Skip to main content

الإمارات: لابد أن تدين جامعة السوربون تعرض الأستاذ الجامعي للملاحقة القضائية

مُحتجز منذ أبريل/نيسان ومُتهم بـ "الإهانة العلنية" لحكام الإمارات

(أبو ظبي) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على جامعة السوربون وشريكها "السوربون – أبو ظبي" أن تخرج من صمتها القائم منذ ستة أشهر وتدين محاكمة وحبس مُحاضر السوربون الأستاذ ناصر بن غيث. بن غيث الذي يُحاضر في جامعة السوربون – أبو ظبي منذ عام 2009، كان يعكف على تدريس منهج دراسي مضغوط في الأسبوع الذي تم اعتقاله فيه، بتاريخ 9 أبريل/نيسان 2011، طبقاً لمقابلات ووثائق اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش.

اتهمت السلطات بن غيث وأربعة رجال آخرين بـ "الإهانة العلنية" لحُكام الإمارات في منتدى على الإنترنت. وترتبط اتهامات بن غيث تحديداً بمقال يُزعم أنه كتبه يذكر فيه ولي العهد. ورغم ضغوط متزايدة من منظمات حقوق الإنسان الدولية وطلاب جامعة السوربون في باريس بأن تخرج الجامعة من صمتها، فلم تكتف السوربون برفض انتقاد السلطات الإماراتية، بل حاولت أيضاً أن تنأى بنفسها عن بن غيث.

وقال جان ماري فاردو، مدير مكتب هيومن رايتس ووتش في باريس: "قضية السلطات الإماراتية ضد ناصر بن غيث تعتبر لطمة في وجه قيم السوربون الأساسية، ولمبدأ حرية التعبير سلمياً عن الرأي. هذا اختبار أساسي لما إذا كانت السوربون – أبو ظبي تعتزم تعزيز قيم التعليم الحُر في الإمارات، أو إن كانت ستتجاهل قمع هذه القيم من قبل مضيفها السلطوي في الإمارات".

تقول منظمات حقوقية منها هيومن رايتس ووتش إن الاتهامات المنسوبة إلى بن غيث لا أساس لها من الصحة وأنها سياسية الدوافع، وطالبت السلطات الإماراتية بالإفراج عن الرجال فوراً ودون شروط. ولقد اتسمت محاكمتهم بثغرات إجرائية وانتهكت حقوق الدفاع عن المتهمين الأساسية.

ورغم أن جامعة السوربون – باريس والسوربون – أبو ظبي كيانات مستقلة قانوناً، فإن بين الكيانين صلات وثيقة. بموجب الاتفاق بين الطرفين، فإن رئيس مجلس إدارة السوربون أبو ظبي هو رئيس جامعة السوربون – باريس. وتتلقى الجامعة الفرنسية 15 في المائة من الأتعاب السنوية التي يسددها طلاب السوربون أبو ظبي.

ولقد حاولت جامعة السوربون أن تنأى بنفسها عن بن غيث لتبرر صمتها. وفي 26 سبتمبر/أيلول أصدر رئيس جامعة السوربون – باريس جورج مولينيه بياناً عاماً قال فيه إن ملاحقة بن غيث قضائياً لا صلة لها بجامعته وأن الجامعة "كمؤسسة، لا تعليق لديها على هذه الحالة الفردية".

وفي 10 يونيو/حزيران، صوت مجلس إدارة السوربون – باريس على رفض طلب مقدم من مجموعات طلابية كان من شأنه التعبير عن دعم الجامعة لحرية الرأي، مع التركيز على أنه يجب ألا يُحبس أحد في الإمارات أو في أي مكان آخر لتعبيره عن رأيه.

وفي أبريل/نيسان، ورداً على رسالة من هيومن رايتس ووتش تطالب الجامعة بالتحرك، نأتالسوربون – باريس بنفسها عن بن غيث وحاولت أن تقلص من دوره في الجامعة، ووصفته بأنه "مُحاضر خارجي" وأوصت بكل حزم أن تلجأ هيومن رايتس ووتش إلى "الحكومة الإماراتية" لمزيد من المعلومات. لم تُصدر السوربون أبو ظبي أي بيانات علنية.

وقال جان ماري فاردو: "كل من أعضاء التدريس في السوربون عليه أن يفكر طويلاً وباهتمام في دلالة ما حدث إذا قامت الحكومة الإماراتية أو أية حكومة أخرى باضطهاده جراء تعبيره عن آرائه السياسية، فيما تكتفي إدارة جامعته بالصمت". وأضاف: "هل الأتعاب الواردة من أبو ظبي تستحق التغاضي عن هجوم واضح على حرية التعبير؟"

ما زال بن غيث وراء القضبان. وقامت المحكمة العليا في مرات عديدة بعدم الرد على طلبات بالإفراج عنه بكفالة – أو غيره من المدعى عليه الآخرين – ورفضت بعض هذه الطلبات، حتى رغم أنه لم يُنسب لأي منهم اتهامات بارتكاب جرائم عنيفة الطابع، ولم توضح السلطات أن ثمة خطر قائم بهروبهم.

وفي يوم اعتقال بن غيث، صادرت قوات أمن الدولة الحواسب والوثائق وتسجيلات فيديو تخص العائلة، اثناء عملية تفتيش لمسكنه في دبي استغرقت أربع ساعات. وضعته قوات الأمن في الأصفاد في المقعد الخلفي لعربة أمن دولة لمدة 18 ساعة، ورفضت أن تتيح له دخول دورة المياه أو أن يُصلي.

وكان من المقرر في الفترة من 10 إلى 12 أبريل/نيسان أن يختم بن غيث محاضراته الخاصة بالاقتصاد الدولي في جامعة السوربون أبو ظبي. وبدلاً من ختام المحاضرات، ظل في الحبس الانفرادي في زنزانة قذرة دون مقابلة المحامي أو أسرته.

وقال أحد طلاب السوربون من الملتحقين بمحاضرات بن غيث لـ هيومن رايتس ووتش في 5 أكتوبر/تشرين الأول: "الأستاذ بن غيث يحترمه طلابه كثيراً، والكثير منا قلقون على ما سيحدث له. شعرنا جميعاً بالصدمة عندما سمعنا بالقبض عليه ومن المعلومات التي وردت إلينا على أجهزة اتصال البلاكبيري وموقع الفيس بوك تحاول تصويره على أنه خائن. لم نصدق ووجدنا هذا الكلام غير متسق مع كل ما نعرفه عن شخصيته".

وطبقاً لـ بن غيث، فإن سلطات السجن شجعت نزلاء آخرين في سجن الوثبة على مضايقته. وبعد شجار بينه وسجين آخر في أواخر أغسطس/آب، قيدته إدارة السجن بالسلاسل في الحبس الانفرادي في زنزانة بلا مكيف هواء، في فترة كانت درجة الحرارة فيها تراوح 40 درجة مئوية.

ولأن قضيته تُنظر بموجب إجراءات محاكمات أمن الدولة، فإن أول محكمة تنظر قضيته هي المحكمة العليا، مما يعني أنه لا يحق له الطعن في حُكمها. ولم تسمح المحكمة لمحاميّ الدفاع بسؤال أحد شهود الادعاء، ولم تسمح بالوقت الكافي لسؤال الشهود الآخرين، وسمحت بشاهد واحد مقدم من الدفاع، وعقدت جلسات المحاكمة الأربع الأولى سراً. ولم تسمح المحكمة للمدعى عليهم بمراجعة الأدلة والاتهامات المنسوبة إليهم، ومنها أدلة جمعتها نيابة أمن الدولة أثناء فترة التحقيق.

وورد في بيان بتاريخ 1 أكتوبر/تشرين الأول صادر عن بن غيث وتم تسريبه من السجن: "حتى تاريخه لا أعلم يقيناً ما هي التهمة أو التهم الموجهة لي بشكل قاطع ومحدد. فالنيابة تقول أنني متهم بإهانة ولي عهد أبوظبي،  أما المحكمة فتثير أسئلة تتحدث عن محاولة قلب نظام الحكم وتأليب الرأي العام وزعزعة الاستقرار وبث الفتنة وإفشاء أسرار الدولة العليا". ورد في البيان أن بن غيث والآخرين قاطعوا إجراءات المحاكمة لأنهم يرونها غير عادلة:

إنني قد وصلت إلى قناعة لا تتزعزع بأن هذه المحاكمة وفق المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، ما هي إلا مسرحية وواجهة لإسباغ الشرعية والمصداقية على أحكام وعقوبات قد تكون مُعدة سلفاً، وما هي إلا محاولة لمعاقبتي ومن معي بسبب آرائنا السياسية ومواقفنا من بعض شؤون الوطن. لذلك فإنني أرفض أن ألعب الدور الذي أريد لي أن ألعبه أو أن أشارك في هذه المحاكمة التي لا تتوافر فيها معايير المحاكمة النزيهة.

وقد تم اعتقال النشطاء الآخرين الخاضعين للمحاكمة مع بن غيث في أبريل/نيسان أيضاً، وهم أحمد منصور، مهندس ومدون، ونشطاء الإنترنت فهد سالم دلك، وأحمد عبد الخالق، وحسن علي الخميس.

ومنذ القبض عليهم والمدعى عليهم الخمسة وأقاربهم ومحاميهم مستهدفون بمقالات تحريضية في بعض وسائل الإعلام الإماراتية، وحملة تشويه سمعة قوية على الإنترنت، بل وحتى تلقوا تهديدات بالقتل. وقام متظاهرون مؤيدون للحكومة بالتعبير عن انتقاد المتهمين في تجمعات عامة بل ومسيرات أمام المحكمة أثناء انعقاد جلساتها. وإلى تاريخه، لم تحقق السلطات في التهديدات أو هي لاحقت المسؤولين عنها قضائياً.

وقالت وداد المهيري، زوجة بن غيث، لـ هيومن رايتس ووتش في 5 أكتوبر/تشرين الأول: "زوجي وطني، فهو يحب بلده وسوف يعمل على تحسين الأحوال في هذا البلد حتى توافيه المنية. كما أنه يحب الذهاب للجامعة وتعليم الطلاب. لا أعرف لماذا لم تفعل السوربون شيئاً لمساعدة زوجي بعد أن منحهم الكثير".

وقالت إن الشهور الستة الأخيرة كانت بالنسبة لها ولأسرتها كالكابوس: "لا أصدق أنه ما زال في السجن. كلما أقبلت على النوم، أسأل نفسي أين ينام ناصر. كل مرة أجلس لتناول الطعام، أسأل نفسي ماذا يقدمون له من طعام".

وبالإضافة إلى تدريس قانون التجارة الدولي في السوربون – أبو ظبي منذ عام 2009، يعمل بن غيث أيضاً مستشاراً قانونياً للقوات المسلحة الإماراتية، إذ يتفاوض على عقود مع كبار مقاولين معدات الدفاع في الولايات المتحدة وأوروبا. هذا الإماراتي البالغ من العمر 42 عاماً هو طيار متقاعد من القوات الجوية حاصل على أوسمة، ومعه دكتوراه من جامعة إيسيكس في تخصص القانون، وماجستير في القانون الدولي من جامعة "كايس ويسترن ريزيرف" في كليفلاند، أوهايو، بالولايات المتحدة.

وقال جان ماري فاردو: "على السوربون – باريس أن تشعر بالخجل من عدم دعوة السلطات الإماراتية علناً لوقف اعتداءها على أحد أهم الأصوات المثقفة في الإمارات العربية المتحدة". 

القانون الإماراتي والقانون الدولي

قانون العقوبات الإماراتي يسمح للحكومة بحبس الأفراد لمجرد تعبيرهم سلمياً عن آرائهم، في تعارض مع الضمانات الواضحة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، تلك الخاصة بحرية التعبير. المادة 176 من قانون العقوبات تسمح بعقوبة تصل إلى السجن خمس سنوات "بحق "من أهان بإحدى الطرق العلانية رئيس الدولة أو علمها أو شعارها الوطني". وتوسع المادة 8 من نطاق تطبيق هذا الحُكم القانوني، إذ تشمل نائب الرئيس وأعضاء المجلس الاتحادي الأعلى وآخرين.

الخمسة متهمون تحت طائلة المادة 176 باستخدام منتدى سياسي على الإنترنت، هو "حوار الإمارات". ولا تزيد أي من رسائل المتهمين الواردة على هذا الموقع المحظور عن انتقاد السياسات الحكومية أو القيادات السياسية، على حد قول أربع منظمات حقوقية بينها هيومن رايتس ووتش، وكانت قد قامت بمراجعة هذه التعليقات على الموقع. ولا توجد أدلة على أن الرجال استخدموا العنف أو حرضوا عليه في إطار نشاطهم السياسي.

حرية التعبير مكفولة بموجب الدستور الإماراتي وهي واضحة لا لبس فيها في القانون الدولي لحقوق الإنسان. ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن: "لكل إنسان حق في حرية التعبير... وفي التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين". وبينما الإمارات ليست دولة طرف في العهد الدولي، فالعهد يعتبر مصدراً مُلزماً ودليلاً إرشادياً يعكس الممارسات الدولية الفضلى. المعايير الدولية المقبولة لا تسمح بقيود على المحتوى المنشور إلا في أضيق الحالات، مثل في حالة القدح والذم أو التشهير بحق أفراد أو إذا كان الكلام المُعبر عنه يهدد الأمن الوطني.

وتنص المادة 32 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان – الذي صدقت عليه الإمارات – على الحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في نقل الأخبار إلى الآخرين بمختلف السبل. القيود الوحيدة المسموح بها على ممارسة هذا الحق هي التي يتم فرضها من أجل "احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة". والمادة 13 (2) من الميثاق تنص على أن تكون جلسات المحاكمة "علنية إلا في حالات استثنائية تقتضيها مصلحة العدالة في مجتمع يحترم الحريات وحقوق الإنسان".

وينص إعلان الأمم المتحدة الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان على أنه يتعين على الدول "اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لضمان حماية الجميع من العنف والتهديدات والانتقام والتمييز والضغوط أو أي عمل تعسفي آخر" نتيجة لمشاركته في النشاط الخاص بحقوق الإنسان.

خلفية عن السوربون – أبو ظبي

جامعة السوربون – أبو ظبي تقع في عاصمة الإمارات. وهناك اتفاق دولي مُبرم بين جامعة السوربون – باريس الفرنسية، أو "باريس IV" وحكومة أبو ظبي، يقضي بإنشاء الجامعة، وتم توقيعه في 19 فبراير/شباط 2006. وتم إنشاء الجامعة في 30 مايو/أيار 2006 بموجب قرار من الحكومة الإماراتية.

هناك مجلس إدارة لجامعة السوربون – أبو ظبي قوامه 6 أعضاء، ثلاثة مُعينين من جامعة السوربون – باريس وثلاثة من مجلس أبو ظبي التنفيذي. بموجب الاتفاق، هناك رئيس واحد لمجلسي إدارة الجامعتين. وفي الاتفاق مادة تمنح الإمارات العربية المتحدة حق الاستخدام الحصري لاسم السوربون في منطقة الشرق الأوسط.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع