(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن التعديلات المقترحة على الدستور المصري، التي تشمل منح القوات المسلحة سلطة التدخل في الحكم، ستقوض استقلال السلطة القضائية وتُوسع السلطات التنفيذية التي يتم أصلا إساءة استخدامها.
من شأن التعديلات، التي عُرضت على البرلمان المصري في 3 فبراير/شباط 2019، أن تجعل الجيش مسؤولا عن "صون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد"، وتمنح الجيش فعليا سلطة الحكم.
قال مايكل بيج، نائب مُديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تُعزز هذه التعديلات جهود حكومة الرئيس السيسي المدعومة من الجيش لخنق قدرة الناس على تحدي أصحاب السلطة. إذا أُقرت هذه التعديلات، هناك خطر واضح من أن تمنح رسميا القوات المسلحة سلطات غير محدودة".
اعتُمد الدستور الحالي عام 2014، بعد عام على عزل الجيش بالقوة أول رئيس مصري منتخب، محمد مرسي.
وافقت لجنة برلمانية بسرعة على مناقشة التعديلات المقترحة، بعد 3 أيام فقط من اقتراحها. يُهيمن على برلمان مصر أنصار الرئيس عبد الفتاح السيسي، تقريبا دون معارضة. منذ انتخابه عام 2015، عمل البرلمان كآلية للموافقة الشكلية على سياسات وقرارات الحكومة. لم يُستدعَ أي وزير أو مسؤول حكومي من قبل البرلمان لاستجوابه طيلة أكثر من 3 سنوات. تتطلب التعديلات الدستورية أيضا استفتاء عاما، وفقا لدستور البلاد، لكن لم تتم برمجته لحد الآن.
من شأن المادة 140 من الدستور المنقح المقترح تمديد ولاية الرئيس من 4 سنوات إلى 6. ويضيف مشروع المادة أيضا "مادة انتقالية" من شأنها أن تسمح للرئيس الحالي، بعد انتهاء ولايته، بالترشح لفترتين أخريين. إذا تمت الموافقة على التعديلات، يُمكن أن يبقى الرئيس السيسي، الذي ستنتهي ولايته الثانية عام 2022، في السلطة حتى 2034. منذ أن وصل إلى السلطة عام 2013، وأصبح رئيسا في 2014، أشرفت حكومته على أسوأ أزمة حقوقية في مصر منذ عقود، بما في ذلك جرائم محتملة ضد الإنسانية.
إضافة إلى ذلك، من شأن التعديلات أن تقوض بشكل أكبر استقلال السلطة القضائية من خلال منح الرئيس السيسي سيطرة أقوى على تعيين قضاة كبار، ونزع سلطة قضاة مجلس الدولة إلى حد كبير على تنقيح التشريعات قبل أن تصبح قانونا. كما من شأن التعديلات منح اختصاص أوسع للمحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين. في السنوات الثلاث الماضية، أحيل أكثر من 15 ألف مدني، بمن فيهم أطفال، على محاكمات عسكرية.
تتبع محاولة تعديل الدستور المصري استخدام السلطات المستدام سياسات مكافحة الإرهاب وقوانين الطوارئ لارتكاب انتهاكات جسيمة، وسحق المعارضة، وتنظيم انتخابات ليست حرة ولا نزيهة. خلال الانتخابات الرئاسية في مارس/آذار 2018، اعتقلت قوات أمن السيسي مرشحين محتملين، وأرهبت مناصريهم وهددتهم.
من خلال التضييق على حملات المرشحين الآخرين واعتقالهم تعسفا، انتهكت حكومة السيسي دستور مصر والتزامات وتعهدات الحكومة الدولية بموجب "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، و"الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب"، و"إعلان الاتحاد الأفريقي المتعلق بالمبادئ التي تحكم الانتخابات الديمقراطية في أفريقيا" لعام 2002. التجمع السلمي محظور فعليا، وسُجن عشرات الصحفيين والمدونين في السنوات الأخيرة بسبب انتقاداتهم للحكومة، ما جعل مصر إحدى أسوأ دول العالم في سجن الصحفيين.
بعد الإطاحة بالرئيس السابق مرسي بالقوة عام 2013، كان السيسي، الذي شغل آنذاك منصب وزير الدفاع، جزءا من الحكومة التي أشرفت على عمليات القتل الجماعي المخطط لها بحق 817 متظاهرا على الأقل في يوم واحد، عندما فرق الجيش والشرطة بعنف اعتصاما كان سلميا إلى حد كبير في ميدان رابعة في القاهرة. كانت عمليات القتل الجماعي هذه هي الأسوأ في تاريخ مصر الحديث، وتشكل على الأرجح جرائم ضد الإنسانية.
منذئذ، شنت الحكومة حملة قمعية قاسية على جميع أشكال المعارضة. وشاركت قوات وزارة الداخلية في التعذيب، والإخفاء القسري، والقتل خارج نطاق القضاء. كما هدم الجيش المنازل في شمال سيناء، متسببا بإجلاء الآلاف قسرا ووقوع آلاف الضحايا، وبالكاد أظهر حلفاء مصر أي اهتمام. بعض هذه التجاوزات قد ترقى أيضا إلى جرائم ضد الإنسانية.
ظل حلفاء مصر إلى حد كبير صامتين أمام هذه الانتهاكات الخطيرة. ورغم القيود التي فرضها الكونغرس الأمريكي على المساعدة الأمنية لمصر، احتضنت إدارة ترامب بشكل كامل حكومة السيسي وأزالت بواعث القلق المتعلقة بحقوق الإنسان من العلاقات الثنائية. عُزز ذلك في يوليو/تموز، عندما أفرجت الإدارة عن التمويلات لمصر والتي كانت موقوفة في السابق بسبب مخاوف حقوقية. وبينما يدخل الكونغرس الأمريكي في إجراءات وضع الميزانية السنوية للسنة المالية 2020، على أعضاء الكونغرس أن يظهروا بوضوح أن استمرار الانتهاكات الجسيمة سيكون لها عواقب على المساعدات لقوات الأمن المصرية.
قال بيج: "استمرار صمت حلفاء حكومة السيسي يشجعها. إذا رغبت الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا في تجنب عواقب ترسيخ الحكم السلطوي في مصر، والتي تضرب الاستقرار، عليها أن تتحرك الآن".