(تونس) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إنه ينبغي على السلطات التونسية حماية الحريات الفردية والأكاديمية من أعمال العنف والتهديدات الصادرة عن مجموعات دينية تنشط داخل المؤسسات الجامعية. ويجب على إدارات الجامعات وقوات الأمن تنسيق حماية حق الطلبة والأساتذة في الأمن والتعليم.
في 6 ديسمبر/كانون الأول علّقت إحدى الجامعات الدروس بسبب مخاوف أمنية. وقام محتجون بتعطيل الدروس في ما لا يقل عن ستّ مؤسسات جامعية منذ أكتوبر/تشرين الأول، مطالبين بفرض فهمهم للإسلام على البرامج التعليمية واللباس والحياة داخل الحرم الجامعي. كما قاموا بتعطيل الدروس، ومنع الطلبة من اجتياز الامتحانات، واحتجاز العمداء داخل مكاتبهم، وترهيب الأستاذات.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "بالطبع يجب على السلطات التونسية حماية الحق في التظاهر السلمي دون أن تبدي أي قدر من التسامح مع المحتجين الذين يعطلون الدروس ويهددون باستعمال العنف. إن توقيت ومكان بعض هذه الاحتجاجات يوحيان بأنها كانت مخططة لإثارة أقصى قدر من الفوضى من خلال تعطيل الامتحانات، وهي بذلك تحرم آلاف الطلبة من حقوقهم".
ويجب على وزارة التعليم العالي، السلطة المشرفة على الجامعات في تونس، اتخاذ الإجراءات الحاسمة للتصدي لتعطيل الحياة الأكاديمية والاعتداءات التي ترتكبها مجموعات أصولية داخل المؤسسات الجامعية.
ورغم أن الأشخاص الذين هاجموا أو هددوا موظفي الجامعات العمومية انتهكوا، فيما يبدو، القانون، فإن قوات الأمن لم تحرك ساكنًا ولم تعتقل أي شخص. وينص الفصل 116 من المجلة الجنائية على تجريم "كل من يعتدي بالعنف أو يهدد به للتطاول على موظف مباشر لوظيفته... لجبره على فعل أو عدم فعل أمر من علائق وظيفته".
وحصلت أطول الاحتجاجات في كلّية الآداب والفنون والعلوم الإنسانية بمنوبة، القريبة من تونس العاصمة. وجدّت حوادث أخرى في المدرسة العليا للتجارة في جامعة منوبة، وكلية الآداب والعلوم الانسانية بسوسة، والمعهد العالي للفنون والحرف بالقيروان، والمعهد العالي للتكنولوجيا بتونس.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي على الحكومة أن لا تتذرع بمبادئ استقلالية الجامعة وعدم التدخل في الحرم الجامعي لتُقصر في التزاماتها بضمان أمن الطلبة والأساتذة، ومنع الغرباء عن الجامعة من تعطيل النشاطات الأكاديمية، والتأكد من أن لا تكون الاحتجاجات على حساب حقوق الآخرين.
كما قالت هيومن رايتس ووتش إنه يجب على الحكومة التونسية ضمان التدخل السريع لقوات الأمن متى طالبت الجامعة بذلك لمنع الدخلاء من تعطيل الحياة الأكاديمية. ويجب على الحكومة أيضًا تركيز أجهزة مراقبة لتوثيق الاعتداءات البدنية والتهديدات الموجهة للجامعات والأساتذة والطلبة قصد التعرف على مرتكبيها وتقديمهم للعدالة بما يتماشى مع ما تنص عليه المجلة الجنائية.
وقالت سارة ليا ويتسن: "أثناء فترة حكم زين العابدين بن علي، كانت الجامعات التونسية تعاني من الامتثال السياسي القسري. ولم يساعد الطلبة والأساتذة التونسيون على خلع بن علي ليكتشفوا أن كل ما قاموا به ليس أكثر من تغيير نوع من القمع بنوع آخر".
في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، قامت مجموعة تتكون من قرابة مائة شخص في جامعة منوبة بتعطيل سير الدروس ومنع الطلبة من اجتياز الامتحانات، ورددت شعارات مطالبة برفع حظر النقاب داخل قاعات الدرس وتخصيص مُصلى داخل الجامعة. وكان المجلس العلمي قد قرر حظر ارتداء النقاب في الجامعة. وعلى أرض الواقع، جرت العادة بأن يُسمح للطالبات المنقبات بالدخول إلى الجامعة والمكتبة دون قاعات الدرس والامتحان.
وقال حبيب كزدغلي، عميد كلية الآداب والفنون والعلوم الإنسانية بمنوبة، لـ هيومن رايتس ووتش إن المجموعة المتكونة من قرابة مائة شخص كانت تضم طلبة وأشخاصًا آخرين، كما وقال إنه تعرض وعدد من الأساتذة إلى الترهيب من طرف مجموعة كبيرة من الأشخاص خارج مكتبه وإنهم كانوا يخشون مغادرة المكتب.
وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني، قرر حبيب كزدغلي منع دخول الغرباء الى الكلية، ولكن مجموعة من الأشخاص تضم أفرادًا من غير الطلبة اقتحمت الكلية عُنوة يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني وقامت بدفع العميد. وعلى اثر هذه الأحداث، دخل الأساتذة في إضراب للاحتجاج على الاعتداءات وتم تعليق الدروس لمدة ثلاثة أيام.
وفي 6 ديسمبر/كانون الأول، قام المعتصمون بمنع العميد من دخول مكتبه. وفي وقت لاحق قال حبيب كزدغلي لـ هيومن رايتس ووتش:
على الساعة الثامنة و35 دقيقة، ركنت سيارتي في موقف السيارات داخل الجامعة وتوجهت إلى مكتبي، وسمعت آيات قرآنية تقع تلاوتها عبر مكبّر للصوت. ولما اقتربت من مكتبي، توقفت تلاوة القرآن وقامت المجموعة المعتصمة أمام الإدارة بإغلاق أبواب المبنى. وقام وسام بن عثمان، وهو قيادي في المجموعة ولكنه ليس طالبًا في الجامعة، بالتحدث عبر المصدح وهو يصرخ "لا تدعوه يدخل مبنى الإدارة."
تعجبتُ من ذلك لأنني اعتدت على دخول مكتبي ومغادرته والمعتصمون هناك. في ذلك اليوم بالذات، كونوا حزامًا بشريًا، فحاولت الدخول عُنوة وفتح الباب، والتحق بي بعض عملة الكلية وأستاذ من قسم الفرنسية، ولكن المعتصمين في الجانب الآخر قاموا بدفعنا بقوة وإسقاط الأستاذ إلى درجة أنه أغمي عليه. وعلى اثر هذه الحادثة، قام الأساتذة وموظفو الإدارة بإغلاق مكاتبهم وقمنا بعقد اجتماع خارج الجامعة قررنا خلاله غلق كلية الآداب والفنون والعلوم الإنسانية لأجل غير مُسمى ودعوة الشرطة للتدخل. والى حد الآن، لم تتدخل الشرطة والوضع لا يزال على حاله.
ولا تزال الجامعة مُغلقة منذ 6 ديسمبر/كانون الأول. وفي 8 ديسمبر/كانون الأول، قامت باحثة هيومن رايتس ووتش بزيارة الجامعة ولم تلاحظ وجود قوات الأمن في زيهم الرسمي خارج وداخل المركب الجامعي ولاحظت وجود ما يقارب 20 معتصمًا داخل مبنى الإدارة.
وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول، تعرّضت مجموعة من الأشخاص لمحمد ناجي مطير، الكاتب العام لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، مدينة تبعد 140 كيلومترأ جنوبي تونس العاصمة، بعد أن منعت إدارة الكلية طالبة منقّبة من التسجيل. وقال محمد ناجي مطير لـ هيومن رايتس ووتش "لقد قاموا بمحاصرتي والاعتداء على سيارتي عندما كنت أقودها داخل الجامعة. وبعد أن ركنت سيارتي، شرع بعضهم يركلني ويضربني ومزقوا ملابسي إلى أن تدخل العملة لإنقاذي. أغلب المعتدين لم يكونوا من طلبتنا".
وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني، كانت أسماء سعيدان باشا، أستاذة مساعدة بالمعهد العالي للفنون والحرف بالقيروان، تشرف على اختبارًا يحتوي على إعادة للوحة مايكل أنجلو من كنيسة سيستن تصور خلق آدم، فقامت مجموعة من طلبتها وأشخاص آخرين باقتحام القاعة وهم يصرخون بأن مثل هذه الرسوم التي تجسد الذات الالهية هي أعمال غير إسلامية. وقاموا بملاحقتها إلى قاعة الأساتذة وشتمها وطلبوا منها ترديد الشهادتين.
وقالت أسماء سعيدان باشا لـ هيومن رايتس ووتش "لقد طلبوا مني أن أعلن على الملأ توبتي عن إهانة الإسلام. لقد شعرت وكأنني أمام أحدى محاكم التفتيش. وبعد ساعتين، سمحوا لي بالانصراف بعد أن وعدهم أحد طلابي بأنه سوف يجمع لهم دروسي لكي يراقبوها".
