(القدس) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على الحكومة الإسرائيلية أن تفرض فوراً تجميداً على قرار هدم منازل المواطنين البدو. وعلى الحكومة أن تعوض بالكامل من دُمرت بيوتهم وممتلكاتهم وأن تسمح لهم بالعودة إلى قراهم إلى أن يتم التوصل لاتفاق نهائي مع المشردين يحترم حقوقهم بموجب القانون الدولي.
وفي مداهمة قبيل فجر 27 يوليو/تموز 2010، دمرت قوات الأمن الإسرائيلية جميع المنازل الخمسة والأربعين في قرية العراقيب، والحظائر وبنايات أخرى، مما خلف أكثر من ثلاثمائة شخص بلا مأوى، ونحو نصفهم أطفال تحت سن 16 عاماً. ويعيش نحو 90 ألف فلسطيني عربي بدوي، السكان الأصليين لمنطقة النقب جنوبي إسرائيل، في عشرات من البلدات "غير المعترف بها". ولأن السلطات الإسرائيلية ترفض الاعتراف ببلداتهم وقراهم، يمكن أن يتعرض البدو لتدمير منازلهم في أي وقت.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تدمير قرية بأكملها وترك سكانها مشردين دون استنفاذ جميع الخيارات الأخرى لتسوية نزاعات قائمة منذ زمن بعيد على أراضٍ هو أمر مشين". وتابع: "الهجوم على ممتلكات مواطنين إسرائيليين يُظهر أن السياسات التمييزية الإسرائيلية نحو العرب الفلسطينيين البدو لم تتغير".
بدأت مداهمة 27 يوليو/تموز نحو الساعة 4:30 صباحاً، عندما قام 1300 رجل أمن في خوذات مكافحة الشغب والدروع بسد مدخل القرية ودخلوها. وضمت القوة رجال شرطة على ظهر جياد ومروحيات ومفتشين من إدارة الأراضي الإسرائيلية - وهي هيئة حكومية مسؤولة عن إدارة 93 في المائة من الأراضي الإسرائيلية المملوكة للدولة، وفرق هدم في الجرافات، طبقاً لشهود عيان ومقاطع فيديو اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش.
قامت طواقم الهدم بإبعاد سكان القرية بالقوة، وأغلبهم من الأطفال والمسنين، من منازلهم، قبل بدء عملية الهدم. عواض أبو فريح، المتحدث باسم اللجنة المدنية لقرية عراقيب، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن السكان كانوا غير مسلحين ومكثوا في بيوتهم بعد وصول الشرطة كأحد أشكال المقاومة السلبية. كما دمرت الجرافات أشجار خروب وزيتون وحظائر للدجاج وبنايات أخرى، على حد قول السكان.
وقال ميكي روزينفيلد، المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية، لـ هيومن رايتس ووتش، إن الشرطة تحركت بناء على أمر للمحكمة صدر قبل 11 عاماً ولم يسبق تنفيذه. وقال إن العملية "تمت سريعاً وبرفق وبالتعاون مع ممثلي القرية". وأنكر أبو فريح وجود أي تعاون. وأضاف روزينفيلد أن مسؤولي إدارة الأراضي أخرجوا سكان العراقيب إلى منطقة قريبة من مدينة راحات القريبة، حيث،وعلى حد زعمه، كانت هناك مساكن إضافية.
أورتال تزابار، المتحدثة باسم إدارة الأراضي، أكدت في تصريح لـ هيومن رايتس ووتش أن السلطات خلعت أيضاً 850 شجرة زيتون وقالت عنها إنها "سيتم زرعها في مكان آخر".
أبو فريح ويعيلا رانان، المتحدثة باسم المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، وهي منظمة محلية، قالا إن العشرات فقط من العراقيب لديهم منازل أخرى. بعض السكان ربما أمضوا الليلة مع أقارب أو أصدقاء في راحات بعد أعمال الهدم، على حد قول رانان، لكن "هناك 250 شخصاً على الأقل لا خيار آخر لديهم الآن". وقالت رانان إنها كانت في العراقيب أثناء العملية وإن السكان بدأوا في 28 يوليو/تموز في تشييد خيام على مواقع البيوت من المخلفات الخشبية والأقمشة الرخيصة.
وقال السكان ونشطاء حقوقيون إسرائيليون لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة بدأت تتجمع في القرية في ساعة متأخرة من مساء الاثنين. وفي 12:15 صباحاً رفضت محكمة سلام كريات غات (محكمة ابتدائية) طعناً مقدماً من سكان القرية يحتجون فيه بأن ليس للدولة سند قانوني ترجع إليه في هدم منازلهم.
منتدى التعايش في النقب، وهي منظمة بدوية حقوقية، قال في بيان له إن العراقيب كانت موجودة قبل تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، وأن السكان عادوا إلى القرية بعد أن أخرجتهم الدولة من بيوتهم عام 1951. والكثير من القرى غير المعترف بها تقع حول منطقة بئر سبع، أكبر مدينة في النقب. وهناك مسودة تخطيط جديدة لمدينة بئر سبع تخصص الأرض التي تقع عليها العراقيب لبناء "منطقة استجمامية" ومنطقة "غابات وتشجير".
