(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلغاء حكم الإعدام الذي أكدته أعلى محكمة للاستئناف في البلاد في 25 أبريل/نيسان 2017. جاء الحكم بعد محاكمة انتهكت حقوق المتهم في الإجراءات القانونية الواجبة. إذا نُفذ الحكم، سيكون الإعدام التاسع المتعلق بحادث عنف سياسي منذ عزل الجيش للرئيس السابق العام 2013.
حكمت محكمة جنايات بالإسكندرية بداية على فضل المولى، الموظف في "نادي نقابة المهندسين" بالإسكندرية والداعية من جماعة "الإخوان المسلمين"، بالإعدام عام 2016 بما يتعلق بقتل سائق سيارة أجرة خلال مظاهرة احتجاجية قبل 3 سنوات. رفضت المحكمة أثناء المحاكمة طلبات محامي الدفاع الاستماع إلى إفادات شهود النفي التي قد تبرئه.
قال جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "لا يزال النظام القضائي في مصر مسيسا إلى حد كبير، ويتسم بتفشي مخالفات الإجراءات القانونية الواجبة. آخر ما يجب على السلطات فعله في هذه الفترة من الاستقطاب السياسي الشديد هو الحكم على الناس بالموت بعد محاكمات غير عادلة".
في وقت سابق من هذا العام، دعت هيومن رايتس ووتش السلطات المصرية إلى تجميد عقوبة الإعدام مؤقتا نظرا للارتفاع الحاد في عدد أحكام الإعدام، والاضطرابات السياسية الحادة، وعدم إصدار قانون شامل للعدالة الانتقالية في مصر منذ أن عزل الجيش الرئيس السابق محمد مرسي العام 2013.
بدأت هذه القضية بعد مسيرة بالإسكندرية في 15 أغسطس/آب 2013 نظمتها جماعة الإخوان المسلمين، احتجاجا على التفريق الوحشي للاعتصامات الجماهيرية التي كانت تعارض عزل الجيش لمرسي في اليوم السابق. أسفرت عمليات التفريق في 14 أغسطس/آب 2013 عن مقتل ما لا يقل عن 904 أشخاص في موقعين للاحتجاج بالقاهرة.
أدت مسيرة الإسكندرية إلى إعاقة حركة المرور على طريق الكورنيش الساحلي، وكان بعض المتظاهرين يحملون أسلحة، وفقا لصور نشرها السكان على مواقع التواصل الاجتماعي. اشتبك المتظاهرون مع الشرطة ومؤيدي الحكومة. بحلول نهاية اليوم، قُتل 7 أشخاص على الأقل. في مرحلة ما خلال المسيرة، بدأت مشادة بين المتظاهرين وسائق سيارة أجرة.
في فيديو مُصوّر من شرفة إحدى البنايات المحيطة، يمكن رؤية سيارة أجرة الإسكندرية باللونين الأسود والأصفر تناور الحشود بسرعة من طرف إلى آخر. أسرعت السيارة بين السائرين، وربما صدمت بعضهم، قبل أن تصطدم بمؤخرة سيارة أخرى وتعلق في حركة المرور. هرع عشرات من المسيرة إلى سيارة الأجرة، وسُمع صوت يشبه طلقا ناريا. يمكن سماع الشخص الذي يصور يقول "أطلقوا النار عليه؟". في فيديو آخر يبدأ بعد فترة وجيزة من إطلاق النار على ما يبدو، يمكن رؤية الحشد في المسيرة يهاجم سيارة أجرة بينما يصرخ المصور: "بيقتلوه (إنهم يقتلونه)!". لا يظهر الفيديو بوضوح هويات أولئك في الحشد.
في الساعات التي أعقبت المسيرة، أقامت الشرطة نقاط تفتيش واعتقلت أكثر من 12 مشاركا مزعوما في مواقع حول الإسكندرية، حسب الحكم الصادر في يونيو/حزيران 2016. جاء في الحكم أيضا أن الشرطة ألقت القبض على 12 رجلا في شارع أبو قير بحي فلمنغ وادعت مصادرتها مسدس عيار 9 ميلمتر، وأوقفت 5 رجال آخرين، من بينهم المولى، على طريق الجيش أمام نادي المهندسين في الإسكندرية بعد أن "حاولوا الهروب".
زعم الادعاء أن المولى ضرب مينا رأفت عزيز، سائق سيارة الأجرة (مسيحي الديانة)، وأطلق عليه النار من مسدس (فرد خرطوش) فقتله بهدف إحداث "فتنة طائفية" في البلاد. لكن المشاكل شابت ملف الإدعاء منذ البداية.
قال عمرو أحمد غانم، الشاهد الرئيسي الذي كان يستقل سيارة أجرة عزيز، في مقابلة بفيديو عقب الحادث مباشرة إن 2 من "البلطجية" من منطقته قتلا عزيز. غيّر غانم روايته فيما بعد، قائلا لوكلاء النيابة إن المولى أوقف سيارة الأجرة بعد رؤية صليب معلق فيها وضرب السائق عزيز، وأطلق النار عليه من مسدس.
قال محامي الدفاع لـ هيومن رايتس ووتش إن المحكمة سمحت له باستجواب غانم في المحكمة ولكنها لم تتناول تناقضات غانم في الحكم.
قال محامي الدفاع إن المحكمة رفضت السماح لأي شهود دفاع بالشهادة، بمن فيهم أحد جيران المولى الذي ذهب معه للعمل يوم المسيرة، وأحد معارف المولى الذي كان حاضرا أثناء الهجوم على سيارة الأجرة وقال إنه لم ير المولى هناك.
يعطي "قانون الإجراءات الجنائية" المصري القضاة حرية التصرف في رفض طلبات الدفاع باستدعاء الشهود أثناء المحاكمة إذا لم يقدم الدفاع شهادتهم مسبقا أو لم يقدمهم للاستجواب في بداية المحاكمة. لم يفعل فريق المولى القانوني ذلك. كثيرا ما يرفض محامو الدفاع المصريون في قضايا سياسية مثل قضية المولى تقديم الشهود مسبقا، خوفا من أن يقوم أفراد "الأمن الوطني" باعتقالهم أو تخويفهم.
قال محامي الدفاع إن فريق الدفاع قدم لقطات التقطتها كاميرات أمن نادي نقابة المهندسين تظهر قوات الأمن التي تداهم النادي وتجري الاعتقالات. أظهر فيديو نشره النادي على "يوتيوب" الأضرار الناجمة عن الاقتحام وشمل مقابلات مع شاهدَين. قال المحامي أيضا إن الدفاع قدم بيانا رسميا من النادي يقول إن المولى كان في مكان عمله أثناء المظاهرة. لم تعثر الشرطة في النادي على المسدس الذي يُزعم أنه استخدم لقتل عزيز.
في حكمها، كتبت المحكمة أنها سمعت حجج الدفاع ولكنها كانت راضية عن أدلة الادعاء ولم تكن بحاجة إلى الاستماع إلى شهود الدفاع.
استخدمت النيابة العامة "قانون التجمهر" المصري، الذي يعود للحقبة الاستعمارية عام 1914، لتوجيه الاتهام إلى جميع المدعى عليهم الـ 17 بشكل جماعي بقتل عزيز و6 أشخاص آخرين، قال المدعون إنهم لقوا مصرعهم خلال اشتباكات بين مسيرة وسكان شملت استخدام أسلحة نارية وسكاكين وقنابل مولوتوف. يحظر قانون التجمهر أي تجمع يزيد على 5 أشخاص يعرض "السلام العام" للخطر، ويسمح للمحاكم بإدانة أي شخص شارك في التجمع عن أعمال من بينها القتل ارتكبها مشاركون آخرون. هذا القانون موضوع دعوى قضائية رفعها في المحكمة الإدارية ناشطون حقوقيون مصريون، يؤكدون أن البرلمان صوّت على إلغاء القانون عام 1928 وأنه لم يعد نافذا.
اتهم الادعاء المدعى عليهم بسرقة ممتلكات غانم وتدمير سيارة عزيز وتعريض الطريق العام للخطر وحيازة أسلحة غير مرخصة، والانتماء إلى مجموعة محظورة.
ذكرت المحكمة في حكمها أن الأدلة أيدت حكم "القتل العمد" ضد المولى، ولكن ليس المدعى عليهم الآخرين، بزعم إطلاق النار على عزيز في صدره من مسافة متر تقريبا. قالت المحكمة إن المتهمين الآخرين ارتكبوا جريمة أقل خطورة هي "الضرب المفضي إلى الموت "، وهو ما يعني ضمنا القتل غير المتعمد.
حكمت المحكمة على المولى بالإعدام، وحكمت على المحمدي سيد أحمد، العضو السابق في جماعة الإخوان المسلمين وعضو البرلمان، بالسجن 15 عاما، وعلى 14 متهما آخرين بالسجن 5 سنوات.
وجهت هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار وأبريل/نيسان رسائل إلى 6 مؤسسات مصرية، منها الرئاسة ووزارة الدفاع تعرب فيها عن قلقها الشديد إزاء أحكام الإعدام الصادرة في المحاكم العسكرية والمحاكم العادية. حثت هيومن رايتس ووتش الرئيس السيسي ووزير الدفاع صدقي صبحي على عدم الموافقة على أي أحكام أخرى بالإعدام. على مصر أن تتحرك بسرعة نحو إلغاء عقوبة الإعدام.
تعارض هيومن رايتس ووتش عقوبة الإعدام في جميع الظروف، كعقوبة ليست فقط فريدة من نوعها في قسوتها وكونها لا رجعة فيها، بل أيضا لحتمية وشمولية عرضتها للتعسف والتحيّز والخطأ. يواجه 10 أشخاص على الأقل حاليا الإعدام فيما يتعلق بعنف سياسي مزعوم، بعد أن ثبتت محاكم الاستئناف عقوبات الإعدام في وقت سابق من يونيو/حزيران. كان قد حكم على 6 منهم في محكمة عادية و4 في محكمة عسكرية.