إعتقلت سلطات حكومة إقليم كردستان ما يزيد عن 150 طفلا بشبهة الالتحاق بتنظيم "الدولة الإسلامية" ("داعش") في مناطق بعيدة عن سلطة الحكومة الإقليمية. يبقى هؤلاء الأطفال رهن الاحتجاز لأسابيع وأشهر، حيث يعرف احتجازهم تأخيرات وسوء معاملة وغموضا بشأن التهم الموجهة إليهم، وبشأن القوانين اللازم تطبيقها عليهم، وفي أي اختصاص قضائي. كل ذلك يجعل إعداد دفاع لهم شبه مستحيل.
في منتصف ديسمبر/كانون الأول، قابلنا 19 طفلا أعمارهم بين 11 و17. قال بعضهم إنهم احتُجزوا مدة بلغت 5 أشهر دون المثول أمام قاض أبدا. قال 17 إنهم تعرضوا للتعذيب أو الإساءة لإجبارهم على الاعتراف. سُمح لأربعة منهم فقط بالتواصل مع ذويهم، ولم يُتح لأي منهم الاتصال بمحام على حد علمنا. قال مسؤول في حكومة الإقليم إنه خطأهم، لأنهم لم يطلبوا محاميا.
رغم أن معظمهم نفوا أي علاقة بداعش، اعترف بعضهم بسهولة بأنهم التحقوا بالتنظيم، عادة للعمل كحراس في نقاط التفتيش أو كطباخين. قال بعضهم إنهم انضموا لكسب المال من أجل ذويهم. قال آخرون إن داعش أجبرهم على الانضمام أو حضور دروس قرآنية وتدريبات رماية.
قال 4 قضاة مختصون في قضايا الأحداث، ينظرون في ملفات الإرهاب، إنه منذ أكتوبر/تشرين الأول، عندما بدأت عملية استرجاع الموصل وتزايدت اعتقالات من يُعتقد أنهم على ارتباط بداعش في الموصل، لم يتسلموا إلا 20 قضية تخص أحداثا اعتُقلوا بتهم الإرهاب من "الأسايش"، جهاز الأمن في حكومة إقليم كردستان.
تشكل معاملة الأطفال الذين يُجندون أو يرتبطون بداعش تحديا كبيرا للعراق، بما في ذلك حكومة الإقليم. بعض هؤلاء الأطفال كانوا مسؤولين عن أعمال عنف بينما كانوا أنفسهم ضحايا لداعش. قال مكتب الممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والنزاع المسلح في 2011 إنه عندما يتعلق الأمر بأطفال شاركوا في جماعات مسلحة، فهو يشجع "أساليب مناسبة أكثر وناجعة أكثر من الاعتقال والسجن، مما يمكّن الأطفال من التصالح مع ماضيهم وما ارتكبوه من أفعال".
من أهم التحديات ما يجب عمله في حالات الأطفال المتهمين فقط بالانتماء إلى جماعات كداعش، دون أن يكونوا متهمين بأعمال عنيفة محددة. في 2016، انتقد الأمين العام الدول التي تتعامل مع التطرف العنيف باعتقال وملاحقة الأطفال لارتباطهم المزعوم بتلك الجماعات. وذكر أن هذا الحرمان من الحرية مناف لمصلحة الطفل، وقد يزيد من المظالم الاجتماعية.
كما ذكر ممثله الخاص أن الجنود الأطفال لا ينبغي ملاحقتهم "فقط لارتباطهم بجماعة مسلحة أو لمشاركتهم في أعمال عنف". رغم قلق دول عديدة من أن الأطفال المنتمين إلى داعش يشكلون خطرا في المستقبل، فإن اعتقالهم وملاحقتهم يجب أن تبقى ملاذا أخيرا، وعلى أي حكم قضائي أن يهدف إلى إعادة تأهيل وإدماج الطفل في المجتمع.
يسمح القانون الدولي للسلطات باحتجاز الأطفال قبل المحاكمة في مواقف محدودة، وفقط إذا وُجّهت إلى الطفل تهمة رسمية بارتكاب جريمة، وليس إذا كان فقط مشتبها به.
على السلطات إطلاق سراح كل الأطفال الذين لم توجه لهم بعد تهم رسمية.
لكن سلطات حكومة إقليم كردستان مصممة على ملاحقة هؤلاء الأطفال، رغم وجود غموض كبير بشأن القوانين اللازم تطبيقها.
تبنّت حكومة إقليم كردستان قانونا لمكافحة الإرهاب (رقم 3/2006) لاستبدال قانون مكافحة الإرهاب الفدرالي العراقي (رقم 12/2005)، والذي تعرض لانتقادات واسعة لأنه ينص على السجن مدى الحياة كعقوبة دنيا على أي جريمة مرتبطة بالإرهاب، ويسمح بعقوبة الإعدام للراشدين، رغم كون القانون العراقي ينص على عقوبة سجن قصوى مدتها 15 عاما للأطفال. تم تعليق العمل بقانون حكومة الإقليم في يوليو/تموز 2016، بعدما تم تمديده 3 مرات، بسبب تعليق جلسات البرلمان. أوصت وقتها لجنة استشارية بمتابعة المتهمين في إطار أحكام "الأمن الداخلي" لقانون العقوبات العراقي (رقم 111/1969) إلى أن تتم العودة إلى العمل بقانون مكافحة الإرهاب.
لكن القضاة قالوا إنه في معظم قضايا الأحداث التي نظروا فيها لحد الآن، يستمر الادعاء في توجيه تهم للاطفال بموجب قانون منتهي الصلاحية لأنهم يريدون عقوبات أكبر من تلك التي تخوّلها أحكام الأمن الداخلي في قانون العقوبات العراقي. من شأن ذلك خرق مبدأ الشرعية – أي أن الشخص لا يُتابع إلا عن عمل يُعتبر جريمة بموجب قانون محلي واضح حين ارتكابها، وإن كان هناك فرق في العقوبات التي ينص عليها القانون بين وقت ارتكاب الجريمة ووقت المحاكمة، تُطبّق أخفّ العقوبتين.
قال مستشار قانوني لرئيس حكومة إقليم كردستان مسعود البارزاني لـ "هيومن رايتس ووتش" إن القضاة قد يلجأون أيضا للقانون 8/1992 الخاص بحيازة وصنع واستخدام المتفجرات، والذي يسمح بعقوبات تصل إلى الإعدام عن الراشدين، لكن هيومن رايتس ووتش لم تتأكد من استخدام القضاة لهذا القانون.
يمكن تفسير قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي (23/1971) ليعطي لحكومة إقليم كردستان السلطة لمحاكمة أشخاص من الموصل بتهم الانتماء إلى داعش. لكن القضاة الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إنه بموجب ذلك القانون، يجب أن يًحاكم الشخص في منطقة الاختصاص التي يتهم بارتكاب الجريمة فيها. بعبارة أخرى، يجب محاكمة متهمي داعش المعتقلين في الموصل في نظام نينوى القضائي، بإشراف الحكومة العراقية المركزية.
قال قضاة الحكومة الإقليمية إنهم يعترفون بأن القيود الاختصاصية تعني وجوب تحويل قضايا المتهمين بالانتماء إلى داعش خارج منطقة كردستان إلى المحاكم المختصة بإشراف الحكومة المركزية. لكنهم قالوا إن ضباط الأساييش لا يتقبلون ذلك ويضغطون عليهم للبت في الملفات. في نهاية المطاف، يقول القضاة إنه يُطلب منهم إصدار الأحكام دون أن تكون لهم السلطة لفعل ذلك.
قال قاض بارز قابلناه في بغداد إنه بالنسبة للأطفال الذين تحتجزهم حكومة إقليم كردستان، لا يجعل الغموض حول القوانين التي تحكم اعتقالهم دفاعهم عن أنفسهم شبه مستحيل فقط، لكن احتجازهم من قبل حكومة الإقليم بدل الحكومة المركزية العراقية يحدّ أيضا من إمكانية استفادتهم من قانون العفو العام لشهر أغسطس/آب (رقم 27/2016). طالب القاضي بتحويل الملفات إلى الحكومة المركزية.
يمنح القانون عفوا لكلّ من يستطيع إثبات انضمامه إلى داعش أو جماعة متطرفة أخرى رغما عنه، وأنه لم يرتكب أية جريمة أخرى كالتعذيب أو القتل عندما كان عضوا في التنظيم. تعني هذه الأحكام أن العديد من هؤلاء الأطفال قد يُخلى سبيلُهم. أخبرني رئيس اللجنة القانونية في البرلمان العراقي بأن هذا القانون، والذي يفكر البرلمان في تمديده، هو طريقة لإصلاح قانون مكافحة الإرهاب العراقي الذي يطرح مشكلة، وقد يكون طريقة للتوصل إلى إطلاق سراح آلاف المحتجزين، راشدين وأطفالا.
في أواخر فبراير/شباط، ذكرت وزارة العدل في الحكومة المركزية أنها أطلقت سراح 756 سجينا في إطار قانون العفو.
قد يتعرض الأطفال المعتقلون بتهم الإرهاب أيضا لتأخيرات أطول إذا أُجبروا على المثول أمام قضاة الحكومة الإقليمية. قال محام يمثل المتهمين بالإرهاب إنه في كردستان العراق، لا يعرف إلا 3 قضاة ذوي خبرة في قضايا الأحداث المشتبهين بالإرهاب، لكن في العراق على المستوى المركزي، حيث ظهرت مثل هذه القضايا منذ 2003، هناك خبرة أكبر. في نظره، قضايا الأطفال المتهمين بارتكاب جرائم حقيقية قد يتم الفصل فيها بسرعة أكبر بكثير على المستوى المركزي.
لسوء الحظ، رفضت حكومة إقليم كردستان طلباتنا بزيارة المعتقلات التي يُحتجز فيها المتهمون بالإرهاب، فلم نتمكن من التأكد من نوع المعاملة التي يلقونها أو وضعهم القانوني. لكننا قلقون من أنهم يتعرضون لنفس الانتهاكات ويواجهون مأزقا قانونيا.
على السلطات أن تضمن للأطفال المحتجزين فقط لانتمائهم لداعش إعادة التأهيل والإدماج. يجب معاملة الأطفال المتهمين بجرائم قانونية ثابتة بما يتماشى مع المعايير الدولية لعدالة الأحداث، التي تؤكد على أهمية خيارات غيرالاحتجاز وتعطي الأولوية لإعادة التأهيل والإدماج الاجتماعي للطفل. عليها ضمان سلامة الإجراءات – مما يعني الحق في الدفاع، بما في ذلك أثناء الاستجواب، وإمكانية الاتصال بذويهم، والحصول على تعليم ورعاية صحية.