ملخص
تواصل السلطات استخدام قوانين مبهمة الصياغة في جميع أنحاء العراق، بما في ذلك سلطات إقليم كردستان العراق، والتي تسمح للمدعين العامين بتوجيه تُهم جنائية ضد الآراء التي لا تعجبهم. تستخدم السلطات في المناطق التي تسيطر عليها كل من الحكومة الإتحادية و"حكومة إقليم كردستان" المحاكمات بموجب هذه القوانين لإخافة الصحفيين والنشطاء والأصوات المعارضة الأخرى، وإسكاتهم في بعض الحالات.
الانتهاكات الأخيرة لحق العراقيين في حرية التعبير تكتسي أهمية خاصة في ضوء الاحتجاجات التي اندلعت في وسط وجنوب العراق في أكتوبر/تشرين الأول 2019. الاحتجاجات، التي تمحورت حول فساد الحكومة، والظروف الاقتصادية، والانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن، عبرت الانقسامات الطائفية، وحصلت في المجتمعَيْن الشيعي والسني. استخدمت قوات الأمن القوة المفرطة، بما في ذلك إطلاق الذخيرة الحية على المتظاهرين، لقمع الاحتجاجات، مما أسفر عن مقتل 544 شخصا على الأقل وإصابة 24 ألف آخرين على الأقل بين أكتوبر/تشرين الأول 2019 ومارس/آذار 2020. أمرت السلطات أيضا بإغلاق 12 محطة تلفزيونية وإذاعية. أدّى تفشي فيروس "كورونا" والتدابير الحكومية اللاحقة للحد من انتشار الفيروس في مارس/آذار 2020 إلى إنهاء حركة الاحتجاج التي بدأت في 2019.
قبل 2003، أحكمت حكومة الرئيس السابق صدام حسين قبضتها على جميع المؤسسات العراقية، بما في ذلك وسائل الإعلام، ولم تسمح بانتقاد عائلة الرئيس أو كبار المسؤولين. بعد أن أطاح التدخّل العسكري بقيادة الولايات المتحدة بصدام حسين في 2003، أُنشِأت بعض هياكل الحكم الديمقراطي، لكن حرية التعبير لم تزدهر. بين 2017 و2019، الفترة التي يغطيها هذا التقرير، كان العراق بيئة معادية بالنسبة إلى أولئك الذين يريدون انتقاد الحكومة والجماعات المسلحة مثل "قوات الحشد الشعبي" (قوات مسلحة تعمل بشكل رسمي تحت قيادة رئيس الوزراء).
مكّنت مجموعة من القوانين التي تعود إلى ما قبل عهد صدام حسين وبعد انتهائه في 2003، السلطات من اتخاذ إجراءات قانونية ضد منتقديها، وذلك باستخدام أحكام التشهير والتحريض في قانون العقوبات وقوانين أخرى. لأغراض هذا التقرير، درسنا ما مجموعه 33 قضية. في 17 من هذه القضايا، احتجزت السلطات واتهمت الأفراد بموجب القوانين المذكورة أدناه. في أربع من هذه القضايا الـ 17، أسقطت السلطات التُهم لاحقا وأفرجت عن المحتجزين. في 16 قضية أخرى درستها "هيومن رايتس ووتش"، احتجزت السلطات أفرادا لكنها أطلقت سراحهم دون توجيه أي تهم إليهم. من إجمالي 33 قضية درسناها في هذا التقرير، كان هناك 13 قضية مرتبطة بأفراد قاموا بتغطية ودعم الاحتجاجات وسبع قضايا مرتبطة بأفراد كتبوا عن فساد الدولة في وسائل الإعلام الرئيسية أو وسائل التواصل الاجتماعي.
قانون العقوبات العراقي، الذي يعود تاريخه إلى 1969 والذي خضع إلى تعديلات طفيفة على مر السنين، بما في ذلك بعضها في 2008، ينصّ على العديد من جرائم التشهير الفضفاضة التي تقيّد حرية التعبير مثل إهانة "الأمة العربية" أو أي مسؤول حكومي، بغضّ النظر عما إذا كان الكلام صحيحا.
مثلا، على مدار 15 شهرا بين يونيو/حزيران 2016 وسبتمبر/أيلول 2017، اتهم المدّعون عمار الخزعلي (30 عاما)، ناشط اجتماعي من محافظة القادسية، 14 مرة بمجموعة من التُهم من قانون العقوبات ذات الصلة بالتشهير في الغالب بتهمة "قذف" مسؤولين حكوميين. رفضت المحكمة جميع التهم إما بسبب نقص الأدلة أو بسبب سحب المدعيين للشكوى.
رغم قلة عدد الأفراد الذين قضوا وقتا في السجن بتهم التشهير، قد تكون العملية الجنائية نفسها بمثابة عقاب. قال الخزعلي وآخرون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يعتقدون أن المسؤولين الرسميين رفعوا دعاوى قانونية متكررة، رغم أنهم كانوا يعرفون أن هذه القضايا ستُرفَض على الأرجح، كوسيلة للترهيب. قال الخزعلي: "الاعتقالات المستمرة، تكبيل اليدين أمام الناس الذين أعرفهم، كلها أمور مرهقة نفسيا وأحيانا كانت تجعلني أبكي. أُنفِق المال على المحامين باستمرار، وعائلتي وأصدقائي قلقون عليّ دائما، ولا زلت أستهدَف".
هيمن مامند صحفي مستقل في إقليم كردستان. قال محاميه لـ هيومن رايتس ووتش إن مامند نشر على صفحته على "فيسبوك" في 23 مارس/آذار 2020 أنه إذا استمرت حكومة إقليم كردستان في عدم صرف رواتب الموظفين الحكوميين أثناء تنفيذ الإغلاق المتصل بفيروس كورونا، سيخرج الناس على الأرجح للاحتجاج رغم الإغلاق. قال المحامي إن رجال الشرطة اعتقلوا مامند من منزله في الليلة التالية. أطلقوا سراحه بعد 13 يوما، لكن اعتقلوه مجددا بعد 24 ساعة، في 5 أبريل/نيسان، بعد أن نشر على فيسبوك أن عناصر الشرطة اعتقلوه دون تقديم مذكرة اعتقال أو التعريف بأنفسهم. اتهمت السلطات مامند بموجب المادة 2 من "قانون منع إساءة استعمال أجهزة الاتصالات في إقليم كوردستان" بتشجيع الناس على كسر الإغلاق وكذلك بقذف الشرطة بموجب المادة 433 من قانون العقوبات.
كان الفساد أحد القضايا الرئيسية في الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2019. قابلت هيومن رايتس ووتش سبعة صحفيين ونشطاء تعرضوا للهجوم بسبب عملهم في توثيق ممارسات الفساد وإعداد تقارير عنها.
هيثم سليمان (48 عاما)، منظم حركة احتجاج في محافظة المثنى، دعا في 6 أبريل/نيسان 2020 في منشور على فيسبوك محافظ المثنى إلى التحقيق في مزاعم الفساد داخل دائرة الصحة، ودعا إلى اعتصام. قال سليمان، إن بعد ذلك بيوم، جاء عناصر من المخابرات بوزارة الداخلية إلى منزله ل حيث لم يكن موجودا وحذروا عائلته بأنه يجب أن يتوقف عن الكتابة عن الفساد. قال إن أربعة رجال بلباس مدني اعتقلوه في 10 أبريل/نيسان وأخذوه إلى مكتب مخابرات المثنى حيث ضربوه وأجبروه على التوقيع على وثيقة تفيد بأن الولايات المتحدة موّلت حركة الاحتجاج العراقية. اتهمته السلطات لاحقا بموجب قانون العقوبات بتهمة إذاعة الأخبار الكاذبة أو المنحازة عمدا مما يكدر الأمن العام. حتى وقت كتابة هذا التقرير كان لا يزال متهما.
بينما اعتمدت السلطات في معظم القضايا التي درسها هذا التقرير على قانون العقوبات، إلا أنها لجأت أيضا إلى قوانين وأنظمة أخرى للحد من حرية التعبير. مثلا، في 2014، أصدرت "هيئة الإعلام والاتصالات"، وهي مؤسسة مستقلة ماليا وإداريا" مرتبطة بالبرلمان، لائحة توجيهات وإرشادات "مُلزمة" لإدارة الملف الإعلامي "خلال الحرب على الإرهاب"، وتم تحديثها في 2019 وإعادة تسميتها بـ "لائحة قواعد البث الإعلامي" وهي لا تزال سارية حتى اليوم. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد أي أساس قانوني للائحة القواعد هذه أو الإجراءات الأخرى التي تتخذها الهيئة.
تحظر المادة 1 من الباب الثاني من قواعد البث الإعلامي على وسائل الإعلام بث أو نشر مواد تروّج لآراء حزب البعث، أو تروّج لنشاطات إجرامية والتي قد يتم تفسيرها بأنها "ضد المؤسسات الأمنية"، أو تتضمن بيانات صادرة عن جماعات المعارضة المسلحة أو مقابلة أحد أعضائها، أو مواد تدعو إلى استهداف العملية السياسية الديمقراطية أو إثارة النزاع بين الأحزاب أو العشائر أو بين أطراف المجتمع العراقي.
بينما لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد ما إذا كانت السلطات قد استخدمت قواعد الهيئة لتقديم شكاوى ضد صحفيين بعينهم، إلا أن السلطات أمرت بعد بدء الاحتجاجات بإغلاق ثماني محطات تلفزيونية وأربع محطات إذاعية لمدة ثلاثة أشهر بزعم انتهاكها قواعد الترخيص الإعلامي استنادا لقواعد الهيئة، وأصدرت تحذيرات لخمس جهات بث أخرى حول تغطيتها للاحتجاجات. في أكتوبر/تشرين الأول 2019، داهم رجال مسلحون مجهولون مكاتب ثلاث وسائل إعلامية وألحقوا بها أضرار، على ما يبدو، لإعاقة بثهم للاحتجاجات.
في أوائل أبريل/نيسان 2020، علّقت الهيئة ترخيص "رويترز" لثلاثة أشهر وغرّمتها 25 مليون دينار عراقي (21 ألف دولار أمريكي) بسبب مقال نشرته في 2 أبريل/نيسان يزعم أن عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا المؤكدة في البلاد كان أعلى بكثير من الأرقام الرسمية المُعلنة. رفعت السلطات التعليق في 19 أبريل/نيسان.
إعداد تقارير إعلامية عن الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن محفوف بالمخاطر. في يونيو/حزيران 2018، غطّى "خليل" (29 عاما)، صحفي في قناة إخبارية فضائية خاصة، مؤتمرا صحفيا ادعى فيه أقارب صحفي محلي أن مسلحين مجهولين اختطفوه. دعا الأقارب السلطات إلى بذل المزيد لضمان الإفراج عنه. بعد أربعة أيام من تغطية المؤتمر الصحفي، قال خليل إن الشرطة جاءت إلى منزله في الساعة الرابعة صباحا واعتقلته. في استجواب لاحق، اتهموه بنشر اتهامات كاذبة ضد قوات الأمن أثناء تغطية المؤتمر الصحفي. قال له أحد القضاة إنه متهم بسب قوات الأمن بموجب المادة 434 من قانون العقوبات. بعد بضعة أيام، نقلته السلطات إلى محكمة أخرى في الأنبار حيث أبلغه القاضي أن مجلس المحافظة سيوجه له اتهامات إضافية بموجب المادة 433 من قانون العقوبات، و بتهمة قذف قوات الأمن والتحريض على العنف ضدهم. أمر القاضي بإطلاق سراح خليل بعد أن قدم كفالة مالية لإطلاق سراحه مؤقتا، لكن كلتا القضيتين لا تزالا منظورتان حتى وقت كتابة هذا التقرير. توضح هذه القضية أيضا استخدام أحكام قانون العقوبات التي تُجرِّم التحريض على ارتكاب جريمة حتى "ولو لم يترتب على ]التحريض[ نتيجة". لا يُحدد القانون العتبة التي إن تجاوزها عمل ما، يُعدّ هذا الأخير تحريضا.
اعتمدت السلطات أيضا على أحكام قانون العقوبات التي لا تتعلق مباشرة بالتعبير لإسكات الأفراد، بما في ذلك دخول منطقة عسكرية بطريقة غير مشروعة، وتكدير الأمن العام والإضرار بالمصالح العامة.
مشروع "قانون جرائم المعلوماتية"، الذي عرضته لجنتان برلمانيتان على البرلمان في 12 يناير/كانون الثاني 2019، قد يقوّض الحق في حرية التعبير في العراق. تُجرِّم العديد من مواد مشروع القانون استخدام أجهزة الحاسوب فيما يتعلق بمجموعة واسعة من الأنشطة المُعرّفة بطريقة فضفاضة، والكثير منها غير منظَّم حاليا. مثلا، تفرض المادة 3 عقوبة بالسجن تصل إلى المؤبد وغرامة كبيرة على كل شخص يستخدم الحاسوب وشبكة المعلومات عمدا بقصد: "المساس باستقلال البلاد ووحدتها وسلامتها أو مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو الأمنية العليا" أو "الاشتراك أو التفاوض أو الترويج أو التعاقد أو التعامل مع جهة معادية بأي شكل من الأشكال بقصد زعزعة الأمن والنظام العام أو تعريض البلاد للخطر."
تستخدم سلطات إقليم كردستان أيضا القوانين النافذة في إقليم كردستان العراق للحد من حرية التعبير، بما في ذلك قانون منع إساءة استعمال أجهزة الاتصالات. تُجيز المادة 2 من هذا القانون فرض عقوبات سجنية وغرامات، من بين أمور أخرى، بسبب إساءة استخدام الهاتف الخلوي والبريد الإلكتروني (أو الإنترنت بشكل أوسع) للتهديد أو السبّ أو نشر أخبار كاذبة أو تسريب محادثات أو نشر صور منافية للأخلاق والآداب العامة أو القيام بأي أفعال أخرى قد تخدش الشرف أو تحرّض على ارتكاب جرائم أو نشر معلومات خاصة ولو كانت صحيحة. لا يُعرِّف القانون أيا من المصطلحات الواردة في المادة، كما أنه لا يقدم أي تفاصيل عم عمليات الترخيص والإذن.
"إبراهيم" (40 عاما)، بثّ مباشرة على فيسبوك صباح يوم 26 يناير/كانون الثاني 2019 مظاهرة في بلدة شيلادزي الكردستانية، على بعد 100 كيلومتر شمال شرق دهوك، حيث كان الناس يحتجون على الغارات الجوية التركية التي قُتل فيها ستة مدنيين على الأقل في الأسبوع السابق بحسب تقارير. اعتقلته السلطات واتهمته بحضور التظاهرة بموجب المادة 156 من قانون العقوبات، التي تُجرِّم "المساس باستقلال البلاد أو وحدتها" أو الأمن القومي، وبموجب المادة 229، لتهديد موظّف. رفض القاضي التهم وأطلقت السلطات سراحه بعد 29 يوما في الحجز. كما اتهمته النيابة بموجب المادة 2 من ذلك قانون منع إساءة استعمال أجهزة الاتصالات بسبب تصوير الاحتجاج على هاتفه دون "إذن". هذه التهمة لا تزال قائمة حتى وقت كتابة هذا التقرير. لم توضح النيابة العام الجهة التي كان على إبراهيم الحصول على إذن منها.
شعر الأشخاص الذين قابلناهم خلال إعداد هذا التقرير والذين وُجّهت إليهم تُهم جنائية أن المحاكمات كانت محاولة من السلطات لترهيب المنتقدين. قال 11 شخصا قابلناهم إنهم لم يتلقوا أي معلومات من النيابة العامة لفترات طويلة، مما جعلهم غير متأكدين مما إذا كانت القضايا المرفوعة ضدهم لا تزال منظورة أمام القضاء. قالوا إن السلطات تزعج الناس بدعاوى قانونية مُكلفة وتستغرق وقتا، وتُترَك في بعض الأحيان مُعلّقة لسنوات، وذلك لتخويفهم وإسكاتهم. قال أحدهم: "عندما أفرج عني الأسايش [قوات الأمن الكردية] بعد أن دفعت رسوما في 10 مارس/آذار 2019، قالوا لي: ’ممكن نستدعيك في أي وقت‘".
أُجبِر أحد الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش على التوقيع على اعتراف أثناء الاحتجاز، بينما ضُغط على ثلاثة آخرين للقيام بذلك، لكنهم رفضوا. أجبرت قوات الأمن شخصين على التوقيع على تعهّدات بعدم انتقاد الحكومة مرة أخرى، بينما في حالتَيْن أخريَيْن، رفض الأشخاص التوقيع على التعهّد، ومع ذلك أطلقت قوات الأمن سراحهم. قال 11 ممن قابلناهم إن قوات الأمن أساءت معاملتهم أثناء القبض عليهم أو بعد احتجازهم.
يسمح القانون الدولي لحقوق الإنسان بفرض قيود على حرية التعبير لحماية سمعة الآخرين، لكن يجب أن تكون هذه القيود ضرورية ومحددة بشكل ضيق. تعتقد هيومن رايتس ووتش أن العقوبات الجنائية هي دائما عقوبة غير متناسبة مع الضرر المزعوم الذي يلحق بالسمعة.
جميع الصحفيين الـ 14 وأربعة من النشطاء الذين قابلناهم قالوا إنهم بسبب عملهم أو نشاطهم تلقوا تهديدات بانتظام، عادة من مصادر مجهولة عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي، وأحيانا من قوات الأمن أو المسؤولين الحكوميين. بالنسبة إلى البعض، غرست التهديدات الخوف وعطّلت حياتهم اليومية.
قال الصحفي أمانج أبو بكر (31 عاما)، إن الأسايش اعتقلوه في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، واحتجزوه 24 ساعة دون تهمة بسبب مقال كتبه عن الغارات الجوية التركية في إقليم كردستان، ولم يطلقوا سراحه إلا بعد إجباره على التوقيع على وثيقة يتعهّد فيها بعدم الكتابة عن الضربات الجوية. قال إن الأسايش احتجزوه في وقت لاحق من نفس الشهر لمدة 24 ساعة أخرى بدون تهمة. قال: "أثناء الاستجواب قالوا إنهم اعتقلوني لأنني واصلت الكتابة عن العمليات العسكرية التركية في كردستان رغم أنهم طلبوا مني التوقّف".
في مارس/آذار، نشر أبو بكر مقالا على فيسبوك حول التوترات المتزايدة بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حزب العمال الكردستاني"، لكنه أزاله بعد أن اتصل شخص مجهول بعمّه وقال، "إذا لم يتوقف أمانج عن الحديث عن هذا الموضوع، فسيختفي". مؤخرا، في 19 مارس/آذار، بعد يوم من نشره لمقال على موقع "سبه ي نيوز" التابع لـ"حركة التغيير" (كَوران) حول خطط تركية مزعومة لإقامة موقع عسكري جديد في إقليم كردستان، قال: "تلقّيت مكالمة من رقم مجهول من رجل، قال لي ’تم تحذيرك في الماضي ووقتك ينفد. سنجد لك حلا‘".
قال أبو بكر إن الاعتقالات والتهديدات أثّرت عليه. "وضعي النفسي غير مستقر. أنا قلق باستمرار على عائلتي المباشرة والممتدة وعلى نفسي. أعلم أن أطفالي في خطر، أصبح مستقبلهم غامضا. لا أريد أن أكون السبب في أذى شخص أحبه. لكنني في الوقت نفسه، ما زلت أريد العمل كصحفي".
قال بعض ضحايا الهجمات والتهديدات إنهم اتصلوا بالسلطات دون جدوى. قال "بشار" (53 عاما)، رجل أعمال من مدينة السماوة بمحافظة المثنى، إنّ جهة سرّبت له في أوائل 2017 بعض الوثائق التي تُثبت تورّط مسؤول حكومي محلي مرتبط بحزب سياسي بشبكة اختطاف مقابل فدية. قال إنه سلّم الوثائق إلى "هيئة النزاهة". بعد أسبوع، اتصل به المسؤول المحلي على مكتبه وقال له: " أسكتنا نشطاء آخرين، فماذا تريد؟" المسؤول "عرض عليّ المال، والرحلات، لكنني رفضت". قال بشار، إن رجلَيْن مسلحَيْن يرتديان زيا أخضر ولم يتمكن من التعرف عليهما قفزا من سيارة على بعد نحو 500 متر عن منزله في 6 أبريل/نيسان 2017 وأجبروه على ركوب السيارة. على مدى الأيام الـ 14 التالية، استجوبوه في ثلاثة مواقع مختلفة لمعرفة الجهة التي حصل منها على الوثائق وهددوا بأنّه إذا لم يتراجع عن الشكوى، سوف يجلبون 30 شخصا لتحريك شكاوى جنائية ضده.
بعد ثلاثة أيام من إطلاق سراحه، قرّر الذهاب إلى المحكمة للتبليغ عن الحادث. استجوبه قاضي التحقيق بشأن الحادث. قال "بشار":
ثم دخل رئيس المحكمة وقال إنه لم يصدّق قصتي. قال لماذا سيفرجون عني إذا سمحوا لي برؤية وجوههم. أخبرته ربما لأنهم يعيشون في إيران أو لأنهم متنفذون ولا يهتمون. بعد ذلك، شعرت أنّ قاضي التحقيق لم يعد مهتما بقضيتي ولم أسمع أي شيء منذ ذلك الحين. أخبرني أحد الأشخاص المرتبطين بـ"تيار الحكمة الوطني" أنني قد أحتاج إلى مغادرة البلاد، لذا غادرت الآن.
تدعو هيومن رايتس ووتش البرلمان العراقي إلى إلغاء مواد التشهير الجنائي في قانون العقوبات واستبدالها بعقوبات التشهير المدني. على البرلمان أيضا تعديل القوانين ومواد قانون العقوبات التي تقيّد حرية التعبير بطرق لا تتوافق مع القانون الدولي. على السلطات الإتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان توجيه جميع قوات الأمن لوضع حد للترهيب والمضايقة والاعتقال والاعتداء على الصحفيين وغيرهم لممارستهم حقهم في حرية التعبير. عليهم التحقيق في جميع الادعاءات ذات المصداقية من الأفراد الذين يتعرّضون للتهديد أو الاعتداء من قِبل موظفي الحكومة أو الجهات الفاعلة من غير الدول واتخاذ تدابير لحمايتهم.
التوصيات
إلى السلطات العراقية الاتحادية وسلطات إقليم كردستان العراق
• في انتظار التعديلات التشريعية، تعليق تنفيذ مواد قانون العقوبات والتشريعات واللوائح الأخرى التي تتضمن مواد غامضة تنتهك حرية التعبير المحمية دوليا؛
• ضمان إجراء تحقيقات شفافة وعادلة وسريعة بشأن الشكاوى المتعلقة بالاعتداءات والتهديدات ضد الصحفيين والنشطاء والناجمة عن انتقادهم لقوات الأمن أو المسؤولين الحكوميين أو سياسات الحكومة؛
• توجيه جميع قوات الأمن لوضع حد للترهيب أو المضايقة أو الاعتقال أو الاعتداء على الصحفيين وغيرهم بسبب ممارسة حقهم في حرية التعبير؛
• توجيه المسؤولين الحكوميين إلى التوقّف عن رفع دعاوى زائفة أو ذات دوافع سياسية ضد الصحفيين والناشرين والنشطاء، بما في ذلك أي قضية يتم فيها التحقيق مع الأشخاص جنائيا أو مقاضاتهم لمجرد انتقاد الشخصيات أو المؤسسات العامة.
إلى السلطات التشريعية في حكومة العراق
• إلغاء لائحة قواعد البث الإعلامي الصادرة عن هيئة الإعلام والاتصالات والامتناع عن تأييد أي قرارات تتخذها الهيئة تصل إلى سحب تراخيص الصحفيين؛
• إزالة جرائم التشهير أو الإهانة من قانون العقوبات، وتصنيفها على أنها جرائم مدنية، وتحديد السلوك المحظور بوضوح؛
• تعديل مواد قانون العقوبات بشأن التحريض، لكي يتم تحديد الجرائم بدقة كافية بحيث يَعرف الأشخاص مقدما السلوك المحظور والخاضع للعقاب، وضمان أن تكون أي قيود قانونية على حرية التعبير ضرورية ومتناسبة مع الضرر الناجم؛
• تعديل مشروع قانون جرائم المعلوماتية لتحديد السلوك المحظور بشكل واضح، لا سيما في المواد 3 و6 و21 و22، بحيث يعرف الأشخاص مقدما السلوك المحظور والخاضع للعقاب، وتحديد أي تعبير محظور، وتحديد المنظمات أو الكيانات أو الأنشطة المحظورة.
