(نيويورك) ـ قرار المحكمة الجنائية الدولية المتعلق بالموافقة على طلب ليبيا محاكمة عبد الله السنونسي، رئيس المخابرات السابق، في بلاده جاء في خضم انهيار شبه كامل لمنظومة العدالة في ليبيا. وتتم حاليًا محاكمة السنوسي في ليبيا بتهم متعددة منها جرائم خطيرة تتعلق بدوره المزعوم في محاولة إخماد انتفاضة 2011، رغم وجود شكوك كبيرة في سلامة إجراءات التقاضي المتخذة ضدّه.
وفي 24 يوليو/تموز 2014، أيدت إحدى دوائر الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية قرارًا سابقا صدر عن إحدى الدوائر التمهيدية يقضى بـ "عدم قبول" قضية السنوسي، وهو ما يسمح لليبيا بمحاكمته على أراضيها بتهم واردة في مذكرة الإيقاف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. ورفضت دائرة الاستئناف مطلب استئناف السنوسي، وأيدت حكم الدائرة التمهيدية لأنها خلصت إلى أن ليبيا أثبتت أنها بصدد التحقيق في نفس القضية المعروضة على المحكمة الجنائية الدولية، وأن لها القدرة والرغبة الكاملتين لمواصلة التحقيق. ويُعتبر هذا القرار نهائيًا وغير قابل للاستئناف.
قال ريتشارد ديكر، مدير برنامج العدالة الدولية: "صدر القرار المتعلق بـ السنوسي في وقت يستمر فيه النظام القضائي الليبي في مواجهة تحديات متصاعدة بوتيرة تبعث على القلق. ولم تفعل ليبيا الكثير لضمان حقوق السنوسي في سلامة الإجراءات، تمامًا كما لم تفعل مع آلاف المحتجزين الآخرين في جميع أنحاء البلاد، والذين لم يتمكنوا حتى من الاتصال بمحام".
في 24 أكتوبر/تشرين الأول، وجه قاض ليبي لـ عبد الله السنوسي، وسيف الإسلام القذافي، نجل معمر القذافي، وهو أيضًا مشتبه فيه لدى المحكمة الجنائية الدولية، و35 شخصًا آخرين، تهمًا بارتكاب جرائم خطيرة أثناء انتفاضة 2011، وأمر بمحاكمتهم. وفي 24 مارس/آذار، بدأت المحاكمة في محكمة خاصة في مؤسسة الإصلاح والتأهيل في منطقة الهضبة في طرابلس. وبعد ذلك، عقدت جلسات في 14 و27 أبريل/نيسان، و11 و25 مايو/أيار، و22 يونيو/حزيران، بينما تحدد موعد الجلسة القادمة في 18 أغسطس/آب.
وكشف تحقيق أجرته هيومن رايتس ووتش مؤخرًا أن ليبيا فشلت في ضمان حقوق السنوسي في سلامة الإجراءات. وفي 23 يناير/كانون الثاني، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع السنوسي في مكان احتجازه في مؤسسة الإصلاح والتأهيل في الهضبة. وقال السنوسي لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يتمكن من الاتصال بمحام من اختياره، وقال إنه خضع لجلسات استجواب متكررة دون الحصول على مساعدة قانونية. كما قال إنه لم يُعط فرصة الاطلاع على الأدلة المستخدمة ضدّه.
وأصدرت هيومن رايتس ووتش تقارير عن التحديات التي تواجه منظومة العدالة في ليبيا، وخاصة عجز الحكومة عن إخضاع جميع المحتجزين في المراكز التابعة للميليشيات لرقابتها، بمن فيهم سيف الإسلام القذافي. ومن التحديات الأخرى سوء معاملة المحتجزين، وفشل المسؤولين في تمكينهم من الاتصال بمحامين، وعدم إخضاع القضايا لمراجعة قضائية. وقالت هيومن رايتس ووتش إن لهذه المسائل تأثير كبير على احترام ليبيا للحقوق الأساسية للمتهمين، بمن فيهم عبد الله السنوسي.
كما صدرت تقارير على امتداد سنة 2013 حول تهديدات واعتداءات جسدية تعرض لها محامون ومُدعون وقضاة في بعض أنحاء ليبيا. وقامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق هذه الاعتداءات التي نفذتها ميليشيات وأشخاص مجهولو الهوية في بنغازي، ودرنة، والزاوية، ومصراتة. وقتل ما لا يقل عن أربعة قضاة ومدعين عامين من بين عشرات الآخرين الذين لقوا حتفهم في اغتيالات ذات دوافع سياسية نفذها أشخاص مجهولون في 2013. كما قام أشخاص مجهولون بمهاجمة قاعات المحاكم في العديد من الجهات. وفي 8 فبراير/شباط، اغتال أشخاص مجهولون عبد العزيز الحصادي، النائب العام السابق، في مدينة درنة شرق البلاد.
التصعيد الحالي في أعمال العنف في ليبيا قد يزيد من العراقيل التي يواجهها الانتقال الهش الذي تمر به البلاد. وشملت أعمال العنف قتالا بين ميليشيات ليبية متناحرة حول المطار في الأسابيع القليلة الماضية، قالت تقارير إعلامية إنه خلف العديد من القتلى وعشرات الجرحى. وأجبر هذا الوضع الأمني المتدهور الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات والشركات الدولية على سحب موظفيها من ليبيا بشكل مؤقت.
وعملا بالمادة 19(10) من معاهدة المحكمة الجنائية الدولية، يُمكن لمدعي المحكمة أن يطلب من قضاتها مراجعة قرار عدم القبول إذا توصلت إلى معطيات جديدة تدحض القاعدة التي اعتمدتها المحكمة عندما أصدرت قرارها.
وفي 21 مايو/أيار، أيدت نفس دائرة الاستئناف بالمحكمة الجنائية الدولية قرارًا سابقًا برفض طلب ليبي لمحاكمة سيف الإسلام القذافي في طرابلس. ولكن ليبيا لم تسلم القذافي للمحكمة الجنائية الدولية، رغم أنها مُلزمة بذلك. وفي 11 يوليو/تموز، لاحظت إحدى الدوائر التابعة للمحكمة الجنائية الدولية مرور أكثر من سنة على القرار الذي يُلزم ليبيا بتسليم القذافي إلى لاهاي، وأشارت إلى أنه يمكن للمحكمة أن تتخذ خطوات أخرى لضمان تعاون ليبيا معها.
تسمح المادة 87 من معاهدة المحكمة الجنائية الدولية للمحكمة بإصدار مذكرة عدم تعاون. ولأن المحكمة الجنائية الدولية لها ولاية على ليبيا لأن الملف أحيل عليها من قبل مجلس الأمن، يُمكن إرسال هذه المذكرة لمجلس الأمن للمتابعة. وبعد ذلك يكون لمجلس الأمن عددًا من الخيارات، بما في ذلك إصدار قرارات، أو عقوبات، أو بيانات رئاسية. يُذكر أن هيومن رايتس ووتش دعت ليبيا بشكل متكرر إلى تسليم القذافي إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وقال ريتشارد ديكر: "بعد أن عاشت البلاد شهرًا آخر من الفوضى التي قتل فيها قضاة ومحامون ومدعون، أصبح من الصعب أن نتصور أن ليبيا قادرة على إجراء أي محاكمة عادلة، ناهيك عن محاكمة بهذه الحساسية والأهمية. نحن نتطلع إلى أن يقوم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بمتابعة قضية عبد الله السنوسي عن كثب، وأن يطلب من المحكمة مراجعة قرارها إذا اقتضى الأمر ذلك".