(نيويورك) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن مقترحات الحكومة بتعديل وتنفيذ قانون الغدر السياسي لسنة 1952 ستكون ذات آثار سلبية على الحريات السياسية في مصر وفي أثناء الانتخابات المرتقبة. في مقابلة على قناة دريم بتاريخ 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011 قال عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة اللواء محمد العصار إن الجيش يدرس مشروع القانون الذي أصبح اسمه "قانون الفساد السياسي". تم إغلاق باب تقديم المرشحين في الانتخابات البرلمانية لأوراقهم في 24 أكتوبر/تشرين الأول، وهي الانتخابات المقرر لها أن تبدأ في 28 نوفمبر/تشرين الثاني.
من شأن هذا القانون أن يسمح للسلطات بسجن أي شخص يُدان بجرائم فضفاضة التعريف تتعلق بـ "الفساد السياسي" مع حرمان الأفراد من حقهم في التصويت أو الترشح. وقالت هيومن رايتس ووتش إن هذا القانون يهيئ الساحة لاستبعاد أطراف معينة من الحياة السياسية بناء على مزاعم فضفاضة بحق هؤلاء، متعلقة بارتباطهم بمن ارتكبوا تجاوزات، لا بتحمل هذه الأطراف بنفسها للمسؤولية الجنائية. أحكام القانون الفضفاضة إلى حد بعيد تفتح أيضاً الباب أمام القيود التعسفية التي قد تفرضها حكومات قادمة على النشاط السياسي السلمي والمشروع.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "من حق المسؤلين الجدد فى مصر منع المسؤولين السابقين الفاسدين والمنتهكين للحقوق من المشاركة في تحديد مستقبل مصر، لكن إصدار قانون يؤدي للاستبعاد التعسفي لأي طرف ليس بالطريقة الصحيحة لذلك. الحرمان من حق التصويت يجب أن يستند إلى إدانة تأتي بعد محاكمة عادلة، على جرائم واضحة ومحددة، وليس بناء على مزاعم مبهمة بالفساد السياسي".
ولقد ذكرت أحزاب جديدة أنها تريد استبعاد الأعضاء السابقين من الحزب الوطني الديمقراطي الذي حكم لمدة طويلة، من الترشح للانتخابات. قالوا إنهم يخشون أن يعتمد أعضاء الحزب السابقين على علاقاتهم على مستوى الدوائر الانتخابية في الهيمنة على 30 في المائة من مقاعد البرلمان المخصصة بموجب القانون الانتخابي الجديد للمرشحين الأفراد.
دعت هذه الأطراف على مدار الشهور الأخيرة إلى تنفيذ قانون الغدر، وهو قانون رقم 344 الصادر في ديسمبر/كانون الأول 1952، ثم تم تنفيذه أثناء رئاسة جمال عبد الناصر. القانون يفرض عقوبات، تشمل السجن والحرمان من الحرية، على من يصوت أو يترشح بعد إدانته بالتورط في "إفساد... الحياة السياسية بطريق الإضرار بمصلحة البلاد". وفي 17 أغسطس/آب و6 أكتوبر/تشرين الأول وافق مجلس الوزراء على تعديل مشروع القانون وقدمه للمجلس العسكري للتصديق عليه.
وفي 9 أغسطس/آب قال وزير العدل عبد العزيز الجندي، في أول اجتماع بوزارة العدل للجنة تنسيق مكافحة الفساد، قال إن: "الفساد السياسي تهديد أكبر من الفساد المالي" وأن اللجنة ستناقش إعادة تفعيل قانون الغدر.
وفي 10 أغسطس/آب نشر مجلس الوزراء مشروع القانون على صفحته الرسمية على موقع الفيس بوك، وفي 17 أغسطس/آب ذكر مجلس الوزراء في محضر اجتماعه أنه وافق على النسخة المعدلة من القانون بعد "طرحها للحوار المجتمعي" وأن "وزير العدل [قال] بأن القانون يظل قائماً ما لم يلغى صراحة وهو ما لم يحدث حيث لم يصدر أى قانون يلغى قانون الغدر صراحة". وورد في المحضر أن: "[مع] تحديد فترة زمنية فى صدر القانون لينصب تطبيقه على هذه المرحلة ، فإن ذلك لا يمنع تطبيقه على مرحلة لاحقة تنطبق عليها نفس الأوصاف الواردة بالقانون".
وفي 1 أكتوبر/تشرين الأول، في بيان ختامي صدر إثر اجتماع بين رئيس أركان القوات المسلحة، الفريق سامي عنان، وثلاثة من لواءات المجلس العسكري، مع رؤساء 13 حزباً سياسياً، أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أنه سيدرس حرمان قيادات الحزب الوطني الذين أسهموا في فساد الحياة السياسية قبل 25 يناير من العمل السياسي على مدار العامين القادمين.
وفي اليوم التالي، أوردت صحيفة المصري اليوم أقوال مصدر حكومي بأن قانون الغدر لن يُطبق في الانتخابات البرلمانية القادمة، إلا على المُدانين في المحاكم بجرائم. لكن في 3 أكتوبر/تشرين الأول قال مصدر عسكري لم يُذكر اسمه لصحيفة الدستور أن المجلس العسكري يدرس المقترحات التي قدمتها الأحزاب السياسية وسوف يركز على استبعاد قيادات الحزب الوطني ونواب البرلمان الذين شغلوا مقاعد في 2005 و2010 والأعضاء السابقين بالمجالس المحلية. وأفادت صحيفة الأهرام التابعة للدولة في 16 أكتوبر/تشرين الأول بأن المجلس العسكري سيُصدر القانون الجديد في غضون ساعات.
وقال جو ستورك: "هناك مشكلة كبيرة في أي قانون ينتقي أشخاص دون غيرهم ليعاقبهم لمجرد انتمائهم لمجموعة ما، وليس على خلفية ما اقترفوا بأنفسهم كأفراد من تجاوزات".
وفي كلمة ألقاها اللواء محسن الفنجري في 12 فبراير/شباط – وهو من أعضاء المجلس العسكري – أعلن أن مصر تلتزم بالتزاماتها الدولية بموجب المواثيق التي وقعتها. هذه المواثيق الدولية تشمل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يُلزم الدول الأطراف بحماية وكفالة الحق في المحاكمة العادلة والحق في حرية التعبير.
وبصفة مصر دولة طرف في العهد الدولي، فهي مُلزمة بالسماح لمواطنيها بتساوي الفرص في التنافس في الانتخابات دون تعريضهم لقيود لا ضرورة لها. يطالب العهد الدولي بأن يُضمن للانتخابات "حرية التعبير عن إرادة الناخبين". وفي التعليق العام رقم 57 الصادر عن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهو واجب التنفيذ، ويخص المادة 25 من العهد الدولي، تلك الخاصة بحق المواطنين في المشاركة في الشأن العام والتصويت والترشح، رأت اللجنة أن "حق الأفراد في الترشح للانتخابات يجب ألا يحده مطالب غير معقولة على المرشحين أو بأن يكونوا أعضاء في أحزاب بعينها دون غيرها".
وقال جو ستورك: "إن الجيش المصري وحكومة تسيير الأعمال يتعين عليهما على الأقل ألا يُحدثا أضراراً في هذه الفترة الانتقالية، وأن يضمنا أن تكون القوانين الجديدة متسقة مع القانون الدولي". وتابع: "إضافة القوانين القمعية لتلك القائمة بالفعل لن يؤدي إلا لزيادة الأعباء على المرحلة الانتقالية في مصر".
التوصيات
تعارض هيومن رايتس ووتش – من حيث المبدأ – القوانين التي تُعاقب على المعتقد أو التعبير السلمي عن الرأي أو حرية التنظيم. وقالت هيومن رايتس ووتش إن الدول التي عانت كثيراً من النظم الديكتاتورية وهي تناضل من أجل بناء المجتمعات الديمقراطية التي تُحترم فيها الحقوق الفردية، لها الحق في القلق من احتمال تقويض هذه الجهود من قبل عملاء للنظم الديكتاتورية السابقة أو من قبل أفراد كان مسلكهم أثناء توليهم لمناصب سابقة ينطوي على الطابع الإجرامي أو القمعي أو الفاسد الذي تتسم به هذه النظم الديكتاتورية.
وتدعم هيومن رايتس ووتش الجهود الهادفة إلى تنفيذ أصحاب المناصب وأصحاب النفوذ لواجباتهم بشكل يتسق مع تطوير الديمقراطية وإرساء قواعد سيادة القانون. وفي الوقت نفسه، فإن هذا يعني السعي لتحقيق هذه الأهداف بشكل يعكس احترام حقوق الأفراد.
