Skip to main content

موجة من الاغتيالات السياسية في ليبيا

غياب المحاسبة يهدد بتصاعد العنف

(بيروت) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن ما لا يقل عن 51 شخصاً قد لقوا حتفهم في موجة اغتيالات آخذة في الاتساع، تبدو سياسية الدوافع، بمدينتي بنغازي ودرنة، في شرق ليبياغير المستقر. لم تلاحق السلطات أي شخص على هذه الجرائم، ولم تحتجز أي مشتبه به، على حد علم هيومن رايتس ووتش.

كان مقتل عبد السلام المسماري في 26 يوليو/تموز 2013 هو أول اغتيال لناشط سياسي منذ خلع معمر القذافي. وبدت عملية الاغتيال وكأنها علامة تحول في العنف، ذات عواقب وخيمة محتملة على استقرار ليبيا. يشمل الضحايا الآخرون قاضيان، و44 على الأقل من أفراد القوات الأمنية العاملين، الذين شغل معظمهم مناصباً في حكومة القذافي. كان ستة منهم على الأقل يحملون رتباً رفيعة في عهد القذافي.

قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "لقد تفاقم ما بدأ كعمليات اغتيال لأفراد الشرطة وجهاز الأمن الداخلي والمخابرات العسكرية، بفعل اغتيال قاضيين وناشط سياسي. ومن شأن الإخفاق في محاسبة شخص واحد أن يسلط الضوء على فشل الحكومة في بناء نظام فاعل للعدالة".

بحسب حالات وثقتها هيومن رايتس ووتش، بلغت الاغتيالات السياسية في بنغازي ودرنة الذروة في النصف الثاني من عام 2012، وعاودت بلوغها في يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز من عام 2013. ورغم وجود تقارير عن اغتيالات في أجزاء أخرى من البلاد، إلا أن أغلبها تركز في الجزء الشرقي.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع أقارب أو أصدقاء وشهود على صلة بثمانية من الضحايا. قال الأقارب لـ هيومن رايتس ووتش إن مسؤولي إنفاذ القانون الليبيين، بقدر علمهم، لم يقوموا بإجراء تحقيقات شاملة. وقالوا إن عناصر إنفاذ القانون لم يحققوا في مسرح الجريمة ولا استدعوا أية شهود محتملين أو قدموا للعائلات معلومات عن التحقيقات.

اعترف بعض موظفو إنفاذ القانون لـ هيومن رايتس ووتش بأنهم لم يتمّوا أي تحقيق، رغم أنهم حاولوا إجراء تحقيقات في عمليات الاغتيال. وقالوا إنهم يفتقرون إلى وسائل التحقيق المتقدمة، ويواجهون عقبات كثيرة بسبب الوضع الأمني السائد، وتنقصهم سبل استدعاء الشهود دون اللجوء إلى القوة الجبرية.

لم تقم أية مجموعة أو أفراد بتبني عمليات الاغتيال، كما فر الشخص الوحيد الذي تم الإعلان عن إلقاء القبض عليه.

في 23 يوليو/تموزقال وزير الداخلية خليفة الشيخ في مؤتمر صحفي إن "أشخاصا من أصحاب السوابق" وراء عمليات القتل. وقال إن هويات البعض منهم معروفة لكن لا يمكن الكشف عنها بما أن المعلومات سرية، وإن الحكومة تحقق وتجمع المعلومات.

في 28 يوليو/تموز قال صلاح الميرغني وزير العدل إن الحكومة عازمة على تقديم "المسؤولين عن الاغتيالات" في بنغازي ودرنة إلى العدالة. وقال إن الحكومة ستدرس قبول الدعم من فرق دولية للتحقيق الجنائي.

قال جو ستورك: "تستفيد أعداد كبيرة من الجماعات المسلحة والمجرمين من أصحاب الأجندات المختلفة من نظام ضعيف ومفكك لإنفاذ القانون، حيث يمكنهم قتل أفراد الشرطة أنفسهم، والقضاة، بمأمن من العقاب. ما لم تتخذ الحكومة خطوات عاجلة لتحويل تعهداتها إلى أفعال وإعطاء الأولوية لبناء وحدات الشرطة والتحقيق الجنائي، فثمة خطر حقيقي من تصاعد العنف أكثر".

حصيلة الموت
في غياب إحصاءات رسمية شاملة، قامت هيومن رايتس بالتحقيق وتوثيق مقتل 51 ضحية للاغتيالات التي تبدو سياسية، رغم أن العدد الحقيقي قد يكون على الأرجح أعلى. لا تشمل الحالات الموثقة اغتيالات ضباط قوات الأمن وأفرادها المرتكبة أثناء انتفاضة 2011 ضد القذافي. وعلى حد علم هيومن رايتس ووتش، يمثل هذا الجهد عملية التجميع الوحيدة للاغتيالات التي تبدو سياسية في شرق ليبيا منذ الإطاحة بالقذافي.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع عائلات وأصدقاء وشهود على مقتل ثمانية من الضحايا، وراجعت معلومات قدمها نشطاء وقضاة ووكلاء نيابة وتقارير إعلامية. كما وفرت إحدى الجمعيات الأهلية المحلية قائمة بـ12 عملية اغتيال واثنتين من عمليات الاختطاف بحق أفراد من قوة الشرطة ببنغازي. لم تستطع هيومن رايتس ووتش التحقق من رتبة ما لا يقل عن سبعة من الضحايا، وعلاقتهم بقوات الأمن الحكومية، أو تواريخ وفاتهم.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش، قُتل 12 من الضحايا على ما يبدو بفعل عبوات ناسفة استهدفت سياراتهم. أما الباقون فقد قتلوا بالرصاص، من سيارات مارة في أغلب الحالات، أمام منازلهم أو مقار عملهم أو في سياراتهم.

وفيما يلي بعض من أحدث عمليات الاغتيال، في يونيو/حزيران ويوليو/تموز. لم يتم التعرف على أي من الجناة:

  • في 30 يوليو/تموز قتل أحمد فراج البرناوي، قائد قوة حماية بنغازي، بفعل عبوة ناسفة استهدفت منزله في بنغازي.
  • في 26 يوليو/تموز قتل العقيد خطاب يونس الزوي، والعقيد متقاعد سالم السراح، بالرصاص في واقعتين منفصلتين في بنغازي.
  • في 8 يوليو/حزيران في بنغازي استهدفت عبوة ناسفة سيارة العقيد فوزي محمد علي البركي، أحد ضباط جهاز الأمن الداخلي السابقين في عهد القذافي، فأودت بحياته.
  • في 4 يوليو/تموز تسبب إطلاق الرصاص من سيارة، في محاولة ظاهرية لاغتيال العقيد حامد الحاسي، في قتل رجلين، مع نجاة الحاسي. كان الحاسي أحد ضباط القوات الجوية في عهد القذافي، وقاد الجناح العسكري لمجلس برقة الانتقالي، الحركة التي تطالب بحكم ذاتي للشرق الليبي.
  • في 26 يونيو/حزيران تسببت عبوة ناسفة مثبتة بسيارة جمعة المصراتي في قتله، وهو قائد لواء مشاة في الجيش الليبي وعمل كضابط مخابرات عسكرية في عهد القذافي. انفجرت سيارة المصراتي على بعد 150 متراً من منزله في بنغازي.

في يناير/كانون الثاني تم خطف عبد السلام المهدوي، رئيس قسم المباحث الجنائية بشرطة بنغازي، على يد مسلحين مجهولين في بنغازي. قالت عائلته لـ هيومن رايتس ووتش يوم 3 يوليو/تموز إنهم لم يتلقوا أي خبر عن مصيره. خُطف المهدوي بعد شهر من الاعتقال الوحيد الذي أجراه قسمه على ذمة الاغتيالات السياسية في بنغازي.

إخفاق الشرطة في التحرك
يتولى قسم المباحث الجنائية إجراء التحقيقات الجنائية وجمع الأدلة المادية وتحديد الشهود واستجوابهم وإحالة ملفات القضايا إلى مكتب النائب العام أو مكتب المدعي العسكري للملاحقة. لكنه لم يختتم تحقيقاته في أية واحدة من عمليات الاغتيال، ولا اختتمها في العشرات من حالات الخطف أو محاولات الاغتيال أو الاعتداء على المنشآت الشرطية والعسكرية في بنغازي في 2012 و2013، التي يبدو أنها جميعاً تتبع نفس النمط الذي تتبعه الاغتيالات السياسية المستهدفة لأفراد قوات الأمن بشكل رئيسي.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع شهود على الجرائم ومع أقارب وأصدقاء لثمانية من الرجال الذين اغتيلوا في بنغازي وكانوا يعملون بمختلف الأجهزة الأمنية في عهد القذافي قبل الانضمام إلى المعارضة المسلحة في تمرد 2011 الهادف لخلعه. قالت ست من العائلات إن الشرطة، ومكتب النيابة، والمدعي العسكري، أخفقوا في التحقيق أو في اختتام أي تحقيق أو في إبلاغ العائلات بما يحدث.

يضم الضحايا الثمانية فرج محمد إدريس الدرسي، وسليمان بوزريدة، ومحمد هدية الفيتوري. وقد قال أقاربهم لـ هيومن رايتس ووتش إنهم قتلوا بالرصاص في وقائع منفصلة على يد معتدين ملثمين يركبون سيارات، إما في أثناء تواجد الضحايا أمام منازلهم أو أثناء سيرهم في الطرقات. وقتل اثنان من أحدث الضحايا، وهما جمعة المصراتي وفوزي البركي، بفعل عبوات ناسفة مزروعة في سيارتيهما.

قال عز الدين عبد الحافظ الغويلي، القائم بأعمال رئيس قسم المباحث الجنائية بشرطة بنغازي، لـ هيومن رايتس ووتش أثناء مقابلة في يونيو/حزيران:

في غياب مؤسسات فاعلة للدولة، ووسط تكاثر للسلاح والجماعات المسلحة النشطة، لا يمكننا العمل وفق إجراءاتنا المعتادة. والمشكلة الرئيسية التي تواجهنا مع الشهود هي أنهم يشعرون بالخوف، وكثيراً ما لا يحضرون عند استدعائهم. ما زالت كافة قضايا الاغتيالات مقيدة ضد مجهول. لم نعد نعرف من هم أعداؤنا ـ فهم كثر.

وقال إن علي الفزاني، الشخص الوحيد الذي تم اعتقاله واحتجازه على ذمة الاغتيالات في بنغازي، قد تمكن من الفرار من السجن في طرابلس.

اعتقل الفزاني في 16 ديسمبر/كانون الأول 2012، واعترف في البداية بعدد من جرائم القتل، تشمل مقتل الدرسي، مدير أمن بنغازي، وجمعة الكاديكي، أحد ضباط القوات الجوية في عهد القذافي. بعد احتجاز الفزاني بقسم المباحث الجنائية في بنغازي، قام متظاهرون مسلحون بمهاجمة مقر القسم في 20 ديسمبر/كانون الأول، غضباً من تقارير تفيد بتعرض الفزاني للتعذيب.

قال الغويلي إن المهاجمين أحرقوا بعض أجزاء المبنى وسرقوا أثاثه وكاميرات المراقبة. قُتل أربعة أشخاص بينهم أحد ضباط الشرطة. وسارعت الشرطة في نقل الفزاني إلى مقر احتجاز الهضبة في طرابلس التابع لوزارة العدل والواقع داخل مقر قيادة الحرس الوطني. فر الفزاني من الهضبة في مايو/أيار وما زال مطلق السراح.

في 21 ديسمبر/كانون الأول أعلن وزير العدل الميرغني في مؤتمر صحفي أن مكتب النائب العام سيتولى التحقيق في مزاعم احتجاز الفزاني وتعذيبه. قال خالد الشريف، مدير مقر الاحتجاز بالهضبة في المؤتمر الصحفي، إنه لم يشهد على الفزاني أي أثر للتعذيب.

يظهر الفزاني في مقطع فيديو منشو على الإنترنت وهو يخضع للاستجواب، ويعترف على ما يبدو بأنه المسؤول عن اغتيال عدة أشخاص، بينهم الدرسي، وبأنه علم بمقتل عدد من الضباط الآخرين. يقول الفزاني في مقطع الفيديو إن قادة ميليشيات إسلامية عاملة في شرق ليبيا أصدروا أوامر بقتل الضباط السابقين، وإنهم استحلوا قتل ضباط الجيش والمنتسبين إلى الحكومة الحالية.

ثم يظهر الفزاني في مقطع فيديو ثان التقطه مجهولون ونشروه على الإنترنت بعد وصوله إلى طرابلس، وهو يسحبا عترافه، قائلاً إنه لم يقم باغتيال أحد وقد اعترف تحت التعذيب.

أنكر الغويلي اتهامات الفزاني بتعرضه للتعذيب أثناء احتجازه في عهدة مركز المباحث الجنائية ببنغازي.

لم تتبن أية مجموعة أو أفراد مسؤولية الهجمات. لكن استهداف معظم الهجمات لضباط من عهد القذافي في منطقتي بنغازي ودرنة، وتخطيط عمليات القتل وكفاءة تنفيذها، توحي، كما قالت هيومن رايتس ووتش، بصلة بعضها بالبعض، وبأنها جزء من حملة تستهدف أشخاصاً لهم ملف سياسي محدد.

قام محمد الحجازي، المتحدث الرسمي باسم عمليات بنغازي الأمنية المشتركة، وهو جهاز أمني يتولى التنسيق بين تحركات الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات، بتسليط الضوء على المشاكل التي تواجهها السلطات عند التحقيق في الجرائم منذ خلع القذافي. قال الحجازي لـ هيومن رايتس ووتش في يوليو/تموز إن السلطات "تواجه عقبات كثيرة" حينما "تحاول إجراء تحقيقات" ولم توفر لها الوسائل اللازمة لهذا. وقال إن "نوعيات المجرمين والأساليب المستخدمة" تغيرت في الأشهر الأخيرة، وصارت "أكثر خطورة". لم تبدأ القوات إلا مؤخراً في تسلم الوسائل والمعدات اللازمة لإجراء التحقيقات، بحسب قوله.

قال وكيل نيابة في بنغازي لم يرغب في ذكر اسمه لـ هيومن رايتس ووتش إن قضايا القتل غير المشروع المقيدة ضد مجهول "عالقة حالياً عند مستوى تحريات الشرطة"، وإن وكلاء النيابة لا يمكنهم التحقيق إلا عند توصلهم إلى "الأدلة، والشهود لاستجوابهم". وأكد غياب "تعداد" رسمي لقضايا الاغتيالات، وقال إنها ترجع إلى انتفاضة مطلع عام 2011 ضد معمر القذافي، حيث ارتكبت أول جريمة قتل من هذه النوعية في مارس/آذار 2011.

وقال إن مكتب النائب العام يتعامل مع القضايا على أساس فردي ولا يربط القضايا بعضها ببعض إلا حين ينفذها الشخص نفسه. قال وكيل النيابة "لا يمكنني إجراء عملي حسب الأهواء ـ فأنا بحاجة لحقائق صلبة". يتمتع مكتب النائب العام بموارد محدودة للتحقيق، ويواجه المصاعب في توسيع التحقيقات وإدراج الأدلة الجنائية، بسبب غياب الأدوات الأكثر تطوراً، مثل "فحوص الحمض النووي، الموجودة في طرابلس فقط" بحسب قوله.

كما قال بشأن سلطة النيابة في استدعاء الشهود واستجوابهم: "الواقع هو أنه رغم قدرتنا على إصدار أوامر الضبط والإحضار إلا أنه لا يوجد من ينفذها، ولا من يذهب للإتيان بشخص للاستجواب. من سيفعل هذا؟ إن عملنا يعتمد إلى حد بعيد على التعاون مع الشرطة وأجهزة المخابرات".

مشكلات أمنية أوسع نطاقاً
ينبغي النظر إلى الاغتيالات في سياق غياب عام للأمن في بنغازي وبقية المنطقة الشرقية، وبخاصة درنة.

منذ انتهاء نزاع عام 2011، شهدت بنغازي هجمات واسعة النطاق من قبل مليشيات مختلفة على مقار أجهزة الأمن الحكومية ومواقع الجيش، علاوة على اشتباكات مسلحة بين فصائل المليشيات واعتداءات على بعثات دبلوماسية أجنبية. في 8 يونيو/حزيران، أدت أحدث الاشتباكات واسعة النطاق في بنغازي إلى وفاة 32 شخصاً، معظمهم من المتظاهرين، وأفراد وحدة القوات الخاصة التابعة للجيش، وأفراد المليشيات، فيما صار معروفاً بأحداث "السبت الأسود".

كما كانت البعثات الدبلوماسية الأجنبية والمنظمات الدولية أهدافاً للعنف منذ 2012. في أحدث الوقائع، في يناير/كانون الثاني، فتح مسلحون النار على سيارة القنصل الإيطالي في بنغازي. وفي أبريل/نيسان 2012، اعتدى مجهولون على قافلة في بنغازي تقل إيان مارتن، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، وفي يونيو/حزيران 2012، هاجم معتدون قافلة تابعة للسفارة البريطانية.

في مايو/أيار 2012، تعرض مكتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر للهجوم، وتبنته ميليشيا باسم "كتائب الشيخ الأسير عمر عبد الرحمن"، متهمة الصليب الأحمر بممارسة أعمال التبشير بالمسيحية، بما فيها توزيع نسخ من الكتاب المقدس. لم تتم ملاحقة أحد على الهجوم.

في 11 سبتمبر/أيلول 2012، قامت جماعات مسلحة بمهاجمة القنصلية الأمريكية في بنغازي، فقتلت السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة من مساعديه. نتيجة لهذا، سحبت البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية وجودها الدائم من بنغازي. وفي مايو/أيار نشرت المباحث الفدرالية الأمريكية صور ستة أشخاص كانوا موجودين أثناء الهجوم على مجمع القنصلية الأمريكية. لم يتم الإعلان عن اتهام أحد بجرائم القتل، ولم يختتم مكتب النائب العام التحقيقات في تلك القضايا حتى الآن. أفادت وسائل إعلام أمريكية في 7 أغسطس/آب أن وزارة العدل الأمريكية تقدمت باتهامات بالقتل في القضية لكن يبدو أنه لم يتم القبض على  أحد على ذمة القضية في ليبيا.

تبدو بعض اغتيالات الضباط بين 2012 و2013 على صلة بمقتل اللواء عبد الفتاح يونس، رئيس أركان الكتائب المعارضة للقذافي، والعاملة تحت راية المجلس الوطني الانتقالي، في 28 يوليو/تموز 2011.

تم العثور على أحد قضاة بنغازي العسكريين، الذي كان في يوليو/تموز 2011 قد استدعى يونس من الجبهة للاستجواب بشأن استمرار صلاته المزعومة بالنظام السابق، مقتولاً هو واثنين من مساعديه في 28 يوليو/تموز 2012. كما اغتيل جمعة عبيدي الجازوي، وهو أحد القضاة الثلاث المكلفين بالتحقيق في مقتل يونس، في يونيو/حزيران 2012، على أيدي معتدين مجهولين أمام أحد مساجد بنغازي.

قال أقارب سليمان بوزريدة، رئيس المخابرات العسكرية، ومحمد هدية الفيتوري مسؤول السلاح والذخيرة في الجيش الوطني، إن كلا الرجلين شغل منصبه بتعيين مباشر من يونس، بعد قليل من اندلاع انتفاضة 2011. قتل بوزريدة قرب منزله في بنغازي في يوليو/تموز 2012، وقتل الفيتوري في بنغازي في أغسطس/آب 2012.

استدعت المحكمة العسكرية في بنغازي مصطفى عبد الجليل، الرئيس السابق للمجلس الوطني الانتقالي، لاستجوابه بشأن دوره المزعوم في الموافقة على "اعتقال" يونس. وبعد جدل واسع النطاق، أسقطت المحكمة قضيتها بحق عبد الجليل وأحالتها إلى المحكمة العسكرية العليا. لم يتم الإعلان عن أي تقدم جديد في التعرف على قتلة يونس.

شهادات من أقارب وأصدقاء
كان المقدم عبد السلام المهدوي، 45 سنة، يرأس قسم المباحث الجنائية بشرطة بنغازي. قام ملثمون مجهولون بخطفه في 2 يناير/كانون الثاني 2013، بينما كان يقود سيارته مع بعض المعارف بأحد شوارع بنغازي المزدحمة بعد العمل. وكان المهدوي هو عضو المجموعة الوحيد الذي تم إخراجه من السيارة وأخذه إلى وجهة غير معلومة. عمل المهدوي، وهو أب لثلاثة أطفال، بقسم المباحث الجنائية لمدة 10 سنوات، وتم تعيينه رئيساً له قبل اختطافه بأربعة أيام فقط. لم يتبن أحد المسؤولية عن عملية الاختطاف، ولم يجر اعتقال أي شخص.

قال شقيقه، أسامة المهدوي، لـ هيومن رايتس ووتش:

لم نسمع شيئا طيلة ستة أشهر. لم يتصل بنا أحد. لم يتقدم أحد بأية مطالب.. ذهبنا إلى قسم المباحث الجنائية وأودعنا شكوى، وتم تشكيل لجنة تحقيق، لكن أحداً لم يعتقل على ذمة قضية أخي حتى تاريخه. الجماعات المسلحة أقوى من المحاكم.

قال عبد الله ديبوس، صديق المهدوي الذي كان معه في السيارة، لـ هيومن رايتس ووتش:

بعد الواقعة ذهبنا [الشاهدان] رأساً إلى المباحث الجنائية للإبلاغ عنها. طرحوا علينا أسئلة، وفي اليوم التالي استدعينا ثانية للمباحث الجنائية للمزيد من الأسئلة. لم يتصل بنا مكتب النائب العام قط. ورغم أن العائلة طلبت من وزارة الداخلية تشكيل لجنة للتحقيق في الحادث إلا أن شيئاً لم يحدث حتى الآن.

كان فرج محمد إدريس الدرسي، 57 سنة، مدير أمن بنغازي وأباً لـ11 طفلاً. في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، قتله معتدون مجهولون بالرصاص أمام منزله بحي الصابري في بنغازي. سارعت عائلته إلى البوابة، لسماع طلقات نارية في ساعة متأخرة من الليل بينما كان الدرسي يعود من عمله، لتجد جثته المرشقة بالرصاص. توفي الدرسي في مسرح الحادث، أمام بعض أبنائه. كان الدرسي في عهد القذافي عقيداً في مديرية أمن بنغازي [التابعة للشرطة]، وصار بعد الانتفاضة مدير مديرية أمن بنغازي، وهو المنصب الذي شغله حتى اغتياله.

قالت زينب عبد الكريم محمد، أرملة الدرسي، لـ هيومن رايتس ووتش إن زوجها تحدث لوسائل الإعلام عدة مرات عن نيته تخليص بنغازي من الجريمة والأسلحة غير المرخصة. وقالت، "عندها بدأت التهديدات. توسلت إليه حتى يتقاعد لكنه رفض". ورغم اتصال الجيران بالشرطة وغيرها من السلطات المختصة للإبلاغ عن جريمة القتل، إلا أن أرملة الدرسي قالت إنها لا تذكر رؤية أية قوات أمنية شرطية أو غير ذلك في المنطقة لإجراء تحريات أو استجواب شهود.