إلى السلطات التشريعية لحكومة إقليم كردستان العراق
• تعديل قانون العمل الصحفي في إقليم كردستان لتقديم إرشادات واضحة تحدد ماهية الخطاب المحظور الذي قد تمنعه السلطات، والتأكّد من أن القيود تتماشى مع المعايير الدولية لحرية التعبير.
• تعديل قانون منع إساءة استعمال أجهزة الاتصالات في إقليم كردستان بحيث يتم تحديد مصطلحات "الإرهاب" و"الأخلاق" و"الآداب العامة" بشكل واضح، وألا تنتهك القيود حرية التعبير المحمية دوليا.
المنهجية
أثناء الإعداد لهذا التقرير، قابلت هيومن رايتس ووتش 21 ناشطا و14 صحفيا تعرضوا لهجمات، تراوحت بين التهديدات والاعتقالات والتهم الجنائية، بسبب ما قالوه أو كتبوه من انتقاد للحكومة. قابل الباحثون أيضا محامي شخصَيْن كانا محتجزَيْن وقت المقابلة ولم تتسنَ مقابلتهم شخصيا. نُشير في هذا التقرير إلى الناس على أنهم "نشطاء مدنيون" بناء على استخدامهم للمصطلح لتسليط الضوء على انتقاداتهم العامة ضد الفساد والقضايا الاجتماعية الأخرى من خلال الانخراط في المجتمع المدني أو عبر قنوات التواصل الاجتماعي أو في المنتديات العامة الأخرى.
أجرت هيومن رايتس ووتش المقابلات بين فبراير/شباط 2018 ونيسان/أبريل 2020 واتصلت بمن أجريت معهم مقابلات للحصول على تحديثات في أواخر مارس/آذار وأوائل أبريل/نيسان 2020. حيثما كان ذلك متاحا، راجع الباحثون وثائق المحاكم والوثائق الرسمية الأخرى المتعلقة بإجراءات المحكمة. حلّل الباحثون القوانين العراقية ذات الصلة، بالتشاور مع أعضاء في البرلمان ومحامين عراقيين، من أجل ضمان التفسير الصحيح.
تشاور الباحثون مع منظمات غير حكومية محلية ودولية وثقت التهديدات والإجراءات الجنائية وغيرها من الجهود لخنق حرية التعبير للنشطاء والصحفيين وغيرهم. تشاوروا أيضا مع محامين محليين وخبراء قانونيين آخرين حول قضايا حرية التعبير.
أجرى باحثو هيومن رايتس ووتش معظم المقابلات شخصيا، لكن في بعض الحالات قاموا بذلك عن بعد بالعربية أو الإنغليزية أو الكردية. أبلغ الباحثون جميع من قابلوهم عن الغرض من المقابلات وطبيعتها الطوعية، والطرق التي سيستخدمون بها المعلومات، وحصلوا على موافقة جميع الذين قابلوهم، والذين فهموا أنهم لن يتلقوا أي تعويض عن مشاركتهم. لدواعي الأمن الشخصي، حجبت هيومن رايتس ووتش أسماء ومعلومات معظم الأفراد الواردين في التقرير بناء على طلبهم.
تحافظ هيومن رايتس ووتش على حوار مع الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان، وهي ممتنة للتعاون الذي تلقته لتقييم الحقائق الواردة في هذا التقرير وأي توصيات ناتجة عنه. في 29 أبريل/نيسان، راسلت هيومن رايتس ووتش الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان طالبة معلومات بشأن القضايا الموثّقة في التقرير. بينما لم تردّ السلطات في بغداد حتى وقت النشر، أجابت حكومة إقليم كردستان بطريقة "أوّلية" وأفادت بأن الحكومة "مُلتزِمة بصون حقوق الصحفيين" وستزود هيومن رايتس ووتش لاحقا بمعلومات إضافية.
I. المعايير الدولية لحرية التعبير
الحق في حرية التعبير، إلى جانب الحق في تكوين الجمعيات والتجمّع السلمي، محمي بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون العرفي، ويشمل الحق في الحصول على المعلومات وتبادلها. هذه الحقوق ليست مجرد حريات مهمة بحد ذاتها، بل هي ضرورية لضمان أن تكون جميع الحقوق الأخرى – المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية – متاحة لجميع الأشخاص.[1]
الحق في حرية التعبير موجود في العديد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان المصدق عليها على نطاق واسع، ولا سيما "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".[2] يسمح العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في المادة 19(3)، للحكومات بفرض قيود على حرية التعبير فقط في حال كانت محددة بنص القانون وضرورية لحماية حقوق الآخرين أو سمعتهم، ولحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.[3]
"اللجنة المعنية بحقوق الإنسان" التابعة للأمم المتحدة، وهي هيئة الخبراء المستقلة التي تراقب امتثال الدول للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تنصّ في تعليقها العام رقم 34 بشأن الحق في حرية الرأي وحرية التعبير، على أن القيود المفروضة على حرية التعبير يجب أن توضع وتُفسَّر بشكل ضيق وأنه "لا يجوز أن تعرض هذه القيود الحق نفسه للخطر".[4] لا يجوز للحكومة فرض قيود إلا إذا نص عليها التشريع واستوفت معيار كونها "ضرورية في مجتمع ديمقراطي". هذا يعني أن القيود ينبغي أن تستجيب لحاجة عامة ملحة وأن تكون متوافقة مع القِيَم الديمقراطية الأساسية للتعددية والتسامح. يجب أن تكون القيود "الضرورية" متناسبة أيضا، أي متوازنة مع الحاجة المحددة للتقييد.
ذكرت اللجنة أيضا أنه "يجب ألا تكون القيود المفروضة مفرطة".[5] ينبغي أن تُصاغ بدقة كافية لتمكين الفرد من ضبط سلوكه وفقا لذلك.[6] القيود على حرية التعبير لحماية الأمن القومي "لا تجوز إلا في حالات التهديد السياسي أو العسكري الخطيرة على الأمة بأسرها".[7] بما أن القيود القائمة على أسس الأمن القومي تنطوي على إمكانية تقويض حرية التعبير بشدة، "يجب وضع متطلبات صارمة بشكل خاص على ضرورة (تناسب) تقييد قانون معين".[8]
كما اعتبرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في التعليق العام رقم 34 أن "مضايقة شخص بسبب الآراء السياسية التي يعتنقها أو تخويفه أو وصمه، بما في ذلك توقيفه أو احتجازه أو محاكمته أو سجنه، انتهاكا" للعهد الذي صادق عليه العراق في 1971.[9] أعلنت اللجنة رفضها للقوانين التي تُجرّم إهانة رئيس الدولة أو الرموز الوطنية. أوضحت أنه "في حالات النقاش العام الذي يتعلق بشخصيات عامة في المجال السياسي والمؤسسات العامة، فإن العهد يولي أهمية بالغة بشكل استثنائي لكفالة التعبير غير المقيّد".[10]
كتب المُقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بحماية وتعزيز حق حرية الرأي والتعبير أنه يتعيّن على الدول أن تولي عناية خاصة لضمان عدم استخدام قوانين التشهير – مدنية أو جنائية – "لمنع نقد الحكومة" و"يجب أن تعكس المبدأ القائل بأن الشخصيات العامة مطالبة بتحمل درجة من النقد أكبر منها في حالة المواطنين العاديين".[11]
إحدى الجهود الدولية الرماية لمعالجة حرية التعبير (وحرية الدين) هي "خطة عمل الرباط بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداء أو العنف". تحثّ الخطة، وهي حصيلة مبادرة مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لتوضيح نطاق التزامات البلدان بموجب المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على حظر "التحريض" إلا في الحالات القصوى، وتتطلب ضمانات محددة لمنع إساءة استخدامها.[12]
أعربت خطة عمل الرباط عن قلقها بشأن البلدان التي تستخدم فيها "التشريعات التي تحظر التحريض على الكراهية مصطلحات متفاوتة، وهي غالبا غير منسجمة مع المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كلما توسّع تعريف التحريض على الكراهية في القوانين الوطنية، ازدادت الاحتمالات بفتح باب التطبيق التعسفي لتلك القوانين".[13]
تنصّ إحدى نتائج خطة عمل الرباط على ما يلي:
تفرض المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية معايير عالية لأن فرض القيود على الكلام ينبغي أن يظل، من حيث المبدأ، هو الاستثناء. ويجب تفسير هذه المادة بالتوافق مع أحكام المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. والواقع أن معيار القيود المؤلف من ثلاثة عناصر (القانونية والتناسب والضرورة) ينطبق كذلك على حالات التحريض، أي أن تلك القيود يجب أن ينص عليها القانون وأن تحدد بشكل دقيق لخدمة مصلحة مشروعة وأن تكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي لحماية تلك المصلحة. ويعني هذا، من بين أمور أخرى، وجوب أن تكون القيود معرفة بوضوح وبشكل محدد وأن تستجيب لحاجة اجتماعية ملحة، وأن تكون هي التدابير المتاحة الأقل تقييدا، وألا تكون فضفاضة جدا، أي أنها لا تفرض قيودا على الكلام بطريقة متوسعة أو غير هادفة، وأن تراعي مبدأ التناسب بمعنى أن الفائدة التي تنتج عنها للفئات المستهدفة تفوق الضرر الذي قد يلحق بحرية التعبير، بما في ذلك ما يتعلق بالعقوبات التي تجيزها هذه القيود.[14]
تحث الخطة الحكومات على التأكد من أن إطارها القانوني "يسترشد بالإشارة صراحة إلى المادة 20 من العهد المذكور ... وينبغي أن تنظر في إدراج تحديدات دقيقة للمصطلحات الأساسية مثل الكراهية والتمييز والعنف والعداوة وغير ذلك".[15] من شأن التعريفات الدقيقة أن تزيد من صعوبة وصف الخطاب بأنه تحريض غير قانوني أو تمييز لمجرد أنه يدافع عن مجموعة معينة أو أشخاص داخل المجتمع.
II. القوانين المتعلقة بحرية التعبير في العراق
تكفل المادة 38 من الدستور العراقي حرية التعبير عن الرأي والتجمع السلمي طالما أنها لا تخل "بالنظام العام والآداب". مع ذلك، لا يُقدّم الدستور تعريفات واضحة لأي من المصطلحين أو يطلب من الدولة أن تثبت أن القيد على حرية التعبير ضروري ومتناسب:
تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانيا: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثا: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.
يسمح الدستور بالحد من حقوق حرية التعبير "بقانون أو بناء عليه" على أن لا " يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية". مع ذلك، هناك على الأقل ثمانية قوانين ولوائح وقوانين مقترحة عراقية، بالإضافة إلى خمسة قوانين على الأقل في إقليم كردستان العراق، تسمح للسلطات بفرض قيود مفرطة على الحق في حرية التعبير أو لا تحترم هذه الحقوق بشكل مناسب، بسبب موادها الفضفاضة والغامضة، في انتهاك لكل من القيود الدستورية والقانون الدولي.[16]
تجريم التشهير هو من الأمور الأكثر إشكالية في القانون العراقي فيما يتعلق بحرية التعبير. القوانين التي تسمح بالسجن كعقاب على انتقاد الأفراد أو المسؤولين الحكوميين تتعارض مع التزام العراق الدولي بحماية حرية التعبير. مثل هذه القوانين هي استجابة غير متناسبة وغير ضرورية للحاجة إلى حماية السمعة، وتؤدي إلى العزوف عن ممارسة حرية التعبير. "القذف" و"السب" و"الإهانة" غير معرّفة أيضا بشكل واضح في القانون العراقي، وقد استُخدِمت مثل هذه المواد فضفاضة الصياغة لقمع انتقادات أفعال أو سياسات المسؤولين الحكوميين.
يُجرّم قانون العقوبات العراقي أيضا التحريض بأشكال مختلفة، بما في ذلك التحريض على العنف وارتكاب الجريمة، دون تقديم تعريفات أو مزيد من المعلومات التي تسمح للناس بتحديد السلوك الذي يتم تجريمه. يسمح العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بفرض قيود معينة على التعبير، بما في ذلك ردا على "التحريض على التمييز أو العداوة أو العنف". لكن أي قوانين تقيّد حرية التعبير ينبغي أن تستند إلى مبدأ اليقين القانوني، فتكون واضحة ودقيقة بما يكفي لضمان قدرة الناس على توقع عواقب أفعالهم بشكل معقول وتنظيم سلوكهم فيما يتعلق بالقانون. يمكن للحكومات أن تفرض قيودا فقط كاستجابة متناسبة وضرورية لحماية المصالح المطروحة.
قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969
يتضمن قانون العقوبات العراقي، الذي يعود تاريخه إلى 1969، قبل صياغة الدستور العراقي الحالي في 2005، العديد من المواد التي يبدو أنها تنتهك حماية حرية التعبير ولا تتوافق مع الدستور. مثلا، تُجرِّم المواد 202 و225 و226 و227 و229 كل من "أهان... الأمة العربية أو الشعب العراقي أو فئة من سكان العراق أو العلم الوطني أو شعار الدولة"، وكذلك أي هيئة حكومية أو فرد أو "دولة أجنبية أو منظمة دولية لها مقر بالعراق أو أهان رئيسها أو ممثلها لدى العراق أو أهان علمها أو شعارها الوطني".[17] تُجرِّم المادة 372 كل من "أهان علنا رمزا أو شخصا هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية"، أو "من قلد علنا ناسكا أو حفلا دينيا بقصد السخرية منه".[18]
تُجرّم المادة 210 والمادة 211 من قانون العقوبات كل من "أذاع عمدا أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة ومغرضة أو بث دعايات مثيرة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة" أو "من نشر بإحدى طرق العلانية أخبارا كاذبة أو أوراقا مصطنعة أو منسوبة كذبا الى الغير إذا كان من شأنها تكدير الأمن العام أو الإضرار بالمصالح العامة".[19]
تُجرّم المادة 212 التحريض "بإحدى طرق العلانية" على ارتكاب جريمة من شأنها تكدير الأمن العام حتى ولو "لم يترتب على ]التحريض[ نتيجة".[20] تُجرّم المادة 403 إنتاج أو حيازة أو تحريز أو ترجمة أي مواد مكتوبة أو مصورة أو مرئية "بقصد الاستغلال أو التوزيع... اذا كانت مُخلّة بالحياء أو الآداب العامة".[21] لا يُحدد القانون العراقي ما يمكن أن يشكل انتهاكا لـ "الحياء أو الآداب العامة".
تجرِّم المادة 433 القذف، الذي يُعرّف بأنه "إسناد واقعة معينة الى الغير بإحدى طرق العلانية من شأنها لو صحت أن توجب عقاب من أسندت إليه أو احتقاره عند أهل وطنه".[22] ويُعاقب من قذف غيره بالسجن لمدة تصل إلى سنة واحدة و/أو غرامة، لكن إذا كان الشخص المستهدف موظفا عاما، فيتم إسقاط التهم إذا استطاع المدعى عليه إثبات صحة أقواله. تجرّم المادة 434 سب شخص ما، والذي يُعرَّف على أنه "رمي الغير بما يخدش شرفه أو اعتباره أو يجرح شعوره وإن لم يتضمن ذلك إسناد واقعة معينة".[23]
بسبب المصطلحات الفضفاضة المستخدمة، وعدم وجود تعريفات واضحة منصوص عليها في قانون العقوبات، تستخدم هذه المواد لتجريم الانتقادات القانونية للسياسات أو المسؤولين الحاليين، التي تدعو إلى التغيير السياسي، أو تُعبِّر عن مجموعة من الآراء الأخرى بما في ذلك حول الدين.
استخدام قانون العقوبات في قضايا حرية التعبير
متهمون بانتهاك المادة 210
هيثم سليمان (48 عاما)، هو مُنظِّم لحركة احتجاج في محافظة المثنى. في 6 أبريل/نيسان 2020، قال على صفحته على فيسبوك إنه دعا محافظ المثنى إلى التحقيق في مزاعم الفساد داخل دائرة الصحة بعد أن علِم أنّهم كانوا يبيعون كمامات واقية ورقية بسعر مبالغ به كثيرا، وهو 18 دولارا أمريكيا للكمامة، ودعا أيضا إلى اعتصام.[24] قال لـ هيومن رايتس ووتش، إنّ أربعة من عناصر المخابرات في وزارة الداخلية جاؤوا في اليوم التالي إلى منزله بينما كان في الخارج وحذّروا عائلته من أنه ينبغي أن يتوقّف عن الكتابة عن الفساد. نشر لاحقا على فيسبوك أن عناصر المخابرات ليس لديهم الحق في الذهاب إلى منزله. قال إنه في 10 أبريل/نيسان كان عائدا إلى منزله بعد الظهر عندما اعتقله أربعة رجال بلباس مدني وأخذوه إلى مكتب المخابرات في المثنى. قال إنهم عصبوا عينيه وقيّدوا يديه وضربوه، بما في ذلك على أعضائه التناسلية. "أثناء قيامهم بذلك، اتهمني أحد الضباط بكراهية إيران ثم طالبني بتوقيع ورقة تفيد بأن المتظاهرين وباسم خشان [انظر أدناه] يتلقون دعما من الولايات المتحدة. بَصَمت في النهاية". قال إنه مَثَل في 11 أبريل/نيسان أمام قاضٍ أخبره أنّ السلطات تتهمه بموجب المادة 210 من قانون العقوبات، دون السماح له بحضور محامٍ، ثم أطلق سراحه بعد أن دفع رسوما، بانتظار المحاكمة.[25]
متهمون بانتهاك المادة 226
باسم خشان (50 عاما)، ناشط مدني في مجال مكافحة الفساد من محافظة المثنى جنوب العراق. قال إنه في 2015 قدم تقريرا إلى هيئة النزاهة عن صفقة اشترت فيها دائرة الصحة المحلية في المحافظة أسرّة مستشفيات من تركيا مقابل 156 مليون دينار عراقي (130 ألف دولار أمريكي) وفقا لفواتير سُرِّبت إليه، أما القيمة الحقيقية فكانت، على حد قوله، 10 مليون دينار عراقي (8,300 دولار أمريكي) بناء على أبحاثه واتصالاته مع الشركة.[26] انتقد خشان عدم تحرّك هيئة النزاهة، الهيئة الحكومية لمكافحة الفساد في العراق، في تعليق في 1 مايو/أيار 2017 على صفحته على فيسبوك بعنوان "مجلس المحافظة: بين فاسد أو جبان أو هامش لا قيمة له". اتهم في التعليق الهيئة بأنها "تطبخ [تقريره]على نار هادئة". قدّم رئيس هيئة النزاهة شكوى جنائية ضده في سبتمبر/أيلول 2017 بموجب المادة 226 من قانون العقوبات، التي تُجرّم الإهانة العلانية لهيئة حكومية. قال محامي خشان إنه بناء على مخاوفه من النفوذ السياسي الذي قد يُمارس على القضاة المحليين، طلب إحالة القضية إلى محكمة أخرى. في 16 يناير/كانون الثاني 2018، رفضت "محكمة التمييز الإتحادية" الطلب، وقال المحامي إن الشرطة دون سابق إنذار اعتقلت خشان وأحالته إلى المحكمة في 6 فبراير/شباط 2018، رغم طلبه بالتأجيل لمنحه المزيد من الوقت لإعداد الدفاع. حكم القاضي على خشان بالسجن ثلاث سنوات بتهمة إهانة هيئة النزاهة.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتهم فيها السلطات خشان بالتشهير. في مارس/آذار 2015، وجّه مجلس محافظة المثنى اتهامات له بموجب المادة 226 لاتهامه مجلس المحافظة بالفساد على وسائل التواصل الاجتماعي في نوفمبر/تشرين الثاني 2014. أُسقِطت التهم بسبب قانون التقادم لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، لكن مجلس المحافظة طعن في القرار. أدانته "المحكمة الجنائية المركزية" في بغداد في يناير/كانون الثاني 2017 بالتهم، إلا أنها قالت إنها كانت مشمولة بقانون العفو العام لسنة 2016. استأنف مجلس المحافظة هذا القرار. وقفت محكمة التمييز الإتحادية إلى جانب المجلس وأعادت القضية إلى محكمة تحقيق المثنى، حيث أدان القاضي خشان مرة أخرى في 6 فبراير/شباط 2018، في نفس اليوم الذي أدين فيه في قضية هيئة النزاهة، وأدانه القاضي وحكم عليه بالسجن لثلاث سنوات أخرى. أُطلِق سراحه في 27 فبراير/شباط 2018، بعد أن برّأته محكمة الاستئناف الإتحادية من التهمتين بعد استئناف الحكم.
متهمون بانتهاك المادتين 229 و433
عمار الخزعلي (30 عاما)، من محافظة القادسية جنوب العراق، ناشط مدني يشارك في جهود تحسين ظروف الفقراء.[27] قال إن مسؤولين بمن فيهم رئيس مجلس المحافظة، واللجنة الأمنية بالمجلس، ومدير منطقة فرعية في محافظة الديوانية، وثمانية رجال شرطة وصحفي وجّهوا إليه منذ يونيو/حزيران 2016، 14 تهمة قذف. أظهرت وثائق المحكمة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش أن القضاة أسقطوا جميع التهم الجنائية ضده بسبب نقص الأدلة أو سحب المدعيين للشكوى.
قال الخزعلي إنه في حفل افتتاح مبنى حكومي جديد في الديوانية في 4 مارس/آذار 2017 والذي كان قد ساعد في جمع التبرعات له، هتف مع صديق "المسؤولين وحمايتهم فاشلين، المسؤولين وحمايتهم حرامية"، لأنّ السلطات لم تموّل إعادة الإعمار بنفسها. في 5 مارس/آذار، قدم ثلاثة من رجال الشرطة الحاضرين في الحفل شكوى ضده بموجب المادة 229 بتهمة إهانة الموظفين العموميين "أثناء تأدية الواجب". رفض القاضي القضية في محاكمة في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2017، ووجد أن ما قاله الخزعلي لم يستهدف شخصا معينا. قدم رجل أمن آخر من "مديرية الأحوال المدنية" شكوى أخرى بسبب نفس الحادثة، أيضا بموجب المادة 229. أسقط رجل الأمن الشكوى في محاكمة في 9 أبريل/نيسان 2017.
قدم رئيس مجلس المحافظة ورئيس اللجنة الأمنية في مجلس المحافظة شكوى قذف ضد الخزعلي بموجب المادة 433 بناء على نفس الحادثة، لكنهما أسقطا القضية في المحاكمة في 20 يونيو/حزيران 2017. قال الخزعلي: "كل هذه الشكاوى الجنائية أثّرت بالتأكيد على حالتي النفسية".
الاعتقالات المستمرة، تكبيل اليدين أمام الناس الذين أعرفهم، كلها أمور مرهقة عاطفيا وأحيانا كانت تجعلني أبكي. شوّهوا سمعتي، وخسرت عملي ]بسبب الوقت الذي كان يقضيه في حضور الجلسات[، أنفِق المال على المحامين باستمرار، وعائلتي وأصدقائي قلقون عليّ دائما، وما زالوا يستهدفونني.
قال الخزعلي أيضا إن صحفيا قدم شكوى ضده وضد ستة نشطاء آخرين بموجب المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب بعد أن اتهم أحد أصدقاء الخزعلي الصحفي بالفساد على فيسبوك.[28] علّق الخزعلي وبعض الأصدقاء بشكل إيجابي على المنشور. بحسب وثائق المحكمة، زعم الصحفي أن المجموعة هددته على فيسبوك وفي مكتبه. أسقط القاضي التهم بسبب نقص الأدلة.
تُظهر شكوى ضد الخزعلي في سبتمبر/أيلول 2017، استنادا إلى حادثة وقعت قبل أكثر من عام، مدى الترهيب الذي قد يواجهه منتقدو الحكومة. اقتحم شخص مجهول السيارة الخاصة لرجل شرطة وسرق بعض المال، وفقا لوثائق المحكمة. قدم الشرطي شكوى في ذلك الوقت دون ذكر أي مشتبه فيه، لكنه في سبتمبر/أيلول 2017 اتهم الخزعلي، مشيرا إلى أنه عثر على شاهد، شرطي آخر، زعم أنه رأى الخزعلي ينفذ الفعل الإجرامي. سحب الشرطي الشكوى لاحقا.