كما تعرضت أستاذة للدراسات الإسلامية في المعهد العالي لأصول الدين بتونس، خيرت عدم كشف اسمها، تعرضت إلى الترهيب. ففي أحد أيام منتصف أكتوبر/تشرين الأول، ذهبت إلى قاعة الدرس لتجدها خالية من الطلبة، ورأت الطلبة، وبعضهم ممن يدرس عنها، في الساحة وهم يصرخون بأنهم لا يرغبون في أن تقوم أستاذة علمانية بتدريسهم العقيدة الدينية.
وبعد ذلك بأيام، دخل بعض الطلبة الى قاعة الدرس وطلبوا من الطلبة الحاضرين مغادرتها، وقالوا "لها حرية ارتداء الحجاب أو تركه، ولكنها لن تُدرّس دون ارتدائه." وقالت الأستاذة لـ هيومن رايتس ووتش انه تم تعليق ملصقات مهينة على جدران الجامعة تصفها "بالكافرة". وبعد أن استمرت المضايقة لعدة أسابيع، طلبت الأستاذة أن تتم نقلتها إلى جامعة أخرى.
وقالت الأستاذة "لقد درّست في هذه الجامعة لسنوات عديدة، ولكنني لم أعد أحتمل هذا الجو المشحون بالمضايقات."
وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول، قامت مجموعة من الطلبة بمقاطعة درس كانت تقدمه رفيقة بن قيراط، أستاذة في معهد التجارة بجامعة منوبة، لأنهم كانوا يعترضون على لباسها.
وقالت رفيقة بن قيراط لـ هيومن رايتس ووتش "بعد أن أنهيت الدرس الأول، عبرت الساحة فسمعت صفيرًا وصُراخًا. لم أكن أعلم أنني المقصودة من ذلك إلى أن عدت لتقديم الدرس الثاني ورأيت الفزع على وجوه طلبتي الذين نصحوني بإلغاء الدرس لأن بقائي هناك قد لا يكون آمنًا. ورغم ذلك، واصلت الدرس لمدة 45 دقيقة إلا أن الصراخ خارج القاعة صار شديدًا. وقام بعض طلبتي بحمايتي وإخراجي من الباب الخلفي بينما لاحقتنا مجموعة من المحتجين ولكننا تمكنا من دخول الإدارة وإغلاق الأبواب خلفنا".
كما قالت رفيقة بن قيراط "قال لي طلبتي إنهم سمعوا تعليقات مفادها أنه يجب عليّ أن أرتدي لباسا محترمًا. لقد شعرت دائمًا بالأمان والاحترام في جامعتي، ولكني الآن بدأت أشعر أنه وقع المس من كرامتي وأمني بسبب لباسي".
ويتصل مبدأ الحرية الأكاديمية بحق التعليم المعترف به دوليا كما تنص عليه المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وتؤكد لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن "تشمل الحرية الأكاديمية حرية الأفراد في أن يعبروا بحرية عن آرائهم في المؤسسة أو النظام الذي يعملون فيه، وفي أداء وظائفهم دون تمييز أو خوف من قمع من جانب الدولة أو أي قطاع آخر..."
كما تُعتبر استقلالية المؤسسة شرطًا أساسيًا لكي يمارس الأساتذة والطلبة حقوقهم. ويعرف العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الاستقلالية بـ "درجة من حكم النفس لازمة لكي تتخذ مؤسسات التعليم العالي القرارات بفعالية بالنسبة للعمل الأكاديمي ومعاييره وإدارته وما يرتبط بذلك من أنشطة".
ويجب أن تكون المؤسسات التعليمية قادرة على فرض قوانينها وإدارة نفسها. إضافة إلى ذلك، ينص التعليق الخاص بوضعية مدرسي التعليم العالي الذي تبنته المحاضرة العامة لليونسكو سنة 1997 على أن تلتزم الدول الأطراف بحماية مؤسسات التعليم العالي من التهديدات التي تنال من استقلاليتها مهما كان مأتاها.
وبينما تلتزم الدولة بضمان الحق في التجمع السلمي، بما في ذلك الأساتذة والطلبة، وحقهم في تكوين الجمعيات والمشاركة في التجمعات والاحتجاجات السلمية داخل الجامعة، فإنها أيضا مسؤولة عن ضمان سلامة الأساتذة والطلبة وأن لا تمس الاحتجاجات من حق الآخرين في التعليم.
وبعد الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في يناير/كانون الثاني 2011، قامت الحكومة بإلغاء الأمن الجامعي. وفي الوقت الحاضر، لا يمكن للشرطة أن تتدخل إلا بتسخير من العميد.
إضافة إلى ذلك، يتمتع عمداء الكليات بمسؤولية الإعلام عن حصول اعتداءات على الحريات الأكاديمية لدى السلطات المختصة وطلب التدخل عندما يوجد تهديد باستعمال العنف أو عندما تعطّل الاحتجاجات الحياة الأكاديمية.