يبدو أن ثمة زخم مُركّز يتجه نحو عسكرة البحر الأبيض المتوسط للسيطرة على الهجرة.
ساند الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤخرا اقتراح الاتحاد الأوروبي المتعلق بعملية يقودها الناتو في وسط البحر الأبيض المتوسط، بناء على وجود قوات للتحالف في شرق البحر المتوسط (بحر ايجه) منذ فبراير/شباط.
تقود الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني جهودا لفرض مهمة الاتحاد الأوروبي في "مكافحة التهريب" – العملية صوفيا – السارية حاليا في المياه الدولية قبالة السواحل الليبية وداخل المياه الإقليمية الليبية.
فلنتوقف لحظة للتفكير في ما يمكن أن يعنيه ذلك بالنسبة للمهاجرين وطالبي اللجوء.
هذه أحدث التوجهات في جهود الاتحاد الأوروبي لوقف تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء من شمال إفريقيا
.مع الانخفاض الكبير في عدد الطرق البحرية في بحر إيجة، باتت العيون تتجه إلى وسط البحر الأبيض المتوسط، الذي عبره قرابة 30 ألفا، معظمهم من ليبيا، منذ بداية هذا العام.
ذهب المسؤولون الإيطاليون، وحتى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إلى حد القول بأن الاتحاد الأوروبي يجب أن يبرم صفقة مع ليبيا على غرار صفقة تركيا، التي تسمح بإرجاع طالبي اللجوء على افتراض أنهم "آمنين" هناك.
فرضية أن تركيا آمنة للاجئين وطالبي اللجوء غير صحيحة.
كما أن التفكير في أن ليبيا ملاذ آمن، وهي تعصف بها الفصائل المتحاربة، ناهيك عن حكومة الوحدة الوطنية الوليدة المتنازع عليها والتي يسعى الاتحاد الأوروبي بكل ما أوتي من قوة لإضفاء الشرعية عليها، فكرة محيرة جدا.
نظرا لمخاطر الحياة اليومية في ليبيا، يبدو أن لا نفع من الإشارة إلى أن ليبيا لم تصادق على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وليس لديها قانونا للاجئين أو إجراءات لجوء محلية.
المخاطر التي يتعرض لها المهاجرون الذين يجدون أنفسهم في ليبيا تعود لفترة ما قبل الحرب الأهلية في البلاد. فقد نشرت هيومن رايتس ووتش عام 2006 تقريرا حول المعاملة القاسية التي يلقاها المهاجرون في مراكز الاحتجاز هناك.
أدت الانتهاكات طويلة الأمد والموثقة بحق المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا إلى إدانة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لإيطاليا بشكل لا لبس فيه لاعتراض قوارب المهاجرين وإعادتها إلى ليبيا عام 2009.
خطَّ حُكم المحكمة خطوطا حمراء واضحة: بمجرد خضوع المهاجرين لسيطرة أو حجز سلطات الاتحاد الأوروبي، بصرف النظر عن مكان حدوث ذلك، فهي مُلزَمة بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
انتهكت إيطاليا في هذه الحالة عُرفا سائدا للاتحاد الأوروبي والقانون الدولي: الحظر المفروض على إعادة الأشخاص إلى مكان قد تكون فيه حياتهم وحريتهم معرضة للخطر، والمحكمة رأت أن الواقع كذلك في ليبيا.
بعبارة أخرى، لا يمكن للبلدان الأوروبية إخلاء مسؤوليتها حيال المهاجرين واللاجئين، سواء في أعالي البحار أو في المياه الإقليمية لدولة خارج الاتحاد الأوروبي.
ما يزال المهاجرون وطالبو اللجوء يواجهون تهديدات في ليبيا. وثقت هيومن رايتس ووتش مجددا أعمال تعذيب واكتظاظ وظروف صحية متردية، وعدم وجود رعاية طبية في مراكز احتجاز المهاجرين عام 2014.
"عار وإحباط"
أخبرَنا معتقلون قابلناهم أن الحراس ضربوهم بقضبان من الحديد وعصي وأعقاب البنادق، وجلدوهم بالكابلات وخراطيم المياه والسياط المطاطية المصنوعة من إطارات السيارات والأنابيب البلاستيكية – وأحيانا لفترات طويلة – على باطن أقدامهم.
قال 5 معتقلين في أحد المراكز إن الحراس علقوهم رأسا على عقب على شجرة ثم جلدوهم. ومؤخرا، في مايو/أيار 2015، تحدث مهاجرون وطالبو لجوء التقينا معهم عن الخوف الذي يعيشونه في ليبيا، ورووا تعرضهم للسرقة والضرب والابتزاز على يد أرباب العمل والمجرمين وقوات الأمن والميليشيات.
خلاصة القول أن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لا ينبغي أن يُعيدا أي شخص إلى ليبيا لأن ذلك قد يعرض الناس لانتهاكات خطيرة، وانتهاكات للقانون الدولي وقوانين الاتحاد الأوروبي، وتقويض مكانة الاتحاد الأوروبي العالمية.
التعاون بين الاتحاد الأوروبي والقوات الليبية لمنع الأشخاص من تخطي المياه الإقليمية الليبية يحمل في طياته الكثير من الأسئلة الأخلاقية والقانونية إذا كانت النتيجة هي التعذيب والاحتجاز التعسفي لأجل غير مسمى في ظروف بالغة السوء، أو ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية حيث يواجهون الاضطهاد وما هو أسوأ.
قالت موغيريني مؤخرا إنها شعرت بـ "العار والإحباط حيال الجدران التي نراها تتطاول في أوروبا". رغم هذا، لا يقل الطوق البحري المحيط بالمياه الإقليمية خزيا عن الحواجز الإسمنتية والأسلاك الشائكة على الأرض.
من المقرر أن يقترح الاتحاد الأوروبي في يوليو/تموز الخطوات المقبلة بعد التقييم الداخلي للعملية صوفيا، وسوف يعقد حلف شمال الاطلسي القمة في وارسو. ستكون هذه لحظات حاسمة.
إنقاذ الأرواح أولا
ما يجب على الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الاطلسي القيام به بسيط جدا: إنقاذ الأرواح أولا. بصرف النظر عمن يسيطر على المياه، وسواء أكان تاجرا أو جيشا أو سفينة ترفيهية، فجميع السفن مُلزمة بقوانين البحر عند الاستجابة للقوارب التي تواجه محنة.
تعد القوارب المكتظة، أو الحاملة للمهاجرين وغير الصالحة للإبحار بحكم التعريف واقعة في محنة. كما تتطلب القوانين أن يأخذ قباطنة السفن الركاب المنقَذين إلى مكان آمن.
ثانيا، يجب نقل الأشخاص إلى دول الاتحاد الأوروبي. في فعل تضامني حقيقي، ينبغي للبلدان المشاركة الالتزام بأخذ جزء من الأشخاص الذين تم إنقاذهم أو اعتراض سفنهم، ودراسة مطالبهم بنزاهة وكفاءة.
يمكن أن تُعيد الدول أولئك الذين ليسوا في حاجة إلى حماية دولية لبلدانهم الأصلية، في إطار محاكمة عادلة تحترم حقوقهم. يجب أن تسمح الدول لأولئك الذين يحتاجون إلى ملجأ بالبقاء ومنحهم فرصة حقيقية لإعادة بناء حياتهم بكرامة.
لا يستحق أحد العودة إلى ليبيا، أو أن تتقطّع به السبل فيها.