متهمون بانتهاك المادة 403
قال حسام الكعبي (32 عاما)، صحفي من "إن آر تي" الإخبارية في مدينة النجف، إنه في مساء يوم 7 مارس/آذار 2019، اعتقله ضباط من "مجلس الأمن الوطني"، وكالة المخابرات التي تتبع لرئيس الوزراء العراقي، دون إبداء سبب وأخذوه إلى مكتبهم المحلي قبل نقله إلى مركز شرطة قريب.[29] هناك، أخبره رجال الشرطة أن رئيس مجلس الأمن الوطني قدم شكوى ضده بموجب المادة 403 لانتقاده ضابطا في مجلس الأمن الوطني على فيسبوك. قال الكعبي لـ هيومن رايتس ووتش إنه بعد أن أرسل مجلس الأمن الوطني رسائل نصية إلى سكان النجف بشأن قضايا أمنية معينة، بما في ذلك رسالة فيها خطأ مطبعي، كتب منشورا قال فيه أن على جهاز الأمن القومي أن يُصحّح إملاءه. بعد ذلك بيومين أفرج قاضي عن الكعبي بعد أن رفض التهم الموجهة إليه. إلا أنّ القاضي نفسه أخبره أن عميدة كلية التربية للبنات بجامعة الكوفة رفعت شكوى ضده بموجب المادة 403، ردا على مقالة كتبها في 2016 زعم فيها أن عميدة الكلية سعت إلى منح عقد بناء لشركة رغم أنّ الشركة طلبت أموالا أكثر بكثير من الشركات الأخرى التي تقدمت للمناقصة. نتيجة لهذه المقالة، رفضت الكلية منح الضوء الأخضر للعقد. قال الكعبي إن هذه المقالة أدت إلى تحقيق أفضى إلى إقالتها من منصبها. بمجرد أن سمعت عن اعتقال الكعبي في 2019، قدمت شكواها. لا تزال القضية منظورة أمام القضاء حتى وقت كتابة هذا التقرير.
متهمون بانتهاك المادة 433
في تقرير في 2017، تحدث "حسن" (27 عاما)، مراسل "قناة العهد" في السماوة، مدينة جنوب العراق، عن حالة امرأة فقدت طفلها عند الولادة، على حد زعمها، بسبب خطأ طبي فادح ارتكبه طبيب.[30] تقدم الطبيب و"نقابة أطباء العراق" بشكوى جنائية ضد حسن في أغسطس/آب 2017 بتهمة قذف الطبيب بموجب المادة 433 من قانون العقوبات. برّأ القاضي حسن في ديسمبر/كانون الأول 2019 بسبب نقص الأدلة.
متهمون بانتهاك المادتين 433 و434
قال "خليل" (29 عاما)، صحفي في قناة فضائية مملوكة للقطاع الخاص، إن سلطات الأنبار أغلقت في ديسمبر/كانون الأول 2017 مكتب القناة في الأنبار بعد بثها مقطعا يزعم أنّ محافظ الأنبار ومسؤولين آخرين كانوا يخططون للتلاعب في الانتخابات المقبلة. برّرت السلطات الإغلاق بحجة أنّ القناة كانت تعمل دون ترخيص.[31] رغم ذلك، ظلّ خليل يعمل فيها، وقاله إنه، وفي يونيو/حزيران 2018، غطى مؤتمرا صحفيا زعم فيه أقارب صحفي محلي أن رجال مسلحين مجهولين اختطفوه ودعوا السلطات إلى بذل المزيد لضمان الإفراج عنه. قال خليل إن الشرطة جاءت إلى منزله بعد أربعة أيام في الرابعة صباحا واعتقلته. اتهموه في استجواب لاحق بنشر اتهامات كاذبة ضد قوات الأمن أثناء تغطية المؤتمر الصحفي. قال له قاضِ إنه متهم بسب قوات الأمن بموجب المادة 434 من قانون العقوبات. بعد عدة أيام، نقلته السلطات إلى محكمة أخرى في الأنبار، حيث أبلغه القاضي أن مجلس المحافظة سيوجه اتهامات إضافية إليه بموجب المادة 433 من قانون العقوبات بتهمة قذف قوات الأمن والتحريض على العنف ضدهم. تم الإفراج عن خليل بعد أن قدم كفالة مالية لإطلاق سراحه مؤقتا، لكن كلتا القضيتين لا تزالا منظورتان أمام القضاء حتى وقت كتابة هذا التقرير.
متهمون بانتهاك المادة 434
قال "عمر" (29 عاما)، صحفي في "قناة دجلة الفضائية"، إنّه كان يغطّى مظاهرة في بغداد تطالب بالحدّ من التدخل الأمريكي في العراق في أغسطس/آب 2018 وصوّر مقابلة مع امرأة تحدثت عن مخاوفها من وجود تدخلات أجنبية أخرى، ومنها إيران.[32] اقترب منه رجل في لباس مدني، اكتشف عمر لاحقا أنه عضو في "عصائب أهل الحق"، وهي وحدة تابعة لـ "قوات الحشد الشعبي"، وطلب منه التوقّف عن تصوير المرأة. بعدها صرخ في المرأة لأنها انتقدت الدور الإيراني. عرضت قناة دجلة مقطعا مصوّرا للمشاجرة، فطلبت عائلة الرجل الموسعة من عمر بعد ذلك المشاركة في مفاوضات عشائرية بذريعة أنه "شوهه". رفض عمر المشاركة فاعتقلته الشرطة يوم 30 أغسطس/آب 2018 في منزله بتهمة السب بموجب المادة 434. قال عمر إن القاضي أفرج عنه في اليوم التالي بعد أن دفع كفالة مالية مقابل الإفراج المؤقت، ثم استنجد بعلاقاته الخاصة لإسقاط التهمة. بعدها، في مارس/آذار 2019، اعتقلت الشرطة عمر ومصوّره في أحد المستشفيات بتهمة التصوير غير القانوني بينما كانا متجهين إلى مكتب الإدارة لطلب إذن بالتصوير. قال عمر إنهما لم يكونا قد يصوّرا أي شيء. أفرجت عنهما السلطات بعد سبع ساعات إثر تدخلات من عدة أعضاء في البرلمان.
في يوليو/تموز 2018، نشر حسن صباح محمد (28 عاما)، صحفي في احدى الوسائل الإعلامية في البصرة، تقريرا يزعم أنّ مدير ميناء البصرة كان قد أهدى سيارة بقيمة 8 آلاف دولار أمريكي تقريبا إلى قاض محلّي.[33] قال إنّ شرطة البصرة قدموا إلى منزله بعد يوم من نشر التقرير لاعتقاله. لم يكن محمد في المنزل، لكنه اتصل بالشرطة لاحقا وسألهم لماذا يريدون اعتقاله. قال إنهم أخبروه إنه متهم بموجب المادة 434 من قانون العقوبات بسبب فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أكثر من سنة حول سيارات أجرة مطار البصرة التي تفرض رسوما زائدة على الركاب، لكنّ محمد يعتقد أن السبب هو التقرير المتعلق بإهداء السيارة. كانت القضية لا تزال معلّقة حتى كتابة التقرير. تساءل محمد: "حياتي وحياة عائلتي في خطر، لكن ماذا عساي أفعل؟ هل عليّ التوقف عن العمل كصحفي؟".
متهمون بانتهاك المادة 240
اعتمدت السلطات أيضا على أحكام من قانون العقوبات لا تتعلق بالتعبير بغية إسكات الأفراد، ومنها دخول منطقة عسكرية بطريقة غير مشروعة، وتكدير الأمن العام والإضرار بالملك العام.
قال اسو أحمد سعيد، صحفي في "إن إر تي نيوز" (NRT NEWS) في كركوك، في المناطق المتنازع عنها بين بغداد وحكومة إقليم كردستان، إنه سافر يوم 14 مايو/أيار 2019 إلى قرية بلكانة، التي يسكنها عرب وأتراك، 50 كيلومترا شمال كركوك، بعد أن سمع أنّ مجموعة من العرب كانت قد هاجمت القرية لطرد السكان الأكراد من ديارهم.[34] قال إنه وصل مع زميلين له إلى القرية حوالي الساعة 1:30 ظهرا، فوجدوا عائلات تبكي. اقترب منهم جندي من "الفرقة 14" بالجيش العراقي، وأخبرهم أنهم ممنوعون من التصوير حتى جاء القائد. أخذ هذا الأخير منهم هواتفهم وأمرهم بالبقاء في سيارتهم.
قال سعيد:
جاء القائد وأخبرنا أنّه غير مسموح لنا التغطية في المنطقة، وأنّ علينا المغادرة. أرجَعوا لنا الكاميرات وهواتفنا، لكن بعد أن سرنا حوالي عشر دقائق في طريق العودة إلى كركوك، أوقفتنا مركبة عسكرية في الطريق وأجبرتنا على السير خلفها إلى قاعدة عسكرية في المنطقة، وهناك أخذ منّا قائد آخر بطاقات الهوية، والكاميرات، والهواتف، وجلب ضابطا من المخابرات العسكرية لاستجوابنا حول سبب تواجدنا هناك. ثم أجبرنا على الصعود في مركبة عسكرية أعادتنا إلى قرية بلكانة، حيث كان الجنود بصدد اعتقال 12 عربيا قالوا إنهم هاجموا القرية. حاولوا وضعهم في نفس المركبة معنا فقلت "لا يمكنك أن تضعنا في سيارة واحدة مع المجرمين"، لكن ضابط المخابرات ركلني من الخلف. قال له زميلي إنه لا يجوز ضرب صحفي، فركله هو الآخر.
بعد ذلك اقتاد الجيش الصحفيَيْن إلى مركز شرطة يبعد 25 كيلومتر، وهناك استجوبت الشرطة سعيد وفريقه حول سبب تواجدهم في المنطقة مرة أخرى، قبل أن تُطلق سراحهم وتطلب منهم المثول أمام المحكمة في اليوم التالي. اتهمهم الادعاء العام بدخول "منطقة عسكرية" بموجب المادة 240 من قانون العقوبات.[35] تُعاقب المادة 240 كل من خالف أمرا صادر عن موظف. أسقط القاضي التهمة قائلا إن الجيش لم يُعلن أنّ تلك المنطقة عسكرية، وإنه سيستدعي القائد لاستجوابه. لا يعلم سعيد إن كان أي موظف عسكري قد عوقب بأيّ شكل من الأشكال عن الحادثة.
متهمون بانتهاك المادة 156
قال "محمد" (22 عاما)، متظاهر من البصرة، إنه كان يوم 22 أغسطس/آب 2018، حوالي الساعة 8:30 مساء، خلال فترة من الاحتجاجات المستمرة، في محطة قطار البصرة مع متظاهرين آخرين.[36] تجادلوا مع موظف في المحطة، ثم تصاعد الجدال وبدأ محمد وأصدقاؤه يحتجون بصوت عال عما اعتبروه فسادا في الأحزاب السياسية. قال محمد إنّ الشرطة جاءت واقتادته إلى غرفة في المحطّة، وهناك صفعوه ولكموه. قال له أحدهم "تحجي على الأحزاب، اليوم أشوفك شنو الأحزاب، راح أكتلك اليوم"، قبل أن ينقلوه إلى مركز شرطة مجاور. قال إنّ المتظاهرين عندما سمعوا باعتقاله، تجمّعوا في المحطة مطالبين بإطلاق سراحه، ما تسبّب في مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن، وتحطيم بعض نوافذ المحطة.
في غضون ذلك، قال محمّد إن الشرطة أخذت أقواله بشأن الجدال الذي حصل في المحطّة، وعرضته على قاض، ثم أطلقت سراحه مؤقتا في منتصف الليل بعد أن دفع كفالة مالية. في 8 أكتوبر/تشرين الأول، ذهب إلى المحكمة حيث أخبره القاضي بأنه متهم بمضايقة موظف حكومي بموجب المادة 156 من قانون العقوبات المتعلقة "بالمساس باستقلال البلاد أو وحدتها" أو الأمن العام، وهي جرائم عقوبتها الاعدام.[37] أما التهمة الثانية فكانت الإضرار بأملاك عامة بموجب المادة 197. قال القاضي إن محمد هو المسؤول على الأضرار التي تسبب فيها المتظاهرون المُطالِبون بإطلاق سراحه في محطة القطار.[38] قال محمد: "طلب مني أيضا أن أحدد له المتظاهرين الذين كانوا وراء حرق مكاتب بعض الأحزاب السياسية التي لحقتها أضرار في احتجاجات سابقة". أمر القاضي بسجن محمد فبقي مسجونا حتى تمكن من دفع كفالة مالية مقابل إطلاق سراحه مؤقتا يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول. كانت القضية لا تزال مفتوحة حتى 2 سبتمبر/أيلول 2019، ومنذ ذلك التاريخ لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من الاتصال بمحمد، لكنها سمعت أنه ربما سُجن مرة أخرى.
