Skip to main content
تبرعوا الآن

العراق/إقليم كردستان: المشتبه في انتمائهم سابقا إلى داعش في مأزق

تجاهل أحكام البراءة وأحكام العقوبة التي انقضت

جنود عراقيون يحرسون نقطة تفتيش في نينوى، العراق. الجمعة في 4 ديسمبر/كانون الأول 2020.  ©2020 "إيه بي فوتو"/سامية كلاب

(بيروت، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن عشرات الرجال من العرب السنة، الذين قضوا عقوبة السجن أو تمت تبرئتهم في إقليم كردستان العراق بسبب صلاتهم بـ"تنظيم الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ’داعش‘)، يواجهون خطر الاعتقال مجددا أو الانتقام إذا حاولوا الالتحاق بعائلاتهم في المناطق التي تسيطر عليها بغداد. بعض الرجال كانوا صبية لا تتجاوز أعمارهم 14 عاما عندما اعتقلتهم قوات الأمن الكردية.

هؤلاء الرجال عالقون حاليا في مخيم في إقليم كردستان، بعد إطلاق سراحهم بين 2018 و2020. لا تسمح لهم قوات الأمن بمغادرة المخيم للعيش في مكان آخر في إقليم كردستان، ويخشون على حياتهم إن عادوا إلى ديارهم. يُعزى ذلك إلى غياب التنسيق والاعتراف بين الأنظمة القضائية المنفصلة لحكومة إقليم كردستان وحكومة بغداد، فضلا عن الإفلات شبه التام من العقاب الذي به تمارس الجماعات المسلحة، العاملة في المجتمعات المحلية لهؤلاء الرجال، الاعتقال التعسفي بل حتى القتل ضد المشتبه في انتمائهم إلى داعش. 

قالت بلقيس والي ، باحثة أولى في قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: " هؤلاء الرجال ومعظمهم كانوا فتيان عندما كانت داعش تسيطر على مناطقهم، كانوا ولا يزالون يعاقبون، رغم أن العديد منهم كانوا أطفالا من ضحايا التجنيد القسري. بعد سنوات من المعاناة، لا يزالون في طي النسيان وبلا أمل في المستقبل".

في أغسطس/آب 2021، قابلت هيومن رايتس ووتش عشرة رجال اعتقلتهم "الأسايش"، قوات الأمن الكردية، بسبب انتمائهم المزعوم إلى داعش في 2016 و2017. ستة منهم كانوا أطفالا وقت اعتقالهم. كانوا من بين حوالي 65 رجلا في مخيم في شمال العراق، تسيطر عليه حكومة إقليم كردستان حيث استقروا بعد تبرئتهم أو يقضون حكما في المنطقة. رغم أن قوات الأمن في المخيم تسمح للرجال بالمغادرة إذا كانوا سيعودون إلى المناطق الخاضعة لسيطرة بغداد، فهي لا تسمح لهم بمغادرة المخيم على الإطلاق إذا كانوا يريدون السفر أو الإقامة داخل إقليم كردستان.

قال الرجال الذين تمت مقابلتهم إنهم كانوا من بين حوالي 100 رجل نُقلوا إلى المخيم في أبريل/نيسان 2019. بسبب الظروف القاسية في المخيم، ولأن العديد منهم شعروا أنه ليس لديهم مستقبل في البلاد، غادر المخيم من يستطيع تحمل تكاليف المغادرة، ودفعوا المال للمهربين لنقلهم إلى تركيا. قال جميع من تمت مقابلتهم إنهم سيذهبون إلى تركيا إذا كان لديهم ما يكفي من المال.

قال أحد الرجال: "الحل الوحيد بالنسبة لي هو مغادرة العراق والذهاب إلى تركيا. إذا كنت سأعود إلى دياري أو لأي مكان آخر في مناطق سيطرة بغداد، لن تكون المحاكم وحدها هي التي ستلاحقني، بل العشائر و’قوات الحشد الشعبي‘ [ ميليشيات كانت تخضع سابقا لسيطرة رئيس الوزراء]. ليس لي أي مستقبل هنا".

لدى كل من النظامين القضائيين المنفصلين في العراق قوانين لمكافحة الإرهاب، والتي تُطبَّق في محاكمهما. في إطار حملتها لهزيمة داعش، قامت القوات الأمنية والعسكرية العراقية والكردية بفحص الأشخاص الذين يغادرون المناطق الخاضعة لسيطرة داعش، واعتقلت من تم تحديد أنهم مشتبه بانتمائهم إلى داعش. تم التحقق عن الأسماء في قوائم "المطلوبين" التي أعدتها قوات الأمن من الجانبين منذ 2014. جمعت قوات الأمن القوائم من مصادر مختلفة، بما في ذلك معلومات متاحة علنا عن أعضاء داعش، والأسماء التي نشرتها داعش، والأسماء التي قدمها مخبرون.

قال العديد من أقارب المشتبه في انتمائهم إلى داعش المحتجزين لـ هيومن رايتس ووتش إنه منذ 2016 كان الناس يقدمون الأسماء بسبب نزاعات عشائرية، أو عائلية، أو نزاعات حول الأرض، أو خلافات شخصية، ويتهمونهم زورا بصلاتهم بداعش. يواجه الأشخاص المدرجة أسماؤهم في القوائم، الذين يتم توقيفهم عند نقاط التفتيش، الاحتجاز بينما يحقق المسؤولون في الانتماء المزعوم إلى داعش، عادة من خلال الاستجواب.

قال العديد من القضاة والمحامين لـ هيومن رايتس ووتش إن الملاحقات القضائية في بعض الحالات تعتمد فقط على اعترافات المتهمين، والتي غالبا ما تُنتزع تحت التعذيب. تؤكد تجربة هيومن رايتس ووتش في مراقبة المحاكمات في المنطقتين ذلك. في 428 قضية على الأقل من بين نحو 800 محاكمة راقبتها "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق" (يونامي)، بالإضافة إلى الاعترافات، تضمنت الأدلة التي تم قبولها - والتي تم الاعتماد عليها بشكل أساسي في محاكمات الإرهاب - إفادات شهود مجهولي الهوية ومعلومات تستند إلى تقارير أمنية أو استخباراتية.

قال رجل فر من الاقتال في 2016 ووصل إلى مخيم في المنطقة الكردية: "وصل شخص من بلدتي يحمل ضغينة ضدي إلى المخيم وأخبر الأسايش أنني كنت مع داعش. ضربني الأسايش طيلة أربعة أيام حتى قلت لهم إنني انضممت إلى داعش. حكموا عليّ، وبعد أكثر من عام في السجن أطلقوا سراحي".

قدم الرجال لـ هيومن رايتس ووتش أسماء أربعة أفراد، كانوا جميعهم فتيان عند القبض عليهم، وعادوا إلى ديارهم في المناطق الخاضعة لسيطرة بغداد بعد انتهاء مدة عقوبتهم. قال الرجال إنهم سمعوا من أقاربهم فيما بعد أن سلطات بغداد أعادت اعتقال الأربعة ويقضون الآن عقوبة ثانية مطولة لانتمائهم إلى داعش. الأحكام بتهم الإرهاب أطول بكثير في المناطق الخاضعة لسيطرة بغداد. تمكنت هيومن رايتس ووتش من الاتصال بأقارب اثنين من الرجال الأربعة وأكدوا هذه الروايات.

يحظر الدستور العراقي محاكمة أي شخص مرتين عن نفس الجريمة. مع أن المنطقتين لديهما قوانين لمكافحة الإرهاب منفصلة، فإن الجريمة هي نفسها في نهاية المطاف، وإذا أدين شخص في إحدى الولايتين القضائيتين وقضى عقوبته، لا يمكن محاكمته مرة أخرى على نفس الجريمة في أي مكان في العراق. يحظر قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي اتخاذ مزيد من الإجراءات ضد المدعى عليه، حتى لو ظهرت أدلة جديدة، بعد عامين من إصدار قاضي التحقيق قرارا في القضية.