وتدعو هيومن رايتس ووتش الحكومة المصرية إلى الآتي، فيما يخص تحديد استحقاق تولي مناصب السلطة السياسية:
- الامتناع عن إسناد القرارات الخاصة بالاستحقاق على الصلات السابقة أو الحالية بالنظام السابق فقط. في حالة الانتماء لتنظيمات كانت تعتبر، أو ما زالت، فاعلة في أعمال جنائية أو وقائع فساد أو قمع، على السلطات أن تطلب أدلة واضحة ومقنعة بأن الشخص المعني قام عن علم وبشكل ناشط بإجراء أنشطة إجرامية تابعة للتنظيم الذي ينتمي إليه.
- توفير الفرصة للشخص المتهم بهذه الاتهامات بأن يطلع على الأدلة الصادرة ضده وأن تُتاح له فرصة النظر بشكل عادل في الاتهامات أمام جهة تقاضي محايدة، مع إتاحة الحق في الطعن في قرار هذه الجهة أمام القضاء الطبيعي.
- إعداد آليات للمحاسبة على جرائم الفساد أو التورط في انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي، من خلال عملية العدالة الانتقالية التي تتصدى بشكل شامل لممارسات الماضي القمعية بشكل شفاف ونزيه.
أحكام مشروع قانون الغدر المُعدل
قانون رقم 344 لسنة 1952 يُعرف الغدر في مادته الأولى على النحو التالي:
فى تطبيق أحكام هذا القانون يعد مرتكبا لجريمة الغدر كل من كان موظفا عاما وزيرا أو غيره وكل من كان عضوا فى أحد مجلسى البرلمان أو أحد المجالس البلدية أو القروية أو مجالس المديريات، وعلى العموم كل شخص كان مكلفا بخدمة عامة أو له صفة نيابية عامة وارتكب... فعلاً من الأفعال الآتية:
- عمل من شأنه إفساد الحكم أو الحياة السياسية بطريق الإضرار بمصلحة البلاد أو التعاون فيها أو مخالفة القوانين.
- التدخل الضار بالمصلحة العامة فى أعمال الوظيفة ممن لا اختصاص له فى ذلك أو قبول ذلك التدخل.
قالت هيومن رايتس ووتش إن المصطلحات من قبيل "إفساد الحياة السياسية" و"التدخل الضار" مصطلحات مبهمة لدرجة لا يستقيم معها تعريفها كعناصر لجرائم.
تنص المادة الأولى أيضاً على بعض الأحكام التي قد ترقى لكونها جرائم فساد، لكن الأفضل أن يتم التعامل معها بتشريع منفصل يركز على تلك الأنشطة المحددة لا فيما يرتبط بمجرد انتماء الأفراد لمجموعات بعينها، على حد قول هيومن رايتس ووتش. تشمل هذه الأحكام:
- استغلال النفوذ ولو بطريق الإيهام للحصول على فائدة أو ميزة ذاتية لنفسه أو لغيره من أية سلطة عامة أو أية هيئة أو شركة أو مؤسسة.
- استغلال النفوذ للحصول لنفسه أو لغيره على وظيفة فى الدولة أو وظيفة أو منصب فى الهيئات العامة.
- استغلال النفوذ بإجراء تصرف أو فعل من شأنه التأثير بالزيادة أو النقص بطريق مباشر أو غير مباشر فى أثمان للعقارات والبضائع والمحاصيل وغيرها... بقصد الحصول على فائدة ذاتية لنفسه أو للغير.
التعديلات المقترحة من مجلس الوزراء تُعدل هذه الأحكام الثلاثة من قانون 1952 وتنص على مجموعة إضافية من العقوبات السياسية في المادة 2 من مشروع القانون، ضد من يُدان بجريمة "الغدر":
المادة 2: مع عدم الإخلال بالعقوبات الجنائية أو التاديبية يجازى على الغدر بالجزاءات الآتية أو بأحدها.
أ) العزل من الوظائف العامة القيادية
ب) سقوط العضوية فى مجلسى الشعب أو الشورى أو المجالس الشعبية المحلية
ج) الحرمان من حق الانتخاب أو الترشيح لأى مجلس من المجالس المنصوص عليها فى الفقرة (ب) من هذه المادة لمدة خمس سنوات من تاريخ الحكم.
د) الحرمان من تولى الوظائف العامة القيادية لمدة 5 سنوات من تاريخ الحكم.
هـ) الحرمان من الانتماء لأى حزب سياسي لمدة 5 سنوات من تاريخ الحكم.
و) الحرمان من عضوية مجالس إدارة الهيئات العامة أو الشركات أو المؤسسات التى تخضع لإشراف السلطات العامة لمدة 5 سنوات من تاريخ الحكم.
كما شمل مشروع قانون مجلس الوزراء بعض التحسينات على قانون عام 1952، إذ نص على أن محكمة الجنايات هي صاحبة الاختصاص الوحيدة في نظر هذه الجرائم، بدلاً من المحاكم العسكرية كما ورد في القانون الأصلي، وأن ضمانات إجراءات التقاضي السليمة الواردة في قانون الإجراءات الجنائية تنطبق على قانون الغدر. المادة 4 من مشروع القانون تنص على أن النيابة العامة وحدها هي صاحبة سلطة إحالة قضايا "الغدر" إلى المحكمة، بعد إجراء تحقيق. وورد في المادة 2 من مشروع القانون أن بإمكان المحاكم أن تأمر بسداد المُدانين وشركائهم لتعويض لمن تضرروا بالفساد.
القانون الدولي والمشاركة السياسية
- في تفسيرها للمادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عن الحق في التصويت، ذكرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن الأسس للحرمان من الحق في التصويت لابد أن تكون "موضوعية ومعقولة" وأنه "إذا كانت الإدانة بتجاوز ما هي السند لتجميد الحق في التصويت، فلابد أن تكون مدة هذا الحرمان متناسبة مع المخالفة والعقوبة المُنزلة بالشخص المخالف. من يحرمون من حريتهم ولم يُدانوا رغم ذلك يجب ألا يُستبعدوا من ممارسة حقهم في التصويت".
- رأت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ست مناسبات أن أوروغواي انتهكت حق من شاركوا في إدارة الحياة العامة بسبب القانون الدستوري رقم 4 الصادر في 1 سبتمبر/أيلول 1976 في أوروغواي، والذي منع جميع المرشحين في انتخابات 1966 و1971 بالمجلس النيابي من أي حقوق سياسية لمدة 15 سنة. وفي قضية "خورخي لانديني سيلفا وآخرون ضد أوروغواي"، رفضت اللجنة حجة الدولة الخاصة بالتنصل من توفير الحق بموجب حالة الطوارئ يبرر الإجراءات المفروضة وقالت: "مع حظر مقدمي الدعوة من المشاركة بأي شكل من الأشكال في الحياة السياسية لمدة يبلغ طولها 15 عاماً، فإن الدولة الطرف تفرض قيوداً غير مبررة على حقوقهم المكفولة بموجب المادة 25 من العهد". وفي 11 مايو/أيار 2000 انتهى قرار اللجنة الأفريقية في قضية "سير داودا ك جوارا ضد غامبيا" إلى أن "فرض الحظر [على المشاركة في أي نشاط سياسي] على وزراء سابقين ونواب في البرلمان يخرق حقهم في المشاركة بحرية في حكومة بلدهم، كما ورد في نص المادة 13 (1) من العهد".
- إلا أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سمحت بشيء من قدرة النظم الديمقراطية الجديدة التي وُلدت بعد نظم ديكتاتورية منهارة بأن تفرض قيوداً على حق أعضاء النظام السابق في تولي المناصب الرسمية، طالما أن الفترة الزمنية للمنع متناسبة وخاضعة للمراجعة القضائية. في قضية "ميلنشنكو"، رأت المحكمة أنه من الواجب فرض إجراءات أقوى على استحقاق الترشح للانتخابات البرلمانية من تلك الإجراءات الأخف المفروضة، وكانت حظر الحق في التصويت.
- انتهت المحكمة في قضية "زداناكا ضد لاتفيا" إلى أن السلطات اللاتفية "التشريعية والقضائية، هي الأقدر على تقييم المصاعب الخاصة بإنشاء وحماية النظام الديمقراطي. هذه السلطات لابد من ثم أن يُتاح لها بالكامل حرية تقييم احتياجات المجتمع في بناء الثقة في المؤسسات الديمقراطية الجديدة، بما في ذلك البرلمان الوطني، وأن تجيب على سؤال إن كانت هناك إجراءات أقوى مطلوبة لتحقيق هذه الأهداف، شريطة ألا ترى المحكمة أي تعسف أو عدم تناسب في مثل هذا التقييم".