لائحة قواعد البث الإعلامي - هيئة الإعلام والاتصالات العراقية
أنشأت المادة 103 من دستور العراق هيئة الإعلام والاتصالات، الهيئة المنظمة للبث والاتصالات، التي تُعدّ "هيئة مستقلة ماليا وإداريا" ومرتبطة بمجلس النواب، يُعيّن رئيس الوزراء أعضاءها بموافقة أغلبية البرلمان.[39] أصدرت هيئة الإعلام يوم 18 يونيو/حزيران 2014 توجيهات وإرشادات "مُلزِمة" لإدارة الملف الإعلامي "خلال الحرب على الإرهاب".[40] هذه التوجيهات التي تم تحديثها في مايو/أيار 2019 وإعادة تسميتها بـ "لائحة قواعد البث الإعلامي"، تقيّد حرية الصحافة إلى درجة أنها تفرض موافقة الحكومة على التغطية الإعلامية.[41]
تحظر المادة 1 من الباب الثاني من قواعد البث الإعلامي على وسائل الإعلام بث أو نشر مواد تروّج لآراء حزب البعث، أو تروّج للنشاطات الإجرامية، والتي قد يتم تفسيرها على أنها "ضد المؤسسات الأمنية"، أو تتضمن بيانات صادرة عن جماعات المعارضة المسلحة أو مقابلة أحد أعضائها، أو مواد تدعو إلى استهداف العملية السياسية الديمقراطية أو إثارة النزاع بين الأحزاب أو العشائر أو بين أطراف المجتمع العراقي.
في سياق الاحتجاجات التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أمرت هيئة الإعلام والاتصالات يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني بإغلاق ثماني محطات بث تلفزيوني و4 محطات إذاعية لثلاثة أشهر بسبب انتهاكات مزعومة لقواعد التراخيص الإعلامية المحددة في قواعد الهيئة، وأصدرت تحذيرا لخمس محطات بث أخرى بسبب تغطيتها للاحتجاجات.[42]
في أبريل/نيسان 2020، علّقت هيئة الإعلام والاتصالات ترخيص "رويترز" ثلاثة أشهر وغرّمتها 25 مليون دينار عراقي (21 ألف دولار أمريكي) بسبب تقرير نشرته يوم 2 أبريل/نيسان زعمت فيه أنّ عدد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس "كورونا" في البلاد يفوق بكثير الإصابات المُعلنة.[43] اتهمت الهيئة في بيانها رويترز بالاعتماد على مصادر غامضة وغير صحيحة لفبركة الأخبار حول فيروس كورونا في العراق، وتعريض السلامة العامة للخطر، وعرقلة جهود الحكومة في منع انتشار العدوى.[44] رفعت السلطات هذا التعليق يوم 19 أبريل/نيسان.[45]
لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد أي أساس قانوني يؤيد قواعد لهيئة الإعلام والاتصالات أو الأعمال الأخرى التي تقوم بها هذه الهيئة. في أبريل/نيسان 2014، أقرّ مسؤول بارز في هيئة الإعلام والاتصالات لـ هيومن رايتس ووتش بأنّ الهيئة لم يكن لديها أساس قانوني لتعليق عمل عشرة وسائل إعلامية.[46] بالتالي، قرارات هيئة الإعلام والاتصالات تعسفية وغير قانونية.
أوضحت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في تعليقها العام رقم 34 أن الأنظمة العامة التي تعتمدها الدول لتسجيل الصحفيين والترخيص لهم غير متناسبة مع حرية التعبير.[47] قد تكون هناك حاجة لمنح نطاقات ترددية لوسائل البث، لكن ذلك لا يرقى إلى الترخيص لوسائل الإعلام، ولا توجد أي وسائل أخرى، بما فيها الإعلام الالكتروني والمطبوع، تحتاج إلى هذه النطاقات.[48]
القوانين المقترحة
مشروع قانون جرائم المعلوماتية (2019)
في 2011، اقترح مجلس الوزراء على البرلمان مشروع قانون للجرائم الالكترونية. لم يُمرّر هذا المشروع وقتها، لكن هناك مشروع مطابق له تقريبا بشأن جرائم المعلوماتية قدّمته لجنتان برلمانيتان ونال قراءة أولى في 12 يناير/كانون الثاني 2019.[49]
ينصّ القانون المقترح في مادته 2 على أنّه يهدف إلى "توفير الحماية القانونية للاستخدام المشروع للحاسوب وشبكة المعلومات، ومعاقبة مرتكبي الأفعال التي تُشكّل اعتداءً على حقوق مستخدميها من الأشخاص".[50] يفرض القانون عقوبات على استخدام الحاسوب في علاقة بالعديد من الأنشطة المحظورة، مثل التلاعب بالمال والاستيلاء عليه (المادة 7)، وغسل الأموال (المادة 10)، وتعطيل الشبكة (المادة 14)، والتنصت والمراقبة (المواد 15(أ)(ب) و16)، وانتهاكات الملكية الفكرية (المادة 21).[51]
لا يستهدف القانون مسائل ضيّقة، بل العديد من مواده تجرّم استخدام الحاسوب في مجموعة من الأنشطة غير المعرّفة بدقّة، والكثير منها غير مُنظَّمة حاليا، دون الإشارة إلى معايير محددة. هذه المواد تبدو متعارضة مع القانون الدولي والدستور العراقي، وإن تمّ تمريرها ستُشكّل قيودا خطيرة على الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات.
مثلا، ستفرض المادة 3 عقوبة بالسجن تصل إلى المؤبد وغرامة كبيرة على كل شخص يستخدم الحاسوب وشبكة المعلومات عمدا من أجل "المساس باستقلال البلاد ووحدتها وسلامتها أو مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو الأمنية العليا"، أو "الاشتراك أو التفاوض أو الترويج أو التعاقد أو التعامل مع جهة معادية بأي شكل من الأشكال بقصد زعزعة الأمن والنظام العام أو تعريض البلاد للخطر".[52] ستسمح المادة 6 بفرض عقوبة السجن المؤبد وغرامة مالية كبيرة على كل من يستخدم أجهزة الحاسوب وشبكة المعلومات بهدف "إثارة النعرات المذهبية أو الطائفية أو الفتن أو تكدير الأمن والنظام العام أو الإساءة إلى سمعة البلاد" أو "نشر أو إذاعة وقائع كاذبة أو مضللة بقصد إضعاف الثقة بالنظام المالي الالكتروني أو الأوراق التجارية والمالية الالكترونية وما في حكمها أو الإضرار بالاقتصاد الوطني والثقة المالية للدولة".[53] تفرض المادة 21 عقوبة بالسجن لفترة أدناها سنة على كل من "اعتدى عل أيّ من المبادئ أو القيم الدينية أو الأخلاقية أو الأسرية أو الاجتماعية أو حرمة الحياة الخاصة عن طريق شبكة المعلومات أو أجهزة الحاسوب بأي شكل من الأشكال".[54] تفرض المادة 22 عقوبة بالسجن وغرامة على كل من "أنشأ أو أدار أو ساعد على إنشاء موقع على شبكة المعلومات للترويج والتحريض على الفسق والفجور أو أية برامج أو معلومات أو صور أو أفلام مخلّة بالحياء أو الآداب العامة أو دعا أو روّج لها".[55]
نظرا إلى غموض هذه المواد واتساعها نطاقها، وكذلك شدّة العقوبات المفروضة على الانتهاكات، ستستخدم السلطات هذا المشروع بعد أن يصبح قانونا من أجل معاقبة كل أشكال التعبير التي تزعم أنها تشكل تهديدا لأي مصالح حكومية أو دينية أو اجتماعية، وردع الانتقاد المشروع أو الاعتراض السلمي على المسؤولين أو السياسات الحكومية والدينية.
نظرا إلى الدور الرئيسي لتكنولوجيا المعلومات والأجهزة الالكترونية والشبكات في الصحافة ونشر المعلومات والآراء، سيشكل القانون المقترح تهديدا كبيرا بالنسبة إلى وسائل الإعلام المستقلة والمُبلّغين عن الانتهاكات والنشطاء السلميين. إضافة إلى ذلك، يجرّم القانون المقترح "الترويج للأعمال الإرهابية" دون تعريف هذه الأعمال أو ما المقصود بـ "الترويج".[56] الإرهاب غير مُعرَّف بشكل واضح في القانون العراقي وقد أدان قضاة عراقيون أشخاصا بالإعدام والسجن المؤبد فقط لأنهم عملوا في مستشفى في أوقات كان فيها تحت سيطرة "تنظيم الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا "داعش")، مثلا، أو لأنهم نقلوا الماء إلى مقاتلي داعش في الخطوط الأمامية دون إرادتهم.[57]
مشروع القانون معروض حاليا على البرلمان.
III. القوانين المتعلقة بحرية التعبير في إقليم كردستان العراق
قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، المنطبق في إقليم كردستان
قال بدل عبد الباقي أبو بكر (54 عاما)، معلّم من دهوك، إنّ عناصر من قوات الأمن الكردية المعروفة بالأسايش اعتقلوه ظهر 27 يناير/كانون الثاني 2019 في منزله، بزعم أنه شارك في احتجاجات حصلت قبل يوم.[58] قال إنهم اقتادوه إلى "مديرية أسايش دهوك" حيث اتهمه ضباط هناك بالعمل ضدّ الحكومة وقالوا له: "غادر إقليم كردستان إن لم تكن سعيدا". عرضه ضباط الأمن على قاضي تحقيق بعد أربعة أيام، الذي أخبره أنه متهم بموجب المادة 156 من قانون العقوبات، التي تُجرّم "المساس باستقلال البلاد أو وحدتها" أو الأمن القومي في إقليم كردستان. أخبر القاضي بأنه لم يشارك في الاحتجاجات، لكن القاضي تجاهل ذلك. بعد ذلك اقتاده عناصر الأسايش إلى سجن زركا في دهوك. أطلقوا سراحه بعد 17 يوما، بعد أن تعهّد كتابيا بأن لا يشارك في أي "نشاط سياسي ضدّ الحكومة". قال إن التهم ما زالت معلقة على حدّ علمه، ما سيسمح للسلطات باعتقاله فورا إن قُبِض عليه وهو يشارك المشاركة في احتجاج آخر أو عبّر عن رأي منتقد.
قال "عزيز" (41 عاما)، محام لدى "مركز الديمقراطية وحقوق الإنسان"، منظمة مجتمع مدني في السليمانية، إنّ منظمته أعدّت سنة 2015 تقريرا عن مجموعة من انتهاكات الاجراءات القانونية الواجبة في سياق المحاكمات الجنائية، ففتح رئيس محكمة الجنايات في السليمانية دعوى جنائية بموجب المادة 433 من قانون العقوبات ضدّ موظفي المنظمة، ومنهم عزيز، بتهمة قذف موظفي المحكمة.[59] نشرت المنظمة تقريرا آخر انتقدت فيه معاقبة المحكمة للتمييز بين الجنسين، حيث اعتبر قضاة شهادة الرجل مساوية لشهادة امرأتين، وهو عُرف غير موجود في القانون العراقي وإنما يستند إلى الشريعة الإسلامية. رفع رئيس محكمة الجنايات عندئذ دعوى جنائية ثانية بموجب المادة 433 بتهمة قذف مسؤولي المحكمة. غير أنّ قاض آخر أسقط القضيتين أواخر 2018/بداية 2019.
قانون منع إساءة استخدام أجهزة الاتصالات في لإقليم كوردستان (رقم 6 لسنة 2008)
تسمح المادة 2 من قانون منع إساءة استخدم أجهزة الاتصالات في إقليم كوردستان بفرض عقوبات سجنية وغرامات مالية، من بين أمور أخرى، على سوء استعمال الهاتف الخلوي والبريد الإلكتروني (أو الإنترنت بشكل أوسع) للتهديد أو السبّ أو نشر أخبار كاذبة أو تسريب محادثات أو نشر صور منافية للأخلاق والآداب العامة أو القيام بأي أفعال أخرى قد تخدش الشرف أو تحرّض على ارتكاب جرائم أو نشر معلومات تتعلق بالحياة الخاصة ولو كانت صحيحة.[60] لا يُعرّف القانون كلّ المصطلحات الواردة في هذه المادة، ولا يقدّم أي تفاصيل عن عمليات الترخيص والإذن.
يعمل "حردان" (30 عاما) شرطيا في زاخو.[61] قال شقيقه إنّ الشرطة اعتقلت حردان يوم 22 يونيو/حزيران 2019 دون تقديم أي سبب، لكنه تمكّن من الهرب من مركز الشرطة. بعد يومين، سلّم نفسه إلى الأسايش، جهاز الأمن التابع لحكومة إقليم كردستان، ثم بعد عشرة أيام تمكّن شقيقه من زيارته. قال حردان لشقيقه إنه عُرض على قاض أخبره بوجود صفحة على فيسبوك، يديرها شخص اسمه حردان، كانت قد نشرت تعليقات منتقدة للحكومة.[62] أكّد حردان أنه لا صلة له بهذه الصفحة. قال القاضي إنه وجه له تهمة بموجب المادة 2 من قانون الاتصالات. قال حردان لشقيقه في إحدى الزيارات أن أحد عناصر الأسايش عذّبه بالكهرباء أثناء استجوابه. دفع حردان كفالة مالية مقابل الإفراج المؤقت وأُفرِج عنه في ديسمبر/كانون الأول 2019، لكن التهم مازالت قائمة حتى كتابة هذا التقرير.
قال ريبوار كاكي، مدير مكتب إن إر تي نيوز في أربيل إنه عندما وصل إلى مكتبه يوم 16 يناير/كانون الثاني 2019، وجد الشرطة هناك، واعتقلوه دون أن يشرحوا الأسباب.[63] قال إنهم أخذوه إلى مركز شرطة في الجوار، حيث أخبره شرطي في البداية أنه مُتهم بتهديد شخص على الهاتف الخلوي. بعد ساعة، أخبرته الشرطة أنه مطلوب بسبب تقرير كانت قد بثّته إن إر تي في سبتمبر/أيلول 2018 حول مزاعم فساد مرتبطة بشركتين للمواد الصيدلية يملكهما سياسيون بارزون في إقليم كردستان. قال كاكي إنّ قاض أخبره في المحكمة أنه متهم بموجب المادة 2 من قانون الاتصالات استنادا إلى دعوى رفعها أحد أصحاب الشركات. برّأه قاض لاحقا، لكن النيابة أعادت توجيه نفس التهم إلى مدير إن إر تي نيوز على نفس التقرير.
في صباح 26 يناير/كانون الثاني 2019، تجمع عشرات المتظاهرين في بلدة شيلادزي، 100 كيلومتر شمال شرق دهوك، احتجاجا على غارات جوية تركية والتي ذكرت تقارير أنها أسفرت عن مقتل ستة مدنيين على الأقل في الأسبوع السابق، بحسب خمسة متظاهرين.[64] قالوا إنّ أقارب للضحايا ومتظاهرين ساروا مسافة كيلومترين إلى محيط قاعدة عسكرية تركية خارج بلدة سيري المجاورة. بحسب المتظاهرين، فتحت القوات التركية النار وقتلت رصاصة طائشة طفلا وسط الحشود، ما دفع المتظاهرون إلى الهجوم على القاعدة وأحرقوا أربع قاعات كبيرة، وأربع دبابات، وسيارة اسعاف، ومبنى مكاتب رئيسي. قالوا إن الأحداث تسببت في إصابة أربعة جنود و13 متظاهرا.
قابلت هيومن رايتس ووتش ستة أشخاص ممن اعتقلهم الأسايش بسبب مشاركتهم المزعومة في الاحتجاجات، بما في ذلك الخمسة المذكورين أعلاه. أغلبهم أُطلِق سراحهم دون تهم، لكن "ابراهيم" (40 عاما)، الذي بثّ المظاهرة مباشرة على فيسبوك، قال إن قوات الأمن اعتقلته في فندق في أربيل عند الساعة 3 من فجر 27 يناير/كانون الثاني. أخذوه إلى مقرّ الأسايش في أربيل ومنه إلى دهوك.[65] قال إنّ عناصر أمن استجوبوه هناك، وشتموه وضربوه وهو معصوب العينين.
احتجزوني ثلاث ساعات هناك. كانوا يضربونني ويصفعونني طيلة الوقت، ويصرخون طالبين مني الاعتراف بأنّ لي صلات بـ "حزب العمال الكردستاني". أصرّيت على إنكار ذلك وطلبت منهم السماح لي بالاتصال بعائلتي لإعلامهم بأني معتقل، لكنهم رفضوا. في نهاية الاستجواب، أجبروني على أن أبصم على ورقة. لا أ أعرف محتواها لأنني كنت معصوب العينين.
قال إبراهيم إنه عُرض على قاض، ثم نقله الأسايش إلى مركز شرطة شيلادزي.[66] وجّهت له السلطات تهما بموجب المادة 156 من قانون العقوبات، الذي يجرّم المساس "باستقلال البلاد أو وحدتها" أو الأمن القومي، والمادة 229 بسبب تهديد موظف. ألغى القاضي التهم وأطلقت السلطات سراحه بعد 29 يوما من الاحتجاز. قال إبراهيم إنّ النيابة اتهمته أيضا بموجب المادة 2 من قانون منع إساءة استخدم أجهزة الاتصالات بسبب تصوير المظاهرة على هاتفه دون "ترخيص"، وإن هذه التهم مازالت قائمة. لم توضح النيابة العامة الجهة التي كان عليه الحصول على ترخيص منها، وقال إنّ هذه أول مرة يسمع فيها بتهمة على هذا الأساس.
كوران ديبكي هو محامي هيمن مامند، صحفي مستقل في إقليم كردستان. قال ديبكي لـ هيومن رايتس ووتش إن مامند نشر يوم 23 مارس/آذار على صفحته على فيسبوك منشورا قال فيه إنه إذا استمر الإغلاق المتعلق بفيروس كورونا في كل أرجاء كردستان، واستمرت حكومة الإقليم في حجب أجور الموظفين العموميين، وهو أمر دأبت عليه الحكومة منذ سنوات، سيخرق الناس القواعد على الأرجح.[67] قال ديبكي إن الشرطة اعتقلت مامند في منتصف الليلة التالية في منزله. احتجزوه 13 يوما ثم أطلقوا سراحه بعد دفع رسوم مالية، واعتقلوه مجددا بعد 24 يوما، في 5 أبريل/نيسان، بعد أن كتب على فيسبوك أن عناصر الشرطة اعتقلوه دون تقديم مذكرة اعتقال أو التعريف بأنفسهم. وجّهت السلطات لمامند تهما بموجب المادة 2 من قانون منع إساءة استخدم أجهزة الاتصالات بسبب تشجيع الناس على خرق الإغلاق، وقذف الشرطة بموجب المادة 433 من قانون العقوبات. قال ديبكي إن السلطات لم تسمح له بزيارة مامند لأن التدابير المتصلة بفيروس كورونا تمنع زيارة السجن، ولم تسمح لمامند إلا بإجراء اتصال هاتفي واحد مع محاميه بين 5 و20 أبريل/نيسان. في 26 أبريل/نيسان، أطلقت السلطات سراحه بعد أن دفع رسوما مالية، وما زالت التهم قائمة.[68]
في 20 مايو/أيار 2020، أبلغ د. دندار زيباري منسق التواصل مع المنظمات الدولية في حكومة إقليم كردستان هيومن رايتس وتتش في رد كتابي إنه وبحسب "نقابة صحفيين كردستان"، جرت المحاكمة في ثلاث قضايا ضد صحفيين في 2019 بموجب قانون منع إساءة استخدام أجهزة الاتصالات هم: آزاد عثمان محمد مدير إذاعة "راديو دنك"، أحمد مصطفى، مراسل إن آر تي وكمجموعة كل من محمد رؤوف، فاضل حما، رأفت، نامق رسول، نياز عبد الله، هيمن مامند، رزكار كوجر من مؤسسة "درو ميديا". قال إن الصحفيين قد أدينوا في القضايا الثلاث لكن لم يبقَ أحد منهم في السجن.
قانون العمل الصحفي في إقليم كردستان (رقم 35 لسنة 2007)
يكفل قانون العمل الصحفي في إقليم كردستان حرية التعبير والنشر لكنه يحتوي على مواد تسمح للسلطات بتقييد هذه الحريات.
يسمح القانون بفرض غرامات على الصحفيين ورؤساء تحرير المنافذ الإعلامية بسبب "زرع الأحقاد وبذر الكراهية والشقاق والتنافر بين مكونات المجتمع"، و"إهانة المعتقدات الدينية أو تحقير شعائرها"، و"إهانة الرموز والمقدّسات الدّينية لأي دين أو طائفة أو الإساءة إليها".[69] لا يُعرّف القانون "زرع الأحقاد" أو "بذر الكراهية" أو "إهانة المعتقدات"، ما يفتح الباب أمام السلطات لاستخدام هذه المواد لتقييد حرية التعبير.
قال شوان محمد محمود (55 عاما)، صحفي لدى " سپی میدیا " (Spee Media) في أربيل، إنه نشر في سبتمبر/أيلول 2018 نسخة سرية من وثيقة صادرة عن "هيئة الادعاء العام" في أربيل تمنع القضاة من إعطاء تصريحات للصحافة.[70] قال: "لم تكن الوثيقة عامة ولذلك زعم المدعي العام أنها مزوّرة بمجرّد أن نشرناها، وفتح دعوى جنائية ضدّي في أكتوبر/تشرين الأول بموجب قانون الصحافة". قال محمود إن الشرطة اتصلت به عبر الهاتف لاستجوابه في ديسمبر/كانون الأول 2018، والقضية كانت لا تزال عالقة حتى يناير/كانون الثاني 2020.
IV. التهديدات والاعتداءات وغياب التحقيقات
قال جميع الصحفيين الـ14 و أربعة من النشطاء الذين قابلناهم لأجل هذا التقرير، بما يشمل في إقليم كردستان العراق، إنهم يتلقون تهديدات بانتظام بسبب عملهم أو نشاطهم، عادة من مصادر مجهولة عبر الهاتف أو على وسائل التواصل الاجتماعي، وأحيانا من قوات الأمن أو مسؤولين في الحكومة. بالنسبة إلى بعضهم، هذه التهديدات زرعت فيهم الخوف وعرقلت حياتهم اليومية.
مثلا، ذهب كل من "ألان" (27 عاما)، مراسل، و"مصطفى" (25 عاما)، مصوّر، اللذان يعملان لصالح محطة "كي إن إن" (KNN) الإخبارية، التابعة بشكل عام إلى الاتحاد الوطني الكردستاني (أحد الأحزاب الحاكمة في إقليم كردستان)، في رحلة صحفية يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 2018 إلى بلدة دوميز في ناحية سنجار بسبب إشاعات بأنّ وحدات قوات الحشد الشعبي التي تسيطر على المنطقة أرسلت إشعارا للعائلات الإيزيدية بإخلاء المنطقة في غضون 24 ساعة بعد حادثة وقعت بين جماعات مسلحة عربية سنية وأخرى إيزيدية.[71] قالا إنهما وصلا حوالي الساعة 10 صباحا وشاهدا عائلات تُحمِّل أمتعتها في سيارات. قال ألان إنه عندما كان يجري مقابلة مع رجل مُسنّ، توقفت قربه سيارتان خرج منها تسعة رجال مسلحين، وطلبوا منهم مرافقتهم لزيارة قائدهم، متجاهلين بطاقة آلان الصحفية.
قال ألان إن الرجال أخذوهم بالسيارة إلى مبنى في الجوار يحمل لافتة كتب عليها "أنصار الحجة/سرايا السلام".[72] رأى ألان صورا لآية الله علي السيستاني وآية الله الخميني على جدران أحد المكاتب. استجوبهم رجل يسمونه القائد عن سبب وجودهم في المنطقة، بينما اتهمهم رجل آخر بكتابة محتوى منتقد لقوات الحشد الشعبي. قالا إن الرجال المسلحين اقتادوهما بعد ذلك بالسيارة إلى موقع آخر يبعد حوالي 30 دقيقة، ووضعوهما في حمّام، وهناك صفعوهما ولكموهما وركلوهما وهم يقولون "لا يُسمح لكم بالتحدث عن قوات الحشد الشعبي". في النهاية، قال ألان ومصطفى إن الرجال أعادوهما بالسيارة إلى دوميز وأطلقوا سراحهما حوالي الساعة 7 مساءً.
