(بغداد) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على هيئة الإعلام في العراق التراجع فورا عن قرارات تعليق تراخيص عشر محطات تلفزيونية فضائية، والسماح لها بمواصلة البث. واعترف مسؤول كبير بأن هذا التعليق لم يكن طبقا لأي قانون، وأن الهيئة لا تستطيع تقديم أدلة على أن أيّا من هذه القنوات التلفزيونية حرضت على العنف بشكل مباشر، وهو ما يعني أن قرارات التعليق كانت تعسفية.
وكانت هيئة الاتصالات والإعلام قد علقت التراخيص في 28 أبريل/نيسان في خضم تصاعد العنف والمظاهرات المناوئة للحكومة في مناطق ذات أغلبية سُنية. واستهدفت قرارات التعليق بشكل حصري قنوات معارضة، بينما سُمح لقنوات أخرى مثل قناة العراقية المملوكة للدولة بمواصلة بثها بكلّ حرّية.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "اعترفت السلطات بعدم وجود أي أساس قانوني يبرّر قرارها، وهو ما يثير مزيدًا من الشبهات بالنظر إلى سجلّ الحكومة في قمع وسائل إعلام معارضة، وخاصة أثناء الاحتجاجات. وإذا كانت الحكومة العراقية ملتزمة بشكل صادق بإنهاء العنف والطائفية، فعليها إصلاح منظومة العدالة الجنائية، ومحاسبة قوات الأمن على مهاجمة المتظاهرين، والكف عن تعطيل الانتخابات في المحافظات التي لا تتمتع فيها بدعم كبير".
وقال مجاهد أبو الهيل، وهو مدير دائرة تنظيم المرئي والمسموع في هيئة الاتصالات والإعلام، قال لـ هيومن رايتس ووتش ، إن الهيئة علقت التراخيص بعد أن خلُصت إلى أن القنوات العشرة كانت "تُشجع على العنف والطائفية". والقنوات التي تم تعليق تراخيصها هي قنوات الجزيرة، والشرقية، والشرقية نيوز، والأنوار 2، والفلوجة، والتغيير، والغربية، وصلاح الدين، والبابلية، وبغداد تي في.
كما قال مجاهد أبو الهيل لـ هيومن رايتس ووتش إنه أوصى بتعليق التراخيص لأن "قسم المراقبة" في الهيئة خلُص، بعد متابعة بث القنوات لمدة ثلاثة أشهر، إلى أن "رسائلها" كانت تشجع على العنف والطائفية. واعترف أن القرار ليس له "أساس قانوني"، بل إنه اتخذ على أساس حماية الأمن الوطني لأن القنوات "بثت خطبًا وفتاوى لشيوخ متطرفين فيها تشجيع على العنف".
ولم يستطع مجاهد أبو الهيل تقديم أي معلومات لـ هيومن رايتس ووتش حول المرات التي قامت فيها القنوات التي تم تعليق تراخيصها ببث ما يُمكن اعتباره تحريضًا واضحًا على ارتكاب أعمال عنف طائفي أو غيره. وينص كلّ من القانون الدولي والدستور العراقي على ضرورة وجود هذا النوع من التحريض في البث حتى يُصبح تحت طائلة القيود المسموح بفرضها على حرية التعبير. وقال أبو الهيل إن الهيئة قامت بتوثيق أمثلة من هذا النوع من التحريض وسوف تُطلع عليها هيومن رايتس ووتش، ولكن ذلك لم يحدث بعد. كما أن الهيئة لم تقدّم بعدُ هذا التقرير إلى القنوات التي تضررت من قرارات التعليق.
وقالت سارة ليا ويتسن: "في الوقت الذي تهاجم فيه قوات الأمن المحتجين دون معاقبتها على ذلك، يُصبح من الصعب تصديق مزاعم الحكومة بأنها قامت بتعليق تراخيص هذه القنوات حرصًا على حماية المواطنين من العنف. وكما أن على السلطات مسؤولية حماية المواطنين، فهي أيضًا مُلزمة بحماية حرية التعبير والوصول إلى المعلومة. إن عجز الهيئة عن تحديد أية أمثلة عن تورط هذه القنوات العشرة في التحريض على العنف هو أمر ينطوي على دلالة في حدّ ذاته".
وقال مجاهد أبو الهيل لـ هيومن رايتس ووتش إنه أمر بتعليق التراخيص بعد أن حذرت الهيئة بشكل متكرر القنوات المعنية بأنها سوف تسحب منها التراخيص إذا لم تمتثل لقواعد البث وتكف عن بث مواد مسيئة رغم أن موقع الانترنت التابع لـ هيئة الاتصالات والإعلام ذكر أن قرارات التعليق جاءت نتيجة قيام هذه القنوات بتغطية هجوم شنته الحكومة على مخيم للمحتجين في مدينة الحويجة في 23 أبريل/نيسان.
وقال زياد العجيلي، رئيس مرصد الحريات الصحفية، الذي يقوم بمراقبة حرية الإعلام في العراق، إن القنوات أبلغته أنها لم تستلم أي إعلام مُسبق. كما قال إن القنوات علمت بقرارات تعليق تراخيصها في بيان نُشر على موقع الهيئة.
وقال تقرير لـ نيويورك تايمز إن الرسالة ذكرت أن قادة من قوات الأمن استلموا نسخًا منها وجاءتهم أوامر "بالقيام بكل ما هو ضروري لإيقاف جميع الأنشطة الإعلامية" لهذه القنوات. كما قال التقرير إن ممثلا عن إحدى القنوات التي تم تعليق تراخيصها "اعتبر ذلك تهديدًا ضمنيًا بأن مراسليه سوف يتعرضون إلى الاعتقال إذا واصلوا عملهم".
استهدفت الحكومة العراقية بشكل متكرر وسائل إعلام إخبارية بسبب ما تعتبره بثًا لا يخدم مصالحها، وقامت الهيئة الرسمية المُشرفة على تنظيم الإعلام بمضايقة وسائل إعلام محلية وفضائية بشكل متكرر. ولكن قرارات التعليق تُعتبر مُستوى جديدًا من مستويات التدخل التي تتزامن مع ارتفاع حاد في العنف الطائفي ووجود أزمة سياسية كبيرة. وقامت قوات الأمن العراقية بمنع الصحفيين من الوصول إلى أماكن الاحتجاجات منذ ديسمبر/كانون الأول 2012، وهو ما نتج عنه فرض قيود فعلية على تغطية الأحداث.
وقال مراسل تلفزيوني لـ هيومن رايتس ووتش، طلب عدم الكشف عن اسمه خوفًا من انتقام الحكومة، إن أشخاصًا يرتدون الزي عسكري في عربات عسكرية، رفضوا التعريف بأنفسهم، قاموا باختطافه في 28 ديسمبر/كانون الأول في الرمادي عندما كان يُحاول تغطية إحدى المظاهرات. وقاموا بعصب عينه وهددوه بالقتل إذا واصل تغطية الاحتجاجات لقناته قبل أن يُطلقوا سراحه.
وفي ديسمبر/كانون الأول كذلك، قال موظفون في ثلاث إذاعات محلية لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن داهمت مقرات الإذاعات وأمرتها بالإغلاق، واتهمتها بعدم تسديد رسوم التراخيص. وأطلع أحدهم هيومن رايتس ووتش على وصولات تُثبت أنهم قاموا بدفع الرسوم كلها، وقال إن ضابطا من الجيش هددهم قائلا: "إما أن تطفئوا جهاز البث أو سنستخدم معكم وسائل أخرى". وقام الضابط بإطفاء جهاز البث ولم تتمكن الإذاعة من بث برامجها بشكل مؤقت. وقبل ذلك بأيام، في 15 ديسمبر/كانون الأول، قامت قوات الأمن بإغلاق ومحاصرة قناة البغدادية الفضائية، وصادرت تجهيزاتها. وقدمت هيئة الاتصالات والإعلام أسباب متضاربة حول قرار الغلق في البيانات واللقاءات الصحفية.
وفي 8 مايو/أيار 2012، أصدرت هيئة الاتصالات والإعلام قائمة تضم 44 مؤسسة إعلامية أجنبية وعراقية قالت إنها لم تكن مُسجلة وكانت تعمل بشكل غير قانوني، وطالبت وزارة الداخلية بـ "اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضدّها". وقامت وزارة الداخلية بتوزيع الرسالة، التي حصلت هيومن رايتس ووتش على نسخة منها، على الشرطة في بغداد. ورغم أنه لم يتم إغلاق هذه المؤسسات بشكل رسمي، إلا أنها قالت لـ هيومن رايتس ووتش إنها بدأت في عملية تسجيل عسيرة وليست مضمونة النتائج جعلتها تعمل في جو من الشك وهي عرضة لإجراءات قانونية وللإغلاق.
يضمن الدستور العراقي حرية التعبير، وتنص المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أنه "لكل إنسان حق في حرية التعبير... في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها". ولا تسمح المعايير الدولية بفرض قيود رسمية على محتوى ما تبثه أو تنشره وسائل الإعلام إلا في ظروف خاصة جدًا. وتنص المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن تحظر الدول أي دعوة فيها تحريض على التمييز أو العداوة أو العنف. ويجب أن تكون القيود محددة بشكل واضح وبكل دقة، وأن تكون ضرورية ومتناسبة مع التهديد الذي يواجه المصلحة التي يجب حمايتها.
قالت سارة ليا ويتسن: "إن قيام السلطات العراقية بتطبيق القوانين بشكل تعسفي تماما على وسائل الإعلام، ومحاولاتها الأخرى لتخويف الإعلاميين، لن تؤدي إلى إخماد الاحتجاجات. سوف تكون الشاشات البيضاء مؤشرا دالا على ما تعتبره السلطات العراقية صحافة مقبولة".