كان العميد محمد هدية الفيتوري، 63 سنة، مسؤول السلاح والذخيرة في الجيش الليبي بشرق ليبيا في عهد القذافي. احتفظ الفيتوري بمنصبه بعد نزاع 2011، بحسب أسرته، برغبة صريحة من اللواء يونس. قتل الفيتوري في 10 أغسطس/آب 2012، في رمضان، بينما كان يمشي مع أحد جيرانه المسنين عائداً من مسجد قريب.

قالت عائلة الفيتوري لـ هيومن رايتس ووتش إن أحد الشهود أبلغهم بأن المعتدين حاولوا في البداية دفع الفيتوري إلى سيارة منتظرة وهم يصيحون "خائن" و"كافر". وحين أخفقوا أطلقوا عليه الرصاص في الرأس والقلب واليد والساق. توفي الفيتوري على الفور. وقالت أسرته إن أحداً لم يعتقل، ولم يتم استجواب الشاهد الوحيد على الواقعة ـ الجار ـ بسبب ضعف صحته وتقدم سنه.

قالت أمل البرغتيال، أرملة الفيتوري، لـ هيومن رايتس ووتش في منزل العائلة ببنغازي في يونيو/حزيران 2013: "لم يأت أحد من السلطات إلى هنا لسؤالنا عن الواقعة المتعلقة بوفاة زوجي. ولم يتصل بنا أحد من النيابة. ليس لدينا علم بأي تحقيق".

قُتل العقيد سليمان بوزريدة، 60 سنة ووالد 10 أطفال، في 28 يوليو/تموز 2012، بينما كان يتجه إلى مسجد قريب من منزله. كان بوزريدة رئيس التحقيقات في وحدة المخابرات العسكرية في عهد القذافي، وترأس بعد ذلك مخابرات المتمردين العسكرية في في بنغازي أثناء نزاع 2011، وهو الدور الذي واصل القيام به حتى استقالته قبل شهر من وفاته. قالت عائلته لـ هيومن رايتس ووتش أثناء زيارة في يونيو/حزيران 2013 إن سيارة تقل عدة مسلحين، وبعضهم ملثمون، أطلقت الرصاص على بوزريدة في الوجنة والجبهة، بينما كانت تمر بجواره، فلقي حتفه على الفور.

تولى بوزريدة في عهد المجلس الانتقالي المنصب الذي كان يشغله عبد الله السنوسي، رئيس مخابرات القذافي، المحتجز في ليبيا وتطلبه المحكمة الجنائية الدولية في اتهامات بجرائم حرب أثناء نزاع 2011. شغل بوزريدة منصب رئيس المخابرات الحربية في 23 فبراير/شباط 2011، بعد أيام من اندلاع الانتفاضة واستيلاء المتمردين على بنغازي. قالت عائلته إن ثلاثة شهود على مقتل بوزريدة أدلوا بأقوالهم للشرطة عن الواقعة، لكنهم لا يعلمون بوقوع اعتقالات على ذمة القضية.

قالت أرملة بوزريدة إنها كانت تخاف على حياة زوجها بعد قبوله منصب رئيس المخابرات العسكرية في فبراير/شباط 2011، وإنها تشعر بخيبة أمل من الحكومة، التي "لم تفعل شيئا" للعائلة التي ما زال أفرادها لا يعرفون هوية القتلة.

قال يزيد ابن بوزريدة إن وكيل النيابة المسؤول عن القضية أبلغ العائلة بقدرته فقط على "جمع ملفات [القضية] في هذه المرحلة"، وبأنه لا يمتلك قوة عاملة كافية لإجراء أي "تحقيقات سليمة". وقال إن أحد شهود جريمة القتل الذي أدلى بأقوال للشرطة تعرض للتهديد في الشارع بعد وقت قصير على يد مجهولين، قالوا له "إذا قلت أي شيء [عن الواقعة] فسوف نقتلك":

لم يحضر أي ممثل للسلطات إلى الشارع الذي قتل أبي فيه لتوجيه أية أسئلة، لكننا [العائلة] أحضرنا بعض الشهود إلى قسم المباحث الجنائية للإدلاء بأقوالهم. في اليوم الثالث للعزاء بعد الجنازة، تعرض أحد الشهود للتهديد وقيل له إنه إذا تجرأ على قول أي شيء عن الواقعة فسوف يُقتل. نحن بالطبع نشك في أشخاص معينين على صلة بشبكات الإرهاب الإسلامية هنا في بنغازي أن يكونوا وراء الجريمة، لكننا لا نملك أدلة.

