(القدس) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على الحكومة الإسرائيلية أن تكف فوراً عن هدم منازل المواطنين البدو في صحراء النقب وأن تعوض من شُردوا وتسمح لهم بالعودة إلى قريتهم، بانتظار اتفاق نهائي يحترم حقوقهم التي يكفلها لهم القانون الدولي. وكان مئات من رجال الشرطة قد وصلوا دون سابق إنذار إلى العراقيب - في السادسة صباح 17 أغسطس/آب 2010 - ليدمروا نحو 20 مسكناً صُنع على عجل، مما خلف العديد من السكان بلا منازل ومشردين في درجات حرارة الصيف التي بلغت 40 درجة مئوية، أو نحو 105 فهرنهايت.
وكان مسؤولو الشرطة وإدارة الأراضي الإسرائيلية قد دمروا القرية بالكامل في 27 يوليو/تموز، حسبما ذكرت هيومن رايتس ووتش سابقاً، وعادوا ثلاث مرات أخرى لتدمير المساكن والمآوى التي نصبها بعض السكان على عجل في المكان. وأدت عمليات الهدم إلى تشريد 300 شخص قسراً - نحو نصفهم من الأطفال - حتى رغم أن لبعض السكان قضايا في المحاكم الإسرائيلية للمطالبة بأراضٍ.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "إسرائيل تُظهر لا مبالاة صادمة بالحقوق الأساسية للمواطنين الذين تصادف أنهم بدو عرب. عمليات الهدم هذه يجب أن تتوقف الآن وفوراً".
وكانت إسرائيل قد هدمت آلاف منازل البدو في النقب منذ السبعينيات، وأكثر من 200 منزل منذ بداية عام 2009. وقامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق التمييز المنهجي بحق المواطنين البدو في تقرير "خارج حدود الخريطة" الذي جاء في 130 صفحة، وصدر في مارس/آذار 2008.
أعمال الهدم في القرية يومي 10 و17 أغسطس/آب هي أول أعمال هدم موسعة تقوم بها السلطات الإسرائيلية في النقب أثناء شهر رمضان. أماتزيا تفوا، مديرة قسم التفتيش بإدارة الأراضي الإسرائيلية - الهيئة الحكومية المسؤولة عن إدارة الأراضي التي تملكها الدولة - قالت لوسائل الإعلام الإسرائيلية في 10 أغسطس/آب إنه "إذا اضطررنا للهدم في رمضان فسوف نفعل، رغم أننا نحاول أن نلتزم الحساسية الشديدة".
بدو النقب مواطنون إسرائيليون، لكن نحو 90 ألفاً منهم يعيشون في بلدات "غير معترف بها" عرضة لخطر أعمال الهدم. ولأن الحكومة تعتبر القرى غير مشروعة، فلم توصل إليها الخدمات الأساسية والبنية التحتية، مثل شبكات المياه والكهرباء والمجاري وخدمة جمع القمامة. ويشكل البدو نحو 25 في المائة من سكان شمال النقب، لكن بعد تشريدهم مراراً منذ عام 1948، أصبحوا يشغلون أقل من 2 في المائة من أراضي النقب. وفيما ترفض إسرائيل الاعتراف بمطالبات البدو في الأراضي في تلك المنطقة، فقد منحت مساحات شاسعة من الأراضي لإسرائيليين يهود. وعن طريق سلسلة من القوانين صدر آخرها في 12 يوليو/تموز، أضفت الدولة الشرعية بأثر رجعي على المزارع الفردية في المنطقة، وجميعها تقريباً يملكها يهود.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون بأنهم يطبقون خطط التقسيم الإداري والبناء لا أكثر، ويصرون على أن بإمكان البدو الانتقال إلى سبع بلدات قائمة خططت لها الدولة أو إلى بعض القرى المعترف بها حديثاً. وتطالب الدولة البدو المنتقلين إلى البلدات بالتنازل عن مطالباتهم بالأراضي المتوارثة أباً عن جد - وهو ما لا يمكن أن يفكر فيه حتى أغلب البدو، ممن يتوارثون مطالباتهم بالحق في الأراضي جيلاً بعد جيل. بلدات الحكومة، سبعة من أفقر ثماني مجتمعات محلية في إسرائيل، سيئة التجهيز للتعامل مع أي تدفق من السكان الجدد.
ورداً على مطالبات قانونية قائمة بالأراضي يسعى فيها سكان العراقيب في محكمة بئر سبع، تقول السلطات الإسرائيلية بأن البدو لم يسبق أن كانت لهم أراضٍ معترف بأحقيتهم فيها في هذه المنطقة.
وبعد هدم القرية بالكامل في 27 يوليو/تموز، ذهب مفتشون من إدارة الأراضي برفقة الشرطة إلى الموقع للمرة الثانية في الرابع من أغسطس/آب وهدموا نحو 20 بناية أعيد بناءها على عجل. وكان طلب الصانع، عضو الكنيست، حاضراً ذلك اليوم وتم إخراجه قسراً من بناية من قبل ضباط الشرطة. وفقد وعيه ونُقل إلى مستشفى. واحتجزت الشرطة ستة أفراد للاستجواب، منهم كبير القرية، الشيخ صياح الطوري، ثم أفرجت عنهم في وقت لاحق من اليوم نفسه. وصدرت أوامر بحق ثلاثة آخرين مُنعوا بموجبها من دخول القرية لمدة ثلاثة أيام.
وفي 10 أغسطس/آب، أول أيام رمضان، توافد ضباط الشرطة ومفتشو إدارة الأراضي على القرية للمرة الثالثة، حوالي الساعة 6 صباحاً، وهدموا جميع المساكن التي أعيد بناءها على عجل في القرية. وتم القبض على شخصين ثم أُفرج عنهما في وقت لاحق من اليوم نفسه.
وأفادت تقارير إعلامية إسرائيلية بأن قائد قطاع الجنوب بالشرطة الإسرائيلية، يوشانان دانينو، قام بزيارة المنطقة في وقت لاحق من اليوم نفسه برفقة هاجاي بليد، المدير بوزارة الأمن الداخلي، متهماً البدو بـ "إجبار الشرطة على العودة للمنطقة" وأقسم على "معاقبة المجرمين بأقصى عقوبة واردة في القانون والمطالبة بأن يدفعوا كل شيكل تكبدته الدولة لصد تعدياتهم المتكررة".
وأضاف دانينو أن مكتب محامي الدولة يحضر لقضية للمطالبة بـ "ملايين الشيكلات" من السكان البدو، وأن الدولة "تحاول إيصال رسالة لم تصل بعد، بأننا لن نسمح لهم بالعودة إلى الأراضي".
شلومو تزيزير، رئيس قسم التفتيش بإدارة الأراضي، قال لوسائل الإعلام الإسرائيلية أن عملية إخلاء 27 يوليو/تموز كلفت الإدارة 300 ألف شيكل (80 ألف دولار) لكن الكلفة الكلية للعملية بلغت 2 مليون شيكل (530 ألف دولار)، بما في ذلك الأيام التي استغرقها تحضير استخدام 1300 ضابط شرطة واستئجار حافلات ومروحية الشرطة ورجال الشرطة على ظهر الجياد وغير ذلك من القوات.
وقد صدقت إسرائيل على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في عام 1991، الذي يطالبها بضمان الحق في السكن. إعلان الأمم المتحدة لعام 2007 بشأن حقوق الشعوب الأصلية، والذي يعكس بشكل عام ما يرد في القانون الدولي، ورد فيه أن الشعوب الأصلية لها الحق في الأرض التي كانت تملكها أو تشغلها أو تستخدمها تاريخياً، وأن على الدول أن تعترف اعترافاً قانونياً بهذا الحق. كما ورد في الإعلان أنه يجب ألا تتم أية عمليات لنقل السكان الأصليين دون موافقة مسبقة مستنيرة منهم، وبعد الاتفاق المسبق معهم على التعويض العادل والمنصف.