قالت "أمل" (47 عاما)، ناشطة، إنها دأبت على الاحتجاج ضدّ الفساد في البصرة منذ 2015، وتنتقد صراحة مجموعة من الأحزاب في فيديوهات نشرتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وشاركت في احتجاجات في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2018.[73] قالت إنها في أواخر أغسطس/آب 2018 رأت عبر نافذة منزلها ثلاثة رجال ملثّمين يطلقون النار نحو منزلها. غادرت المدينة مع عائلتها، وعادت بعد ثلاثة أسابيع. قالت إن رجلا ملثما ومسلحا جاء إلى منزلها بعد عودتها بثلاثة أيام وقال لها: "إن لم تأخذي أطفالك وتغادري إلى مكان آخر، سوف يقتلونك". سألته من يكون "هؤلاء"، فأجابها: "كنت تنتقدين الأحزاب السياسية، واسمك موجود على القائمة، وسوف يلاحقونك". غادرت أمل منزلها في اليوم التالي ولم تستقر في مكان منذ ذلك الحين. قالت: "لا أذهب إلى العمل وأطفالي لا يذهبون إلى المدرسة لأنهم خائفون من أن يجدوهم ويلحقون بهم الأذى. أفكّر في تجديد جواز سفري والفرار إلى تركيا ثم إلى أوروبا". غادرت أمل العراق يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 2018.
قال "نوري" (46 عاما)، مصوّر في "قناة الحرّة"، إنّه كان بصدد تصوير مظاهرة ضدّ الفساد ومن أجل تحسين الخدمات في الديوانية يوم 22 يوليو/تموز 2018 عندما اقتحم متظاهرون مكتب "حزب الفضيلة الإسلامي".[74] بدأت الشرطة في دفع الحشود إلى الخلف، وحاول شرطيان انتزاع كاميرا نوري. عندما قاومهما، سحباه إلى داخل المبنى وبدآ يلكمانه على رأسه وظهره. قال نوري إن بعض المتظاهرين الذين شاهدوا الشرطيين يسحبانه إلى الداخل تمكنوا من نجدته، فهرب من هناك.
قال زياد الصميدعي (52 عاما)، صحفي في "قناة الموصلية"، إن محافظ الموصل الأسبق أمر قوات الأمن في يناير/كانون الثاني 2019 بتقييد وصول الصحفيين إلى المدينة القديمة في الموصل، وهي منطقة تحتاج إلى إعادة تأهيل منذ نهاية العمليات العسكرية ضدّ داعش هناك في يونيو/حزيران 2017.[75] تجاهل الصميدعي هذا الأمر، لكن عناصر الشرطة قبضوا عليه مع زملاء آخرين يوم 22 يناير/كانون الثاني 2018، وعندما اعترف لهم بأنه لا يحمل كتاب تخويل بالتصوير من المحافظ، طلبوا منه الذهاب معهم إلى مركز شرطة مجاور. في المركز، طلب شرطي من الصميدعي توقيع وثيقة يتعهّد فيها بعدم تغطية المدينة القديمة مجددا، وإلا سيُعتقَل. رفض التوقيع، فأمضى مع فريقه الساعات السبع التالية في المركز، ثم نُقلوا إلى المقر الرئيسي للشرطة في الموصل، وهناك التقوا بالمحافظ، ورئيس مجلس المحافظة، ورئيس الشرطة. قال: "بدأ المحافظ يوبّخنا بسبب استهدافه في وسائل الإعلام، قائلا إنّ تقاريرنا لا تتحدث عنه أبدا. لكن في النهاية أطلقوا سراحنا".
قال أربعة من ضحايا هذه الاعتداءات والتهديدات إنهم اتصلوا بالسلطات، لكن بلا جدوى.
"شوقي" (40 عاما)، يُعدّ تقارير إعلامية عن فساد السلطات العامة على فيسبوك، ويُرسلها إلى هيئة النزاهة. في 2016، نجح في رفع دعوى تتعلق بالفساد ضدّ وزير الموارد المائية في المحكمة.[76] قال إن ثلاثة رجال بلباس مدني هاجموه في ظهر 1 أبريل/نيسان 2018 في شوارع مدينته الديوانية، وضربوه بشدّة فانتهى به الأمر في المستشفى. قال إنه رفع دعوى جنائية، وحصلت الشرطة على لقطات كاميرات المراقبة (CCTV) يظهر فيها الرجال يضربونه، لكن لم تحصل اعتقالات إلى اليوم.
في مايو/أيار 2019، قاد شوقي احتجاجات ضدّ السلطات المحلية التي قال إنها صادرت أرضا مسجلة على أنها زراعية ووزّعتها على أعضاء مجلس المحافظة كأرض سكنية. قال إنّ الاحتجاجات أدّت إلى تدخّل وزارة البلديات والأشغال العامة التي منعت السلطات المحلية من فعل ذلك. بعد ساعة من وصوله إلى منزله ليلة 23 مايو/أيار، فجّر مجهول (أو مجهولين) سيارته، وهو عمل يعتقد أنه انتقام منه بسبب نشاطه. قال إنّ الشرطة وعناصر الإطفاء جاؤوا بعد ساعتين تقريبا للتحقيق في الحادثة. قال إن المتحدث الإعلامي باسم شرطة الديوانية أخبره بعد يومين أن الشرطة تعرف من دمّر سيارته، لكنه لم يزوده بأي تفاصيل وتوقّف عن الرد على مكالماته. طالب شوقي المفتش العام لوزارة الداخلية بالتحقيق، لكنه لم يتلقّ أي ردّ منذ ذلك الحين.
قال "حسن"، مراسل قناة العهد في السماوة، إنه أعدّ تقريرا في يناير/كانون الثاني 2019 حول فساد مزعوم في هيئة حكومية محلية.[77] قال: "بعد عرض التقرير بأسبوع، استيقظت فوجدت هذه العبارة التالية مكتوبة على جداري: 'مطلوب دم'.[78] بعد أسبوعين، جاءتني مكالمة من شخص مجهول قال لي 'راح نسحلك'، ثم أقفل الخطّ. ذهبت إلى الشرطة وقدّمت شكوى، لكنهم لم يفعلوا أي شيء. أنا خائف من أن يصيبني مكروه، ولا أحد بوسعه المساعدة في إنقاذي".
نشر حسن صباح محمد (28 عاما)، صحفي في "قناة آي نيوز" (I NEWS) الإعلامية الخاصة في البصرة، وبعدها في "قناة دجلة"، تقريرا عن الفساد في "هيئة المنافذ الحدودية" في يوليو/تموز 2018، وفي اليوم التالي أطلق رجال مسلحون النار على منزله عند منتصف الليل تقريبا.[79] قال إنّ شقيقه، الذي كان في المنزل آنذاك، قدّم شكوى، لكن الشرطة لم تتابع الموضوع أبدا. في وقت لاحق من نفس الشهر، بعث رئيس "قيادة عمليات البصرة"، التي تتبع رئيس الوزراء ووزير الدفاع، وتتكوّن من مجموعة من القوات الأمنية والعسكرية، برسالة إلى قناة دجلة، شاهد محمد نسخة منها، يمنعه فيها من العمل كصحفي في البصرة. لم يستأنف محمد عمله إلا بعد ما تغيّر القائد في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
قال "بشار" (53 عاما)، رجل أعمال من مدينة السماوة في محافظة المثنى، إنّ أحد معارفه سرّب له في مطلع 2017 بعض الوثائق التي تثبت تورّط مسؤول حكومي محلي مرتبط بحزب سياسي في عملية اختطاف مقابل فدية. قال إنه سلّم الوثائق إلى هيئة النزاهة. بعد أسبوع، دعاه المسؤول المحلي إلى مكتبه وقال له: "لقد أسكتنا نشطاء آخرين، فماذا تريد؟" كما قال: "عرض عليّ المسؤول المال والرحلات، لكني رفضت". في 6 أبريل/نيسان 2017، قال بشار إن رجلين مسلحين يرتدون زيا رسميا أخضر اللون لم يتمكن من تحديد هويتهما، قفزا من سيارة على بعد حوالي 500 متر من منزله، وأجبروه على ركوب السيارة. احتجزوه على امتداد الأسبوعين التاليين في ثلاث مواقع مختلفة، حيث استجوبوه عن الشخص الذي سلمه الوثائق، وطلبوا منه سحب الشكوى وإلا سيجلبون 30 شخصا ليرفعوا دعاوى جنائية ضدّه. طلبوا منه أيضا كلمة سر حسابه على فيسبوك، ولما رفض ضربوه.
في النهاية، أطلقوا سراحه في واد قرب النجف، بعد أن ساروا بالسيارة ثلاث ساعات، فاضطر إلى العودة بمفرده. بعد ثلاثة أيام، ذهب إلى المحكمة حيث استجوبه قاضي التحقيق عن الحادثة. أضاف:
بعد ذلك، دخل علينا رئيس المحكمة وقال إنه لا يصدق حكايتي. قال ما الذي يجعلهم يُطلقون سراحي بعد أن رأيتُ وجوههم؟ قلت له ربما يعيشون في إيران أو هم متنفّذين ولا يكترثون. بعد ذلك شعرت أن قاضي التحقيق فقد اهتمامه بقضيتي، ولم أسمع منهم أي شيء منذ ذلك الحين. قال لي شخص على صلة [بالحزب السياسي] أنني قد أضطر إلى مغادرة البلاد، لذلك غادرت.
يعمل أمانج أبو بكر (31 عاما) صحفيا، ويكتب لوسائل إعلام مرتبطة بـ "حزب كوران" المعارض في إقليم كردستان العراق. قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه تلقى العديد من التهديدات طيلة السنوات الـ11 الماضية، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، اعتقله الأسايش واحتجزوه 24 ساعة دون تهم.[80] قال أبو بكر إنهم فعلوا ذلك بسبب مقال كتبه عن الغارات الجوية التركية في إقليم كردستان، ولم يفرجوا عنه إلا بعد أن أجبروه على التوقيع على وثيقة تعهّد فيها بعدم الكتابة حول الغارات مستقبلا. قال أيضا إنّ الأسايش احتجزوه في وقت لاحق من نفس الشهر 24 ساعة دون تهم. قال: "أثناء الاستجواب، أخبروني أنهم اعتقلوني لأني واصلت الكتابة عن العمليات العسكرية التركية في كردستان رغم أنهم طلبوا مني التوقّف عن ذلك. قال إن الأسايش اعتقلوه مجددا في ديسمبر/كانون الأول في موقع إحدى الغارات الجوية التركية التي كان يغطيها، لكنهم أطلقوا سراحه بعد ساعتين بعد تدخّل معارف له.
في 6 مارس/آذار، نشر أبو بكر تعليقا على فيسبوك حول التوتر المتصاعد بين الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وحزب العمال الكردستاني، لكنه أزاله بعد أن اتصل مجهول على هاتف عمه وقال "إن لم يكفّ أمانج عن الحديث في هذا الموضوع، سيختفي".[81] مؤخرا، وتحديدا 19 مارس/آذار، بعد يوم واحد من نشره مقالا على موقع سبه ي نيوزالتابع لحزب كوران حول خطط تركية مزعومة لإنشاء موقع عسكري جديد في إقليم كردستان. قال: "تلقّيت مكالمة من رقم مجهول، رجل، قال لي 'لقد تم تحذيرك في الماضي ووقتك بدأ ينفذ. سنجد حلا لك". قال إنه تلقى المزيد من التحذيرات المماثلة تم تمريرها عبر أقارب آخرين منذ ذلك الوقت.
قال أبو بكر إن الاعتقالات والتهديدات أثرت عليه: "وضعي النفسي غير مستقر، فأنا دائما خائف على عائلتي المقربة والموسعة وعلى نفسي. أعلم أنّ أطفالي في خطر، فقد وضعتهم في مستقبل غامض. لا أرغب في أن أكون سببا في إيذاء من أحب. لكن في نفس الوقت، ما زلت أرغب في العمل كصحفي".
شكر وتنويه
أجرت أبحاث هذا التقرير وكتبته بلقيس واللي، باحثة أولى في قسم الأزمات والنزاعات. حرّر التقرير جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. قدّم كلايف بالدوين، مستشار قانوني أول، مراجعة قانونية، وقدّم طوم بورتيوس، نائب مدير البرامج، مراجعة برامجية.
أعدّ التقرير للنشر كلّ من مادلين دي فيغايريدو، منسقة قسم الأزمات والنزاعات، وترافيس كار، منسق الصور والمنشورات، وجوزي مارتينيز، منسق أول، وفيتزروي هيبكنس، مدير إداري.
قدّم المتدرّبون في هيومن رايتس ووتش نادر ضرغام، ورعد حلبي، وشرف حسين مساعدة في الأبحاث ومجالات أخرى.