(نيروبي، 15 ديسمبر/كانون الأول 2021) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن موجة الهجمات الجديدة على المدنيين في دارفور منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021 تؤكد الحاجة الملحة إلى تعزيز "الأمم المتحدة" رقابتها على منطقة السودان المضطربة.
بعد عام على انسحاب البعثة المشتركة بين "الاتحاد الأفريقي" و"الأمم المتحدة" في دارفور، "يوناميد"، تصاعد العنف بين المجموعات المسلحة، وفي بعض الحالات مع قوات الأمن الحكومية، مؤديا إلى آثار وخيمة على المدنيين. على الأمم المتحدة نشر مراقبين حقوقيين ذوي حضور قوي في المنطقة، منهم خبراء في الجرائم على أساس الجندر.
قال محمد عثمان، باحث السودان في هيومن رايتس ووتش: "عودة العنف في دارفور خلال العام الماضي أدت إلى آثار وخيمة، منها أعداد مهولة من القتلى والجرحى، ونزوح جماعي، وهدم آلاف المنازل. على المراقبين الدوليين أن يركزوا مجددا على دارفور".
على الرغم من تعدُّد العوامل، المحلية في معظم الأوقات، التي أدت دورا في تنامي العنف مؤخرا، كان لتقاعس السلطات خلال السنتين الأخيرتين عن تأمين حماية ذات مغزى والعدالة للمدنيين في انتهاكات سابقة وحالية دورٌ في تصاعد العنف وأذى المدنيين.
في ديسمبر/كانون الأول 2020، أنهى "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" مهام قوة يوناميد لاحفظ السلام ودعا الحكومة إلى تحمل مسؤوليتها كاملة عن سلامة المدنيين. وكُلِّفت بعثة سياسية جديدة، "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان" (يونيتامس)، بـ "دعم تعزيز حماية حقوق الإنسان، تحديداً في المناطق المتأثرة بالنزاعات".
لكن التفويض المباشر لقوات حفظ السلام بحماية المدنيين في دارفور أُلغي، فركزت اليونيتامس في الواقع على بناء المؤسسات أكثر من مراقبة حقوق الإنسان. وذلك على الرغم من الأدلة الواضحة على العنف المتصاعد، والمخاوف التي تثيرها مجتمعات النازحين، التي ستصبح أكثر عرضة للهجمات إثر مغادرة قوات حفظ السلام.
شهد غرب دارفور تحديدا موجات عنف خطيرة عدة منذ أوائل 2021، أدت إلى مقتل مئات الأشخاص. أشار رئيس يونيتامس فولكر بيرتس في كلمته أمام مجلس الأمن، في 10 ديسمبر/كانون الأول، إلى أن عدد النازحين المدنيين في 2021 هو ثمانية أضعاف العدد في 2020. وأعربت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين عن قلقها إزاء تقارير عن عنف جنسي، وتدمير قرى، وفرار آلاف الأشخاص عبر الحدود إلى تشاد. ويتوقع "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا) أن 6.2 ملايين شخص، أي نصف سكان دارفور، سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية في 2022.
وجدت تحقيقات هيومن رايتس ووتش في أعمال العنف في عاصمة ولاية غرب دارفور، الجنينة، في يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان، أن قوات الحكومة، وتحديدا القوات المسلحة السودانية، وقفت مكتوفة الأيدي وسمحت بوقوع الهجمات بدون رادع. وثّقت هيومن رايتس ووتش هجمات واسعة على المدنيين خلال هذه الموجات من العنف، شملت القتل، والنهب، والتدمير الجماعي للأملاك، منها مُخيَّمان للنازحين في المنطقة. وقال شهود عيان لـ هيومن رايتس ووتش إن عناصر من قوات الدعم السريع التابعة للحكومة قد شاركوا في هجمات أبريل/نيسان.
منذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ومع تركيز الاهتمام على أحداث العاصمة السودانية الخرطوم، شهد غرب دارفور تصاعدا جديدا في مستوى العنف في محليتَي جبل مون وكرينك، شملت هجمات استهدفت النازحين. وقد سجلت مصادر طبية 450 حالة وفاة على الأقل، في خمسة حوادث في غرب دارفور، منذ انسحاب عناصر حفظ الأمن في يوناميد من قواعدهم في المنطقة في منتصف 2019. قالت هيومن رايتس ووتش إن على يونيتامس إرسال مراقبين وخبراء جندريين إلى المنطقة فورا من أجل توثيق هذه الانتهاكات.
بين 5 و7 ديسمبر/كانون الأول، اعتدى مسلحون من القبائل العربية على محلية كرينك في غرب دارفور، وعلى مخيم نازحين في المنطقة. قال أحد قادة المخيم، الذي كان موجودا خلال الهجوم، لـ هيومن رايتس ووتش إن المعتدين وصلوا بسيارات "لاند كروزر" وعلى الأحصنة والدراجات النارية، عند الساعة 6 صباحا. قدَّر أن 44 شخصا من المخيم قُتلوا، من ضمنهم ثلاث نساء، وجُرح 35 شخصا. وبحسب أوتشا، أُضرمت النيران في أجزاء من المخيم وهرب 15 ألف شخص منذ ذلك الحين. وأفاد بيان لـ "لجنة الأطباء في ولاية غرب دارفور" عن مقتل 88 شخصا وجرح 84 في هجوم واحد في 5 ديسمبر/كانون الأول، بالإضافة إلى هجمات أخرى على أطراف كرينك في 6 و7 ديسمبر/كانون الأول.
وبحسب الأمم المتحدة، أوقعت أربعة أيام من القتال بين الميليشيات العربية وقبيلة المسيرية، من 17 إلى 21 نوفمبر/تشرين الثاني، في محلية جبل مون في غرب دارفور، 50 قتيلا على الأقل. وقد أفادت أن أعمال العنف أدت إلى إحراق ونهب 594 منزلا، ونزوح 6,655 شخصا داخليا، وهرب 2,261 شخصا إلى تشاد. شهد تاريخ النزاعات في دارفور عشرات السنين من سياسة الأرض المحروقة من قِبل الحكومة، التي أدت إلى طرد ملايين الأشخاص من قراهم، وحرق أجزاء كبيرة من الأراضي، وقتل مئات آلاف المدنيين.
قال طبيب من الجنينة لـ هيومن رايتس ووتش إن بين 17 و18 نوفمبر/تشرين الثاني نُقل إلى المستشفى 17 رجلا قُتلوا في جبل مون، من الفريقين، وجميعهم مصابون بطلقات نارية. وأضاف أنه لم يُنقَل جميع المصابين أو القتلى إلى مستشفيات، ما يعني أن العدد الفعلي للإصابات قد يكون أكبر. وقال مراقبون محليون لـ هيومن رايتس ووتش إن تأكيد الدمار والقتل ليس سهلا بسبب النقص في تغطية شبكة الهواتف المحمولة في المنطقة.
في 8 ديسمبر/كانون الأول، أفاد "المجلس النرويجي للاجئين" عن حصول هجمات على اللاجئين أدت إلى قتلى ونزوح جماعي في خمس بلدات في غرب وشمال دارفور، في الأسابيع الثلاثة السابقة.
لم تستفد السلطات السودانية من الفرصة لتعزيز الحماية وضمان المحاسبة إثر موجات عنف سابقة في غرب دارفور. وردا على الأحداث العنيفة الأخيرة، تعهد "المجلس الأعلى المشترك للترتيبات الأمنية" بتشكيل "قوة مشتركة رادعة" للتركيز على تخفيف العنف في دارفور. قالت هيومن رايتس ووتش إن القوة الجديدة بمثابة ضمادة متأخرة للوضع. فقد أظهرت أبحاث هيومن رايتس ووتش خلال العامين الأخيرين أن ضعف جهود السلطات المركزية، بما فيها قوة مشتركة سابقة شُكِّلت في يونيو/حزيران، قد تركت فراغا ملأته المجموعات المسلحة، التي عاثت فسادا في المجتمعات التي شهدت سنوات من الانتهاكات والإهمال.
