). وتنحصر الأهداف العسكرية فيما يتعلق بالأعيان على تلك التي تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء كان ذلك بطبيعتها أم بموقعها أم بغايتها أم باستخدامها، والتي يحقق تدميرها التام أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها في الظروف السائدة حينذاك ميزة عسكرية أكيدة، المرجع السابق، مادة 52 (2).
[85] البروتوكول الأول، مادة 52 (2).
[86] اتفاقية جنيف الرابعة، مادة 19، البروتوكول الأول، مادة 13 (1).
[87] المادة 51 (4) و51 (5) من البروتوكول الأول تعددان خمسة أنواع من الهجمات العشوائية، هي: أ ) تلك التي لا توجه إلى هدف عسكري محدد، ب) أو تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن أن توجه إلى هدف عسكري محدد، ج ) أو تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن حصر آثارها على النحو الذي يتطلبه هذا اللحق "البروتوكول"، د) تعامل عدة أهداف عسكرية في منطقة حضرية على أنها هدف واحد، هـ) تخرق مبدأ التناسب.
[88] المرجع السابق. المادة 51 (5)(ب). الخطر المتوقع أن يلحق بالسكان المدنيين والأعيان المدنية يستند إلى عدة عوامل، منها موقعهم (ربما داخل أو بالقرب من هدف عسكري)، ودقة الأسلحة المستخدمة (بناء على المدى والمجال والعوامل البيئية والذخائر المستخدمة، إلخ)، والمهارة التقنية للمقاتلين (التي قد تؤدي إلى الإطلاق العشوائي للأسلحة حين تعوز المقاتلين القدرة على التصويب بفعالية على الهدف المقصود). انظر، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تعليق على البروتوكولات الإضافية، صفحة 684.
[89] البروتوكول الأول، مادة 57، ورد في تعليق اللجنة الدولية للصليب الأحمر على البروتوكول الأول أن المطلب الخاص بـ "اتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة" يعني، من بين عدة معاني، أ، الشخص الذي يشن الهجوم يُطلب منه اتخاذ كل الخطوات الضرورية للتعرف على الهدف، كونه هدفاً عسكرياً مشروعاً "في الوقت المناسب لإعفاء السكان من الضرر قدر الإمكان"، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تعليق على البروتوكولات الإضافية، صفحة 682.
[90] إذا كانت ثمة شكوك في كون الهدف ذات طبيعة مدنية أو عسكرية، فيجب "افتراض" أنه مدني. البروتوكول الأول، مادة 52 (3). على الأطراف المتقاتلة أن تفعل كل المستطاع لإبطال أو تجميد الهجوم إذا تبين أن الهدف ليس عسكرياً. المرجع السابق، مادة 57 (2).
[91] المرجع السابق، مادة 57 (2).
[92] المرجع السابق، مادة 58 (ب).
[93] المرجع السابق، مادة 58 (أ).
[94] المرجع السابق، مادة 51 (7).
[95] بروتوكول بشأن حظر أو تقييد استعمالالأسلحة المحرقة (البروتوكول الثالث، اتفاقية الأسلحة التقليدية)، 1342 U.N.T.S. 171, 19 I.L.M. 1534 دخل حيز النفاذ في 2 ديسمبر/كانون الأول 1983.
[96] البروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية، مادة 1(1).
[97] لا يشمل البروتوكول الثالث الذخائر التي "يمكن أن تكون لها آثار محرقة عارضة" مثل قذائف المدفعية الدخانية.
[98] البروتوكول الثالث، مادة 2(2).
[99] انظر، International Committee of the Red Cross (ICRC), Customary International Humanitarian Law (Cambridge: CambridgeUniversity Press, 2005), القاعدة 85.
[100] انظر: Israel, Military Advocate General Headquarter, Laws of War in the Battlefield, 1998 صفحة 23.
[101] تحظر القوات المسلحة لعدة دول استخدام الأسلحة المحرقة حين تؤدي إلى معاناة لا ضرورة لها. انظر: US Army, Field Manual 27-10 (1956) (استخدام الأسلحة المحرقة "ليس خرقاً للقانون الدولي. لكن يجب عدم استخدامها بطريقة تؤدي إلى معاناة لا ضرورة لها للأفراد")، انظر أيضاً: sec. 36; UK Ministry of Defence, The Manual of the Law of Armed Conflict (Oxford: Oxford University Press, 2004) ("يجب عدم استخدام الفسفور الأبيض بشكل مباشر ضد الأفراد")، صفحة 112.
[102] "قصف عشوائي: هجمات صاروخية فلسطينية وقصف مدفعي إسرائيلي في قطاع غزة"، تقرير هيومن رايتس ووتش، 30 يونيو/حزيران 2007.
[103] نصف قطر الإصابات المتوقع هو نصف القطر الذي يُرجح أن يصاب داخله الأفراد بالسلاح. وعلى حد علم هيومن رايتس ووتش فإن الجيش الإسرائيلي لم ينشر إحصاءاته الخاصة بقذائف المدفعية عيار 155 ملم خاصته، لكن التقارير الإعلامية أوردت الأرقام المذكورة في النص أعلاه. (Peter Beaumont, "How Israel Put Gaza Civilians in Firing Line," The Guardian, November 12, 2006 and "Gaza's Kids Collect a Different Sort of Shell," Agence France-Presse, May 29, 2006.)
[104] انظر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القانون الإنساني العرفي الدولي، صفحات 568 إلى 574.