Skip to main content

سوريا: "محكمة العدل الدولية" تبدأ النظر في قضية تعذيب مفصلية

اتخاذ تدابير عاجلة لوقف الانتهاكات

صور لسوريين احتُجزوا أو اختفوا وضعها أقاربهم كجزء من احتجاج أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، هولندا، في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023. © 2023 هيومن رايتس ووتش

(لاهاي) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن جلسات "محكمة العدل الدولية" التي ستنعقد يومي 10 و11 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بشأن التعذيب الذي ترعاه الدولة في سوريا منذ 2011، مهمة للغاية لإحقاق العدالة.

في 8 يونيو/حزيران، رفعت هولندا وكندا قضية أمام المحكمة تزعم فيها أن سوريا تنتهك "الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب". أشارت القضية إلى المعاملة غير القانونية للمحتجزين، وظروف الاحتجاز اللاإنسانية، والاختفاء القسري، والعنف الجنسي والجندري، والعنف ضد الأطفال، واستخدام الأسلحة الكيميائية. هذه القضية ليست دعوى جنائية ضد أفراد، لكنها تسعى إلى إقرار قانوني بمسؤولية الدولة عن التعذيب.

قالت بلقيس جراح، المديرة المساعدة لبرنامج العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش: "القضية التي رفعتها هولندا وكندا توفر فرصة مهمة للتدقيق في التعذيب البشع الذي طال أمده في سوريا بحق عدد لا يحصى من المدنيين. يتعين على المحكمة الدولية أن تتخذ على وجه السرعة تدابير لمنع المزيد من الانتهاكات ضد السوريين، الذين ما زالوا يعانون في ظل ظروف مرعبة، وحياتهم عرضة لمخاطر شديدة".

مع أن القضية قد تستغرق عدة سنوات حتى صدور الحكم النهائي، إلا أن هولندا وكندا طلبتا من المحكمة أن تأمر باتخاذ تدابير مؤقتة، تهدف إلى وقف الانتهاكات المستمرة ودعم الخطوات اللازمة لإجراءات المساءلة في المستقبل. الحجج المتعلقة بطلب التدابير المؤقتة هي موضوع جلسات الاستماع. يعتزم نشطاء وناجون من التعذيب وأقارب سوريين مشتبه باحتجازهم أو اختفائهم قسريا من قبل الحكومة السورية حضور جلسات الاستماع لدعم القضية.

قالت هولندا وكندا إن هناك حاجة إلى اتخاذ تدابير مؤقتة "على نحو عاجل بسبب الخطر الكبير المتمثل في استمرار التعذيب وغيره ]من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة[ بلا هوادة في سوريا، بما في ذلك طوال مدة الإجراءات أمام المحكمة". تؤكد الدولتان أن سوريا لم تظهر أي نية لمنع الانتهاكات المستمرة أو المستقبلية. كان من المقرر في البداية عقد جلسات التدابير المؤقتة يومي 19 و20 يوليو/تموز، لكن تم تأجيلها بناء على طلب من سوريا.

حتى مع سجل سوريا الحافل بالجرائم الخطيرة، وفي غياب أي مؤشر على توقف ممارساتها المسيئة، سارعت عدة دول عربية إلى تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، من ضمنها الإمارات والأردن. في مايو/أيار، أعادت "جامعة الدول العربية" قبول سوريا بعد تعليق عضويتها في 2011 بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان. قالت هيومن رايتس ووتش إن قضية محكمة العدل الدولية ينبغي أن تدفع الحكومات إلى إعادة تقييم أي خطوات لاستئناف العلاقات الطبيعية مع سوريا دون التصدي للتعذيب وغيره من الانتهاكات.

من بين التدابير المؤقتة المطلوبة أن تقوم سوريا بما يلي: اتخاذ تدابير فعالة لوقف ومنع جميع أعمال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ عدم إتلاف أي دليل يتعلق بالقضية الأساسية أو منع الوصول إليه؛ والكشف عن مواقع دفن الأشخاص الذين قضوا بسبب التعذيب.

طلبت الدولتان من المحكمة أيضا أن تأمر بعدد من التدابير المؤقتة المتعلقة بالاحتجاز "في ضوء الخطر الكبير الذي يواجه المحتجزين من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة". تشمل هذه التدابير إطلاق سراح أي شخص محتجز بشكل تعسفي أو غير قانوني، وإنهاء جميع أشكال الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والسماح للمراقبين المستقلين والعاملين الطبيين بالوصول إلى مواقع الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية.

طلبت الدولتان من المحكمة أيضا أن تفرض على سوريا أن تقدم لها تقريرا عن الخطوات المتخذة لتنفيذ أمر التدابير المؤقتة "في موعد لا يتجاوز ستة أشهر من صدوره وكل ستة أشهر بعد ذلك إلى حين حل النزاع". قالت هيومن رايتس ووتش إن على البلدين، في مرافعاتهما الشفوية، أن يطلبا تحديدا نشر التقارير.

يشير تاريخ محكمة العدل الدولية إلى أنه يمكن اتخاذ قرار بشأن التدابير المؤقتة في غضون أسابيع. سيكون الأمر باتخاذ تدابير مؤقتة ملزما قانونيا لسوريا، لكنه لن يحكم مسبقا على موضوعية الادعاءات بأن سوريا انتهكت أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب. رفضت سوريا هذه الادعاءات.

طلبت هولندا وكندا من المحكمة في حكمها النهائي – من بين أمور أخرى – أن تعلن أن سوريا انتهكت وما زالت تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، وأنه يتعين عليها وقف أي انتهاكات مستمرة، وتقديم التأكيدات والضمانات بأنها لن تستأنف انتهاك الاتفاقية، وضمان محاسبة المسؤولين عنها ضمن إجراءات عادلة، وتقديم تعويضات للضحايا.

منذ 2011، وثقت هيومن رايتس ووتش وآخرين على نطاق واسع الاحتجاز التعسفي والتعذيب لعشرات الآلاف من الأشخاص على يد القوات الحكومية السورية، فيما يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية. في أغسطس/آب 2013، قام منشق عسكري مُلقّب بـ"قيصر" بتهريب صور من سوريا توفر أدلة دامغة على تفشي التعذيب والمجاعة والضرب والأمراض في مرافق الاحتجاز التابعة للحكومة السورية.

في يوليو/تموز، خلصت لجنة تحقيق تابعة لـ"الأمم المتحدة" إلى أن السلطات السورية تواصل احتجاز آلاف الأشخاص وإخفائهم قسرا باستخدام شبكة واسعة من مرافق الاحتجاز في جميع أنحاء البلاد. قالت هيومن رايتس ووتش إن المحتجزين ما زالوا معرضين لخطر الموت بسبب التعذيب وظروف الاحتجاز المروعة.

قالت هيومن رايتس ووتش إنه رغم الإدانة الواسعة، لم تفعل الحكومة السورية شيئا يذكر لوقف استخدام التعذيب على أيدي عملائها. في الواقع، تؤكد "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" أن الظروف في سوريا تمنعها من تعزيز أو تسهيل عودة اللاجئين. وثقت هيومن رايتس ووتش قيام الأجهزة الأمنية السورية باحتجاز واختطاف وتعذيب وقتل اللاجئين الذين عادوا إلى سوريا بين 2017 و2021.

كانت العدالة الشاملة لهذه الفظائع وغيرها من الفظائع المرتكبة في سوريا بعيدة المنال إلى حد كبير. سوريا ليست عضوا في "المحكمة الجنائية الدولية". في 2014، منعت روسيا والصين الجهود المبذولة في "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" لمنح المحكمة ولاية بشأن الجرائم الخطيرة في سوريا. بعد عامين، استجابت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من خلال تشكيل فريق تحقيق لجمع وتحليل وتأمين الأدلة على الجرائم الخطيرة للمحاكمات في المستقبل.

بدأت الجهود المبذولة لتقديم الأفراد المسؤولين عن التعذيب وغيره من الفظائع في سوريا أمام المحاكم الأوروبية تؤتي ثمارها، بما في ذلك في المحاكم الألمانية والسويدية والفرنسية. قالت هيومن رايتس ووتش إن قضية محكمة العدل الدولية يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الإجراءات وقد يُسترشد بها في الملاحقات القضائية الجارية ضد المشتبه بهم الأفراد في المحاكم الوطنية.

يمكن تقديم سوريا أمام محكمة العدل الدولية بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب لأنها طرف في الاتفاقية. يجوز للدول الأطراف في المعاهدة، من ضمنها هولندا وكندا، رفع دعوى قضائية ضد سوريا حتى لو لم تتأثر بشكل مباشر بالانتهاكات المزعومة.

أعلنت هولندا في 18 سبتمبر/أيلول 2020، أنها أبلغت سوريا بنيتها محاسبة حكومتها على التعذيب بموجب الاتفاقية. انضمت كندا إلى هذه الجهود في مارس/آذار 2021. قبل أن تتمكن الدولتان رسميا من بدء إجراءات محكمة العدل الدولية في يونيو/حزيران، كان عليهما استيفاء المتطلبات القضائية التي تفرضها الاتفاقية، بما في ذلك مرحلة التفاوض والتحكيم المطلوبة.

قالت جراح: " جلسات الاستماع سلطت الضوء من جديد على الحقيقة المروعة المتمثلة في أن السوريين ما زالوا يواجهون التعذيب، وأن هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لوقف هذه الانتهاكات وضمان المساءلة عن الفظائع التي ترتكبها حكومة الأسد. ينبغي أن تدفع القضية المرفوعة أمام المحكمة الدولية إلى اتخاذ إجراءات دولية أكبر لتحقيق العدالة للضحايا والناجين من الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في سوريا على مدى العقد الماضي".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد

الأكثر مشاهدة