كأولوية، على سلطات بغداد ضمان حصول جميع الرجال على وثائق مدنية محدثة، بما في ذلك عبر إرسال ممثلين عن أقرب مديرية الأحوال المدنية والجوازات إلى المخيم لإصدار هذه الوثائق.

على حكومة إقليم كردستان السماح للرجال بالإقامة في أي جزء من المنطقة الكردية يختارونها، بما يتماشى مع المتطلبات العامة للإقامة في المنطقة. ينبغي أن تسمح لأسرهم بطلب الإقامة للانضمام إليهم في المنطقة. ينبغي أن تفتح المخيم وتسمح لسكانه بحرية الحركة في جميع أنحاء إقليم كردستان، مع الإبقاء على أي قيود على الحركة ضرورية للغاية، ومتناسبة، وغير تمييزية مقارنة بالمقيمين في إقليم كردستان.

قالت والي: "هؤلاء الرجال إما قضوا مدة عقوتهم أو تمت تبرئتهم. الاستمرار في تقييد قدرتهم على العودة إلى الحياة الطبيعية ليس سوى تمييز غير قانوني".

مخاطر حقيقية للعودة

رغم تأكيد مجلس القضاء الأعلى في بغداد أنهم لن يواجهوا أي اتهامات أخرى، أكد جميع الرجال خشيتهم من إعادة اعتقالهم أو إيذائهم، بل وحتى قتلهم إذا عادوا إلى ديارهم. أفادوا أيضا أنهم ليسوا على اتصال منتظم مع أهاليهم وأقاربهم خوفا من أن يتم القبض عليهم أو طردهم أو تهديدهم بأي شكل آخر إذا ما اكتشفت قوات الأمن أنهم تواصلوا مع أفراد عائلاتهم.

قال أحدهم إن والده وشقيقه وعمه أعضاء في داعش وأن وحدة تابعة لقوات الحشد الشعبي المسيطرة على مسقط رأسه أخبرت والدته وآخرين من أقاربه أن عليه العودة وتزويدهم بمعلومات عن مكان أقاربه المُنتمين لداعش.

قال إن وحدة الحشد الشعبي أقنعت الشرطة المحلية بإصدار مذكرة توقيف بحقه. اختطفوا شقيقه الأصغر وأرسلوا له صورة للمذكرة في رسالة بعد أن حصلوا على رقمه من هاتف أخيه. في رسالتهم التي عرضها على الباحثين، قالوا إنهم سيعتمدون مذكرة التوقيف أساسا لطرد والدته وشقيقه الأصغر باعتبارهم أفراد عائلة مرتبطة بداعش ما لم يعد إلى دياره:

لا أعرف ما عليّ القيام به. إذا عدت إلى دياري، سيحاولون بكل تأكيد أخذ المعلومات مني ثم سيقتلونني. لكن إن لم أسلم نفسي، سيطردون عائلتي. هم يراقبون والدتي بالفعل ولا يسمحون لعائلتي بالتحرك بحرية.

قال آخر عن زوجته التي كانت تعيش في أربيل بينما كان يقضي عقوبة السجن هناك وهي الآن تعيش في المخيم معه واصفا ما حدث لها في منتصف 2021 عندما سافرت من المخيم إلى مسقط رأسهم عبر الموصل لزيارة أسرتها:

عندما وصلت إلى أول نقطة تفتيش خاضعة لبغداد في طريقها إلى الموصل، فحصت قوات الأمن بطاقة هويتها ثم احتجزتها لمدة ساعتين قبل السماح لها بالذهاب. قالوا لها عند أطلاق سراحها: "زوجك مطلوب. إذا لم يستسلم لنا، لن نسمح لك بعبور هذا الحاجز أو أي نقطة تفتيش أخرى لزيارة عائلتك مرة أخرى".

قال آخر إنه وفي منتصف 2021، أجبرت قوات الأمن المسيطرة على منطقة سكن عائلته والدته على تقديم شكوى جنائية ضده بصفته عضوا في داعش حتى تحصل على تصريح أمني لتجنب طردهم أو تعرّضهم لأي شكل من أشكال العقاب الجماعي. تُعرف هذه الممارسة بالتبرية. قال إن ذلك يعني أنه لا يمكنه العودة إلى المنزل أبدا: "أنا لست غاضبا منها لفعلها هذا، لكن بعد الآن بات يحق لقوات العشائر في منطقتنا قتلي [فعليا] ".

واجه هؤلاء أيضا مشكلة أخرى وهي عدم القدرة على الحصول على الوثائق المدنية. ثلاثة منهم فقط لديهم بطاقات هوية صالحة، وهي أساسية لأي شخص يحاول التنقل داخل البلاد. لدى العديد منهم وثائق من مرحلة الطفولة والتي لم تعد صالحة.

قال رجل إن والدته حاولت الاستحصال على بطاقة هوية جديدة له في مسقط رأسه، لكن عندما علمت قوات الحشد الشعبي المسيطرة من مديرية الأحوال المدنية أنها تقدمت بطلب للحصول على الوثيقة، تواصلوا معها وأخبروها أنها إذا استمرت في طلبها، سيطردونها من منزلها.

بالإضافة إلى ذلك، كافح معظم المحتجزين السابقين للحصول على وثائق تؤكد انقضاء فترة احتجازهم - حصل واحد فقط من الرجال العشرة على وثيقة عند إطلاق سراحه تؤكد الفترة التي قضاها في السجن، بينما لجأ الباقون إلى المساعدة القانونية من منظمات غير حكومية للحصول على الوثائق المناسبة بعد إطلاق سراحهم.

التوصيات

يتعين على مجلس القضاء الأعلى في بغداد اعتماد سياسات وإجراءات محددة لمنع تكرار محاكمة الأشخاص الذين تمت تبرئتهم أو إدانتهم وقضوا مدة عقوبتهم، بتهمة التورط مع داعش، سواء في إقليم كردستان العراق أو في المحافظات الأخرى الخاضعة لسيطرة بغداد. ينبغي أن تُتخذ تدابير لتحديد عدد المحتجزين الذين تمت تبرئتهم بالفعل أو قضوا عقوبتهم عن نفس الجريمة وإطلاق سراحهم أو العفو عنهم حسب الاقتضاء.

على السلطات القضائية في المناطق الخاضعة لبغداد وإقليم كردستان العراق أن تبدأ تلقائيا في تبادل الأوراق القضائية مع بعضها البعض في كل قضية، ومن ضمنها شهادات الإفراج. عليهم ضمان حصول جميع المحتجزين السابقين على شهادات الإفراج، بمن فيهم المفرج عنهم دون توجيه تهم إليهم، بالدقة الكافية لاعتبارها صالحة، والأمر بشطب أسمائهم من قوائم "المطلوبين"".

ينبغي لجميع سلطات الاحتجاز مضاعفة الجهود لعرض المتهمين على قاض في غضون 24 ساعة المنصوص عليها قانونا بحيث إذا كانوا قد قضوا عقوبة سابقة، سيكون في وسعهم إبلاغ القاضي بذلك على الفور وإطلاق سراحهم. على العراق المصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وإنشاء نظام مستقل خاص به لمعاينة مراكز الاحتجاز.

على السلطات العراقية النظر في بدائل عن الاحتجاز والمحاكمة الجنائية للأطفال المحتجزين وتطوير برامج إعادة التأهيل وإعادة الإدماج للمساعدة في عودتهم إلى المجتمع.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة