"كأن الضباب كان يغطي البلدة بأكملها. نسعل دون انقطاع، غير قادرين على التنفس، وأحيانا نستيقظ ونرى الرماد في بصاقنا". هذه كلمات عثمان، المقيم في كفر زبد في سهل البقاع في لبنان.
وصف عثمان آثار حرق النفايات الذي يحصل بانتظام قرب بيته. الحرق المكشوف في مختلف أنحاء البلد هو جزء خطير وغير معلن في أزمة إدارة النفايات في لبنان.
أصدرت "هيومن رايتس ووتش" في كانون الاول 2017 تقريرا عن المخاطر الصحية لأزمة إدارة النفايات في لبنان، وهو أول تقرير لنا عن الحق في الصحة في الشرق الأوسط. وجدنا أن الحرق المكشوف للنفايات الصلبة في أكثر من 150 مكبا في جميع أنحاء البلد يشكل مخاطر صحية خطيرة على السكان المجاورين للمكبات، وأن عدم تحرك السلطات لإنهاء هذا الحرق ينتهك حقهم في الصحة. أفاد السكان الذين يعيشون بالقرب من المكبات عن مجموعة مشاكل صحية متسقة مع الاستنشاق المتكرر والمستمر للدخان من الحرق المكشوف. يتعرض الأطفال وكبار السن بشكل خاص للخطر، وتقع هذه المكبات بشكل غير متناسب في المناطق ذات الدخل المنخفض أكثر من غيرها.
لم تفِ الدولة حتى بالتزاماتها الأساسية تجاه المواطنين - اطلاعهم على تأثير الأزمة على صحتهم وبيئتهم. أدى هذا النقص في المعلومات إلى تبعات نفسية حقيقية. على وجه الخصوص، أخبرنا الآباء والأمهات بأنهم قلقون إزاء التأثير المحتمل للحرق على أطفالهم. لا يوجد أي عذر لعدم رصد الحكومة نوعية الهواء بهدف توفير هذه المعلومات الأساسية ونشرها علنا. للناس الحق في معرفة المخاطر الصحية في بيئتهم. عليهم المطالبة بذلك.
لكن حرق القمامة ليس مجرد قضية صحية أو بيئية. تماما مثل التعذيب، حرية التعبير، أو حقوق المرأة، فهي أيضا من قضايا حقوق إنسان - وبالتالي فهي تستدعي التزامات لبنان بموجب القانون الدولي.
بالرغم من أن "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" قسم الحقوق المدنية والسياسية – كالحق في الحياة والتحرر من التعذيب – والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – كالحق في الصحة أو التعليم، على معاهدتين دوليتين منفصلتين، إلا أن حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة. جميع الحقوق متساوية - فليس هناك مجموعة من الحقوق أكثر أهمية من غيرها - والحرمان من أحد الحقوق كثيرا ما يعيق التمتع بالحقوق الأخرى.
في حين أن التزامات أي دولة فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية غالبا ما تكون مطلقة وفورية، فإن الدول مطالبة عموما بالسعي إلى الإعمال التدريجي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. يرجع هذا التمييز إلى الاعتراف بأن هناك حاجة إلى موارد أكبر في كثير من الأحيان لتحقيق هذه الحقوق. إلا أن ذلك لا يعفي لبنان من مسؤولياته. لا يمكن التنصل من أي من مجموعتيّ الحقوق، ولا تزال السلطات ملزمة بأن تبين أنها تتخذ خطوات لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لطالما وجدت الدولة اللبنانية أعذارا واهية لعدم الإيفاء بهذه الالتزامات، بسبب نقص المال أو عدم الاستقرار. إلا أن هذه الأعذار تظل جوفاء. انتهت الحرب الأهلية منذ 30 عاما تقريبا، ولبنان يملك الثروات والخبرات والدعم الدولي لتحقيق تقدم في مجالات التعليم والصحة والخدمات الأساسية. لكن مع مرور الوقت دون تحسن، لجأ السكان إلى مبادرات خاصة، وعلق البلد في حلقة من سقف التوقعات المنخفض والنتائج الضعيفة فيما يخص الحقوق الأساسية.
للعودة إلى المسار الصحيح، يحتاج لبنان إلى إعادة صياغة مواضيع مثل الصحة والتعليم كقضايا حقوقية. من شأن إعادة التأطير هذه أن تشجع المواطنين على مطالبة حكومتهم باتخاذ إجراءات وضمان الحد الأدنى من الحماية، والبدء بمساءلة الحكومة عن عدم الوفاء بالتزاماتها.
من السهل أن نرى الخسائر نتيجة التقاعس، حيث وجدنا أن أكثر من 250 ألف طفل سوري لاجئ لا يذهبون إلى المدرسة. رغم جهود وزارة التربية والتعليم، فإن الحواجز الخطيرة التي تواجهها الأسر تنتهك التزام لبنان بتوفير التعليم دون تمييز.
التمييز في نظام التعليم في لبنان لا يقتصر على اللاجئين السوريين فحسب، بل وجدنا أيضا أن المدارس في لبنان تميز بشكل منهجي ضد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا تستقبلهم في الفصول الدراسية كما يجب. رغم أن لبنان أقرّ عام 2000 قانونا يضمن التعليم الشامل لذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أنه لم يفعل شيئا يذكر لتنفيذ القانون. لا يقدم سوى عدد قليل من المدارس الحكومية والخاصة اللبنانية أي شكل من أشكال التعليم الشامل. هذه القضية هي من قضايا حقوق الإنسان – الاستبعاد للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يميّز ضدهم وينكر حقهم في التعليم.
يستحق لبنان بالطبع الدعم الدولي نظرا إلى أنه يعاني لاستضافة أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة إلى عدد السكان في العالم. لكن هذه القضية ليست فقط إنسانية أو إنمائية – كل واحد من هؤلاء الأطفال له الحق الملزِم قانونيا في التعليم. الحصول على التعليم الابتدائي المجاني والشامل أمر جوهري بحيث يكون ملزِما على الفور، ولا يخضع للإعمال التدريجي. بعبارة أخرى، فإن محاولة معالجة المشكلة بمرور الوقت أمر غير مقبول. كل أسبوع دون تعليم يضر كل طفل خارج المدرسة. الحرمان من هذا الحق سيكون له عواقب وخيمة على الأطفال وأسرهم ومستقبل لبنان وسوريا.
بعد عقود من سوء الخدمات والتعنت الرسمي، تنعدم الثقة في الدولة فيما يخص إحراز تقدم في هذه القضايا. إذا لم تتحرك الدولة لحل هذه المشاكل، فهي لا تقصر تجاه الشعب اللبناني واحتياجاته الأساسية فحسب، بل تنتهك أيضا التزاماتها بموجب القانون الدولي.