(نيويورك) ـ القانون المصري الجديد الخاص بالاجتماعات العامة سيقيد المظاهرات السياسية السلمية بما يخالف المعايير الدولية. صدر القانون من قبل الرئيس المؤقت عدلي منصور يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، وهو يمنح على نحو فعال مسؤولي الأمن سلطة تقديرية لحظر أية مظاهرة على أسس غامضة، ويسمح لرجال الشرطة بتفريق أية مظاهرة بالقوة إذا قام ولو متظاهر واحد بإلقاء حجر، ويعاقب بالسجن على جرائم غامضة من قبيل محاولة "التأثير على سير العدالة".
كما يمنح القانون لوزارة الداخلية حق حظر أي اجتماع "ذي طابع عام" لأكثر من 10 أشخاص في مكان عام، بما في ذلك الاجتماعات المتصلة بالحملات الانتخابية. ولا ينص القانون على استثناءات للتظاهرات الأصغر حجماً والتي ليس من شأنها تعطيل المرور، أو للتظاهرات العاجلة والعفوية، وهذا بحسب هيومن رايتس ووتش.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "يأتي أول إجراء تشريعي كبير من الحكومة المصرية الجديدة ليبين أن هدفها هو فرض قيود حادة على التجمع السلمي، والسماح للأجهزة الأمنية بفض المظاهرات كما يحلو لها. سيتكفل هذا القانون بقمع حرية التظاهر التي انتزعها المصريون في يناير/كانون الثاني 2011، ويخاطر بإعادة تلك الحرية، التي أحدثت تغييراً هائلاً، إلى الوراء".
أصدر الرئيس منصور القانون 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية استناداً إلى سلطته التشريعية بموجب إعلان 8 يوليو/تموز الدستوري. وقد وافق مجلس الوزراء في البداية على مسودة أولى [للقانون] في 10 أكتوبر/تشرين الأول، لكنه أقر إدخال بعض التعديلات عليها في أعقاب استنكار واسع النطاق. وكانت هيومن رايتس ووتش قد دعت الحكومة إلى تعديل القانون بحيث يتوافق مع التزام مصر باحترام حرية التجمع بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. تشتمل النسخة النهائية على تحسينات طفيفة، إلا أنها تبقي على الصبغة الإجمالية القمعية للنسخة الأولى.
يشترط القانون الجديد على منظمي المظاهرات والمواكب والاجتماعات العامة لأكثر من 10 أشخاص والتي تتم في مكان عام بدون دعوة شخصية مسبقة، أن يخطروا وزارة الداخلية قبل الموعد بثلاثة أيام على الأقل. وتمنح المادة 10 لمسؤولي وزارة الداخلية حقاً مطلقاً لحظر أي مظاهرة أو اجتماع عام على أساس مبهم يتمثل في "معلومات جدية أو دلائل عن وجود ما يهدد الأمن والسلم"، دون اشتراط تقديم مبررات محددة. ويمكن للمنظمين نظرياً الطعن على الحظر أمام المحكمة الابتدائية المختصة، إلا أن القانون لا يحدد إطاراً زمنياً، بمعنى أنه يمكن للمحكمة نظر الطعن بعد انقضاء الموعد المحدد للفعالية.
وتنص المادة 2 على انطباق القانون أيضاً على الاجتماعات العامة في فترة الحملات الانتخابية، أو على أي اجتماع يضم ناخبين ومرشحين أو ممثلين لهم، وعلى اجتماعات اختيار المرشحين.
قال جو ستورك: "على مدار الشهور التسعة التالية، ستشهد مصر استفتاء على الدستور، تعقبه انتخابات برلمانية ورئاسية. ومن شأن مهلة الإخطار المبالغ فيها أن تحدث أثراً إضافياً خانقاً لحرية إجراء الحملات الانتخابية، وكذلك في بيئة ما قبل الانتخابات".
قرر مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حريتي التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، في تقريره في مايو/أيار 2012، أن "الإخطار يجب أن يخضع لتقييم من حيث التناسب، وألا يكون بيروقراطياً بغير داع، وأن يُشترط في مدة لا تتجاوز، على سبيل المثال، 48 ساعة قبل اليوم المقرر للتجمع". كما قال إن "الإخطار المسبق ينبغي في الوضع الأمثل ألا يشترط إلا للاجتماعات كبيرة الحجم أو التي من شأنها تعطيل المرور على الطرق". قالت هيومن رايتس ووتش إنه من الصعب أن نتبين مدى التناسب في اشتراط الإخطار باجتماع لـ11 أو 12 شخصاً، بالنظر إلى أن السلطات لن تضطر، على سبيل المثال، لتنظيم المرور كما يحدث مع المظاهرات الكبيرة. كما أن حق وزارة الداخلية في حظر أو تفريق الاجتماعات المتعلقة بالانتخابات يعد إشكالياً بصفة خاصة.
