ملخص
كانت سرت هي المرحلة الأخيرة في ثورة [2011]، وكان يحدونا أمل كبير. ثم شيئا فشيئا سيطر عليها داعش. الآن نشعر وكأننا ملعونون.
"علي"، أحد السكان الفارين من داعش في سرت
في أواخر 2014، بدأ عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف المسلح، المعروف بـ "داعش"، بالتسلل إلى سرت، وهي مدينة على الساحل الشمالي لليبيا وتطل على البحر الأبيض المتوسط. وبحلول أغسطس/آب 2015، صارت المدينة أكبر معقل لـ داعش خارج العراق وسوريا. يوثق هذا التقرير جرائم خطيرة ارتكبها داعش في سرت، مثل تنفيذ إعدامات غير قانونية في حق 49 شخصا بطرق تشمل قطع الرؤوس وإطلاق النار.
خلص تحقيق أجرته "هيومن رايتس ووتش" إلى أن داعش فرض فهمه المتشدد للشريعة الإسلامية على جميع مناحي الحياة في سرت، بما يشمل تحديد طول سراويل الرجال واتساع ولون عباءات النساء وطبيعة الدروس التي يتلقاها الطلاب في المدارس الحكومية. ولكن التنظيم فشل في توفير الحاجات الأساسية للسكان المحليين. وبدل ذلك، نقل الأغذية والأدوية والوقود والأموال والمنازل التي يصادرها من السكان إلى مقاتليه – وأعوان الشرطة التابعين له والموظفين الذين انتدبهم من المدينة، وعددهم يقارب 1800 شخص.
عمليات الإعدام الـ 49 التي نفذها داعش في المدينة ومناطق نائية أخرى، والتي وثقتها هيومن رايتس ووتش، اتبعت إجراءات سرية تتنافى مع أهم المعايير الدولية الأساسية للمحاكمة العادلة. من بين القتلى "جواسيس" و"سحرة" مزعومون، ومصابون ورهائن من قوات معادية، وشاب متهم بالكفر. قال أعضاء منفيون من المجلس البلدي، ومقاتلون في قوات مناوئة، لـ هيومن رايتس ووتش إن داعش اختطف وأخفى عشرات المقاتلين التابعين لميليشيات ليبية، يُعتقد أن الكثير منهم قتلوا.
اعتمد هذا التقرير أساسا على مقابلات مع 45 مواطنا هربوا من سرت أو جاؤوا لقضاء حاجات في مصراتة، وهي مدينة ساحلية تقع على مسافة 240 كلم (150 ميل) غرب سرت. قابلت هيومن رايتس ووتش أغلب هؤلاء أثناء زيارة لـ مصراتة في مارس/آذار 2016، ثم أجرت مقابلات أخرى عبر الهاتف والانترنت. تحدث سكان سرت عن مشاهد مرعبة – مثل قطع الرؤوس في الشارع، وجثث في ملابس برتقالية تتدلى من السقالات في ما بات يُعرف بـ "الصلب"، وخطف الرجال من منازلهم ليلا على يد مقاتلين ملثمين. قال هؤلاء إن شرطة "الحسبة" – بمساعدة المخبرين – تجوب الشوارع، وتهدد الرجال، وتفرض عليهم الغرامات وتجلدهم بسبب التدخين والاستماع للموسيقى أو لأنهم لم يفرضوا على زوجاتهم وأخواتهم لبس عباءات فضفاضة تغطيهن من أعلى الرأس إلى أخمص القدم، ويقودون الرجال والأطفال إلى المساجد للصلاة والتعليم الديني الإجباري.
"أحلام" (30 سنة)، جاءت إلى مصراتة بحثا عن الغذاء والرعاية الصحية، بدأت تبكي لما قالت إنها ستعود مع عائلتها إلى سرت في الأيام القادمة:
الحياة في سرت لا تطاق. الجميع يعيشون في رعب. إنهم يقتلون الأبرياء، ولا توجد متاجر ولا مستشفيات ولا أطباء ولا ممرضون ولا دواء.... يوجد جواسيس في كل الشوارع. أغلب الناس غادروا ولكننا عالقون. ليس لنا ما يكفي من المال لنغادر.
قال العديد ممن أجريت معهم مقابلات إن داعش ينهب ويدمر منازل من يعتبرهم أعداء. أغلق داعش محلات ملابس داخلية ومحلات ملابس غربية.
الدروس في جامعة سرت معلقة منذ أواخر 2015 لما توقف الأساتذة والطلاب عن دخول الجامعة لأن داعش منع تدريس التاريخ والقانون، وأمر بالفصل بين الطلبة الذكور والإناث. قال سكان سابقون إن داعش يبعث بدوريات للمدارس الابتدائية والثانوية للضغط على الطلاب للتقيد بالشريعة.
استولى داعش على ميناء سرت والقاعدة الجوية وأهم محطة طاقة وإذاعة، وكذلك على جميع المكاتب والموارد المالية الحكومية. أنشأ 3 سجون على الأقل، أحدها في روضة أطفال سابقة، ولا يسمح بإجراء اتصالات بالخارج إلا عبر مراكز الاتصال التابعة له. كما أغلق جميع المصارف باستثناء واحد بقي مفتوحا لعناصره.
فر حوالي ثلثي سكان سرت المقدر عددهم بـ 80 ألف من المدينة منذ دخول داعش إليها. لا توجد مخيمات في ليبيا للفارين من سرت. قال أشخاص وجدوا ملجأ في مصراتة إنهم لم يحصلوا على أي مساعدات عاجلة. قال مسؤولون في مصراتة إنهم يحتاجون إلى موارد للعناية بالنازحين. أغلب منظمات الإغاثة الدولية غادرت البلاد لانعدام الأمن بسبب النزاعات المسلحة في 2011، ثم مجددا منذ 2014.
اغتيال المدنيين، أو المقاتلين المصابين والمأسورين على يد عناصر تابعة لطرف مشارك في نزاع مسلح، هو جريمة حرب. وكذلك تعتبر الإعدامات عندما تنفَّذ كعقوبات جنائية دون أحكام صادرة عن محاكم عادية في ظل محاكمات تضمن للمتهم حقوقه الأساسية فيما يتعلق بالمحاكمة العادلة. طبيعة وحجم الاعدامات التي ينفذها داعش – وغيرها من الأعمال التي يرتكبها في ليبيا – قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
فشلُ داعش، بصفته القوة الحاكمة بأمر الواقع في سرت، في ضمان توفير الحاجات الغذائية والمساعدات الطبية الأساسية للسكان المحليين رغم أنه يوفرها لمقاتليه، يعتبر انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان، بما يشمل الحق في الأكل والصحة. كما تعتبر العديد من قوانين التنظيم المجحفة انتهاكا للحق في الحرية والمعتقد والتنقل والتعبير، وغيرها من الحقوق.
أفادت تقارير أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا وفرنسا بصدد الإعداد لحملة جوية ضد داعش في ليبيا. في مايو/أيار، شرعت قوات ليبية متناحرة في حملات تعبئة منفصلة للتقدم نحو سرت.
على جميع أطراف النزاع في ليبيا اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين من الخطر، بما يتماشى مع قوانين الحرب الدولية. على السلطات الليبية، في إطار ما هو متاح لها في الوقت الحالي، والدول القادرة على ممارسة ولاية قضائية، اتخاذ إجراءات فورية لاعتقال ومحاكمة المسؤولين عن الفظائع التي يرتكبها داعش وغيره من الأطراف في ليبيا. الدول أعضاء المحكمة الجنائية الدولية عليها أيضا مضاعفة موارد المحكمة لتستطيع التحقيق في الجرائم الخطيرة التي ترتكبها جميع الأطراف.
على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إعطاء الأولوية لتعيين خبير أو أي آلية أخرى لتوثيق الانتهاكات الخطيرة والمستمرة التي ترتكبها جميع الأطراف في ليبيا، وكذلك تركيبة القيادة في داعش وغيرها من الجماعات المسؤولة عن ارتكاب جرائم خطيرة، بهدف الردع والمساءلة. على مجلس الأمن أيضا فرض عقوبات على عناصر داعش وغيرهم ممن تورطوا في ارتكاب جرائم خطيرة في ليبيا – بما يشمل كل من موّل أو ساعد على ارتكابها – مع مراعاة سلامة الإجراءات.
فشلت الأطراف الدولية مرارا في الإيفاء بوعودها المتعلقة بتحديد ومعاقبة منفذي فظائع داعش في سرت وغيرها من الجرائم الخطيرة الأخرى في ليبيا. استمرار هذا الفشل سيؤدي إلى جرائم أكثر فظاعة وإلى مزيد من الضحايا المدنيين.
التوصيات
لجميع أطراف النزاع في ليبيا، بما فيها داعش
- يجب اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين، كما ينص على ذلك القانون الدولي الإنساني، أثناء جميع الحملات العسكرية البرية والجوية.
- في المناطق مثل سرت، حيث يمارس أحد أطراف النزاع سلطة الأمر الواقع، يجب اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية حقوق جميع السكان – دون تمييز – مع ضمان توفير حاجاتهم الأساسية.
للسلطات الليبية
- اتخاذ خطوات فورية – في إطار ما هو ممكن حاليا – لاعتقال ومحاكمة المسؤولين عن تنفيذ الجرائم الخطيرة لـ داعش والأطراف الأخرى.
- إعطاء الأولوية لمضاعفة المساعدات الإنسانية للأشخاص المتضررين من النزاعات في ليبيا، بما يشمل المتضررين من سيطرة داعش على سرت.
للحكومات الأجنبية
- إعطاء الأولوية للتبرعات الإنسانية للفارين من سرت وغيرهم ممن تضرروا من النزاع في ليبيا.
- اتخاذ خطوات فورية – في إطار ما هو ممكن – للتحقيق في الجرائم الخطيرة المتعلقة بليبيا ومحاكمتها، سواء ارتكبها داعش أو أطراف أخرى، لا سيما التي تنتهك القانون الدولي، مثل الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتعذيب باستخدام الولاية القضائية العالمية.
- ضمان توفير موارد كافية للمدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق في الجرائم الخطيرة والمستمرة التي ترتكبها جميع الأطراف في ليبيا.
للأمم المتحدة
مجلس حقوق الإنسان
- إنشاء آلية تحقيق خاصة – مثل تعيين خبير مستقل – لتوثيق وإعداد تقارير منتظمة حول الانتهاكات الخطيرة والمستمرة التي يرتكبها داعش وجميع الأطراف الأخرى في ليبيا، وحول تركيبة القيادة في داعش وغيره من التنظيمات المسؤولة عن ارتكاب جرائم خطيرة بهدف الردع والمساءلة.
فريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات وفريق خبراء ليبيا
- إجراء بحوث حول عناصر داعش وغيرهم ممن تورطوا في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وقوانين الحرب في ليبيا، وتوصية مجلس الأمن بفرض عقوبات، بما يشمل حظر سفر هؤلاء الأشخاص وتجميد أرصدتهم، مع ضمان مراعاة سلامة الإجراءات.
مجلس الأمن
- فرض عقوبات على عناصر داعش وغيرهم ممن تورطوا في جرائم خطيرة في ليبيا، بما يشمل كل من يوفر تمويلا دوليا أو يساعد على وقوع الانتهاكات، مع ضمان سلامة الإجراءات.
- توجيه وحدة حقوق الإنسان التابعة لبعثة دعم ليبيا إلى إعداد تقارير علنية ومنتظمة حول وضع حقوق الإنسان في البلاد.
منهجية التقرير
يعتمد هذا التقرير أساسا على بحوث ميدانية أجراها باحثان من هيومن رايتس ووتش في مصراتة، ليبيا، بين 24 و29 مارس/آذار 2016، وعلى مقابلات أجرتها هيومن رايتس ووتش عبر الهاتف والانترنت. قابلت هيومن رايتس ووتش 45 شخصا من سكان سرت – سابقا وحاضرا – ومنهم أقارب لأشخاص قتلوا أو اعتقلوا من قبل داعش، وسجين سابق لدى داعش، ومسؤولين محليين منفيين، وعناصر من جماعات محلية مسلحة قاتلت داعش، ومدرّسين ومحامين وعاملين في مجال الرعاية الصحية، أغلبهم في مصراتة.
قابلت هيومن رايتس ووتش أيضا أعضاء في المجلس البلدي بمصراتة، ومسؤولين أمنيين وعمال إغاثة، ومحللين أمنيين مختصين بليبيا خارج البلاد، وأعضاء في منظمات غير حكومية دولية، وحقوقيين ليبيين في المنفى، بعضهم بشكل مباشر وبعضهم عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني. إضافة إلى ذلك، راجعت هيومن رايتس ووتش عشرات الفيديوهات والصور لأعمال ارتكبها داعش في سرت، وقارنت الشهادات التي جمعتها أثناء المقابلات بتقارير إعلامية دولية ومحلية.
غيّرت هيومن رايتس ووتش أسماء أغلب الأشخاص الذين قابلتهم والذين عبروا عن تخوفهم من انتقام داعش منهم أو من أفراد من عائلاتهم مازالوا في سرت. كل الأسماء المستعارة المستخدمة في هذا التقرير سترد بين مزدوجين عندما تُذكر أول مرة. عمدت هيومن رايتس ووتش – في عديد من الحالات – إلى إلغاء معطيات إضافية، مثل تواريخ المقابلات، لتحقيق حماية أفضل لمن قابلناهم. أجرى باحثو هيومن رايتس ووتش المقابلات بالإنغليزية، بحضور مترجم فوري، أو بالعربية.
جميع المشاركين وافقوا شفاهيا على إجراء المقابلات بعد أن أعلمناهم بالهدف منها، وطبيعتها الطوعية، والطرق التي ستستخدم لجمع المعطيات واستعمالها. أعلمت هيومن رايتس ووتش جميع من تحدثت إليهم أنهم يستطيعون رفض الإجابة عن أي سؤال أو إنهاء المقابلة في أي وقت. لم نعرض عليهم أي مقابل مادي، باستثناء تكاليف السفر.
لم تحاول هيومن رايتس ووتش زيارة سرت بسبب المخاوف الأمنية. العديد من سكان سرت السابقين والحاليين رفضوا إجراء مقابلات معنا بسبب الخوف.
داعش في ليبيا .I
برز تنظيم داعش في ليبيا في 2014، لما بدأت جماعات ليبية مسلحة ومتطرفة تعلن ولاءها للتنظيم.[1] تزامن هذا البروز مع فراغ سياسي تسبب فيه تنازع حكومتين متنافستين على السلطة، واحدة في طرابلس في الغرب والأخرى في طبرق في الشرق.[2] تسبب القتال الحاصل بين جماعات ليبية مسلحة مساندة للحكومتين في انهيار شبه كامل للمؤسسات الليبية.[3] وفي مارس/آذار 2016، حاولت حكومة "الوحدة" التي أنشئت بوساطة من الأمم المتحدة، المسك بزمام السلطة، ولكن حتى كتابة هذا التقرير، مازالت تكافح من أجل ذلك.[4]
سيطر داعش على مدينة درنة شرقي ليبيا من أكتوبر/تشرين الأول 2014 إلى أن دحرته منها قوات مسلحة منافسة في يوليو/تموز 2015.[5] في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، تسلل أقل من 100 من مقاتلي التنظيم إلى سرت، التي كانت آنذاك تحت سيطرة "أنصار الشريعة"، وهي أيضا جماعة إسلامية أصولية. وبحلول فبراير/شباط 2015، استقطب داعش أغلب عناصر أنصار الشريعة هناك، وفي مايو/أيار انتزع داعش قاعدة القرضابية الجوية من قوات "فجر ليبيا"، وهو تحالف لقوات من الغرب الليبي، ومنها الكتيبة 166 بمصراتة.[6] بعد محاولة تمرد فاشلة قام بها مقاتلون محليون في أغسطس/آب، سيطر داعش على سرت بأكملها.[7]
وقت كتابة هذا التقرير، يسيطر داعش على رقعة واسعة على الساحل الشمالي تمتد على 200 كلم تقريبا (120 ميل)، إلى الشرق والغرب من سرت، وتشمل الجزء الأكبر من خليج سرت، وله تواجد في مناطق أخرى في ليبيا، مثل بنغازي شرقا وصبراتة غربا.[8]
وقت كتابة هذا التقرير، تستعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا وفرنسا لتدخل عسكري محتمل ضد داعش في ليبيا، إن أمسكت حكومة "الوحدة" المدعومة من الأمم المتحدة بزمام السلطة، ومنحتهم الموافقة.[9] أفادت تقارير أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا نفذت طلعات جوية للمراقبة في ليبيا ولها قوات خاصة تعمل داخل البلاد.[10] في مايو/أيار، اصطفت جماعات ليبية محلية وراء حكومتي طبرق وطرابلس، وشاركت في حملات تعبئة منفصلة للتقدم نحو سرت، رغم مطالبة الحكومة الثالثة المدعومة من الأمم المتحدة بالانتظار لتشكيل قيادة عسكرية موحدة.[11]
نفذ داعش عددا من الهجمات القاتلة في مناطق أخرى في ليبيا، ومنها هجوم مسلح على فندق كورينثيا الفخم في طرابلس في 27 يناير/كانون الثاني 2015 راح ضحيته 9 أشخاص، وهجوم بشاحنة مفخخة على مركز تدريب للشرطة الليبية في 7 يناير/كانون الثاني 2016 قتل فيه 47 شخصا على الأقل، وعدة هجمات على منشآت نفطية ونقاط تفتيش.[12]
في أبريل نيسان، قال قائد عسكري أمريكي إن لدى داعش بين 4 آلاف و6 ألاف مقاتل في ليبيا.[13] قدّر محللون أمنيون دوليون وليبيون، وكذلك مسؤول حكومي بريطاني، إن العدد أقرب إلى 3 آلاف.[14] قال مسؤول في جهاز الاستخبارات العسكرية الليبي في مصراتة لـ هيومن رايتس ووتش إن عدد مقاتلي داعش في سرت يصل إلى 1800 مقاتل، 70 بالمائة منهم على الأقل أجانب.
داعش يُجند أطفالا لا تتجاوز أعمارهم 16 سنة، بحسب مسؤول الاستخبارات في مصراتة، ومقاتلين من قوات تحالف فجر ليبيا في مصراتة، وأحد أعضاء المجلس البلدي لسرت في المنفى.[15] في فبراير/شباط 2016، أفاد مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة أن المنتمين لـ داعش جنّدوا أطفالا قسرا، وفي فبراير/شباط 2016 احتفلوا بتخرج 85 شابا أعمارهم دون 16 سنة في سرت درّبهم التنظيم على العمليات الانتحارية واستخدام المفخخات. قال التقرير إن داعش يُسمي هذه المجموعة "أشبال الخلافة".[16]
يوجد اتفاق واسع بين الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش على أن فرع داعش في سرت على اتصال مباشر بـ داعش في العراق وسوريا، وتشرف عليه قوة أمنية أجنبية، وفيه مبعوثون ماليون وقانونيون من القيادة المركزية للتنظيم.[17] قال دبلوماسي غربي يعمل حول ليبيا: "فرع ليبيا ليس فرعا مستقلا، هو فقط مخزن ثان تديره الشركة الأم".[18]
بحسب عشرات المواطنين المنفيين وكذلك محللين أمنيين ليبيين وأجانب، فإن قادة داعش في سرت منهم سوريين وسعوديين ومصريين وسودانيين. كما قال هؤلاء إن هناك 15 ليبيا على الأقل يلعبون أدوارا هامة في عمليات التنظيم في سرت، وبعضهم هم الذين يشكلون واجهة التنظيم.[19] ولكن "حسن"، شيخ قبلي من سرت في المنفى، قال: "السلطة في يد الأجانب".[20]
قال سكان ومقاتلون من قوات مختلفة إن الجزء الأكبر من عناصر داعش الأجانب في سرت تونسيون، ولكن المجندين ينحدرون أيضا من المغرب والجزائر ومصر وتشاد والسودان وسينغال ومالي واليمن وأفغانستان وبنغلاديش.[21] قال مسؤول استخبارات ليبي ومحللون أمنيون دوليون إن أغلب عناصر التنظيم تسللوا عبر حدود ليبيا الجنوبية غير المحصنة.[22] كان بعض المجندين عمالا مهاجرين في ليبيا. قال بعض السكان إنهم يستطيعون تمييز المقالين الأجانب من لهجاتهم وملابسهم وأسمائهم الحركية، التي فيها أحيانا إشارة إلى جنسيتهم. يدفع داعش رواتب شهرية تصل إلى مائة دولار أمريكي وأكثر – وهو مرتب عالي للعديد من المجندين – مع مجانية الأكل والسكن لهم ولعائلاتهم.
أغلب مقاتلي داعش وحتى عناصر شرطة المرور يرتدون أزياء عسكرية وبعضهم يحملون أقنعة، ولكن الأئمة والقضاة وشرطة الآداب عادة لا يحملون أقنعة، بحسب ما رواه السكان.
بحسب مواطنين في المنفى ومحللين أمنيين أجانب، استغل داعش الانقسامات التي ما فتئت تتعمق في سرت منذ انتفاضة 2011 بين الموالين للزعيم الليبي الأسبق معمر القذافي – أصبه من سرت وجعل منها عاصمته الثانية – والسكان الذين لهم علاقات بعائلات أو ميليشيات بمصراتة.[23] قال فريدريك ويهري، باحث أول في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي": "بعض الأحياء التي فيها قبائل شعرت بالإقصاء من النظام الجديد، وقُمعت من قبل مصراتة، رحبت بتنظيم الدولة الإسلامية".[24]
من فبراير/شباط إلى مايو/أيار 2011، تعرضت مصراتة لحصار من قبل قوات القذافي، واستُهدفت بهجمات عشوائية شبه يومية أودت بحياة ألف من سكانها. وفي أكتوبر/تشرين الأول، قتلت ميليشيات مصراتة القذافي، وضربت بوحشية وأعدمت الأسرى الذين قبضت عليهم في قافلة القذافي.[25]
داعش الآن يرفع رايته السوداء على مجمع واغادوغو الواسع في سرت، الذي بناه القذافي ليعقد فيه لقاءات مع قادة العالم. يستدعي داعش الرجال المحليين والأطفال لقاعة المحاضرات لتلقي تعليم ديني وحضور خطب تُمجد خلافته المعلنة من جانب واحد.
قال "علي"، منفي من سرت، عن انتفاضة 2011 ضد القذافي: " كانت سرت هي المرحلة الأخيرة في الثورة، وكان يحدونا أمل كبير. ثم شيئا فشيئا سيطر عليها داعش. الآن نشعر وكأننا ملعونون".[26]
II. انتهاكات داعش في سرت
"وثيقة المدينة"
في الشهر الذي سيطر فيه داعش على سرت، في أغسطس/آب 2015، وزع "وثيقة المدينة" كما فعل في المدن التي سيطر عليها في العراق وسوريا. تقول الوثيقة المتكونة من 13 نقطة إن "الناس في ظل حكمنا آمنون مطمئنون"، وتوفر الحماية حتى للمقاتلين الذي حاولوا الإطاحة بهم شرط أن يتوبوا ولا يدافعوا عن "المعتدين". ولكن الوثيقة تحذر أيضا أن قوات الأعداء التي لا تتوب مصيرها القتل واللصوص يواجهون البتر.
الوثيقة تمنع "سائر المحرمات"، مثل بيع واستهلاك المخدرات والكحول والتدخين، و"تحث" السكان على تأدية الصلاة في المساجد "مع الجماعة وبأوقاتها". كما تمنع التجمعات والأحزاب السياسية والرايات والأعلام، وتعد بمسح المزارات الشركية والوثنية، وتأمر النساء بتغطية أنفسهن "بالجلباب الفضفاض والخمار... والقرار في البيت... وترك الخروج إلا لحاجة". تقول الوثيقة أيضا إن جميع الأموال العامة ملك داعش.
بحسب جميع سكان سرت السابقين الذي قابلتهم هيومن رايتس ووتش، سارع داعش إلى تطبيق الوثيقة، بمساعدة مراقبي الأحياء الذين يبلغون عن المشتبه في كونهم مقاتلين أعداء أو جواسيس، والنساء اللاتي يغادرن منازلهن دون الالتزام باللباس الذي فرضه التنظيم، واللصوص، وكل من يدخن السجائر، حتى في منازلهم.[27]
عمليات القتل
ينفذ داعش عمليات إعدام في حق من يعتبرهم أعداء في ساحة الشهداء وسط سرت، ويغلق الطرقات ويستدعي السكان بمكبرات الصوت ليشاهدوها، بحسب جميع السكان الذي قابلناهم. قما قال أكثر من 10 سكان إن داعش قطع رؤوس شخصين على الأقل على الملأ بحد السيف، وفي أغلب الحالات الأخرى أطلق عليهم النار في الرأس. أما من يعتبرهم التنظيم "جواسيس"، فيقتلون بالرصاص أولا، ثم يعلقون على السقالات ليومين أو 3 أيام في دوار الزعفران في الجانب الغربي من المدينة، وهو ما يسميه السكان "الصلب".
ألبس داعش العديد ممن أعدمهم ملابس برتقالية اللون، في إشارة – على ما يبدو – إلى الأزياء التي كان يرتديها المحتجزون في سجن قاعدة غوانتنامو الأمريكية.[28] قال جميع من قابلناهم إن داعش قتل أيضا مقاتلين محليين ومسؤولين حكوميين أو أفراد من عائلات تعارض التنظيم، بإطلاق النار من السيارات.
قال كل من قابلناهم إن داعش يستهدف على ما يبدو المقاتلين والشرطة ومسؤولي المخابرات والحكومة، وخاصة أولئك الذين تجمعهم علاقات عائلية أو قبلية بمصراتة. الأشخاص المنتمون لهذه الأصناف يشكلون الجزء الأكبر في قائمة القتل التي تشمل 130 اسما والتي وضع داعش نسخة منها في قاعة المحكمة، بحسب ما قاله سكان منفيون لـ هيومن رايتس ووتش –3 منهم أكدوا أن أسماءهم موجودة على القائمة.
قال "سالم" – الذي كان في مصراتة للعلاج لما قابلته هيومن رايتس ووتش – إنه كان يعيش في خوف دائم من الاستهداف لأنه كان موظفا حكوميا في السابق:
لا أغادر منزلي إلا للمسجد: من المنزل إلى المسجد ومن المسجد إلى المنزل. لا أرفع رأسي أبدا. أود البقاء في مصراتة، ولكني لا أستطيع توفير الإيجار هنا. كل الناس يرغبون في مغادرة سرت إن وجدوا طريقة ما.[29]
خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن داعش قتل بين منتصف فبراير/شباط 2015 ومنتصف فبراير/شباط 2016 ما لا يقل عن 49 شخصا في مدينة سرت ومناطق أخرى نائية بعد إجراءات سرية لم تستجب لأبسط المعايير الدولية الأساسية للمحاكمة العادلة. في زيارة لمصراتة في مارس/آذار 2016، جمعت هيومن رايتس ووتش معطيات حول 28 ليبيا قتلوا على يد داعش.[30] وكانت سابقا قد وثقت إعدام داعش لـ 21 مسيحيا قبطيا، 20 منهم من مصر، على شاطئ سرت في فبراير/شباط 2015.[31]
قابلت هيومن رايتس ووتش 7 أقارب لأشخاص قتلهم داعش في سرت أو مناطق نائية أخرى، ومعارف ثلاثة آخرين. كما قابلت 4 أشخاص قالوا إنهم شاهدوا عمليات إعدام نفذها داعش أو شاهدوا جثثا لأشخاص أعدمهم داعش ثم عرضهم على الملأ.
من بين الذين قتلهم داعش في سرت وضواحيها عناصر من قوات معادية لم يكونوا قادرين على القتال لأنهم كانوا مصابين أو محتجزين، وهذه جريمة حرب.
القتل بسبب شتم الذات الإلهية
في ديسمبر/كانون الأول 2015، أعدم داعش أمجد بن ساسي لأنه "شتم الذات الإلهية"، بحسب ما قاله 2 من أقاربه لـ هيومن رايتس ووتش.[32] كان بن ساسي قد انضم مؤخرا لقوة محلية موالية لفجر ليبيا، التحالف الذي حاول دحر داعش من سرت قبل أن ينسحب في يونيو/حزيران 2015. كانت هذه المرة الثانية التي يعاقب فيها بن ساسي، ففي السنة السابقة، قبل سيطرة داعش على سرت، تعرض بن ساسي للسجن والجلد من قبل أنصار الشريعة بسبب شرب الخمر.
في المرة الثانية، اقتحم عناصر داعش منزل بن ساسي واقتادوه إلى السجن بزعم أنه سبّ الله لما تشاجر مع أحد جيرانه في وقت سابق من اليوم نفسه، بحسب قريبيه. في اليوم التالي، عرضه خاطفوه على قاض تابع لـ داعش في المقر الرئيسي للمحكمة، بحسب قريبيه، فقال إنه حصل على الشهادة من سجينين سابقين كانا في المحكمة ذلك اليوم.
قال "إبراهيم"، أحد أقارب أمجد: "أراد القاضي من أمجد أن يتوب عن معارضة داعش، ولكنه شتم القاضي وبصق عليه". لم يتصل بن ساسي بمحام، بحسب قريبيه. بعد يومين، أعدمه داعش في ساحة الشهداء.
قدم قريباه لـ هيومن رايتس ووتش 3 صور له. يظهر في الصورة الأولى – التي صورت بضعة أسابيع قبل اعتقاله – وهو يحمل نظارات شمسية وقميص "تمبرلاند"، حليق الذقن، ورأسه مائل وشعره ممشوط إلى أعلى. قال قريباه إن أمجد كان يحلق لحيته عندما يزور أحد أقاربه في مصراتة، ولكنه لا يحلقها عندما يعود إلى سرت.
في الصورة الثانية، التي تحمل شعار إعلامي تابع لـ داعش، يظهر بن ساسي على ركبتيه في قميص أسود وسروال أبيض. ويظهر رجل آخر – لا يبرز في الصورة إلا جزؤه السفلي حتى الكتفين – وهو يرتدي سروالا وقميصا أفغانيا، يصوب مسدسا نحو رأس بن ساسي من الخلف.
تقول عبارة مصاحبة للصورة: "تنفيذ حد الله على من لعن الله". تعني كلمة "الحد" تنفيذ عقوبة ضد من تعدى على الله. كما توجد مجموعة من الرجال، أغلبهم مقنعين، خلف الرجل المسلح. أما الصورة الثالثة، فتظهر نفس الحشد، ولكن بن ساسي ملقى على ظهره بلا حراك.
قال إبراهيم: "لم نتسلم جثته بعد. قال لنا داعش إنه كافر، ولا يمكننا دفنه في مقبرة المسلمين".
"الصلب بملابس غوانتنامو"
رفض داعش أيضا تسليم جثة ميلاد أحمد أبو رغيبة (44 سنة)، الذي كان قد قاتل في صفوف قوة منافسة، بعد "صلبه" وتعليقه على سقالة في ملابس برتقالية في يناير/كانون الثاني 2016.
أحد أقارب أبو رغيبة وزميله في القتال قالا لـ هيومن رايتس ووتش إنه قاتل في صفوف قوة محلية موالية لفجر ليبيا ثم فر إلى مصراتة في منتصف 2015. كما قالا إنه عاد بعد أشهر إلى سرت، وسلم نفسه إلى داعش وأعلن "التوبة".[33] ولكن داعش اشتبه في كونه جاسوسا.
في صباح 17 أكتوبر/تشرين الأول 2015، اقتحمت عناصر مسلحة من داعش منزل أبو رغيبة وأخذوه من فراشه، بحسب قريبه وزميله اللذين حصلا على هذه المعلومات من زوجته وجيرانه الذين شهدوا عملية الخطف. تحدث "علي"، قريبه، عما حصل بعد ذلك:
اختفى لمدة 3 أسهر. ثم قتلوه بالرصاص في 16 يناير/كانون الثاني [2016]. الرجل الذي قتله تونسي وكان في كرسي متحرك. قتلوه على الملأ، ثم صلبوه لمدة 3 أيام في ساحة الزعفران.
أطلع الرجلان هيومن رايتس ووتش على صورة لجثة أبو رغيبة، في بدلة برتقالية، وهي معلقة على سقالة. وكانت توجد لافتة أعلى رأسه كتب عليها: "جاسوس لفجر ليبيا".
نقلت جريدة بريطانية عن مقاتل قوله إن أبو رغيبة كان مخبرا.[34] قال قريبه وزميله اللذان قابلتهما هيومن رايتس ووتش إن أبو رغيبة عاد إلى سرت لأنه من عائلة فقيرة، ولم يجد عملا في مصراتة، ولم يجد طريقة لإعالة زوجته وابنه الصغير. قالا إن أي إجراءات قد يكون اتبعها داعش ضد أبو رغيبة لم تُعلن للعموم.
الإعدام رغم الإصابة
قال محمد الحنش، رجل مُسن من سرت، إن داعش قتل ابنه عبد السلام بالرصاص رغم أنه كان مصابا ولا يقوى على الحراك في ساحة المعركة في هراوة، بلدة تابعة لـ سرت، في 24 مارس/آذار 2015.[35] كان عبد السلام (24 أو 25 سنة) يعمل على مدفع رشاش مع الكتيبة 166 التابعة لفجر ليبيا. سقط من أعلى عربته المدرعة بعد أن أصيب بقذيفة مدفعية في فخذه، بحسب والده الذي نقل الرواية عن اخوته الأربعة الذين كانوا معه في الوحدة العسكرية نفسها.
قال محمد الحنش: "كان حيا في البداية، ثم سقط أرضا بسبب الإصابة... فلم يستطع الهروب أو الوقوف. أشعر أنني سأنفجر من الحزن".
قال الأب إن زملاء ابنه اضطروا إلى التراجع لأن داعش صدهم عن اسعاف المقاتلين الجرحى. ولما عاد عناصر الكتيبة 166 بعد المعركة للبحث عن القتلى والمصابين، وجدوا عبد السلام الحنش مقتولا برصاصتين أطلقت على رأسه من مسافة قريبة. قال والده إن داعش كانت القوة الوحيدة الموجودة هناك بعد الانسحاب.
القتل بسبب القاء خطبة
قال عديد من السكان إن تنظيم داعش نفذ اعدامات بإجراءات موجزة في حق أشخاص دعوا المواطنين إلى معارضته. في إحدى الحالات، قتل داعش يوم 8 مارس/آذار 2015 خالد بن رجب، وهو إمام سلفي من قبيلة الفرجان النافذة، بعد يوم من القاء خطبة في المنطقة الثالثة في سرت دعا فيها السكان إلى الانتفاض على التنظيم، بحسب سكان سابقين، منهم "عمر" الذي شهد عملية القتل:
قال الشيخ خالد إنه يجب إيقاف داعش عند حده لأنه يقتل الناس. وفي اليوم التالي، بعد صلاة العصر، جاءت سيارة تحمل شعار وراية الدولة الإسلامية أمام المسجد. أطلقوا النار على الشيخ خالد من الشباك. أصيب بخمس رصاصات، 2 منها في الصدر. بعد ذلك، بدأ أنصار الشيخ خالد انتفاضة في الشارع [ضد داعش]. كانت تلك آخر معركة قبل أن يسيطر داعش على المدينة بأكملها.[36]
قال 4 سكان لـ هيومن رايتس ووتش إن داعش قطع رؤوس المقاتلين الذين قضى عليهم في هذه الانتفاضة وعلقها في أماكن عامة. قال مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في تقرير أصدره في فبراير/شباط 2016 إن 4 جثث علقت على العواميد.[37] كما قال تقرير إعلامي إن 12 جثة كانت مقطوعة الرأس ومعلقة.[38] المعاملة المهينة للذين قتلوا في ساحة الحرب قد تشكل جريمة حرب.[39]
قطع الرأس بتهمة السحر
في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2015، قطع داعش رأسي مواطنين في ساحة الشهداء قال إنهما من "السحرة". نشر داعش مقطع فيديو لعملية الإعدام – انتشر بعد ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي – بعنوان "ولا يُفلح الساحر حيث أتى"، وهي آية من القرآن. قال 4 سكان ممن فروا من سرت إن الرجلين هما سعد المدني، في السبعينات أو الثمانينات من عمره، وعادل علي حافظ، في الخمسينات.[40]
يظهر في مقطع الفيديو 3 عناصر من داعش يلبسون أزياء أفغانية رمادية اللون يجلدون 4 رجال متهمين بممارسة الزنا وشري الخمر. ثم يظهر في الفيديو المدني وحافظ معصوبي العينين ويرتديان ملابس برتقالية. كان يوجد رجلان طويلان، أحدهما يُمسك بسيف مقوس طوله متر تقريبا، ويدفع برأسيهما إلى الأمام. يظهر في المشهد المدني بشعره الأبيض وهو جالس على ركبتيه ورأسه على لوح أسود بينما يرفع السياف سيفه عاليا، ثم يضرب. يصور المقطع أيضا أحد عناصر داعش وهو يخاطب حشدا من الرجال، بحضور طفلين على الأقل، ويقول لهم إن الرجلين مدانان بالسحر. ولكن جميع سكان سرت السابقين والمسؤولين المنفيين ممن قابلتهم يومن رايتس ووتش قالوا إنهم لم يسمعوا بأي محاكمة.
قال "محمود"، أحد السكان، إنه كان شاهدا على إعدام المدني. قال: "شجعوا الناس على المشاهدة. ولما أنهى ذلك الرجل الضخم الإعدام، رفع الرأس عاليا ليشاهده الناس".[41]
قال 3 من السكان الذين قابلناهم بشأن هذه الحالة إن الرجلين حاولا معالجة أشخاص يتملكهم الشيطان. كما قال سكان سابقون إن داعش قتل أيضا امرأة مغربية اتهمها بالسحر في آخر 2015، وهي حالة نقلتها وسائل إعلام دولية أيضا.[42]
مختفون، في عداد القتلى
داعش أخفى أيضا بشكل قسري الكثير من المقاتلين الأعداء الذين أسرهم خارج ساحات القتال، ويُعتقد أن أغلبهم قتلوا، بحسب عضو في مجلس سرت البلدي في المنفى ومقاتلين من قوات معادية لـ داعش. قد يُعتبر إخفاء الأشخاص قسرا، في إطار سياسة تتبناها منظمة سياسية غير حكومية على نطاق واسع وبشكل ممنهج، جريمة ضد الإنسانية.[43]
في احدى الحالات، اختطف داعش في 5 أغسطس/آب عنصرين من الكتيبة 166 التابعة لفجر ليبيا خارج صيدلية في المنطقة 1 بحضور عديد من الشهود، بحسب ما قاله أقاربهم لـ هيومن رايتس ووتش.[44] كما قالوا إن عربتين تحملان رايات داعش حاصرت سيارة على متنها عناصر من الكتيبة 166، ثم نزل منها رجال ملثمون في أزياء عسكرية واختطفوا الرجلين.
حاول أفراد من عائلات المختطفين – على مدى أسابيع – الحصول على معلومات بشأنهما، بما في ذلك داخل مسجد الرباط، حيث يستقبل داعش أسئلة الناس. وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول، سُمح لأفراد من العائلتين بالالتقاء بقاض في قاعة المحكمة المركزية. بحسب أحد الأقارب، "أبو أمير"، كان القاضي ملتح ويرتدي ملابس أفغانية، ويتحدث بلكنة تونسية. قال أبو أمير: "كان يحمل ورقة عليها أسماء. قال لنا إنه [قريبنا] مات، هو كافر ولن نسمح بدفنه مع المسلمين".
قال "زايد"، أحد أقاربه الآخرين، إن داعش رفض تقديم معلومات عن أي من المقاتلين المختفيين. أضاف: "إلى اليوم، لا نعرف مكان احتجازهما، وما إذا عُرضا على محكمة، وما هي التهم الموجهة إليهما، أو كيفية قتلهما".
المحاكم والسجون
قال سكان سابقون في سرت وعضو مجلس بلدي منفي إن داعش يُدير 3 سجون على الأقل في سرت،[45] أحدها سجن الحسبة، في حي الرباط، الذي أخذ مقر روضة سابقة للأطفال.
هناك سجن ثان، للجرائم العامة، داخل مبنى البنك المركزي الليبي سابقا، علق عليه داعش لافتة كتب عليها "مركز الشرطة الإسلامية". قال أحد السكان السابقين – على اتصال بأفراد من عائلته في سرت – إن داعش يحدِّث بشكل منتظم قائمة منشورة في مراكز الحسبة، فيها الأشخاص الذين يسجنهم أو يجلدهم أو يفرض عليهم غرامات.
كما يوجد سجن ثالث داخل المحكمة المحلية مخصص للمتهمين بأخطر الجرائم، مثل التجسس على داعش لصالح "العلمانيين" و"الصليبيين". يستخدم داعش المبنى كمحكمة أيضا، ولكنه وضع القضاة الذين كانوا يعملون هناك على قائمة المستهدفين بالقتل، وعيّن قضاته الخاصين، وهم أجانب.
المحاكم تصدر قرارات سريعة في غالب الأحيان، بحسب محام في المنفى و4 أشخاص لهم أقارب مثلوا أمام هذه المحاكم.[46] قال جميع الأشخاص الذين قابلناهم إن عدد الجرائم الاعتيادية تراجع في سرت لوجود دوريات دائمة لـ داعش والخشية من العقوبات القاسية. قال "جمال" الذي ساعده عمله على الاطلاع على إجراءات المحكمة:
الناس يقبلون الأحكام دون نقاش، خوفا من العقاب. (...) الإعدامات ليست بالكثرة التي تصورها التقارير الإعلامية، وبتر الأطراف قليل. أما الجلد والسجن، فتوجد حالات كثيرة. بعد الثورة، شهدت سرت عمليات سرقة وقتل متعددة، ولكنها الآن صارت أكثر مكان آمن في ليبيا. المتاجر تبقى مفتوحة حتى لما يذهب أصحابها للصلاة، ولا أحد يتجرأ على دخولها.[47]
قال سجين سابق و5 أصدقاء لسجناء سابقين لـ هيومن رايتس ووتش إن داعش يشترط على الذين يطلق سراحهم إعلان التوبة والولاء له.
قابلت هيومن رايتس ووتش رجلا كان محتجزا لدى داعش وأقاربا وشركاء مقربين من سجناء سابقين. أغلبهم كان يُشتبه في أنهم مقاتلون، ولكن 3 منهم سُجنوا بسبب بيع السجائر أو التدخين.
قال "أبو إبراهيم" إن داعش احتجزه وجلده 10 جلدات بعد أن عثرت دوريات لـ داعش على سجائر وموسيقى – وكلاهما محظور – في سيارته في نقطة تفتيش على مشارف سرت في سبتمبر/أيلول 2015:
سألني أحدهم – وكان تونسيا من لكنته – ما إذا كنت أدخن، فأجبته بالنفي. في الحقيقة، أنا أدخن، ولكنني كذبت لأنني كنت خائفا. فتش سيارتي فوجد ألبومات موسيقى و3 علب سجائر. بدأ يشتمني وأمرني بالذهاب في سيارتي إلى مكتب الحسبة، بينما كانوا يسيرون خلفي. وهناك طلبوا مني التعهد بالإقلاع عن التدخين، ففعلت، ثم جلدوني 10 مرات على ظهري بسوط من الجلد.[48]
قال "أبو إبراهيم" إن أحد أقاربه النافذين في سرت أقنع داعش بإطلاق سراحه بعد ساعات.
قالت "أم علي" إن 15 عنصرا من داعش اقتحموا منزلها عند منتصف الليل في ديسمبر/كانون الأول 2015، واعتقلوا 2 من أقاربها بسبب بيع السجائر:
كانوا يحملون أسلحة، وقلبوا المنزل رأسا على عقب. أحدهم رفع قناعه وكأنه يريد أن يقول "ها أنا!" كان من سرت. أخذوا المال والذهب، واحتجزوهما [القريبين] في السجن لعدة أيام. ولما خرجا، قالا لنا إنهما تعرضا للجلد بكابلات الكهرباء، وأُجبرا على قراءة القرآن. كما قالا إنهما تعرضا لضرب مبرح، وأنهما أجبرا على التوقيع على وثائق تلزمهما بعدم بيع السجائر مجددا.[49]
قالت "أم علي" إن المحتجزين لم يحصلا على مساعدة قانونية ولم يُسمح لهما بإعداد دفاع، ولكن داعش أفرج عن أحدهما بعد أيام قليلة لأنه كان يعاني من مشاكل صحية حادة غير متصلة بالاحتجاز.
قال "طارق"، شريك مقرب لسجين سابق لدى داعش، إن الأخير سُجن لمدة شهر في 2015 وهُدد بقطع الرأس، وسمع صراخ سجناء آخرين كانوا على ما يبدو يتعرضون للتعذيب. قال السجين السابق إنه يخاف التحدث لـ هيومن رايتس ووتش وعيّن أحد شركائه ليتحدث نيابة عنه شرط أن نحجب بعض المعطيات. قال طارق إن داعش احتجز الرجل للحصول على معلومات عن جهة عمله. كما قال إن الرجل أخبره أنهم اقتادوه إلى غرفة التحقيق، وهناك استجوبه 3 رجال ملثمون وصفوا له بدقة المكان الذي يعيش فيه ومكان عمله وقدموا تفاصيل عن أنشطته خارج سرت.[50]
قال قريبان لأشخاص مسجونين قابلتهما هيومن رايتس ووتش إن داعش يطلق سراح أسراه عندما يتدخل لصالحهم أقارب نافذون من سرت. ولكن آخرين قالوا حتى الشيوخ النافذين كثيرا ما يفشلون في اقناع قضاة داعش وغيرهم من الموظفين – وكلهم تقريبا أجانب – بالإفراج عن السجناء، أو تحديد مكان وجود الأشخاص المختفين قسرا.
النهب وتدمير المنازل
بحسب عديد من السكان الفارين، هدم داعش 20 منزلا على الأقل لمقاتلين من عائلات محلية بارزة التحقوا بمليشيات حاولت دحر التنظيم، رغم أنهم لم يكونوا بداخلها ورغم أن عائلاتهم فرت منها. كما قالوا إن داعش نهب وصادر شركات محلية، ومنح منازل المسؤولين الحكوميين المحليين وعناصر الشرطة وعناصر التنظيمات المسلحة المعادية له لمقاتليه الأجانب، بحسب هؤلاء السكان.[51]
من الذين اتهموا داعش بسرقة المنازل وتدميرها محمد الحنش، رجل مُسنّ من سرت قتل داعش ابنه وهو ملقى على الأرض في ساحة المعركة بسبب إصابة في مارس/آذار 2015 (انظر أعلاه). أطلع الحنش وشخص آخر من عائلته هيومن رايتس ووتش صورا لمنزلين كبيرين قبل وبعد أن يدمرهما داعش بالكامل – بحسب روايتيهما – في يونيو/حزيران 2015، أي بعد أن هربوا من هناك. كما قالا إن الجيران قالوا لهم إن داعش استحوذ على جميع الأثاث والثلاجات وأجهزة التلفزيون وغيرها من الممتلكات، ثم فجر المنزلين.[52]
قال الحنش إنه كان يملك محلات للأغذية والمعدات الزراعية في سرت، ولكن داعش استحوذ عليها وعيّن فيها مديرين تابعين له. قال: "هربنا من سرت بملابسنا التي تغطي ظهورنا فقط. حتى إن انهزم داعش، ماذا بقي لنا حتى نعود من أجله؟"
قال "علي" إن داعش أخذ كل شيء في منزله بعد أن فر منه في يناير/كانون الثاني 2015، حتى ببغاء ابنته. أضاف: "يستحوذون على أجمل المنازل ويعطونها لمقاتليهم".[53]
في ديسمبر/كانون الأول 2015، نشر داعش مقطع فيديو على احدى أجنحته الإعلامية يظهر فيه عناصر التنظيم وهم يهدمون قبورا يبدو أنها في سرت. قال نازحان وصحفي له اتصالات بسرت لـ هيومن رايتس ووتش إن الحادث جدّ فعلا وإن القبور التي تتعرض للتدمير كانت في مقبرة بن همال في سرت. قال مصدر إن القبور التي دمرها داعش كانت كبيرة ومزخرفة وهي لأشخاص مقربين من القذافي.[54]
الإجبار على الصلاة والتعليم الديني والولاء
منذ أغسطس/آب 2015، أصبح عناصر داعش المسلحون يجوبون الشوارع أوقات الصلاة، ويحثون الناس على الذهاب إلى المساجد، ويأمرون التجار بإغلاق محلاتهم من بداية صلاة العصر إلى نهاية صلاة العِشاء، بحسب سكان حاليين ونازحين. كما قالوا إن عقوبة التخلف عن الصلاة أو عدم إغلاق المحلات في أوقات الصلاة هي الجلد.[55] جميع سكان سرت تقريبا مسلمون سُنّة، ولكن قبل سيطرة داعش على المدينة لم يكن جميع السكان يؤدون صلواتهم الخمس في المساجد.
قال 5 سكان إن شرطة الآداب التابعة لـ داعش بدأت منذ مطلع مارس/آذار 2016 تجبر الرجال والأطفال الذين تجاوزا 15 سنة حضور دورات تكوينية تدوم أسبوعين في المساجد المحلية، تتبعها حلقة متابعة في قاعات واغادوغو للمؤتمرات في أبريل/نيسان.[56] قالت "فرح"، وهي جدة، إنها هربت مع ابنيها البالغين بعد أن "دعاهما" داعش لحضور الدورات:
في البداية قالوا لهما "تعالا إلى الفصل، إن الدروس طوعية"، ثم بعثوا وثائق تجبرهما على ذلك، ثم طلبوا منهما الانضمام لـ داعش. عندها قررنا الفرار. لم نأخذ معنا شيئا سوى معاطفنا على ظهورنا. نحن الآن 6
عائلات في منزل واحد، فيه غرفتا نوم لـ 27 شخصا. هل كان لدينا أي خيار؟[57]
قالت "ليلى" لـ هيومن رايتس ووتش – وكانت قد غادرت سرت في مارس/آذار 2016 – إن داعش لم يُجبر النساء على الحضور، لكنه "يبث خطب المساجد بمكبرات الصوت، فكان من شبه المستحيل عدم سماعها".[58] لم يُجبر النساء على الحضور، لكنه "يبث خطب المساجد بمكبرات الصوت، فكان من شبه المستحيل عدم سماعها".
تقييد التعليم والاتصالات
قال سكان سابقون لـ هيومن رايتس ووتش إن القيود التي فرضها داعش على التعليم تسببت في تعليق الدروس في جامعة سرت.[59] قاطع الطلاب والأساتذة الجامعة في نوفمبر/تشرين الثاني بعد أن أمر داعش 16 ألف طالب وطالبة مسجلين فيها بالدراسة بشكل منفصل. كما أغلق داعش كليات أخرى، منها كليات القانون واللغات والآداب والفنون بحجة أنها تخالف التعاليم الإسلامية، بحسب 2 من سكان سرت السابقين. كما قالا إن أغلب الطلاب غادروا سرت وانتقلوا إلى كليات في بلدات وقرى صغيرة، بينما انقطع الآخرون عن الدراسة.
قال سكان سابقون وعضو في المجلس البلدي في المنفى إن المدارس الابتدائية والثانوية الحكومية بقيت مفتوحة، رغم تراجع عدد الطلاب بسبب موجات النزوح. ألغى داعش بعض دروس التاريخ وأمر المدرسين باختبار معرفة الطلاب بالتاريخ الإسلامي والشريعة، بحسب 4 سكان سابقين لهم أقارب درسوا في مدارس ابتدائية وثانوية، أحدهم مدرس ابتدائي سابق في سرت. كما وسع داعش الفصل بين الذكور والإناث، مواصلا ما بدأه تنظيم أنصار الشريعة الذي سيطر من قبل على المدينة، بحسب 3 سكان فروا من هناك.
قال "جمال"، أحد السكان، وكان قد اطلع على الاختبارات قبل أن يغادر سرت في مطلع مارس/آذار 2016: "المسابقات تختبر معرفة الأطفال بالقصص والممارسات الإسلامية التقليدية. من الأسئلة التي تطرح على الطلاب: كيف تُؤدى صلاة الفجر؟ وما هي قيمة الحجاب في الإسلام؟ ومن هو الخليفة الحالي للمسلمين؟". الإجابة التي يبحث عنها المدرسون لهذا السؤال هي أبو بكر البغدادي، زعيم داعش في سوريا والعراق، بحسب ما قال.[60]
قال جمال إن داعش يعطي للأطفال الحلوى، وأحيانا ملابس إسلامية تقليدية، عندما يعطون الإجابات الصحيحة.
"أم علي"، وكان لها طفلان في مدارس سرت قبل أن تفر مع عائلتها في ديسمبر/كانون الأول 2015، قالت إن الكثير من الأولياء سحبوا أطفالهم من المدارس خشية أن يغسل داعش أدمغتهم. قالت أيضا إن عناصر داعش يراقبون من الشبابيك للتأكد أن الأطفال لا يخالفون مدونة اللباس، ويقتادون الأطفال الذين يتحدثون في السياسة إلى مقر الحسبة.[61]
فرض داعش قيودا مشددة على حرية التعبير، ليس فقط بالمطالبة بالولاء له ولكن أيضا بتعطيل جميع شبكات الهاتف في سرت بعد أن سيطر عليها، فصار السكان لا يستطيعون إجراء مكالمات إلا عبر مراكز الاتصال التابعة له.[62] بعض السكان يستخدمون الصحون اللاقطة، إن تمكنوا من توفير ثمنها، ولكن داعش حظر في بداية 2016 هذه الصحون، بحسب 3 سكان. كما قالوا إن شرطة الحسبة تتفقد محتويات الهواتف الخلوية بشكل روتيني في نقاط التفتيش.
قواعد خروج المرأة ولباسها
في أغسطس/آب، بدأ داعش يفرض على جميع النساء والفتيات اللواتي بدءا من سن 10 أو 11 سنة تغطية أنفسهن من الرأس إلى أخمص القدمين في عباءة فضفاضة سوداء اللون عند الخروج من المنزل، وعدم مغادرة البيت دون محرم، أي أحد أقاربها الذكور مثل زوجها أو شقيقها أو والدها.
قواعد داعش كما نشرت على لافتة في سرت، حصلت هيومن رايتس ووتش على صورة منها، تُظهر امرأة ترتدي عباية سوداء غير مزينة ونقاب أسود، وهو الزي الذي يتعين على المرأة لباسه، مصحوبا بسبع قواعد:
أولا: أن يكون صفيقا (ثخينا) لا يشفّ عما تحته.
ثانيا: أن يكون فضفاضا (واسعا غير ضيق).
ثالثا: أن يكون ساترا لجميع البدن.
رابعا: أن لا يكون لباس شهرة.
خامسا: أن لا يشبه ملابس الكافرات والرجال.
سادسا: أن لا يكون لباس زينة يُلفت الأنظار.
سابعا: أن لا يكون مطيبا (معطرا أو مبخرا).
تحمل الصورة طابعا دائريا أحمر لـ "مكتب الهمة".[63]
قال الكثير من السكان إن شرطة الآداب التابعة لـ داعش تلاحق النساء والفتيات اللاتي لا تلتزمن بمدونة اللباس، وفرض غرامة على أقاربهن الذكور أو جلدهم، غالبا بشكل فوري.
قالت "هدى" (28 سنة)، وكانت قد فرت في مارس/آذار: "علينا تغطية كل شيء، حتى الوجه. إن بقيت اليدان
بارزتين، يفرضون على الرجل غرامة بـ 75 دينارا [58 دولار]. أما إن بقيت الساقان، تصير الغرامة 150 دينارا [116 دولار]. وإن تكرر ذلك، يوجهون تحذيرا إلى الزوج، وفي المرة الثالثة، يجلدونه. يجب أن يكون معنا مرافقا ذكرا حتى عندما نذهب للتسوق. لم يكن أمامنا خيار، فنساء سرت لا يستطعن الاعتراض".[64]
قالت "أحلام" إن أحد عناصر داعش أوقفها وزوجها في سيارتهما في سرت في مطلع 2016. أضافت: "طلب مني أن أرفع يديّ، ولما رآهما عاريتين صرخ في زوجي وطلب منه إجباري على وضع قفازين".[65]
قالت الامرأتان لـ هيومن رايتس ووتش إن الأمهات بدأن في تحجيب بناتهن من سن الثامنة حتى لا يتعرض أزواجهن للجلد ولا تُفرض عليهم غرامات.
قال سكان فارون لـ هيومن رايتس ووتش إن أصحاب المحلات التجارية الذين يستقبلون نساء بدون محرم يتعرضون للجلد ويدفعون الغرامات وتُغلق محلاتهم.[66] كما قال 5 سكان سابقين إن المحلات ممنوعة من بيع العطور والاكسسوارات التي يعتبرها عناصر الحسبة زينة، والملابس الداخلية المزخرفة. قال "عمر"، أحد النازحين: "يُمكنك شراء ملابس داخلية، ولكن فقط في محلات يوافق عليها داعش لأنه هو الذي يراقب البضاعة.[67] كما قال نازح آخر إن داعش منع حتى التماثيل البلاستيكية المستخدمة لعرض الملابس النسائية.[68]
قال سكان فارون إن داعش وضع قيودا على لباس الرجال والمراهقين. قال حمزة إن السراويل يجب ألا تتجاوز الكعبين، طبق "النمط الأفغاني". وأضاف: "إذا لبس أحدهم الجينز، يطلبون منه طيّه إلى الأعلى ليغطي فقط جزءا من رجليه. ويأمرون الحلاقين بعدم حلق اللحى، وإن لم يلتزموا بذلك يتعرضون للجلد والغرامات، ويغلقون محلاتهم".[69]
الضغط للزواج بمقاتلي داعش
في سبتمبر/أيلول 2015، ذكرت وسائل إعلام إن زعيما محليا في داعش دعا الآباء في سرت إلى "تزويج بناتهن" من مقاتلي التنظيم.[70] قال 3 سكان سابقين لـ هيومن رايتس ووتش إن العديد من عناصر داعش عرضوا على شابات وفتيات وعائلات الزواج بهم. قال "زايد" إن داعش دعا أيضا في الخطب إلى طلاق المرأة من زوجها إن كان تابعا للقوات الليبية المسلحة والزواج به مجددا بعد أن يتوب ويعلن ولاءه لـ داعش.[71]
قال "علي"، وكان ساكنا في سرت، إن احدى قريباته فرت في مارس/آذار بعد أن اقترح عليها مقاتل سعودي الزواج منها. أضاف: "قالت له إنها ستفكر في الأمر، ثم هربت".[72]
الضرائب
يفرض داعش الزكاة على التجار والمزارعين. تجمع شرطة الحسبة الضرائب التي تحدد قيمتها حسب قيمة الممتلكات. قال أحمد، صاحب محل سابقا، إن عناصر داعش فرضوا مبلغ 150 دينار ليبي (115 دولار) في أكتوبر/تشرين الأول 2015 على المحلات متوسطة الحجم، ومنها محله، كضرائب شهرية، ثم عادوا بعد أيام وطلبوا 5 آلاف دينار (3406 دولار) كضرائب مستحقة بصفة رجعية لعام 2015.[73]
قال 5 سكان – دفعوا ضرائب بأنفسهم أو ينتمون لعائلات دفعت ضرائب – إن المزارعين يُسلمون لـ داعش رأس غنم على كل 10 رؤوس، ورأس إبل على كل 5 رؤوس.
خدمات أساسية للمقاتلين دون السكان
وثيقة المدينة التي أصدرها داعش في أغسطس/آب 2015 في سرت نصت على أن الذين يلتزمون بالأحكام "آمنون مطمئنون". ورغم ان داعش يفرض ضرائب على سكان سرت، إلا أنه لم يوفر لهم الخدمات الأساسية التي يوفرها لمقاتليه، بحسب جميع السكان السابقين والحاليين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش.
كما قال جميع السكان السابقين والحاليين الذين تحدثوا لـ هيومن رايتس ووتش، منهم عاملون في مجال الرعاية الطبية، إن مستشفى ابن سينا الحكومي، وفيه 300 سرير، والمستوصفات الحكومية المحلية بقيت تعمل بعد سيطرة داعش على المدينة، ولكنها الآن صارت فارغة لأن كل الأطباء والممرضين تقريبا فروا. بقيت بعض المصحات الخاصة مفتوحة ولكنها باهظة جدا بالنسبة للسكان.
قال سكان سابقون إن داعش جعل العدد القليل من الأطباء الذين مازالوا يعملون في مصحات خاصة مخصصين لعناصره وعائلاتهم.[74] كما قال 3 سكان سابقين إن التنظيم اختطف شاحنات محملة بالأدوية. وقال عضو سابق في المجلس البلدي في المنفى إن داعش استولى أيضا على سيارات الإسعاف.[75]
قال جميع من قابلناهم إن الطعام شبه معدوم في المدينة. كما قال أكثر من 10 سكان إن أسعار المحروقات ارتفعت لأربع أضعافها مقارنة بالمناطق الأخرى في ليبيا الغنية بالنفط. قال مسؤولون حكوميون في المنفى وتجار إن المزودين توقفوا عن دخول المدينة بعد أن بدأ داعش يختطف السُّواق والعربات والبضاعة. قال "أبو إبراهيم"، السجين السابق: "لا يوجد أكل وأدوية، حتى للأطفال".
قال عضو في المجلس البلدي في المنفى و6 سكان نازحين إن داعش أغلق جميع المصارف المحلية، ودمج مصرف التجارة والتنمية في بيت مال المسلمين، التي تصرّف الدولارات واليوروهات والعملة الليبية لعناصره دون باقي الناس.
يسمح داعش لأغلب السكان بالسفر إلى مدن أخرى للحصول على أغراض ورعاية صحية. ولكن السكان قالوا إنهم يخضعون للاستجواب في نقاط تفتيش متعددة – يسيرها داعش في أطراف المدينة وأخرى تسيرها قوات مسلحة معادية له قرب مصراتة – ما يجعل رحلة الساعتين تستغرق 6 ساعات، ويصير الحصول على الخدمات الطبية عالي التكلفة ويستغرق وقتا طويلا.
اشتكى جميع السكان السابقين والحاليين الذين أجريت معهم مقابلات من أن فروع المصارف في مصراتة لا تسمح لهم في الغالب بسحب أي أموال ما أن تعلم أنهم من سرت. تعاني ليبيا من نقص حاد في السيولة والمصارف تقنن عمليات السحب في جميع أنحاء البلاد، ولكن سكان سرت قالوا إن مصارف مصراتة تحتفظ بالسيولة المتوفرة لديها للسكان المحليين.
قال عديد من السكان السابقين والحاليين إن انعدام الحاجيات يتعارض مع وسائل الراحة التي يوفرها داعش لمقاتليه وعناصره. محمود، أحد السكان، يسافر بانتظام لـ سرت للقيام بأعمال، قال:
لا توجد خضروات أو لحوم، وأغلب المحلات مغلقة. في المقابل يعيش الدواعش في منازلنا، ويعدون حفلات الشواء. عندهم 5 محلات في سرت توفر لهم الأكل الفاخر. هذه المحلات لا تنقطع عنها البضائع. وعندهم ما يكفيهم من الوقود لتشغيل شاحنات ضخمة رباعية الدفع. وعندهم أطباؤهم الذين يعالجونهم عندما يمرضون.[76]
III. مصير النازحين من سرت
فر أكثر من ثلثي سكان سرت – البالغ عددهم 80 ألفا – منذ أن سيطر عدد قليل من مقاتلي داعش على المدينة أواخر 2014، بحسب عديد من السكان، منهم 3 أعضاء في المجلس البلدي في المنفى.
لا توجد في ليبيا مخيمات للفارين من سرت. يعيش الكثير من السكان النازحين مع أقارب لهم أو في شقق مؤجرة في بلدات ومدن منها مصراتة وبني الوليد والبيضاء والجفرة وطرابلس العاصمة، 280 ميل غرب سرت. ولكن الكثير من السكان لا يستطيعون توفير كلفة الإيجار، الذي يتراوح في مصراتة بين 700 و1500 دينار ليبي (بين 538 و1155 دولار) في الشهر، وهو ما يُعتبر ثروة صغيرة لعديد من الليبيين.[77] تعيش بعض العائلات الكبيرة في غرف مكتظة. في الجفرة، 220 ميل جنوب سرت، ينام الكثير من الليبيين في منازل مؤقتة في حديقة عامة، بحسب ما قاله ناشط من المنطقة لـ هيومن رايتس ووتش.[78]
قال سكان سرت الذين بحثوا عن ملجأ في مصراتة إنهم لم يحصلوا على أي مساعدات عاجلة تقريبا، سوى حفنات من الأكل وبعض الأفرشة ومعدات تنظيف أرسلتها منظمات إغاثة دولية. قال رجل (74 سنة) فار من سرت لـ هيومن رايتس ووتش: "لا يُمكننا أن نأكل أو نشرب سوائل التنظيف".[79]
أكد مشرفون على الفرع المحلي لـ"الهلال الأحمر الليبي" – إحدى منظمات الإغاثة القليلة التي مازالت تعمل في البلاد – ومكتب الخدمات الاجتماعية في مصراتة نقص المساعدات. قال مدير الخدمات الاجتماعية إن مصراتة تستضيف 28 ألف نازح، 7500 منهم تقريبا من سرت.[80]
قال محمد اشتيوي، عميد بلدية مصراتة: "نحتاج إلى المساعدة، ليس لدينا ما يكفي من الغذاء والمساكن لإيواء الفارين من القتال".[81] كما قال عميد البلدية إن مصراتة تتوقع موجة نزوح جديدة إن انطلقت الحملة المتوقعة على داعش في سرت (انظر "داعش في سرت" أعلاه).
المساعدات الإنسانية الداخلية نادرة في ليبيا بسبب القتال والحكومة المنقسمة. في ذات الوقت، غادرت أغلب منظمات الإغاثة الدولية ليبيا بسبب تدهور الوضع الأمني.[82] دعت الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول إلى تقديم مساعدات لليبيا بقيمة 166 مليون دولار، ولكن ذلك لم يتحقق.[83] على السلطات الليبية والمانحين الأجانب إعطاء الأولوية لليبيين المتأثرين بالقتال.
VI. الالتزامات الدولية
بصفته السلطة الحاكمة بأمر الواقع، وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يتحمل داعش مسؤولية حماية حقوق السكان – دون تمييز – وضمان الاستجابة لجميع حاجاتهم الأساسية.[84] تشمل هذه الحقوق الحق في الغذاء الكافي والصحة اللائقة.[85] على داعش اتخاذ الخطوات اللازمة فورا للتقيد بهذه المبادئ، بما يشمل القضاء على التمييز في الحصول على الأغذية والأدوية الأساسية.
وبصفته سلطة الأمر الواقع أيضا، على داعش احترام حق جميع المواطنين في الخصوصية، وحقهم في حرية التدين والتنقل والتعبير دون تمييز. القيود التي يجب إلغاؤها في هذا الصدد تشمل فرض الصلاة الإجبارية، وتقييد لباس وتنقل النساء والفتيات، ومراقبة التعليم الحكومي وفرض تمييز قائم على الجنس. على داعش ضمان أن تكون جميع العقوبات الجنائية ناتجة عن إجراءات تحترم الحق في سلامة الإجراءات والمحاكمة العادلة، والكف عن العقوبات القاسية واللاإنسانية والمهينة، مثل بتر الأطراف والجلد.[86]
سلوك داعش في سرت ينتهك أيضا القانون الدولي الإنساني، أو قوانين الحرب، التي تنطبق على جميع أطراف النزاع المسلح في ليبيا. قوانين الحرب تحظر بشكل صارم الهجمات المتعمدة والعشوائية ضد المدنيين والأعيان المدنية.[87] على أطراف النزاع ملازمة الحذر الدائم لتجنب تأثير الأعمال العدائية على السكان المدنيين والأعيان المدنية.[88]
"البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة"، الذي صدقت عليه ليبيا في 2004، ينص على ألا تجند الجماعات المسلحة غير الحكومية الأطفال دون 18 سنة لأي سبب كان.[89]
الانتهاكات الخطيرة لقوانين الحرب، بما يشمل إعدام المدنيين والمصابين والمقاتلين الأسرى بإجراءات موجزة والنهب ومصادرة وتدمير الممتلكات المدنية التي لم تعد أهدافا عسكرية، تعتبر جرائم حرب عندما تُنفذ لغاية إجرامية.[90] وعملا بالقانون الدولي الإنساني العرفي و"نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية"، تجنيد الأطفال دون 15 سنة أو إشراكهم في أعمال عدائية من قبل قوات مسلحة حكومية أو مجموعات مسلحة غير حكومية هو جريمة حرب.[91]
كما تعتبر جريمة حرب (بموجب مواثيق منها نظام روما الأساسي) "إصدار أحكام وتنفيذ إعدامات دون وجود حكم سابق صادر عن محكمة مشكلة تشكيلا نظاميا تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف عموما بأنه لا غنى عنها".[92]
عندما تُرتكب جرائم – مثل القتل والاخفاء القسري – على نطاق واسع وبشكل متعمد ومنهجي، وتستهدف السكان المدنيين، أي أنها تكون في إطار سياسة متبعة من جماعة منظمة، فهي ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية.[93]
كل من يرتكب أو يأمر أو يساعد أو يتحمل مسؤولية قيادة في جرائم حرب أو إبادة أو جرائم ضد الإنسانية مُعرض للملاحقة من قبل المحاكم المحلية أو المحكمة الجنائية الدولية. كما أن المسؤولية الجنائية عند التواطؤ في هذه الجرائم – وأشكال التواطؤ الأخرى – تشمل الأشخاص الذين يقدمون دعما ماليا أو أي دعم آخر لتنظيم يرتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، خاصة إذا كان لهم علم بهذه الجرائم.
V. الأمم المتحدة والدور الدولي في مجال حقوق الإنسان
فشلت هيئات الأمم المتحدة مرارا في تحقيق وعودها بتحديد مرتكبي الجرائم الخطيرة في ليبيا ومعاقبتهم. يُمكن للحكومات الأجنبية المعنية أن تفعل أكثر لمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ليبيا، سواء بالنظر في إمكانية ملاحقتهم في بلدانهم أو زيادة الموارد لتوسيع تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية حول ليبيا.
اللجوء للمحاكم المحلية هو الخيار الأمثل، ولكن السلطات الليبية لم ترغب أو ربما لم تستطع التحقيق مع المتورطين في انتهاكات خطيرة ومحاكمتهم. المؤسسات الليبية، بما يشمل السلطة القضائية، في حالة انهيار شبه كامل، والكثير من المحاكم علقت أنشطتها بسبب استهداف القضاة والمدعين، وتدهور الوضع الأمني بشكل عام.[94]
ثمة هيئتان تابعتان لمجلس الأمن الدولي – "فريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات" الخاص بالتنظيمات، مثل داعش، و"فريق خبراء ليبيا" – لهما سلطة إجراء تحقيق حول عناصر داعش وغيرهم من المسؤولين عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ولقوانين الحرب في ليبيا، وتوصية مجلس الأمن بفرض عقوبات، منها فرض حظر سفر عليهم وتجميد أرصدتهم.[95]
فرض مجلس الأمن عقوبات في فبراير/شباط وأبريل/نيسان 2016 على عنصرين مزعومين من داعش وقائد مزعوم في القاعدة بسبب أعمال متصلة بليبيا مثل التجنيد والتمويل.[96] ولكن – حتى كتابة هذا التقرير – لم يحدد فريق الخبراء ومجلس الأمن انتهاكات حقوق الإنسان أو جرائم الحرب التي ارتكبها داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة في ليبيا كأسباب لفرض عقوبات.
على مجلس الأمن إعطاء الأولوية لهذه الجهود مع ضمان خضوع الأشخاص المستهدفين لإجراءات سليمة. على مجلس الأمن أيضا مواصلة جهوده في فرض عقوبات على الأشخاص والشركات التي تمول أو تشارك في عمليات داعش، أيضا مع مراعاة سلامة الإجراءات.
في مارس/آذار 2014، أنشأ مجلس الأمن "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا"، ومهمتها مساعدة الحكومة الليبية على الانتقال للديمقراطية، وتعزيز سيادة القانون، ومراقبة وحماية حقوق الإنسان، ومراقبة الأسلحة غير الآمنة والمواد ذات الصلة في ليبيا، وبناء قدرات الحوكمة.[97] على مجلس الأمن توجيه وحدة حقوق الإنسان التابعة للبعثة نحو إعداد تقارير منتظمة وعلنية حول وضع حقوق الإنسان في البلاد.
على مجلس حقوق الإنسان الأممي إعطاء الأولوية لتعيين خبير أو أي آلية مستقلة أخرى لتوثيق الانتهاكات الحقوقية الخطيرة والمستمرة التي يرتكبها داعش وجميع الأطراف الأخرى في ليبيا، وكذلك تحديد تركيبة القيادة في داعش والمنظمات الأخرى المتورطة في جرائم خطيرة، بهدف الردع والمحاسبة.
في مارس/آذار، مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان دعا مجلس حقوق الإنسان لتعيين هذا الخبير المستقل.[98] في الشهر نفسه، دعت هيومن رايتس ووتش ومنظمات غير حكومية أخرى مجلس حقوق الإنسان لإنشاء آلية تحقيق – يُمكن أن تأخذ شكل خبير مستقل – خاصة بليبيا.[99] ولكن بسبب غياب الإرادة السياسية والمعارضة التي أبدتها البعثة الليبية، فشل مجلس حقوق الإنسان في تحقيق ذلك في الدورة التي عقدها في الشهر نفسه.
على الحكومات الأجنبية المعنية زيادة الموارد والجهود الرامية للتحقيق في الجرائم الخطيرة في ليبيا أو المتصلة بها، وبدء محاكمات بشأنها، سواء عبر توفير موارد إضافية للمحكمة الجنائية الدولية أو عبر الأنظمة القضائية المحلية.
للمحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي ارتكبت في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011، عملا بقرار مجلس الأمن رقم 1970.[100] تلقى مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية تمويلا من مساهمات الدول الأعضاء. عبرت المدعية العامة عن التزامها بإجراء تحقيقات إضافية في ليبيا ولكنها تحدثت عن قيود تتعلق بالتمويل في خضم تزايد الطلبات.[101] على الدول الأعضاء ضمان حصول مدعية المحكمة على موارد كافية لإجراء تحقيق في الجرائم الخطيرة المستمرة في ليبيا من قبل جميع الأطراف.[102]
بعض أنواع الجرائم الأكثر خطورة التي تنتهك القانون الدولي، مثل جرائم الحرب، تخضع "للولاية القضائية العالمية" – ما يسمح للنظام القضائي المحلي بالتحقيق في بعض الجرائم المرتكبة من قبل أو ضد أحد مواطنيها، ومحاكمتها، بغض النظر عما إذا ارتكبت على أراضيه.[103] أما فيما يتعلق بإمكانية إجراء ملاحقة قضائية في بلد ما باستخدام الولاية القضائية الدولية، فذلك مرتبط بالقوانين الداخلية لكل بلد.
الحكومات الأجنبية التي تقدم دعما مباشرا لعمليات عسكرية ينفذها أي طرف مسلح في ليبيا، مثل المعلومات المتعلقة بالأهداف وتوفير المعدات، قد تعتبر مشاركة في النزاع المسلح وملزمة بتطبيق قوانين الحرب، بما يشمل الالتزام بالتحقيق في الانتهاكات المزعومة. تدعو هيومن رايتس ووتش الحكومات الأجنبية المتورطة في النزاع إلى إجراء هذه التحقيقات.
استمرار الفشل في القضاء على الإفلات من المحاسبة على ارتكاب انتهاكات حقوقية خطيرة وجرائم حرب في ليبيا قد تنتج عنه جرائم أكثر بشاعة، وقد يتسبب في سقوط ضحايا أكثر، بما يشمل داعش.
شكر وتنويه
أجرى بحوث هذا التقرير كل من ليتا تايلر، باحثة أولى في شؤون الإرهاب ومقاومة الإرهاب، وبراهيم الأنصاري، باحث مساعد في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أجرت تايلر بحوثا إضافية وكتبت التقرير.
راجع التقرير إريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ وطوم بورتيوس، نائب مدير البرامج؛ وكلايف بالدوين، مستشار قانوني أول. كما راجع أجزاء من التقرير كل من بيل فان اسفلد، باحث أول في قسم حقوق الطفل؛ وروثنا بيغم، باحثة في قسم حقوق المرأة؛ وبلقيس جراح، مستشارة أولى في برنامج العدالة الدولية؛ وفيليب بولوبيون، نائب مدير برنامج المرافعة؛ وأكشايا كومار، نائبة مدير برنامج الأمم المتحدة؛ وجون فيشر، مدير مكتب جنيف؛ وليلى مطر، مسؤولة المرافعة المختصة بالأمم المتحدة.
أعد التقرير للنشر كل من سركيس بلخيان، منسق قسم الشرق الأوسط و شمال أفريقيا؛ وأوليفيا هانتر، منسقة النشر؛ وفيتزروي هوبكنز، المدير الإداري؛ وجوزي مارتنيز، منسق أول.
تشكر هيومن رايتس ووتش الشهود وأقارب الضحايا ومسؤولي الحكومة الليبية وغيرهم ممن ساعد على إعداد هذا التقرير.