في مايو/أيار 2020، تعهدت الحكومة السودانية الانتقالية بحماية المدنيين في دارفور ضمن خطة وطنية جديدة لحماية المدنيين، يُفترَض أن تتضمن نشر قوات أمنية مشتركة وتعزيز المحاسبة.
ويطلب تفويض مجلس الأمن لليونيتامس منها أن "تدعم حكومة السودان في تنفيذ" الخطة "وتضع معايير قابلة للقياس، وتنشر فرق مراقبة متنقلة". قالت هيومن رايتس ووتش إن على يونيتامس إيلاء الأولوية للمراقبة قبل أن يتدهور الوضع أكثر في دارفور.
وقّعت الحكومة السابقة اتفاق سلام مع مجموعات دارفور المتمردة في 2020، وقد انتقدته مجموعات عدة من النازحين لأنه لا يعالج مخاوفهم. تأخرت التدابير الأمنية التي يعد بها اتفاق السلام كثيرا، وهي تتضمن نزع السلاح وإعادة دمج القوات، ما "يترك المدنيين ضعفاء أمام الوضع الأمني المتدهور"، بحسب تقرير يونيتامس في سبتمبر/أيلول 2021.
قالت هيومن رايتس ووتش، طالما كان الإفلات من العقاب في الجرائم الفظيعة في دارفور مصدر قلق كبير، ويؤدي إلى مزيد من الانتهاكات. ومذكرات التوقيف التي أصدرتها "المحكمة الجنائية الدولية"، بحق الرئيس السابق عمر البشير ومسؤولَيْن محتجزَيْن في السودان، هي استثناء. أما الجهود المحلية لضمان المحاسبة على الجرائم السابقة أو الأخيرة فشبه معدومة.
في أغسطس/آب، وافق مجلس الوزراء السابق على تسليم المتهمين إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكنه احتاج إلى موافقة المجلس الأعلى، وهي هيئة رئاسية جامعة تضم قادة عسكريين ومدنيين. ولم تأتِ الموافقة قبل انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول.
لم تجعل مغادرة اليوناميد المجتمعات الضعيفة في دارفور بدون حماية وحسب، إنما أحدثت أيضا نقصا في إجراءات مراقبة الانتهاكات. أشار رئيس يونيتامس في 10 ديسمبر/كانون الأول إلى ضرورة مضاعفة البعثة حمايتها للمدنيين وحقوق الإنسان. قالت هيومن رايتس ووتش إن على مكتب حقوق الإنسان المشترك في السودان، المؤلف من يونيتامس ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، أن يضع ضمن أولوياته الوصول المنتظم إلى دارفور للتحقيق ونشر التقارير حول الانتهاكات.
في 12 نوفمبر/تشرين الثاني، عيَّن المفوض السامي لحقوق الإنسان خبيرا حقوقيا في السودان، تماشيا مع قرار مجلس حقوق الإنسان بعد الانقلاب. وعلى الخبير المعيَّن، أثناء قيامه بمهامه، أن يشمل الأحداث الأخيرة في دارفور في تحقيقاته في الانتهاكات المرتكبة في السودان. ويُتوقَّع من فريق الخبراء المعني بالسودان، التابع لمجلس الأمن، أن ينشر تقريره السنوي الخاص بحلول يناير/كانون الثاني 2022. يُفترَض أن يُدعا لإطلاع أعضاء لجنة القرار 1591 في مجلس الأمن، المختصة بالسودان، على الديناميكيات التي تؤدي إلى العنف ضد المدنيين في غرب دارفور.
قال عثمان: "يجب أن تكون الأحداث الأخيرة جرس إنذار حاد للمجتمع الدولي ليتنبه أنه يخذل شعب دارفور. الآن، يجب أن تكون أولوية الأمم المتحدة تكثيف مراقبة حقوق الإنسان وضمان التدقيق الصارم في جهود السودان لحماية ملايين الدارفوريين، الذين عانوا أصلا لسنوات من الانتهاكات والعنف".