Skip to main content

الخطوة الهولندية بوجه سوريا: مسار جديد العدالة

نُشر في: Just Security

 

أعلنت هولندا في 18 سبتمبر/أيلول أنها أبلغت سوريا نيتها محاسبَتها على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان لا سيما التعذيب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. ردّت الحكومة السورية بالقول إن لا حقّ لهولندا في التعاطي مع ملفات حقوق الإنسان لديها، وأن ذلك الإجراء "قفز فوق الأمم المتحدة والقانون الدولي".

هذه المذكرة الهولندية خطوة مهمة قد تفضي إلى مقاضاة سوريا في "محكمة العدل الدولية". وقد يكون هذا الإجراء تقدما جديدا في سبيل تخطي العقبات التي تواجه المساءلة الدولية عن الجرائم المرتكبة في سوريا.

كتب وزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك قائلا: "نظام الأسد ارتكب جرائم مروعة مرة تلو الأخرى. الأدلة دامغة. يجب أن تكون هناك عواقب". وثقت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا و"هيومن رايتس ووتش"، من بين جهات عدة أخرى، الاستخدام المتفشي للتعذيب في مراكز الاحتجاز الرسمية والمُرتَجلة التي تديرها الدولة. وبحسب "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، لقي أكثر من 12 ألف شخص حتفهم تحت التعذيب في السجون السورية، حيث استُخدمت أساليب التعذيب الجسدي والنفسي المتنوعة، من إيهام بالغرق والاغتصاب، إلى الحرق بالنار وإلقاء الضحايا في زنازين مع جثث معتقلين متوفين.

يظهر من أدلة الاستخدام المنهجي والواسع النطاق للتعذيب في 27 مركز احتجاز على الأقل في سوريا وجود سياسةِ تعذيب تنتهجها الدولة، قد يكون أعضاء رفيعو المستوى في الحكومة السورية متورطين فيها. تشير التقارير إلى أن كبار المسؤولين الأمنيين السوريين سمحوا بمعاملة بعض المعتقلين معاملة "قاسية" وقمعهم أثناء الاحتجاز.

بينما تتراكم الأدلة على الجرائم الفظيعة التي تقترفها الدولة، لم تتحقق عدالة تُذكر على تلك الانتهاكات. اكتسبت قضايا المسؤولية الجنائية الفردية التي تستخدم الولاية القضائية العالمية في المحاكم الأجنبية زخما، لكنها غير كافية لمعالجة الجرائم الواسعة النطاق الموثقة في سوريا على مدى العقد الماضي. بدأت إحدى هذه المحاكمات التاريخية في ألمانيا في أبريل/نيسان ضد شخصين يُفترض أنهما من مسؤولي المخابرات السورية السابقين المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. يتهم الادعاء الألماني أحد المشتبه بهما بالإشراف على تعذيب المعتقلين بين 2011 و2012 في إحدى المنشآت بدمشق. والدعوى الألمانية تذكير هام بالحاجة إلى فعل المزيد لضمان المحاسبة على الفظائع التي ارتُكبت خلال النزاع المسلح في سوريا.

أُحبطت جهود مساءلةٍ دولية أخرى أكثر شمولا لسنوات. في 2014، عرقلت روسيا والصين جهود "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" الرامية إلى منح "المحكمة الجنائية الدولية" تفويضا في سوريا. في 2019، قالت موسكو إنها ستمنع مجلس الأمن من إحالة المزيد من الملفات إلى المحكمة الجنائية الدولية أو إنشاء أي محاكم جنائية جديدة مثل تلك التي أُنشئت لرواندا أو يوغوسلافيا السابقة. ستكون قضية محكمة العدل الدولية الخطوة الأولى لدولة أخرى ذات سيادة لمحاسبة سوريا على أساس مسؤولية الدولة.

يمكن مقاضاة سوريا أمام محكمة العدل الدولية بموجب "اتفاقية مناهضة التعذيب" لأنها طرف فيها، والمادة 30(1) تنص على اختصاص محكمة العدل الدولية في تسوية النزاعات. يمكن للدول الانسحاب من الولاية القضائية للمادة 30، لكن سوريا لم تُبدِ هذا التحفظ. يجوز للدول الأطراف في المعاهدة، بما فيها هولندا، مقاضاة سوريا حتى ولو لم تتأثر بشكل خاص بالانتهاكات المزعومة.

كما اعترفت محكمة العدل الدولية صراحة في قضية بلجيكا ضد السنغال، وهي القضية الوحيدة المرفوعة بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب حتى الآن، بأن الاتفاقية تولّد "التزامات إزاء الجميع". فتقع على عاتق كل دولة طرف التزاماتٌ تجاه الدول الأطراف الأخرى بالامتثال للمعاهدة بالنظر إلى "المصلحة المشتركة" في تحقيق "الأغراض السامية التي هي سبب وجود الاتفاقية".

لكن قبل أن تتمكن هولندا من الشروع رسميا في إجراءات محكمة العدل الدولية، يجب أن تفي بمتطلبات الولاية القضائية للمادة 30(1) من اتفاقية مناهضة التعذيب، وهي: (1) أن ينشأ "نزاع" بشأن "تفسير المعاهدة أو تنفيذها"، و(2) "ألّا تكون (تسوية النزاع) من خلال المفاوضات ممكنة"، و(3) ألّا تتمكن الأطراف في غضون ستة أشهر من تاريخ طلب التحكيم من الموافقة على تنظيم التحكيم. وبموجب الشق الأول من المادة، فلِكَي يكون هناك "نزاع" بحسب لُغة محكمة العدل الدولية، يجب على الدولة الطرف التي ترفع الدعوى أن تُثبت أن "دعوى أحد الطرفين يعارضها الطرف الآخر بشكل نشط". وقد يكون إنكار سوريا الادعاءات كافيا لإثبات هذه المعارضة.

يمكن بدء "التفاوض" المنصوص عليه في الشق الثاني من المادة 30(1) من خلال مذكرات دبلوماسية مثل تلك التي أرسلتها هولندا إلى سوريا. يستلزم شرط التفاوض إجراء قيام أحد الأطراف المتنازعة بـ"محاولة حقيقية للدخول في مناقشات مع الطرف المتنازع الآخر، بهدف حل النزاع". وكما ذكرت محكمة العدل الدولية مؤخرا في قضية أوكرانيا ضد روسيا، يمكن تلبية هذا الشرط المسبق عندما "تفشل المفاوضات، أو عندما تصبح غير مجدية أو تنتهي إلى طريق مسدود".

في قضية بلجيكا ضد السنغال، وجدت محكمة العدل الدولية أن هذا الشرط استُوفِي بعد "تبادل كامل للمراسلات واجتماعات مختلفة" استندت فيها بلجيكا صراحة إلى المادة 30، وأكدت السنغال أنها تمتثل لالتزاماتها. لاحظت المحكمة أنه "لم يطرأ أي تغيير على موقفي الطرفين وأن موقفيهما الأساسيين لم يتطورا نتيجة لمرافعاتهما، ما يؤكد أن المفاوضات لم ولن تُفضي إلى تسوية للنزاع".

إذا ثبت عدم جدوى المفاوضات مع سوريا، يجب على هولندا عندئذ أن تستوفي الشق الثالث من التحكيم. لا يمكن للسلطات الهولندية إحالة النزاع رسميا على محكمة العدل الدولية إلا في حال عدم تمكن الأطراف المتنازعة من الاتفاق على عملية تحكيم حقيقية في غضون ستة أشهر من طلب بدئها.

لا يتسع هذا المقال لتحليل شامل للمطالبات المحتملة بشأن الأسس الموضوعية بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، ولكن باختصار، قد تنشأ مطالبات عن كون سوريا لم تمنع التعذيب أو تحقق في مزاعم ذات مصداقية بشأن حدوثه، ولم تحاكم أي مشتبه فيهم أو تسلمهم، ولم تقدم التعويضات المناسبة للضحايا.

منذ سنوات، والأدلة تتزايد على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا، دون أي مؤشر على تباطؤ أو إصلاح في سياسة الحكومة وممارساتها. الأمر أخطر ما يمكن، فمنذ بداية النزاع، احتجزت السلطات السورية عشرات الآلاف، الوباء الناتج عن فيروس "كورونا" جعل المحتجزين أكثر عرضة للخطر.

قد تكون المذكرة الدبلوماسية الهولندية خطوة أولى نحو المساءلة التي تشتد الحاجة إليها. على الحكومات الأخرى أن ترحب علنا بهذا الإجراء المبدئي، وتنظر في الانضمام إلى الهولنديين لدعم جهودهم، وأن تستكشف طرقا مماثلة لتأكيد سيادة القانون.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة