(تونس) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن قانون المغرب الجديد بشأن مُحاربة العنف ضد النساء يُوفر الحماية للناجيات، لكن فيه ثغرات ينبغي مُعالجتها)
بعد أكثر من عقد من مناصرة منظمات حقوق المرأة المغربية، اعتمد المغرب القانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء. قدمت الحكومة المغربية مشروع القانون المُعدل رقم 13-103 في 17 مارس/آذار 2016 إلى مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، الذي صادق عليه بعد إدخال بعض التعديلات الطفيفة في 26 يوليو/تموز 2016، وأحاله إلى مجلس المستشارين (الغرفة الثانية). وأدخل عليه بعض التعديلات الطفيفة في 30 يناير/كانون الثاني 2018، وأحاله على الغرفة الأولى. رغم الضغط القوي الذي مارسته منظمات حقوق المرأة من أجل تحسين الحماية، وافق مجلس النواب في 14 فبراير/شباط 2018 على مشروع القانون دون مزيد من التغيير. سيصبح القانون نافذا بعد 6 أشهر من نشره في الجريدة الرسمية.
قالت روثنا بيغوم، باحثة حقوق المرأة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يعترف قانون المغرب المُتعلق بمحاربة العنف ضد النساء أخيرا ببعض أشكال الإساءة التي تواجهها نساء كثيرات من قبل أزواجهن وأسرهن. لكن على المغرب أن يُعالج الثغرات لضمان حماية جميع الناجيات من الإساءة، وقيام الشرطة والنيابة العامة بعملها".
يُجرم القانون الجديد بعض أشكال العنف الأسري، يُنشئ تدابير وقائية، ويُوفر حماية جديدة للناجيات. لكنه يُطالب الناجيات برفع دعوى قضائية للحصول على الحماية، ولا يستطيع سوى القليل منهن فعل ذلك. كما أنه لا يُحدد واجبات الشرطة والنيابة العامة وقضاة التحقيق في حالات العنف الأسري، أو تمويل مراكز إيواء النساء.
وجدت دراسة وطنية أنجزتها الحكومة وشملت نساء يبلغن من العمر ما بين 18 و65 عاما في عام 2009، أن 62.8 بالمئة عانين عنفا جسديا، ونفسيا، وجنسيا، واقتصاديا في المغرب. وذكر 55 بالمئة من العينة التي تمت مقابلتها العنف "الزوجي"، وذكر 13.5 بالمئة العنف "العائلي".
قابلت هيومن رايتس ووتش 45 شخصا في المغرب، من بينهم 20 امرأة وفتاة عانين من العنف الأسري، في سبتمبر/أيلول 2015. وصفن تعرضهن للكم، الركل، الحرق، الطعن، الاغتصاب، أو لشكل آخر من المُعاملة السيئة من قبل أزواجهن أو أفراد أسرهن.
يتضمن القانون الجديد أحكاما إيجابية مثل تعريف العنف ضد المرأة على أنه "كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة". ومع ذلك، فإنه لا يُقدم تعريفا للعنف المنزلي ولا يُجرم صراحة الاغتصاب الزوجي.
رفع القانون من العقوبات المفروضة على بعض أشكال العنف الموجودة في القانون الجنائي عند ارتكابها داخل الأسرة، وأدخل جرائم جديدة بما في ذلك الزواج القسري، أو تبديد المال أو الممتلكات للتحايل على دفع النفقة أو مستحقات أخرى ناتجة عن الطلاق، أو طرد أو منع الزوجة من العودة إلى بيتها، والتحرش الجنسي في الأماكن العامة، والتحرش الإلكتروني.
يُلزم القانون السلطات العمومية باتخاذ تدابير وقائية، بما في ذلك برامج لرفع مستوى الوعي حول العنف ضد النساء. وينص أيضا على وحدات مُتخصصة لتلبية احتياجات النساء والأطفال في المحاكم، ووكالات حكومية، وقوات أمن، ولجان محلية وجهوية ووطنية لمعالجة قضايا المرأة والطفل. غير أن هيومن رايتس ووتش وثقت مشاكل مع الوحدات القليلة القائمة، ولا يتضمن القانون آليات لمراقبة الوحدات أو اللجان، أو مساءلة السلطات إذا لم تقُم بواجباتها.
يتضمن القانون الجديد أيضا ثغرات وعيوب كبيرة تترك المرأة عُرضة لخطر العنف الأسري، بما في ذلك عدم وجود أحكام بتمويل الاصلاحات.
يسمح القانون بقرارات الحماية التي تمنع مُتهما من الاتصال، أو الاقتراب، أو التواصل مع الضحية. لكنها لا تصدر إلا أثناء المقاضاة أو بعد الإدانة. وعلاوة على ذلك، يُمكن إلغاء هذه القرارات إذا تصالح الزوجان مما يزيد من الضغط على النساء لإلغاء هذه القرارات.
توجد "تدابير وقائية" بديلة "تُحذر" الشخص من ارتكاب عنف، أو التصرف في الأموال الزوجية المشتركة، إلا أن القانون لا يُحدد السلطات التي ستصدرها. يُمكن أن تُؤدي انتهاكات قرارات الحماية أو "التدابير الوقائية" إلى السجن أو غرامات.
في الدراسة الوطنية، لم تُبلغ السلطات سوى 3 بالمئة من النساء اللواتي تعرضن للعنف الزوجي. معظم النساء يتنازلن عن الدعاوى القضائية القليلة التي رفعنها نتيجة ضغوط من أسرهن، أو أسر المعتدي عليهن، أو لأنهن يعتمدن ماليا على من يسيئون معاملتهن.
يمكن لقرارات الحماية أن تكون تدابير لإنقاذ الحياة، ومنع المزيد من العنف، وحماية الضحية مثل منع الاتصال بالضحية وإبعاد المُعتدي عن المنزل.
أوصت هيئة الأمم المتحدة للمرأة بأن تتمكن الناجيات من العنف الأسري من التماس قرارات الحماية دون اللجوء إلى إجراءات قانونية أخرى، مثل التهم الجنائية أو الطلاق. وتُقدم قرارات الحماية المدنية في العديد من البلدان الأخرى مثل لبنان وتونس.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه على المغرب ضمان حصول الناجيات من العنف العائلي على قرارات حماية طارئة أو طويلة الأمد من خلال تدابير مدنية.
تعرف هيومن رايتس ووتش أقل من 10 مراكز إيواء في البلاد تقبل الناجيات من العنف الأسري، وهي محدودة القدرات. تدير المنظمات غير الحكومية هذه المراكز جميعها، لكن عددا قليلا فقط منها يتلقى تمويلا حكوميا. ويضطر العديد من الناجيات من العنف الأسري إلى العودة إلى شركائهن المُسيئين لأنهن لا يملكن أي وسيلة أخرى للدعم أو الإيواء.
قالت سعيدة كوزي، وهي شريكة مؤسسة في جمعية "التعبئة من أجل الحقوق"، التي تُعنى بحقوق المرأة المغربية: " يُمثل الحصول على سكن آمن ومستقر مُعضلة حقيقية للنساء اللواتي تعرضن لسوء المعاملة ولأطفالهن، ويُجبرن في كثير من الأحيان على الفرار من عملهن ومدارسهن، أو التشرد، أو العودة إلى ظروف عنيفة".
كما لم يُحدد القانون واجبات ملموسة للشرطة، والنيابة العامة، وغيرهم من موظفي إنفاذ القانون، والمسؤولين القضائيين في قضايا العنف الأسري. قابلت هيومن رايتس ووتش ناجين من العنف الأسري اللائي قُلن إن ضباط الشرطة رفضوا تسجيل إفاداتهن، ولم يُحققوا في ادعاءات سوء المعاملة، ورفضوا اعتقال المشتبه في ارتكابهم للعنف المنزلي، حتى مع وجود أمر من النيابة العامة. في بعض الحالات، نصحت الشرطة الضحايا بالعودة إلى المُعتدين عليهن.
في العديد من الحالات، لم تُوجه النيابة العامة تُهم، لكنها طلبت من الضحايا تقديم وثائق للشرطة، تطلب منهم التحقيق مع المُعتدين أو القبض عليهم. لكن الشرطة لم تنفذها في كثير من الأحيان، تاركين النساء يتخبطن بين الشرطة والنيابة العامة في محاولة للحصول على المساعدة.
كما لا ينص القانون على أنه ينبغي أن تنظر المحاكم في جميع أشكال الأدلة في قضايا العنف الأسري وأن تكون شهادة الضحية أمام المحكمة دليل كاف للوصول إلى الإدانة.
قالت بيغوم: " سيتمكن عدد قليل من النساء من الحصول على الحماية من المعتدين عليهن بموجب هذا القانون، لأنه يشترط مُحاكمة وإدانة المسيئين إليهن - ومع ذلك، لا ينص القانون إلا على القليل بشأن تحديد واجبات السلطات في اعتقال، ومقاضاة، وإدانة المُسيئين".
كما لا يوفر القانون أيضا المساعدة المالية للناجيات، أو تحديد دور الحكومة بوضوح فيما يتعلق بتوفير الدعم والخدمات للناجيات من العنف الأسري، بما في ذلك المأوى، الخدمات الصحية، الرعاية الصحية النفسية، المشورة القانونية، والخطوط الهاتفية لحالة الطوارئ.
كتبت هيومن رايتس ووتش إلى الحكومة في فبراير/شباط 2016 ثم إلى مجلس المستشارين في أكتوبر/تشرين الأول 2016 بتوصيات، بما في ذلك الحاجة إلى تعريف العنف الأسري، توفير قرارات الحماية المدنية، تحديد واجبات الشرطة والنيابة العامة، تقديم المساعدة المالية، وتمويل مراكز الإيواء. لم تُعتمد هذه التوصيات، إلا أن مجلس المستشارين نص على تدابير وقائية، التي طالبت بها أيضا هيومن رايتس ووتش.
قالت بيغوم: "لا تتطلب حماية النساء والفتيات من العنف الأسري تغييرات قانونية فقط، بل التمويل والدعم السياسي للإنفاذ والخدمات. لقد اتخذت حكومة المغرب خطوة إيجابية أولية من خلال اعتمادها هذا القانون، لكن عليها الآن تنفيذه وتوسيع نطاق الحماية".