قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته اليوم إن تصاعدا في انتهاكات الحق في حرية التعبير وسط الاحتجاجات الواسعة النطاق عند انتهاء ولاية الحكومة السابقة وخلال تفشي فيروس "كورونا" يُبيّن ضرورة قيام الحكومة العراقية الجديدة بإصلاح قوانينها. تستخدم السلطات العراقية، بما في ذلك سلطات إقليم كردستان، بشكل روتيني قوانين فضفاضة الصياغة لتوجيه اتهامات جنائية ضد الأشخاص الذين يعبرون عن آراء لا تعجبهم.
يبحث التقرير الصادر في ٣٠ صفحة، "ممكن نستدعيك في أي وقت‘: حرية التعبير مُهدَّدة في العراق"، مجموعة من الأحكام القانونية المتعلقة بالتشهير والتحريض والتي تستخدمها السلطات ضد منتقديها، بما في ذلك الصحفيون والنشطاء والأصوات المعارضة الأخرى. على برلمانَيّ العراق وإقليم كردستان استبدال مواد التشهير الجنائي في قانون العقوبات بعقوبات تشهير مدنية وتعديل القوانين التي تحدّ من حرية التعبير تماشيا مع القانون الدولي. مع تولّي مصطفى الكاظمي منصبه الجديد كرئيس للوزراء، ورغبته المعلنة منذ توليه المنصب بمعالجة بعض من أهم التحديات الحقوقية في العراق، لدى الحكومة فرصة استثنائية للتصدي للقيود المفروضة على حرية التعبير منذ أكثر من عشر سنوات.
قالت بلقيس والي، باحثة أولى في قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: "يُبرز تفشي فيروس كورونا الدور الحيوي، والمُنقذ للحياة أحيانا، الذي تضطلع به الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي القوية والاستقصائية. على القادة العراقيين الالتزام بتعزيز احترام القانون الدولي كوسيلة لإعلام شعوبهم وحمايتهم بشكل أفضل."
درست هيومن رايتس ووتش 33 قضية تتعلق بمحاكمة 21 ناشطا و14 صحفيا تعرضوا للاعتداءات، 13 قضية منها متصلة بدعم أنشطة الاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي، وسبع منها متصل بتغطية فساد الدولة في وسائل الإعلام الرئيسية أو وسائل التواصل الاجتماعي. لم تحدّث أي من القضايا في المناطق الخاضعة لسيطرة بغداد بعد تولي رئيس الوزراء الحالي والحكومة الجديدة مقاليد الحكم.
ينصّ قانون العقوبات العراقي، الذي يعود تاريخه إلى 1969، على العديد من "الجرائم" مثل إهانة "الأمة العربية" أو أي مسؤول حكومي، بغضّ النظر عمّا إذا كان الكلام صحيحا. رغم قلّة عدد الأفراد الذين أمضوا عقوبة سجنية بتُهم التشهير، قد تكون العملية الجنائية نفسها بمثابة عقاب. الإبلاغ عن الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن أو عن الفساد أمر محفوف بالمخاطر بشكل خاص.
في 6 أبريل/نيسان 2020، دعا هيثم سليمان (48 عاما)، منظم حركة احتجاج في منشور على "فيسبوك"، محافظ المثنى إلى التحقيق في مزاعم الفساد في دائرة الصحة بشأن شراء كمامات لفيروس كورونا. اعُتقِل في 10 أبريل/نيسان، وتعرّض للضرب، وأُرغِم على التوقيع على وثيقة تفيد بأن الولايات المتحدة قد موّلت حركة الاحتجاج.
في 2014، أصدرت "هيئة الإعلام والاتصالات"، وهي هيئة "مستقلة" مرتبطة بالبرلمان، إرشادات "إلزامية" لتنظيم وسائل الإعلام "خلال الحرب على الإرهاب"، والتي لا تزال سارية. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد أي أساس قانوني للتوجيهات أو إجراءات الهيئة.
بعد اندلاع احتجاجات واسعة النطاق في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أمرت السلطات بإغلاق ثماني محطات تلفزيونية وأربع محطات إذاعية لمدة ثلاثة أشهر بدعوى انتهاكها لقواعد ترخيص وسائل الإعلام، بناء على الإرشادات، وأصدرت تحذيرات لخمسة جهات بث أخرى بشأن تغطيتها. داهم رجال مسلحون مجهولون مكاتب ثلاث وكالات إخبارية على الأقل وألحقوا أضرارا بها في أكتوبر/تشرين الأول. في أوائل أبريل/نيسان 2020، علقت الهيئة ترخيص "رويترز" وغرّمتها 25 مليون دينار عراقي (21 ألف دولار أمريكي) بسبب مقال نشرته في 2 أبريل/نيسان يزعم أن عدد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا في البلاد كان أعلى بكثير من الإحصاءات الرسمية المُعلَنة. تراجعت السلطات عن قرار التعليق في 19 أبريل/نيسان.
تستخدم سلطات إقليم كردستان قانون العقوبات المحلي، وقانون العمل الصحفي، وقانون منع إساءة استعمال أجهزة الاتصالات للحد من حرية التعبير. اعتُقِل رجل ( 40 عاما) بعد أن بثّ مباشرة مظاهرة صباح 26 يناير/كانون الثاني 2019، واتُهِم بانتهاك قانون العقوبات وقانون منع إساءة استعمال أجهزة الاتصالات. رفض قاضٍ التهم وأطلقت السلطات سراح الرجل بعد 29 يوما في الحجز.
شعر الأشخاص الذين قابلناهم والذين وُجّهت لهم تهم جنائية أنّ المحاكمات تهدف إلى ترهيب المنتقدين. قال 11 منهم إنهم لم يتلقوا أي معلومات من النيابة لفترات طويلة، مما جعلهم غير متأكّدين مما إذا كانت القضايا المرفوعة ضدهم لا تزال منظورة أمام القضاء. قال أحدهم: "عندما أفرج عني "الأسايش" [قوات الأمن الكردية] بعد أن دفعت رسوما في 10 مارس/آذار 2019، قالوا لي: ’ممكن نستدعيك في أي وقت‘".
قال 11 منهم إن قوات الأمن أساءت معاملتهم وقت القبض عليهم أو خلال احتجازهم. قال جميع الصحفيين الـ 14 وأربعة من النشطاء الذين قابلناهم إنهم يتلقون تهديدات بانتظام، عادة من مصادر مجهولة عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي، وأحيانا من قوات الأمن أو مسؤولين حكوميين. قال الصحفي أمانج أبو بكر إن التهديدات التي تلقاها بشأن مقالين عن إقليم كردستان في مارس/آذار أثّرت عليه.
في 29 أبريل/نيسان، راسلت هيومن رايتس ووتش الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق من أجل طلب معلومات بخصوص القضايا الموثّقة في التقرير. بينما لم ترسل السلطات في بغداد أي ردّ حتى تاريخ نشر هذا التقرير، أجابت حكومة إقليم كردستان بطريقة "أولية" مشيرة إلى أنها "ملتزمة بالمحافظة على حقوق الصحفيين" وستُرسل لاحقا مزيدا من المعلومات.
يسمح القانون الدولي لحقوق الإنسان بفرض قيود على حرية التعبير لحماية سمعة الآخرين، لكن ينبغي أن تكون هذه القيود ضرورية ومحددة بشكل ضيق. تعتقد هيومن رايتس ووتش أن العقوبات الجنائية هي دائما عقوبة غير متناسبة مع الضرر المزعوم الذي يلحق بالسمعة.
على السلطات العراقية الاتحادية وسلطات إقليم كردستان توجيه قوات الأمن لوضع حد للترهيب والمضايقة والاعتقال والاعتداء على الصحفيين وغيرهم بسبب ممارستهم حقهم في حرية التعبير، والتحقيق في الادعاءات ذات المصداقية بتهديدات أو اعتداءات من قبل موظفي الحكومة أو آخرين ضد المنتقدين.
قالت والي: "نظرا إلى انعدام الثقة بين المجتمع المدني ووسائل الإعلام من جهة والسلطات من جهة أخرى، على الحكومة العراقية الجديدة والسلطات الكردية إصلاح القوانين لجعلها تتماشى مع المعايير الدولية. إلغاء الأحكام المبهمة بشأن الإهانات والتحريض قد يُظهِر أنّ السلطات ملتزمة بحماية حرية التعبير".