Skip to main content

فرنسا: انتصار قضائي لضحايا سوريين

مع ذلك، يظلّ إصلاح قانون الولاية القضائيّة العالميّة ضروريا

مدخل محكمة النقض، أعلى هيئة قضائية في فرنسا ومقرها في قصر العدل في باريس. © 2014 "أيه بي فوتو"/مارتين بوري، بول

(باريس، 12 مايو/أيار 2023) – قالت تسع منظمات حقوقيّة اليوم إنّ قرارَيْن صدرا عن "محكمة النقض" الفرنسيّة يوم 12 مايو/أيار 2023 في قضيتين تتعلقان بجرائم فظيعة حصلت في سوريا أكّدا أنّ فرنسا قادرة على معالجة الجرائم الدوليّة الخطيرة. رغم أنّ القرارين أكّدا أنّ للمحاكم الفرنسيّة ولاية على عدد كبير من القضايا العالقة، إلّا أنّهما لا يُعالجان الشروط التقييديّة التي تظلّ في القانون الفرنسي. لا تزال الحكومة الفرنسيّة بحاجة إلى اتخاذ إصلاحات عاجلة لإزالة القيود القانونيّة التي تُهدّد بجعل فرنسا ملاذا آمنا للمتورّطين في أسوأ الجرائم في العالم.

نظرت محكمة النقض، أعلى محكمة في القضاء الفرنسي، في أحكام القانون الفرنسي التي تقيّد حصول الضحايا على العدالة في الجرائم الخطيرة المرتكبة في الخارج. خلُص القضاة إلى أنّه تمّ استيفاء الشروط اللازمة حتى ينظر القضائي الفرنسي في قضايا تورّط فيها مواطنون سوريون متهمون بارتكاب جرائم خطيرة في سوريا.

قالت بريجيت جوليفي، المتحدثة باسم "التحالف الفرنسي من أجل المحكمة الجنائيّة الدوليّة": " استجابت محكمة النقض لتوصيات النائب العام الفرنسي ونداءات ممثلي الضحايا لتأويل القانون الفرنسي على أنّه يسمح للمسؤولين الفرنسيين بملاحقة مرتكبي جرائم دوليّة ارتُكبت في الخارج. هذان القراران اللذان طال انتظارهما سيكون لها تأثير على عشرات الشكاوى والتحقيقات المتعلّقة بجرائم دوليّة ارتُكبت ليس فقط في سوريا، وإنما في بلدان أخرى مثل ليبيا وجمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة. لكن تظلّ هناك مسؤولية على عاتق الحكومة الفرنسيّة لإصلاح القانون".

نظرت محكمة النقض في تطبيق المبدأ القانوني المعروف بالولاية القضائية العالمية في فرنسا، الذي يسمح للسلطات القضائيّة الفرنسيّة بملاحقة أخطر الجرائم بموجب القانون الدولي، حتى وإن لم تُرتكب داخل أراضي الدولة، أو من قبل أحد مواطنيها أو ضدّه. قالت المنظمات إنّ كلا القرارين نظرا في قضيّة حديثة تتعلّق بسوريا وسلّطا الضوء على كيفيّة تقييد القانون الفرنسي لتطبيق الولاية العالميّة على أشخاص متورّطين في جرائم خطيرة.

نظرت المحكمة في قضيتي عبد الحميد شعبان، وهو جندي سوري سابق متّهم بالتواطؤ في جرائم ضدّ الإنسانية في فبراير/شباط 2019، ومجدي نعمة، متحدث سابق باسم جماعة مسلحة سوريّة واجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب وتعذيب وجرائم أخرى. في كلتا القضيتين، ركّزت المحكمة على الشروط التي تستطيع المحاكم الفرنسيّة بموجبها الفصل في أعمال تتعلق بالتعذيب، والجرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم الحرب بموجب الولاية القضائيّة العالميّة.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، رأت محكمة النقض أنّ السلطات القضائيّة الفرنسيّة ليس لها ولاية قضائيّة على الجرائم ضدّ الإنسانية في قضيّة شعبان. في تطبيق ضيّق "لقاعدة التجريم المزدوج"، رأت المحكمة أنّ الملاحقة القضائيّة لا يُمكن أن تستمرّ بموجب القانون الفرنسي لأنّه لا توجد بنود في القانون المحلّي السوري تجرّم الجرائم ضدّ الإنسانية بشكل صريح. بعد هذا القرار، أعرب المجتمع المدني ومحامون وضحايا عن مخاوفهم من أن يؤدّي سوء تطبيق قاعدة التجريم المزدوج إلى إفلات مرتكبي الجرائم الخطيرة المتواجدين في فرنسا من العدالة، ودعوا إلى تنفيذ إصلاحات للتخلّي عن هذه القاعدة.

في قضيّة نعمة، قرّرت "محكمة الاستئناف" في باريس عدم إتباع القرار السابق لمحكمة النقض، ورأت أنّ سوريا ملزمة بأحكام القانون الدولي التي تحظر جرائم الحرب، ممّا نتج عنه تفسير أقلّ تقييدا لقاعدة ازدواجيّة التجريم. لكن هذه القضيّة لفتت الانتباه أيضا إلى قيد إشكاليّ ثان في القانون الفرنسي: وهو أنّ المتهم يجب أن يكون مقيما "بشكل اعتيادي" على الأراضي الفرنسية.

بما أنّ قضيّة نعمة خلقت تضاربا في السوابق القضائيّة الفرنسيّة بشأن ازدواجيّة التجريم، قرّرت محكمة النقض بكامل هيئتها النظر في القضيّة بالإضافة إلى شرط "الإقامة الاعتيادية". نظرت أيضا فيما إذا كان يُمكن محاكمة أعضاء الجماعات المسلّحة من غير الدول بتهمة التعذيب في فرنسا في ظلّ بعض الظروف، أو ما إذا كان يُمكن مقاضاة أعوان الدول فقط على تلك الجريمة. استمعت محكمة النقض إلى المرافعات في القضيتين يوم 17 مارس/آذار.

قالت جان سولزر، رئيسة "لجنة العدالة الولية" لدى "منظمة العفو الدولية" بفرنسا: "رغم أنّ محكمة النقض تناولت على وجه التحديد قدرة السلطات الفرنسيّة على متابعة قضايا الجرائم الخطيرة في سوريا، فإنّ هذين القرارين سيكون لهما تأثير أوسع على دور فرنسا في مكافحة الإفلات من العقاب. هذان القراران سيسمحان للضحايا – الذين لا يُمكنهم اللجوء إلى العدالة في بلدانهم أو في المحكمة الجنائية الدولية – برفع دعاوى في فرنسا، مما سيمكّنها من لعب دور هام في محاربة الإفلات من العقاب".

قالت المنظمات الحقوقيّة إنّ قراري محكمة النقض أكّدا اختصاص المحاكم الفرنسيّة على عدد هام من القضايا العالقة، لكنّهما لا يعالجان بشكل تام الشروط التقييديّة التي تظلّ موجودة في القانون الفرنسي.

في جلسة 17 مارس/آذار، طالبت "الفدراليّة الدوليّة لحقوق الإنسان"، التي تمثل مصالح الضحايا في القضيتين، بتأويل أوسع لكلا الشرطين، مؤكدة على التزام فرنسا القانوني بملاحقة أكثر الجرائم خطورة. طالب المدّعي العام لمحكمة النقض من المحكمة تأكيد الولاية القضائية لفرنسا في كلتا القضيتين، قائلا إنّ ذلك سيوضّح ممارسة الولاية العالميّة في البلاد. طلب محامو الدفاع من المحكمة تأكيد القرار المتعلّق بشعبان، قائلين إنّ هناك مبرّر قانوني لاعتماد تطبيق مقيّد للولاية العالميّة.

تطرّق القراران الصادران عن محكمة النقض فقط إلى بعض القيود الموجودة في القانون الفرنسي والتي قد تحول دون ملاحقات ناجحة في قضايا تنطوي على جرائم خطيرة. على عكس الجرائم الأخرى في فرنسا، يتمتع المدّعي العام في هذه القضايا بسلطة تقديريّة ليقرّر الملاحقة من عدمها. إضافة إلى ذلك، أعربت منظمات المجتمع المدني الفرنسي عن مخاوفها بشأن شرط تحقق الادعاء الفرنسي مما إذا كانت هناك أي محاكم وطنيّة أو دوليّة أخرى قد أكّدت ولايتها القضائية قبل فتح التحقيق.

تنطبق بعض القيود على بعض الجرائم دون غيرها. خلق ذلك تباينا في كيفيّة معالجة مختلف الجرائم الخطيرة – الجرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم الحرب، والإبادة، والتعذيب، والإخفاء القسري – في البلاد.

قالت المنظمات الحكوميّة إنّه يتعيّن على الحكومة، بصرف النظر عن قراري محكمة النقض، متابعة التعديلات التشريعيّة اللازمة لإزالة القيود التي تُكبّل العدالة في فرنسا وتمنعها من ملاحقة الجرائم الخطيرة. بصفة عامة، لا تتماشى هذه القيود مع التزام فرنسا المعلن بالعدالة الدوليّة ومكافحة الإفلات من العقاب.

في السنوات الأخيرة، اقترح أعضاء في البرلمان مشاريع قوانين جديدة أو تنقيحات لرفع هذه القيود، لكن دون جدوى. رغم أنّ الحكومة الفرنسيّة عبّرت عن انفتاحها على الإصلاح قبل الانتخابات الرئاسية لسنة 2022، إلا أنّ المسؤولين لم يُظهروا إرادة سياسيّة لاتخاذ خطوات ملموسة في هذا الصدد. قالت المنظمات إنّ رفع القيود سيُمكّن الضحايا والناجين وغيرهم من التوجه إلى العدالة الفرنسيّة كمحفل مجدٍ لمكافحة الإفلات من العقاب على أسوأ الجرائم.

قالت أليس أوتين، مسؤولة العدالة الدوليّة في "هيومن رايتس ووتش": "يتعيّن على الحكومة الفرنسيّة وضع حدّ لموقفها الغامض بشأن قدرة فرنسا على مقاضاة الجرائم الخطيرة. يُمكن لفرنسا أن تلعب دورا أساسيا في تعزيز العدالة الدّولية في جميع أنحاء العالم، لكن عليها إحداث تغييرات تشريعيّة جادّة".

المنظمات الموقّعة:

"منظمة العفو الدوليّة"

"التحالف الفرنسي من أجل المحكمة الجنائيّة الدوليّة"

"الفدراليّة الدوليّة لحقوق الإنسان"

"رابطة حقوق الإنسان – Ligue des Droits Humains"

"هيومن رايتس ووتش"

"مراسلون بلا حدود"

"ريدرس – REDRESS"

"نقابة القضاة – Syndicat de la Magistrature"

"ترايل إنترناشيونال – TRIAL international"

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد

الأكثر مشاهدة