يشتمل القانون أيضاً على عدد من البنود الغامضة الأخرى التي تقوض الحق في التجمع السلمي، وتتجاوز بكثير القيود المسموح بها بموجب القانون الدولي، بحسب هيومن رايتس ووتش.
تفرض المادة 19 عقوبة السجن لمدة عامين إلى خمسة أعوام، وغرامة تتراوح بين 50 و100 ألف جنيه مصري (7200-14500 دولار أمريكي) على أي مخالفة للمادة 7، التي تقرر أنه:
يحظر على المشاركين في الاجتماعات العامة أو المواكب أو التظاهرات الإخلال بالأمن أو النظام العام أو تعطيل الإنتاج أو الدعوة إليه أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذاؤهم أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم أو أعمالهم أو التأثير على سير العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو المواصلات أو النقل البري أو المائي أو الجوي أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الأرواح أو الممتلكات العامة أو الخاصة أو تعريضها للخطر.
قالت هيومن رايتس ووتش إن العبارات من قبيل "التأثير على سير العدالة" أو "تعطيل مصالح المواطنين" أو "تعطيل حركة المرور" تتسم بالغموض بوجه خاص، ومن شأنها السماح للسلطات بتجريم طيف واسع من الاجتماعات والمظاهرات العامة السلمية.
كما تحظر المادة 6 ارتداء الأقنعة بقصد ارتكاب جريمة، وتعاقب مخالفة هذه الأحكام بالسجن لمدد تصل إلى سنة واحدة وغرامة من 3000 إلى 5000 جنيه مصري (435-726 دولار أمريكي)، وفقاً للمادة 20. وتنطبق نفس العقوبة على مخالفة أحكام المادة 5، التي تحظر الاجتماعات العامة "لأغراض سياسية" في أماكن العبادة أو في ساحاتها أو ملحقاتها، وتحظر تسيير المواكب منها أو إليها أو التظاهر فيها.
كانت مسودات القانون السابقة تفرض حظراً شاملاً على التظاهر داخل حرم قدره 100 إلى 300 متر من أي مبني رسمي تنفيذي أو تشريعي أو قضائي في البلاد. لكن المادة 14 الآن تترك لوزارة الداخلية والمحافظ المختص تحديد "حرم آمن" حول تلك المباني، يحظر على المتظاهرين دخوله. وتؤدي المخالفة إلى عقوبات تصل إلى السجن لمدة سنة واحدة وغرامة قدرها 50-100 ألف جنيه مصري (7200-14500 دولار أمريكي)، كالمبين في المادة 20.
قال مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حريتي التجمع السلمي وتكوين الجمعيات في تقريره في مايو/أيار 2012 بشأن حرية التجمع في أرجاء العالم إن على السلطات تسهيل المظاهرات "على مرأى ومسمع" من هدفها وجمهورها المستهدف، وحذّر من قصر أماكن التظاهر على أطراف المدن أو الميادين غير المطروقة، حيث يخفت وقعها.
إن هذا القانون يفتح الباب لزيادة استخدام القوة من قبل الشرطة، لأنه يسمح بتفريق مظاهرة كاملة بالقوة إذا ارتكب متظاهر واحد جريمة من قبيل الاعتداء على رجل شرطة. وتقرر المادة 11 أنه يجوز للشرطة تفريق مظاهرة أو اجتماع عام بالقوة إذا "صدر عن المشاركين أي فعل يشكل جريمة يعاقب عليها القانون أو خروج عن الطابع السلمي للتعبير عن الرأي"، وأن هذا القرار يتخذ على مستوى القائد الميداني المختص. ومن شأن هذا فعلياً أن يرقى إلى مرتبة العقاب الجماعي للمتظاهرين لأن الشرطة قادرة على التعامل مع الفرد الذي يزعم تورطه في نشاط إجرامي عن طريق اعتقاله، بحسب هيومن رايتس ووتش.
تحتوي المسودة الجديدة على بضعة تحسينات ضئيلة في المادة 12، تقيد أسلوب الشرطة في التدرج في استخدام القوة لتفريق المتظاهرين. كما تقرر المادة 13 أن استخدام الغاز المسيل للدموع والخرطوش المطاطي ينبغي أن يكون "بوسائل تتناسب مع قدر الخطر المحدق" إلا أن المادة تمضي فتجيز للشرطة استخدام القوة المميتة في "الدفاع الشرعي"، الذي يتم تعريفه على نحو فضفاض في القانون المصري بحيث يمنح الشرطة سلطة تقديرية لإدراج ظروف بخلاف الضرورة القصوى لحماية الأرواح.
قبل هذا القانون الجديد، كانت الاجتماعات العامة في مصر محكومة بقانون التجمهر غير المشروع لسنة 1914، والقانون 10 لسنة 1914، وقانون الاجتماعات العامة رقم 14 لسنة 1923، التي كانت تستخدمها الشرطة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك لحظر المظاهرات العامة.