(بيروت) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن قانون مكافحة الإرهاب الجديد في مصر يمنح السلطات مزيدًا من الصلاحيات لفرض عقوبات قاسية، منها عقوبة الإعدام، على الجرائم المنصوص عليها في تعريف الإرهاب الذي ورد في صياغة فضفاضة، قد تشمل العصيان المدني. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد صادق على القانون في 15 أغسطس/آب 2015.
كما يعطي القانون الجديد للنيابة العامة سلطة أكبر لاحتجاز المشتبه بهم دون مراجعة قضائية، ويسمح بفرض مراقبة واسعة النطاق وبشكل غير محدود على المشتبه بهم في أعمال إرهابية دون إذن من المحكمة.
قال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "بتبني هذا القانون الجديد، خطا الرئيس المصري خطوة كبيرة نحو فرض حالة الطوارئ كقانون يحكم البلاد. كما جهزت الحكومة نفسها بصلاحيات أكبر للاستمرار في القضاء على منتقديها ومعارضيها في إطار مُسمى الحرب على الإرهاب الفضفاض الذي ما فتئ يتسع أكثر فأكثر".
يُجرّم القانون نشر أو ترويج أخبار تتعلق بالإرهاب مناقضة لبيانات وزارة الدفاع الرسمية، ويسمح للمحاكم بتعليق نشاط الصحفيين الذين يقومون بذلك بشكل مؤقت. كما يفرض القانون على كل من يثبت أنه سهّل أو حرّض أو وافق على وقوع جريمة إرهابية غامضة التعريف ـ في فضاء عام أو خاص على حدّ سواء ـ نفس العقوبة التي تفرض على مرتكبها، حتى وإن لم تحدث الجريمة. كما جعل القانون الإرهاب جريمة لا تسقط بالتقادم.
لا يوجد في مصر مجلس نواب يصوغ القوانين منذ أن تم حلّ البرلمان بقرار من المحكمة في 2012. وفي غياب البرلمان، أصدر السيسي ما لا يقلّ عن 175 قانونًا ومرسومًا منذ توليه الرئاسة في يونيو/حزيران 2014. وقامت الحكومة بشكل متكرر بتأجيل الانتخابات لاختيار برلمان جديد. وينص القانون على أن البرلمان الجديد أمامه 15 يومًا فقط منذ انعقاد جلسته الأولى لمراجعة وتعديل جميع التشريعات التي تم تبنيها في غيابه قبل أن تصير نهائية.
أحيت الحكومة النقاش المتعلق بمشروع قانون مكافحة الإرهاب، الذي اقتُرح عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي على يد الجيش، بعد اغتيال النائب العام هشام بركات في 29 يونيو/حزيران 2015 في تفجير بسيارة مفخخة في القاهرة. وقال السيسي في خطاب ألقاه في جنازة بركات في 30 يونيو/حزيران إن "يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين، ولا يمكننا انتظار هذا"، ووعد بتعديل القوانين التي تسمح بـ"تنفيذ القانون والعدالة في أسرع وقت ممكن".
منذ الإطاحة بـ مرسي، ركزت الحكومة حملتها على الإخوان المسلمين، الجماعة التي كان ينتمي إليها، واعتقلت الآلاف من أعضائها، وأصدرت المحاكم مئات أحكام الإعدام في حقهم. وفي يوم جنازة بركات، اتهمت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الجماعة باغتياله، وهو ما اعتبره الإخوان المسلمون "افتراء"، دون تقديم أي أدلة.
صنفت الحكومة المصرية جماعة الإخوان كجماعة إرهابية في ديسمبر/كانون الأول 2013 وأبريل/نيسان 2014. وفي فبراير/شباط 2014، أعلنت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، التي تنظر عادة في المسائل المدنية المؤقتة، الإخوان كجماعة إرهابية، ولكن الحكم مازال في طور الاستئناف، وقال محللون قانونيون إن المحكمة ربما تجاوزت اختصاصها. ورغم أن المحاكم المختصة في مصر لم تصنف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، إلا أن النيابة العامة رفعت آلاف الدعاوى التي تتهم أعضاء من الجماعة بالإرهاب والانتماء إلى منظمة إرهابية.
قال نديم حوري: "يُظهر اغتيال بركات والنزاع الدائر في شبه جزيرة سيناء أن الحكومة المصرية تواجه تمردًا خطيرًا ومميتا، ولكن القضاء على الحقوق الأساسية وقمع المعارضة واستخدام ’الإرهاب‘ كأداة ضغط على المعارضين لا يمكن أن تكون وسيلة في معركة كسب القلوب والعقول".
أحكام قانون مكافحة الإرهاب الجديد في مصر
حافظ القانون الجديد رقم 95 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب إلى حدّ كبير على التعريف الفضفاض للإرهاب الوارد في قانون العقوبات المصري. وبحسب هذا التعريف، يشمل "العمل الإرهابي" أي "استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع" الذي يهدف، من بين ما يهدف إليه، إلى:
الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر... أو تعريض... (حريات الأفراد) أو حقوقهم... للخطر... أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو الأمن القومي، أو إلحاق الضرر بالبيئة... أو بالمباني أو بالأملاك... أو منع أو عرقلة الجهات أو الهيئات القضائية أو مصالح الحكومة (أو غيرها)... من القيام بعملها أو بعض أوجه نشاطها.
يتجاوز هذا القانون بشكل كبير تعريف الإرهاب الذي اعتمده مجلس الأمن بالإجماع في 2004 والذي أقرّه المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان في وقت لاحق. وينص ذلك التعريف على أن الإرهاب عمل يُرتكب بقصد القتل وإحداث إصابات بدنية خطيرة، أو أخذ رهائن بهدف تخويف أو ترويع السكان أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على شيء ما.
كما يتعارض قانون مكافحة الإرهاب الجديد في مصر مع مبدأ أساسي في القانون الدولي لحقوق الإنسان ينص على أن تُصاغ القوانين بشكل دقيق وتُفهم على أنها ضمانة ضدّ الاستخدام التعسفي، وتُعرّف الناس على الأعمال التي تعتبر جرائم.
سيشمل قانون مكافحة الإرهاب الجديد كل شخص أو جماعة مصنفة إرهابية، بموجب قانون الكيانات الإرهابية، الذي صدر في فبراير/شباط 2015، والذي حدد الإجراء الذي تعتمده المحاكم للموافقة على إعلان النيابة العامة لأشخاص أو جماعة معينين بأنهم إرهابيين. يُذكر أن منظمات حقوقية مصرية وجهت انتقادات شديدة لقانون الكيانات الإرهابية لأنه اعتمد على تعريف غامض للإرهاب، وهو تعريف مماثل للتعريف المعتمد في قانون مكافحة الإرهاب الجديد.
ينص قانون مكافحة الإرهاب على عقوبة الإعدام في حوالي عشرة أعمال مختلفة، وتكون هذه العقوبة إلزامية في حق كل من يُدان بتمويل جماعة إرهابية أو عمل إرهابي. ومن الأعمال الأخرى التي قد تنجر عنها عقوبة الإعدام، إذا تسببت في الوفاة، تصنيع الأسلحة، وإلحاق الضرر بشبكات الغاز والمياه والكهرباء، وإجبار شخص ما على الانخراط في جماعة إرهابية أو البقاء فيها. ولا ينص القانون على أن يكون القتل متعمدًا. وبموجب القانون الدولي، فإن الدول التي تحافظ على عقوبة الإعدام مطالبة بالحد من تطبيق هذه العقوبة في الجرائم الخطيرة فقط. تُعارض هيومن رايتس ووتش عقوبة الإعدام في جميع الظروف كعقوبة لا رجعة عنها نظرا لطبيعتها اللاإنسانية.
كما يُجرّم القانون الالتحاق بمجموعة إرهابية أو المشاركة فيها، مع العلم بأهدافها، وينص على عقوبة بالسجن لفترة لا تقل عن عشر سنوات في حق كل عضو فيها حصل على تدريب عسكري أو أمني. وتتكون المجموعة الإرهابية من ثلاثة أشخاص على الأقل.
يفرض القانون عقوبات صارمة على من يُحرّض أو ينشر أفكارًا تُساند ما يُعتبر في مصر إرهابًا، ومن المحتمل أن يشمل ذلك أشكال التعبير الخاص المعارض للحكومة. وتنص المادة 8 من القانون على أن "يُعاقب على التحريض على ارتكاب أية جريمة إرهابية... وأيا كانت الوسيلة المستخدمة فيه" بذات العقوبة المقررة للجريمة نفسها، بغض النظر عما إذا كان التحريض "عامًا علنيًا أو غير علني"، أو "لم يترتب عليه أثر".
رغم أن القانون الدولي يسمح للحكومات بحظر التعبير الذي يُشجع بشكل مباشر على ارتكاب جريمة ما، أو الذي يرمي إلى وقوع عمل إجرامي، حتى إن لم تحصل الجريمة فعلا، اقترح مقرر الأمم المتحدة الخاص بمكافحة الإرهاب أن تتبنى الدول تعريفًا محددا للتحريض يتم بموجبه تجريم نشر رسالة للجمهور فيها تحريض على ارتكاب عمل إرهابي، وتتسبب في "خطر" وقوعه. يُذكر أن بلدانًا مثل تونس والأردن ولبنان تُجرّم جميعها التحريض على الإرهاب الذي يتم في إطار عام أو يتسبب في عمل إرهابي.
يتجاوز قانون الإرهاب الجديد في مصر هذا الإطار ليُجرّم التحريض الخاص الذي لا يكون له مفعول، وذلك بربطه بتعريف للإرهاب يشمل استخدام القوة أو التهديد لـ "الإخلال بالنظام العام" أو "الإضرار بالوحدة الوطنية"، وهو ما يُمكن أن يُفهم على أنه يشمل العصيان المدني. يُذكر أن السلطات المصرية حاكمت العديد من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين بجرائم إرهابية بسبب المشاركة في اعتصامات أو غلق طرقات أثناء الاحتجاجات. وعملا بقانون الإرهاب الجديد، قد يواجه كل شخص يشجع شخصًا آخر على المشاركة في مثل هذه الأعمال المحاكمة.
كما يفرض القانون قيودًا أخرى على حرية التعبير في المادة 35 التي تنص على معاقبة كل من يقوم بنشر أو ترويج أخبار "غير حقيقية" عن أعمال إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع بغرامة مالية تتراوح بين 200 ألف و500 ألف جنيه مصري (بين 25 ألف و64 ألف دولار أمريكي). وإذا قام شخص ما بنشر مثل هذه الأخبار في إطار عمله، تستطيع المحكمة تعليق نشاطه لمدة تصل إلى سنة كاملة. ويفرض القانون أيضًا عقوبة بالسجن لفترة لا تقل عن خمس سنوات في حق كل من يستخدم موقعا على شبكة الانترنت للترويج لأفكار أو معتقدات تدعو إلى ارتكاب أعمال إرهابية.
عارضت نقابة الصحفيين المصرية بشدّة مسودة سابقة من المادة 35 كانت تنص على عقوبة السجن في حق كل من يقوم بنشر أخبار خاطئة عن عمليات مكافحة الإرهاب. كما انتقد المجلس الأعلى للقضاء، وهو الهيئة الإدارية للسلطة القضائية، عدة نقاط في مشروع القانون، بما في ذلك تقصير آجال النقض. ويبدو أن كلا الطرفين نجح في إقناع الحكومة في الحد من بعض التغييرات.
