يتصاعد الغضب في بورما بسبب الفظائع التي ارتُكبت الشهر الماضي في شمال ولاية راخين غربي البلاد. أسفرت انتهاكات مروعة عن تشريد ما يقارب نصف مليون من مسلمي الروهينغا وحرق ما لا يقل عن 150 قرية. قدّم اللاجئون روايات موثوقة عن حالات اغتصاب ومجازر أيضا.
لكن سيكون من الخطأ تركيز الانتقاد في المقام الأول على أونغ سان سو تشي، زعيمة بورما بواقع الحال، مع أنها كانت مُخيّبة للآمال في استجابتها للأزمة. حيث نفت سو تشي ومسؤولون حكوميون آخرون - وما زالوا يُنكرون - ادعاءات ارتكاب فظائع، ووصفوها بالافتراءات. في أوائل سبتمبر/أيلول، تحدثت أونغ سان سو تشي عن "كمّ هائل من التضليل" حول الانتهاكات، وأبدت جهلا مقلقا بالوضع العام في خطاب ألقته في 19 سبتمبر/أيلول قالت فيه: "نريد أن نعرف لماذا يحدث هذا النزوح الجماعي".
الحكومة البورمية هي المسؤولة في نهاية المطاف عن التعامل مع أزمة الروهينغا، لكن القادة العسكريين في بورما هم المسؤولون عن القوات التي ترتكب الانتهاكات، وهم القادرون على إنهاء هذه الأزمة. عند مناقشة الخطوات التالية بشأن أزمة الروهينغا، على الحكومات المعنية التركيز بشكل أساسي على الجيش، والنظر في الاجراءات الأكثر قدرة على تغيير سلوكه.
هناك شيء واحد واضح في هذا الصدد: الإدانات والمناشدات لا تكفي. فالقادة العسكريون في بورما في حالة إنكار - أو أسوأ من ذلك. أدلى قائد الجيش الجنرال مين أونغ هلاينغ مؤخرا بتصريحات تشير إلى أن الروهينغا لا وجود لهم. بل أنهم في الحقيقة "بنغال"، وأن العمليات العسكرية الجارية تتعلق "بحسابات لم تتم تصفيتها" منذ الحرب العالمية الثانية.
هذه ادعاءات مثيرة للانقسام ولا سند لها بأن الروهينغا، على الرغم من أنهم عاشوا في البلاد لأجيال، ليسوا مواطنين بورميين. هي تلميحات واضحة لعمليات القتل الجماعي للروهينغا التي وقعت عام 1942، والتي تنعكس على عمليات القتل والحرق المتعمد التي وقعت في السنوات الأخيرة.
في خطاب آخر في 21 سبتمبر/أيلول، أقرّ مين أونغ هلاينغ، أن الحملة تضمّنت تطهيرا عرقيا، حيث أشار إلى "الأعراق الوطنية"، وهو مصطلح في القانون البورمي يشير إلى قائمة الجماعات العرقية الأصلية المُعترف بها رسميا - وهي لا تشمل الروهينغا. وقال: "فيما يتعلق بإعادة تأهيل قرى أعراقنا الوطنية، فإن الأعراق الوطنية التي هربت من ديارها [معظمهم من بوذيي ولاية راخين]، يجب أولا أن يعودوا إلى أماكنهم. من المُهمّ أن يكون شعبنا في المنطقة وأن تكون لنا السيطرة على منطقتنا بأعراقنا الوطنية. لا يمكننا فعل أي شيء إن لم يكن هناك أشخاص من أعراقنا الوطنية... ذلك هو مكانُهم الصحيح".
تكشف هذه التعليقات أن القادة العسكريين في بورما مختلفين في الرأي تماما عن بقية المجتمع الدولي. فهم ليسوا مستعدين لتقدير، أو حتى سماع شجبه وطلباته الشفهية. لذلك، حان الوقت لفرض تكاليف باهظة عليهم، من عقوبات محددة وغيرها – مما يُسبب ضررا عمليا أو ماليا حقيقيا للقيادة العسكرية العليا في بورما. قد يكون من المستحيل إقناع القيادة العسكرية بالاهتمام بالروهينغا، لكن قد يكون من الممكن منعهم من قتل أو تشريد المزيد منهم - إذا كان لعدم القيام بذلك عواقب لا يريد القادة العسكريون تحملها.
على "مجلس الأمن الدولي" والدول الأعضاء المعنية، فرض عقوبات محددة على القادة العسكريين البورميين والشركات الرئيسية المملوكة للجيش بما في ذلك فرض حظر السفر وقيود على التعامل مع المؤسسات المالية وحظر عسكري شامل. في كثير من البلدان، يوجد بالفعل إطار للعقوبات، ولم تمض فترة طويلة على رفع تلك العقوبات المحددة اعترافا بجهود الدولة في سبيل الانتقال إلى الديمقراطية.
ينبغي لمجلس الأمن أن يُصرّ أيضا على محاسبة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وأن يضغط على السلطات البورمية للتعاون مع "بعثة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق"، التي أنشأها "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة، ومنح موظفيها حرية الوصول إلى ولاية راخين. على المجلس أن يبعث برسالة واضحة مفادها أنه مستعد لاتخاذ خطوات إضافية لضمان العدالة، بما في ذلك اللجوء إلى "المحكمة الجنائية الدولية"، وحثّ الدول الأعضاء على متابعة آليات أخرى يمكن أن تحقق العدالة في الانتهاكات الأخيرة.
ليس القصد من هذه التدابير مجرّد ردع المزيد من الفظائع. فالعقوبات ينبغي أن تكون مرتبطة بمطالب المجتمع الدولي، وأن تُعتبر معايير مرجعية على الجيش البورمي الوفاء بها مقابل تخفيف العقوبات وهي: وقف الانتهاكات، السماح للاجئين بالعودة، السماح بدخول الصحفيين وبعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق، وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، ومحاكمة مرتكبي الانتهاكات. قبل الأزمة الأخيرة، تعهّدت الحكومة البورمية بالفعل باتخاذ خطوات أخرى منصوص عليها في توصيات "للجنة الاستشارية عن ولاية راخين" برئاسة كوفي عنان؛ وينبغي أن يكون تعاون الجيش في هذا الصدد معيارا آخر.
لكن على الحكومات المعنية ألا تنتظر حتى تتحرك الأمم المتحدة. على الدول الرئيسية مثل الولايات المتحدة، دول الاتحاد الأوروبي، أستراليا، كندا والدول الإقليمية في جنوب شرق آسيا، أن تفرض أو تعيد فرض عقوباتها على القادة العسكريين والشركات المملوكة للجيش وتوسيع عمليات حظر الأسلحة الحالية لتشمل كافة عمليات الصيانة وتقديم المساعدة والتدريب والتعاون مع الجيش البورمي. على إدارة ترامب أن تضع كبار القادة العسكريين والشركات الرئيسية المملوكة للجيش على "قائمة المواطنين المحددة أسماؤهم بصفة خاصة"، والتي تقيّد السفر إلى الولايات المتحدة والتعامل مع الشركات الأمريكية والمؤسسات المالية. وعلى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه تجديد عقوباتها.
بالنسبة لمن يقلق من أن تزيد التحركات الصارمة الوضع سوءا أو أن تُضعف نفوذ المجتمع الدولي، يمكن أن نسأل: أي نفوذ هذا؟ وكيف يمكن أن تزيد الأمور سوءا؟ وما هي الخطة البديلة لإجبار الجيش على وقف الإساءات؟
حان وقت الصرامة في مواجهة جنرالات بورما. فالكلام وحده لا يكفي.