Skip to main content
تبرعوا الآن

لبنان: تكلفة هائلة للتقاعس عن حل أزمة النفايات

ينبغي فورا إيجاد استراتيجية مستدامة وتحترم الحقوق

عمال يرفعون النفايات من شاطئ بعد عاصفة عاتية ضربت البلاد، في مدينة ذوق مصبح الساحلية، شمال بيروت، لبنان، الثلاثاء في 23 يناير/كانون الثاني 2018. © 2018 AP Photo/Hussein Malla

(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" و"ائتلاف إدارة النفايات" اليوم إن عدم وجود استراتيجية شاملة لإدارة النفايات الصلبة في لبنان له تكاليف بيئية وصحية باهظة. عادت النفايات إلى التكدّس في شوارع بيروت ومحيطها في مشهد يُعيد إلى الأذهان أزمة النفايات في 2015 عندما بلغ مطمر برج حمود/الجديدة سعته القصوى في 30 أبريل/نيسان 2020 وتوقّف عن استقبال النفايات.

في 5 مايو/أيار، وافقت الحكومة على خطة لتوسيع مطمر برج حمود عموديا، وهو أحد مطمرين يخدمان بيروت ومحيطها، إنما فقط كتدبير مؤقت. حذّرت هيومن رايتس ووتش العام الماضي من اقتراب المطمر من بلوغ سعته القصوى وحثّت الحكومة على اعتماد استراتيجية أكثر شمولية لإدارة النفايات الصلبة وتحترم حق الجميع بالصحة.

قالت آية مجذوب، باحثة لبنان في هيومن رايتس ووتش: "تُحذّر المجموعات الحقوقية والخبراء البيئيون صُنّاع القرار اللبنانيين منذ سنوات من أن ممارسات إدارة النفايات في البلاد غير مُستدامة. التقاعس عن إيجاد حل للأزمة تكلفته هائلة ويحرم السكان من حقهم بالصحة وبيئة نظيفة مع كل يوم يمرّ".

توسيع المطمر، الذي سيطيل عمره نحو ثلاثة أشهر إضافية، يُعتبر حلا مؤقتا في انتظار حلول أكثر استدامة. يقول خبراء إن المطمر، غير المطابق للمعايير الدولية لأفضل الممارسات والذي أنشِئ دون إجراء تقييم للأثر البيئي، يؤثّر على صحة سكان المناطق المجاورة. إنشاء المطمر نفسه كان حلا مؤقتا لأزمة النفايات في 2015.

في سبتمبر/أيلول 2018، أقرّ لبنان أول قانون متعلق بإدارة النفايات الصلبة لكن تطبيقه يُراوح مكانه.

غير أن غياب استراتيجية شاملة لإدارة النفايات والاعتماد على المطامر يترتّب عنه تكاليف باهظة. وجد ائتلاف إدارة النفايات أن لبنان ينفق 154.5 دولار أمريكي لإدارة كل طن نفايات صلبة بينما يُنفق كل من الجزائر والأردن وسوريا 7.22 دولار و22.8 دولار و21.55 دولار على التوالي. يُنفق لبنان نحو 420 مليون دولار سنويا على إدارة النفايات الصلبة، بينما تُنفق بلدان مثل الأردن وتونس بين 48 مليون و54 مليون دولار سنويا.

قدّرت دراسة أجراها "البنك الدولي" في 2004 تكلفة التلوّث البيئي الناجم عن الطمر والحرق غير القانوني  للنفايات بنحو 10 ملايين دولار سنويا، وترتفع هذه الكلفة باستمرار. أظهرت دراسة أخرى أجراها خبيران في إدارة النفايات في 2014 أن تكلفة التدهور البيئي بسبب سوء إدارة النفايات الصلبة تبلغ 66.5 مليون دولار سنويا، أي 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2012.

أظهرت الدراسة أن من شأن الممارسات المحسَّنة في إدارة النفايات، مثل إعادة التدوير والتسبيخ، توفير 74 مليون دولار سنويا. 85% من النفايات الصلبة حاليا تذهب إلى المطامر والمكبات المفتوحة. لكن يقول باحثون في "الجامعة الأمريكية في بيروت" إن 10 إلى 12% فقط من نفايات لبنان لا يمكن تسبيخها أو إعادة تدويرها.

دراسة التدهور البيئي لم تحسب تكلفة آثار التلوث الذي تسببه ممارسات إدارة النفايات الحالية في لبنان على الصحة العامة. لكن في 2017، أجرت هيومن رايتس ووتش تحقيقا حول المشاكل الصحية الناجمة عن حرق النفايات في الهواء الطلق نتيجة غياب استراتيجية فعالة لإدارة النفايات. سكان المناطق التي تُرمى فيها النفايات، أو تُطمر، أو تُحرق في الهواء الطلق يشكون من مشاكل صحية تتضمن الانسداد الرئوي المزمن، والسعال، والتهابات الحلق، وأمراض جلدية، والربو. تبيّن وجود صلة بين تلوث الهواء جراء حرق النفايات في الهواء الطلق وأمراض القلب وانتفاخ الرئة وأن ذلك قد يُعرّض الناس إلى مركّبات مسرطنة.

فوّض قانون النفايات لعام 2018 وزارة البيئة بوضع استراتيجية وطنية لإدارة النفايات بحلول مارس/آذار 2019. غير أن الاستراتيجية لم تُعتمد بعد وتنتظر إجراء تقييم بيئي استراتيجي لتحليل الآثار البيئية لاستراتيجية إدارة النفايات الصلبة وإدراج الاعتبارات البيئية في المستويات العليا لصنع القرارات.

راجعت هيومن رايتس ووتش وائتلاف إدارة النفايات مشروع ملخّص للاستراتيجية وقدمتا تعقيبات وتوصيات. غير أن وزارة البيئة لم تزود أيًّا من المنظمتين بالاستراتيجية الكاملة، ولم تتمكن أي منها من الاطلاع على المسودة النهائية، ما يثير الشبهات حول جدية الاستشارات.

في أغسطس/آب، أقرت الحكومة اللبنانية خارطة طريق وصفها خبير لـ هيومن رايتس ووتش بأنها خطوة في اتجاه تنفيذ قانون إدارة النفايات الصلبة. قال الخبير إن لجنة وزارية تنظر في ضرورة تعديل خارطة الطريق على ضوء التقدم المنجَز والتطوّرات منذ اندلاع الاحتجاجات في لبنان في أكتوبر/تشرين الأول، بالإضافة إلى أثر الأزمة الاقتصادية وفيروس "كورونا" على هذه العملية. تقترح خارطة الطريق إنشاء 25 مطمرا صحيا في أنحاء البلاد، لم تخضع جميعها لتقييم الأثر البيئي، وثلاث محارق.

قالت هيومن رايتس ووتش وائتلاف إدارة النفايات إن على الحكومة اللبنانية ألا توافق على توسيع المطمر أو إنشاء مطامر جديدة بدون إجراء تقييم الأثر البيئي المناسب. عليها تعزيز شفافية العملية، وضمان إجراء مشاورات مجدية مع البلديات والجهات المعنية الأخرى.

ينبغي أن تُركز الحلول المستدامة لإدارة النفايات على تقليص كمية النفايات المرسلة إلى المطامر بدل توسيع المطار الحالية أو إنشاء مطامر جديدة. أصدرت الحكومة مرسوما في 19 سبتمبر/أيلول يفوّض البلديات توفير الموارد التي يحتاجها السكان كي يفرزوا نفاياتهم في المنزل. لم تلتزم إلا بلديات قليلة بالمرسوم في حين يتم جمع معظم النفايات المنزلية بدون فرز وإرسالها إلى المطامر بدل فرزها، أو إعادة تدويرها، أو تسبيخها أو أي حل آخر يُبعدها عن المطامر.

على لبنان وضع برامج توعية عامة لتشجيع الممارسات المستدامة إدارة النفايات التي تحترم الحق بالصحة والبيئة النظيفة، وتُبيّن المخاطر الصحية للمكبات والحرق في الهواء الطلق. على السلطات ضمان الالتزام بقوانين ومراسيم إدارة النفايات وتطبيقها، ووضع عقوبات واضحة للمخالفين تكون رادعا فعالا في المستقبل.

تكاليف التقاعس في مجال إدارة النفايات الصلبة باهظة. على الحكومة مراجعة خارطة الطريق والاستراتيجية فورا واعتماد مقاربة متكاملة لإدارة النفايات الصلبة تُقلل من اعتماد لبنان على المطامر وتزوّد البلديات بالموارد اللازمة للقيام بواجباتها. أي خطة تُقدَّم للحكومة ينبغي أن تلتزم بأفضل الممارسات البيئية والصحية العامة الإضافة إلى القانونين اللبناني والدولي، وأن تضمن احترام السلطات للحق في الصحة والعيش في بيئة نظيفة. عليها أيضا ضمان الاطلاع التام للجميع على المخاطر الصحية في مناطقهم.

قالت سمر خليل من ائتلاف إدارة النفايات:

"على السلطات اللبنانية إنشاء نظام متكامل لإدارة النفايات يُركّز على خفض كمية النفايات واستعادة المواد ويُخفّف من اعتماد لبنان على المطامر. يمكن تحقيق ذلك عبر سياسات اقتصادية تقلل من استيراد المواد التي تنتهي في المطامر، وعبر استخدام أدوات مالية وقانونية وتربوية لخفض استخدام مواد التغليف والمواد المُضرة بالبيئة، والمنتجات التي تُستخدم مرة واحدة، ومن خلال التشجيع على صناعات إعادة التدوير والاستثمار في الأبحاث للاستفادة من النفايات غير القابلة لإعادة التدوير".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.