في ما يلي رأي للباحثة في منظمة «هيومن رايتس ووتش» في بيروت نادية خليفة في مشروع قانون العنف الأسري الذي يناقش حاليا في مجلس النواب، خصت به «السفير».
أعلنت السلطات الدينية السنية والشيعية الأعلى في لبنان عن معارضتها لمشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري، والهادف إلى إضافة تدابير حماية أفضل من العنف الأسري للنساء والفتيات.
وعلى الرغم من أن الهيئات الدينية، مثل دار الفتوى والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، لا تتمتع بسلطة قانونية لمنع لبنان من فرض هذا القانون، إلا أن لتلك الهيئات تأثيرا واسعا على المشرعين وأصحاب الآراء السياسية والدينية المماثلة.
اتضحت لي أسباب رفض دار الفتوى لمشروع القانون أثناء اجتماع مقلق للغاية، عقدته مؤخراً مع قاض في المحكمة الشرعية السنية في بيروت، قال لي:« إن للرجل الحق في تأديب زوجته «العاصية»، طالما أن «الضرب غير مبرح» وأن الغرض هو التأديب».
وكان القاضي يرى، بقوة، أن مشروع القانون من شأنه «تدمير الأسرة» لأنه ينازع في هذا الحق (تأديب الزوجة)، وأنه لا يستقيم مع التقاليد «الشرقية» أو الثقافة الإسلامية. ويرى القاضي أن الرجل هو رب الأسرة، وأن مشروع القانون ينزع من الرجال سلطاتهم داخل البيت.
إلا أنني أرى القاضي محقاً في أمر واحد هو أن القانون سينزع من الرجل قدرته على ضرب زوجته. فقانون العقوبات اللبناني يجرم العنف الأسري، ويعتبره من قبيل الاعتداء والضرب. لكن نادراً ما يتم الإبلاغ عن حالات العنف الأسري، وعندما يُبلّغ عنها، تكون غالبية الضحايا مترددات في اللجوء للمحاكم الجنائية للحصول على الحماية. ويمكن للنساء استخدام الأدلة على العنف الأسري كأسانيد للطلاق في المحاكم الدينية، لكن ليس بوسعهن التماس العدالة والإنصاف من العنف الذي يتعرضن له من هذه المحاكم.
وما زال النقاش والجدل حول العنف الأسري يعد من المحرمات غير المفتوحة للحوار في لبنان، ولا توجد إحصاءات شاملة متكاملة عن حجم هذه المشكلة.
وتظهر معارضة دار الفتوى لمشروع قانون العنف الأسري، مع تضخم الحركة العلمانية المطالبة بأن تلجأ الحكومة اللبنانية إلى إلغاء الطائفية السياسية والتعامل مع اللبنانيين بصفتهم مواطنين بالأساس وليسوا أتباع طوائف دينية. ويظهر من رفض المجلسين الإسلاميين لمشروع القانون أن محاولات توحيد، وإضفاء الطابع العلماني على قوانين الأحوال الشخصية ستُقابل بالمعارضة. هذه القوانين تتعامل في الزواج والطلاق والوصاية ورعاية الأطفال والإرث. وفي لبنان 15 قانوناً مختلفاً و15 نوعاً من المحاكم الدينية لأبناء 18 طائفة من جميع الأديان. يحاول مشروع القانون، ولو عن غير قصد، أن يقوض من هذا التشرذم، إذ يهدف إلى إنشاء محكمة مدنية تتعامل في قضية العنف ضد المرأة.
من شأن هذا القانون أن يُخرج قضية العنف الأسري من دائرة المحاكم الدينية التي تتعامل حالياً في الشؤون الأسرية الخاصة.
إن الدستور اللبناني يكفل للشعب الحق في ممارسة المعتقد الديني بحرية، ويضمن احترام قوانين الأحوال الشخصية لمختلف الطوائف الدينية.
لكن للأسف، أساءت بعض الشخصيات الدينية لتقاليد الاحترام المتبادل هذه كي تبرر القوانين والممارسات التمييزية ضد النساء والفتيات، ولرفض الإجراءات الساعية لتطبيق المساواة بين الرجل والمرأة. إلا أنه، وعلى النقيض، يكفل الدستور اللبناني مبادئ المساواة وعدم التمييز بين المواطنين، مثله في ذلك كالمواثيق والالتزامات الدولية التي يلتزم بها لبنان.
هذا القانون من شأنه أن ييسر على المرأة التماس الحماية والعدالة والإنصاف.
هذا القانون يفرض عقوبات محددة على المخالفين له، منها الغرامات والأحكام بالسجن، ومن شأنه أيضاً أن يكلف مدع عام من كل محافظة من محافظات لبنان الست بتلقي شكاوى العنف والتحقيق في هذه القضايا، كما يقضي بإنشاء وحدات للعنف الأسري في صفوف الشرطة المحلية اللبنانية من أجل التعامل مع الشكاوى.
ويطالب القانون مراكز الرعاية الصحية العامة والخاصة بإبلاغ السلطات عن حالات التعرض لإساءات، إذا تقدمت الضحية بشكوى داخل المنشأة الطبية.
وقد تم إرسال مشروع القانون – بعدما وافقت عليه الحكومة السابقة برئاسة سعد الحريري – إلى لجنة برلمانية خاصة في أيار 2010.
وتيعين على اللجنة الخاصة أن ترفع مشروع القانون إلى البرلمان قريباً، وعندما يتحقق ذلك، فلابد أن يتبنى النواب مشروع القانون إذا كانوا يريدون رفعة شأن المرأة اللبنانية وحمايتها من العنف الأسري.