منح القانون سلطات هامة للنيابة العامة عبر إزالة الرقابة القضائية التي كانت تخضع لها بعض أعمالها. فالمادة 46 تسمح للنيابة والمحققين الآخرين بالإذن بمراقبة اتصالات المشتبه بهم في أعمال إرهابية وتسجيلها، واستخدام الانترنت و"ما يجري في الأماكن الخاصة"، دون الحاجة إلى أمر من المحكمة، لفترات تدوم 30 يوما، قابلة للتجديد بشكل غير محدد. في السابق، كان تفتيش المنازل ومراقبة الأشخاص من سلطات قضاة التحقيق. وأنشأ القانون محاكم خاصة غير معرّفة في صلب السلطة القضائية العادية للنظر في قضايا الإرهاب.
كما حدّ القانون من دور القضاة بمنح سلطة أكبر للنيابة العامة لتأذن باحتجاز الأشخاص في القضايا المتعلقة بالإرهاب. وبموجب القانون الجديد، يُمكن للضابط الذي ينفذ عملية الاعتقال احتجاز المشتبه به في عمل إرهابي لمدة 24 ساعة دون إذن، ثم يُمكن للنيابة العامة أن تأمر باحتجازه لمدة سبعة أيام إضافية دون مراجعة قضائية. ويمنح القانون للنيابة مسؤولية الإشراف على الاحتجاز السابق للمحاكمة الذي ينص قانون العقوبات المصري، الذي تم تعديله مؤخرًا، على إمكانية تجديده لفترة تصل إلى سنتين في القضايا التي يواجه فيها المشتبه به السجن المؤبد أو الإعدام. في السابق، كان قاضي المحاكم التي تنظر في الجرائم الصغرى هو الذي يشرف على المراجعة، ويصدر أحكامه في قرارات الاحتجاز، رغم أن المحاكم كانت، على أرض الواقع، دائما توافق على طلبات النيابة العامة باحتجاز آلاف الأشخاص الذين قبض عليهم بعد عزل مرسي.
عملا بالقانون المصري، يستطيع المشتبه به الطعن على احتجازه لدى محكمة مختصة، عليها أن تصدر حكمها في غضون ثلاثة أيام. ويتعين على الضابط الذي ينفذ عملية الاعتقال إعلام المشتبه به بسبب اعتقاله، ولكن لا يحق لهذا الأخير الاتصال بأقاربه أو بمحام إلا إذا كان ذلك لا يمسّ بمصلحة الأدلة التي يتم جمعها.
قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق قيام الشرطة وضباط جهاز الأمن القومي التابع لوزارة الداخلية بإخفاء عشرات الأشخاص بشكل قسري، وبعضهم يُحتجز ويُمنع من الاتصال بمحام لمدة أسابيع، ثم يُتهم بجرائم إرهابية. ومن المحتمل أن يتسبب قانون مكافحة الإرهاب الجديد في جعل عمليات الاحتجاز من هذا النوع قانونية.
ينص أحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي، الذي ينطبق حتى في حالات الطوارئ، على أن يتم عرض الشخص المحتجز على قاض بشكل سريع لمراجعة احتجازه (وعادة ما يكون ذلك في غضون أيام من بداية الاحتجاز).
تمنح المادة 53 من القانون الجديد للرئيس المصري، بشكل يحاكي الصياغة التي يتضمنها قانون الطوارئ الذي يبلغ من العمر عقودًا من الزمن، سلطة اتخاذ "التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام" لمواجهة خطر الإرهاب أو عند حصول كارثة بيئية. ويشمل ذلك إعلان حظر التجول لمدة ستة أشهر أو إخلاء مناطق محددة، بعد الحصول على تصويت الأغلبية في البرلمان في غضون سبعة أيام، أو موافقة الحكومة إذا كان البرلمان غير منعقد.