يواجه لبنان تحديات هي الأخطر من نوعها على مدار العقد المنصرم. الاقتصاد يعاني، والوضع الأمني الداخلي يتدهور، وجيران ذلك البلد يشكلون تهديدا حقيقيا. لكن ثمة فرصا في خضم كل هذا، ليس فقط في مجال النفط والغاز البحري المكتشف حديثا، بل إنها تكمن في براعة هذا الشعب.
الآن ونحن على أعتاب العام 2013، ما الذي يمكن عمله لمساعدة لبنان على التوحد، والتغلب على التحديات التي تواجهه والوصول للنمو في نهاية المطاف؟ على مدار هذا الأسبوع، سيتصدى ثمان من الشخصيات المؤثرة لسبعة مواضيع مهمة، وسيقدم كل منهم مقترحا لمساعدة البلد على المضي للأمام.. وفي هذه المقالة الأخيرة يدفع نديم حوري من هيومن رايتس ووتش بالحاجة إلى قانون لمكافحة التمييز.
مدفونة بعمق في الدستور اللبناني، هي تلك المادة التي غالبا ما تكون موضع تجاهل، وقد تم إدراجها في نهاية الحرب الأهلية عام 1989. إنها المادة 96 التي دعت لفترة انتقالية من أجل إلغاء الطائفية السياسية وإلغاء التمثيل الطائفي في الوظائف الحكومية والقضاء والمؤسسات الأمنية. ومع هذا، فبعد انقضاء ما يقرب من ربع قرن من الزمن، لم يفشل لبنان فقط في بدء تلك الفترة الانتقالية، بل ازداد التخصيص الطائفي للوظائف في جميع مستويات الإدارة الحكومية. وباتت الاعتبارات الطائفية أكثر شيوعا في العمل بالقطاع الخاص، والمعاملات التجارية، مثل المعاملات العقارية.
بالنظر للمستوى الحالي من الجمود السياسي والتوتر الطائفي، فمن غير المرجح أن تحدث أية انفراجة خلال عام 2013، من حيث إلغاء أو إصلاح الطائفية السياسية، لكن يمكن للبنان أن يحاول وقف حالة الانجراف الطائفي يوما بيوم، من خلال اعتماد قانون لمكافحة التمييز، يكفل المساواة في المعاملة لجميع اللبنانيين في العمل والمعاملات التجارية الخاصة، مثل تأجير وشراء المنازل. ويمكن وضع استثناء مؤقت في القانون لتخصيص المقاعد البرلمانية والمناصب العليا في الدولة، ليأخذ في اعتباره الترتيبات القائمة لتقاسم السلطة في الدستور.
وفي ظل غياب الرقابة، انتشرت دينامية الطائفية في لبنان كالسرطان عبر الإدارات الحكومية. فاليوم: تخضع أبسط التعيينات في الإدارات العامة لمساومات طائفية، مع النتيجة المتوقعة وهي أن المؤهلات من النادر أن تكون العامل الرئيس في الاختيار. إليك على سبيل المثال تعيين لجنة من ستة أعضاء للإشراف وتنظيم قطاع النفط والغاز ، فبدلا من التركيز على الخبرة، صبت الحكومة اهتمامها على ضمان أن يكون المعينين ممثلين للمجتمعات الستة التالية: الشيعة والسنة والدروز والموارنة والروم الكاثوليك والروم الأرثوذوكس، وسيكون بالتالي حظا عاثرا بالنسبة لأي خبير في النفط ينتمي لواحد من الـ12 مجتمع ديني الآخرين المعترف بهم في لبنان.
بعض البلديات أعلنت أنها سوف تمنع بيع الأراضي والمنازل من المسيحيين إلى المسلمين في مناطقهم، من خلال رفض التصديق على تلك المعاملات، ومن الشروط الضرورية لأي مالك جديد أن يقوم بتسجيل العقار. في يوليو/تموز 2011، وضعت بلدية الحدث في جبل لبنان لافتات تطلب من الناس عدم بيع أراضيهم أو منازلهم لأن البلدية لن تصدق على أي صفقة بيع. لم يكن ذلك محددا في اللافتات، لكنه كان واضحا للسكان المحليين، أن البلدية تحاول وقف عمليات البيع من قبل مسيحيي المنطقة إلى الشيعة، الذين كان عددهم قد زاد هناك.
تبرر البلديات مثل هذا السلوك التمييزي ، عبر التأكيد على أنه أمر ضروري لحماية مصالح المجتمع، وأنها ترغب في الحفاظ على "طابع" المنطقة. ويكرر الملاك وأصحاب العمل كثيرا من تلك التبريرات عندما يستعينون بالتمييز في اختياراتهم من المستأجرين أو الموظفين. يفضل العديد من الملاك أن يقوموا بالتأجير لمستأجرين من نفس الطائفة الدينية التي ينتمون لها، رغم أنه من النادر أن يعبروا صراحة عن ذلك، لكن الملاك عادة ما يطرحون بعض الأسئلة في البداية لتحديد الطائفة التي ينتمي إليها المستأجر المحتمل، والجواب غالبا ما يوثر على استعداد المالك للتأجير لهذا المستأجر.
تعمل تلك الدينامية بصورة منتظمة في سوق العمل، ففي الوقت الذي لا توجد فيه إحصاءات رسمية، تكثر الحكايا من أرباب العمل حول رفضهم لمتقدمين للوظائف؛ بسبب خلفياتهم الدينية.
بغض النظر عن دوافعها، فإن مثل هذه الممارسات لها ثمن حقيقي؛ فهي تميز ضد المواطنين، وتسهم في تحويل لبنان بشكل أكبر إلى مناطق طائفية مغلقة على ذاتها. والنتيجة سكان منقسمون على نحو متزايد ، ويقل التفاعل فيما بينها عبر الحدود المشتركة بين الجميع. فاليوم، إذا كنت مسيحيا، فربما تعيش وتعمل وتتسوق وتتناول الطعام في المناطق التي يشكل المسيحيون غالبية سكانها. والأمر ذاته يمكن أن يقال بشأن السنة أو الشيعة. ربما تكون الحرب الأهلية قد انتهت، لكن العديد من الحواجز ما زالت موجودة.
إن لبنان بحاجة لبدء معالجة هذا العزل المتزايد، والذي يسهم مباشرة في الانقسامات بهذا البلد. وثمة حاجة إلى توزان جديد ما بين تعزيز مصالح كل جماعة دينية، وحق الجميع في أن يعامل على قدم المساواة بالآخرين. والضغط من أجل المساواة للجميع لا يقتصر فقط على الحقوق الفردية، بل إنه ضروري لبناء دولة تكون أكثر من مجرد مجموع طوائفها الدينية.
لهذا آمل بأن يتبنى لبنان في عام 2013 قانونا لمكافحة التمييز. إن مثل هذا القانون لن يحل المشاكل الطائفية من تلقاء نفسه، لكنه سيكون بمثابة تحد للقالب (العرف) القاضي بأنه من المقبول أن يُعامل المواطنين بشكل مختلف على أساس خلفيتهم الدينية. كما أن هذا القانون سيوفر وسيلة للمحامين كي يتمكنوا من استخدام القضاء في تقطيع أسوار "الجيتو" الذي يبنيه كل مجتمع حول نفسه، بل إنه ربما يكون بداية لإعطاء معنى لجزء آخر مهم من الدستور اللبناني، وهو بمثابة تمهيد، يؤكد على المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين اللبنانيين من دون تمييز.
نديم حوري نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش، وهو مدير مكتب المنظمة في بيروت.