كان أنيس علي الجهاني، 22 سنة، طالباً وشقيق زوجة ناجي حماد، وهو ضابط شرطة وصاحب الدعوة إلى "جمعة إنقاذ بنغازي"، المظاهرة المناهضة للميليشيات في بنغازي والتي تم ترتيبها بعد الهجوم على القنصلية الأمريكية بقليل. قتل الجهاني في 3 ديسمبر/كانون الأول 2012، وكان يقيم مع شقيقته في بنغازي أثناء وجود حماد في طرابلس.

قال حماد لـ هيومن رايتس ووتش في يونيو/حزيران إن الجهاني كان في صباح 3 ديسمبر/كانون الأول 2012 يقوم بتسخين السيارة لتوصيل أخته إلى عملها حين أصابه رصاص مجهولين وتوفي جراء عدة طلقات نارية في الأطراف والصدر والرأس. قال شاهد واحد للعائلة إنه رأى أربعة مسلحين ملتحين في السيارة، كما قال أفراد العائلة. وقالوا إن الشرطة تحقق لكن لم يتم اعتقال أحد.

قال حماد إنه يعتقد أن شقيق زوجته قتل بطريق الخطأ، وأن القتلة كانوا يحاولون قتل حماد لنشاطه وموقفه الصريح من الميليشيات والإسلاميين.

التوصيات

إلى الحكومة الليبية:

  • إجراء تحقيقات محايدة وشفافة ومستقلة في كافة الاغتيالات المرتكبة في ليبيا منذ نهاية نزاع 2011 لخلع معمر القذافي، تؤدي إلى تحديد المسؤولين وملاحقتهم قضائياً؛
  • ضمان تواصل أي شخص يحتجز على ذمة هذه الاغتيالات مع ممثل قانوني، ومعاملته وفق المعايير الدولية لإجراءات التقاضي السليمة، بما فيها سرعة المراجعة القضائية وتوجيه الاتهام. والإعلان عن قائمة المحتجزين على ذمة الاغتيالات؛
  • ضمان الحماية لموظفي إنفاذ القانون أثناء جمع الأدلة وإجراءت التحقيق بأسرها؛
  • توفير حماية كافية للشهود، والمحامين، والقضاة، ووكلاء النيابة وموظفي المحاكم. وتزويد الشرطة القضائية والعسكرية بالتدريب والمعدات الكافية لضمان الأمن لجميع المشاركين في الإجراءات القضائية في المحاكم المدنية والعسكرية على السواء؛
  • تزويد أقسام المباحث الجنائية بالوسائل الكافية لإجراء التحقيقات المعقدة، بما في ذلك المعدات الضرورية والتدريب الكافي؛
  • تزويد عناصر البحث الجنائي بالتدريب الكافي للارتقاء بأدائهم إلى المعايير الدولية؛
  • التماس الدعم المالي والفني من الأمم المتحدة والحكومات المانحة لتدعيم البحث الجنائي في هذه الجرائم وغيرها.

إلى بعثة الأمم المتحدة في ليبيا:

  • ممارسة الضغط العلني على الحكومة الليبية للتحقيق مع المسؤولين عن هذه الاغتيالات وملاحقتهم.

إلى المجتمع الدولي ـ وبخاصة حكومات الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا:

  • توفير الدعم الفني لأقسام البحث الجنائي للتحقيق في عمليات الاغتيال منذ انتهاء انتفاضة 2011 ضد القذافي، لضمان المصداقية والشفافية للعملية؛ و
  • ضمان الدعم المالي لبرامج سيادة القانون والعدالة، لضمان تمكن المحاكم من العمل بنزاهة ووفق المعايير القانونية الدولية.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة