Skip to main content
تبرعوا الآن

عام على تقرير لجنة ثابو امبيكي

استمرار الفشل في اتخاذ خطوات تجاه تحقيق العدالة بشأة جرائم دارفور

صادق "الإتحاد" الأفريقي" في 29 أكتوبر 2009 على التقرير الهام والتوصيات التي أصدرتها لجنة الإتحاد الأفريقي العليا حول دارفور، بقيادة رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو امبيكي. وأوصى التقرير، الشامل المؤلف من 125 صفحة، بعنوان "دارفور: السعي للسلام والعدالة والمصالحة"، باتخاذ الحكومة السودانية مجموعة من الخطوات لتحقيق الأهداف التي وردت ضمن التوصيات، بما في ذلك إنشاء محكمة مختلطة من قضاة سودانيين وغير سودانيين بالإضافة إلى مسؤولين آخرين للنظر في الجرائم التي تُعتبر انتهاكا للقانون الدولي في دارفور، فضلا عن التوصيات الخاصة بإجراء إصلاحات واسعة في النظام القضائي السوداني.

تتناول هذه الورقة تطورات رئيسية حدثت منذ صدور تقرير لجنة الإتحاد الأفريقي العليا حول دارفور، كما تتناول أوجه القصور في عملية متابعة تنفيذ التوصيات. وتتضمّن الورقة أيضاً توصيات موجهة إلى "الاتحاد الأفريقي" ومنظمة الأمم المتحدة وأطراف أخرى رئيسية في الشأن السوداني بهدف تحقيق العدالة ومنع الإفلات من المساءلة والعقاب على الجرائم التي استهدفت المدنيين في دارفور.

خـلـفـيـة

في 21 يوليو 2008، أي بعد أسبوع من طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة إعتقال بحق الرئيس السوداني، عمر البشير، بسبب تهم تتعلّق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وعمليات إبادة بسبب الانتهاكات التي ارتكتب في دارفور، ناشد "مجلس السلام والأمن"، التابع لـ"الإتحاد الأفريقي"، بتشكيل لجنة عليا حول دارفور لتسليم توصيات تتعلّق بـ"المساءلة ومنع الإفلات من المساءلة والعقاب، من ناحية، والمصالحة وجبر الضرر" من الناحية الأخرى"[1]. وناشد "الإتحاد الأفريقي" في نفس الاجتماع، مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، بإرجاء تحقيق المحكمة الجنائية الدولية حول الجرائم التي ارتكبت في دارفور، ومحاكمة المتهمين بارتكابها.[2] كثير من المراقبين قال ان الغرض من التفويض الممنوح لهذه اللجنة يهدف لمساعدة السودان على الالتفاف على المحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من ان الرئيس امبيكي نفى هذا الإدعاء.[3]

وفي فبراير 2009 وافق الإتحاد الأفريقي على قرار "لجنة السلام والأمن" بتشكيل اللجنة العليا حول دارفور وأصدر قراراً بأن يترأسها الرئيس ثابو امبيكي. وفي 4 مارس 2009 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أول مذكرة لها بشأن الرئيس السوداني، عمر البشير، حول التهم الموجّهة له بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.[4]

وخلال فترة ستة شهور، ابتداء من ابريل 2009، أجرت "لجنة امبيكي" بحثاً وعقدت سلسلة من جلسات الاستماع في السودان. وأصدرت اللجنة تقريرها في أكتوبر، وأشارت في  تقريرها إلى ارتكاب جرائم خطيرة في دارفور تمثّل انتهاكا للقانون الدولي، وأشارت كذلك إلى ان السودان فشل حتى ذلك الوقت في تحقيق العدالة بشأن هذه الجرائم.

أشار التقرير كذلك إلى ان الكثيرين في السودان "يعارضون بقوة أي تعليق لإجراء المحكمة الجنائية الدولية، ويرى هؤلاء ان تعليق هذه الخطوة يُعتبر مخرجاً للحكومة السودانية من الالتزام بتحقيق مطالب العدالة"، كما ورد في التقرير أيضاً ان الدارفوريين "رحّبوا باعتزام المحكمة الجنائية الدولية محاكمة المتهمين باعتبارها الآلية المناسبة الوحيدة للتعامل مع الوضع الذي ظلوا يعانون منه."[5]  

لم تتخذ اللجنة أي موقف تجاه طلب "الإتحاد الأفريقي" بإرجاء تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في دارفور، لكنها أشارت إلى ان المدعين في المحكمة حتى إذا مضوا قُدُما في خطواتهم، فإنهم سيستهدفون فقط عددا قليلاً من الأفراد، وأشارت أيضا إلى ضرورة وجود دعم وطني لجهود المحكمة. أوصت اللجنة كذلك بضرورة وجود "مساعي وجهود لتحقيق العدالة والمصالحة"، بما في ذلك إنشاء محكمة جنائية مختلطة ضمن النظام القضائي السوداني للنظر في الجرائم الخطيرة، على أن يتم تشكيلها من قضاة سودانيين وآخرين غير سودانيين يقوم بتعيينهم "الإتحاد الأفريقي".[6]

أوصت اللجنة أيضاً بإجراء إصلاحات في النظام القضائي السوداني تشتمل على إلغاء الحصانات القانونية وحصانات الأمر الواقع وإعادة تنشيط "المحكمة الجنائية الخاصة حول أحداث دارفور" ودعمها بخبراء من "الإتحاد الأفريقي" وإنشاء لجنة حقيقة وعدالة ومصالحة بهدف تحديد طبيعة وأهداف وتداعيات النزاع في دارفور خلال الفترة من عام 2002 حتى 2009.[7]

في الوقت الذي أكّدت فيه على التداخل والارتباط بين السلام والعدالة وأهداف العدالة والمصالحة، أوصى التقرير بأن تتخذ الحكومة السودانية خطوة إلى الأمام في تنتفيذ التوصيات المتعلّقة بتطبيق العدالة دون تأخير. أورد التقرير بوضوح أيضاً ان "أياً مما ذكرته اللجنة في هذا التقرير لا يجب ان يُعتبر مبرّراً لتأخير الخطوات الضرورية فيما يتعلّق بالعدالة والمصالحة".[8]

وفي 29 أكتوبر 2009 صادق "الإتحاد الأفريقي" على التقرير واتخذ قراراً بتشكيل لجنة عليا، يرأسها أيضا ثابو امبيكي، للمساعدة في تطبيق قرارات وتوصيات تقرير لجنة "الإتحاد الأفريقي" العليا حول دارفور. منح "الإتحاد الأفريقي أيضاً هذه اللجنة تفويضاً واسعاً للمساعدة في تطبيق "اتفاق السلام الشامل" عام 2005، وهو الاتفاق الذي شغل اهتمام هذه اللجنة منذ ذلك الوقت.[9]

رحّب مجلس الأمن في ديسمبر 2009، بالتقرير وبالتوصيات التي تضمّنها.[10] وأيّدت التقرير أيضاً مجموعة من 18 حزب سياسي سوداني، أشارت إلى ان المساءلة حول انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكتب في دارفور لا بد ان تكون شرطاً مسبقاً لأي سلام واستقرار.[11] الحكومة السودانية لم تستجب من جانبها للتقرير، كما ان وفدها أبدى تحفّظات خلال جلسة لـ"مجلس السلام والأمن التابع" للإتحاد الأفريقي لدى استعراض التقرير.[12] ورفض الرئيس البشير ومسؤولون حكوميون آخرين علناً مقترح تكوين المحكمة المختلطة، ورفضوا أيضاً أي اقتراح يتضمّن إشراك خبراء أجانب.[13]

عدم تحقيق تقدّم في التوصيات التي رفعتها لجنة امبيكي

لم تحرز الحكومة السودانية أي تقدّم ملموس في تطبق التوصيات التي تقدّمت بها لجنة امبيكي حول العدالة. وأشارت لجنة "الإتحاد الافريقي العليا" حول دارفور في يوليو 2010 إلى تعيين الحكومة السودانية فريقا لمناقشة استراتيجية تطبيق للعدالة والاستقرار في دارفور.[14] لم يتم نشر خطط هذا الفريق بصورة علنية، كما ان هذه الخطط لم تسفر عن أي خطوات ملموسة من جانب الحكومة لوضع توصيات لجنة العدالة موضع التنفيذ.

أعلنت الحكومة السودانية في سبتمبر 2010 عن استراتيجية جديدة لدارفور.[15] إلا ان هذه الاستراتيجية، التي ركّزت على الأمن والتنمية في دارفور، لم تتناول توصيات لجنة امبيكي بشأن تطبيق العدالة. وجاء في الإستراتيجية ان "الحكومة السودانية تظل ملتزمة بدعم عمل المدّعي الخاص لدارفور الذي عيّنته الحكومة السودانية والمحاكم التي أعلنتها لتنفيذ التفويض الممنوح لها". حدث ذلك رغم تحذير مستشار بارز للجنة مبيكي من ان الحكومة السودانية ستكون قد ارتكبت "حماقة" إذا تجاهلت توصيات إنشاء محكمة مختلطة.[16]  

وفي أكتوبر، أعلن وزير الدولة السوداني بوزارة العدل ان الوزارة ستركّز على إقامة محاكم محلية خلال العام المقبل للنظر في الجرائم التي ارتكبت في دارفور.[17] كما أعلن وزير العدل أيضاً عن إجراء تحقيقات جديدة وعيّن ممثلين على مستوى عال للعدالة والأمن للعمل في دارفور، وأصدر قراراً بإقالة نمر إبراهيم وعيّن بدلاً عنه عبد الدائم زمراوي وكيلاً لوزارة العدل.[18]

إلا ان هناك أسباباً وجيهة تدعو للتشكيك في هذه التصريحات الرسمية. إذ ان محاولات السودان السابقة لإجراء محاكمات محلية للجرائم الخطيرة التي ارتكبت في دارفور لم تكن فعّالة.[19] ومن المؤكد ان عدم رغبة الجانب السوداني في إجراء محاكمات للنظر في الجرائم الخطيرة التي ارتكبت في دارفور هو الذي أدّى أصلاً لصدور قرار مجلس الأمن غير المسبوق بإحالة الوضع في دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية. يُضاف إلى ما سبق أن الحكومة السودانية لم تتخذ خطوات جوهرية لتعزيز نظامها القضائي تمشّياً مع توصيات لجنة امبيكي وتنفيذاً لالتزاماتها بموجب القانون الدولي والدستور.[20]  

وفي نفس الوقت فشل كل من "الإتحاد الأفريقي" ومجلس الأمن والولايات المتحدة والأطراف الدولية الأخرى ذات الصلة بعملية السلام في السودان في الضغط بصورة فاعلة على الحكومة السودانية لحملها على اتخاذ خطوات إلى الأمام بشأن توصيات لجنة امبيكي الخاصة بالعدالة. ويلاحظ ان الاهتمام الدولي بصورة عامة تحوّل باتجاه تطبيق "اتفاقية السلام الشامل" عام 2005، التي وضعت نهاية لحرب استمرت 22 عاماً في السودان ونادت بإجراء استفتاء حول تقرير مصير الجنوب في يناير 2011. وفي الوقت نفسه، فإن عملية سلام دارفور التي تقودها قطر تعثّرت ولم تنجح في تحديد آلية للمساءلة حول جرائم دارفور.

الطريق إلى الأمام

مرّ ما يزيد على خمسة أعوام على قرار مجلس الأمن بإحالة الوضع في دارفور إلى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، كما مرّ عام منذ ان عرضت اللجنة العليا التابعة للإتحاد الأفريقي تقريرها على "مجلس السلام والأمن" التابع للإتحاد بأبوجا. الفشل التام للسودان في العمل بتوصيات لجنة امبيكي، وعدم تعاون الحكومة السودانية مع المحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن محدودية الحوار والمساعي من جانب الأطراف الدولية الرئيسية بشأن قضايا المساءلة -خصوصاً حول الانتخابات خلال فترة ما قبل الاستفتاء بشأن تقرير مصير جنوب السودان- يؤكّد الضوء على الحاجة إلى المزيد من المساعي الفعّالة لضمان عدم حرمان ضحايا جرائم دارفور من تحقيق العدالة.

يرى المسؤولون المعنيّون بالشأن السوداني في عدد من المنظمات الدولية، بما في ذلك "الإتحاد الأفريقي، ان تحقيق العدالة يهدد بتقويض عملية السلام في دارفور وتطبيق "اتفاق السلام الشامل"، ويرون أيضاً ان الأولوية يجب ان تكون لعملية السلام وليس تحقيق العدالة. رغم ذلك، أقرت اللجنة العليا حول دارفور بأن السعي لتحقيق أهداف السلام والعدالة والمصالحة لا يجب أن يعني بأية حال تأخير تحقيق العدالة، وجاء في تقريرها حول هذه المسألة:

"ترى اللجنة انه من الممكن في الوقت الراهن إجراء بعض التحقيقات الجنائية على نحو يحافظ على استمرار المحاكمات. وفي كل الأحوال يمكن تحديد الأدلة والتعرّف عليها وحفظها بغرض إجراء المزيد من التحقيقات أو استخدامها في إجراءات تتعلق بهذا الجانب مستقبلا. من المؤكد ان مثل هذه البدايات على وجه التحديد هي التي يمكن ان تعطي سكان دارفور الثقة في التزام الحكومة بوضع نهاية للإفلات من العقاب على الجرائم التي ارتكبت. ما تقوله اللجنة في هذا التقرير لا يجب أن يُفهَم كونه مبرراً لتأخير الخطوات الضرورية لتحقيق العدالة والمصالحة..."[21]

أشارت اللجنة في تقريرها أيضاً إلى ما يلي:

"يمكن إعتبار خطوة المحكمة الجنائية الدولية محفّزاً لاتخاذ إجراءات بشأن المحاسبة في السودان، إلا ان استحقاق سكان دارفور للاهتمام لم يأت فقط من التهديد باتخاذ خطوة دولية، بل بموجب أحقيّتهم في الحصول على العدالة داخل بلدهم بسبب ما عانوا منه."[22]   

الفشل في محاسبة مرتكبي أكثر الجرائم الدولية خطورة من المحتمل ان يؤدي إلى حدوث انتهاكات أخرى مستقبلاً.[23] فمسألة الإفلات من العقاب في السودان على مدى فترة طويلة إزاء استخدام الدولة للميليشيات الإثنية لمهاجمة المدنيين في الجنوب كان سابقة مهّدت لأعمال أخرى مماثلة في مناطق أخرى في السودان. ومن المرجّح ان يكون ذلك قد لعب دوراً في قرار الخرطوم باستخدام نفس الإستراتيجية مرة أخرى كانت نتائجها مدمّرة في دارفور ولا تزال[24]  تؤجّج الاعتداءات بصورة يومية. كما ان ازدياد حدة القتال بين الحكومة وقوات التمرد، وبين الجماعات المسلحة الأخرى خلال العام الحالي، 2010، أسفر عن مقتل مئات المدنيين.[25] فقد هاجمت ميليشيات تدعمها الحكومة السودانية مطلع سبتمبر سوق تبرا في شمال دارفور وقتلت 37 شخصاً على الأقل.[26] اما التزام الحكومة بالتحقيق في التهم المتعلّقة بانتهاكات حقوق الإنسان وخرق القانون الدولي، فلم تسفر حتى الآن عن إجراء محاكمات. كما ان هجمات الحكومة على العديد من القرى في مناطق شرق جبل مرّة أواخر شهر سبتمبر ومطلع أكتوبر أدت إلى مقتل المزيد من المدنيين، كما أسفرت أيضاً عن عمليات نزوح جماعية وتدمير لممتلكات السكان.[27]

وتحث "هيومان رايتس ووتش" كل الحكومات والمؤسسات المعنيّة، خصوصاً في الدول الأعضاء في "الإتحاد الأفريقي" ومجلس الأمن على:

الضغط على السودان لتطبيق كامل للعدالة وفقا لما جاء في توصيات اللجنة العليا التابعة لـ" الإتحاد الأفريقي" حول دارفور.

أمام لجنة امبيكي دور مهم في الضغط على الحكومة السودانية لحملها على تنفيذ توصيات اللجنة بهدف ضمان تحقيق العدالة لسكان دارفور، كما يجب ان تصر على إجراء محاكمات على الجرائم الخطيرة وفقاً للمعايير الدولية. وكما أشارت لجنة "الإتحاد الأفريقي العليا" حول دارفور، فإن المحكمة الجنايئة ستحاكم فقط مجموعة محدودة من الأفراد على مستويات عليا من المسؤولية. إجراء المحاكمات أمام المحكمة المختلطة وأمام محاكم أخرى محلية قد يساعد على ضمان محاسبة أوسع نطاقاً مقارنة بالمحاسبة أمام المحكمة الجنائية الدولية.

إلا ان هذه المقترحات تتضمّن عددا من الشروط الواجب توفّرها. أولا، ثمة حاجة لإرادة سياسية من جانب الحكومة السودانية حي تقوم المحكمة المختلطة بعملها على نحو فاعل. وإلا، فإن المشاركة الداخلية ربما يتم استغلالها لعرقلة عمل المحكمة. فالتحدي الرئيسي الذي يواجه المحاكم المختلطة عادة هو مدى رغبة وإرادة الدولة المعنيّة للمحاكمة على الجرائم المرتكبة.[28]

ثانياً، السودان في حاجة لقبول مشاركة خبرات دولية كافية في المحكمة المختلطة المقترحة. إذ ان اقتراح المحكمة المختلطة يقوم على أساس فكرة إجراء التحقيق والنظر في القضايا بواسطة محقّقين سودانيين إلى جانب نظراء لهم غير سودانيين من دول افريقية.[29]ويجب ان يتوفّر للقضاة والمدّعين غير السودانيين القدرة على اتخاذ قرارات قد تكون متباينة مع قرارات نظرائهم السودانيين لكي تكون هذه المحاكمات محايدة ومستقلّة.[30]

ثالثاً، السودان في حاجة لتطبيق اصلاحات كاملة على النظام القانوني الجنائي. إذ ان هناك عددا من أوجه الخلل في النظام القانوني الجنائي المحلي -مثل توفير الحماية الكافية لضمان محاكمة نزيهة والإفلات من العقوبة لمجموعات محدّدة من الأفراد، واستخدام عقوبة الإعدام، وغياب برامج حماية الشهود- وهي كلها أوجه قصور ستحول على الأرجح دون توفر الشروط اللازمة لإجراء محاكمات عادلة ونزيهة متوافقة مع القوانين والأعراف الدولية.[31]  

الإصرار على تعاون السودان مع المحكمة الجنائية الدولية

يجب أن تعمل كل الأطراف الرئيسية المتحاورة مع الحكومة السودانية -بما في ذلك الإتحاد الأفريقي ومجلس الأمن، والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه- على الضغط بصورة فاعلة على الحكومة السودانية لحملها على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.

تظل المحكمة الجنائية الدولية المنبر الرئيسي الذي يتم من خلاله في الوقت الراهن السعي بصورة جادة للتحقيق والنظر في الجرائم التي ارتُكبت في دارفور.[32] فشل السودان في تطبيق توصيات لجنة امبيكي يؤكّد فقط أهمية التحقيقات التي تجريها المحكمة الجنائية الدولية والمحاكمات التي تعتزم إجراءها.

ليس هناك ما يشير إلى ان تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية ستضر بالمحافظة على السلام والأمن الدوليين، كما ان تعليق نشاطات المحكمة لن يساهم في تحقيق السلام في السودان. مفاوضات السلام في دارفور ظلت متعثّرة نسبة لمجموعة من الأسباب لا تتعلّق بالمساعي والجهود الرامية لتحقيق العدالة، بما في ذلك استمرار رفض جماعتي التمرد الرئيسيتين للعملية واستبعاد الحكومة لمشاركة المجتمع المدني. تسبّبت في عرقلة عملية السلام في دارفور أيضاً الجداول الزمنية غير الواقعية لتحقيق نتائج محدّدة وغياب التنسيق بين الأطراف الرئيسية المعنيّة بالوضع في دارفور، وهي "اليوناميد (العملية الهجين بين الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور)، الوسيط المشترك، الإتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة في دارفور ولجنة الإتحاد الأفريقي العليا حول دارفور.

لدى الدول مجموعة من المصالح في السودان، خصوصا فيما يتعلّق بتطبيق "اتفاقية السلام الشامل" والاستفتاء المرتقب حول تقرير مصير جنوب السودان. رغم ذلك يجب أن يظل الإصرار على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية أولوية بهدف تفادي الإفلات من العقاب بواسطة أطراف رئيسية يجب ان تخضع للمساءلة. تجدر الإشارة هنا إلى ان قضاة المحكمة الجنائية الدولية أصدروا مذكّرة حول عدم تعاون حكومة السودان مع المحكمة بشأن القضايا الخاصة بأحمد هارون وعلي كوشيب في مايو 2010. وتحث "هيومان رايتس ووتش" مجلس الأمن على الاستجابة لهذه المذكرة بالضغط من أجل التعاون في هذه القضايا، ويمكن ان يفعل المجلس ذلك من خلال إجراءات مثل إصدار قرار أو فرض عقوبات أو إصدار بيان رئاسي.[33]


 


[1] مجلس السلام والأمن التابع للإتحاد الأفريقي، الإجتماع رقم 142، 21 يوليو، أديس أبابا، إثيوبيا.

[2] طبقاً للمادة 16 من قانون روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية يجوز لمجلس الأمن إصدار طلبات تأجيل للتحقيق والمحاكمة قابلة للتجديد سنوياً بموجب سلطته الواردة في الفصل السابع بشأن مسؤوليته في استدامة السلام والأمن العالميين.   

[3] "امبيكي يتراجع عن تشدّده تجاه المحكمة المختلطة بشأن دارفور"، صحيفة "سودان تريبيون"، 17 ديسمبر 2009.

[4] "الإتحاد الأفريقي، الجمعية العامة للإتحاد الأفريقي الجلسة الثانية عشر العادية، 1-3 فبراير 2009، أديس أبابا، إثيوبيا، الجمعية العامة/ الإتحاد الأفريقي/ديسمبر221 (12). صدرت مذكرة ثانية في يوليو 2010 حول تهم بالإبادة الجماعية.  

[5] تقرير "لجنة الإتحاد الأفريقي حول دارفور، الفقرتان 242 و240، الإجتماع 207 لـ"مجلس السلام والأمن التابع للإتحاد الأفريقي على مستوى رؤساء الدول والحكومات، 29 أكتوبر 2009، أبوجا، نيجيريا.

[6] المصدر السابق، الفقرة 320.

[7]المصدر السابق

[8]المصدر السابق، الفقرة 207

[9]  البيان الختامي للإتحاد الأفريقي، مجلس السلام والأمن، الإجتماع رقم 2007 على مستوى رؤساء الدول والحكومات، 29 أكتوبر، تقرير حول "برنامج عمل من 9 نقاط مقدم من الجنة إلى "مجلس السلام والأمن" يتناول بصورة رئيسية تحديات أخرى مثل الانتخابات والاستفتاء وجنوب السودان.

[10] بيان صحفي لمجلس الأمن حول السودان، مجلس الأمن، 9831، 21 ديسمبر 2009.

[11] مذكرة لمجلس السلام والأمن التابع للإتحاد الأفريقي وقمة رؤساء الدول الأعضاء في الإتحاد، المذكرة منشورة في: http://blogs.ssrc.org/sudan/2009/10/31/au-panel-on-darfur-documents  (تم الإطلاع بتاريخ 25 أكتوبر 2010)

[12]"السودان يرفض بكياسة مقترح المحكمة المختلطة"، صحيفة "سودان تريبون"، عدد 30 أكتوبر 2009،

[13] انظر تراجع موقف امبيكي تجاه مقترح المحكمة المختلطة حول دارفور"، صحيفة "سودان تريبيون"، 17 ديسمبر 2009، http://www.sudantribune.comspip.php/?article33484  (تم الإطلاع بتاريخ 25 أكتوبر 2010)

[14]تقرير رئيس "اللجنة المسؤولية عن متابعة نشاطات اللجنة العليا للتنفيذ التابعة للإتحاد الأفريقي"، مجلس السلام والأمن التابع للإتحاد الأفريقي، 2 يوليو 2010، الفقرة 13. 

[15] "نحو استراتيجية جديدة لتحقيق سلام وأمن وتنمية شاملة في دارفور"، مكتب مستشار الرئيس، سجلات "هيومان رايتس ووتش".

[16] مقابلة: خبير في الشأن السوداني يحذر الحكومة من رفض تشكيل المحاكم المختلطة في دارفور"، صحيفة "سودان تريبيون"5 سبتمبر 2010، المقابلة منشورة على الموقع: http://www.sudantribune.com/spip.php?article36181  (تم الإطلاع على المقابلة بتاريخ 25 أكتوبر 2010)

[17] "العدل تضع ميزانية لدعم العمل الجنائي في دارفور"، صحيفة "أجراس الحرية" 13 أكتوبر 2010، http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news_view_13151.html

[18]انظر مركز السودان للإعلام، "الوزارة تبدأ تحقيقاً حول جرائم في دارفور، 6 أكتوبر 2010، الرابط: http://smc.sd/eng/news-details.html?rsnpid=30262 (تم الإطلاع في 25 أكتوبر 2010): "وزير العدل يعيّن مدّعياً جديدا للجرائم في دارفور"20 أكتوبر 2010، http://sms.sd/eng/news-details.html?rsnpid=30414  (تمت الإطلاع في 25اكتوبر 2010). المدعي الخاص نمر إبراهيم، الذي جرى تعيينه في أغسطس 2008 للتحقيق حول الجرائم في دارفور لم ينجح حتى الآن في إجراء أي محاكمات للجرائم الخطيرة.

[19] هيومان رايتس ووتش"، السودان- نقص الإدانة: المحكمة الجنائية الخاصة بأحداث دارفور، 8 يونيو 2006،  https://www.hrw.org/en/reports/2006/06/80/lack-conviction

[20]اتسم نهج الحكومة السودانية تجاه تغيير القوانين القائمة بعدم الانتظام والتواصل، إلا ان مبدأ الشرعية من المحتمل ان يحول دون تطبيق تعديلات جديدة. انظر "تقرير لجنة الإتحاد الأفريقي العليا حول دارفور"، الفقرتان 228 و229. فشل السودان في منع الحصانات القانونية وحصانات الأمر الواقع التي تحمي الجنود والمسؤولين. ولم يجعل القوانين، مثل "قانون الأمن الوطني"، متوافقة مع المعايير الدولية ومع دستور البلاد.     

[21] تقرير اللجنة العليا التابعة للإتحاد الأفريقي حول دارفور، الفقرة 207.

[22] المصدر السابق، الفقرة 245.

[23] أنظر "هيومان رايتس ووتش"، "ارتخاص العدالة: أهمية المحاسبة في تحقيق السلام"، يوليو 2009، ص 35-92، https://www.hrw.org/node/84264

[24]المصدر السابق، ص.68-74.

[25] "الأمم المتحدة: تعزيز حماية المدنيين في دارفور: حالات القتل الجديدة والانتهاكات الأخرى تؤكد الحاجة لتحسين الوضع الأمني وتسهيل وصول المساعدات"، بيان صحفي لـ"هيومان رايتس ووتش"، 19 يوليو 2010 http

[26] "السودان: ضرورة حماية المدنيين قبل الاستفتاء"يجب ان يعمل اجتماع الأمم المتحدة العالي المستوى على تهيئة الأوضاع لإجراء انتخابات حرة ونزيهة"، بيان صحفي لـ"هيومان رايتس ووتش"،22 سبتمبر 2010 https://www.hrw.org/en/news/2010/09/21/sudan-protect-rights-ahead-referendum  

[27] لم تظهر معلومات كافية من مناطق جبل مرّة، وذلك منع الحكومة وقوات التمرد دخول المنظمات الدولية للمنطقة. تلقّت "هيومان رايتس ووتش" معلومات تؤكد الاشتباكات.

[28] انظر، على سبيل المثال، "هيومان رايتس ووتش": تحقيق العدالة: انجازات وأوجه قصور المحكمة الخاصة حول سيراليون والحاجة للدعم، الجزء 16، رقم 8(A) سبتمبر 2004 https://www.hrw.org/reports/2004/sierraleone904.pdf

[29] مجلس السلام الأمن التابعة للإتحاد الأفريقي، "تقرير اللجنة العليا حول دارفور التابعة للإتحاد (دارفور: السعي لتحقيق السلام والعدالة والمصالحة)، أديس أبابا، أكتوبر 2009، الفقرة 320 (ب).

[30]  مقترح اللجنة العليا حول دارفور، التابعة لـ"الإتحاد الأفريقي"، لم يتضمن تفاصيل فيما يتعلق ب

[31]" هيومان رايتس ووتش"، السودان- نقص الإدانة: المحكمة الجنائية الخاصة بأحداث دارفور، 8 يونيو 2006،  https://www.hrw.org/en/reports/2006/06/80/lack-conviction  ص. 15-26، 30. انظر أيضاً تقرير "لجنة السلام والأمن" التابعة للإتحاد الأفريقي، "تقرير اللجنة العليا التابعة للإتحاد الأفريقي حول دارفور (دارفور: البحث عن السلام والعدالة والمصالحة)"، أديس أبابا، أكتوبر 2009، الفقرات 228-238. للإطلاع على نقاش مفصّل حول توفّر شروط أساسية لإجراءات عادلة وفعالة متوافقة مع القوانين والأعراف الدولية انظر "هيومان رايتس ووتش" شروط العدالة للنظر في الجرائم الخطيرة في شمال أوغندا: مذكرة هيومان رايتس ووتش حول معايير العدالة ومحادثات جوبا للسلام"، 2 سبتمبر2008 https://www.hrw.org/en/news/2008/09/01/benchmarks-justice-serious-crimes-northern-uganda   

[32] أصدرت المحكمة الجنائية الدولية حتى الآن مذكرات اعتقال بحق ثلاثة متهمين بسبب تهم تتعلق بارتكاب جرائم في دارفور: الرئيس عمر البشير، وأحمد هارون، الحاكم الحالي لولاية جنوب كردفان، وعلي كوشيب، قائد لميليشيات الجنجويد، . أصدرت المحكمة أيضاً مذكرات استدعاء للظهور أمامها بحق ثلاثة من قادة جماعات التمرد بسبب هجمات تعرّضت لها قوات حفظ السلام الدولية في دارفور: بحر إدريس أبو قردة، عبد الله بندا أبّكر، وصالح محمد جربو جاموس.

[33] المدّعي العام للمحكمة الجنائية ضد أحمد محمد هارون ("أحمد هارون")، وعلى محمد على عبد الرحمن ("علي كوشيب")، المحكمة الجنائية الدولية، رقم القضية ICC-02/05-01/07، أبلغت الدائرة التمهيدية الأولى مجلس الأمن بشأن عدم تعاون جمهورية السودان في القضية المرفوعة ضد هارون وكوشيب، 25 مايو 2010.  

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد

الأكثر مشاهدة