يعج العراق بالفظائع اليومية، بوجود تقارير عن دفن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الناس أحياء، وإغراق آخرين في أقفاص مغمورة بالمياه، وتفجير المتفجرات حول أعناق ضحاياها، وإطلاق النار على أعضائها الذين يحاولون الانشقاق. قتلت المجموعة الآلاف، منهم زهاء 1700 طالبا عسكريا شيعيا في تكريت في يونيو/حزيران 2014.
استجاب العراق والكثير من دول العالم بقتالهم داعش في ساحة المعركة بتكلفة ضخمة، لم تشمل فقط أرواح المقاتلين وأغلبهم من المتطوعين، بل والسكان المحليين الذين يستغلهم هؤلاء المقاتلون بعد تحريرهم من قبضة داعش.
تجاهل داعش قوانين النزاع المسلح التي تهدف لحماية المدنيين، لكن القوات العراقية التي تقاتل داعش لا تتحمل مسؤوليتها بحسب المعايير الدولية. آن الأوان ليضع العراق آليات أفضل لمساءلة أفراد هذه القوات، ليس لحماية السكان المدنيين فحسب، بل ولضمان ألا تثير الانتهاكات الجديدة الاستياء وتؤدي لظهور جماعات مشابهة لداعش.
بينما يتحرك الجيش العراقي لاستعادة السيطرة على الفلوجة من داعش بدعم من الميليشيات المتطوعة، وقبل الهجوم لطرد داعش من الموصل، يتعين على الحكومة العراقية، والتحالف الذي يقاتل داعش بقيادة أمريكية، الضغط لمساءلة "الحشد الشعبي"، وهو مجموعة بمعظمها قوات شيعية متطوعة.
زاد العراق من سيطرته على هيكلية قيادة هذه القوات، ولكنه يتباطأ في ضمان الرقابة الفعالة عليها، بما في ذلك ملاحقة الأعضاء الذين يُعدمون ويعذبون ويخطفون ويسلبون وينهبون السكان في المناطق المستعادة.
للبدء في هذا، يجب أن يجرّم العراق جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية بموجب القانون المحلي. على العراق أيضا الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية"، التي لديها ولاية قضائية على هذه الجرائم. يمكن أن تساعد الرقابة الدولية في إنشاء نظام موثوق، يساهم في التحقيقات المستقلة والحيادية في هذه الانتهاكات الخطيرة. الأهم من ذلك كله، أن الدولة تحتاج إلى ملاحقة المقاتلين المسيئين وقادتهم.
معركة شاقة لتحقيق المساءلة
إذا كانت الدولة العراقية تسعى لبسط سيطرتها على الحشد الشعبي، فعلى مقاتليها الخضوع للانضباط والعدالة ضمن سلسلة القيادة.
في خطوة واضحة للسيطرة على الميليشيات التي تشكل الحشد الشعبي، وقع رئيس الوزراء حيدر العبادي أمرا في 22 فبراير/شباط ليجعل القوات "منظمة عسكرية مستقلة وجزءا من القوات المسلحة العراقية"، مسؤولة منه كقائد أعلى للقوات المسلحة. ولكن التنظيم الجديد يواجه مهمة شاقة لإثبات أنه يستطيع السيطرة الفعالة على الميليشيات غير المنضبطة على أرض الواقع.
جمال الإبراهيمي، نائب رئيس لجنة الحشد الشعبي، وهي وكالة حكومية أنشئت للإشراف على القوات، هو المسؤول عن إدارتها الفعلية. قال لي الإبراهيمي، المعروف باسم أبو مهدي المهندس، في بغداد أواخر مارس/آذار، إن القوات كانت مثل الطفل الذي تعلم المشي للتو. ما يؤرق نومه، حسب ما قال، هو كيفية تحويل هذه القوة المنقسمة التي يهيمن عليها الشيعة إلى مؤسسة وطنية "تنتمي إلى الدولة".
قال إنه، لذلك، حارب بشدة للسماح للسنة النازحين من منطقة العظيم، وهي بلدة في منطقة تسيطر عليها الميليشيات، بالعودة لمنازلهم. كما أنها السبب في اتفاقه مع سليم الجبوري، رئيس البرلمان السُّني، على تعيين 900 من المقاتلين السنة في القوة من محافظة ديالى، حيث حصدت الاشتباكات بين السنة والشيعة العديد من الأرواح. وعموما، فإن العدد المخطط له 120 ألف رجل مسلح سيشمل قرابة 30 ألف سني، وفقا لمسؤولين في لجنة الحشد الشعبي.
قال يوسف الكلابي، المتحدث العسكري باسم قوات الحشد الشعبي لـ هيومن رايتس ووتش، إن القوات تفحص المتطوعين، بما في ذلك المليشيات الحالية – وهي كلمة لا تعجبه لأن الدستور العراقي يحظر الميليشيات - ولها دائرة قانونية تضم 20 عضوا مع 100 ضابط ارتباط في الوحدات المقاتلة. وقال الكلابي إن المستشارين القانونيين أكملوا الدورة التدريبية حول قوانين الحرب.
مع ذلك، عندما سألنا كاظم العيساوي، قائد سرايا السلام، إحدى القوات المقاتلة التابعة لرجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر، عن الشكل الذي يتخذه توحيد القيادة، قال إن سرايا السلام "لا تتلقى الأوامر" بل تنسق مع مجموعات أخرى في ساحة المعركة. قال إنهم يجرون تدريب الضباط الخاص بهم، بما في ذلك تلك المتعلقة بقوانين الحرب "في مكان سري."
قال الكلابي إن المقاتلين يرتدون زي الميليشيات الخاصة بهم لأن الزي الموحد الجديد غير متاح بعد. كما عرض ما قال إنه شارة تعريف جديدة خاصة بقوات الحشد الشعبي، لحماية الأفراد من "المحتالين" الذين ينفذون عمليات خطف وابتزاز وغيرها من الجرائم تحت الإدعاء أنهم من الحشد الشعبي. لكن العيساوي قال إنه لم يسبق له أن رأى واحدة منها وأن مقاتليه لا يحملونها.
تبين الرقابة المهتزة للجنة الحشد الشعبي على الميليشيات مشكلة تتجاوز الشارات، والزي الرسمي، والتدريب. فهذا يعني أنه لا توجد مساءلة.
قال عدد من المسؤولين إن الحكومة أنشأت في أوائل عام 2015، سجنا خاصا للمجرمين من قوات الحشد الشعبي، والذي يضم الآن 300 محتجزا أو مُدانا حيث يقضي بعضهم أحكاما بالسجن لأكثر من 10 أعوام. أخبرنا القاضي عبد الستار البيرقدار، المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى، أن المقاتلين حوكموا كمدنيين على يد قاضٍ معين خصيصا لهذه القضايا في المحكمة الجنائية المركزية. وقد يتغير هذا مع النظام الساري في فبراير/شباط 2016، الذي يتطلب رتبا وتقسيمات عسكرية لأفراد الحشد الشعبي.
نفى الكلابي والبيرقدار أن التهم ضد المقاتلين المعتقلين تتعلق بحالات الاختفاء القسري والإعدام، أو أعمال الهدم واسعة النطاق للمباني - انتهاكات لقوانين النزاع المسلح - من قبل الميليشيات حول بلدة آمرلي التي وثقتها هيومن رايتس ووتش في أواخر 2014، أو حول تكريت في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2015. وأضاف العيساوي أن "ميليشيات أخرى" هي المسؤولة عن قطع الرؤوس وممارسات الأرض المحروقة.
في مارس/آذار، شارك مقاتلو الحشد الشعبي في الاستيلاء على منطقة صحراء الجزيرة الواقعة غرب نهر دجلة. أطلعنا مهند العقاب، المدير الإعلامي في الحشد الشعبي، على مقاطع فيديو تُبين فارين من العرب السنة يدلون بشهاداتهم حول حسن المعاملة التي تلقوها على يد الحشد الشعبي. قال المهندس والكلابي والبيرقدار، كل على حدة، إن القضاة ذهبوا للإشراف على احتجاز أفراد يشتبه بانتمائهم لداعش في حملة الجزيرة.
لكن آخرين وصفوا استمرار الانتهاكات. قال أحد مقاتلي الميليشيات إنه شارك في إعدام أكثر من 90 رجلا سنيا على يد الميليشيا التي ينتمي إليها، بعد ان اعتقلتهم من منطقة الجزيرة في وقت سابق من مارس/آذار. وقال عضو قيادة عسكرية متخصصة في تكريت إن في الوقت نفسه اعتقلت الميليشيات وأساءت معاملة آلاف العائلات في الجزيرة، ودمرت منازل ومساجد للسنة، وكذلك نفذت بعض أحكام الإعدام.
لغاية الآن، بينما تبني لجنة الحشد الشعبي هياكل قيادتها، ما زالت السيطرة على تصرفات المقاتلين واهية. ويبدو أن المساءلة ما تزال بعيدة المنال. في سبتمبر/أيلول 2015، أطلقت ميليشيا مجهولة سراح عمال بناء اتراك مختطفين بعد مفاوضات مع الحكومة. في أكتوبر/تشرين الأول، تبنى "جيش المختار" قصفا بالصواريخ على معسكر لجماعة معارضة إيرانية قرب بغداد. في يناير/كانون الثاني 2016، تورط "فيلق بدر" و"عصائب أهل الحق" في عمليات القتل الانتقامية ضد السنة في محافظة ديالى. وقال المسؤولون إنه لم تُفتَح أي تحقيقات في هذه الجرائم ضد المدنيين. عندما سألنا رئيس الوزراء العبادي لماذا لم يتم ذلك، أجاب: "هل تريد أن ترى الميليشيات التي تقاتل في شوارع بغداد؟"
نيل الاعتراف من الحكومة لا ينبغي أن يكون ثمنه الحرية في ارتكاب الاعتداء، بل الالتزام بقوانين الحرب وتطبيقها الصارم. وإلا سيبقى المدنيون العراقيون عالقين بين الإبادة الجماعية التي تنفذها داعش ومجرمي الحرب الذين يقاتلونها تحت لواء الدولة.