ملخص
"كتدفع عليك الاتهامات الباطلة وحدة بعد الأخرى، كتتصدى لمقالات التشهير واحد بعد الآخر، كتنكر المزاعم الواهية، كتحارب التهم بلا أساس... كتهضر وتعاود تهضر وتزيد تهضر... ولكن فالآخر، فيك فيك".
[تصد عن نفسك الاتهامات السخيفة واحدا واحدا والمقالات البغيضة واحدة واحدة، تقاوم التّهم الباطلة وتفنّد مزاعم لا أساس لها... تتكلم وتتكلم ثم تتكلم من جديد... لكن في النهاية، سينالون منك مهما كان".]
بدا الصحفي المستقل عمر الراضي (33 عاما) متعبا بعض الشيء خلال لقائه بـ"هيومن رايتس ووتش" في شرفة مقهى في الرباط في 15 يوليو/تموز 2020.
كان الراضي قد خرج لتوه من مؤتمر صحفي سعى خلاله، بمساعدة محاميه، إلى كشف زيف العديد من التهم الموجهة إليه من قبل أحد وكلاء الملك والشرطة القضائية ووسائل الإعلام الموالية للدولة في الأشهر القليلة الماضية: "تقديم خدمات استخبارية لحكومات وشركات ومنظمات أجنبية"، ”المس بأمن الدولة الداخلي والخارجي"، ”السكر العلني..." واللائحة تطول.[1]
لعل ما يفسر إرهاق الراضي أيضا جلسات الاستنطاق الماراثونية الخمس التي أخضعته لها الشرطة في الأسبوعين الماضيين، والتي استمرت كل واحدة منها حوالي تسع ساعات. اعتذر الراضي قائلا: "عليّ أن أذهب. يجب أن أعود إلى مقر الشرطة الآن لجلسة استنطاق أخرى". بالفعل، سيخضع لست جلسات أخرى خلال الأسبوعين التاليين.
اعتقلت الشرطة الراضي في آخر المطاف في 29 يوليو/تموز 2020. قضى العام التالي في الحبس الاحتياطي، قبل أن تدينه محكمة في 19 يوليو/تموز 2021، ليس فقط بتهم التجسس الأصلية، لكن أيضا بتهمتي هتك العرض والاغتصاب، وحكمت عليه بالسجن ست سنوات. أيدت محكمة الاستئناف الحكم في 3 مارس/آذار 2022. لا يزال الراضي في السجن حتى كتابة هذا التقرير.
الراضي صحفي استقصائي برز في أوائل العقد الثاني من الألفية بعد أن كشف عن فساد الدولة المنتشر في قطاعي الموارد الطبيعية والعقارات.[2] دافع الراضي عن المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع للمطالبة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية في منطقة الريف الشمالية. أدلى أيضا بتعليقات نارية في برنامج حواري شهير في 2018، ومما قال: "يجب حل وزارة الداخلية [...] فهي احتضنت أكبر عملية فساد على مستوى الدولة".[3]
قبل احتجاز الراضي وإدانته في 2021، احتُجِز وحوكم وأدين بتهمة نشر تغريدة، واختُرق هاتفه الذكي ببرنامج تجسس، وتعرض لحملة تشهير واسعة النطاق من قبل وسائل إعلام موالية للدولة، وتعرض لاعتداء جسدي مريب يبدو أن الشرطة لم تحرك ساكنا للتحقيق فيه رغم وعودها.
من محاكمات على التعبير إلى ملاحقات جنائية
على مدار العقدين الماضيين، وثقت هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية أخرى كيف أدانت المحاكم المغربية عشرات الصحفيين والنشطاء وأغلقت وسائل الإعلام التي تنتقد السلطات أو فرضت عليها غرامات كبيرة أو عقوبات أخرى بتهمة التشهير أو نشر "أخبار زائفة" أو "الإهانة" أو "تشويه السمعة" في حق مسؤولين محليين أو مؤسسات الدولة أو رؤساء دول أجنبية، و"المس" بأمن الدولة أو بالنظام الملكي. [4]
لا تزال المحاكمات بتهم تتعلق بالتعبير، والتي تنتهك بوضوح الحق في حرية التعبير، تُستخدم بشكل شائع لمعاقبة الصحفيين الناقدين والمعلقين على الإنترنت والمحتجين في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والمغرب ليس استثناء. في 2021 و2022، حُكم على معلّقين على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل شفيق العمراني، ومصطفى السملالي، وجميلة سعدان، وإكرام نزيه، وسعيدة العلمي، وربيع الأبلق وعلى المتظاهر نور الدين العواج بالسجن النافد لانتقادهم السلمي شخصيات عامة.
إلى جانب هذه الملاحقات القضائية على جرائم التعبير، ومنذ منتصف العقد الأول من الألفية الثانية، اتهمت السلطات المغربية ولاحقت بشكل متزايد الصحفيين والنشطاء البارزين بارتكاب جرائم لا علاقة لها بالتعبير، بما في ذلك جرائم تتضمن علاقات جنسية بالتراضي. في أواخر العقد الأول من الألفية الثانية، بدأت السلطات في محاكمة منتقديها على جرائم خطيرة مثل غسل الأموال، أو التجسس، أو الاغتصاب، أو الاعتداء الجنسي، وحتى الاتجار بالبشر.
يقول المعطي منجب، المؤرخ والمدافع عن حرية التعبير، الذي سُجن ثلاثة أشهر في 2021 بتهمة غسل الأموال: "المحاكمات السياسية في الماضي أعطت مكانة للمعارضين [المغاربة] وجعلتهم أبطالا، وحشدت الرأي العام حولهم. أما اعتبارهم خونة ولصوصا ومغتصبين، فهذه طريقة أفضل لإسكاتهم".[5]
"اغتيال رمزي"
ينبغي التحقيق دون تمييز في الجرائم الخطيرة مثل الاعتداء الجنسي أو الجرائم المالية، وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة ومعاقبتهم بعد محاكمات تراعي الإجراءات الواجبة وتكون عادلة بالنسبة لصاحب(ة) الشكوى وللمتهم(ة) حلى حد سواء.
بعد فحص 12 ملفا قضائيا من هذا النوع تخصّ معارضين في المغرب، وجدت هيومن رايتس ووتش أن السلطات ارتكبت مجموعة من انتهاكات الحق في المحاكمة العادلة وغيرها من الانتهاكات. في إطار ملاحقتها المتواصلة للمعارضين بتهم خطيرة، انتهكت السلطات حقوق معارفهم وشركائهم وعائلاتهم، وحتى من تزعم السلطات أنهم ضحاياهم.
مثلا، عفاف برناني، وهي موظفة جريدة أصبحت ناشطة، فرت من المغرب بعد إدانتها في 2018 بتهمة "ادعاءات كاذبة" لأنها اتهمت الشرطة بتزوير تصريح لها بدت أنها تتهم فيه رئيسها السابق، الناشر الصحفي المعارض توفيق بوعشرين، بالاعتداء عليها جنسيا. نفت برناني أن تكون قد وجهت يوما هذا الاتهام ضد بوعشرين، وقالت لأحد الصحفيين: "أدركت السلطات المغربية أن اتهام شخص ما بجريمة جنسية هو ’ اغتيال رمزي‘ فعال. فهو يحرم الأشخاص المستهدفين من التضامن الدولي ويتركهم منبوذين، حيث يتجنبهم الأصدقاء والأقارب حرجا أو خوفا أن يوضعوا معهم في نفس الكفة".[6]
الدعاوى القانونية التي واجهها بوعشرين الذي يقضي عقوبة بالسجن لمدة 15 عاما منذ 2019، وعمر الراضي، والمعطي منجب، وسليمان الريسوني، وغيرهم من المنتقدين الصريحين للنظام الملكي كما هو حاليا، لا يجوز الاستخفاف بها على أساس أنها بالضرورة هجمات على حرية التعبير من قبل حكومة قمعية. بغض النظر عن مِهن المتهمين وأوضاعهم الاجتماعية، ينبغي دائما أخذ هذه التهم على محمل الجد. يسعى التقرير إلى فحص الطريقة التي حققت فيها السلطات في هذه القضايا، وأساس الأدلة التي تدعم التهم، والعمليات القضائية التي تم من خلالها محاكمة المتهمين.
من خلال فحص ثماني حالات مختلفة أدت إلى 12 مقاضاة وتتعلق بحوالي 20 ناشطا أو صحفيا بصفات مختلفة، وكذلك الهجمات التي تشنها عليهم مجموعة من وسائل الإعلام التي يبدو أنها تسير على خطى النظام الأمني المغربي، استنتجت هيومن رايتس ووتش في هذا التقرير أن السلطات المغربية طوّرت وصقلت مجموعة من التكتيكات لإسكات المعارضة، بينما تدعي أنها لا تعدو كونها تطبق قوانينها الجنائية بشكل محايد. بذلك، انتهكت السلطات قائمة طويلة من الحقوق، بما فيها الحق في الخصوصية، والصحة، والسلامة الجسدية، والمِلكية، والحق في المحاكمة العادلة، إضافة إلى استخفافها بجرائم خطيرة مثل الاغتصاب أو الاختلاس أو التجسس.
الشيطان يكمن في التفاصيل
في اثنتين من القضايا التي يفحصها هذا التقرير، أدانت المحاكم نشطاء بتهم تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان. في واحدة من هذه القضايا، أدانت محكمة الصحفية هاجر الريسوني بممارسة الجنس خارج نطاق الزواج مع خطيبها وبالإجهاض غير القانوني، وأدين الصحفي هشام المنصوري في الثانية بالفساد (الزنا) مع امرأة متزوجة أدينت أيضا. تهم ممارسة الجنس خارج إطار الزواج والإجهاض في حد ذاتها تنتهك حقوقا مثل الحق في الخصوصية والصحة وعدم التمييز. على المغرب إلغاء هذه الجرائم من قانونه الجنائي وإسقاط جميع الملاحقات القضائية المماثلة بموجب هذه التهم فورا.
في بقية القضايا التي رُفعت أمام المحاكم، والتي تلت جميعها قضيتي المنصوري والريسوني، اتهمت السلطات صحفيين ونشطاء بارتكاب جرائم جنسية أو مالية مُجرّمة عالميا، وهي جرائم لا ينبغي أن يتمتع أي شخص بالحصانة من التحقيق فيها أو الملاحقة القضائية عليها. مع ذلك، ينبغي أن يكون أي إجراء للشرطة أو القضاء في مثل هذه الحالات غير تمييزي وعادلا ومتوافقا مع المعايير الدولية.
عندما تُمعن في الأساليب التي تقمع بها السلطات المغربية المعارضين لإسكاتهم، تجد أن الشيطان يكمن في التفاصيل. ولفهم كيف أن الملاحقات القضائية بتهم جنائية غالبا ما تكون هجمات سياسية مقنعة على النشطاء، ينبغي النظر في لائحة العيوب التي تشوب تعامل الدولة مع هذه القضايا، في مرحلتي ما قبل المحاكمة والمحاكمة على حد سواء.
حتى في حال وجود مزاعم بارتكاب جرائم خطيرة، يعطي تعامل السلطات مع القضية انطباعا بأنها لا تأخذ تلك الجرائم مأخذ الجد. يعتبر العنف الجنسي مسألة خطيرة في المغرب، ومن المهم أن تكافح السلطات العنف الجنسي بشكل صحيح ومتسق، مع مراعاة حقوق كل من المشتكي(ة) والمتهم(ة).
من بين الأدوات التي تستخدمها الدول لقمع أجرأ منتقديها وتخويف الآخرين، هناك المراقبة الميدانية والإلكترونية، والسجن التعسفي، والمحاكمات المعيبة والأحكام الجائرة، وحملات الاغتيال المعنوي في وسائل الإعلام الموالية للدولة ضد النقاد وأقاربهم وشركائهم، وحتى، على ما يبدو، استخدام العنف الجسدي والترهيب أحيانا.
هذا دليل أدوات قمع المعارضة في المغرب. وفيما يلي بعض أهم مكوناته.
إجراءات محاكمة غير عادلة
غالبا ما تشوب قضايا المعارضين في المغرب التي تُحال إلى القضاء انتهاكات خطيرة للإجراءات القانونية الواجبة وغيرها من الحقوق.
من بين تلك الانتهاكات الحبس الاحتياطي المطوّل دون مبرر حقيقي. تُلزم المعايير الدولية القاضي الذي يصدر أمرا بالحبس الاحتياطي بأن يبرر قراره كتابيا، مع تحديد الأسباب الخاصة لاتخاذ هذا الإجراء والذي يجب أن يُفرَض كاستثناء لا قاعدة، وأن يخضع الأمر لمراجعة قضائية بناءة فورية ثم دورية من قبل قاض أو محكمة مستقلة عن القاضي الذي أصدر الأمر. مع ذلك، لم يُقدَّم مثل هذا التبرير على الإطلاق في قضيتي الصحفيَّين عمر الراضي وسليمان الريسوني، اللذين قضى كلاهما عاما في الحبس الاحتياطي، وهو الحد الأقصى بموجب القانون المغربي.
منع القضاة أيضا معارضين مسجونين من الاطلاع على ملفات قضاياهم لإعداد دفاعهم إعدادا مناسبا. لم يطلع الراضي أو الريسوني على ملفّيهما إلا بعد بدء محاكمتهما. وُضع الناشط المعطي منجب رهن الحبس الاحتياطي ثلاثة أشهر أثناء التحقيق معه بتهمة الاختلاس، لكن لم يُسمح له مطلقا بالاطلاع على ملف قضيته. لا تزال القضية، التي فُتحت في سبتمبر/أيلول 2020، معلقة ولم يُسمح لمنجب بالاطلاع على ملفه حتى يوليو/تموز 2022.
رفضت المحاكم أيضا في كثير من الأحيان استدعاء الشهود الذين طلبهم الدفاع، دون تقديم مبررات معقولة لهذا الرفض. رفضت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء الاستماع إلى شاهد رئيسي في قضية التجسس ضد الراضي لأنه كان من شأن القيام بذلك "إطالة زمن المحاكمة [بلا جدوى]"، بحسب نص الحكم.
أجبرت المحاكم أيضا أشخاصا على الإدلاء بشهادات لصالح النيابة، حتى عندما قاوموا ذلك. في محاكمة الصحفي توفيق بوعشرين بتهمة الاغتصاب، مارست الشرطة ضغوطا شديدة على الصحفيات حنان بكور وعفاف برناني وأمل الهواري للإدلاء بشهادتهن ضد بوعشرين، رغم أنهن لم يتهمن بوعشرين بأي شيء وأبلغن القضاة والصحافة برفضهن أي علاقة بمحاكمته بأي صفة من الصفات. اعتُقِلت النساء الثلاث وجُلبن إلى المحكمة بالقوة. أدينت الهواري وبرناني فيما بعد بتهمتي رفض التعاون مع المحكمة و"التشهير بالشرطة" على التوالي. فرت برناني من المغرب هربا من السجن وما تزال في الخارج.
كما حوكِم أشخاص معتقلون وأدينوا غيابيا. في أغسطس/آب 2021، حكمت محكمة ابتدائية على الراضي بتهمة "السكر العلني" دون الاستماع إلى أقواله، لأنه لم يتم إخطار الراضي ولا محاميه بانعقاد جلسات المحاكمة، ولم تصطحبه الشرطة إلى قاعة المحكمة من السجن الذي كان محتجزا فيه حينئذ. في يناير/كانون الثاني 2020، حُكم على المعطي منجب غيابيا بالسجن لمدة عام بتهمة المس بأمن الدولة، رغم أنه كان وقتها رهن الحبس الاحتياطي على ذمة قضية أخرى. لم يُخطَر منجب ولا محاميه بجلسة المحاكمة، ولم تُحضره الشرطة إلى قاعة المحكمة.
في إحدى القضايا، مُنع المتهم من الاتصال بأحد محاميه. في يونيو/حزيران 2021، احتجزت الشرطة محاميا بلجيكيا وكّلته عائلة الراضي عند وصوله إلى مطار الدار البيضاء، ومنعته من الوصول إلى قاعة المحكمة. رُحِّل إلى بلجيكا في اليوم التالي.
المراقبة الرقمية ومن خلال الكاميرات
حدثت انتهاكات الإجراءات القانونية المذكورة أعلاه في سياق مضايقات الشرطة وانتهاكات متعددة الأوجه لحقوق المعارضين.
استُهدفت الهواتف الذكية لخمسة صحفيين مستقلين ونشطاء على الأقل، من بينهم منجب والراضي وبوعشرين والريسوني وأبو بكر الجامعي، وكذلك العديد من المدافعين الحقوقيين، بمن فيهم فؤاد عبد المومني، والمحامين بمن فيهم عبد الصادق البوشتاوي، وربما آلاف الأشخاص الآخرين، ببرنامج التجسس بيغاسوس بين 2019 و2021، وفقا لتحقيق أجرته "منظمة العفو الدولية" وآخر من قبل تحالف "فوربيدين ستوريز" الصحفي.[7]
بيغاسوس هو برنامج قوي طورته شركة "مجموعة إن إس أو" الإسرائيلية، وتقول إنها تبيعه فقط للحكومات، وهو قادر على الوصول إلى قوائم الاتصال، وقراءة رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية، والتنصت على المكالمات، وجمع كلمات المرور، وتحديد موقع الجهاز المستهدف، واختراق الميكروفون والكاميرا لتحويل الجهاز إلى أداة مراقبة. [8] نفت السلطات المغربية استخدام بيغاسوس للتجسس على المعارضين. [9]
تعرض فؤاد عبد المومني، واحد من الذين استُهدفت هواتفهم ببيغاسوس، أيضا للمراقبة بالفيديو. في 2020، أرسل مجهول على واتساب ستة مقاطع فيديو قصيرة تظهره ورفيقته (تزوجا في العام التالي) في وضعية حميمية في مكان خاص إلى العديد من أقاربهما. يعتبر الجنس خارج نطاق الزواج في المغرب جريمة يعاقب عليها بالسجن، ويبقى وصمة عار في المجتمع خاصة بالنسبة للنساء. بحسب عبد المومني، واستنادا إلى زاوية التصوير، كانت الكاميرات التي صوّرت المقاطع الحميمية مزروعة داخل وحدتي تكييف في غرفة النوم وغرفة المعيشة في شقته.
ظهرت خلال محاكمة توفيق بوعشرين في قضايا الاغتصاب والاعتداء الجنسي عدة مقاطع فيديو يُزعم أنها تُظهر الناشر الصحفي ، أو رجلا يشبهه، في أوضاع جنسية متفاوتة الوضوح مع عدة نساء في مكتبه بالدار البيضاء. قالت الشرطة إنها عثرت على كاميرتَي فيديو في مكتب بوعشرين وادعت أنه سجل مقاطع الفيديو بنفسه. نفى بوعشرين أن تكون الكاميرات له أو أنه قام بتركيبها. قال إن جهات مجهولة ثبتت الكاميرات في سقف مكتبه دون علمه. أخذ رجال الشرطة الكاميرات يوم اعتقال بوعشرين، ولم يتمكن من رؤيتهم يقومون بذلك لأنه كان محتجزا في غرفة أخرى من مكتبه حينها.
حملات المضايقة في الإعلام الموالي لـ"المخزن"
رغم أن الأشخاص الذين فحص هذا التقرير قضاياهم لم ينته بهم الأمر جميعا في المحكمة أو السجن، كان يجمعهم قاسم مشترك: تعرض الأفراد المستهدفين، حتى قبل استدعائهم إلى مركز شرطة، إلى حملات تشهير واسعة النطاق في مجموعة معينة من المواقع الإلكترونية.
في 2020، وقّع 110 صحفيين مغاربة بيانا " ضد صحافة التشهير" قالوا فيه: "كلما قامت السلطات بمتابعة أحد الأصوات المنتقدة، تتسابق بعض المواقع والجرائد لكتابة مقالات تشهيرية تفتقد للغة أخلاقيات المهنة وتسقط، كذلك، في خرق القوانين المنظمة لمهنة الصحافة في المغرب".[10] وصفت مقالات استقصائية متعددة المواقع المعنية بأنها "قريبة من القصر الملكي" أو أن لها علاقات وثيقة بالشرطة وأجهزة المخابرات المغربية. [11] يناقش القسم الأخير من هذا التقرير، بعنوان "دراسات حالة: المؤسسات الإعلامية"، هذه الادعاءات بالتفصيل، مع التركيز على ثلاثة مواقع: "شوف تيفي"، و"برلمان"، و"Le360".
نفى وديع المودن، مدير نشر Le360، في رسالة إلكترونية بتاريخ 14 أبريل/نيسان 2022 ردا على رسالة من هيومن رايتس ووتش، نفيا قاطعا أن يكون موقعه جزءا مما يسميه البيان "صحافة التشهير". حتى منتصف يوليو/تموز 2022، لم تتلق هيومن رايتس ووتش أي رد على رسائل مماثلة أرسلتها إلى شوف تيفي وبرلمان في 1 أبريل/نيسان ثم في 9 مايو/أيار. في 10 مايو/أيار 2022، بحثت هيومن رايتس ووتش عن عبارة "صحافة التشهير" على موقعي شوف تيفي وبرلمان. لم يسفر هذا البحث عن أي نتيجة تشير إلى رد واضح أو موقف من شوف تي في بخصوص البيان. لكن اتهمت مقالة نُشرت تحت اسم مستعار على موقع برلمان في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 صحفية وناشطة حقوقية مغربية مقيمة في الولايات المتحدة بـ"امتهان صحافة التشهير".[12] وصفت مقالة أخرى وُقّعت بأحرف أولى غير معروفة على موقع برلمان في مارس/آذار 2022 مجموعة من وسائل الإعلام الفرنسية، بما فيها "لوموند" و"ميديابارت" و"راديو فرنسا الدولي" بـ "صحافة التشهير" بسبب "حملة منظمة وممنهجة قادتها ضد المغرب وضد مؤسساته الأمنية".[13]
سيشير التقرير فيما يلي إلى هذه المواقع، بما فيها شوف تيفي وبرلمان وLe360، على أنها وسائل إعلام أو مواقع "موالية للمخزن".
"المخزن" مصطلح يستخدمه المغاربة والمهتمون بالشأن المغربي للإشارة إلى شبكة أصحاب السلطة المرتبطين بالملك وأعوانه من خلال الولاء والمحسوبية. [14] "المخزن" ليس جهة رسمية، ولا توجد قائمة متفق عليها بمكوناته. من بعض النواحي، يمكن مقارنة المصطلح بعبارة "الدولة العميقة" التي تُطلق على بعض قطاعات السلطات الحاكمة في بلدان أخرى. مصطلح المخزن يشير إلى أولئك الذين يصنعون القرار في الخفاء في المغرب، ويضطلع فيه أجهزة الأمن والاستخبارات بدور رئيسي. في المغرب، يُفهم مصطلح "المخزن" أيضا على أنه يشير إلى الأجهزة الأمنية وعناصرها عموما.
تتخصص وسائل الإعلام الموالية للمخزن في إنتاج سيل من المقالات حول منتقدي المخزن، وغالبا ما تتضمن إهانات بذيئة ومعلومات شخصية بما في ذلك السجلات المصرفية وسجلات الممتلكات، ولقطات من محادثات إلكترونية خاصة، ومزاعم عن علاقات جنسية أو تهديدات بكشفها، إضافة إلى تفاصيل حميمية تتعلق بأهل المستهدفين وأقاربهم ومن يدعمهم.
مثلا، بعد أن نشرت امرأة بيانا على فيسبوك تدعم فيه الصحفي السجين سليمان الريسوني، نشر شوف تيفي إسمَي والديها وتوجهاتهما السياسية، ومعلومات عن الأشخاص الذين صادقتهم، وأماكن لقائها بهم، وذلك على الأرجح كوسيلة لتخويفها بإظهار معرفتهم بمعلومات شخصية عنها، رغم أنها لم تكن شخصية عامة. نشر الموقع نفسه هوية رفيقة سكن عمر الراضي وألمح إلى أنه ورطها في أنشطة غير شريفة.[15]
بعد اعتقال الراضي، أدرج نفس الموقع أسماء عدة أفراد قدمهم على أنهم "لجنة دعم الراضي"، مرفقة بشتائم وادعاءات فاضحة في حق كل منهم. في الواقع، كانت "لجنة الدعم"، التي لم تطلق على نفسها أبدا هذا الاسم، مجموعة غير رسمية تتبادل المعلومات بشأن قضية الراضي وتناقش استراتيجيات لدعمه في غرفة دردشة خاصة على تطبيق المراسلة المشفر "سيغنال".
يمكن الدفاع عن عمل وسائل الإعلام تلك الباحثة عن الإثارة وترويجها الشرس للفضائح باعتباره حق تعبير محمي في بلد يزدهر فيه طيف واسع من الأصوات الإعلامية. لكن في منظومة المغرب الإعلامية التي تخضع لقيود شديدة، لا يجرؤ أي منبر إعلامي على الكلام بهذه الطريقة عن ذوي السلطة الحقيقيين في المخزن. لا يُستهدف بهذه الطريقة إلا المعارضون ومن يدور في فلكهم.
قال العديد من منتقدي السلطات المغاربة لـ هيومن رايتس ووتش إنه حتى بدون تهديدات قانونية ضدهم، فإن احتمال استهدافهم من قبل المواقع الموالية للمخزن يمنعهم من التحدث علنا. قال أحدهم، طالبا عدم الكشف عن هويته: "عندما ترى اسمك ومعلوماتك الخاصة مكشوفة هناك، تفكر مليا قبل الإدلاء بمواقف علنية".
قال الصحفي هشام المنصوري، الذي حصل على حق اللجوء في فرنسا بعد أن أمضى عشرة أشهر في السجن في المغرب بتهمة الزنا، لصحيفة فرنسية عام 2020: "هناك جو أشبه بمحاكم التفتيش. يعرفون كل عيوبنا وكل نقاط ضعفنا. يعرفوننا أكثر مما نعرف أنفسنا. غايتهم أن يعتبر كلّ مِنا نفسه هدفا محتملا. العلاقات الجنسية، المخدرات، الكحول... وإذا لم يجدوا شيئا، سيلفّقون لك التهم".
المراقبة: من المقالات التشهيرية إلى قاعات المحاكم
قال العديد من الأشخاص المستهدفين لـ هيومن رايتس ووتش إنه رغم كون معظم المعلومات المنشورة عنهم في وسائل الإعلام الموالية للمخزن خاطئة أو محرّفة، فإن بعضها صحيح، ومفصل بقدر يوحي بأن الطريقة الوحيدة للتوصل إلى تلك المعلومات كانت مراقبتهم، بما في ذلك مراقبة اتصالاتهم الإلكترونية.
مثلا، قبل شهر واحد من قيام مجهول بإرسال مقاطع فيديو مصوّرة بكاميرا خفية لعبد المومني وهو في وضعية حميمية مع شريكته إلى أقاربهما وأصدقائهما، نشر موقع برلمان مقطع فيديو ينتقد فيه، بدون ذكر أسماء، مناضلا حقوقيا "أصبح شيخا" لأنه "يتمحكك" (عبارة دارجة مغربية تعني في هذا السياق "يحتك بدافع جنسي") مع "بنات صغيرات هو في عمر جدهم". عبد المومني، الذي ندد نفس الفيديو بـ"سلوكاته المراهقة النتنة"، هذه المرة بذكر اسمه، كان آنذاك عمره 62 عاما. شريكته آنذاك، التي أصبحت بعدها زوجته، امرأة في الثلاثينيات من عمرها.
قبل محاكمة عمر الراضي بتهمة "تبادل المعلومات مع جهات أجنبية"، نُشرت مقالتان على شوف تيفي تتهمانه بـ "التجسس". تضمنت المقالتان معلومات محددة قال الراضي لهيومن رايتس ووتش إنه لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال مراقبة بريده الإلكتروني ومحادثاته على واتساب. رغم أن المعلومات المعنية كانت غير مؤذية، فقد تم تأويلها لاحقا في المحكمة على أنها أدلة تدينه.
كمثال على الصلات بين وسائل الإعلام الموالية للمخزن والشرطة، تنبأت وسائل الإعلام تلك بدقة بتاريخ اعتقال شخص كان لا يزال طليقا وقت نشر المقالة. أعلن شوف تيفي يوم 24 يوليو/تموز 2020 أن عمر الراضي سيكون وراء القضبان بحلول 29 يوليو/تموز، وهو التاريخ الذي اعتقلته فيه الشرطة بالفعل. حُذِفت المقالة فيما بعد، لكنها لا تزال متاحة في الأرشيفات الشبكية.[16]
في قضية أخرى، نشر شوف تيفي يوم 17 مايو/أيار 2020 مقالة (حُذفت أيضا لكن يمكن كذلك العثور عليها في الأرشيفات الشبكية) بعنوان: "سليمان سليمينة الريسوني... البوح ما قبل الأخير ما قبل التدمير". قال كاتب المقالة مخاطبا الصحفي الريسوني: "ستفتح عليك باب جهنم [...] سنحتفل بعيد الفطر جميعا [...] في يوم سوف يكون تاريخيا ولن تعيشه إلا مرة واحدة في حياتك." [17] اعتُقل الريسوني مساء يوم 22 مايو/أيار، أي قبل يوم من عيد الفطر. كان شوف تيفي، الذي يبدو أنه أُخبِر بيوم عملية الاعتقال ووقتها ومكانها، حاضر لتصويرها.[18]
المراقبة الجسدية والتخويف والاعتداء
قال العديد من المعارضين المغاربة الذين تمت مقابلتهم أثناء إعداد هذا التقرير لـ هيومن رايتس ووتش بأنهم تعرضوا للتعقب، إما سيرا على الأقدام أو من قبل رجال مجهولين في سيارات مدنية، في أوقات مختلفة ولفترات طويلة.
قال المعطي منجب إن المراقبة الجسدية كانت جزءا من حياته لسنوات. قال إن سيارات مختلفة كانت تتعقبه أينما ذهب لأسابيع أو شهور متتالية، في الرباط وخارجها، أو كانت تتوقف خارج منزله على مدار الساعة.
تم تعقب باحثي هيومن رايتس ووتش بشكل متقطع من قبل مجهولين في سيارات مدنية في أوقات مختلفة في السنوات الماضية. في 2019، قال حارس مبنى بالدار البيضاء لموظف هيومن رايتس ووتش الذي كان يعيش في المبنى آنذاك إن شرطيَين جاءا لطرح أسئلة عنه وعن أسرته.
كتب عبد اللطيف الحماموشي، المقرب من منجب والعضو في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، منظمة حقوقية مغربية بارزة، على فيسبوك في 26 أبريل/نيسان 2021:
لما يزيد عن ثلاثة أشهر، كانت سيارة على متنها راكبان أو ثلاثة تتوقف بالقرب من منزلي في تمارة [قرب الرباط]. هذه السيارة تتبعني أينما ذهبت [...] حتى عندما أكون في مدينة أخرى. والغريب أن نفس السيارة، بنفس السائق، كانت تتعقب الأستاذ المعطي منجب أو تقف أمام منزله إلى أن قُبض عليه. يبدو أن السيارة نفسها كُلّفت بمراقبتي حتى اليوم.[19]
في 16 يوليو/تموز 2014، تعرض زميل منجب، هشام المنصوري، صحفي ومدافع عن حرية التعبير، للاعتداء في أحد شوارع الرباط. في حوالي الساعة 9:30 مساء، بعد وقت قصير من مغادرته لقاء مع منجب، خرج رجلان مجهولان من سيارة بنوافذ معتمة واعتديا على المنصوري بعنف، حتى بعد سقوطه على الأرض، ثم استقلا سيارتهما وفرا.
نُقل المنصوري إلى قسم الطوارئ في المستشفى بإصابات متعددة في وجهه ومناطق أخرى من جسده. تقدم المنصوري بشكاية قالت الشرطة إنها أجرت إثرها تحقيقا، لكنها أغلقته في النهاية لعدم كفاية الأدلة.
قال الصحفي عمر الراضي لهيومن رايتس ووتش إنه كان يقود سيارته في 7 يوليو/تموز 2019 في حوالي منتصف الليل في عين السبع، إحدى ضواحي الدار البيضاء، وإذ بعشرة رجال تقريبا يخرجون من زاوية مظلمة ويحطمون سيارته بالعصي والحجارة والطوب. كسر المهاجمون زجاج نافذة الراكب الأمامي قبل أن يتمكن الراضي أخيرا من الفرار. اطلعت هيومن رايتس ووتش على صور تُظهر الأضرار الجسيمة التي لحقت بالسيارة.
في صباح اليوم التالي، توجه الراضي إلى مركز للشرطة بالقرب من مكان الحادث وقدم شكاية. وعد شرطي بإجراء تحقيق، وزود الراضي بتوصيل يحمل ختم الشرطة ورقم الملف، وطلب منه استخدام الرقم لمتابعة وضع شكايته في محكمة عين السبع. بعد أشهر، ذهب محامي الراضي إلى المحكمة للتحقق من وضع الملف. قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الرقم التسلسلي المذكور في التوصيل غير صحيح ولا يتعلق بأي ملف قضائي قائم.
في أغسطس/آب 2019، بعدما ألقت الشرطة القبض على الصحفية هاجر الريسوني خارج عيادة طبيبها النسائي للاشتباه في خضوعها لإجهاض غير شرعي، قال وكيل الملك في بيان إن اعتقال الريسوني جاء نتيجة لمراقبة الشرطة المستمرة للعيادة، في إطار تحقيق مبرر قانونيا في أنشطة غير شرعية مشتبه بها.
لكن الريسوني قالت لهيومن رايتس ووتش إنه أثناء جلسة استنطاق في مركز للشرطة في وقت لاحق من نفس اليوم، قدم لها رجال الشرطة تفاصيل عن علاقتها بخطيبها في ذلك الوقت. كانت التفاصيل محددة مثل التواريخ والساعات التي جاءت فيها الريسوني إلى شقة خطيبها لأخذ كلبه في جولة، بالإضافة إلى اسم الكلب. قالت الريسوني لهيومن رايتس ووتش إن مثل هذه المعلومات لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال مراقبتها وخطيبها جسديا أو إلكترونيا.
في ديسمبر/كانون الأول 2019، تلقت شقيقة الحقوقي فؤاد عبد المومني اتصالا من شخص قدم نفسه على أنه رجل شرطة، يبلغها كذبا أن عبد المومني "وامرأة قبض عليها بمعيّته" قد سُجنا. قال عبد المومني لـ هيومن رايتس ووتش إنه فهم أنها محاولة لترهيبه من خلال أسرته.
وهيبة خرشش شرطية تعرضت لمضايقات لأشهر من قبل عناصر أمن مفترضين بعد أن تقدمت باتهامات بالتحرش الجنسي ضد رئيسها. في فبراير/شباط 2019، اقترب منها مجهولان في أحد شوارع الدار البيضاء وقالا لها: "ابنتك [ذكروا اسم الطفلة التي كان عمرها 6 سنوات] ماتت رحمها الله. لن تريها مرة أخرى"، ثم ذهبا. اتصلت خرشش على الفور بوالدتها، التي كانت الطفلة تقيم معها، للاطمئنان عليهما. كانتا بخير.
في يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول 2014، قال المعطي منجب لهيومن رايتس ووتش إن مجهولين كانوا يسيرون خلفه في شوارع الرباط هددوه بالأذى الجسدي إذا لم يصمت عن انتقاده للدولة، قبل أن يبتعدوا بسرعة. في المرة الثانية قال له أحدهم: "إذا لم تصمت، ستتكفل داعش بأمرك".
استهداف الأقارب
قالت هاجر الريسوني لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة عندما استجوبتها في أغسطس/آب 2019، لم تكن معظم الأسئلة التي طرحها عليها عناصر الشرطة تتعلق بالجرائم التي يُشتبه أنها ارتكبتها، وهي ممارسة الجنس خارج إطار الزواج والإجهاض، بل تعلقت بعمّيها، عالم الدين أحمد الريسوني والصحفي سليمان الريسوني، وكلاهما يعتبران من المنتقدين البارزين للنظام المغربي.
قالت هاجر الريسوني لـ هيومن رايتس ووتش إنها تعتقد أن استهدافها لم تكن ردا على أي سلوك صدر منها، بل كان وسيلة استخدمتها السلطات للنيل من أسرتها. حُكم على الريسوني لاحقا بالسجن لمدة عام بتهمة ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج والإجهاض غير القانوني، وهو ما نفته. بعد خمسة وأربعين يوما من احتجاجات المنظمات الحقوقية المغربية والمجتمع الدولي، أصدر الملك محمد السادس عفوا لصالحها.
في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أذاع شوف تيفي اسم شريكة فؤاد عبد المومني، بعد تصويرهما سرا في وضعية حميمية في منزله. وصمها الموقع لممارسة الجنس خارج نطاق الزواج، وذكر بعض أقاربها، بأسمائهم أيضا، لإحراجهم على ما يبدو. كما زعم شوف تيفي في فبراير/شباط 2021 أن والدة صحفي معارض مقيم في فرنسا كانت ضحية ابتزاز بواسطة شريط جنسي من قبل "عشاقها". ذُكرت أسماء الصحفي ووالدته في المقالة. زعم الموقع نفسه في يونيو/حزيران 2020، وفي مناسبات أخرى بعدها، أن أحد المدافعين الحقوقيين أنجب "طفلا غير شرعي" (أي خارج إطار الزواج، وهو ما يعتبر جريمة بموجب القانون المغربي) مع ناشطة حقوقية زميلة له. نشر الموقع الأسماء الكاملة للرجل والمرأة والطفل.
في يوليو/تموز 2020، توجه طاقم تصوير شوف تيفي إلى منطقة قروية في المغرب لإجراء مقابلة مع مزارع هو أب لصحفية تنتقد الدولة. سأل الصحفي الرجل عما سيفعله إذا علم أن ابنته مارست الجنس خارج إطار الزواج. قال الرجل إن ذلك سيكون "مصيبة" وأنها "لن تكون [ابنته] بعد ذلك وأنه سيشطبها من الحالة المدنية [دفتر العائلة]". بعد أيام قليلة، نشر شوف تيفي مقالة ذُكرت فيها الصحفية بالاسم وذكرت أنها مارست الجنس مع ناشط حقوقي حتى هو مذكور بالاسم، وأشارت نفس المقالة إلى تصريحات والدها السابقة. نشر شوف تيفي وغيره من وسائل الإعلام الموالية للمخزن، قبل ذلك وبعده، العديد من المقالات التي تهاجم الحياة الخاصة لهذه الصحفية. قالت لهيومن رايتس ووتش إنها تعيش الآن في فرنسا ولم تزر المغرب منذ 2018 لأنها "تخشى العودة بعد حملة الإعدام المعنوي هذه".
لتجنب المزيد من الوصم ضد الأشخاص المذكورين في الفقرتين أعلاه، حجبت هيومن رايتس ووتش أسماءهم وامتنعت عن عرض روابط للمقالات ومقاطع الفيديو المعنية.
في 2020، قُبض على المقاولَين ناصر زيان ونبيل النويضي، وهما ابنا محاميين معروفين ينتقدان السلطات، وحوكِما بتهم مختلفة، منها "تزوير علامة تجارية". احتُجز الرجلان على ذمة المحاكمة دون مبرر مدقق لمدة ستة أشهر، ثم أُدينا بتلك الجريمة وحُكم على زيان بالسجن ثلاث سنوات وعلى النويضي بالسجن عشرة أشهر.
ناصر زيان هو نجل المحامي محمد زيان، الذي دافع عن معارضين بارزين بمن فيهم زعيم "حراك الريف" ناصر الزفزافي والصحفي توفيق بوعشرين (حكم عليهما بالسجن 20 و15 عاما على التوالي) وتعرض لمضايقات السلطات لسنوات. نبيل النويضي هو ابن عبد العزيز النويضي، محامي حقوق الإنسان المغربي البارز الذي دافع عن العديد من منتقدي الدولة، والذي عمل أيضا كعضو في اللجنة الاستشارية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.
قال المحاميان النويضي وزيان في مقابلات منفصلة أجرياها مع هيومن رايتس ووتش إنهما يشتبهان في أن اعتقال ومحاكمة ابنيهما كان انتقاما من مواقفهما السياسية، وللضغط عليهما بشكل غير مباشر لوقف أو إسكات معارضتهما للنظام الحاكم.
استهداف الموارد المالية
في مارس/آذار 2020، أمرت الحكومة المغربية الصحف بالتوقف عن طباعة النسخ الورقية وتوزيعها كوسيلة للحد من التفاعلات الاجتماعية ومكافحة جائحة كوفيد-19، وأنشأت صندوق تعويضات لدفع رواتب الصحفيين.[20] استفاد المئات من الصحفيين في المغرب، بمن فيهم الصحفيون في جريدة أخبار اليوم اليومية الناقدة، من هذه الآلية حتى أكتوبر/تشرين الأول 2020. ثم توقف صرف مدفوعات الرواتب من الصندوق لـ أخبار اليوم وحدها دون غيرها. [21] لم تشرح الحكومة قط هذا التمييز ولم تعد لصرف الرواتب.
كان ذلك، مقترنا مع مقاطعة أصحاب الإعلانات للصحيفة بتوجيهات من الدولة، الضربة القاضية المالية، خاصة بعد حملة مضايقة استمرت عقدا من الزمن ضد الصحيفة، بما في ذلك سجن ناشرها توفيق بوعشرين واحتجاز رئيس تحريرها سليمان الريسوني.[22] أعلنت أخبار اليوم توقفها عن الصدور في 14 مارس/آذار 2021.[23]
في 2018، منحت وزارة الفلاحة المدافع الحقوقي فؤاد عبد المومني منحة استثمارية بحوالي 30 ألف دولار أمريكي لتطوير أنشطة زراعية وتربية المواشي في مزرعة يملكها بالقرب من الرباط. بعد حوالي عامين، لم تكن الأموال أودعت في حساب عبد المومني المصرفي. تابع الملف عدة مرات، كتابيا ومن خلال 13 زيارة شخصية للوزارة، لكن لم يردّ أحد على رسائله أو يستقبله أو يخبره عن وضع المنحة التي حصل عليها. قال عبد المومني لهيومن رايتس ووتش إنه لم يتلق المال بعد في أبريل/نيسان 2022.
خاتمة
كما نوقش أعلاه، تتضمن "قواعد اللعبة" التي تلعبها السلطات المغربية لإسكات منتقدي الدولة تكتيكات متعددة ومتنوعة وشرسة.
بعض هذه التكتيكات، مثل المراقبة السرية بالفيديو في منازل الأشخاص، والاعتداءات الجسدية على الأشخاص المستهدفين، وأعمال الترهيب ضدهم أو ضد أقاربهم، يصعب ربط مقترفيها بالدولة.
قد تكون التكتيكات الأخرى، بما في ذلك إطلاق حملات تشهير ضد المعارضين في المواقع الموالية للمخزن، لاأخلاقية أو بغيضة لكنها ليست بالضرورة غير قانونية بموجب القانون المغربي. من الصعب أيضا إثبات أن للدولة دور مباشر في هذه الحملات. مع ذلك، بناء على ما تنشره هذه المواقع، يبدو أنها متوافقة تماما، بل وتعمل أحيانا جنبا إلى جنب مع المؤسسة الأمنية المغربية. هذا الاستنتاج يؤكده أيضا ما لا تنشره: هذه المواقع لا تُشهّر أبدا بمسؤولي المخزن الأقوياء، ولا تحاول اغتيالهم معنويا.
أما بالنسبة للقضايا التي تصل إلى قاعات المحاكم وتؤدي بالمستهدفين إلى السجن، يستند بعضها إلى تهم جنائية خطيرة تستدعي العقوبة عندما يتم إثبات الجرم بشكل كاف في محاكمة عادلة. مع ذلك، وكما يوثق هذا التقرير، تلك المحاكمات معيبة، من اعتقال المشتبه بهم إلى الأحكام الصادرة ضدهم، وتشوبها انتهاكات متعددة للإجراءات القانونية الواجبة وضمانات المحاكمة العادلة. هناك قضايا أخرى تكون فيها التّهم في حد ذاتها انتهاكات لحقوق الإنسان ولا ينبغي أبدا توجيهها بغض النظر عن وقائع القضية.
هذه التكتيكات المذكورة تكمل بعضها البعض فيما يمكن وصفه بالبيئة القمعية، ولا تهدف فقط إلى تكميم أفواه الأفراد أو المؤسسات الإعلامية التي تعتبرها السلطات مزعجة، لكن أيضا إلى ردع جميع منتقدي الدولة المحتملين وثنيهم عن رفع أصواتهم.
"قواعد اللعبة" المغربية ليست مجرد قائمة من التكتيكات؛ بل هي منهجية شاملة لإسكات المعارضة.
التوصيات
إلى السطات المغربيّة
على السلطات المغربيّة احترام الحق في التعبير السلمي والخصوصية، والكفّ عن الاستخدام المنهجي لمجموعة الأساليب المصمّمة لإسكات المعارضين وترهيبهم ولإخفاء حقيقة أنّ هذه الأساليب هي انتقام من خطابهم المعارض وأنشطتهم.
ينبغي للسلطات أن تنهي استخدام الأساليب التي يتمثل الهدف منها في تكميم أفواه وترهيب الصحفيين المنتقدين والمدافعين الحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني، ومنها:
- الحملات المدبّرة للاغتيال المعنوي، وانتهاكات الخصوصية في المواقع الإخبارية التي تدعم السلطات بشكل منهجي والمتخصصة في إيذاء المعارضين؛
- مراقبة المعارضين، بما في ذلك عبر:
- تعقبهم جسديا؛
- زرع الكاميرات في منازلهم أو مكاتبهم على ما يبدو؛
- اختراق هواتفهم الذكية ببرمجيات التجسس على ما يبدو.
- الاعتداء الجسدي على المعارضين أو على ممتلكاتهم المادية؛
- استهداف أقاربهم بإجراءات بوليسية أو قضائية تعسفية؛
- فتح تحقيقات مالية لها دوافع سياسية على ما يبدو ضدّ المعارضين، وغيرها من الاجراءات الإدارية الجائرة التي تستهدف مواردهم المالية.
على السلطات التنفيذية العليا في المغرب إصلاح أجهزة الأمن والاستخبارات في البلاد بطريقة تجعلها خاضعة لرقابة مستقلّة، مع ضمان شفافية هذه الرقابة وعملياتها، وفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
لن تمنع التوصيات المعروضة أدناه، في حال تنفيذها، السلطات المغربيّة من ملاحقة أي شخص توجد معلومات موثوقة ومقنعة عن تورطه في عمل يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه فعل إجرامي حقيقي.
إلى البرلمان المغربي
العديد من القوانين المغربية تنتهك بطبيعتها القوانين الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في حرية التعبير والحق في الخصوصية، المكفولين في "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الذي صادق عليه المغرب عام 1979 و"اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" التي صادق عليها المغرب عام 1993.
على البرلمان المغربي:
- إلغاء الفصل 489 من القانون الجنائي الذي يمنع العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي بين البالغين ويفرض عليها عقوبات سجنيّة.
- إلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي الذي يمنع العلاقات الجنسية بين البالغين غير المتزوجين، ويفرض عليها عقوبات سجنيّة.
- إلغاء الفصل 491 من القانون الجنائي الذي يحظر علاقات الزنا بين البالغين المتزوجين وأشخاص آخرين، ويفرض عليها عقوبات سجنيّة.
- الإلغاء الكامل لتجريم الإجهاض بما يشمل إلغاء الفصل 454 من القانون الجنائي الذي يجرم الإجهاض عمدا.
هناك قوانين مغربيّة أخرى لها صياغة غامضة جدا، وقد تُستخدم في تجريم أعمال لا ينبغي تجريمها، بما في ذلك التعبير السلمي. الصياغة الفضفاضة لهذه القوانين تفتح باب التفسيرات التعسفية من قبل القضاة، مما يمنع الناس من التنبؤ بشكل معقول بالأعمال التي تُعتبر جرائم.
على البرلمان المغربي:
- تعديل الفصل 191 من القانون الجنائي الذي ينُصّ على أنّه "يؤاخذ بجريمة المسّ بسلامة الدولة الخارجية كلّ من يباشر اتصالات مع عملاء سلطة أجنبيّة، إذا كان الغرض منها أو ترتّب عنها إضرار بالوضع العسكري أو الدبلوماسي للمغرب". ينبغي تعديل الفصل 191 بطريقة تضمن تعريفا ضيقا ودقيقا لجريمة التجسس، وبطريقة تتفق مع القانون والمعايير الدوليّة.
- إلغاء أو تعديل الفصل 206 من القانون الجنائي الذي ينُصّ على أنّه "يؤاخذ بجريمة المسّ بالسلامة الداخلية للدولة... من تسلّم، بطريق مباشر أو غير مباشر، من شخص أو جماعة أجنبيّة... هبات أو هدايا أو قروضا أو أية فوائد أخرى مخصّصة أو مستخدمة جزئيا أو كليا لتسيير أو تمويل نشاط أو دعاية من شأنها المساس بوحدة المملكة المغربية أو سيادتها أو استقلالها أو زعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية ولمؤسسات الشعب المغربي". إذا عُدِّل هذا الفصل، ينبغي للنسخة الجديدة منه أن تُعرّف "المسّ بالسلامة الداخليّة للدولة" بطريقة ضيّقة ودقيقة تتماشى مع القانون والمعايير الدولية.
لا تزال جرائم التعبير غير العنيفة مجرّمة في القانون المغربي، بموجب قانون الصحافة أو القانون الجنائي، بطريقة تتعارض مع التزامات المغرب باحترام حرية التعبير بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
على البرلمان المغربي:
- إلغاء القوانين المتعلقة بـ:
- المسّ بالنظام الملكي والدين الإسلامي (الفصل 267.5 من القانون الجنائي والفصل 71 من قانون الصحافة)؛
- القذف أو السبّ أو المسّ بالحياة الخاصة لشخص الملك أو شخص وليّ العهد أو العائلة المالكة والإخلال بواجب التوقير والاحترام لشخص الملك (الفصل 179 من القانون الجنائي، كما تمّ تعديله في 2016، والفصل 71 من قانون الصحافة)؛
- إهانة مؤسسات الدولة (الفصل 265 من القانون الجنائي).
على الأقلّ، يتعيّن على البرلمان إلغاء أحكام السجن التي يفرضها القانون الجنائي كعقوبة واحدة محتملة لهذه الجرائم.
- بالنسبة إلى الجرائم الواردة في القانون الجنائي وقانون الصحافة والمستمدّة من المعايير المتعلقة بتقييد التعبير التي يسمح بها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بموجب المادتين 19(3) و20، يتعين على البرلمان تضييق تعريف كل جريمة وتوضيحها بحيث (1) تتم صياغتها بالدقة اللازمة لتمكين المواطن (ة) من تنظيم سلوكه (ها) و(2) وتعريفها بشكل ضيّق حتى تستجيب لحاجة ضرورية في مجتمع ديمقراطي، مثل حظر التحريض على العنف، على النحو المحدّد في "خطّة عمل الرباط" الصادرة عن "الأمم المتحدة".[24] من الجرائم التي تتطلب تضييقا وتوضيحا:
- التحريض ضدّ الوحدة الترابية للمملكة (الفصل 267.5 من القانون الجنائي والفصل 71 من قانون الصحافة): إذا كان المغرب سيُبقي على جريمة التعبير المتعلقة بـ "التحريض ضدّ الوحدة الترابية"، يتعيّن على المشرّعين تعريفها بالدقة الكافية حتى تنطبق فقط على الكلام الذي يُشكّل تحريضا على العنف أو القوة المادية، وتستبعد بوضوح المناصرة السلمية لتقرير المصير في الصحراء الغربيّة.
- إهانة موظف عمومي أثناء قيامه بوظائفه (الفصل 263 من القانون الجنائي والفصل 72 من قانون الصحافة): يتعيّن على المشرّعين إلغاء هذه الجريمة أو إعادة تعريفها بحيث تكون القيود التي تفرضها على حرية التعبير ضرورية ومتناسبة للحماية من تهديدات حقيقية للنظام العام، ولا يُمكن استخدامها لمعاقبة الانتقاد السلمي للموظفين العموميين والمؤسسات، مهما بلغت شدته.
- التعبير الذي يُقصد منه تحقير المقررات القضائية ومن شأنه المساس بسلطة القضاء أو استقلاله (الفصل 266 من القانون الجنائي): ينبغي للمشرّعين إمّا إلغاء الفصل 266 أو تعديله بما يجعل القيود التي تُفرض على التعبير المتعلق بالقضاء ضرورية ومتناسبة لحماية القضاء من التدخل في استقلاليته. ينبغي أن يحمي الفصل المعدّل الحق في انتقاد أحكام المحاكم والتعليق عليها وعلى القضاء كمؤسسة، بشكل كامل أو جزئي، طالما أن التعبير لا يُشكل محاولة متعمدة وذات مصداقية للتأثير على حكم المحكمة من خارجها.
إلى النيابة العامة في المغرب
في انتظار إلغاء البرلمان للقوانين غير المتسقة مع المعايير الدولية التي تحمي الحق في حرية التعبير، أو إلى أن تنظر المحكمة الدستورية في مواءمة هذه القوانين مع تدابير الحماية التي يكفلها الدستور لهذا الحق، ينبغي لسلطات النيابة العامة الكف عن ملاحقة الأشخاص بسبب التعبير غير العنيف بموجب هذه القوانين.
يتعين على النيابة العامة المغربية الكف عن تضمين المعطيات الشخصية، بما في ذلك المعطيات المتعلقة بالصحة، والتوجه الجنسي، والموارد المالية الشخصية للأفراد في بياناتها العامة حول القضايا التي تنظر فيها المحاكم، حتى وإن كانت هذه المعلومات متصلة بالقضايا المعنيّة؛ يُمكن للمحاكم مناقشة هذه المعلومات في قاعات المحاكم مادامت ذات صلة بالقضايا التي يتم النظر فيها.
ينبغي للنيابة العامة المغربية التحقيق والتحرّك إزاء التقارير المتعلقة بالمراقبة غير القانونية للصحفيين والنشطاء السياسيين والمدافعين الحقوقيين من أجل ضمان احترام وحماية حقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات. يتعين عليها فتح تحقيق مستقلّ أوسع في استخدام برمجيات المراقبة والاختراق عبر الانترنت في المغرب لتقييم امتثالها لالتزامات المغرب المحلية والدولية في مجال حقوق الإنسان، ونشر أي نتائج تتعلق بهذا التحقيق للعموم.
إلى السلطات القضائية المغربيّة
المحاكم المغربية متواطئة في هذه التجاوزات من خلال انتهاك الحق في سلامة الاجراءات بالنسبة للمتهمين العالقين في شبكة القمع هذه، وعبر إدانتهم في محاكمات جائرة.
على السلطات القضائية المغربيّة:
- ضمان توفر اجراءات المحاكمة العادلة لكل شخص يمثل أمام محكمة، بما في ذلك المعارضون وغيرهم من منتقدي سياسات الملك والدولة؛
- احترام مبدأ "تكافؤ وسائل الدفاع"، وهو مبدأ يقوم على خلق توازن عادل في الفرص بين الدفاع والادعاء في عرض القضايا، خلال جميع المحاكمات، بما في ذلك محاكمات المعارضين، والطعن في الشهود والأدلة المستخدمة ضدّهم؛
- وضع حدّ للاحتجاز الاحتياطي المطوّل ما لم تكن هناك مبرّرات مكتوبة وفرديّة صادرة عن المحكمة وخاضعة لمراجعات قضائية سريعة ومنتظمة من قبل محكمة مستقلة عن المحكمة التي أمرت بالاحتجاز. ينبغي أن يكون الحبس الاحتياطي الاستثناء وليس القاعدة؛
- رفع العوائق التي تفرضها المحاكم على المتهمين للوصول إلى ملفاتهم بأكملها بأسرع وقت ممكن؛
- وضع حدّ للممارسة المتمثلة في عدم إخطار المتهمين على النحو الواجب مسبقا قبل انعقاد الجلسات المتعلقة بقضاياهم؛
- وضع حدّ للممارسة المتمثلة في رفض طلبات الدفاع لتقديم أدلّة أو شهود طالما أن هذه الأدلّة وهؤلاء الشهود لهم دور محتمل في تحديد إدانة أو براءة المتهمين؛
- السماح لمحامي الدفاع باستجواب شهود الادعاء أو الأطراف الثالثة عند وجود احتمال باستخدامهم من قبل المحكمة لإدانة المتهمين؛
- وضع حدّ للممارسة المتمثلة في الضغط على الأفراد وترهيبهم ليشهدوا ضدّ المتهمين.
إلى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، والحلفاء الأجانب الآخرين، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة
- التنديد العلني بالممارسات القمعية للسلطات المغربيّة وحثها على الكفّ عن مضايقة المعارضين ومن تعتبرهم منتقدين، واحترام التزاماتها في مجال حقوق الإنسان، كما تفرضه أيضا المادة 2 من "اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب"، التي يشترط المساعدات الأوروبية للمغرب "باحترام المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية التي أرساها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".[25] وهذا يبدأ بالربط بين أفعال تبدو معزولة واعتبارها عناصر في سجلّ القمع، وكسر الصمت حيالها، وتجاوز البيانات الرسمية الخجولة؛
- التعبير عن مساندة النشطاء والصحفيين المغاربة وتقديم الدعم لهم، بما يتماشى مع "المبادئ التوجيهية للاتحاد الأوروبي بشأن حقوق الإنسان المتعلقة بحرية التعبير، والمدافعين عن حقوق الإنسان"، و"خطة عمل الاتحاد الأوروبي الخاصة بحقوق الإنسان والديمقراطية"؛[26]
- المراقبة عن كثب – من خلال التمثيليات الدبلوماسية – لاستخدام التهم الجنائية الشائعة ضدّ المعارضين والعاملين في وسائل الإعلام المنتقدة؛
- حث المغرب على ضمان تمتع كلّ الذين يواجهون تهما جنائية، بما في ذلك المعارضين، بحقهم في سلامة الاجراءات طوال الاجراءات القضائية؛
- الضغط على المغرب حتى يسمح لجميع وسائل الإعلام بتغطية حرّة وناقدة لجميع المواضيع ذات الاهتمام العام؛
- السعي للحصول على معلومات من مصادر مختلفة حول القضايا التي تورط فيها معارضون مغاربة، بما في ذلك الجهات المستقلة وذات المصداقية في المجتمع المدني؛
- إرسال مراقبين كلما أمكن لمراقبة المحاكمات وانتقاد انتهاكات حقوق المحاكمة العادلة والأحكام المستندة إلى أدلّة مريبة؛
- كلما سمحت الأدلة بذلك، إبلاغ السلطات المغربية، بما في ذلك من خلال البيانات العامة، بأنّ التهم الجنائية الموجهة إلى المعارضين تُعتبر مشكوكا فيها وذات دوافع سياسية.
إلى الدول الأجنبية المصدّرة لتكنولوجيا المراقبة
وقف كل عمليات بيع جميع تقنيات المراقبة وتصديرها ونقلها للمغرب في انتظار نتائج التحقيق بشأن تقارير المراقبة غير القانونية للإنترنت، وبرمجيات الاختراق وغيرها من أشكال المراقبة الرقمية للصحفيين، والنشطاء السياسيين، والمدافعين الحقوقيين، وضمان وجود ضوابط كافية لمنع استخدام منتجات المراقبة الخاصة لتسهيل الانتهاكات الحقوقية.
منهجية التقرير
يتناول هذا التقرير ثماني حالات لمضايقات بوليسية و/أو قضائية استهدفت معارضين مغاربة معروفين، وحالتين استهدفتا مؤسستين إعلاميتين مستقلتين.
بالإضافة إلى الأشخاص المستهدفين الثمانية الأساسيين، شملت هذه الحالات نحو عشرين "مستهدفين ثانويين": أقارب، وشركاء، وزملاء، وشهود دفاع في قضايا أمام المحاكم، وأفراد آخرين مرتبطين بطرق أخرى بالمستهدفين الرئيسيين.
يدرس هذا التقرير بدقة 12 قضية مرفوعة أمام المحاكم المغربية.
بين سبتمبر/أيلول 2019 ويونيو/حزيران 2022، قابلت "هيومن رايتس ووتش" 89 شخصا داخل المغرب وخارجه، منهم 25 مدافعا حقوقيا وناشطا اجتماعيا وسياسيا، و21 محاميا، و18 صحفيا، و15 فردا تعرضوا لمضايقات بوليسية وقضائية في المغرب، وسبعة أقارب وأصدقاء مقرّبين لأشخاص مستهدفين، وثلاثة شهود في محاكمات لنشطاء.
تمت المقابلات بشكل مباشر أو من خلال تطبيقات التراسل، وفي حالات نادرة عبر الهاتف. أجريَت الأبحاث الخاصة بهذا التقرير أثناء جائحة "كورونا"، مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتقليل مخاطر العدوى.
أبلِغ جميع الأشخاص الذين قابلناهم والمذكورين في هذا التقرير بالغرض من المقابلات، والطرق التي ستُستخدَم فيها المعلومات، وعرضنا عليهم عدم الكشف عن هويتهم. حُجبت معلومات تعريف بعض الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، بطلب منهم أو بمبادرة من هيومن رايتس ووتش، لحماية خصوصيتهم وأمنهم. لم يتلقّ أيّ من الذين تمت مقابلتهم أي تعويض مالي أو أي تعويض آخر مقابل التحدث إلينا.
حضرت هيومن رايتس ووتش أيضا 19 جلسة محاكمة لمعارضين مختلفين في الدار البيضاء والرباط، وراجعت مئات الصفحات من الملفات القضائية، وقرأت مئات المقالات الإخبارية والنصوص الأخرى، بما في ذلك بيانات رسميّة للنيابة المغربية ومسؤولين آخرين.
في 1 أبريل/نيسان 2022، بعثت هيومن رايتس ووتش برسائل الكترونية إلى مواقع شوف تيفي (Chouftv.ma)، وبرلمان (Barlamane.com) و " Le360" (fr.le360.ma)، وطلبت منهم النظر في مزاعم بأنهم يعملون بالتنسيق مع أجهزة الأمن المغربيّة وأسئلة أخرى ذات صلة. تلقت هيومن رايتس ووتش ردا من Le360 في 14 أبريل/نيسان. حتى نشر التقرير، لم تتلق ردا من الموقعَين الآخرَين.
الخلفيّة
نظام قضائي تحت السيطرة
ينصّ الفصل 107 من دستور المغرب لسنة 2011 على أنّ "السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية"، غير أنّ ذلك يتعارض مع طريقة عمل "المجلس الأعلى للسلطة القضائية". هذه الهيئة الرسمية، التي أنشأها الدستور وأوكل لها مهمّة "تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولا سيما فيما يخص استقلالهم"، يرأسها الملك، الحاكم الفعلي لدولة المغرب، وليس مجرّد رأس شرفي لها.[27] تصدر جميع قرارات المجلس المتعلقة بالمسيرة المهنية للقضاة في شكل ظهير (مرسوم ملكي)، لا يمكن الطعن فيه في المحكمة ولا يخضع لأي نوع من أنواع الاستئناف. كلّ قرارات المحاكم في المغرب تصدر "باسم جلالة الملك"، وصوره مُعلّقة في جميع قاعات المحاكم خلف المنصة التي يجلس عليها القضاة.
يمنح الدستور في الفصلين 65 و78 للمجلس الأعلى للسلطة القضائية صلاحيات حصريّة لتعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم ومعاقبتهم، بينما يمنح الفصل 115 للملك سلطة تعيين نصف أعضاء المجلس. رغم أن النصف الآخر منتخب من قبل القضاة، فإنّ مسيرتهم المهنية، من لحظة التعيين إلى لحظة انتهاء الخدمة، تخضع لسلطة نفس المجلس، وبالتالي للملك.
في 2009، أُقيل القاضي جعفر حسّون، مؤسس "الجمعية المغربيّة للدفاع عن استقلال القضاء"، التي لم تعمّر طويلا، والذي استنكر صراحة عدم استقلالية المحاكم المغربيّة وشرح آلياتها للصحافة، ومُنع من اجتياز الامتحان الذي يسمح له بالولوج لمهنة المحاماة. في مقالة عن حسّون بعنوان "المغرب، ثورة قاض"، نُشرت في 2009، كتبت "لوموند" الفرنسية: "تمّ إيقافه عن العمل، وتعرّض للوم، ونُقل بشكل تعسفي، وأخيرا أزيح من منصبه. دفع جعفر حسون ثمنا باهظا لنضاله من أجل استقلال القضاء المغربي".[28]
يُرجع الباحثون وعلماء السياسة التلاعب المفترض بنظام العدالة في المغرب إلى المخزن – وهو كما شرحنا أعلاه شبكة غير رسمية من أصحاب النفوذ المرتبطين بالملك وأعوانه، من خلال روابط الولاء والمحسوبية والزبائنيّة غير الملموسة.[29]
عرّف عالم الاجتماع الفرنسي آلان كليس المخزن على أنّه " أسلوب لحكم الرجال".[30] بينما كتب المحلّل السياسي المغربي محمد الطوزي أن المخزن هو " أسلوب للوجود والفعل، يسكن الكلمات، ويُفوّح الأطباق، ويُحدّد شكل العلاقة بين الحاكم والمحكوم".[31]
وفقا لبعض المحللين، يتصرّف المخزن في الخفاء من خلال إعطاء تعليمات شفهيّة بحسب المزاعم لموظفي الدّولة في مختلف الإدارات، بما في ذلك العاملين في الشرطة والقضاء.[32] هذه التعليمات، التي غالبا ما تنتهك القوانين وتتجاوز التسلسل الهرمي الرسمي، تهدف أساسا إلى خدمة المصالح المتصورة للمخزن أو مهاجمة أعدائه المفترضين.
نشرت مجلّة "تيل كيل" (TelQuel) المغربية في نوفمبر/تشرين الثاني 2005، مقالة في 12 صفحة بعنوان "العدالة: الآلة الجهنمية"، جاء فيها أن مسؤولي وزارة العدل الذين يقدّمون تقاريرهم مباشرة إلى القصر الملكي يتدخلون منهجيا في القضايا ذات البعد السياسي، منها القضايا التي يكون المتهمون فيها صحفيين.[33] نفس هؤلاء المسؤولين يُصدرون "تعليمات عبر الهاتف" ويُملون الأحكام على القضاة، بحسب المجلة نقلا عن حوالي 20 قاضيا ومدعيا عاما. اختار القضاة عدم الكشف عن هويتهم خشية التعرض للانتقام، لكنهك قدّموا تفاصيل متعدّدة عن القضايا التي شهدوها تحقق منها الصحفيون. في مارس/آذار 2010، نشرت مجلة "نيشان" المغربية مقالة رئيسية مشابهة بعنوان "قضاة يشهدون على فساد القضاء".[34]
قوانين التعبير: إصلاح بلا جدوى
قُبيل وفاة الملك الراحل الحسن الثاني في 1999، بدأت الصحافة المغربيّة تعيش "ربيعها".[35] كشفت مجلات وجرائد خاصة ومستقلة عن الفساد، وانتقدت سياسات الدولة، ونشرت مقالات رئيسية جريئة على صفحاتها الأولى حول مواضيع كانت يوما ما من المحرمات، مثل الملك والعائلة المالكة، والإسلام والأعراف الدينية، والصحراء الغربية، والجنس.
هذه الجرأة المستجدة في الصحافة المغربيّة رافقتها حملات قمع متكررة. شهد العقد الأول من الألفية الثانية مصادرات منتظمة للجرائد والمجلات، وسُجن صحفيون، وخضعوا لمحاكمات جائرة نالوا فيها غرامات غير متناسبة، ومقاطعة من المعلنين بإيعاز من القصر الملكي.[36] مع بداية العقد الثاني من الألفية، أغلِقت العديد من المجلات والجرائد التي كانت جريئة في العقد السابق، ودُفع مؤسسوها إلى المنفى.
المحاكمات التي حظيت بأكبر تغطية إعلامية ضدّ الصحفيين أو الجرائد من سنة 2000 إلى منتصف العقد التالي كانت تتعلق بجرائم التعبير. تطبيقا لقوانين الصحافة القمعية، أدين الصحفيون المغاربة بتهمة الإساءة للملك أو مؤسسات الدولة، والتشهير بمسؤولين رفيعي المستوى، أو إهانة القضاء. أدين أيضا مغنو راب ومواطنون عاديون بإهانة الملك أو الشرطة على مواقع التواصل الاجتماعي.
في 2016، أصدر البرلمان المغربي "قانون الصحافة والنشر" الجديد، الذي ألغى السجن عن جرائم التعبير.[37] في مقابل ذلك، كان القانون السابق يفرض عقوبة السجن على عدد من الجرائم، مثل الإساءة للملك أو أفرادا من أسرته، والإضرار بالنظام الملكي أو الدين الإسلامي أو الوحدة الترابية للمغرب، ونشر الأخبار الكاذبة بنيّة خبيثة، والتشهير بالأشخاص أو مؤسسات الدولة.
مع ذلك، لا يمكن النظر إلى قانون 2016، الذي لا يفرض عقوبات سجنية، بمعزل عن القانون الجنائي، الذي استمر في فرض عقوبات سجنية على عدد من الجرائم المتعلقة بالتعبير السلمي، سواء ارتكبها صحفيون أو غيرهم. في الحقيقة، أدخل البرلمان في 2016، بالتوازي مع قانون الصحافة الجديد، إضافات إلى القانون الجنائي جرّمت "الإساءة" إلى الدين الإسلامي أو النظام الملكي، أو إهانة الملك وأفراد العائلة المالكة، و"التحريض" ضدّ الوحدة الترابية، وفرضت عليها عقوبة سجنية و/أو غرامة.[38]
علاوة على هذه الأحكام الجديدة، أبقى القانون الجنائي على عقوبات السجن في عدد من جرائم التعبير، ومنها التشهير بمؤسسات الدولة، وإهانة موظفين عموميين أثناء قيامهم بعملهم، والإشادة بالإرهاب، والتحريض على الكراهية أو التمييز، والتشهير بقرارات المحاكم بنيّة تقويض سلطة القضاء أو استقلاليته. العديد من هذه الجرائم لها تعريفات فضفاضة، ما يزيد من خطر استخدامها من قبل القضاة لخنق حرية التعبير.
تطوّر التهم الجنائية
على امتداد العقدين الماضيين، وثقت هيومن رايتس ووتش وهيئات مراقبة أخرى كيف أدانت المحاكم المغربية عشرات الصحفيين، وفرضت أحكاما باهظة على وسائل الإعلام، أو علّقت عملها، بتهم مختلفة تتعلق بالتعبير.[39]
اليوم، مازال المعلّقون على الانترنت أو المتظاهرون في الشوارع يواجهون المحاكمة لممارستهم حقهم في التعبير عن رأيهم. في 2021، حُكم على النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي شفيق العمراني، ومصطفى السملالي، وجميلة سعدان، وإكرام نزيه، والمتظاهر نورالدين العواج بالسجن بسبب انتقاد شخصيات عامة أو الدين الإسلامي.[40]
منذ منتصف العقد الثاني من الألفية، زادت السلطات المغربية من اتهاماتها ومحاكماتها للصحفيين والنشطاء البارزين في جرائم لا تتعلق بالتعبير، مثل العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج والإجهاض، التي تستند إلى قوانين تنتهك لحقوق الإنسان الدولية، ومنها الحق في الخصوصية. شهدت السنوات الأخيرة من العقد الثاني استخدام نوع مختلف من التهم ضد المنتقدين: غسل الأموال، والتجسس، والاغتصاب أو الاعتداء الجنسي، وحتى الاتجار بالبشر.
المنظومة الإعلامية المؤيدة للمخزن
شهد المغرب في سنوات 2010 ظهور نوع جديد من المواقع الإخبارية، المصطفّة بشكل منهجي مع المصالح المفترضة للمخزن، والتي تمتدح باستمرار الملك وأصحاب السلطة المقرّبين من القصر الملكي، وخاصة كبار المسؤولين الأمنيين، وتتخصص في تشويه منتقدي الدولة. تُظهر أرقام مشاهدي الانترنت أن هذه المنافذ باتت تهيمن على المشهد الإعلامي المغربي.[41] تم تعيين إدريس شحتان، مدير شوف تي في، أحد أبرز هذه المواقع، كرئيس لـ"الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين" في المغرب في يونيو/حزيران 2022.[42]
في 16 يوليو/تموز 2020، نشرت العديد من وسائل الإعلام ومنصات الانترنت نصّا بعنوان "بيان/(مانفستو): صحفيون مغاربة ضدّ إعلام التشهير".[43] وقّع على هذا البيان 110 صحفيا مغربيا، وجاء في نصّه: "كلما قامت السلطات بمتابعة أحد الأصوات المنتقدة حتى تتسابق بعض المواقع والجرائد لكتابة مقالات تشهيرية تفتقد للغة أخلاقيات المهنة وتسقط كذلك في خرق القوانين المنظمة لمهنة الصحافة في المغرب".
دعا البيان السلطات العمومية، والنقابات الصحفية، وتجمع المعلنين المغاربة إلى اتخاذ اجراءات للحدّ من دعم المنصات "التي جعلت من خطها التحريري مهاجمة الأصوات التي نزعج بعض الأطراف في السلطة"، قائلين إنّ هذه الاجراءات من شأنها أن تضع حدا "للتشهير والقذف والسب في حق زملاء صحفيين وكذلك شخصيات عمومية".
في مايو/أيار 2020، نشر الصحفي هشام المنصوري، الذي حصل على اللجوء في فرنسا بعد سنوات من المضايقات في المغرب (انظر تفاصيل قضيته في الفصل التالي) مقالة استقصائية كشف فيها استهداف السلطات للمنتقدين المغاربة.[44] قال فيها إنّ "الأجهزة السريّة باتت تفرض سيطرة متزايدة على الحياة السياسية، من خلال استخدام وسائل الإعلام المتخصصة في الأكاذيب والتشهير".
المعارضون هم المستهدفون الرئيسيون
كشفُ الحياة الخاصة لشخصية عامة، سواء كانت سياسيا بارزا أو ناشطا مشهورا، ليس بالضرورة أمرا مستنكرا في حدّ ذاته. مهما كان هذا النوع من التغطية الإعلامية بغيضا، إلا أنه يندرج ضمن حق وسائل الإعلام في حرية التعبير، بغض النظر عن الأفكار التي يدافع عنها أو الأطراف التي قد يكون مرتبطا بها. في الوقت نفسه، ينبغي أن يتمتع المتضررون بحماية فعالة لحقهم في الخصوصية والحقوق المتصلة به، مع الأخذ في الاعتبار أنّ هذا الحقّ قد يكون أكثر تقييدا بالنسبة للذين يختارون أن يكونوا في الحياة العامة. المغرب لديه قوانين لمكافحة التشهير، يُمكن للأفراد استخدامها للدفاع عن هذه الحقوق. لكن العديد من المعارضين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إنهم لا يرون أي جدوى في رفع دعاوى تشهير ضدّ وسائل الإعلام الموالية للمخزن لأنهم مقتنعون بأنّ المحاكم المغربية لن تُنصفهم أبدا في هكذا قضايا.
سائل الإعلام الموالية للمخزن في المغرب لا تُهاجم كل الشخصيات العامة بنفس الطريقة. رغم أنّ بعض المشاهير في مجال الترفيه يتعرضون أحيانا إلى تغطية مثيرة لحياتهم الخاصة في هذه المواقع، إلا أنّ الكثير من المستهدفين الآخرين هم معارضون مفترضون للدولة، وخاصة من الصحفيين والنشطاء. والأهمّ من ذلك أنّ هذه المواقع لا تستهدف أبدا مسؤولي المخزن الأقوياء، وخاصة منهم المحسوبين على القصر الملكي وكبار المسؤولين الأمنيين، بمقالات التشهير والإثارة – أو حتى بمقالات عادية تنتقد سياساتهم العامة.
التغطية الصحفية النقدية للشخصيات النافذة، بما في ذلك أحيانا لحياتهم الخاصة، كانت شائعة في العقد الأول من الألفية الثانية. غير أنّ الدولة ضايقت وسائل الإعلام التي كانت تقوم بها، ممّا عجّل بزوالها.[45] أما اليوم، فقد اختفت مثل هذه التغطية تماما عن المشهد الإعلامي المغربي، بالتزامن مع تزايد في شيطنة المواقع الموالية للمخزن لمنتقدي السلطات.[46]
المعارضون يخشون التشهير بهم أكثر من السجن
قال العديد من منتقدي السلطات في المغرب لـ هيومن رايتس ووتش إنّه حتى في غياب الاجراءات البوليسية أو القضائية مباشرة ضدّهم، فإنّ احتمال التعرّض للتشهير في المنافذ الإعلامية الموالية للمخزن يردعهم ويزيد من حسّ الرقابة الذاتية لديهم. قال معارض مغربي لـ هيومن رايتس ووتش: "لما ترى اسمك ومعطياتك الشخصية مكشوفة هناك، فإنك تفكّر مرتين قبل اتخاذ مواقف علنية مرة أخرى". تحدث دون الكشف عن هويته خوفا من تعرضه للانتقام من هذه المنصات الإلكترونية ومن الشرطة، التي قال إنها "تعمل يدا في اليد".
قال الأكاديمي المغربي المعطي منجب، الذي استُهدف مرارا بهذه القصص التشهيرية، لصحيفة لوموند اليومية الفرنسية في أبريل/نيسان 2021: "في المغرب، السمعة مثل الزجاج، إذا انكسرت يصعب إصلاحها. الشرطة تعرف ذلك، والناس يخشون القذف أكثر من السجن. أما اليوم، فقد صار التشهير، وخاصة فيما يتعلق بالجنس والمال، الطريقة الأولى للضغط على السياسيين والصحفيين".[47]
بين 7 يونيو/حزيران و15 سبتمبر/أيلول 2020، أي في الفترة السابقة واللاحقة لاعتقال الصحفي عمر الراضي، أحصت هيومن رايتس ووتش ما لا يقلّ عن 136 مقالة تُهاجم الراضي بشكل شخصي وعائلته ومسانديه على المواقع الإخبارية المغربية شوف تي في وبرلمان Le360بالعربية والفرنسية.
في 4 يوليو/تموز 2021، أحصت هيومن رايتس ووتش 645 مقالة ذُكر فيها المعطي منجب، في أغلبها محتويات مهينة وإشارات متكررة لحياته الخاصة، منها تفاصيل وصفها منجب بالافتراءات تتعلق بشؤونه المالية الخاصة وبصحته وحياته الجنسية. ظهرت المقالات منذ 2015 بالعربية والفرنسية في ثماني مواقع اخبارية تُعرف باصطفافها المنهجي مع السلطات المغربية وشيطنة منتقديها. هناك العديد من المواقع والصحف المطبوعة الأخرى المماثلة لها.
غالبا ما تضمّنت المقالات التي راجعتها هيومن رايتس ووتش شتائم بذيئة ومعطيات شخصية، مثل السجلات المصرفية والعقارية، ولقطات شاشة لمحادثات إلكترونية خاصة، ومزاعم حول علاقات جنسية وتهديدات بكشفها، وهويات رفقاء السكن، وتفاصيل بيوغرافية عن الأشخاص المستهدفين تعود أحيانا إلى مرحلة الطفولة، مع معلومات خاصة عن الوالدين وأقارب آخرين. تضمّنت واحدة من هذه المقالات صورة مركّبة لتجريم أحد المستهدفين، وما بدا أنه مقتطف من تقرير للشرطة يتضمّن رسائل نصية خاصة مع محاورة أنثى.[48]
ذكرت مقالة نُشرت يوم 8 أبريل/نيسان في "نيويورك ريفيو أوف بوكس" (the New York Review of Books): "مثل هذه [المواقع] (...) لديها قدرة خارقة على التنبؤ بالتهم التي لم يتم توجيهها بعد، وغالبا ما يكون مصوّروها حاضرين في مكان الاعتقال. تتخصص في حملات التشهير الحاقدة ضدّ المعارضين، ولديها إمكانية الوصول إلى تفاصيل من تحقيقات جارية للشرطة ومعلومات شخصية لا يمكن الحصول إليها إلا عبر المراقبة".[49]
"الجنس كزاوية هجوم"
في مقالة مطوّلة نُشرت في 2015، كتب الأكاديمي المعارض المعطي منجب أنّ وسائل الإعلام المؤيدة للمخزن تستخدم باستمرار الجنس خارج إطار الزواج، وهو جريمة في المغرب تصل عقوبتها إلى عام سجن، كـ "زاوية هجوم" لتشويه سمعة المعارضين المغاربة.[50]
لاحظ منجب أن زاوية هجوم الجنس تُستخدم في الغالب ضدّ منتقدي المخزن من ذوي الخلفية الإسلامية، نظرا لأنهم "يجدون الدعم الأكبر في الأوساط الاجتماعية المحافظة، التي تعطي أهمية كبرى للأخلاق الدينية"، ملاحظا أنه "لا توجد طريقة أفضل لتشويه صورتهم في المجتمع وإظهار نفاقهم من عرض صور أو فيديوهات للعموم يظهر فيها أعضاء بارزون لمنظمة [إسلامية] في أوضاع مُخلّة بالآداب العامة".
ربما هناك قيمة إخبارية لشجب مثل هذا "النفاق" نظرا للموقف العام المؤيد "للآداب" لدى بعض المستهدفين، لكن لا يجب فصل ذلك عن الغياب التام لمثل هذه التغطية عندما يتعلق الأمر بشخصيات نافذة، لا سيما من القصر الملكي أو أجهزة الأمن.
عادة ما تُنشَر المواد الفوتوغرافية أو الفيديوهات أولا على واحد من ’المواقع الإخبارية‘ المذكورة أعلاه أو مباشرة على ’يوتيوب‘. ثمّ، وبالنظر إلى الاهتمام الذي تثيره حتما لدى عامة الناس، يُنشَر هذا المحتوى في الصحف الإلكترونية الكبرى [...] تنتشر القضية بسرعة قبل أن يتمكن الضحايا من الردّ، وتصبح موضوع نقاش على وسائل التواصل الاجتماعي و في مقاهي الدار البيضاء والرباط وحتى القرى النائية. وهكذا يحدث الضرر، وإنكار الضحايا لن ينفع [في إصلاحه]. قد يتسبب ذلك في إيقاف مسيرة المعارضين.
تحدّث منجب عن حالة ناشطة إسلامية معروفة. في 2011، نشر موقع إخباري مؤيد للمخزن صورا لامرأة متزوجة تمشي مع رجل في أحد شوارع اليونان، مُدّعيا أنهما عاشقين. قال منجب: "انسحبت [المرأة] من الحياة السياسية منذ ذلك الاعتداء عليها وعلى أسرتها". نفس "الزاوية" استُخدمت ضدّ عضوين بارزين في "الإصلاح والتوحيد"، جمعية دينية مرتبطة بـ "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي، "وُجدا في وضعية جنسية" في سيارة قرب الشاطئ.[51]
منذ ذلك الحين، استخدمت وسائل الإعلام الموالية للمخزن الجرائم المتصلة بالجنس أو الأخلاق لتشويه سمعة شخصيات تجاوزت علماء الدين وأعضاء الأحزاب الإسلامية لتشمل صحفيين ومدافعين حقوقيين.
منصة رسمية
في 3 فبراير/شباط 2022، نشرت "وكالة المغرب العربي للأنباء"، وكالة الأنباء الرسمية في المغرب، مقالة تنتقد خافيير أوتازو، مراسل "وكالة الأنباء الاسبانية" (إيفي) الأسبق في المغرب، الذي كان قد نشر كتابا انتقد فيه السياسات الاستبدادية المتزايدة في المغرب.[52] اعتمدت مقالة وكالة المغرب العربي بشكل كبير على ملفّ عن أوتازو أعدّه موقع اخباري يُعتبر من وسائل الإعلام المؤيدة للمخزن. تحدث المقال عن "غرقه في كراهية المغرب"، و"برّر" ذلك بالمرارة التي عاشها، "حيث تزوّج بسيدة مغربية أنجب منها طفلين... يعيشان مع والدتهما بعد طلاق سبقته مجموعة من المشاكل". مع أن مثل هذه التعليقات متوقعة من موقع إخباري موال للمخزن، لكن تجدر الإشارة إلى أن وكالة الأنباء المغربية أعادت نشرها بأربع لغات.
ليس هذا سوى مثال واحد عن كيف صارت تصريحات وسائل الإعلام الموالية للمخزن متوافقة بشكل متزايد مع الخطاب الرسمي المغربي، إن لم تكن مكمّلة له.
مضايقة المنتقدين بلا هوادة: ثماني دراسات حالة
1. هشام المنصوري
صحفي، استُهدف بمزيج من الترهيب الجسدي والمحاكمات ذات الدوافع السياسية والإجراءات القضائية الجائرة.
هشام المنصوري (40 عاما) صحفي مغربي وناشط في مجال حرية التعبير، وهو حاليا لاجئ سياسي في فرنسا. ينحدر المنصوري من مدينة ورزازات جنوب المغرب، وبدأ حياته المهنيّة في منتصف العقد الأول من الألفية الثانية كمدوّن ساخر ثمّ مراسل محلّي في أ گادير، حوالي 600 كيلومتر جنوب الرباط.[53]
في 2011، انتقل إلى الرباط وانضمّ إلى "الجمعيّة المغربيّة لصحافة التحقيق" (الجمعية)، وهي مجموعة غير حكومية أنشئت في 2008 من قبل نشطاء في مجال حرية التعبير، منهم الأكاديمي المعطي منجب (انظر دراسة الحالة للجمعية في القسم الأخير من هذا التقرير).[54]
الضرب في الشارع
في 24 سبتمبر/أيلول 2014، حوالي الساعة 9:30 مساء، وبُعيد خروجه من فندق "إيبيس" في الرباط حيث كان في اجتماع مع المعطي منجب وأعضاء آخرين في الجمعية، كان المنصوري يمشي في الشارع حينما خرج رجلان مجهولان من سيارة ذات نوافذ معتمة واعتديا عليه بعنف.[55] ضرب المعتديان المنصوري ولكماه بشكل متكرر، وخاصة في وجهه ورأسه.
قال المنصوري إنه أثناء سقوطه على الأرض بدآ في جرّه نحو السيارة، حيث كان يجلس رجل في مقعد السائق. لمّا بدأ المنصوري يصرخ بصوت عال، ما لفت انتباه سائقي الأجرة الذي كانوا يركنون سياراتهم قرب محطة القطارات في أكدال القريبة، قفز المعتديان إلى السيارة وانطلقا بعيدا.
نُقل المنصوري إلى غرفة الطوارئ بأحد المستشفيات، حيث أصدر له الأطباء شهادة عجز مدّتها 25 يوما. روى عبد العزيز النويضي، محامي المنصوري، لـ هيومن رايتس ووتش في 2015، إنّ الشرطة قالت إنها فتحت تحقيقا بعدما أبلغ موكّله عن الاعتداء، لكنها أغلقته بعد ذلك لعدم كفاية الأدلّة.[56]
قال المنصوري إنّ عناصر الشرطة استنطقوا بعض سائقي التاكسي الذين شهدوا الاعتداء، لكنهم لم يستعينوا بفيديوهات المراقبة لفندق إيبيس، والذي كانت فيه كاميرا موجّهة نحو الشارع الذي سلكته سيارة المهاجمين أثناء فرارها من مسرح الجريمة. لما طلب المنصوري ومنجب الاطلاع على محتوى فيديوهات المراقبة بعد أيام، قال لهم موظفو الفندق إنها مُحيت، دون تحديد من فعل ذلك.
الإدانة بالخيانة الزوجية
في 17 مارس/آذار 2015، اعتقلت الشرطة المنصوري في شقته السكنيّة في الرباط، مع صديقة كانت تزوره.
وفقا لمحضر للشرطة، أصبح فيما بعد الدليل الرئيسي في القضيّة، كانت الشرطة قد وضعت المنصوري تحت المراقبة قبل شهرين، استجابة لشكاوى من جيران لم تُحدّدهم ومن بوّاب العمارة بأنّ المنصوري كان يستخدم شقّته للدعارة.[57] ورد في المحضر أنّ عناصر الشرطة المكلفين بمراقبة المنصوري شاهدوا يوم اعتقاله امرأة تدخل إلى العمارة حوالي الساعة 9:30 صباحا، فصعدوا إلى شقته وطرقوا الباب.
وفقا للمحضر، فتحت المرأة الباب مرتدية ثوبا "شفافا"، فدخل عناصر الشرطة غرفة النوم ووجدوا المنصوري يرقد نصف عار على الفراش. ورد فيه أيضا أنّهم اعتقلوا المشتبه فيهما واقتادوهما إلى مركز للشرطة. وهناك، وقّعت المرأة على أقوال بأنها ارتكبت الخيانة الزوجية مع المنصوري، بينما أدلى الأخير بأقوال ينكر فيها ذلك.
يُجرّم الفصل 491 من القانون الجنائي المغربي الخيانة الزوجيّة، لكنّه ينصّ على أن المتابعة لا تجوز إلا بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه، أو إذا تعاطى أحد الزوجين الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة والزوج خارج تراب المملكة، وتُعاقب بالسجن من عام إلى عامين. في هذه القضيّة، قدم زوج المرأة شكوى لتحريك المتابعة، لكن فقط بعد أن أعلمته الشرطة بضبط زوجته "في حالة تلبّس".[58] اتُهم المنصوري أيضا بـ"جلب أشخاص للبغاء" والمشاركة في الخيانة الزوجية.[59]
أثناء المحاكمة، طعن المتهمان، اللذان كانا محتجزان منذ اعتقالهما، في رواية الشرطة. أنكرت المرأة وجود علاقة زنا بينها وبين المنصوري، وقالت إنها وقعت على "الاعتراف" تحت ضغط الشرطة. قالا إنّ الشرطة فتحت الباب عنوة لتدخل إلى الشقة. تحدّث شقيق المنصوري، وبواب العمارة، ومفوض قضائي استدعاه الشقيق لإنجاز تقرير عن الأضرار التي لحقت بباب الشقة متسقة مع فتحه عنوة.[60]
في المحكمة، عارض الشهود أيضا التبرير الرسمي لاقتحام الشرطة لشقة المنصوري. نفى البواب أنه اشتكى للشرطة من المنصوري لاستخدامه شقته في الدعارة أو لأي سبب آخر. لمّا واجه القاضي البوّاب بمحضر للشرطة ذُكر فيه أنّه اتّهم المنصوري بذلك، أكّد أنّه توقيعه، لكنه قال إنه لا يستطيع القراءة والكتابة، وإنّه وقّع على الوثيقة لأنّ الشرطة طلبت منه ذلك.[61] وقّع سكان العمارة على أقوال بأنّ المنصوري كان جارا مثاليا لم يشتكوا منه أبدا.[62]
في سياق حديثه عن توقيفه، قال المنصوري في المحكمة إنّ الباب الأمامي فُتح عنوة، ثم دخل حوالي عشرة عناصر إلى شقته، وأجبروه على الاستلقاء أرضا، ونزعوا عنه ملابسه. وفقا لرواية مدوّنة قدّمها المنصوري للمحامي، صوّرته الشرطة مع المرأة، ثم اصطحبتهما إلى الشارع، بينما كان لا يستر منصوري سوى منشفة.[63]
تبرّأت المرأة أمام وكيل الملك يوم 19 مارس/آذار 2015 وأثناء المحاكمة من الأقوال التي نسبتها إليها الشرطة، والتي تضمّنت تفاصيل فاضحة وصريحة عن علاقة زنا كانت تربطها بالمنصوري. قالت للمحكمة إنّها وقّعت على الأقوال دون قراءتها لأنّ الشرطة أخبرتها أنّها إذا فعلت ذلك ستُخلي سبيلها لتعود إلى طفليها.
قالت إنّها كانت والمنصوري في ثيابهما العادية عند مداهمة الشرطة، وإنهما مجرّد صديقين، ولم تكن بينهما أي علاقة زنا. قالت أثناء محاكمة الاستئناف إنّ الشرطة صوّرتهما بعد أن نزعت ثياب منصوري بالقوة. لم يتضمّن ملف الدعوى أيّ صور.
في 30 مارس/آذار 2015، أدانت المحكمة الابتدائية في الرباط المرأة بتهمة الخيانة الزوجية، والمنصوري، الذي لم يكن متزوجا، بالمشاركة فيها. حُكم على كلاهما بالسجن عشرة أشهر. تمت تبرئة المنصوري من تهمة الدعارة، التي طالما تجاهلتها المحكمة رغم أنّ الشرطة استخدمتها لفتح القضيّة برمّتها.
المنصوري ليس الشخصيّة المغربيّة الوحيدة البارزة التي تُعتقل بتهمة الجنس خارج إطار الزواج. في 13 مارس/آذار 2015، احتجزت شرطة الدار البيضاء مصطفى الريق، العضو البارز في "حركة العدل والإحسان" المعارضة، وامرأة كان يزورها، كما وثقت ذلك هيومن رايتس ووتش.[64] احتجزت الشرطة الريق والمرأة ثلاثة أيام، وأبلغت زوجة الريق، لكنها أفرجت عنهما لأنّ هذه الأخيرة رفضت تقديم شكوى. مثل المنصوري، زعم الريق أنّ الشرطة نصبت له فخا ولفقت له أدلّة الخيانة الزوجية، بما في ذلك نزع ملابسه بالقوة وتصويره في مسرح الواقعة.
ظروف السجن القاسية
احتُجز المنصوري في سجن الزاكي في سلا، قرب الرباط، الذي أفادت جهات رقابيّة بأنّ ظروفه قاسية، ومنها الاكتظاظ وتعذيب السجناء.[65]
قال المنصوري لـ هيومن رايتس ووتش:
وُضِعتُ في الحي "د" من سجن الزاكي، الذي كان يعجّ بالمجرمين العنيفين وسجناء لديهم إعاقات عقلية شديدة، مكانهم ليس السجن أصلا. كنا 50 إلى 60 شخصا في نفس الزنزانة، وجميع أنواع المخدرات والأسلحة اليدوية كانت متوفرة. ضُربت عدّة مرات، بما في ذلك من قبل الحرّاس، وكنت مرعوبا طوال الوقت. كانت ظروف النظافة الصحية مروّعة، وكانت هناك براغيث تتغذى من جسدي طيلة الفترة التي قضيتها هناك.
أغلق هذا السجن في وقت لاحق من نفس السنة، بعد أن غادره المنصوري.[66] في يناير/كانون الثاني 2022، نشر المنصوري كتابا عن تجربته في السجن.[67]
الهروب من المغرب
بعد أن قضى عشرة أشهر في السجن بتهمة الخيانة الزوجية، أطلِق سراح المنصوري يوم 17 يناير/كانون الثاني 2016. غادر المغرب في اليوم التالي.
ذهب في البداية إلى تونس، ثم وصل إلى فرنسا بعد ثلاثة أشهر، وقدّم طلب لجوء على أساس الاضطهاد السياسي، فحصل عليه في 2018. حتى كتابة هذا التقرير، لم يعد إلى المغرب.
قال المنصوري لـ هيومن رايتس ووتش: "أعتقد أن سبب استهداف السلطات المغربيّة لي لا يتصل بي بقدر ما يتصل بقربي من المعطى منجب، الذي كان معارضا بارزا ومستهدفا منذ عقد من الزمن.[68] ربما كانت المشاكل التي سُبّبت لي طريقة لتخويف منجب، ومجموعة النشطاء المحيطين به. قد يكون هناك سبب آخر وهو أنني كنت شخصية محورية في الجمعية المغربية لصحافة التحقيق. ربما كانوا يعتقدون أنّ هذا المشروع يُمكن أن يؤدّي إلى إحياء الصحافة المستقلّة بعدّ أن دمروها بشكل كامل تقريبا في العقد الأول من الألفية، ولذلك قرّروا أنّهم لن يسمحوا بحدوث ذلك".
2. فواد عبد المومني
ناشط حقوقي وديموقراطي مخضرم وناقد صريح للنظام الملكي الحالي في المغرب، تعرّض للمراقبة الرقميّة، وزُرعت كاميرات سرا في منزله، وانتُهك في خصوصيته الحميميّة، وخضع للضغط على وعبر أفراد عائلته ومضايقات من وسائل الإعلام الموالية للمخزن، ومُنع من منحة عمومية بطريقة غير مبرّرة.
فؤاد عبد المومني (64 عاما) ناشط في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والحقوق الاجتماعية، يعبّر عن رأيه بشكل علني على وسائل التواصل الاجتماعي وفي مقابلات مع الصحافة الدوليّة. وهو خبير اقتصادي متخصّص في القروض الصغرى، ويقدّم استشارات للحكومات والمنظمات في أفريقيا وأماكن أخرى، ويعيش في مزرعة قرب الرباط.
في 1977 ومرة أخرى في 1982، اعتقلت السلطات المغربية عبد المومني انتقاما من نشاطه اليساري. قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه تعرّض للعذيب، والسجن، والاختفاء القسري لما مجموعه سنتين ونصف السنة، خارج أي إطار قانوني.[69]
كان عبد المومني من 1998 إلى 2004 نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أكبر منظمة حقوقية مستقلة في البلاد، التي ما انفكت السلطات عن مضايقتها منذ عقود.[70] كان أيضا من 2016 إلى 2018 الأمين العام لفرع "منظمة الشفافية الدوليّة" في المغرب، وهي منظمة عالمية لمكافحة الفساد. عبد المومني حاليا عضو في اللجنة الاستشارية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.
كان مؤيّدا ومستشارا مفترضا لـ"حركة 20 فبراير" الشبابية، النسخة المغربية من موجة "الربيع العربي" في 2011. حاول بعد ذلك، مع نشطاء آخرين مساندين للديمقراطية، منهم المعطي منجب، إنشاء منصّة مشتركة بين النشطاء اليساريين والإسلاميين لمعارضة الاستبداد الملكي في المغرب.[71] يعمل باستمرار على إدانة "الدكتاتورية الاستبدادية" في المغرب في وسائل الإعلام التقليدية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.[72]
المراقبة الرقميّة وبرمجيات التجسس
في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أعلمت منظمة "سيتزن لاب"، وهي مختبر تكنولوجي مقرّه كندا ويرصد المراقبة على الانترنت والخطر الذي تشكّله على حقوق الإنسان في العالم، عبد المومني بأنّها وجدت رقم هاتفه ضمن سبعة أرقام أخرى في المغرب استُهدفت ببرمجيّة التجسس "بيغاسوس". بيغاسوس برمجية تجسس تطورها وتبيعها شركة "إن إس أو غروب" ومقرها إسرائيل. تُحمَّل البرمجية خلسة على الهواتف الخلوية للأشخاص. بمجرد تحميلها على الجهاز، يصبح عميل الشركة قادرا على تحويله إلى أداة مراقبة قوية من خلال الوصول الكامل إلى الكاميرا، والمكالمات، والصور ومقاطع الفيديو، والميكروفون، والبريد الإلكتروني، والرسائل النصية، وغيرها من الخاصيات، ما يتيح مراقبة الشخص المستهدف وجهات الاتصال.
ردّا على الأدلّة على استخدام برمجية بيغاسوس لاستهداف الحقوقيين والصحفيين والمعارضين، قالت إن إس أو غروب بشكل متكرّر إنّ الاستخدام الوحيد الذي ترمي إليه هذه التكنولوجيا هو تمكين الحكومات وأجهزة إنفاذ القانون من مكافحة الارهاب والجريمة بطريقة قانونية، وإنّها لا تُشغّل برمجية التجسّس التي تبيعها للحكومات التي تتعامل معها.[73]
بعد الكشف عن تعرّض هواتفهم للمراقبة، نشر عبد المومني والمستهدفون الستة الآخرون يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بيانا طالبوا فيه بالمحاسبة الكاملة لمرتكبي هذا العمل.[74] قال عبد المومني لـ هيومن رايتس ووتش إنّه أدلى في نفس الفترة بعدّة تصريحات علنيّة قاسية، منها أنّ الدولة المغربيّة تتصرّف "مثل المافيا".[75]
في 9 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، تلقت شقيقة عبد المومني مكالمة من شخص قدّم نفسه على أنّه شرطي، وأبلغها كذبا أنّ شقيقها مسجون بعد أن "تم القبض عليه مع امرأة ". قال عبد المومني لـ هيومن رايتس ووتش إنّه فهم الأمر على أنّه محاولة لترهيبه.
في ديسمبر/كانون الأول 2020، قال عبد المومني لـ"أكسس ناو"، مجموعة تدافع عن الحقوق الرقمية في العالم، إنّه قدّم مع سبعة ضحايا آخرين للتجسس طلب تحقيق لدى "اللجنة الوطنية لمراقبة المعطيات ذات الطابع الشخصي"، التابعة للحكومة المغربية.[76] قال عبد المومني: "هذه اللجنة لم تفعل شيئا، بحجّة أنّ ليس لها صلاحية النظر في هذا النوع من المسائل". أنكرت السلطات المغربيّة بشكل متكرر استخدام برمجية بيغاسوس للتجسس على المعارضين.[77]
الابتزاز الجنسي
في 16 يناير/كانون الثاني 2020، نشر موقع برلمان، الموالي للمخزن، فيديو يُهين عبد المومني ويذكره بالاسم، ويُهدّد بشكل غير مباشر بكشف تفاصيل عن "سلوكات المراهقين " الخاصة به.[78] اتهمّت الإعلامية في نفس الفيديو "مناضلا حقوقيا شيخا" لم تُسمّيه بـ"التمحكك [الاحتكاك] ببنت صغيرة هو في عمر جدّها".
بعد شهر من نشر هذا الفيديو، تلقى عشرات من الأشخاص، منهم أقارب، وأصدقاء، ونشطاء حقوقيين، مجموعة من ستة فيديوهات على واتساب، مدّة كلّ منها عدّة دقائق، يظهر فيها عبد المومني في أوضاع حميمية مع امرأة في منتصف الثلاثينات من العمر، أي أصغر منه بحوالي 25 عاما، في شقة يملكها في الصخيرات، منتجع ساحلي قرب الرباط. كان المرسل مجهول الهويّة.
يُعاقب القانون الجنائي المغربي العلاقات الجنسية بالتراضي بين البالغين غير المتزوجين بالسجن لمدة تصل إلى عام واحد. تُعتبر العلاقات خارج إطار الزواج أيضا محرّمة اجتماعيا، وتُعرّض الأشخاص غير المتزوجين، وخاصة النساء، إلى العار والوصم الدائم. عند تصوير ذلك الفيديو، لم يكن عبد المومني والمرأة التي معه متزوجان، رغم أنّها صارت الآن زوجته. بعض الذين وصلهم الفيديو كانوا من أهلها المقرّبين.
بحسب عبد المومني، واستنادا إلى زاوية التصوير، سُجِّلت مقاطع الفيديو بكاميرات زُرعت سرّا داخل وحدتي التكييف في غرفة النوم وغرفة المعيشة في شقته.[79] قال أيضا إنّ أجهزة التسجيل لا بدّ أنها كانت متطوّرة بما أن الفيديوهات تضمّنت أصواتا واضحة في الغرفة رغم الأزيز المرتفع لوحدات التكييف.
قال عبد المومني لجريدة "لومانتي" (L’Humanité) الفرنسية في مارس/آذار 2021:
تمّ الإعلان عن هذه الفيديوهات، قبل نشرها، على موقع متخصص في التشهير معروف بأنه قريب جدا من أجهزة المخابرات، التي كانت قد هدّدت بـ"كسري"، وكشف خصوصيتي إن لم أتوقف عن انتقاد النظام. من الواضح أنّ جهازا في قلب الدولة المغربيّة يسيء استخدام وسائل الدولة لترهيب الناس. ليس لدى كل شخص القدرة على الدخول والخروج من منزلي، وزرع هذه الأجهزة المتطورة في أماكن مختلفة، ثم يعود لإزالتها، بتنسيق مع موقع يُعرف بتشويه سمعتي وتهديدي [مع معارضين مغاربة آخرين].[80]
بعد توزيع التسجيلات، قال عبد المومني إنه قلّص من أنشطته العامة لأشهر، وخفّف كثيرا من انتقاداته العلنيّة، ومنع أقاربه وأصدقائه من زيارته بهدف حماية أمنهم وخصوصيتهم. قال لـ هيومن رايتس ووتش: "تصرّفت كأنني ميّت لمدة ستة أشهر". لكن بعد أن أعلن أحد وكلاء الملك في أكتوبر/تشرين الأول 2020 عن التحقيق مع صديقه المؤرخ والناشط الحقوقي المعطي منجب، وهو أيضا له تاريخ طويل مع مضايقات الشرطة، بتهم مشكوك في صحتها تتعلق بغسل الأموال، قرّر عبد المومني الخروج عن صمته والدفاع عن منجب.
فور استئنافه انتقاد السلطات بشكل علني، نشر موقع شوف تي في، الموالي للمخزن أيضا والمتخصص في شيطنة منتقدي الدولة، يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2020 مقالة مطولة بعنوان "فضائح صادمة: مغامرات الشيخ عبد المومني [الجنسية]" [العنوان نُقل بتصرف]. كشفت المقالة عن هوية المرأة التي ظهرت في الفيديوهات، والمزيد من المعلومات الشخصية عنها، منها تفاصيل عن حياتها العائلية، مع عدّة مزاعم تشهيرية بشأن العلاقة.
الموافقة على منحة ثمّ حجب التمويل تعسفا
يمتلك عبد المومني حوالي خمس هكتارات من الأراضي الزراعية في منطقة سيدي بطاش، جنوب الرباط. بعد أن قدّم طلبا للحصول على منحة استثمارية لتطوير أعمال زراعية وتربية الماشية، وافقت وزارة الفلاحة في يوليو/تموز 2018 على تمكينه من منحة عامة قيمتها حوالي 30 ألف دولار.
استنادا إلى هذا القرار، أرسلت "مجموعة القرض الفلاحي"، وهو مصرف مملوك للدولة ومتخصص في تمويل المشاريع الزراعية، إلى عبد المومني في نفس الشهر رسالة نصّية مفادها أنّ الوزارة أعلمت المصرف بموافقتها على المنحة، وعرضت عليه بالاستناد إلى ذلك بإقراضه ما يصل إلى 90⁒ من قيمة المنحة كسُلفة، لكنّه رفض وفضّل الانتظار حتى تصرف له الوزارة مبلغ المنحة الفعلي.
بعد عامين تقريبا، قال عبد المومني إنّ الأموال لم تدخل بعد حسابه المصرفي. في 3 سبتمبر/أيلول 2020، كتب رسالة إلى وزارة الفلاحة مطالبا بالمنحة، لكنه لم يتلق ردّا. ذهب بعدها إلى المقر الرئيسي للوزارة في الرباط محاولا الحصول على تفسير رسمي، لكن لا أحد وافق على استقباله أو اخباره بمصير المنحة. قال إنّه عاد إلى الوزارة 12 مرّة في الشهرين المواليين، لكنّه لم يتمكن أبدا من التحدث إلى شخص مطّلع. وفي الزيارة الـ13، قال له مسؤول هناك إنّ وزير الفلاحة وحده قادر على معالجة المسألة، بحسب ما قاله عبد المومني لـ هيومن رايتس ووتش.
قال عبد المومني إنه بعث يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 2020 برسالة نصّية إلى عضو في ديوان الوزير يطلب فيها توضيحا وتعويضا. ردّ هذا العضو في اليوم نفسه، وطمأنه بأنّه سيستفسر عن الأمر ويعود إليه بأسرع وقت ممكن. وبعد انقضاء شهر من دون الحصول على رد، بعث عبد المومني برسالة أخرى إلى نفس الشخص يوم 1 ديسمبر/كانون الأول، يعلمه فيها بأنه "في ظل غياب أي ردّ، سيعتبر نفسه في وضع ترفض فيه الإدارة بشكل تعسفي تطبيق القانون". لم يتلق أي ردّ حتى كتابة هذا التقرير، بعد عام ونصف.
قرأت هيومن رايتس ووتش الرسائل، والوثائق، ولقطات الشاشة لرسائل واتساب التي قدّمها عبد المومني.
3. هاجر الريسوني
هاجر الريسوني (30 عاما)، صحفية كانت تعمل في صحيفة أخبار اليوم التي توقفت عن الصدور. غطت قضايا اجتماعية وسياسية، بما في ذلك الحراك، وهي حركة احتجاجية نظمت تجمعات كبيرة في منطقة الريف شمالي المغرب عام 2017 قبل أن تقمع السلطات أعضاءها.[[81]]
صلة قرابة مع معارضين بارزين
قالت هاجر الريسوني لـ هيومن رايتس ووتش: "أعتقد أن السبب الرئيسي لمشاكلي، إضافة إلى استهداف أخبار اليوم التي حقدت عليها السلطات لاستقلاليتها، هو أنهم أرادوا النيل من أسرتي".[82]
كان سليمان الريسوني، عمّ هاجر، رئيس تحرير أخبار اليوم عام 2019، وكان معروفا بافتتاحياته اللاذعة، لا سيما تلك التي تستهدف كبار مسؤولي الأمن والقصر الملكي والملك نفسه، بصفة شخصية أحيانا. اعتُقل سليمان الريسوني الذي استهدفته وسائل الإعلام الموالية للمخزن مرارا وتكرارا، وسُجن فيما بعد بتهمة الاعتداء الجنسي (انظر الجزء الخاص بقضيته).[83]
لدى هاجر عمّ آخر، أحمد الريسوني، وهو مفكر إسلامي بارز ورئيس "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" ومقره قطر. يخلف الريسوني في هذا المنصب يوسف القرضاوي، أحد أشهر الدعاة في العالم الإسلامي. كان أحمد الريسوني، قبل أن يبرز على المستوى الدولي، على رأس حركة التوحيد والإصلاح، وهي جمعية تعمل كمركز للفكر الديني ومَنشأ لكوادر حزب العدالة والتنمية، حزب إسلامي طالما اعتبره القصر الملكي من أكبر خصومه السياسيين.[84]
يوسف الريسوني، ابن عم هاجر، هو الأمين العام للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أكبر منظمة حقوقية مستقلة في البلاد، تستهدفها السلطات منذ أمد طويل.[85] يستهدف الإعلام الموالي للمخزن يوسف الريسوني منذ زمن طويل بالمقالات القدحية.[86]
الاعتقال والمحاكمة لممارسة الجنس خارج نطاق الزواج
في 31 أغسطس/آب 2019، في منتصف النهار، اعتقل ستة من عناصر شرطة بالزي المدني هاجر الريسوني وخطيبها الباحث السوداني رفعت الأمين في أحد شوارع حي أگدال بالرباط، بالقرب من عيادة لأمراض النساء والتوليد التي كانت خرجت منها الريسوني قبل دقائق.[[87]] أعادتهما الشرطة إلى العيادة، وألقت القبض على الطبيب المسؤول واثنين من مساعديه ونقلت الخمسة إلى مركز للشرطة في الرباط لاستنطاقهم.
نقلت الشرطة الريسوني في وقت لاحق من ذلك اليوم إلى مستشفى ابن سينا بالرباط، حيث قالت إن طاقم طبي أخضعها لفحص طبي نسائي قسري دون موافقتها. قالت لهيومن رايتس ووتش إنها كانت ضعيفة ولا تزال تنزف من العملية التي أجراها لها طبيبها النسائي قبل ساعات قليلة لإزالة جلطة دموية. يمكن أن ترقى مثل هذه الفحوصات، عندما تُجرى دون موافقة الشخص المعني، إلى مستوى العنف الجنسي والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمُهينة بموجب المعايير الدولية لحقوق الإنسان.[[88]]
بقيت الريسوني رهن الاعتقال في مركز الشرطة 48 ساعة، استنطقتها خلالها الشرطة بشأن تفاصيل حميمية، بما في ذلك إن كانت قد أجهضت، وهو ما نفته. في 2 سبتمبر/أيلول 2019، عرضت السلطات الريسوني على المحكمة الابتدائية بالرباط، حيث اتهمها وكيل الملك بالإجهاض غير القانوني وعلاقة جنسية خارج إطار الزواج، وهي جرائم يعاقَب عليها بالسجن لمدة تصل إلى عامين وعام على التوالي.[[89]]
انتهاكات الخصوصية
روت الريسوني في رسالة كتبتها من زنزانتها ونُشرت في أخبار اليوم في 4 سبتمبر/أيلول 2019 أن الشرطة طرحت عليها عدة أسئلة عن أقاربها، بما في ذلك عن عمّيها وابن عمها.[[90]] قالت أيضا إن محققي الشرطة طرحوا أسئلة محددة حول علاقتها بخطيبها، كشفت لها أنهما كانا تحت المراقبة.
تضمنت أسئلة الشرطة تفاصيل محددة مثل التواريخ والأوقات التي جاءت فيها الريسوني إلى شقة خطيبها لإخراج كلبه في جولة – بالإضافة إلى اسم الكلب. قالت الريسوني لـ هيومن رايتس ووتش إن مثل هذه المعلومات لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال المراقبة الجسدية و/أو الإلكترونية.
في 5 سبتمبر/أيلول، أصدر عبد السلام العيماني، وكيل الملك في الرباط، بلاغا وُزّع على وسائل الإعلام على نطاق واسع، يفصّل فيه المزاعم ضد الريسوني. تضمن البلاغ تفاصيل جد شخصية تتعلق بصحتها الجنسية والإنجابية، في انتهاك لحقها في الخصوصية.
بعد أيام قليلة، نشر موقع "شوف تيفي" الموالي للمخزن، مقابلة بالفيديو مع محمد الهيني، قاض سابق كثيرا ما يدعم السلطات بتصريحاته للإعلام. [[91]] علق الهيني، نافيا أي "مؤامرة" [ضد الريسوني]، ومشيرا إلى أنها "اعترفت بإقامة علاقات جنسية مع عدد من الأشخاص". أضاف الهيني: "هل السلطات وضعت المني في رحم [الريسوني]؟"
الحكم والعفو
في 30 سبتمبر/أيلول 2019، حكمت محكمة في الرباط على الريسوني بالسجن لمدة عام بتهمة الإجهاض وممارسة الجنس خارج إطار الزواج.[[92]] حكمت على خطيبها بالحبس لمدة عام بتهمة التواطؤ في الإجهاض وممارسة الجنس غير المشروع، وحكمت على الطبيب الذي أدين بإجراء الإجهاض بالسجن عامين.
رفضت المحكمة في حكمها الكتابي جميع التماسات الدفاع واستندت في إدانتها إلى محضر للشرطة يذكر أن الريسوني "اعترفت" بالإجهاض رغم أنها رفضت التوقيع على ذلك المحضر، بحسب مراجعة للحكم نُشرت في صحيفة أخبار اليوم.[[93]]
أثناء المحاكمة، التي حضرتها هيومن رايتس ووتش، نفت الريسوني والطبيب النسائي وقوع عملية إجهاض على الإطلاق. أكدت الريسوني أنها زارت طبيبها النسائي بسبب إصابتها بنزيف مهبلي أكد الطبيب أنه أوقفه.
استندت المحكمة في قرارها أيضا إلى الفحص الطبي النسائي الذي أُجري للريسوني أثناء احتجازها لدى الشرطة، رغم طلب محامي الدفاع عدم الاعتداد بذلك التقرير الطبي لأنه استُصدر رغما عن موكلتهم.
الدكتور هشام بنيعيش، رئيس مصلحة الطب الشرعي بالمركز الاستشفائي ابن رشد بالدار البيضاء وخبير قانوني كثيرا ما تطلبه المحاكم المغربية، شكك علنا في نتائج التقرير الطبي ومنهجيته، رغم أنه لم يُستشر في محاكمة الريسوني.[[94]] كتب بنيعيش أن "الغرض من ذلك "الفحص الاقتحامي" كان توفير وسائل الإثبات لخصم (الريسوني) في المحكمة"، وبالتالي فهو غير قانوني، وانتهاك لضمانات المحاكمة العادلة والخصوصية الطبية، و"يمكن اعتباره تعذيبا".[[95]]
بعد تزايد الاحتجاجات الدولية المدافعة عن الريسوني، أُفرِج عن الصحفية وخطيبها والطبيب في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2019 بعفو ملكي بعد أن قضوا 45 يوما في السجن.[[96]]
في يوليو/تموز 2020، غادرت الريسوني المغرب إلى السودان، حيث تعيش مع رفعت الأمين الذي أصبح الآن زوجها. قالت الريسوني لـ هيومن رايتس ووتش: "كنا ننوي العيش في المغرب، لكن بعد زيادة المراقبة والتشهير والمضايقات، لم يعد بإمكاني تحمل العيش في خوف كل يوم".[[97]]
بقيت الريسوني بعد رحيلها هدفا لمقالات تشهير متكررة من قبل الإعلام الموالي للمخزن. في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أصر موقع برلمان، رغم نفي الصحفية المتكرر أن تكون خضعت لإجهاض قبل اعتقالها، على أنها فعلت، وتساءل لمن هي "النطفة الموءودة [التي وُجدت في جسدها]".[[98]] في مارس/آذار 2021، بعد أن نشرت الريسوني مقالا على موقع لبناني بعنوان "يد صحافة التشهير فوق كل شيء في المغرب"، كتب برلمان أنها "تعاني من إسهال في التدوين المؤدلج".[[99]]
4. المعطي منجب
مؤرّخ (60 عاما) وناشط في مجال حرّية التعبير، تعرّض لمضايقات من خلال وسائل الإعلام الموالية للمخزن، وحظر سفر تعسّفي، وترهيب جسدي له ولشركائه، ومحاكمات ذات دوافع سياسية، وإجراءات قضائية جائرة، والحبس الاحتياطي غير المبرّر، ومراقبة هاتفه الذكي.
المعطي منجب حاصل على شهادتي دكتوراه في التاريخ، ودرّس في جامعات في المغرب والسنغال والولايات المتحدة. وهو باحث سابق في برنامج "فولبرايت" وزميل زائر في "معهد بروكنغز" في واشنطن، وألّف ثلاثة كتب عن تاريخ المغرب المعاصر.
في ثمانينات وأوائل تسعينيات القرن الماضي، كان منجب عضوا نشطا في الفرع الفرنسي لـ "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" وجمعية الدفاع عن حقوق الإنسان في المغرب" (المختصر بالفرنسية: ASDHOM)، وهما منظمتان عملتا على الضغط على السلطات المغربيّة لإرساء الديمقراطية وإطلاق سراح السجناء السياسيين.
أوّل مواجهة له مع السّلطات كانت في أبريل/نيسان 1995، لمّا عاد إلى المغرب بعد سنوات قضاها في الخارج، فاعتقلته شرطة الحدود في مدينة أگادير الجنوبية. قال منجب لـ هيومن رايتس ووتش إنّ الشرطة استجوبته عن أنشطته السياسية في فرنسا، وخاصة مقابلة أجراها معه صحفي فرنسي وصف فيها الملك الحسن الثاني آنذاك بـ "البلطجي" [بالفرنسية: "voyou"].[100] أطلِق سراحه بعد 36 ساعة، لكنه غادر المغرب بعد فترة وجيزة نحو السنغال، حيث حصل على وظيفة أستاذ جامعي.
بعد نشر كتابه الأوّل "النظام الملكي المغربي والصراع على السلطة" في 1992، قال منجب – الذي كان يعيش في الخارج آنذاك – إنّ والدته وشقيقه كانا يتصلان به بانتظام ليبلغاه بزيارات عناصر شرطة كان يطرحون أسئلة حول أنشطته.
عاد منجب إلى المغرب بعد أن خلف محمّد السادس الحسن الثاني في 1999. حصل على وظيفة تدريس في جامعة مكناس، قبل أن يُنقل إلى جامعة محمد الخامس في الرباط. خلال الفترة نفسها، بدأ في كتابة عمود سياسي في جريدة لو جورنال الأسبوعية، التي كانت آنذاك منبرا رائدا في الصحافة المغربية المستقلّة والناقدة في عهد محمد السادس. تعاون أيضا لسنوات مع مجلّة التاريخ المغربيّة "زمان".
تشكيل جبهة معارضة موحّدة
في 2007، بدأ منجب سلسلة من الاجتماعات مع قادة أحزاب وجمعيات يسارية وإسلامية، بهدف تشكيل جبهة معارضة موحّدة ضدّ المخزن.[101]
عقدت ثمانية من هذه الاجتماعات في السنوات التالية، وحضرها قادة سياسيين من كلا الجانبين. بعضها تمّ في منازل خاصة والبعض الآخر بشكل علني وبحضور حوالي 50 شخصا. بعض هذه الاجتماعات العامة حصلت على دعم وتمويل من منظمة "إنترشورش بيس كاونسل"، وهي منظمة هولندية تعمل من أجل "السلام والمصالحة والعدالة في العالم"، بحسب موقعها على الانترنت.[102]
بالاستناد جزئيا إلى المواد التي جمعها في تلك الاجتماعات، نشر منجب في 2011 ورقة بحثية لمعهد بروكنغز في واشنطن بعنوان "مسار 'إرساء الديمقراطية' في المغرب: التقدّم والعقبات وتأثير الانقسام الإسلامي-العلماني".[103]
قال منجب لـ هيومن رايتس ووتش إنّه منذ تلك الاجتماعات الأولى، صار ومنظّمين آخرين في الرباط ملاحقين بشكل متكرر من قبل سيارات فيها رجال في لباس مدني بينما كانوا يقومون بأعمالهم اليومية الاعتيادية.[104] كما استنطقته الشرطة بشكل منهجي عن أنشطته السياسية كلما سافر إلى الخارج وعاد.
الترهيب والتهديد
في 6 أبريل/نيسان 2014، حققت مبادرة منجب لتوحيد المعارضة ضدّ المخزن خطوة إلى الأمام عبر تنظيم اجتماع حضره، بالإضافة إلى قادة يساريين وإسلاميين، أعضاء بارزون في حزب العدالة والتنمية، الذي كان آنذاك العمود الفقري للحكومة التي عيّنها الملك محمد السادس قبل عامين. انتهى الاجتماع بقرار لصياغة برنامج سياسي مشترك، يُمكن القول إنه كان أكبر تحدّ ملموس لهيمنة القصر الملكي على السياسة المغربية منذ عقود.
في نفس الفترة تقريبا، دخل المغرب وفرنسا في أزمة دبلوماسية. في 20 فبراير/شباط 2014، استغلّ قاضي تحقيق فرنسي وجود عبد اللطيف الحموشي، المدير العام القويّ للشرطة المغربية، في فرنسا، لاستدعائه للردّ على اتهامات بضلوعه في أعمال تعذيب. غادر الحموشي فرنسا دون الاستجابة للاستدعاء. بعد ذلك، استدعى وزير خارجية المغرب السفير الفرنسي لتوبيخه.[105]
لما سُئل على قناة "فرانس 24" عن رأيه في استدعاء الحموشي من قبل القضاء، قال منجب: "لِم لا، إذا كانت هناك أدلّة ضدّه؟"، بحسب ما أفاد لـ هيومن رايتس ووتش في وقت لاحق.
قال منجب إنّ الضغط الذي مارسته عليه السلطات اشتدّ بعد أن أدلى بهذا التصريح، وكذلك لأنّ السلطات صارت تعتبره المهندس الرئيسي لجبهة المعارضة التي بدأت تتوسع بسرعة. أضاف منجب أن أعمال الترهيب ضدّه تسارعت منذ ذلك الوقت.
يوم 14 يوليو/تموز 2014، قال منجب إنّ رجلا مجهولا كان يسير خلفه في أحد شوارع الرباط وشدّه من كتفه وقال له: "عليك أن تغلق فمك النتن". في 22 سبتمبر/أيلول 2014، اقترب منه رجل مجهول آخر في أحد شوارع الرباط أيضا وقال له: "إن لم تخرس، فسوف تتولى 'داعش' أمرك". داعش هو اختصار لـ"تنظيم الدولة الإسلامية"، الجماعة المسلّحة التي اكتسبت شهرة عالمية في صيف 2014 بعد أن سيطرت بشكل عنيف على مناطق واسعة في العراق وسوريا.
قال منجب لـ هيومن رايتس ووتش إنّ محاولة الترهيب الأخيرة هذه حصلت قبل يومين من الاعتداء الجسدي الذي تعرّض له زميله هشام المنصوري (انظر القسم الخاص بالمنصوري).
حملة تشهير بلا هوادة
إلى جانب هذه الاعتداءات الجسديّة، واجه منجب سيلا من المقالات في الإعلام الموالي للمخزن. في 4 يوليو/حزيران 2021، أحصت هيومن رايتس ووتش 645 مقالة تحدّثت عن منجب، أغلبها ذات محتوى مهين وفيها انتهاكات متكررة لخصوصيته. نُشرت هذه المقالات منذ 2015 بالعربية والفرنسية في ثمانية مواقع تُعرف باصطفافها المنهجي مع السلطات المغربيّة وشيطنة المعارضين. هذا العدد لا يشمل العديد من المواقع أو الصحف الورقيّة المماثلة الأخرى. هناك نبذة إلكترونية عن منجب أشارت إلى وجود 1,500 مقالة من هذا النوع.[106]
استخدمت المواقع التي تستهدف منجب عناوين من قبيل "المعطي منجب.. المؤرخ الكذاب"، و"أسرار وحقائق عن الغذارة إللي خانوا المغرب"، و"تبا للخونة.. المعطي منجب عميل للخارج"، والمعطي 'مول الجيب: مأجور، كذاب وجاحد والبقية تأتي"، و"خيال المعطي منجب.. الإجرامي"، و"المعطي منجب.. تاجر الفكر الذي أباح هتك أعراض النساء"، و"المعطي منجب هو تاجر معلومات ويُدافع عن الارهاب"، و"حقيقة علاقة منجب مع مدير المخابرات المركزيّة الأمريكيّة".[107]
في مقالة رأي نُشرت في أغسطس/آب 2016، ذكر منجب بعض المزاعم التشهيرية التي تستخدمها ضدّه صُحف ومواقع قال إنّها مرتبطة ارتباطا وثيقا بـ"مكاتب سرّية" على صلة بالدولة.[108] شملت المزاعم التي ذكرها منجب أنه "يعاني من عجز جنسي مبكّر"، و"يعمل جنبا إلى جنب مع الجهاديين"، و"مدافع شرس عن الانحراف الجنسي"، و"معاد للسامية"، و"مؤرخ يُنكر الهولوكوست". نفى منجب هذه الاتهامات في مقال الرأي وفي محادثات مع هيومن رايتس ووتش.
في إحدى المقابلات، أشار منجب أيضا إلى أنّ المقالات تذكر بانتظام أقاربه وأصدقاءه المقرّبين بالاسم، لا سيما النساء، مع مزاعم تشهيرية تتعلق بحياتهم الجنسية.[109] قال إنّ هذا يُسبّب محنة كبير للأشخاص "غير السياسيين" لأنهم "غير مستعدّين لمثل هذه الهجمات". من الصفات التي كانت تطلقها عليه المواقع الموالية للمخزن باستمرار "عميد الطابور الخامس"، ربما في إشارة إلى دوره البارز في "مجلس الدعم"، الذي أنشأته بعض الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في 2011 لتقديم النصح والدعم اللوجستي لحركة 20 فبراير الاحتجاجية، النسخة المغربية للربيع العربي.[110]
حظر سفر نتج عنه اضراب عن الطعام
في مايو/أيار 2015، زار مدققو الضرائب منجب للتدقيق في سجلات "مركز ابن رشد" (انظر القسم الخاص بالجمعية المغربية لصحافة التحقيق في الباب الأخير من هذا التقرير)، الذي قرّر إغلاقه أواخر 2014، مشيرا إلى جهود السلطة لمنع أنشطته.[111] في 31 أغسطس/آب 2015، علِم منجب أنّ الشرطة كانت بصدد التحقيق بشأنه لما احتُجز لفترة وجيزة للاستجواب في مطار محمد الخامس في الدار البيضاء، أثناء عودته من رحلة بالخارج.
قال منجب إنّ "الفرقة الوطنية للشرطة القضائية" استنطقته يوم 14 سبتمبر/أيلول 2015 بشأن مركز ابن رشد، بتهمة "تقويض مصداقية مؤسسات الدولة". منعته سلطات المطار أيضا من السفر إلى برشلونة يوم 16 سبتمبر/أيلول، وإلى النروج يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2015. بدأ منجب اضرابا عن الطعام يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2015 احتجاجا على المضايقات وحظر السفر الفعلي. لم تُخطره السلطات رسميا بالتهم أو حظر السفر، لكن وسائل إعلام مغربية نقلت عن مسؤولين أنّ السلطات القضائية فرضت عليه حظر سفر بناء على تحقيق بشأن "مخالفات مالية" مزعومة في مركز ابن رشد.[112]
استجاب منجب لاستدعاء آخر من الشرطة يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول، فسُئل مجددا عن تمويلات المركز. كان حينها في اليوم الـ12 من اضرابه عن الطعام، فذهب إلى المركز على كرسي متحرّك في سيارة إسعاف.[113] تشكلت حملة دعم دولية لدعوة السلطات للكف عن مضايقة منجب وجمعت توقيعات من 50 منظمة غير حكومية وألف باحث وصحفي وناشط حقوقي.[114]
في 29 أكتوبر/تشرين الأول، رفضت المحكمة الإدارية في الرباط التماسا من منجب لاعتبار حظر السفر المفروض عليه غير قانوني. لكن في اليوم نفسه أخطر مكتب وكيل الملك محامي منجب برفع الحظر، وإن منجب سيواجه المحاكمة، فعلّق إضرابه عن الطعام.
قال منجب لـ هيومن رايتس ووتش إنه تعرّض بعد ذلك إلى "طوفان " من المقالات التشهيرية. قال: "كنت ذات مرة في كشك لبيع الصحف وكانت لي صور في جميع الصحف المعروضة للبيع". قال أيضا إن سيارات الشرطة كانت تظهر بشكل متكرر أمام منزله، و"تبقى هناك لساعات".
اختراق الهاتف الذكي ببرمجية تجسس
في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2019، كشفت منظمة العفو الدولية عن وجود "هجمات رقمية مستهدِفة" ضد منجب ومدافعين حقوقيين آخرين جارية منذ 2017 على الأقل.[115]
حدّدت العفو الدولية الجهة المهاجمة على أنها استعملت برمجيّة بيغاسوس، التي تُحمّل خلسة على الهواتف الخلويّة للأشخاص وتتحكم بكامل محتواها.
ردّا على الأدلة التي قدّمتها العفو الدولية على استخدام برمجية بيغاسوس لاستهداف منجب وحقوقيين مغاربة آخرين، أجابت شركة إن إس أو غروب: "يتمّ تطوير منتجاتنا لمساعدة المخابرات وجهات إنفاذ القانون على إنقاذ الأرواح، وهي ليست أدوات لمراقبة المعارضين أو نشطاء حقوق الإنسان. ولهذا فعقودنا مع جميع العملاء تتيح استخدام منتجاتنا فقط للأغراض المشروعة المتمثلة في التصدي للجريمة والإرهاب والتحقيق فيهما. إذا اكتشفنا في أيّ وقت أنّ منتجاتنا أسيء استخدامها بطريقة فيها خرق للعقد، فإننا نتخذ الإجراء المناسب لذلك". قد يشمل هذا الإجراء، بحسب ردّ الشركة، "التعليق أو الإنهاء الفوري لاستخدام العميل للمنتج، كما فعلت الشركة [إن إس أو] في الماضي".
في يوليو/تموز 2021، كشف تحقيق أجراه تحالف "فوربيدين ستورينز" الصحفي (Forbidden Stories journalistic consortium) أن المغرب استمر على ما يبدو في استخدام بيغاسوس لمدة سنتين على الأقل بعد ما كشفت عنه العفو الدولية في 2019. [116]
اتهامات بـ"غسل الأموال"
في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2020، نشر وكيل الملك في الرباط بلاغا أعلن فيه فتح تحقيق ضدّ منجب بتهمة "غسل الأموال".[117]
قال البلاغ إنّ النيابة تحرّكت إثر إخطار من وحدة تابعة للشرطة متخصصة في الجرائم المالية وجدت "تحويلات مالية مهمة" صادرة عن منجب و"قائمة الممتلكات العقارية" على ملكه "لا تتناسب مع المداخيل الاعتيادية المصرح بها من طرف السيد المعطي منجب وأفراد من عائلته".
في الأشهر الثلاثة التالية للبلاغ، استدعت الشرطة القضائية في الدار البيضاء منجب حوالي عشر مرات، وطلبت منه أن يثبت أن الممتلكات التي اكتسبها طيلة حياته اشتراها بـ"مال اكتسبه بطريقة مشروعة"، وكذلك أن يثبت أنّ العمليات المصرفيّة التي أجراها لم تكن تهدف إلى "غسل مبالغ تمّ الحصول عليها بطرق غير قانونية"، حسبما قاله لـ هيومن رايتس ووتش.
نشر موقع برلمان الموالي للمخزن في وقت لاحق مقالة مطوّلة يبدو أنّها ترتكز على تفاصيل الدعوى القضائية ضدّ منجب، قبل أن يتمكّن هو من الحصول على ملف القضية (عند كتابة هذا التقرير، أي بعد أكثر من عامين من فتح التحقيق، لم يستلم منجب الملف بعد).[118] لهذا الموقع سوابق في نشر عناصر مسرّبة من قضايا تشمل منتقدين للدولة، حتى قبل أن يتمكن المتهمون أو محاموهم من الحصول على ملفات القضايا المعنيّة.[119]
ذكرت مقالة موقع برلمان أنّ منجب يمتلك "ممتلكات عقارية كبيرة". في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2020، قال منجب في فيديو مدته عشر دقائق على يوتيوب إنّه يمتلك شقة في حي أكدال في الرباط، ومنزلا صغيرا في بلدة هرهورة قرب الرباط، حيث يعيش، وشقة في بن سليمان، مسقط رأسه.[120] قال إنه اشترى الممتلكات الثلاثة على امتداد ثلاثة عقود بمبلغ إجمالي قدره 175 ألف دولار أمريكي، وهو "ليس مبلغا كبيرا، وفي حدود إمكانياته"، حسبما قاله لـ هيومن رايتس ووتش.
زعمت مقالة موقع برلمان أيضا، فيما بدا أنّها الركيزة الأساسية في تهمة "غسل الأموال" الموجهة إليه، إنّ مساعدات أجنبيّة لدعم مركز ابن رشد والجمعية المغربية لصحافة التحقيق حُوّلت بطريقة غير قانونية إلى حسابات مصرفية لمنجب وزوجته وشقيقته. على حدّ علم هيومن رايتس ووتش، لم ترفع أيّ مجموعة دوليّة أي دعوى بشأن سوء استخدام أموال منحتها لمركز ابن رشد أو الجمعية المغربية لصحافة التحقيق. في بيان صادر في 15 يناير/كانون الثاني 2021، قالت "فري بريس أنلميتيد" (Free Press Unlimited) إنّ "المعطي منجب كان شريكا يحظى باحترام كبير" و"يجب تبرئته من جميع التهم".[121]
اعتقال ومنع من الاطلاع على ملف القضية
في 29 ديسمبر/كانون الأول 2020، اعتقل شرطيون منجب في الرباط، وأمر قاضي تحقيق بإيداعه رهن الاعتقال الاحتياطي بتهمة الاختلاس وغسل الأموال.[122]
بعد أيام قليلة، طلب محاموه من قاضي التحقيق أن يُسلّمهم نسخة من ملف القضيّة حتى يتمكنوا من إيصالها إلى منجب في زنزانته، فرُفض ذلك. قال اثنان من محاميي منجب لـ هيومن رايتس ووتش إنّ القاضي سمح لمحاميي الدفاع بتدوين ملاحظات باليد أثناء جلوسهم في مكتبه، لكنه منعهم من تصوير محتويات الملف. رفض أغلب المحامين ذلك بحجة أنّهم لا يستطيعون دراسة الملف بشكل جيّد في هكذا ظروف. بحسب ما قالاه، كان الملف يحتوي على أكثر من ألف صفحة، وفيه العديد من المستندات المالية ذات المحتوى الكثيف.
خلال سنوات عديدة من مراقبة المحاكمات في المغرب، منها محاكمات لمنتقدين للدولة بتهم مختلفة، لاحظت هيومن رايتس ووتش أنّه يُسمح لفرق الدفاع بنسخ ملفات القضايا، وإطلاع موكّليهم عليها، سواء كانوا في السجن أو يُحاكمون بموجب سراح مؤقت. وفقا لمعايير القانون الدولي، يحق للمتهمين ومحامييهم الوصول الكامل إلى ملفات القضايا، والاطلاع على الأدلّة المستخدمة ضدّهم، لإعداد الدفاع في المحكمة. المنع من الوصول يقوّض حق المتهمين في إعداد دفاعهم، وينتهك واحدا من مبادئ المحاكمة العادلة، هو مبدأ "تكافؤ وسائل الدفاع" – أي ضرورة وصول كلا الطرفين إلى نفس المعطيات المقدّمة إلى المحكمة، مع إتاحة الوقت الكافي للتحضير.
بينما مُنع منجب ومحاموه من الوصول إلى ملف القضية، يبدو أنّ وسائل الإعلام الموالية للمخزن استمرّت في الحصول على نُسخ مسرّبة منه، واستخدمتها في مقالات تتهم منجب بارتكاب مخالفات. من العناوين التي نشرتها وسائل الإعلام هذه: "العدالة: تفاصيل المعاملات الاحتيالية للمعطي منجب"، و"منجب: آلة غسيل أموال باسم حقوق الإنسان"، و"بوح الحقيقة: شهادة، المعطي تيدخل شلا [الكثير من] فلوس من تحقوقيت [العمل الحقوقي]"، و"معطيات جديدة عن جشع المعطي منجب".[123] كما ظهر لقب جديد في هذه المقالات وهو "المعطي مول الجيب"، وهو تلاعب باللغة العامية المغربية ويعني "صاحب الجيْب".[124] جاء عنوان آخر كما يلي: "شوفو شحال [كم] من جيب عند المعطي منجب".[125]
المحاكمة غيابيا رغم تواجده في نفس مبنى المحكمة
في 27 يناير/كانون الثاني 2021، أدانت المحكمة الابتدائية في الرباط منجب وستة متهمين آخرين بتهم متعددة من ضمنها "تلقي أموال من منظمة أجنبية للمسّ بالأمن الداخلي للمغرب". استندت هذه القضية التي فُتحت في 2015، وهي منفصلة من قضية غسل الأموال، إلى منحة قدّمتها منظمة غير حكومية هولندية للجمعية المغربية لصحافة التحقيق، التي أنشأها منجب مع نشطاء آخرين، لتنظيم تدريبات على تطبيق خاص بصحافة المواطن (لمزيد من التفاصيل، انظر القسم الخاص بالجمعية في الباب الأخير من هذا التقرير").
اتُهم منجب وبقية المُدّعى عليهم بخرق الفصل 206 من القانون الجنائي، الذي ينصّ على أنّه "يؤاخذ بجريمة المسّ بالسلامة الداخلية للدولة... من تسلّم [دعما من الخارج يهدف أن يُستخدم في تمويل] نشاط أو دعاية من شأنها المساس بوحدة المملكة المغربيّة أو سيادتها أو استقلالها أو زعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية ولمؤسسات الشعب المغربي". تصل عقوبة هذه التهمة إلى خمس سنوات سجن. قضت المحكمة بسجن منجب وثلاثة متهمين آخرين لمدة سنة، ومتهم خامس بالسجن ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ، والاثنين الآخرين بغرامة مالية.
عقدت إحدى محاكم الرباط نحو 20 جلسة محاكمة في هذه القضية بين 2015 و2020.[126] وفي كل مرّة كانت الجلسة تؤجل بعد دقائق بسبب عدم مثول ثلاثة من المتهمين السبعة لأنّهم فرّوا من المغرب. قد تكون الطبيعة المطوّلة للمحاكمة مرتبطة أيضا بالاهتمام الدولي الواسع الذي جلبته، بما في ذلك من هيومن رايتس ووتش ومنظمات تُعنى بحرية الصحافة.[127]
علِم محامو منجب بالحكم عندما دخلوا إلى البوابة الالكترونية لوزارة العدل. في 27 يناير/كانون الثاني 2021، علموا – بالطريقة نفسها – بأنّ المحاكمة استُأنفت قبل أسبوع، أي في 20 يناير/كانون الثاني. عقدت المحكمة في ذلك اليوم جلسة في هذه القضية في غياب منجب ومحامييه. قال المحامون لـ هيومن رايتس ووتش إنّه لم يتم إخطار أيّ منهم بذلك. بعد خمس سنوات من التأجيل، عقدت المحكمة جلسة واحدة للنظر بالكامل في قضية المتهمين السبعة وأغلقتها للمداولات في اليوم نفسه.
وفقا لبيان موقّع من محاميي منجب عبد العزيز النويضي، ومحمد المسعودي، ونعيمة الكلاف، ومحمد جلال، وعمر بن جلون، وراجعته هيومن رايتس ووتش، كانوا هم ومنجب يوم 20 يناير/كانون الثاني 2021، يوم الجلسة الأخيرة للمحاكمة، متواجدين في مبنى محكمة الرباط التي عُقدت فيها تلك الجلسة، لكن في غرفة مختلفة، يقدّمون المساعدة لموكّلهم وهو قيد الاستنطاق من قبل قاضي التحقيق بشأن القضية المتعلقة بمزاعم غسل الأموال. بحسب بيان المحامين، انتهت جلسة قضية غسل الأموال عند الساعة 3:30 ظهرا، فغادروا المحكمة بينما أعيد منجب، الذي كان في الحبس الاحتياطي، إلى سجن العرجات بسلا قرب الرباط.
في 1 فبراير/شباط 2021، أصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو هيئة رسمية عهد إليها الدستور المغربي بضمان استقلالية القضاء، بلاغا حول هذه المسألة.[128] جاء في البلاغ:
أُحضر المعطي منجب إلى المحكمة يوم 20 يناير ليمثل أمام قاضي التحقيق، وبعدما غادر مكتب التحقيق على الساعة 11 و30 دقيقة لم يتم ارجاعه إلى السجن وبقي بالمحكمة حرصا من السلطات القضائية المختصّة على تمكينه من ممارسة حقه في حضور الجلسة الخاصة بقضية سنة 2015... تمّ ابقاء المتهم في المحكمة في انتظار التعبير عن رغبته في حضور الجلسة، إلا أنه لم يطلب ذلك، لا هو ولا دفاعه رغم إخباره بتاريخ الجلسة (...). وعند انتهاء الجلسة، تمّ إرجاعه إلى السجن... ومن ثمّ يكون تخلفه ودفاعه عن الحضور بالجلسة ناتج عن قرار شخصي إرادي.
أكّد محامو منجب الخمسة في بيانهم أنّه لم يتم إخطارهم أبدا يوم 20 يناير/كانون الثاني أو قبله، هم وموكلهم، بشكل رسمي أو غير رسمي، بأنّ جلسة خاصة بمحاكمة 2015 ستُعقد على الساعة 3:30 ظهرا في نفس المكان الذي غادروه للتوّ. قال واحد منهم لـ هيومن رايتس ووتش: "الفكرة أنّه يُمكن لشخص أن يكون 'محتجزا في قضية لكنّه في نفس الوقت في حالة سراح في أخرى' هي فكرة عبثية لم يُسمع بها من قبل. عندما تكون محتجزا، فأنك محتجز، نقطة إلى السطر. لا تستطيع أن تختار أين تذهب وماذا تريد أن تفعل. عندما تغادر السجن لمسائل تتعلق بالمحاكمة، يرافقك رجال الشرطة كامل الوقت، ويأخذونك إلى حيث يريدون هم وليس أنت".
استأنف منجب وبقية المتهمين في قضية 2015 حكم الإدانة، فاستدعتهم محكمة استئناف للمحاكمة ست مرات بين أبريل/نيسان 2021 ومايو/أيار 2022. تأجلت الجلسات الستة للسبب نفسه التي تأجلت بها المحاكمة الابتدائية نحو 20 مرة منذ 2015: غياب ثلاثة من المتهمين بسبب تواجدهم في المنفى في أوروبا.
إضراب عن الطعام ثم إطلاق سراح، وحظر سفر وتجميد أصول
في 4 مارس/آذار 2021، أعلن منجب إنه دخل في اضراب مفتوح عن الطعام احتجاجا على اعتقاله و"الاضطهاد" متعدد الأوجه الذي يتعرض له.[129] وسرعان ما انطلقت حملة دعم دولية بشأنه، لا سيما في الولايات المتحدة.[130] قال منجب (59 عاما)، المصاب بداء السكري وأمراض قلب مزمنة، لـ هيومن رايتس ووتش إنّ الأطباء الذين قاسوا له ضغط الدم يوم 22 مارس/آذار، بعد 19 يوما من الاضراب عن الطعام، خلصوا إلى أنّه في حالة حرجة. في اليوم نفسه نشرت "لجنة طوم لانتوس لحقوق الإنسان" في "الكونغرس" الأمريكي تغريدة قالت فيها إنّ "حياة المعطي منجب في يد الحكومة المغربية". أُطلق سراح منجب في اليوم التالي.
على عتبة السجن وأمام حشد من المساندين والصحفيين، اتهم منجب ما أسماه "البوليس السياسي" بـ"فبركة قضايا" ضدّه. هذا التصريح أثار ردّا غاضبا من وزارة الداخلية.[131] في اليوم التالي، نشر موقع برلمان مقالة بعنوان "المعطي منجب: من أرنب متسامح داخل السجن إلى متطاول بالافتراء والذرائع خارجه".[132]
في يوم الافراج عنه، أًمِر منجب بتسليم جوازيه المغربي والفرنسي إلى عناصر الشرطة. بعد أسابيع، تبيّن لمنجب أنه لا يستطيع سحب المال من حسابه أو بيع سيارته، فيما يبدون أنه تطبيق لأمر من أحد قضاة التحقيق. قال منجب لـ هيومن رايتس ووتش أنه طلب نسخة من ذلك الأمر لكنه لم يحصل عليه أبدا.
في سبتمبر/أيلول 2021، بعد أشهر قليلة من الهدوء النسبي، استأنفت وسائل الإعلام الموالية للمخزن مضايقاتها لمنجب.[133]
في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021، طلب محامو منجب إلغاء حظر السفر وتجميد الأصول المفروضين عليه. في 13 أكتوبر/تشرين الأول، رفض قاضي التحقيق الذي أمر باتخاذ هذه الاجراءات الطلب دون تبرير، بحسب ما قاله أحد محاميي منجب لـ هيومن رايتس ووتش.
5. محمد زيان
محام وسياسي ووزير سابق لحقوق الإنسان، استُهدِف بمزيج من المضايقات من قبل الإعلام الموالي للمخزن، وزرع كاميرات سرا في انتهاك خصوصيته وخصوصية امرأة، وضغوط مورست عليه من خلال أفراد أسرته، وعرقلة لإجراءات قانونية معنيّ بها بسبب عمله كمحام، ومضايقات متعددة الأوجه لموكليه.
مقرب، ثم مستهدف
محمد زيان (79 عاما)، محام وسياسي ورجل أعمال معروف في المغرب بأسلوبه المتهور.[[134]]
في 1997، حكمت عليه محكمة فرنسية بالسجن ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ لأن شركة حافلات مقرها فرنسا كان يملكها كانت تعمل بدون ترخيص وأعاقت إجراءات أجهزة الدولة للتحقق من ظروف عمل موظفيها.[[135]]
على عكس معظم من يستهدفهم قمع الدولة في المغرب، كان محمد زيان يوما قريبا من دوائر السلطة السياسية. بدأت مشاكل زيان، الوزير السابق وزعيم حزب سياسي موال للدولة ومدافعا عن الحكومة لعقود، عام 2017 عندما بدأ في تمثيل صحفيين مستقلين ومعارضين بارزين أمام القضاء وتبني قضاياهم في تصريحات علنية.
محامي الحكومة
مثّل زيان الحكومة كمحام في عهد الملك الحسن الثاني، الذي حكم من 1961 حتى وفاته في 1999، في قضايا سياسية بارزة، منها محاكمة الزعيم النقابي نوبير الأموي بتهمة التشهير في 1992 بعدما وصف الوزراء بـ"جماعة اللصوص".[[136]] حُكم على الأموي بالسجن عامين وكان زيان حينها محامي الحكومة.
في 1996، عيّن الحسن الثاني زيان وزيرا لحقوق الإنسان. عندما استقبل زيان بصفته هذه وفدا من الناجين من سجن تازمامارت السيئ الصيت، حيث كان معارضو الملك يُحتجزون بمعزل عن العالم الخارجي ويُعذبون لعقود، ورد أنه قال لهم: "أنتم محظوظون لأنكم عدتم وعلى قيد الحياة".[[137]]
في 2006، رفع كلود مونيكيه، الذي اعترف بنفسه أنه عميل سابق للمخابرات الفرنسية، دعوى قضائية ضد الأسبوعية المغربية المستقلة "لو جورنال" (Le Journal) بتهمة التشهير لقولها إن تقريرا عن الصحراء الغربية كتبه مونيكيه "بتحكم عن بعد من القصر الملكي".[[138]] ربح مونيكيه، مُمَثلا بمحمد زيان، القضية وأمرت المحكمة لو جورنال بدفع تعويض قدره 360 ألف دولار أمريكي. لم تتمكن الأسبوعية من دفع الغرامة واضطر مديرها آنذاك أبو بكر الجامعي إلى الاستقالة ومغادرة المغرب نتيجة لذلك، فيما اعتُبر ضربة قاسية لحرية الصحافة في المغرب.[[139]]
في 2011، عارض زيان حركة 20 فبراير، النسخة المغربية من حركات الربيع العربي الاحتجاجية المطالبة بالديمقراطية، لأنه اعتبر أنها تهدد "استقرار" المملكة.[[140]]
"نقطة تحول"
انحرف مسار زيان السياسي عام 2017 بعد اندلاع الحراك، موجة احتجاج شعبية واسعة النطاق في منطقة الريف شمالي المغرب. بدأ زيان عندئذ ينتقد علنا تصريحات وقرارات يُفترض أنها صادرة من أعلى دوائر المملكة، بما فيها تلك المتعلقة بالمسائل الأمنية. عندها بدأت متاعبه. رغم إصرار قادة الحراك على السلمية وأنهم لا تهمهم إلا الظروف الاجتماعية والاقتصادية في منطقتهم، وقّعت جميع الأحزاب السياسية الممثلة في الحكومة بيانا مشتركا في 15 مايو/أيار 2017 وصفت فيه قادة الحراك بـ "الانفصاليين" و"المخربين"، واتهمتهم بتلقي التمويل سرا من "جهات خارجية لديها أجندة معادية للمغرب".[[141]] بدأت الشرطة في قمع الحراك بعدها بفترة وجيزة واعتقلت أكثر من 450 متظاهرا، تعرض العديد منهم للتعذيب في أقسام الشرطة.[[142]]
بعد أيام قليلة من حملة القمع، صرّح زيان الذي لعائلته جذور من الريف، بأن أعضاء الحراك "ليسوا انفصاليين" وبأن من حقهم الاحتجاج على "أخطاء الحكومة".[[143]] في نهاية يونيو/حزيران 2017، أصبح زيان المحامي الرئيسي لزعيم الحراك ناصر الزفزافي، الذي حوكم إلى جانب 52 من قادة الاحتجاج الآخرين بتهمة "التآمر للمس بأمن الدولة" و"العصيان". قال زيان لـ هيومن رايتس ووتش في وقت لاحق إنه دافع عن قضية الحراك لدى "أفراد من محيط الملك"، لكنه واجهه "متشددين كانوا يسعون لإدانات قوية واستاءوا [منه] لوقوفه إلى جانب المخّربين".[[144]] كان العمل كمحامي زعيم حراك الريف "الانفصالي"، كما وصفه بيان الحكومة، يشير إلى استعداد زيان لمواجهة أجهزة الدولة والأجهزة الأمنية القوية وتحديها.[[145]] قال لـ هيومن رايتس ووتش إن "فض علاقته" مع الحكومة كان "نقطة تحول" في مسيرته المهنية.
بعد حوالي عام من الإجراءات و86 جلسة محاكمة، أدين جميع قادة الحراك البالغ عددهم 53 وحكم عليهم بأحكام سجن قاسية، تستند إلى حد كبير إلى "اعترافات" انتزعتها الشرطة منهم تحت التعذيب، بحسب تقارير. [[146]] حُكم على الزفزافي بالسجن 20 عاما.
إدانة زوجته وابنيه لمحاولة إخفاء شاهدة
في 23 فبراير/شباط 2018، اعتُقل توفيق بوعشرين، ناشر أخبار اليوم، وهي صحيفة يومية ناقدة نجت من مضايقات الدولة على مدى عقد من الزمن واعتُبرت على نطاق واسع آخر يومية مستقلة في المغرب، في مكتبه بالدار البيضاء.[[147]] بعد ثلاثة أيام، اتهم وكيل الملك بوعشرين بالاتجار بالبشر والاغتصاب والاعتداء الجنسي والتحرش الجنسي، وفي اليوم التالي أصبح زيان محاميه (انظر دراسة الحالة حول بوعشرين).
أدرج وكيل الملك 12 امرأة في قائمة المشتكيات أو الشاهدات ضد بوعشرين. استجبن جميعهن لاستدعاءات الشرطة القضائية للإجابة على الأسئلة المتعلقة بالتحرش الجنسي أو الإساءة المزعومَين من بوعشرين. بينما أكدت ثماني منهن تلك المزاعم، نفت أربع أن يكون بوعشرين قد ضايقهن أو اعتدى عليهن، وفقا لوثائق المحكمة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش. عندما رفضت ثلاث من هؤلاء النساء الأربع المثول أمام المحكمة، أمر قاض الشرطة بإحضارهن بالقوة.
كانت إحدى هؤلاء النساء الثلاث الصحفية أمل هواري، التي أصرت على أنه خلافا للتهم الموجهة إلى بوعشرين، فإنه لم "يغتصبها أو يحاول اغتصابها".[[148]] قال زيان لـ هيومن رايتس ووتش إن هواري أخبرته في مكالمة هاتفية في 6 يونيو/حزيران 2018 إنها ترفض المثول أمام المحكمة و"مرعوبة" من أن الشرطة قد تعتقلها، مثلما فعلت في وقت سابق من نفس اليوم مع حنان باكور، وهي صحفية أخرى رفضت الشهادة ضد بوعشرين.[[149]]
قال زيان لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان خارج المدينة حينها، فاقترح أن تقضي هواري الليلة في منزل ابنه من أجل سلامتها، ووعد بمقابلتها هناك في صباح اليوم التالي لمناقشة الوضع. قبلت هواري. بعد ساعات قليلة، دخلت الشرطة المنزل مما دفع هواري المذعورة للاختباء في صندوق سيارة دفع رباعي متوقفة في مرآب المنزل، بحسب رواية زيان وتقارير صحفية.[[150]]
عثرت الشرطة على هواري واعتقلتها واقتادتها إلى المحكمة في حوالي منتصف الليل من اليوم نفسه.[[151]] قال زيان لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة اعتقلت أيضا اثنين من أبنائه كانا في المنزل، واحتجزتهما تلك الليلة، وأفرجت عنهما صباح اليوم التالي عندما وصل زيان إلى مركز الشرطة. حوكمت هواري في حالة سراح مؤقت بتهمة التهرب من استدعاء قضائي. اتهم وكيل الملك أيضا زيان وبعض أفراد أسرته بعرقلة سير العدالة. بعد عام من الإجراءات، أدانت المحكمة هواري وزيان وزوجته وابنيه وحكمت عليهم بالسجن عاما مع وقف التنفيذ.
علق فريق عمل الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي في تقرير صدر عام 2020: "مما لا شك فيه أن هذه الإجراءات ضد شاهد نفي ومحامي المتهم أثرت على قدرة الدفاع على التركيز، الأمر الذي يقوّض حق السيد بوعشرين في وسائل الدفاع عن نفسه، وهو ما ينتهك المادة 14 من العهد [الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية]"، الذي صادق عليه المغرب في 1979. [[152]]
انتهاكات الخصوصية والتهديدات وتسريب مقاطع فيديو مصوّرة سرا
في 2017، طلبت ضابطة الشرطة وهيبة خرشش (37 عاما حينها) من زيان تمثيلها في قضية تحرش جنسي.
أبلغت خرشش التي كانت مسؤولة سابقا عن قسم العنف ضد المرأة في شرطة مدينة الجديدة، جنوب الدار البيضاء، عن معاناتها من التحرش الجنسي المتزايد من قبل رئيسها على مدى عامين، بحسب نبذة كتبتها الناشطة المغربية القاطنة في أمريكا سامية الرزوقي.[[153]] قدم زيان شكوى ضد رئيس خرشش نيابة عنها في أواخر 2017.
في أكتوبر/تشرين الأول 2018، عندما كانت خرشش في المغرب، اتصلت امرأة مجهولة بزوجها، مواطن أمريكي مقيم في أوكلاند، قرب سان فرانسيسكو بكاليفورنيا، من رقم هاتف خلوي مغربي، بحسب ما روت خرشش لـ هيومن رايتس ووتش.[[154]] لم تكشف المرأة عن اسمها لكنها قدمت نفسها على أنها "عميلة في المخابرات المغربية". بعد أن أعطت المتصلّة الزوج معلومات شخصية تخصه، لإثبات مصداقيتها كعميلة استخبارات على ما يبدو، أخبرته أن زوجته على علاقة بمحاميها محمد زيان، على حد قول خرشيش.
أضافت المرأة إن على خرشش أن تسحب شكوى التحرش الجنسي وأن تتخلى عن زيان كمحام، وإلا فإن ابنة الزوجين، التي كانت حينها في الخامسة من عمرها وتعيش مع والدتها في المغرب، ستتعرض للاختطاف. ثم قطعت المرأة الخط، بحسب خرشيش.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، زار زيان خرشش وابنتها في فندق دوليز في مدينة سلا بالقرب من الرباط حيث كانتا تقضيان إجازة لعدة أيام. قالت خرشش لـ هيومن رايتس ووتش إنها لاحظت في نهاية إقامتها أنه تم تفتيش أغراضها وأن بعض وثائقها الشخصية مفقودة. بعد يومين من مغادرة خرشش الفندق، اتصلت نفس السيدة المجهولة بزوجها في سان فرانسيسكو وأخبرته أن زوجته التقت بزيان في غرفة فندق.
في 8 يناير/كانون الثاني 2019، التحقت خرشش بزوجها في إجازة لمدة أسبوعين في سان فرانسيسكو. بعد يومين أرسل نفسُ رقم الهاتف المغربي للزوج صورة تُظهر زيان بصحبة خرشش في سيارتها. كُتب في الرسالة المرافقة: "هنّئ زوجتك. زيان اشترى لها سيارة جديدة". أرسل نفس الرقم صورتين أخريين، حسبما قالت خرشش لـ هيومن رايتس ووتش. تظهر الأولى خرشش وابنتها (5 أعوام) في غرفة عاريتين، والثانية، والتُقطت في نفس الغرفة، تظهر خرشش وابنتها بملابس، وزيان يرتدي برنس حمام. جاء في الرسالة المرافقة: "لدينا مزيد من الصور، وفي مواقف فاضحة أكثر، لكن نمتنع عن إرسالها من باب اللياقة". قالت خرشش لـ هيومن رايتس ووتش إن تلك غرفة فندق دوليز حيث أقامت هي وابنتها قبل شهرين، لكن الصورة الثانية تم التلاعب بها لتشمل زيان، على حد قولها.
في اليوم التالي، قدمت خرشش شكاية إلى شرطة أوكلاند بشأن التهديدات وانتهاك الخصوصية التي تعرضت لها، بحسب ما قالت لـ هيومن رايتس ووتش.
عادت خرشش إلى المغرب في 23 يناير/كانون الثاني 2019 واستأنفت عملها كضابطة شرطة. قالت إنها كتبت تقريرا مفصلا تضمن مكالمات التهديد والرسائل التي تلقاها زوجها، ووجهت التقرير إلى عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني.
قالت خرشش لـ هيومن رايتس ووتش إنها كانت متجهة نحو محطة قطار الدار البيضاء الميناء لتركب قطارا إلى الجديدة في 25 فبراير/شباط 2019، عندما اقترب منها مجهولان في الشارع وقالا لها: "ابنتك [ذكرا اسم الطفلة] ماتت، لن تريها مرة أخرى"، ثم ابتعدا. قالت خرشش إنها هرعت إلى المحطة لركوب القطار وهي تتصل بوالدتها التي كانت الطفلة تقيم معها في الجديدة لتتفقدهما. كانتا بخير.
توجهت خرشش فور وصولها إلى الجديدة إلى مكتب وكيل الملك وأخبرته بما حدث طالبة الحماية. قالت لـ هيومن رايتس ووتش إن "أزمة هستيريا" انتابتها في مكتب وكيل الملك، الذي طلب سيارة إسعاف نقلتها إلى المستشفى.
قالت خرشش إنها كانت "تحت تأثير المسكنات" وغير قادرة على العمل لعدة أشهر بعد ذلك. في 3 ديسمبر/كانون الأول 2019، أرسلت طلب استقالة إلى الحموشي، وتقدمت بطلب تصريح سفر إلى الخارج، حسبما يُفترض بعناصر الشرطة المغربية القيام به كلما أرادوا مغادرة البلاد. قالت خرشش إن أحد زملائها أخطرها شفهيا في وقت لاحق برفض طلبي الاستقالة والإذن بالسفر.
بعد حوالي أسبوعين، تمكنت خرشش وابنتها (6 أعوام آنذاك) من عبور الحدود البرية إلى مدينة مليلية التي تسيطر عليها إسبانيا. بعد شهرين من الإجراءات، غادرت الأم وابنتها إلى إسبانيا، ثم إلى الولايات المتحدة للالتحاق بزوج خرشش في يوليو/تموز 2020.
في أكتوبر/تشرين الأول 2020، نشر موقع شوف تيفي الموالي للمخزن عدة صور تظهر خرشش بصحبة زيان في أماكن عامة بالمغرب، مدعيا وجود علاقة غرامية بينهما.[[155]] الصور، التي قالت خرشش في مقطع فيديو على يوتيوب إنها التُقطت دون علمها أو موافقتها، تضمنت تلك الملتقطة في السيارة التي أرسِلت إلى زوجها في رسائل قبل عامين تقريبا. [[156]] قالت خرشش لـ هيومن رايتس ووتش إن الصور التُقطت على مدار أكثر من عام، مما يبين أنها وزيان خضعا لمراقبة طويلة.
بحلول منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وجّهت خرشش رسالة إلى ديوان الملك محمد السادس، تروي قصتها كاملة وتطلب من الملك "أن ينصفها". بعد يومين من ذلك، نشر شوف تيفي مقطع فيديو مدته بضع ثوان، تم تصويره في غرفة فندق دوليز حيث أقامت قبل عامين. ظهرت في الفيديو امرأة ترتدي ملابس وهي تمسح ظهر رجل عار بفوطة. قالت شوف تيفي إن الفيديو يظهر خرشش وزيان. نتج عن نشر الفيديو نشر مئات المقالات، معظمها على مواقع موالية للمخزن، كان أحدها بعنوان: "المحامي محمد زيان في قلب فضيحة جنسية بإحدى فیلات الدعارة".[[157]]
في 2019، أغلق قاضي التحقيق قضية التحرش الجنسي التي قدمتها خرشش دون أن تنظر فيها المحكمة. قال زيان لـ هيومن رايتس ووتش إنه حاول إعادة فتح القضية بجميع الطرق القانونية، إلى أن رفضت محكمة النقض في 2021 بشكل نهائي إعادة فتحها.
سجن ابن زيان
في 15 أبريل/نيسان 2020، ألقت الشرطة القبض على ابن زيان، ناصر (31 عاما)، في الدار البيضاء بتهمة ضلوعه في "إنتاج وتوزيع كمامات لا تستجيب للمعايير الصحية".[[158]] كان المغرب قد قرر قبل ذلك بثلاثة أسابيع فرض إقفال عام شامل بسبب تزايد الإصابات بفيروس كورونا. كان الطلب على الكمامات كبيرا وكانت آنذاك سلعة نادرة.
تسبب اعتقال العديد من الأشخاص المشاركين في صفقة تجارية بين صانع كمامات (الذي اعتُقل أيضا) وإحدى العيادات، بمن فيهم ناصر زيان ونبيل النويضي (30 عاما)، وهو رجل أعمال وابن محامي حقوق الإنسان عبد العزيز النويضي، في إلغاء الصفقة قبل اتمامها.
بعد ستة أشهر من الحبس الاحتياطي، حُكم على ناصر زيان بالسجن ثلاث سنوات بتهم مختلفة من ضمنها الاحتيال وحُكم على نبيل النويضي بعد أن أمضى هو الآخر ستة أشهر في الحبس الاحتياطي بالسجن عشرة أشهر بتهمة "تزوير علامة تجارية وعرض منتوج في السوق لا يتوافق مع شروط السلامة".[[159]]
في مقابلات منفصلة أجرتها هيومن رايتس ووتش مع عبد العزيز النويضي ومحمد زيان، قالا إنهما يشتبهان في أن اعتقال ناصر ونبيل ومحاكمتهما وإدانتهما كانت انتقاما من مواقف والديهما السياسية.
في 20 مايو/أيار 2021، أيدت محكمة الاستئناف الحكم بالسجن 10 أشهر ضد نبيل النويضي وزادت عقوبة ناصر زيان إلى ثلاث سنوات وستة أشهر.[[160]]
هجمات متنوعة
في 3 ديسمبر/كانون الأول 2020، أوقفت محكمة الاستئناف بالرباط زيان ومنعته من مزاولة مهنة المحاماة لمدة عام. بررت المحكمة قرارها بأنه رد على "تجاوزات" زيان ومرافعاته التي كانت "خارج السياق"، بما في ذلك أثناء محاكمة بوعشرين.[[161]]
قال زيان لـ هيومن رايتس ووتش إنه منذ بدء مشاكله مع المديرية العامة للأمن الوطني، اتصل به رئيس "هيئة المحامين بالرباط" مرارا لإبلاغه بأنه تلقى شكاوى ضده رفعها موكلوه السابقون، رغم أن منهم من أُغلقت ملفاتهم ومنهم من ربح قضيته منذ سنوات.
في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تقدم وكيل الملك في الرباط بـ11 تهمة جنائية ضد زيان: "إهانة رجال القضاء وموظفين عموميين بمناسبة قيامهم بمهامهم بأقوال وتهديدات بقصد المساس بشرفهم وشعورهم والاحترام الواجب لسلطتهم"؛ و"إهانة هيئات منظمة"؛ و"نشر أقوال للتأثير على قرارات رجال القضاء قبل صدور حكم غير قابل للطعن وتحقير مقررات قضائية"؛ و"بث ادعاءات ووقائع كاذبة ضد امرأة بسبب جنسها"؛ و"بث ادعاءات ووقائع كاذبة قصد التشهير بالأشخاص عن طريق الأنظمة المعلوماتية"؛ و"التحريض على خرق تدابير الطوارئ الصحية [فيما يتعلق بـ كوفيد -19] عن طريق أقوال منشورة على دعامة إلكترونية"؛ و"المشاركة في الخيانة الزوجية"؛ و"المشاركة في إعطاء القدوة السيئة للأطفال نتيجة سوء السلوك"؛ و"المشاركة في مغادرة شخص للتراب الوطني بصفة سرية"؛ و"تهريب مجرم من البحث ومساعدته على الهرب"؛ و"التحرش الجنسي".[[162]]
قال موقع موال للمخزن إن بعضا من تلك الشكاوى رفعتها وزارة الداخلية، التي قال ممثل عنها للموقع إن "تصريحات [زيان] الكاذبة تصل إلى حد التشهير الصريح".[[163]]
في 23 فبراير/شباط 2022، أدانت المحكمة الابتدائية في الرباط زيان وحكمت عليه بالسجن ثلاث سنوات لجميع هذه التهم. استأنف زيان الحكم في نفس اليوم وبقي في حالة سراح مؤقت. لم يكن استئناف القضية قد بدأ حتى وقت كتابة هذا التقرير.
6. توفيق بوعشرين
ناشر صحيفة وصحفي يقضي حاليا عقوبة بالسجن 15 عاما، تعرض لمزيج من الملاحقات القضائية المتعلقة بحرية التعبير، والمراقبة، والتجسس بكاميرات يبدو أنها دُسّت سرا في مكتبه، والمضايقات من خلال الإعلام الموالي للمخزن وإجراءات قضائية غير عادلة، بما في ذلك الضغط الشديد على أشخاص لتقديم شهادات ضده، وترهيب محامي الدفاع، بما في ذلك من خلال استهداف أفراد أسرة المحامي.
بعد أن شارك توفيق بوعشرين في تأسيس صحيفة "المساء" وأسبوعية "الجريدة الأخرى" وعمل رئيس تحرير لهما، أسّس صحيفة "أخبار اليوم" عام 2007. نشرت اليومية المستقلة مقالات وافتتاحيات تناولت فساد الدولة، بما في ذلك في دوائر القصر الملكي.
في افتتاحية نُشرت في أغسطس/آب 2017، انتقد بوعشرين إدارة الملك محمد السادس لأزمات اجتماعية وسياسية متعددة في المغرب. في إشارة إلى الاحتفال بعيد ميلاد الملك في قصر ملكي على الشاطئ بينما اجتاحت المظاهرات منطقة الريف الشمالية، نشر بو عشرين افتتاحية بعنوان "الحكم ليس نزهة على شاطئ البحر".[[164]]
الاعتقال والمحاكمة بتهمة الاعتداء الجنسي
في 23 فبراير/شباط 2018، اعتقلت الشرطة بوعشرين في مكتبه بالدار البيضاء. بعد ثلاثة أيام، اتهمه وكيل الملك بـ"الإتجار بالبشر باستغلال الحاجة والضعف، واستعمال السلطة والنفوذ لغرض الاستغلال الجنسي عن طريق الاعتياد والتهديد بالتشهير؛ وهتك العرض بالعنف والاغتصاب؛ والتحرش الجنسي؛ وجلب واستدراج اشخاص للبغاء؛ واستعمال وسائل للتصوير والتسجيل [...]". أودعه وكيل الملك في الحبس الاحتياطي وأحال قضيته مباشرة إلى الغرفة الجنائية بمحكمة الدار البيضاء، بحجة أن القضية جاهزة للمحاكمة دون الحاجة إلى تحقيق قضائي.
تستند التهم إلى حوالي 50 مقطع فيديو تتراوح مدتها بين بضع ثوان وبضع دقائق، قالت الشرطة إنها وجدتها في مكتبه، وزعمت أنه صوّرها بنفسه. بحسب ثلاثة أشخاص قابلتهم هيومن رايتس ووتش، يبدو أن مقاطع الفيديو أظهرت بوعشرين - أو رجلا يشبهه - في مواقف جنسية متفاوتة الوضوح مع عدة نساء، في مكتب بوعشرين بالدار البيضاء. فيما يتعلق بالمحتوى الدقيق لمقاطع الفيديو، وخاصة ما إذا كانت تتضمن مشاهد اعتداء جنسي أو إكراه، اختلفت روايات النيابة والدفاع إلى حد كبير. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من محتوى مقاطع الفيديو، التي عُرِضت فقط في جلسات استماع مغلقة ولم تُسرّب للجمهور. تضمنت بعض المقالات التي نُشرت على المواقع الموالية للمخزن لقطات شاشة قالت إنها من مقاطع الفيديو المستخدمة في الإدانة، تظهر شخصين بالغين يمارسان أنشطة جنسية.[[165]]
نفى بوعشرين باستمرار أنه ركب الكاميرات، وقال إن جهات مجهولة زرعتها في السقف المعلق لمكتبه وأبقتها هناك، دون علمه، لأكثر من عام. قال بوعشرين إنه لم يعرف أو يشتبه في وجودها، حتى اليوم الذي اعتقلته فيه الشرطة وعرضت عليه الكاميرات التي قالت إنها نزعتها للتو من المكان التي كانت فيه. لم يتمكن بوعشرين من رؤيتهم وهم يقومون بذلك لأنه كان محتجزا حينها في غرفة أخرى من مقر الجريدة. أكد محامو الدفاع طوال المحاكمة أن مقاطع الفيديو تم التلاعب بها، وأنه لا يمكن التعرف على بوعشرين فيها، وأنه لم يسجلها.
الضغط على نساء ليشهدن ضد بوعشرين
في الأيام التي أعقبت اعتقال بوعشرين، قالت الصحفية نعيمة الحروري لوسائل الإعلام إن بوعشرين اعتدى عليها جنسيا، وقالت الصحفية خلود الجابري في مقابلة إنه تحرش بها جنسيا مقابل امتيازات مهنية، أو ألمح إلى انتقام مهني إن هي رفضت إغراءاته.[[166]] أدرج القرار المكتوب للمحكمة الابتدائية تسع نساء في القضية كمشتكيات، من بينهن الحروري والجابري. استنادا إلى تقارير الشرطة التي اقتبست من محاضر أقوالهن، استدعت المحكمة ثلاث نساء أخريات للإدلاء بشهادتهن ضد بوعشرين.
رغم أن الوثائق القانونية المتعلقة بالمحاكمة الابتدائية ذكرت الصحفية أمال الهواري كمشتكية، فقد قالت إنها لم توافق أبدا على تقديم شكاية. كتبت على حسابها على فيسبوك في 2 مارس/آذار 2018: "[بوعشرين] لم يغتصبني، ولم يحاول اغتصابي، ولم أكن على علاقة جنسية معه قط، ولم أتقدم بشكوى. لا أعرف من أين تأتي كل هذه الأشياء".[[167]] أما الصحفية حنان باكور التي استُدعيت كشاهدة ضد بوعشرين، فقد نفت بشدة في تصريحات للصحافة أي علاقة عاطفية أو جنسية معه، وأصرت على أنه "صديق وزميل"، وأضافت: "عار على من يحاول تشويه سمعتي وسمعته".[[168]]
مثلت جميع هؤلاء النساء الـ12 أمام المحكمة، سواء أكّدن مزاعم الاعتداء الجنسي أو نفينها. حضر بعضهن طواعية، بينما أجبرت الشرطة الأخريات على الحضور.
في 6 يونيو/حزيران 2018، توجهت الشرطة إلى شقة باكور وهددت باعتقالها إذا لم تتبعها إلى المحكمة. أغمي عليها ونُقلت الى المستشفى. في وقت لاحق من ذلك اليوم، نُقلت مباشرة من المستشفى إلى المحكمة في سيارة إسعاف.[[169]] بمجرد وصولها إلى المحكمة، تعرضت لما وصفته للصحافة فيما بعد بأنه "انهيار عصبي" ولم تتمكن من الإدلاء بشهادتها.[[170]] استدعتها المحكمة مجددا بعد يومين.
في 7 يونيو/حزيران، أخرجت الشرطة أمال الهواري من صندوق سيارة اختبأت فيه لتجنب المثول أمام المحكمة، وفقا لتقارير صحفية متعددة.[[171]] اعتُقلت ونُقلت إلى المحكمة وحُبست على الفور بعد الجلسة بتهمة عرقلة سير العدالة، مما دفع محامي الدفاع عن بوعشرين إلى الانسحاب مؤقتا من المحاكمة احتجاجا على ما اعتبروه مؤشرات على تحيز للمحكمة ضد موكلهم. حوكمت الهواري فيما بعد في حالة سراح مؤقت، إلى جانب الأشخاص الموجودين في المنزل حيث كانت السيارة التي اختبأت فيها. أدينت بعرقلة سير العدالة وحكم عليها بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ.[[172]]
طوال هذه الفترة، قصف الإعلام الموالي للمخزن الهواري بوابل من المزاعم الخبيثة المتواصلة التي لا علاقة لها بقضية بوعشرين. في 6 مارس/آذار، وصل موقع برلمان، الذي يديره مسؤول أمني رفيع المستوى سابق، إلى حد نشر مقال بعنوان: "أمال الهواري تنفي اغتصابها من طرف [رجل سياسي]‘ و’برلمان.كوم‘ يؤكد خبر الاغتصاب".[[173]] لأن ضحايا الاغتصاب ما زلن يتعرضن للوصم في كثير من الأحيان في المغرب، اعتُبر مثل هذا العنوان على نطاق واسع أنه هجوم ضد الهواري.
في 24 فبراير/شباط 2018، بعد يوم من اعتقال بوعشرين، استدعت الشرطة موظفة أخبار اليوم عفاف برناني. أخبرت برناني لاحقا صحفية أمريكية أنها عندما وصلت إلى مركز الشرطة، ضرب شرطي الطاولة وهو يصرخ في وجهها: "أخبرينا كل شيء! نحن نعرف الحقيقة!". [[174]] أضافت: "لم أكن أعرف سبب وجودي هناك، أو ما الذي يتحدث عنه".
قدمت برناني مزيدا من التفاصيل في مقالة رأي نُشرت في "واشنطن بوست" عامين بعد الوقائع: "لأكثر من ثماني ساعات، ضغط عليّ المحققون بوحشية لأعترف بأن بوعشرين اعتدى عليّ جنسيا. استخدم تعبير ’أعترف‘، لأنني من تلك اللحظة أصبح واضحا بالنسبة لي أن رفضي الامتثال لسردية النظام التي تقول إنني ضحية سيعني أنه سيتم معاملتي كمجرمة".[[175]]
أكدت برناني لـ هيومن رايتس ووتش أنها لم تستسلم، رافضة اتهام بوعشرين بالتحرش بها جنسيا "لأنه لم يفعل شيئا لها قط".
تابعت برناني: " بعد أيام من الاستنطاق وجدت أن الشرطة لم تُزوّر أقوالي فحسب [لتجعلني أتهم بوعشرين زورا]، بل أيضا سُرِّبت مقتطفات من شهادتي المزعومة إلى وسائل الإعلام الموالية للدولة". ردا على ذلك، رفعَت برناني في 8 مارس/آذار شكاية تزوير في محكمة النقض في الرباط، وهي المكلفة بالنظر في الشكاوى ضد قوات الشرطة.[[176]] رفضت محكمة النقض شكاية برناني في نفس اليوم. بحسب محاميها محمد زيان، لم يُجر أي تحقيق قبل صدور الحكم.[[177]]
في 12 مارس/آذار 2018، كتبت برناني أن الشرطة "اختطفتها دون تقديم مذكرة جلب" من بيت صديقة حيث كانت تختبئ، بعد أن حاصرت البناية بعدد من عناصر الأمن، وقطعت الماء والكهرباء لإجبارهما على الخروج.[[178]] "أخذوني مباشرة إلى المحكمة، حيث حقق معي وكيل الملك لعدة ساعات، مصرا طول الوقت أنني أنا التي زورت شهادتي [التي أدليت بها]". قال زيان لـ هيومن رايتس ووتش إن وكيل الملك ضغط على برناني في ذلك اليوم لتقديم شكوى ضد محاميها (زيان) بتهمة "توجيه اتهامات نيابة عنها دون علمها أو موافقتها، وإلا ستكون هي المتهمة بالتشهير بالشرطة". رفضت برناني الامتثال، فاتهمها وكيل الملك بالتشهير بالشرطة في نفس اليوم.
عُقدت الجلسة الأولى لمحاكمة برناني بتهمة القذف في 17 أبريل/نيسان 2018 في المحكمة الابتدائية بعين السبع في الدار البيضاء. قال زيان وبرناني لـ هيومن رايتس ووتش في مقابلتين منفصلتين إنهما وصلا معا إلى قاعة المحكمة الساعة 9:05 صباحا. أبلغهما القاضي أن جلستهما عُقدت بالفعل في الوقت المحدد لها، أي الساعة 9 صباحا.[[179]] بعد الإحاطة بغياب المدعى عليها ومحاميها، وبعد امتناع الادعاء عن الإدلاء بأي أقوال، نظرت المحكمة في القضية في أقل من خمس دقائق ورفعت الجلسة لإجراء المداولات.
حكمت المحكمة الابتدائية في الدار البيضاء على برناني بالسجن ستة أشهر.[[180]] تروي برناني: "خلال هذه العملية كلها، عانيت من المضايقة المستمرة والتشويه في الإعلام الموالي للدولة، والذي تحول في رمشة عين من التعاطف معي كضحية مزعومة لاعتداء جنسي إلى تشويه شخصيتي بإهانات وتشهير ووصفي بأني الطرف المذنب".[[181]]
في يونيو/حزيران 2019، بعد أن أيدت محكمة الاستئناف العقوبة الصادرة بحقها بتهمة قذف الشرطة وقبل تنفيذ الحكم، فرت عفاف برناني إلى تونس، قبل أن تستقر في الولايات المتحدة عام 2022.[[182]] استمرت المضايقات ضدها في الإعلام الموالي لمخزن بعد مغادرتها، وما زالت لم تتوقف وقت كتابة هذا الملخص، بعد مرور عامين.[[183]]
تمسك باقي الضحايا المزعومات باتهاماتهن
كانت برناني وباكور وامرأة ثالثة فقط من رفضن الإدلاء بشهادتهن ضد بوعشرين رغم الضغوط المتنوعة والمكثفة التي مورست عليهن للقيام بذلك، وأصرت الهواري على شطب اسمها من قائمة المشتكيات ونجحت في ذلك. بقيت النساء الثماني الأخريات اللاتي وضعهن وكيل الملك في الأصل على قائمة المشتكيات على ذلك الحال حتى نهاية المحاكمة. لم تتراجع أي منهن عن شهادتها الأصلية. سمِعت برناني اثنتين منهن تقولان في المحكمة إن بوعشرين اعتاد "إبقاءهما في المكتب إلى وقت متأخر والقيام بإغراءات جسدية غير مرغوب فيها".[[184]] رغم أن معظمهن لم يدل بتصريحات علنية خارج المحاكمة، أجرى بعضهن مقابلات متكررة، منها مع الإعلام الموالي للمخزن، جددن فيها باستمرار تأكيد أن بوعشرين اعتدى عليهن جنسيا.[[185]]
اتهمت السلطات البلجيكية كوثر فال، إحدى النساء اللاتي لم يُجرِن أي مقابلة وأبقين على شكايتهن ضد بوعشرين، فيما بعد بأنها عميلة للمخابرات المغربية.[[186]] في يوليو/تموز 2018، بينما كانت محاكمة بوعشرين لا تزال جارية، اعتُقلت فال لعدة أسابيع في بلجيكا ثم طُردت منها للاشتباه في قيامها بأنشطة تجسسية.[[187]] في سبتمبر/أيلول 2020، نقل الإعلام الفرنسي عن تقرير للشرطة البلجيكية يبرر احتجاز فال وطردها: "يعتبر أمن الدولة [...] السيدة فال تهديدا للأمن القومي، لأنه وجدها [...] متورطة في أنشطة استخباراتية لصالح المغرب".[[188]]
إجراءات قضائية مجحفة
استمرت محاكمة بوعشرين أكثر من 40 جلسة. حضر عبد العزيز النويضي، محامي حقوقي مغربي، جميع الجلسات لمراقبة المحاكمة نيابة عن هيومن رايتس ووتش، إلى أن منعته المحكمة من الدخول في 7 يونيو/حزيران، بعد أن أمرت بمحاكمة مغلقة. قال النويضي إنه لاحظ خلال الجلسات التي حضرها رفض القاضي المتكرر احتجاجات الدفاع العديدة على انتهاكات للإجراءات القانونية الواجبة، بما في ذلك رفضه وسائل الإثبات التي قال الدفاع إنه تم الحصول عليها بشكل غير قانوني.
في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حكمت الغرفة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء على بوعشرين بالسجن 12 عاما بتهمة الاتجار بالبشر وهتك العرض بالعنف والاغتصاب، وأمرته بدفع تعويضات لثماني نساء قيمتها ما بين 150 ألف و800 ألف درهم (15 ألف إلى 80 ألف دولار) لكل منها. في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019، رفعت محكمة الاستئناف الحكم إلى 15 عاما.[[189]]
في 2020، خلص فريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع للأمم المتحدة إلى أن كلتى المحاكمتين شابتهما انتهاكات للإجراءات القانونية الواجبة وأنهما جزء من "مضايقة قضائية لا يمكن إلا أن تكون نتيجة لتحقيقات السيد بوعشرين ونشاطه الإعلامي".[[190]]
تعسف في السجن
قالت زوجة بوعشرين لـ هيومن رايتس ووتش إنه منذ اليوم الأول من احتجازه في سجن عين البرجة بالدار البيضاء في فبراير/شباط 2018، زجوا به في زنزانة انفرادية، ومنعوه من لقاء السجناء الآخرين منعا باتا، وأعطوا تعليمات للحراس بعدم التحدث إليه. وفقا لـ"قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء"، فإن أي حبس انفرادي يستمر لأكثر من 15 يوما متتالية يعتبر معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة. ظل بوعشرين في الحبس الانفرادي التعسفي لمدة عام وشهرين.[[191]]
لاحظت "اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة" أن "من المعترف به عموما أن جميع أشكال الحبس الانفرادي دون تحفيز عقلي مناسب من المحتمل أن تكون له، على المدى البعيد، آثار ضارة تؤدي إلى تدهور الأهلية العقلية والقدرات الاجتماعية". في أبريل/نيسان 2018، قالت زوجة بوعشرين لـ هيومن رايتس ووتش إنها قلقة إزاء إشارات فقدان الذاكرة التي قالت إنها لمستها خلال تفاعلها مع زوجها.[[192]]
7. سليمان الريسوني
كاتب صحفي مستقل يقضي حاليا عقوبة بالسجن 5 أعوام، تعرض لمضايقات الإعلام الموالي للمخزن والاحتجاز التعسفي المطول قبل المحاكمة.
سليمان الريسوني (49 عاما) كاتب صحفي شهير عمل في العديد من الصحف المغربية، منها يوميتا "الأول" و"المساء". في 2018، خلف توفيق بوعشرين الذي اعتُقل بتهم الاعتداء والتحرش الجنسيين، كرئيس تحرير لصحيفة أخبار اليوم، التي كانت آخر صحيفة مغربية مستقلة قبل إغلاقها في مارس/آذار 2021.[[193]] استرعى الريسوني الانتباه لانتقاده الملك محمد السادس وشخصيات ذات نفوذ مثل مدير الأمن الوطني عبد اللطيف الحموشي.[[194]]
في 2019، اعتقلت السلطات هاجر الريسوني، الصحفية في أخبار اليوم وابنة أخ سليمان، بتهمة الإجهاض وممارسة الجنس خارج إطار الزواج. قالت هاجر الريسوني لـ هيومن رايتس ووتش إن محققي الشرطة "سألوني عن سليمان أكثر مما سألوني عن التهم الملفقة لي". حكمت محكمة في الرباط على هاجر الريسوني بالسجن عاما قبل أن يعفو الملك عنها.
في مقالة افتتاحية في مايو/أيار 2020، انتقد سليمان الريسوني تعامل الحموشي مع الإغلاق العام في البلاد في إطار الاستجابة لتفشي جائحة كوفيد-19 المستجدة آنذاك.[[195]] أشار الريسوني إلى أن عدد الحالات التي خرقت حالة الطوارئ الصحية واستوجبت المتابعة فاق عدد الحالات التي جرى إخضاعها للتحاليل المخبرية لتشخيص الإصابة بالفيروس، مشككا فيما اعتبره "إدارة أمنية للأزمة الصحية".
تهمة التحرش برجل مثلي
في 14 مايو/أيار 2020، نشر ناشط مغربي في مجال حقوق مجتمع الميم يبلغ من العمر 25 عاما ويعرف بالاسم المستعار آدم محمد (يُشار إليه فيما يلي "آدم") على صفحته الشخصية على فيسبوك ادعاء بأن رجلا اعتدى عليه جنسيا في 2018. لم يذكر المنشور اسم سليمان الريسوني لكنه قدم تفاصيل كافية تُمكّن من التعرف عليه. تعرّف آدم على زوجة الريسوني، مصورة الفيديو خلود المختاري، عندما كانت تجري مقابلة معه من أجل مشروع فيلم وثائقي عن مجتمع الميم في المغرب.
قال آدم في منشوره على فيسبوك إن الريسوني دعاه إلى شقته الزوجية في 15 سبتمبر/أيلول 2018 من أجل التصوير.[[196]] يقول آدم إن الريسوني أخبره أن زوجته والمصور سيكونان حاضرين، لكنه فوجئ بأن لا أحد بالبيت سواهما. قال إنه فوجئ أيضا عندما أخبره الريسوني بأن التصوير سيكون في غرفة النوم، لكنه تبعه رغم ذلك. قال آدم للشرطة لاحقا أنه بمجرد أن جلس على السرير، أغلق الريسوني الستائر وأقفل الباب، ثم دفعه على ظهره، وشدّ يديه بقوة وشرع في تقبيل رقبته ولمس أردافه دون إذنه. قال آدم إنه حاول صده دون جدوى وهدد بالصراخ، فتركه الريسوني، فغادر الشقة. وقع الحادث المزعوم دون نزع أي ملابس.
مضايقات الإعلام الموالي للمخزن
في اليوم التالي لمنشور آدم على فيسبوك، بعد قرابة عامين من الأحداث المزعومة التي يرويها، أعاد موقع شوف تيفي المؤيد للمخزن نشره تحت عنوان "البوح في زمن كورونا: أول الغيث قطرة، سليمينة الريسوني مُطالب بالتوضيح بعد أن اتهمه مثلي بالتحرش به".[[197]]
جاء "الغيث" الموعود في الأيام والأسابيع التالية، في شكل عشرات المقالات على شوف تيفي ومواقع أخرى موالية للمخزن، بما في ذلك برلمان وLe360. كانت المقالات مليئة بالإهانات البذيئة والاتهامات ذات الطابع الجنسي ضد الريسوني، ولم تكتف باتهام الريسوني بأنه اغتصب آدم اغتصابا كامل الأركان، بل أيضا بأنه عاش في سرية مع امرأة كان أحد أقارب الريسوني قد أنجب منها "طفلا غير شرعي" (ذُكر اسما القريب والسيدة ونُشر مقتطف من شهادة ميلاد الطفل دون حجب أي معلومات منه).[[198]]
رد الريسوني في بضع منشورات قصيرة على فيسبوك، متهما مديري برلمان وشوف تيفي بالاسم، بالإضافة إلى مسؤولين كبار في الدولة، بأنهم "شواذ".
أدت تلك المنشورات المكتوبة بلغة فظة إلى مزيد من الهجمات على الريسوني من المواقع الموالية للمخزن. نشر شوف تيفي سلسلة من المقالات، بما في ذلك مقاطع دعائية لحلقات قادمة مليئة بالإهانات المبتذلة بعناوين من قبيل "سليمينة شو (بتأنيث اسم سليمان وتصغيره بُغية التحقير)" و"هارونيات سليمان" (في إشارة إلى حياة البذخ والانحلال التي تنسب إلى حياة الخليفة العباسي هارون الرشيد في القرن الثامن).[[199]]
في 17 مايو/أيار، نشر شوف تيفي مقالة بعنوان "سليمينة الريسوني... البوح ما قبل الأخير ما قبل التدمير".[[200]]
اعتقلت الشرطة الريسوني بعد خمسة أيام في الشارع أمام منزله بالدار البيضاء. كان طاقم شوف تيفي حاضرا لتصوير الاعتقال على الهواء.[201] ما يزال الريسوني محتجزا منذ ذلك الحين.
حبس احتياطي غير مبرر، ومحاكمة غيابية، ورفض الاستماع لشاهدة
في 20 مايو/أيار 2020، استدعت الشرطة آدم للتحقيق معه في مركز للشرطة في مراكش حيث كان يقيم. بحسب محضر أقوال آدم للشرطة الذي راجعته هيومن رايتس ووتش، أكد آدم في ذلك اليوم أن الريسوني هو الجاني المزعوم الذي لم يسمّه في الاعتداء الجنسي لعام 2018 الذي أبلغ عنه على فيسبوك قبل أيام.
اتهم وكيل الملك الريسوني باحتجاز شخص رغم إرادته وهتك عرضه بالعنف، وأحال القضية إلى قاضي التحقيق. استمر التحقيق القضائي عاما بينما ظل الريسوني في الحبس الاحتياطي، وهذا الحد الأقصى الذي يسمح به القانون المغربي. خلال تلك الفترة، رفضت المحكمة عشرة طلبات إفراج قبل المحاكمة قدمها دفاع الريسوني، دون تقديم أي مبرر تفصيلي لهذا الرفض.
وفقا للمعايير الدولية، يجب أن يبقى الحبس الاحتياطي تدبيرا استثنائيا. عندما تحرم محكمة مشتبها فيه من حريته حتى المحاكمة، يجب أن تقدم تبريرا مكتوبا ومفصلا ومشخصنا، ويجب أن يمثل المحتجز أمام المحكمة على وجه السرعة في جلسة استماع بشأن ضرورة خضوعه للحبس الاحتياطي. لم يقدم هذا التبرير وكيلُ الملك الذي أمر باعتقال الريسوني، ولا قاضي التحقيق الذي نظر في قضيته لأكثر من عام، ولا القاضي الذي ترأس المحاكمة منذ بدئها في 9 فبراير/شباط 2021.
في 7 أبريل/نيسان 2021، دخل الريسوني في إضراب عن الطعام احتجاجا على حبسه الاحتياطي. في 15 أبريل/نيسان، حضر جلسة محاكمة لكنه قال إنه لا يستطيع التحدث بسبب الضعف الناتج عن إضرابه عن الطعام، ورفض الإجابة على أسئلة القاضي. بعدها، قال الريسوني من خلال محاميه إنه سيحضر الجلسات المقبلة للمحاكمة بشرط نقله إلى قاعة المحكمة في سيارة إسعاف وعلى كرسي متحرك، تحت إشراف طبي. رفض القاضي هذه الطلبات وشرع في إجراءات المحاكمة غيابيا. أمر القاضي أيضا بأن يقابل كاتب الضبط للمحكمة الريسوني في زنزانته بالسجن بعد كل جلسة لإبلاغه بسير المحاكمة.
طالب دفاع الريسوني المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف التي تنظر في قضيته باستدعاء عاملة نظافة قال الريسوني إنها كانت في الشقة يوم الاعتداء المزعوم. رفض كلا القاضيين الطلب. برر الحكمُ الابتدائي الرفض بأن "القضاة ليسوا ملزمين بالاستماع إلى الشهود طالما أن إثبات الوقائع لا يتوقف على شهادتهم". ليس من الواضح ما الذي كانت ستقوله تلك المرأة لو أدلت بشهادتها، وإن كان ذلك سيساعد الريسوني.
كان من بين أدلة المحكمة الرئيسية تسجيل صوتي لمحادثة مفترضة بين الريسوني وآدم، سُجّلت بعد دقائق من الاعتداء المزعوم في 15 سبتمبر/أيلول 2018. وفقا لآدم، اتصل به الريسوني بعد وقت قصير من مغادرته الشقة وطلب منه انتظاره في شارع قريب لأنه يريد التحدث إليه. لحق به الريسوني، بحسب رواية آدم، بعد دقائق وتحدث معه. أخبر آدم محققي الشرطة والمحكمة أنه وضع هاتفه الخلوي في وضع التسجيل وأخفاه في جيبه أثناء المحادثة.
تضمن التسجيل المقدم إلى المحكمة محادثة مدتها دقيقة و19 ثانية بين شخصين تصحبها ضوضاء الشارع. يتضمن الحكم المكتوب، الذي راجعته هيومن رايتس ووتش، تفريغا لتلك المحادثة التي سُرِّبت لاحقا ونشِرت بالصوت على موقع برلمان.
في التسجيل، أخبر الشخص 1 الشخص 2 أنه "صديقه"، ورد عليه الشخص 2: "الصداقة شيء، لكن ما فعلته كان شيئا آخر". رد الشخص 1: "لقد كان سوء تفاهم" وطلب من الشخص 2 "عدم تهويل الأمور". قال الشخص 2 إنه "ذاهب ليقابل خلود"، فأجاب الشخص 1: " إذن لم نلتق اليوم أبدا. حسنا؟".[[202]]
في 18 سبتمبر/أيلول 2020، أمر قاضي التحقيق المسؤول عن القضية بإجراء خبرة صوتية على التسجيل الصوتي. آدم، الذي استُدعي إلى الجلسة، عرّف عن نفسه على أنه الشخص 2 ووافق على تسجيل عينة من صوته، أكدت الخبرة الصوتية لاحقا أنها كانت متسقة مع صوت الشخص 2. عندما سأل قاضي التحقيق الريسوني إن كان هو الشخص 1، رفض الريسوني الإجابة، ثم رفض تسجيل صوته من أجل الخبرة الصوتية.
برر محامو الريسوني في وقت لاحق رفض موكلهم التعاون بأن وكيل الملك قدم تلك الأدلة في شكل ملف صوتي مسجل على قرص مدمج، بدلا من تقديم الهاتف الذكي الفعلي الذي يُزعم أنه سجّل المحادثة. قال أحد المحامين في المحكمة إن الملف الصوتي نسخة وليس الأصل، وبالتالي لا يُستبعد أنه تم التلاعب به.
في 10 يوليو/تموز، أدانت المحكمة الريسوني الذي لا سوابق جنائية له، بتهمة احتجاز رجل لبعض اللحظات دون رضاه، ولمسه في أجزاء حميمة من جسمه، ثم تركه بعد أن هدد الرجل بالصراخ. رأت المحكمة أن هذا يبرر خمس سنوات في السجن.
أنهى الريسوني إضرابه عن الطعام في 4 أغسطس/آب 2021، بعد نحو ثلاثة أشهر من بدئه.
في 23 فبراير/شباط 2022، أيدت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء الحكم الابتدائي ضد الريسوني.
قانون جائر وتطبيق انتقائي
أكّد نص الحكم المكتوب ثلاث مرات على الأقل أن آدم مثلي. بحسب الحكم، صرح آدم بذلك لمحققي الشرطة ولقاضي التحقيق المسؤول عن القضية. كما أكد محاميه في المحكمة أن آدم يعرّف نفسه بأنه رجل مثلي.
يُجرّم الفصل 489 من القانون الجنائي العلاقات الجنسية المثلية ويُعاقب عليها بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وغرامات تصل إلى ألف درهم (حوالي 100 دولار).
قام المغرب على مر السنين بمقاضاة رجال وسجنهم بموجب الفصل 489 حتى في غياب أدلة على ممارستهم أفعالا جنسية مثلية. كون آدم أفلت من الملاحقة القضائية رغم تصريحه العلني للسلطات بأنه مثلي هو تطوّر مرحب به وتُثني عليه هيومن رايتس ووتش. لكن مع ذلك، من المثير للقلق أن السلطات تطبّق القانون بشكل انتقائي، حيث اختارت عدم مقاضاة آدم لأن ذلك يخدم أهدافها، لا لأنها تحترم حقوق مجتمع الميم المكفولة دوليا.
في تقرير صدر عام 2020، ذكرت النيابة العامة المغربية أن 283 بالغا حوكموا في المغرب لإقامتهم علاقات جنسية مثلية.
8. عمر الراضي
صحفي استقصائي يقضي حاليا عقوبة بالسجن لست سنوات، تعرّض لمضايقات من خلال وسائل الإعلام الموالية للمخزن، وحوكم ببعض التهم التي يبدو أن لها دوافع سياسية، وإجراءات قضائية غير عادلة، وحبس احتياطي مطول دون مبرر، ومراقبة هاتفه الذكي، واعتداء بدني مشبوه.
عمر الراضي (36 عاما)، صحفي استقصائي تعاون مع العديد من وسائل الإعلام المغربية والدولية كمساهم مستقل،[203] وهو أيضا عضو ناشط في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أكبر منظمة حقوقية في البلاد، التي تعرضت إلى مضايقات متكررة من قبل السلطات على امتداد عقود.[204]
الراضي أيضا ناشط في مجال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ومنخرط في العديد من المنظمات غير الحكومية، لا سيما المدافعة عن حرية الصحافة وحقوق الأرض. شغل منصب نائب رئيس منظمة "أطاك المغرب" (Attac Maroc)، الفرع المحلي لمجموعة مناهضة للعولمة تروّج للعمل المدني ردّا على المساوئ المفترضة للرأسمالية العالمية.
في 2013، شارك في كتابة مقالة استقصائية حازت على جائزة صحفية حول موضوع مقالع الرمال.[205] يُعتقد أنّ هذا المجال المربح هو بؤرة لفساد الدولة في المغرب، لأن استغلال مقالع الرمال في المغرب لا يتمّ إلا بتصاريح من الدولة، تُمنح من القصر الملكي على أساس تقديري غير شفاف، بما في ذلك لشخصيات بارزة مقرّبة من القصر.[206]
في 2016، كان الراضي وراء الإبلاغ عمّا يُسمّى بفضيحة فساد "خدام الدولة" التي نشر بشأنها الموقع الإخباري المغربي "لكم" (Lakome2.com) قائمة تضمّ مئات الأسماء لمسؤولين كبار يُزعم أنهم استحوذوا على أراض تابعة للدولة بجزء ضئيل من قيمتها الحقيقية.[207] رغم أنّ المقالة الأصلية صدرت بلا توقيع، إلا أنّ الراضي كشف لاحقا أنّه هو الذي حصل على القائمة السرية.[208]
في 2018، شارك الراضي في إخراج الفيلم الوثائقي "الموت ولا المذلّة"، الذي دافع بقوة عن الحراك، موجة الاحتجاجات التي هزّت منطقة الريف شمال المغرب في 2017.[209] تعرّض حوالي 500 ناشط للاعتقال والتعذيب في مراكز الشرطة، وحُكم عليهم بالسجن لسنوات بعد محاكمات معيبة.[210]
في 2018 أيضا، شارك الراضي في برنامج حواري على يوتيوب انتقد فيه الملك ومسؤولين كبار بالاسم، منهم قائد الشرطة البارز عبد اللطيف الحموشي، الذي يُقال إنه ثاني أقوى مسؤول في المملكة.[211] خلال البرنامج، وفي تصريح محفوف بالمخاطر، حذّر الراضي الملك محمد السادس من الحموشي، ملمّحا إلى أنّ أساليب الحموشي العنيفة ستقلب جيل الشباب في المغرب ضدّ النظام الملكي.[212]
في نفس البرنامج، زعم الراضي أنّ وزارة الداخلية ارتكبت " أكبر عملية رشوة على الإطلاق في البلاد"، في إشارة إلى برنامج اجتماعي أطلقه الملك وأدارته الوزارة في منتصف العقد الأول من القرن 21. طالب الراضي في البرنامج الحواري بحلّ وزارة الداخلية. بعد شهر، قدّمت وزارة الداخلية التماسا للمحكمة لحلّ الجمعية التي استضافت البرنامج الحواري على أساس أنه تضمن "إساءات للمؤسسات"، مستشهدة ببعض تصريحات الراضي أثناء البرنامج. أمرت المحكمة بحلّ الجمعية يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 2020.
السجن بسبب تغريدة
في 6 أبريل/نيسان 2019، نشر الراضي تغريدة قال فيها: "لنتذكر جميعا قاضي الاستئناف لحسن الطلفي، جلّاد إخواننا. في أنظمة عديدة، يعود الأتباع الصغار أمثاله لاحقا للترجي، مدعين أنهم كانوا فقط ’ينفذون الأوامر‘. لن ننسى أو نغفر لهؤلاء المسؤولين بدون كرامة".[213] نشر الراضي هذه التغريدة بعد دقائق من تأييد محكمة الاستئناف، برئاسة الطلفي، أحكام قضائية ضدّ قادة الحراك، الذين كانوا قد حوكموا في يونيو/حزيران 2018 بالسجن لفترات تصل إلى 20 عاما، بالاستناد أساسا إلى اعترافات قالوا إنّ الشرطة انتزعتها منهم تحت التعذيب.[214]
مرّت تسعة أشهر قبل أن تستدعي الشرطة الراضي لاستنطاقه بشأن هذه الأقوال. لمّا ذهب إلى مقر الشرطة يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 2019، وجه له وكيل الملك في الدار البيضاء تهمة "إهانة موظف قضائي" وأمر باحتجازه وإحالته على المحاكمة فورا. الأساس الوحيد لهذه المحاكمة هو تغريدة 6 أبريل/نيسان.
أمضى الراضي ستة أيام في الحبس الاحتياطي ثم أفرِج عنه بكفالة بعد حملة دعم دولية. في 17 مارس/آذار 2020، حُكم عليه بالسجن أربعة أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة إهانة موظف قضائي. أيدت محكمة الاستئناف هذا الحكم في ديسمبر/كانون الأول 2020.
اعتداء بلا تحقيق
في 7 يوليو/تموز 2019، عند منتصف الليل تقريبا، كان الراضي يقود سيارته في عين السبع بالدار البيضاء فاعترض سبيله سائق دراجة نارية. قال الراضي لـ هيومن رايتس ووتش إنه عندما حاول تجنبه، خرج حوالي عشرة رجال من الظلام وشرعوا في ضرب سيارته بالعصي والحجارة والطوب. كسر المعتدون نافذة الراكب الأمامي قبل أن يتمكن الراضي من الهروب. قدّمت والدة الراضي في وقت لاحق لـ هيومن رايتس ووتش صورا تُظهر الضرر الجسيم الذي لحق بالسيارة. [215]
في صباح اليوم التالي، ذهب الراضي إلى مركز للشرطة في عين السبع وأبلغ عن الحادثة، فوعده شرطيّ بفتح تحقيق، وقدّم له توصيلا يحمل ختم الشرطة ورقم ملف، وطلب منه استخدام ذلك الرقم لتتبع وضع شكايته في محكمة عين السبع. بعد أشهر، ذهب محاميه إلى المحكمة للتحقق من وضع الشكاية. قال لـ هيومن رايتس ووتش إنّ الرقم التسلسلي الموجود في التوصيل غير صحيح ولا يدل إلى أي ملف قضائي قائم.
مراقبة رقمية واختراق ببرمجية تجسس
في 22 يونيو/حزيران 2020، أفادت منظمة العفو الدولية أن الهاتف الذكي للراضي استُهدف ببرمجية بيغاسوس، وهي برمجية تجسس قوية طورتها شركة إن إس أو غروب الإسرائيلية.[216] تُحمَّل البرمجية خلسة على الهواتف الخلوية وتعطيها وصولا كاملا إلى محتواها وتحولها إلى أجهزة تراقب مالكيها سرا.
في بيان بتاريخ 2 يوليو/تموز 2020، نفى متحدث باسم الحكومة المغربية بشدّة انخراط السلطات في أي مراقبة للمعارضين.[217] أعرب المتحدث عن أسفه على تعرّض السلطات المغربية لـ "حملة تشهير دولية مغرضة". كانت العفو الدولية قد وثقت في تقرير سابق استخدام نفس البرمجية ضدّ المدافعين الحقوقيين المغاربة المعطي منجب وعبد الصادق البوشتاوي.[218]
في يوليو/تموز 2021، ذكرت سلسلة من المقالات الاستقصائية التي نشرتها المجموعة الصحفية فوربيدن ستوريز أنّ هاتف الراضي كان ضمن آلاف الهواتف التي استهدفتها السلطات المغربية ببرمجية بيغاسوس.[219] رفع المغرب دعوى قضائية ضدّ العفو الدولية وفوربيدن ستوريز وصحف نشرت استنتاجات المجموعتين بتهمة التشهير. خسر المغرب الدعوى في مارس/آذار 2022.
حملة مضايقات من وسائل إعلام موالية للمخزن
في الفترة من 7 يونيو/حزيران و15 سبتمبر/أيلول 2020، أحصت هيومن رايتس ووتش ما لا يقلّ عن 136 مقالة تهاجم الراضي شخصيا وعائلته ومسانديه في ثلاثة مواقع إخبارية موالية للمخزن هي شوف تي في وبرلمان، وLe360 بالعربية والفرنسية.
تضمّنت المقالات إهانات بذيئة بحق الراضي، ومعلومات شخصية عنه، شملت عملياته المصرفية الشخصية، ومزاعم بأن لديه مشكلات نفسية خطيرة وإدمان على المخدرات، وأنه اغتصب امرأة قبل 13 عاما (هذه المرأة اتصلت بها وسائل إعلام فرنسية لاحقا فنفت تلك المزاعم جملة وتفصيلا).[220] كشفت المقالات أيضا عن اسم شريكته السابقة في السكن، زاعمة أنّه كانت بينهما علاقة حميمية، وتفاصيل لا حصر لها عن حياته وطفولته ووالديه والعديد من أصدقائه وأعضاء لجنة الدعم الخاصة به. في نهاية المطاف، تنبأ موقع شوف تي في تاريخ اعتقاله خمسة أيام قبل وقوع الاعتقال.[221]
مضايقات بوليسية وقضائية
في 24 يونيو/حزيران 2020، بعد يومين فقط من إعلان العفو الدولية عن تعرّض الراضي للمراقبة الالكترونية، فرضت عليه السلطات حظر سفر، واستدعته الشرطة القضائية لاستنطاقه.[222] حضر 12 جلسة استنطاق، مدة كل واحدة منها من ست إلى تسع ساعات، بمجموع 97 ساعة استنطاق في أقل من خمسة أسابيع، وفقا لحسابات "مراسلون بلا حدود".[223]
اتهمه وكيل الملك في الدار البيضاء، الذي أمر بعمليات الاستنطاق، بعدّة جرائم، منها مزاعم تتعلق بتقديم "خدمات استخباراتية" لحكومات وشركات ومنظمات أجنبية.
قال إدريس الراضي، والد عمر، لـ هيومن رايتس ووتش، إنّ تدقيق الشرطة المكثف والحملة الشرسة التي شنتها وسائل الإعلام الموالية للمخزن كانت أقرب إلى "التعذيب النفسي" لابنه، وقدّم شهادة من طبيب نفسي مؤرخة في 28 يوليو/تموز 2020، راجعتها هيومن رايتس ووتش، تؤكد أن الوضع النفسي للراضي يفرض " انقطاعه من العمل" 30 يوما بشكل فوري.
اعتقلته الشرطة في اليوم التالي، أي 29 يوليو/تموز، وهو في السجن منذ ذلك الحين. رفض وكيل الملك، وفي وقت لاحق قاضي التحقيق وقضاة آخرين في المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف، ما لا يقل عن 20 طلب إفراج مؤقت، رغم أنّ الراضي له عنوان معروف في المغرب، وتعهد بالمشاركة الكاملة في المسار القضائي، ولا يوجد خطر فرار بما أنه يخضع لحظر سفر.
وفقا للمعايير الدولية، فإنّ الحق في افتراض البراءة يفرض على السلطات القضائية، عند حرمان مشتبه به من حريته، تقديم تبرير مكتوب ومفصل ومشخصن للحبس الاحتياطي، يستطيع المشتبه به الاعتراض عليه، ويكون خاضعا للمراجعة السريعة والدورية.
لم تقدّم المحكمة للراضي أبدا أي تبرير يستجيب لهذه الشروط، رغم أنّها وضعته في الحبس الاحتياطي لأكثر من سنة.
في 12 من أصل الجلسات الـ 15 بالمحكمة الابتدائية، كرّر محامو الراضي طلب الإفراج المؤقت عن موكلهم. لكن القاضي رفض جميع هذه المطالب مبررا ذلك بنفس السطر: " الأفعال المنسوبة إلى المتهم عمر الراضي على درجة كبيرة من الخطورة وتشكل مساسا بالأمن والنظام العام"، وفقا للحكم المكتوب.
محاكمة بتهمة "التجسس"
في 2 يوليو/تموز، قال متحدّث باسم الحكومة إنّ الراضي يخضع "للتحقيق بشبهة المسّ بأمن الدولة". استندت القضيّة إلى ثلاث مجموعات من الأدلّة: رسائل نصيّة بين الراضي ودبلوماسي هولندي، تمهيدا لاجتماع ناقشا فيه اضطرابات منطقة الريف وتعامل الدولة معها، وعقود كان الراضي قد وقّعها مع شركتيْ استشارات بريطانيتين لإجراء أبحاث داخل المغرب حول القطاعين المالي والزراعي المحلّيين، ومنحة بحثيّة للتحقيق في عمليات نزع ملكيات الأراضي كان قد تلقاها من "مؤسسة بيرثا".
لم يتضمّن ملف القضية، الذي راجعته هيومن رايتس ووتش، أي دليل على تورّط الراضي في أي شيء، اللهُمَّ العمل الصحفي العادي أو العمل مع شركات أو التواصل بدبلوماسيين، كما يفعل الكثير من الصحفيين والباحثين بشكل روتيني. لا يحتوي ملف القضية على أيّ دليل على أنّه قدّم معلومات سرّية لأيّ كان، أو أّنّه حصل على هكذا معلومات أصلا.
1. سفارة هولندا في المغرب
في أواخر 2017، بينما كانت منطقة الريف شمال المغرب تعيش على وقع احتجاجات اقتصادية واجتماعية ضخمة، لكنها سلميّة إلى حدّ كبير، زار الراضي المنطقة بشكل متكرر للعمل على وثائقي حول "الحراك". في تلك الفترة، وافق قاض على طلب أحد وكلاء الملك بالتنصت على هاتف الراضي. لما كان هاتفه تحت المراقبة، تبادل الراضي رسائل نصيّة مع دبلوماسي يعمل في سفارة هولندا في الرباط. لم تتضمّن هذه الرسائل، التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، أي شيء سوى ترتيبات لعقد اجتماعات بين الرجلين.
أثناء استنطاق الشرطة له، أصرّ الراضي على أنّ رسائله مع الدبلوماسي كانت محادثات روتينية حول آخر المستجدات في المغرب، بما في ذلك أحداث الريف.
كما هو مبيّن في الحكم الكتابي للمحكمة، الذي راجعته هيومن رايتس ووتش، اعتبر وكيل الملك أنّ اتصالات الراضي بدبلوماسيين هولنديين فيه انتهاك للفصل 191 من القانون الجنائي الذي ينصّ على أنّه "يؤاخذ بجريمة المسّ بسلامة الدولة الخارجيّة كلّ من يباشر اتصالات مع عملاء سلطة أجنبيّة، إذا كان الغرض منها أو ترتّب عنها إضرار بالوضع العسكري أو الدبلوماسي للمغرب".
يُعدّ جمع المعلومات غير السريّة حول الظروف الاجتماعية أو عمل الحكومة ومشاركتها مع أطراف أخرى، بأيّ وسيلة كانت، محميّا بموجب الحق المعترف به دوليا في "التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود"، وهو حق مكفول في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمغرب طرف فيه منذ 1979.[224] احتمال أن تنعكس مثل هذه المعلومات بشكل سيء على من هم في السلطة، أو أن يستخدمها من يستلمها لانتقادهم، لا يبرّر تجريم جمعها أو نشرها.
إضافة إلى ذلك، تُعتبر صياغة عبارة "الإضرار بالوضع الدبلوماسي للدولة المغربية" غامضة للغاية، وقد تُستخدم لتجريم أعمال لا يجب تجريمها، بما في ذلك التعبير السلمي. الصياغة الفضفاضة لهذه الجريمة تفتح الباب لتفسيرات تعسفية من جانب القضاة، مما يَحول دون تنبؤ الشخص المعني بشكل معقول بأفعال قد تُعتبر جرائم لاحقا.
في 14 أكتوبر/تشرين الأول، بعث وزير الخارجية الهولندي بن كنابن برسالة إلى البرلمان الهولندي قال فيها إنّ حكومته "ترفض اتهامات التجسس" [في إشارة إلى اتصالات الراضي بالدبلوماسيين الهولنديين]، وإنّه "نقل هذه الرسالة إلى السفير المغربي في لاهاي".[225] قال أيضا في نفس الرسالة: "تمّ التأكيد على أنّ السفارات لها حريّة الاتصال بالصحفيين، [وهذا] جزء من أنشطتها المعتادة". بحسب كنابن، ردّت السلطات المغربيّة بأنها "تعطي أهميّة كبرى للعلاقات مع هولندا" لكنها لا تستطيع "التدخل في المسار القضائي".
2. شركات الاستشارات الاقتصادية البريطانية
قالت مقالة نُشرت يوم 15 يوليو/تموز 2020 في موقع "لوديسك" (Le Desk) الإخباري، الذي كان يعمل لصالحه الراضي، إنّ شركة استشارات اقتصادية بريطانية تعاقدت مع الراضي في يوليو/تموز 2018 كمستشار محلّي لتقييم المخاطر المتعلقة بالاستثمار.[226] كانت مهمّة الراضي إجراء مقابلات مع أشخاص من القطاع المالي المغربي للتعرّف على الشركاء في شركة خدمات مالية مغربية، لصالح زبون للشركة البريطانية كان يفكّر في الاستثمار في الشركة المغربية. حصل الراضي على ما يعادل 1,500 دولار أمريكي على هذه المهمّة.
استنادا إلى مقالة لوديسك، كانت جهة اتصال الراضي للحصول على العمل مع الشركة البريطانية موظف متقاعد من وزارة الخارجية، ورد اسمه في قائمة مزعومة لعملاء جهاز المخابرات الخارجية البريطانية (MI6).[227]
نفى الراضي علمه بأيّ ارتباط استخباراتي لذلك الرجل في شركة الاستشارات الاقتصادية في ذلك الوقت، ونفى أيضا تقديم أيّ خدمات للرجل أو الشركة بخلاف الأبحاث الاعتيادية بشأن الشركات الخاصة.
خلص وكيل الملك إلى أنّ الخدمات التي قدّمها الراضي لم تكن استشارة بريئة، بل تجسسا. الأمر نفسه ينطبق على استشارات قدّمها الراضي لشركة بريطانية أخرى حول قطاع الزراعة المغربي، وحصل في شأنها على ما يعادل 450 دولار أمريكي.
عملُ الراضي مع هاتين الشركتين، بالإضافة إلى اتصالاته بالسفارة الهولندية، هو الأساس الذي وجُهت عليه تهمة "المس بالأمن الخارجي" بموجب الفصل 191 من القانون الجنائي. غير أنّ ملف الادعاء وتقرير الشرطة الذين استندت إليهما التهمة لم يتضمنا أي أدلّة على طبيعة المواد التي قدّمها الراضي لأي من الشركتين وقد تُشكّل جريمة تجسس، أو أدلّة على علمه بأنّ تلك المواد قد تضرّ بأمن الدولة.
بشكل عام، ينبغي أن يكون جمع ونشر المعلومات غير السرية المتعلقة بالأنشطة التجارية نشاطا محميا بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمغرب طرف فيه منذ 1979.
3. مؤسسة بيرثا
في يناير/كانون الثاني 2019، قدّمت مؤسسة بيرثا ومقرها جنيف منحة للراضي. تقدّم المؤسسة زمالات مدفوعة الأجر للصحفيين والنشطاء الذين يعملون على تحقيق تغيير اقتصادي واجتماعي. كان الغرض من المنحة تمكين الراضي من إجراء أبحاث حول الأثر الاجتماعي لنزع ملكية الأراضي لغرض المنفعة العامة في المغرب.
بحسب "لجنة حماية الصحفيين"، تألف مشروع زمالة الراضي من إجراء أبحاث حول الانتهاكات المتعلقة بمصادرة الأراضي، حيث اشترت الدولة أراض جماعية تابعة لقبائل محليّة مقابل مبلغ زهيد وباعتها بأرباح طائلة لشركات خاصة.[228] "خلال برنامج الزمالة الذي امتد عاماً كاملا، لم يقتصر بحثه على عمليات محددة لمصادرة الأراضي – وهو أمر قد يزعج السلطات المغربية – لكنه ركز على المشكلة المنهجية المتمثلة في تجريد الناس من ممتلكاتهم. يزداد فقر المزارعين ذوي الحيازات الصغيرة وأفراد القبائل في المنطقة الذين شملهم بحث الراضي، بينما يزداد غنى المستفيدين من مصادرة الأراضي".
المنحة التي حصل عليها الراضي كانت جزءا من برنامج يُسمى "تحدي بيرثا"، الذي يدعم زملاء المؤسسة للإجابة على سؤال: "كيف تساهم العلاقة المتشبكة بين الملكيّة والربح والسياسة في إرساء الظلم في قطاع الأراضي والسكني؟ وماذا يمكن فعله لمعالجة ذلك؟".[229] اعتبرت الشرطة أن ذلك يوازي موافقة الراضي على عمل من منظمة أجنبية يرمي إلى إثارة الشعور بالظلم لدى المواطنين المغربة حيال نزع ملكية الأراضي.
قال وكيل الملك إنّ أنشطة الراضي تبرّر توجيه تهم إليه بموجب الفصل 206 بـ "المسّ بالسلامة الداخلية للدولة [بسبب] تسلم بطريق مباشرة أو غير مباشرة من شخص أو جماعة أجنبية، بأي صورة من الصور، هبات أو هدايا أو قروض أو أية فوائد أخرى... لتسيير أو تمويل نشاط أو دعاية من شأنها المساس بوحدة المملكة المغربية أو سيادتها أو استقلالها أو زعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية ولمؤسسات الشعب المغربي".
دراسة وتحليل ونقد السياسات العامة وآثارها تُعتبر أنشطة محميّة بموجب المعايير الدولية لحقوق الإنسان. محاكمة شخص على انخراطه في مثل هذه الأنشطة تُعتبر انتهاكا صارخا للحق في حرية التعبير، المكفول في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمغرب طرف فيه.
بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر تهمة "زعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية ولمؤسسات الشعب المغربي" غامضة وفضفاضة، وقد تُستخدم لتجريم أفعال مشروعة تندرج ضمن الحق في حرية التعبير. وهنا أيضا تسمح الصياغة الفضفاضة للجريمة بتفسيرات تعسفية من قبل القضاة، وهو ما يحول دون تنبؤ الأشخاص بشكل معقول بأنّ أفعالهم يُمكن أن تُفسّر على أنها جرائم.
محاكمة بتهمة السُكر العلني والعنف والسبّ
في 6 يوليو/تموز 2020، اتهمت السلطات الراضي بـ"السكر العلني الواضح" والعنف والسب، وهي تهم تنبع من جدال دار بين الراضي وعماد استيتو، زميله في موقع لوديسك الإخباري، مع كريم العلوي، مصوّر في موقع شوف تي في الموالي للمخزن، خارج حانة في الدار البيضاء. حصلت الحادثة يوم 5 يوليو/تموز، في خضمّ جلسات الاستجواب المتعددة التي كان يخضع لها الراضي لدى الشرطة القضائية بتهمة "التجسس" وغيرها من التهم المتصلة بالأمن.
يُسمع العلوي في فيديو للحادثة وهو يوجه شتائم إلى الراضي، وينعته بـ"السارق" و"السكّير".[230] قال الراضي لـ هيومن رايتس ووتش إنّه يشكّ في أنّ الحادثة كانت استفزازا بمشاركة الشرطة نظرا لسرعة تدخلها واعتقاله مع استيتو، بينما لم يُعتقل العلوي.
في بيان نشره على فيسبوك، قال الراضي إنّ العلوي كان دائما يضايقه كلما دخل أو خرج من المقر الرئيسي للشرطة القضائية في الدار البيضاء، حيث كان يخضع للاستنطاق .[231] قال شاهدان على حادثة 5 يوليو/تموز لـ هيومن رايتس ووتش إنّ العلوي كان ينتظر خارج الحانة لمدّة ساعتين على الأقل بينما كان الراضي بالداخل، وبدأ في تصويره عند خروجه مع استيتو حوالي الساعة 11 مساء. تبادل الرجال الثلاثة بعض الكلمات وهم يصوّرون بعضهم البعض بهواتفهم الخلوية.
نفى الشهود حصول أي عنف، وقالوا إنّ سيارة للشرطة ظهرت بعد أقل من دقيقة من بداية الجدال، وكأنها كانت متمركزة في مكان قريب. اعتقلت الشرطة الراضي واستيتو وتركت العلوي في حالة سراح. احتّجز الأولان تلك الليلة وأفرج عنهما في ظهر اليوم التالي.
قال الراضي لـ هيومن رايتس ووتش إنّ الشرطة صادرت هاتفه الذكي أثناء الاعتقال، وأخبره شرطي بأنهم اطلعوا على محتواه، بما في ذلك محادثات على تطبيق "سيغنال" المشفر. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد بشكل مستقل مما إذا تمّ فعلا تنزيل أي معطيات من الهاتف الخلوي للراضي. وُجهت إلى الراضي واستيتو تهم السكر العلني والعنف والسب وتصوير شخص دون موافقته، بينما وجهت للعلوي التهمتان الأخيرتان فقط.
في 5 أغسطس/آب 2021، قضت المحكمة الابتدائية بعين السبع في الدار البيضاء بسجن الراضي واستيتو ثلاثة أشهر موقوفة التنفيذ بتهمة السكر العلني.[232] في تلك الفترة، كان الراضي قابعا في السجن منذ أكثر من سنة، وقد حُكم عليه حديثا بالسجن ست سنوات بتهمتي التجسس والاغتصاب. حُكم على العلوي بالسجن لمدة شهرين موقوفة التنفيذ بتهمة تصوير شخص دون موافقته.
تمّ النظر في هذه القضيّة دون أن يمثل أيّ متهم أمام المحكمة. عقدت المحكمة سبع جلسات لكن القاضي كان كل مرة يلاحظ غياب المتهمين وفرق الدفاع الخاصة بهم، ويؤجل المحاكمة. أصدر الحكم أخيرا في الجلسة الثامنة يوم 5 أغسطس/آب، في غياب جميع المتهمين أيضا. قال محامي استيتو لـ هيومن رايتس ووتش إنّ موكّله لم يستلم أبدا أيّ إخطار لحضور أيّ من الجلسات التي سُجل فيها غائبا. كما لم يتم إخطار الراضي أيضا، الذي كان قد أمضى وقتها أكثر من عام في السجن، ولم تحضره الشرطة أبدا من السجن إلى المحكمة.
محاكمة بتهمة الاغتصاب
في 23 يوليو/تموز، رفعت حفصة بوطاهر، زميلة سابقة للراضي كانت تعمل في موقع لوديسك كموظفة في الإدارة وقسم الإشهار، دعوى ضدّه وجّه بموجبها له وكيل الملك تهمة الاغتصاب وهتك العرض بالعنف.[233] نفى الراضي هذه التهم وقال إنّه كانت لهما علاقة جنسية بالتراضي.[234] استندت التهمة إلى أحداث جرت في الساعات الأولى من يوم 13 يوليو/تموز 2020 في منزل يملكه مدير لوديسك ويستخدمه الموظفون أحيانا كمكان عمل. تمّت دعوة المشتكية، والراضي، وموظف ثالث في لوديسك هو عماد استيتو للمبيت الليلة هناك، ومُنح كل منهم أريكة منفصلة للنوم عليها في غرفة معيشة واسعة في الطابق الأرضي.
شهد عماد استيتو أمام الدرك وقاضي التحقيق بأنه كان حاضرا تلك الليلة، وكانت شهادته متسقة مع رواية الراضي، الذي أفاد أن العلاقة بينه وبين المشتكية كانت رضائية.
في خطوة إجرائية غير معتادة، وضعت محكمة الدار البيضاء القضيتين المتعلقتين بمزاعم الاغتصاب والتجسس في ملف واحد ونظرت فيهما معا، رغم أنهما منفصلتين. نظر نفس قاضي التحقيق في كل هذه التهم وأوصى بمحاكمة الراضي عليها أمام نفس المحكمة.
جميع مزاعم الاعتداء الجنسي تستوجب تحقيقا جادا وتقديم المتورطين إلى العدالة، في محاكمة عادلة لكلا الطرفين.
في أكتوبر/تشرين الأول 2022، لمّا كان التحقيق الجنائي مع عمر الراضي لا يزال جاريا، طلبت حفصة بوطاهر الاجتماع بـ هيومن رايتس ووتش. ردا على طلبها، عرضت عليها المنظمة التحدّث إلى موظفات مدرَّبات على إجراء مقابلات مع مشتكيات من العنف الجنسي بطريقة تراعي الأخلاقيات، لكن بوطاهر ردّت برسالة نصية قالت فيها إنها لم تعد ترغب في التحدث إلى هيومن رايتس ووتش "احتراما للقضاء وسريّة التحقيق القضائي". احترمت المنظمة قرارها.
في يونيو/حزيران 2022، بعد انتهاء المحاكمات ابتدائيا واستئنافيا، طلبت بوطاهر من جديد مقابلة هيومن رايتس ووتش. في 10 يونيو/حزيران، التقى موظفان من قسمي الشرق الأوسط وحقوق المرأة (أحدهما حضر الاجتماع شخصيا في الرباط والثاني عبر الفيديو) بها وبمحاميتها.
في هذا الاجتماع، انتقدت بوطاهر بعض وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش، لعدم سماع طرفي القضية. قالت إنه بدلا من معاملتها كضحية، عاملوها كما لو كانت أداة استخدمتها الحكومة لغايات سياسية.
أوضحت هيومن رايتس ووتش أنها لم تسعَ إلى التوصل إلى استنتاجات بشأن وقائع قضية الاغتصاب، لكنها معنيّة بضمان التحقيق كما يجب في كل المزاعم المتعلقة بالاعتداء الجنسي، وتقديم المتورطين فيها إلى العدالة، من خلال مسار جنائي يحترم حقوق المُدّعي والمُدّعى عليه. يشمل ذلك تقييم مدى احترام المحاكمة للمعايير الدولية المتعلقة بالحق في المحاكمة العادلة.
بناءً على الأدلّة المعروضة في هذا التقرير، خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أنّ محاكمة عمر الراضي انتهكت العديد من معايير المحاكمة العادلة، وبالتالي لا يُمكن اعتبارها عادلة.
الأدلّة على المحاكمة غير العادلة
في 19 يوليو/تموز 2021، أدين الراضي بتهمتي الاغتصاب والتجسس وحُكم عليه بالسجن ست سنوات.[235] حُكم على استيتو بالسجن لمدة سنة، منها ستة أشهر مع وقف التنفيذ، بتهمة المشاركة في الاغتصاب. استأنف كلا الرجلين هذه الأحكام. حُكم على الراضي أيضا بغرامة قدرها 200 ألف درهم (20 ألف دولار) تعويضا للمشتكية. في 3 مارس/آذار 2022، أيدت محكمة الاستئناف كلتا العقوبتين في حق الراضي واستيتو.
حرمت كلتا المحكمتين الراضي من مبدأ "المساواة في وسائل الدفاع" الذي يضمن لطرفي النزاع حظوظا متساوية في القضية، وهو شرط أساسي للمحاكمة العادلة وفقا للمعايير الدولية. منعت السلطات الراضي من الوصول إلى ملف قضيته لأكثر من عشرة أشهر.
استبعدت السلطات شهادة الشاهد الرئيسي بتوجيه تهمة "المشاركة في الاغتصاب" إليه، رغم أنّ المشتكية لم تتهمه بالمشاركة، ولم تُقدّم ضدّه أي أدلّة في المحكمة. رفضت المحكمة أيضا السماح للدفاع باستجواب شاهد الادعاء في قضية الاغتصاب، واستبعدت أحد شهود الدفاع الرئيسيين في قضية التجسس.
1. حرمان المتهم من الحصول على ملف القضية
منعت إدارة السجن محاميي الراضي بشكل متكرر من تسليم موكلهم نسخة من ملف القضية، وبالتالي حرمته من حقه في إعداد دفاعه من زنزانته. لم تسمح له إدارة السجن بالحصول على ملف قضيته الكامل إلا بعد أن أمر القاضي بذلك، ردّا على شكايتين من محامييه، يوم 3 يونيو/حزيران 2021، بعد عشرة أشهر من اعتقاله وبعد شهرين من انطلاق المحاكمة الابتدائية، ما حرمه من الوقت الكافي لإعداد دفاعه.
بينما كان الراضي يكافح في المحكمة لأشهر حتى يحصل على ملف قضيته، نشر موقع برلمان الموالي للمخزن تحليلا مطولا للقضية المرفوعة ضدّ الراضي بعد أربعة أيام فقط من اعتقاله يوم 29 يوليو/تموز 2020. كان من الواضح أن المقالة مبنية على اطلاع مستفيض على ملف القضية.[236] أشارت المقالة المنشورة على موقع برلمان بقوة إلى أنّ الراضي مُذنب بالتهم الموجهة إليه.
2. الحرمان من الاتصال بمحام
في 28 يونيو/حزيران 2021، احتجزت الشرطة كريستوف مارشان، محام بلجيكي مكلّف من قبل والدي الراضي، عند وصوله إلى مطار الدار البيضاء. كان قادما من بروكسل لمساعدة الراضي خلال إحدى جلسات المحاكمة.
بعد ساعات، قالت "المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان"، وهي هيئة حكومية، في بيان إنّ مارشان "كان على علم بأنه ممنوع من ولوج التراب الوطني منذ 24 فبراير 2021" بسبب "مواقفه العدائية تجاه المغرب، خاصة المس بوحدته الترابية"، لكنّه حاول الدخول رغم ذلك.[237] أضاف البيان الرسمي أنّ مارشان كان يحاول "فرض الأمر الواقع... واستغلال تواجده بالمغرب للتشويش على قضية معروضة على المحكمة" و"المسّ بصورة البلد" بـ"إعداد تقارير منحازة وغير موضوعية".
في مكالمة هاتفية مع هيومن رايتس ووتش ذلك اليوم، قال مارشان إنّه لم يكن يعلم ولم يتم إخطاره أبدا بأنه مُنع قبل أشهر من دخول المغرب. أمضى الليلة محتجزا في المطار، وفي اليوم التالي رُحّل إلى بلجيكا.
3. استبعاد شاهد دفاع رئيسي
بعد أن قدّم عماد استيتو للمحكمة شهادة متسقة مع رواية الراضي يوم 18 مارس/آذار 2021، وجهت المحكمة لإستيتو تهمة "المشاركة في الاغتصاب"، رغم أنّ الشاكية لم تتهمه بالمشاركة في الاعتداء المزعوم، لا جسديا ولا لفظيا.
في تصريحاتهما للدرك ووكيل الملك وقاضي التحقيق، وأمام المحكمة، أكّد الراضي والمشتكية تصريح استيتو بأنه لم ينهض أبدا من أريكته التي كانت تبعد عنهما حوالي عشرة أمتار. قال الراضي والمشتكية إنهما اعتقدا أن استيتو كان نائما قبل أن يقول هو للسلطات إنه كان مستيقظا.
بعد أن وجهت المحكمة لإستيتو تهمة "المشاركة في الاغتصاب"، استبعدت شهادته. قالت المحكمة في نصّ الحكم "إنّ تصريحات [استيتو] على كون الرضائية كانت متوافرة(...) لا يُمكن الركون إليها لأنه متهم بالمشاركة ومن صالحه دفع التهمة عنه".
في بيان مشترك صدر يوم 5 أبريل/نيسان 2021، قالت 11 منظمة حقوقية دولية إنّ "اتهام عماد استيتو من طرف السلطات يُلغي عمليا القيمة الاستدلالية لتصريحه كشاهد للدفاع"، وأكدت على أنه يتعيّن على المحكمة "أن توفر لأيّ متهم جنائي جميع الوسائل المتاحة للدفاع عن نفسه".[238] يشترط القانون الدولي لحقوق الإنسان أن يُسمح للمتهمين بجرائم بتقديم شهود لصالحهم في المحكمة على نفس الأساس الذي يتم تقديم شهود ضدّهم.
4. تجاهل أدلة الحقيق واستبعاد أحد شهود الدفاع
فيما يتعلق بتهم التجسس، يوضّح ملف القضية أن وكيل الملك اعتمد بشكل كبير على تصريح أدلى به الراضي للشرطة قال فيه إنه على اتصال منذ 2013 بأرنو سيمونس (Arnaud Simons)، الذي عرّفه على أنّه موظف سابق في السفارة الهولندية في المغرب.
بحسب محضر الشرطة حول القضية، فإنّ عدم وجود اسم "أرنو سيمون" (الذي كتب بشكل خاطئ) ضمن قائمة وزارة الخارجية للدبلوماسيين المعتمدين بالمغرب "يكرّس بشدة احتمال" أنّ هذا الاسم ليس لشخص حقيقي. زعموا أنّه الاسم المستعار لعميل مخابرات سرّي هولندي كان يحصل على معلومات سرية من الراضي حول احتجاجات الريف سنة 2017. أوضح نصّ الحكم أن وكيل الملك استنتج أثناء المحاكمة أنّ سيمونس كان "اسم حركي" لعميل سري لهولندا.
اتصل سيمونس بـ هيومن رايتس ووتش في مطلع 2021، وقدّم صورا لوثائق هوية ووثائق أخرى تُظهر أن اسمه هو أرنو سيمونس، وأنّه مواطن بلجيكي عمل كمتعاقد مع سفارة هولندا في المغرب بين 2013 و2015.
في اتصالات مع هيومن رايتس ووتش، وفي رسالة مفتوحة نشرها على الانترنت، قال سيمونس إنّ اتصالاته بالراضي كانت مقتصرة على مناقشة مسائل ثقافية، وهو ما يتسق مع عمله كملحق ثقافي في السفارة.[239] قال أيضا إنّه كان قد غادر المغرب قبل عامين من اندلاع احتجاجات الريف سنة 2017، وإنه لم يتصل بالراضي منذ ذلك الوقت.
في رسالة قدّمها أحد محاميي الراضي للقاضي أثناء جلسة محاكمة يوم 29 يونيو/حزيران، حضرتها هيومن رايتس ووتش، قدّم سيمونس الوثائق وطلب أن يكون شاهد دفاع. أضاف القاضي الرسالة إلى ملف القضية، لكنه رفض طلب سيمونس للإدلاء بشهادة لأن ذلك سيؤدي فقط "إطالة زمن المحاكمة".
تفسير الأسباب التي اعتمدتها المحكمة لإدانة الراضي بالتجسس في نصّ الحُكم لم يذكر رسالة سيمونس، وكرّر بدلا من ذلك أن المحكمة "استنتجت" أن "أرنولد سيمون "هو "اسم حركي يستخدمه شخص كان يعمل سابقا بالسفارة الهولندية في الرباط". اعتمدت محكمة الاستئناف نفس المنطق، وأيدت حكم السجن لمدة ست سنوات في حق الراضي.
5. رفض فحص شاهد الادعاء
في رسالة مؤرخة في 10 أغسطس/آب 2020 أُرسِلت إلى قاضي التحقيق، طلب أحد محاميي المشتكية الاستماع إلى حسن آيت برايم، وهو مواطن مغربي-أمريكي يعيش في الولايات المتحدة لكنه "يزور المغرب حاليا"، كشاهد في قضية الراضي.
كان الطلب مصحوبا برسالة قصيرة من آيت برايم قال فيها إنّه كان يجري مكالمة فيديو مع المشتكية يوم 13 يوليو/تموز 2020 ورأى "رجلا يرتدي تبانا [بوكسر] يمرّ من وراء الأريكة، فانقطع الخط بشكل مفاجئ". قال أيضا إنه "لا يعرف حقيقة ما وقع [بعد ذلك]".
في 12 أغسطس/آب 2020، يوم تلقيه طلب محامي المشتكية بشأن شهادة آيت برايم، راسل قاضي التحقيق وكيل الملك للتشاور معه بشأن ذلك. بعد أن وافق وكيل الملك على الطلب كتابيا، أرسل قاضي التحقيق استدعاء كتابيا إلى آيت برايم. كل هذه الرسائل أُرسلت، واستُلمت ونُظر فيما يوم 12 أغسطس/آب، وهو اليوم نفسه الذي حضر فيه آيت برايم للإدلاء بشهادته في مكتب قاضي التحقيق.
قال العديد من المحامين المغاربة لـ هيومن رايتس ووتش إنّهم "في حيرة" من هذه السرعة، التي قالوا إنها نادرة للغاية إن لم تكن غير مسبوقة في المحاكم المغربيّة، وخاصة في شهر أغسطس/آب، عندما تكون الإدارة القضائية المغربية في عطلة الصيف. بسبب هذه العطلة، أخبر محامو الراضي المحكمة بأنهم في أغسطس/آب 2020 لم يتمكنوا من إيجاد أي شخص في جهاز القضاء برمّته لتقديم طلب إفراج مؤقت عن موكّلهم. كان ذلك نفس الشهر الذي تم فيه التعجيل بجلسة الاستماع إلى آيت برايم.
قال محامو الراضي لـ هيومن رايتس ووتش إنّه لم يتم إخطارهم بشهادة آيت برايم إلا بعد أشهر عديدة، لما عاد الشاهد إلى الولايات المتحدة حيث يُزعم أنه يعيش.
أثناء المحاكمة، طلب فريق دفاع الراضي من القاضي استدعاء آيت برايم لاستجوابه وفحص شهادته، لكنّ الطلب رُفض لأسباب واهية. ذُكر في نصّ الحكم، الذي اعتمد جزئيا على تصريح آيت برايم أنّ "القاضي [لا يستوجب عليه استدعاء شاهد] متى [اطمأن] إلى صدق شهادة [ه]". لضمان محاكمة عادلة وفقا للمعايير الدولية، يحق للدفاع استجواب الشاهد الذي يعتمد الادعاء على شهادته، والطعن فيه.
تبنّت محكمة الاستئناف نفس المنطق لتأييد حكم السجن ست سنوات في حق الراضي.
6. استدلالات المحكمة مبنية على تكهنات
فيما يتعلّق بتهمة التجسس، لم يحدّد الحُكم أي مواد سريّة قد يكون الراضي قد نقلها عن دراية إلى عميل أجنبي، مما قد يُشكّل جريمة تجسّس. بدلا من ذلك، ينسج الحكم سلسلة من التكهنات للوصل إلى حكم الإدانة.
مثلا، جاء في الصفحة 230: "الاحتياطات الأمنية التي كان ينهجها [الراضي في اتصالاته] مع دبلوماسي سفارة هولندا بالمغرب تثبت وعيه بخطورة الدور الذي يلعبه وطبيعة المهام المشبوهة الموكلة إليه، بدليل تواصله مع الدبلوماسي الذي كان يتم فقط عبر رسائل نصيّة".
اعتماد شخص على الرسائل النصيّة كقناة اتصال أساسية ليس دليلا على أنه يزاول أيّ نشاط سرّي أو أنه مذنب بأي جرم.
جاء في نصّ الحُكم أيضا في الصفحة 230 أنّ "ادعاء [الراضي] بأنه كان يبيع مقالات وتغطيات حول [أحداث الريف] بالدولار الأمريكي يفنده عدم تصريحه بتلك الأموال [لمصلحة الضرائب]، وأن ذلك ارتبط بعمل لفائدة عميل لدولة لها بعض التوجهات والمواقف الرسميّة المضرة بمصالح المغرب".
لا يُمكن اعتبار عدم إبلاغ سلطات الضرائب بدخل ما دليلا على عدم تلقي الدخل على نشاط معيّن، أو على أنّ النشاط المعني كان غير قانوني. المنطق الذي اعتمدته المحكمة هنا كان تخمينيا، ولا يرقى إلى دليل للإدانة.
ورد في الصفحة 231 من نصّ الحكم أيضا: "بين مارس 2016 ومارس 2020، لم يكن [الراضي] أجيرا لدى أي منبر إعلامي، مما يُستنتَج منه أن تحركاته على الميدان خلال حراك الريف لم تكن له علاقة بأي عمل صحفي، وإنما تدخل في إطار جمعه المعلومات الاستخباراتية حول هذه الأحداث لفائدة السفارة الهولندية".
"استنتاج" المحكمة هذا تخميني، ويتجاهل أيضا حقيقة أنّ الراضي شرح لمحققي الشرطة، ووكيل الملك، وقاضي التحقيق وعدّة مرات أمام المحكمة، بحضور هيومن رايتس ووتش، بأنّه كان صحفيا مستقلا خلال تلك الفترة.
يُضيف نصّ الحكم في الصفحة 232: "يُستخلص [...] أنّ تواصل المتهم مع عملاء السفارة الهولندية بالمغرب لا علاقة له بعمله الصحفي بديل عدم نشره لأي مقال أو عمل صحفي [يتعلق بذلك التواصل]، بل إن الأمر بالنتيجة يتعلق بعمل استخباراتي".
مناقشة مواضيع مختلفة مع أشخاص مختلفين، بما في ذلك دبلوماسيين، دون نشر مقالات تستند إلى تلك المحادثات، هو عمل روتيني للصحفيين. "استنتاج" المحكمة تخميني ولا يدل على جرم.
في المحكمة، قال الراضي أنّ شركة استشارات بريطانية تعاقدت معه لتزويدها ببحث موجز عن القطاع الزراعي في المغرب، مدركا أنّ جزءا من هذا البحث سيتم عبر الانترنت. علّق نصّ الحكم في الصفحة 234 على هذا الادعاء بالقول: "هناك خدمة أخرى مشبوهة وجب القيام بها لفائدة هذه المنظمة البريطانية، لأن تفحص الأنترنت وتلقي الإجابة من موقع متخصص يٌغني عن الاستعانة بخدمات المتهم".
المواقع المتخصصة على الإنترنت لا تفحص نفسها؛ يجب تكليف أحدٍ بالقيام بذلك، ولا شيء يمنع أي شركة من التعاقد مع أي شخص، بما في ذلك الراضي، للقيام بهكذا تفحص. هذا الاستنتاج تخميني ولا يُشكّل دليل إدانة.
فيما يتعلّق بتهمة الاغتصاب، يُحرّف نصّ الحكم بشكل فاضح تصريحات عماد استيتو، الشاهد الذي تحوّل إلى متهم، بطريقة تضرّ به وبالراضي وبعدالة الإجراءات. في الصفحة 237، ذكر نصّ الحكم أن استيتو "لا يُنكر" أنه سمع الراضي يوجه تعليقا معيّنا للمشتكية، وهو تعليق يشير إلى ذنب الراضي وتواطؤ استيتو.
في الواقع، وكما هو موضح في المحاضر الرسمية لأقواله أمام الدرك وقاضي التحقيق، نفى استيتوا بشدّة أنه سمع الراضي يوجّه مثل هذا التعليق. كما أنكر ذلك في جلسة محاكمة حضرتها هيومن رايتس ووتش، ومرة أخرى في مقابلة مع هيومن رايتس ووتش في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
ذكر نصّ الحكم في الصفحة 224 أيضا أنّ "ادعاء [عمر الراضي] بكونه مارس الجنس بطريقة عادية مع [المشتكية...] برضاها يرفضه المنطق السليم، ذلك أنه إذا كانت الضحية راغبة في ممارسة الجنس مع المتهم، لسطرت لذلك برنامجا محكما ولحددت لذلك وقتا مناسبا [...]، أما وأنها بمسكن مشغلها وبحضور زميل لها كان شاهدا على الاعتداء [...] فذلك لن يكون إلا من باب العبث الذي لا مكان له في العقل السليم".
المنطق الذي اعتمدته المحكمة بشأن "التخطيط" لعلاقة جنسية من طرف امرأة ذات "عقل سليم" يقوّض استقلالية النساء ويستند إلى صور نمطية جندرية. كما أنه (المنطق) يبقى من باب التخمين، وبالتالي ذو قيمة مشكوك فيها لإثبات التهمة. ولهذه الأسباب، فهو يقوّض عدالة الإجراءات القضائية.
دراسات حالة: المؤسسات الإعلامية
ألف. المؤسسات التي استهدفتها السلطات
تعرضت مؤسستان إعلاميتان، وهما جمعية تقدم التكوين الصحفي وصحيفة يومية، لمضايقات متواصلة من خلال إجراءات الشرطة والقضاء، كان بعضها لتهم تتعلق بالتعبير، وأخرى لتهم جنائية.
1. الجمعية المغربية لصحافة التحقيق
في أوائل 2010، بعد عقد من مضايقات الشرطة والقضاء للإعلام المغربي المستقل، دُفعت منابر إعلامية ناقدة إلى الإفلاس، ويعزى ذلك جزئيا إلى مقاطعة أصحاب الإعلانات لها بتوجيه من الدولة. ولأن بعض ناشريها لم يعودوا قادرين على إصدار منشورات ناقدة، اضطروا إلى مغادرة البلاد.[[240]]
في هذا السياق، أنشأ نشطاء حرية التعبير، بمن فيهم الأكاديمي المعطي منجب، عام 2008 منظمة غير حكومية تحت اسم الجمعية المغربية لصحافة التحقيق.[[241]] كانت الجمعية مكرسة لتدريب الصحفيين الشباب على إعداد تقارير استقصائية، من أجل "التصدي لتراجع حرية الصحافة"، على حد قول منجب لـ هيومن رايتس ووتش.[[242]] قال هشام المنصوري، مدير المشاريع في الجمعية، إن هدفها الأوسع كان هو "رفع علم الصحافة المستقلة من خلال تدريب جيل جديد من الصحفيين على إعداد التحقيقات الاستقصائية، والتي تعتبر نوعا صحافيا أساسيا في عملية المساءلة الديمقراطية".[[243]]
رفضت السلطات منح الجمعية الاعتراف الرسمي اللازم لتمارس عملها بشكل قانوني في المغرب، فأنشأ منجب عام 2009 "مركز ابن رشد للدراسات والتواصل" في شكل شركة استشارية يملكها مع أحد أفراد أسرته وأحد أصدقائه. لا تحتاج الشركات الخاصة في المغرب إلى موافقة السلطات لمزاولة أنشطتها. قال منجب إن مركز ابن رشد كان يسعى بموجب قانونه الداخلي إلى تحقيق نفس أهداف الجمعية، وهي تطوير الصحافة الاستقصائية من خلال التدريبات والأنشطة ذات الصلة.
"رفع علم" الصحافة المستقلة
منذ إنشائها وحتى 2011، عملت الجمعية المغربية لصحافة التحقيق في فراغ قانوني بسبب رفض السلطات، دون تفسير، منحها الوصل القانوني الذي تحتاجه الجمعيات لأداء بعض العمليات الأساسية مثل تأجير مكتب أو فتح حساب مصرفي. حصلت الجمعية على الوصل أخيرا في 22 فبراير/شباط 2011، بعد يومين فقط من اندلاع احتجاجات حاشدة مؤيدة للديمقراطية في المغرب، مستلهمة من احتجاجات مماثلة في تونس ومصر.[[244]]
زادت الجمعية من أنشطتها بعد حصولها على الاعتراف القانوني. أبرمت شراكات مع منظمات غير حكومية أوروبية تدعم تطوير وسائل الإعلام، ومنها "المنظمة الدولية لدعم الإعلام" الدنماركية ومنظمة "فري برس أنلمتد" الهولندية، وحصلت على منح منها. أسفرت هذه الشراكات عن تنظيم دورات تدريبية متعددة في تقنيات الاستقصاء وأخلاقيات الصحافة وحماية المصادر والأمن السيبراني ومواضيع أخرى ذات صلة.
قال المنصوري لـ هيومن رايتس ووتش إن قلة من أعضاء الجمعية كانوا أنفسهم صحفيين، أو لديهم الخبرة اللازمة لقيادة مثل هذه التدريبات. لذلك وظفت الجمعية أساتذة من "المعهد العالي للإعلام والاتصال"، وهو المؤسسة العمومية التي تكوّن الصحفيين في المغرب، ومدربين من شبكات دولية مثل "الجزيرة"، لإدارة أوراش العمل التي تنظمها. قدمت المنظمة الدولية لدعم الإعلام وفري برس أنلمتد من خلال الجمعية منحا دراسية وقدمت جائزة "برس ناو" إلى مغاربة كتبوا مقالات صحفية بارزة. ممن فاز بالجائزة صحفيون مستقلون اكتسبوا شهرة وتعرضوا لمضايقات من السلطات فيما بعد، من بينهم عمر الراضي وسليمان الريسوني.
ضرب صحفيين في الشارع
مُنحت جائزة "برس ناو" الأولى للصحفي عبد الإله سخير في 29 يناير/كانون الثاني 2011 برعاية مركز ابن رشد، الذي كان يستضيف آنذاك أنشطة الجمعية التي لم يكن لديها اعتراف قانوني. بعد ساعات قليلة من استلام جائزته ومغادرته الحفل، تعرض سخير لهجوم عنيف في أحد شوارع الدار البيضاء على يد أربعة مجهولين. قال سخير لموقع إخباري إن الرجال ألقوا باتجاهه عبوة غاز مسيل للدموع، وبينما كان يسعى جاهدا ليحافظ على توازنه، بدأوا بلكمه على وجهه وركله بعد أن سقط على الأرض.[[245]] ثم قفز الرجال في سيارة بنوافذ معتمة كانت متوقفة ومحركها يعمل في مكان قريب، وعلى متنها سائق، فانطلقوا.
قال سخير إنه يعتقد أن الهجوم ذو "دوافع مهنية". لم يحاول المهاجمون سرقته.[[246]] قال المعطي منجب لـ هيومن رايتس ووتش إنه يعتقد أن الاعتداء على سخير كان "رسالة من السلطات بشأن ما كانت [الجمعية] تحاول تحقيقه؛ وهو إحياء الصحافة الاستقصائية بعد أن كادت تُقتل في العقد السابق".
بعد أن حصلت الجمعية أخيرا على الاعتراف القانوني وتولت أنشطة مركز ابن رشد، تعرض مدير مشاريعها هشام المنصوري للضرب في أحد شوارع الرباط في 24 سبتمبر/أيلول 2014، بعد وقت قصير من مغادرته لقاء مع منجب.[[247]] باستثناء عبوة الغاز المسيل للدموع، اتبع الذين هاجموه نفس الأسلوب تماما المستخدم في الاعتداء على سخير.
سيتعرض منصوري لاحقا للمضايقة بعدة طرق. تم وصف اعتقاله وسجنه بتهمة الزنا في دراسة الحالة الخاصة به أعلاه في هذا التقرير.
مضايقات من قبل السلطات
رغم الاعتراف القانوني بالجمعية المغربية لصحافة التحقيق في 2011، استمرت السلطات المحلية في مضايقة الجمعية. كان موظفون محليون من وزارة الداخلية يزورون مكتبها في حي أكدال بالرباط من حين لآخر للإدلاء بتعليقات مهينة بشأن مهنية موظفي الجمعية وولائهم للمغرب.
قال المنصوري لـ هيومن رايتس ووتش إن "قايد" دائرة أكدال (مسؤول محلي تابع لوزارة الداخلية في حي أكدال) استدعاه في 2013 ليطرح عليه أسئلة حول الحياة الخاصة لأعضاء الجمعية، بما في ذلك أوضاع العضوات وعلاقاتهن الشخصية.
قال المنصوري لـ هيومن رايتس ووتش إن مكتب الجمعية كان صغيرا للغاية، ولذلك كانت تستأجر قاعات مؤتمرات في فنادق لعقد ورشات العمل التي تنظمها. قال المنصوري ومنجب في مقابلتين منفصلتين إن مديري الفنادق ألغوا أنشطة مبرمجة في اللحظة الأخيرة في عشر مناسبات على الأقل، زاعمين إنهم تلقوا "تعليمات" من السلطات المحلية.
بحلول بداية 2014، شوّه أحد قراصنة الانترنت الصفحة الرئيسية للموقع الإلكتروني للجمعية واستبدلها بصور إباحية.[[248]] في نفس الفترة تقريبا، سُرقت وثائق تخص منجب في حادث اقتحام تعرض له مكتب الجمعية.[[249]]
"المس بأمن الدولة" عبر تطبيق لصحافة المواطن
في يونيو/حزيران 2015، نظمت الجمعية المغربية لصحافة التحقيق، بالتعاون مع "جمعية الحقوق الرقمية" المغربية و"الجمعية المغربية لتربية الشبيبة"، دورة في مراكش للتكوين في إنجاز مواد صحفية بالصورة والصوت والفيديو باستخدام تطبيق "ستوري ميكر"، وهو تطبيق للهواتف الخلوية طورته صحيفة الغارديان البريطانية لتشجيع صحافة المواطن. في 10 يونيو/حزيران، قطعت الشرطة الدورة التكوينية، وصادرت الهواتف الذكية التي وزعها المنظمون على المشاركين.[[250]]
في الشهرين التاليين، استنطقت الشرطة منجب والمنصوري وعضو الجمعية المغربية لصحافة التحقيق عبد الصمد آيت عيشة، وهشام خريبشي، المعروف باسم هشام الميرات، رئيس جمعية الحقوق الرقمية آنذاك، ومحمد الصبر، رئيس الجمعية المغربية لتربية الشبيبة آنذاك وعضوي الجمعية المغربية لصحافة التحقيق، الصحفية مارية مكريم والصحفي المتقاعد رشيد طارق، حول مشاركة منظماتهم في التدريب وتمويل دورة التكوين التي نظمتها مجموعة فري برس أنلمتد الهولندية.
اتُهم الرجال الستة والمرأة فيما بعد بـ "تلقي تمويل أجنبي من منظمة أجنبية لتقويض الأمن الداخلي للمغرب". باستثناء المنصوري، الذي كان يقضي حينها عقوبة بالسجن لمدة 10 أشهر بتهمة الزنا (انظر الفصل الخاص بالمنصوري)، حوكم الستة الآخرون في حالة سراح مؤقت.
بعد أن قوبلت القضية بإدانة دولية واسعة من مراقبي حقوق الإنسان والمهتمين بحرية الصحافة، عقدت محكمة الرباط نحو عشرين جلسة محاكمة بين 2015 و2020. أجِّلَت الجلسات تلقائيا في كل مرة "لعدم حضور بعض المتهمين"، منهم آيت عيشة وخريبشي والمنصوري، لأنهم كانوا قد غادروا البلاد.[[251]]
في 20 يناير/كانون الثاني 2021، عُقدت جلسة جديدة في غياب المتهمين. كان منجب، الذي كان محتجزا في قضية أخرى بدأت عام 2020 (انظر الفصل الخاص بمنجب) موجودا في نفس مبنى المحكمة أثناء انعقاد الجلسة، حيث كان يستجوبه قاضي التحقيق في قضيته الجديدة. لم تُخطر السلطات منجب بأن جلسة محاكمة تخصه ستُعقد في نفس المكان في نفس الوقت. بعد خمس سنوات من الجلسات المؤجلة، اكتفت المحكمة بجلسة واحدة لتبُتّ في القضية، في غياب محامي الدفاع وجميع المتهمين السبعة باستثناء محمد الصبر.
في 27 يناير/كانون الثاني 2021، أصدرت المحكمة قرارها، وأدين المتهمون السبعة بتهمة المس بأمن الدولة. حُكم على منجب والمنصوري وآيت عيشة وخريبشي بالسجن عاما واحدا، وعلى الصبر ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ، وعلى المتهمَيْن الآخرَيْن بغرامة قدرها 500 دولار، "الحد الأدنى الإلزامي للعقوبة".
جاء في الحكم المكتوب الذي اطلعت عليه هيومن رايتس ووتش أن تدريب ستوري ميكر كان يعلّم "أساليب ومهارات لخلق قصص مُلفقة وخيالية لا علاقة لها بالواقع باستخدام الهواتف الذكية". وفقا للحكم، أثبتت المحاكمة أن ستوري ميكر [والذي ترجمت المحكمة اسمه إلى "صنع القصة"] "تطبيق خصّص تحديدا للمناطق التي تعرف صراعات ونزاعات ونوع من الفوضى وعدم الاستقرار[...] ويمكن أن يوظف بشكل يمس بالأمن العام والسلامة الداخلية للدولة، عن طريق فبركة قصص وروايات بالصوت والصورة [...] من شأنها زرع الفزع في نفوس المواطنين وخلق البلبلة والاضطراب في البنية الاجتماعية وزعزعة الثقة في المؤسسات الدستورية، ونشرها عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تغزو كل البيوت".
خلص الحكم إلى أن "لدى الأظناء العلم اليقين [...] بأن المغرب بلد المؤسسات وينعم بالأمن والاستقرار وأن العمل الصحفي والإعلام بوجه عام غير مقيد وأن هناك انتشار واسع للمنابر الإعلامية بمختلف الأنواع والأصناف، وأن الواقع الصحفي [في المغرب] لا يحتاج إلى مثل تلك الدورات التكوينية".
"لم يعد أحد يريد العمل معنا"
في مقابلة مع هيومن رايتس ووتش، قال منجب إن أنشطة الجمعية المغربية لصحافة التحقيق أصبحت مرئية أقل، وأقل تواترا بعد محاكمة ستوري ميكر في 2015.
استمروا في مضايقتنا بطرق متعددة. كلما نظمنا تدريبا، كان رجال الأمن يتصلون بمدربينا ويضغطون عليهم حتى يلغوا مشاركتهم. اضطررنا في إحدى المرات إلى إلغاء ورشة عمل بعد أن اعتذر ثلاثة من المشاركين الأربعة في اليوم السابق، متذرعين بنفس العذر العائلي، مستخدمين الكلمات نفسها بشكل حرفي تقريبا، وهو ما كان مثيرا للاستغراب. الذين رفضوا الاستسلام للضغوط تعرضوا للإهانة الشديدة على المواقع الموالية للمخزن. سرعان ما أصبح الأمر صعبا، ولم يعد أحد يريد العمل معنا بعد ذلك.
قال منجب لـ هيومن رايتس ووتش إن الجمعية ألغت بين 2016 و2018 فعالياتها الأكثر "شهرة"، بما في ذلك جائزة برس ناو، واكتفت بحلقات عمل صغيرة يتم الترويج لها شفهيا فقط لتجنب الاعتداءات. نظمت الجمعية ندوة حول ظاهرة الإعلام المؤيد للمخزن في الرباط في يناير/كانون الثاني 2017، مستخدمة منظمات أخرى كواجهة لتقليل خطر التعرض لانتقام الشرطة.[[252]] قال منجب: "ذات مساء، كان جميع المشاركين في الندوة يتناولون الطعام في مطعم بالرباط، عندما دخل مدير إحدى تلك المواقع دون دعوة وبدأ يشتمنا بصوت عال. أشار إلى بعض المشاركين وقال إنه يعرف بالضبط مقدار الأموال التي يمتلكها كل منهم في حسابه المصرفي، ومن أين أتى ذلك المال".
كان آخر تدريب نظمته الجمعية في مارس/آذار 2018، قبل أن توقف الجمعية أنشطتها. في 2021، بعد اعتقال منجب بتهمة "غسل الأموال" (انظر التفاصيل في الفصل المخصص لـ منجب)، استقال رشيد طارق، رئيس الجمعية آنذاك.
2. أخبار اليوم
أسس الصحفي توفيق بوعشرين صحيفة "أخبار اليوم" الناطقة بالعربية عام 2007. نشرت الصحيفة المستقلة مقالات وافتتاحيات تناولت فساد الدولة، بما في ذلك في دوائر القصر الملكي.
إغلاق لمدة 3 أشهر بسبب رسم
في ساعة مبكرة من صباح 29 سبتمبر/أيلول 2009، حاصر قرابة عشرين شرطيا مقر أخبار اليوم بالدار البيضاء ومنعوا الموظفين من الدخول، بحسب "لجنة حماية الصحفيين". أفادت تقارير أن الشرطة لم يكن بحوزتها أمر قانوني لاتخاذ هذا الإجراء.[[253]] قبل ذلك بيومين، اتهمت وزارة الداخلية الصحيفة بـ "ازدراء أحد أفراد العائلة المالكة" لنشرها "رسما كاريكاتوريا عن حفل زفاف خاص للعائلة المالكة". كان حفل زفاف الأمير مولاي إسماعيل، ابن عم الملك محمد السادس. تحدثت وسائل إعلام مغربية بشكل مكثف عن حفل الزفاف رغم عدم دعوة الصحافة إلى الحفل الخاص.
لم توضح الوزارة كيف لا يحترم الرسم الكاريكاتوري المعني أحد أفراد العائلة الملكية، كما لم يتضح ذلك من دراسة الرسم الكاريكاتوري الذي يصور الأمير في مشهد زفاف تقليدي بخلفية تمثل العلم المغربي على ما يبدو. اتهمت النيابة العامة بوعشرين ورسام الكاريكاتير خالد كدار بـ"الإساءة إلى العلم الوطني"، ورفع الأمير مولاي إسماعيل دعوى قضائية ضدهما بتهمة "الإخلال بالاحترام الواجب لأحد أفراد العائلة الملكية". في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2009، حكمت محكمة على الرجلين بالسجن 4 سنوات مع وقف التنفيذ، وبدفع غرامات مالية وتعويضات للأمير بقيمة 3,6 مليون درهم (350 ألف دولار).
بعد نشر تلك الرسوم، توقف توزيع الصحيفة وأُغلقت مكاتبها وجُمدت أصولها دون أمر قضائي لأكثر من شهرين.[[254]]
في 15 يونيو/حزيران 2010، حكمت محكمة في الرباط على بوعشرين بالحبس ستة أشهر موقوفة التنفيذ بتهمتي النصب والاحتيال في صفقة عقارية.[[255]] أمرته المحكمة أيضا بدفع 10 آلاف درهم (ألف دولار) كتعويض للمالك السابق لفيلا كان بوعشرين قد اشتراها في الرباط قبل ثلاث سنوات. بحسب وكالة "آ إف بي"، تقدم المالك السابق للعقار بشكاية بعد الصفقة، زعم فيها أن بوعشرين لم يدفع السعر المتفق عليه. تمت تبرئة بوعشرين ابتدائيا في 2008، ثم في الاستئناف في 2009، لكن المالك السابق قدم شكاية أخرى في نفس القضية في أبريل/نيسان 2010، بعد حادثة الرسم الكاريكاتوري. هذه المرة، ربح الدعوى.
قالت لجنة حماية الصحفيين: "من الواضح أن السلطات المغربية تستخدم الاتهامات الجنائية من أجل إسكات توفيق بوعشرين"، واصفة حكم الإدانة الصادر في 2010 بأنه "حكم مُسيّس بالسجن".[[256]]
"آخر يومية مستقلة"
خلال سنوات 2000، أغلقت السلطات منابر إعلامية ناقدة أو دفعتها إلى الإفلاس بجعل أصحاب الإعلانات يقاطعونها بتوجيهات من القصر الملكي، ودفعت المشرفين عليها إلى مغادرة البلاد.[[257]] مع بداية العقد الثاني من الألفية، صمدت أخبار اليوم رغم المقاطعة الإعلانية الواسعة النطاق التي واجهتها، لا سيما من الشركات التابعة للدولة، وبقي بوعشرين على رأسها.[[258]] كانت تُعتبر آخر صحيفة مغربية مستقلة.[[259]]
خلال 2010، نشرت أخبار اليوم تقارير متكررة عن فساد الدولة، خاصة بشأن مزاعم معاملات مالية موجهة إلى وزير المالية آنذاك، والخازن العام للمملكة آنذاك. كان الرجلان من المقربين إلى القصر الملكي، خاصة الأخير الذي كان زميل دراسة الملك محمد السادس وصديق طفولته.[[260]]
بعد أن قدمت "ترانسبارنسي المغرب" وهي منظمة تعمل في مجال مراقبة الفساد، شكاية مدنية بتهمة إساءة استخدام أموال الدولة، رفض وكيل الملك القضية على أساس أن المعاملات المعنية كانت مشروعة.[[261]] في غضون ذلك، أدانت محكمة عبد المجيد اللويز، الموظف بوزارة المالية، بتهمة "تسريب وثائق سرية"، بعد أن اتهمه وكيل الملك بأنه مصدر صحفيي أخبار اليوم. في مارس/آذار 2014، حُكم على اللويز بالسجن شهرين مع وقف التنفيذ.[[262]]
بالإضافة إلى ما كشفته أخبار اليوم عن الفساد، ربما يكون بوعشرين قد أثار حفيظة القصر الملكي لسبب إضافي: الدفاع القوي اليومي عن رئيس الوزراء عبد الإله بنكيران، الذي ربما كانت "شعبيته الخطيرة"، حسبما وصفها محمد الدعداوي، الباحث المغربي المقيم في الولايات المتحدة، أثارت حفيظة القصر الملكي. [[263]] رغم فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي بقيادة بنكيران بأغلبية المقاعد في البرلمان في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2016، استخدم الملك سلطته الدستورية في نهاية المطاف لإقالته بعد خمسة أشهر. نظرا لقرب بوعشرين من بنكيران، اعتبر الإعلام الموالي للمخزن بوعشرين "متحدثا باسمه".[[264]]
قضايا جنائية ضد موظفي أخبار اليوم
يُمكن الاطلاع أعلاه على تفاصيل اعتقال بوعشرين ومحاكمته وسجنه بتهمة الاغتصاب والاتجار بالبشر. كما تم تفصيل اعتقال ومحاكمة وسجن زميلي بوعشرين في الصحيفة وهما الصحفية هاجر الريسوني ورئيس التحرير سليمان الريسوني في فصل دراسات الحالة أعلاه.
مقاطعة اقتصادية حتى الإفلاس
عندما أمرت الحكومة المغربية ناشري الصحف في مارس/آذار 2020 بالتوقف عن طباعة وتوزيع النسخ الورقية كوسيلة لتقليل التفاعلات الاجتماعية ومكافحة جائحة كوفيد 19، أنشأت صندوق تعويضات لدفع رواتب الصحفيين مباشرة.[[265]] استفاد صحفيو أخبار اليوم من هذه الآلية، أسوة بمئات الصحفيين الآخرين في المغرب، حتى أكتوبر/تشرين الأول 2020. في ذلك الشهر، توقفت مدفوعات رواتب أخبار اليوم دون تفسير.[[266]]
عندما طُرح في البرلمان سؤال عن سبب توقف المدفوعات لموظفي هذه الصحيفة دون غيرهم، لم يقدم عثمان الفردوس، وزير الاتصال والمسؤول عن قطاع الإعلام آنذاك، أي تفسير لمدة ثلاثة أشهر، ثم وعد بالإفراج عن الرواتب. لكنه لم يفعل قط، حسبما أكدت صحفية في أخبار اليوم لهيومن رايتس ووتش.[[267]]
بعد مقاطعة طويلة من المعلنين بتوجيه من الدولة، ورفض بعض الشركات التابعة للدولة الدفع بعد نشر إعلاناتها في أخبار اليوم، أعلنت الصحيفة توقفها عن الصدور بسبب إفلاسها في بيان نُشر في 15 مارس/آذار 2021.[[268]]
في اليوم نفسه، كتب موقع برلمان الموالي للمخزن أن "سوء تدبير" الصحيفة هو سبب إفلاسها.[[269]] بعد أيام قليلة، كتب شوف تيفي، موقع آخر موال للمخزن، أن نهاية أخبار اليوم سببها أن "الصحافة الورقية في العالم وليس المغرب وحده تعيش سنواتها العجاف [...] الصحافة في العالم تحولت إلى الفضاء الرقمي بالكامل".[[270]]
باء. الإعلام الموالي للمخزن
في مقالات استقصائية وغيرها، حدد العديد من الصحفيين كوكبة من وسائل الإعلام المغربية بوصفها "قريبة من القصر الملكي"، أو لها علاقات وثيقة مع الشرطة وأجهزة المخابرات المغربية. [271] تركز الأقسام التالية على ثلاثة منابر إعلامية بارزة من هذا النوع.
1. شوف تيفي
شوف تيفي هي قناة تلفزة إلكترونية وموقع إخباري باللغة العربية، يتخصص في الترويج للفضائح من خلال مقاطع الفيديو، وغالبا ما تتطفل على الحياة الحميمة للأشخاص. عدد الفيديوهات والمقالات التي تتناول مواضيع سياسية قليل للغاية مقارنة ببقية مواد القناة. بناء على مراجعة هيومن رايتس ووتش لعدد كبير من مقالات شوف تيفي، سواء كانت تثني على المسؤولين وسياسات الدولة أو تنتقد المعارضين بشدة، فإن محتوى الموقع يتماشى تماما مع المصالح المفترضة للسلطات بشأن قضايا مهمة تتعلق بالتوجهات السياسية وعندما يتعلق الأمر بالرد على المنتقدين.
ينشر شوف تيفي عمودا أسبوعيا بعنوان "بوح الأحد" يكتبه "أبو وائل الريفي" وهو بحسب تقارير اسم مستعار لمدير شوف تيفي، إدريس شحتان. [272] ينتقد العمود بانتظام السلطات الجزائرية ويدافع باستماتة عن "مغربية" الصحراء الغربية، بما يتماشى مع الخطاب الرسمي. [273] يشيطن العمود أيضا منتقدي المخزن والصحفيين المستقلين والنشطاء الحقوقيين، وينشر في كثير من الأحيان مزاعم فاضحة تتعلق بحياتهم الشخصية والحميمة.
في أكتوبر/تشرين الأول 2021، صنفت "أليكسا"، وهي شركة أمريكية متخصصة في تحليل حركة المرور على شبكة الإنترنت وتملكها "أمازون"، موقع شوف تيفي في الرتبة الثالثة بين المواقع التي تحظى بأعلى عدد متصفحين في المغرب، بعد غوغل ويوتيوب، وقبل فيسبوك. [274]
في أكتوبر/تشرين الأول 2009، حُكم على إدريس شحتان بالسجن لمدة عام بتهمة "نشر أخبار كاذبة" بعد أن علقت صحيفة "المشعل"، وهي أسبوعية يملكها ويديرها، على صحة الملك محمد السادس. [275] تلقى شحتان عفوا ملكيا وأُطلق سراحه بعد شهرين في يونيو/حزيران 2010، بعدما "استعطف الملك محمد السادس" في مقابلة من السجن. [276] بعد ذلك، كتب المنبران الإعلاميان الفرنسيان "لومانيتيه" و"ميديابارت" في مقالة مشتركة أن شحتان "غيّر وجهته 180 درجة ليصبح من خَدَم السلطات".[277]
في 1 أبريل/نيسان 2022، ومرة أخرى في 9 مايو/أيار، وجهت هيومن رايتس ووتش رسالة إلكترونية إلى شحتان تدعوه للإجابة على عدة أسئلة حول شوف تيفي. لم تتلق هيومن رايتس ووتش أي إجابة إلى وقت نشر هذا التقرير.
قال شحتان في مقابلة أجريت معه في 2019 إن شوف تيفي لديها فريق من 107 صحفيين منتشرين في جميع أنحاء المغرب وعائدات سنوية قدرها 2.5 مليون دولار أمريكي. [278] يتابع صفحة شوف تيفي على فيسبوك 18 مليون متابع. للمقارنة، يتابع صفحة "نيويورك تايمز" على فيسبوك 17 مليونا، وصحيفة الغارديان 8 ملايين، ولوموند 4 ملايين.
ربما تشمل نسبة المشاهدة المرتفعة هذه العديد من الحسابات المزيفة. ذكر تقرير لفيسبوك نُشر في فبراير/شباط 2021 أن الشركة حذفت "شبكة" من 385 حسابا "نشأت بالدرجة الأولى في المغرب واستهدفت الجماهير المحلية"، وست صفحات عليها حوالي 150 ألف مشترك، و40 حسابا على إنستغرام عليها حوالي 2500 متابع، لانتهاكها "سياسة الشركة ضد الأنشطة الزائفة المنسقة".[279]
جاء في التقرير: "نشأت [الشبكة] بالدرجة الأولى في المغرب واستهدفت الجماهير المحلية. استخدم الأشخاص الذين يقفون وراء هذه الشبكة حسابات مزيفة للنشر في مجموعات متعددة في وقت واحد لجعل محتواهم يبدو أكثر انتشارا مما هو عليه. كما استخدموا هذه الحسابات بشكل متكرر للتعليق على أخبار ومقالات مؤيدة للدولة من مختلف المنابر الإخبارية بما في ذلك شوف تيفي".
قدم تقرير فيسبوك عينة من تلك "التعليقات": "إشادة باستجابة الحكومة لجائحة كورونا، ومبادراتها الدبلوماسية، وقوات الأمن المغربية، والملك محمد السادس، ومدير المديرية العامة للأمن الوطني [الشرطة المغربية]".
تضمن التقرير عينات من الصور المركبة التي نشرتها تلك الحسابات. ظهرت في إحداها صورة لعبد اللطيف الحموشي، كبير المسؤولين الأمنيين في المملكة، يطل على حقل أزهار. أظهرت صورة أخرى الملك محمد السادس مع خلفية حمراء ويحيط به قلب أخضر (العلم المغربي عبارة عن نجمة خضراء على خلفية حمراء) مع التعليق: "أنت في قلوبنا". يورد التقرير صورة مركبة أخرى ليد تحمل مسدسا وفي خلفيتها خريطة المغرب مع التعليق: "خيانة الوطن جريمة عظمى لا تُغتفر - لا للخونة بيننا".
أضاف تقرير فيسبوك أن "الحسابات المنسقة تنسيقا زائفا" التي تنشر محتوى شوف تيفي "كثيرا ما تنشر انتقادات لمعارضي الملك ومنظمات حقوق الإنسان والمعارضين".
في يونيو/حزيران 2022، عُيّن شحتان رئيسا للجمعية الوطنية للإعلام والناشرين في المغرب.[280]
2. برلمان
برلمان.كوم موقع باللغة العربية ينشر الأخبار والتعليقات بالنص والفيديو. لديه أيضا نسخة فرنسية وقناة راديو على الإنترنت. محمد الخبشي، المدير العام السابق لوكالة المغرب العربي للأنباء، الوكالة الإخبارية الرسمية المغربية، هو مؤسس الموقع ومديره.
أنشأت وكالة المغرب العربي للأنباء شبكة من المراسلين في جميع أنحاء العالم، لدى بعضهم على الأقل بحسب تقارير علاقات عمل مع "المديرية العامة للدراسات والمستندات"، وهي وكالة المخابرات الخارجية المغربية المعروفة اختصارا بـ"لادجيد". [281] في 2005، حكمت محكمة في ألميريا بإسبانيا لصالح الصحفي المغربي علي المرابط، الذي تابعته وكالة المغرب العربي للأنباء بتهمة التشهير بعد أن كتب في يومية "إل موندو" الإسبانية أن الوكالة كانت "جيشا من الوشاة".[282] أشارت المحكمة الإسبانية في حكمها إلى أن الصلات بين وكالة الأنباء، التي كان يرأسها الخبشي آنذاك، ولادجيد "تم إثباتها بشكل كاف".[283]
في 2010، عُيِّن الخبشي في منصب "عامل مكلف بالاتصال" بوزارة الداخلية. أنشأ الخبشي موقع برلمان في 2013. رغم أن اسم الخبشي ليس مدرجا في قائمة العاملين في الموقع، إلا أن اسمه يُذكر باستمرار على أنه مؤسس برلمان في المقالات الإخبارية، ولم يصدر أي نفي بهذا الصدد. [284] يدرج متجر تطبيقات "آبل" اسم محمد الخبشي على أنه "مطوّر" تطبيق برلمان. [285]
يتماشى الخط التحريري لـ برلمان بشكل وثيق مع وجهات نظر السلطات المغربية بشأن قضايا السياسة الرئيسية. كثيرا ما تدافع مقالات الموقع باستماتة عن كبار رجال المخزن وسياساتهم، وتهاجم السلطات الجزائرية وأنصار استقلال الصحراء الغربية بشراسة. راجعت هيومن رايتس ووتش المئات من مقالات برلمان التي كانت مهينة أو مليئة بالادعاءات الفاضحة ضد الصحفيين المستقلين والنشطاء الحقوقيين والمعارضين المغاربة.
في 13 سبتمبر/أيلول 2019، نشر برلمان مقالة بعنوان "فضائح عائلة الريسوني التي يخجل منها إبليس اللعين".[286] أوردت المقالة سلسلة من الادعاءات الحاقدة حول الحياة الجنسية والحميمة للصحفي المعارض سليمان الريسوني والعديد من أفراد أسرته. جاء فيه: "سليمان، نستحيي من كشف تصرفاتك [...] وسيأتي يوم نفتح فيه كتابك بكل سواده". نشر الموقع سلسلة من المقالات عن الريسوني في الأشهر التالية (حوالي 60 منها بين 2018 و2020، بحسب تعداد الصحفي واللاجئ السياسي في فرنسا هشام المنصوري) إلى أن اعتُقل الريسوني في مايو/أيار 2020 وحوكِم بتهمة الاعتداء الجنسي. [287]
في 1 أبريل/نيسان 2022، ثم في 9 مايو/أيار، أرسلت هيومن رايتس ووتش رسالة إلكترونية إلى الخبشي لدعوته للإجابة على عدة أسئلة حول برلمان. لم تتلق هيومن رايتس ووتش أي رد إلى حين نشر هذا التقرير.
Le360 .3
ينشر موقع Le360 الأخبار والتعليقات بالنص والفيديو بالفرنسية، ولديه أيضا نسخة عربية.
في أبريل/نيسان 2015، ذكرت صحيفة لوموند اليومية الفرنسية أن الناقد الفني ومدير المشاريع الفنية عزيز الداكي، وهو أيضا مدير عام Le360 ومساهم في رأسمالها، "معروف بقربه الشديد من منير الماجيدي، السكرتير الخاص للملك محمد السادس ورئيس الشركات القابضة التي ترعى المصالح الاقتصادية الخاصة للعائلة الملكية. [288] أشارت لوموند إلى أن الماجيدي "عين الداكي مديرا فنيا ومتحدثا باسم ’مهرجان موازين‘، وهو تظاهرة موسيقية سنوية في الرباط. كان الماجيدي على رأس الجمعية التي تدير المهرجان لمدة عشر سنوات".
في 2015، سألت أسبوعية تيل كيل المغربية الداكي عن "الشائعات" التي تربط Le360 بسكرتير الملك. فنّد الداكي الشائعات على أنها تبسيط زائد للأمور. [289] مع ذلك، تبين في العديد من المناسبات أن Le360 هو على الأقل قناة التواصل المفضلة للماجيدي.
في فبراير/شباط 2015، نشر Le360 صورا (حُذفت فيما بعد لكن يمكن الحصول إليها من خلال الأرشيفات الشبكية) لرسالة أرسلها صحفيان فرنسيان إلى الماجيدي للاستفسار عن الشؤون المالية الملكية. [290] أعطت الرسالة الماجيدي فرصة للتعليق على معلومات كانت ستنشر قريبا في صحيفة لوموند الفرنسية حول حساب مصرفي سويسري باسم الملك محمد السادس يديره الماجيدي. سُرِّبت الرسالة الموجهة مباشرة إلى الماجيدي ومحاميه إلى Le360 قبل أن تنشر لوموند مقالها. [291]
حدث نفس الأمر تقريبا مرة أخرى في مارس/آذار 2016. أرسل صحفي أمريكي وعضو في الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين رسالة يمنح فيها الماجيدي فرصة للتعليق قبل أن ينشر تحقيقا حول الشركات التي يملكها الملك في الخارج ويديرها الماجيدي. سُرّبت الرسالة مرة أخرى إلى Le360 قبل أن ينشر المقالة على الموقع الإخباري "لو ديسك"، الشريك المغربي لـلاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين. [292] وصفت لوموند في مقالة كيف سعت وسائل الإعلام القريبة من القصر الملكي، بما فيها Le360، إلى "إفراغ من محتواها " التحقيقات الصحفية المحرجة التي تشمل "الملك وحاشيته". [293]
يتماشى الخط التحريري لـ Le360 بشكل وثيق جدا مع وجهات نظر السلطات المغربية، بحسب ما استنتجت هيومن رايتس ووتش بعد مراجعة مئات المقالات التي نشرها ما بين منتصف سنوات 2010 و2022. تدافع مقالات الموقع وفيديوهاته بانتظام عن القصر الملكي والأجهزة الأمنية، في بعض الأحيان من خلال مقالات كلها محاباة للمسؤولين الأمنين. [294] كما تنشر بانتظام مقالات مهينة مليئة بالادعاءات البذيئة عن صحفيين مستقلين ونشطاء حقوقيين ومعارضين مغاربة.
من الأهداف المفضلة لموقع Le360 الأمير مولاي هشام، ابن عم الملك محمد السادس، الذي يُعتبر على نطاق واسع أميرا "متمردا" على العائلة الملكية بسبب انتقاداته المتكررة لإدارة الملك لشؤون البلاد، ودعواته إلى الانفتاح الديمقراطي في المغرب وخارجه. [295] يُنتج البحث عن عبارة "مولاي هشام" على Le360 حوالي 130 مقالة عن الأمير، كلها تعطي صورة سلبية عنه. [296]
في 1 أبريل/نيسان 2022، وجهت هيومن رايتس ووتش رسالة إلكترونية إلى الداكي تدعوه للإجابة على عدة أسئلة حول Le360. تلقت هيومن رايتس ووتش إجابة في 14 أبريل/نيسان، نفى فيها وديع المودن، مدير نشر Le360، أن يكون موقعه من مواقع "صحافة التشهير"، قائلا إنه مخصص لنشر المعلومات التي يتم التحقق منها والتي تخدم المصلحة العامة. طلب المودن من هيومن رايتس ووتش عدم الاقتباس من رسالته.
شكر وتنويه
أبحاث هذا التقرير وصياغته ومراجعته وتحريره أجراها فريق من هيومن رايتس ووتش، منهم كلايف بالداوين، مستشار قانوني أول، وروثنا بيغوم، باحثة أولى في قسم حقوق المرأة، وأحمد بن شمسي، مدير التواصل في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإريك غولدستين، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وطوم بورتيوس، نائب مدير البرامج، وبنجامن وارد، مستشار قانوني أول بالإنابة.
قدّم كلّ من آرفند غانسان، مدير الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، وفريديريك كالثونر، مدير التكنولوجيا وحقوق الإنسان، ورشا يونس، باحثة في قسم المثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي ومغايري/ات النوع الاجتماعي، مراجعة خبراء.
صمّم الفيديو المصاحب للتقرير وأنتجه كل من سانتياغو غارسيا، منتج استشاري، وكريستينا كورتيس، نائبة مدير الوسائط المتعددة في هيومن رايتس ووتش.
أعدّ التقرير للنشر منسقو قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وترافيس كار، منسق الصور والمنشورات، وغرايس تشوي، مديرة المنشورات.
دانييل سيريس قامت بترجمت التقرير إلى الفرنسية.
نشكر المحامين، وخاصة ميلود قنديل، ومحمد المسعودي، ومحمد صدقو الذين ساعدونا في مسائل قانونية محددة وأسئلة أوسع حول القانون والإجراءات الجزائية المغربيّة.
كما نشكر الجمعية المغربيّة لحقوق الإنسان، وخاصة كاتبها العام يوسف الريسوني، على استعدادهم الدائم لتقديم المعلومات.
ونخصّ بالشكر كل الذين وردت أسماؤهم في التقرير وكل من حجبنا أسماءهم بطلب منهم أو لأسباب أمنيّة، لأنهم شاركونا تجاربهم وآراءهم.