وقال محام يمثل عدد من سكان العراقيب وطلب عدم ذكر اسمه إن الحكومة الإسرائيلية أصدرت "أوامر إخلاء" في عام 2002 بحق تسعة أشخاص في القرية بناء على المادة 21 من قانون الملكية، التي تسمح لمالك قطعة عقار - هو في هذه الحالة مطالبة دولة إسرائيل بملكية الأرض - بإخلاء أي شخص يقيم عليها بشكل غير قانوني. لكن، على حد قوله، في السنوات الثماني منذ ذلك التاريخ لم تحاول السلطات مطلقاً تنفيذ هذه الأوامر.
وفيما تزايد سكان القرية منذ ذلك التوقيت، فلم يتلق سكان آخرين أوامر إخلاء أو هدم حتى يونيو/حزيران من هذا العام، على حد قول المحامي، عندما تلقى آخرون رسائل مماثلة من الحكومة تنذرهم فيها بهدم منازلهم. هذه الأوامر تستند إلى المادة 64 من قانون إعادة التملك (هاتزاعا لابوال)، الذي ورد فيه أن للسلطات الحق أيضاً في إخلاء السكان الآخرين، وفُسرت هذه الفقرة من قبل الدولة والمحاكم على أنها تشمل أي شخص يدخل في "علاقة قانونية" فضفاضة التعريف مع أي شخص تصدر الأوامر بحقه.
وقد نفذت السلطات الإسرائيلية أوامر الهدم رغم مطالبة سكان العراقيب بالأرض في محكمة بئر سبع. وقال أبو فريح، المتحدث باسم لجنة العراقيب المدنية، قال لـ هيومن رايتس ووتش، إن هناك أكثر من 12 دعوى للمطالبة بالأراضي كهذه ما زالت لم تبت المحكمة فيها. وقام أحد السكان وهو ناشط حقوقي يُدعى نوري العقبي، بالشهادة في المحكمة بأن الحكومة الإسرائيلية صادرت 820 دوناماً (82 هكتاراً) من الأرض من أسرته، دون منحهم تعويض، عندما قامت بطردهم عام 1951.
وترى الدولة أن البدو لم تكن لهم أراض معترف بها قط في هذه المنطقة. لكن محامي العقبي، مايكل سفارد، تمكن مؤخراً من عرض دليل على المحكمة يظهر منه أن الصندوق اليهودي الوطني اشترى أرض في تلك المنطقة من مُلاك من البدو أثناء الحُكم البريطاني، وكذلك فعلت السلطات العثمانية من قبل ذلك. وهذا، على حد قوله، يظهر منه أن المنطقة كان معترف بها عرفياً بأنها تخص البدو.
وتمت أعمال الهدم بعد يومين من إدلاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتعليقات في اجتماع حكومي، غطته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن "تهديد" فقدان الأغلبية اليهودية في منطقة النقب. ونقلت عنه وسائل الإعلام قوله: "هذا الموضوع [إسرائيل كدولة يهودية] عرضة لتهديد حقيقي"، وهذا في 25 يوليو/تموز أثناء اجتماع للحكومة بشأن تعديلات على قانون الجنسية. وأضاف: "مفاد هذا الموضوع أن عناصر مختلفة سوف تطالب بحقوق المواطنة في إسرائيل، في النقب مثلاً، إذا سمحنا بوجود منطقة دون أغلبية يهودية. وقد حدث هذا في البلقان وهو تهديد ملموس".
قامت إسرائيل بهدم آلاف المنازل للبدو في النقب منذ السبعينيات، وأكثر من مائتي منزل منذ عام 2009. وهدمت السلطات الإسرائيلية بهدم الكثير من البنايات في النقب فيما مضى، لكن لم تقبل أبداً على هدم قرية بأكملها. وبدأت إدارة الأراضي أيضاً في رش محاصيل المزارعين بمبيدات للآفات الزراعية في عام 2002 كآلية لحمل السكان على المغادرة، وهي الممارسة التي رأت المحكمة الإسرائيلية العليا عام 2007 أنها غير قانونية.
وقال جو ستورك: "تستخدم إسرائيل جملة من سياسات التمييز الممنهج في النقب. فهي تمزق قرى تاريخية للبدو قبل أن تبت المحاكم في نزاعات قانونية قائمة، وتمنح أراضي البدو للغير كي تمكن المزارعين اليهود من تشييد مزارع".
خلفية
يعيش عشرات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين البدو في جنوبي إسرائيل في قرى "غير معترف بها" مثل قرية العراقيب. ولأن الحكومة تعتبر القرى غير قانونية، فهي لم تمدها بالخدمات الأساسية والبنية التحتية من قبيل المياه والكهرباء والصرف الصحي وخدمات جمع النفايات. ورغم أن القرى لا تظهر على خرائط رسمية، فبعضها قائم منذ قبل إنشاء دولة إسرائيل عام 1948. وظهرت بعضها بعد إجبار الجيش الإسرائيلي قبائل للبدو على الخروج من أراضيها القديمة بعد حرب 1948 مباشرة. وقد أصدرت إسرائيل قوانين في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين تُمكّن الحكومة من وضع يدها على مساحات كبيرة من الأراضي في النقب، حيث كان البدو فيما سبق يملكون الأراضي ويستغلونها. وتجاهلت سلطات التخطيط وجود القرى البدوية عندما وضعت خطة إسرائيل الأساسية الأولى في أواخر الستينيات.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون بأنهم يطبقون أنظمة تقسيم المناطق والبناء لا أكثر، ويصرون على أن بإمكان البدو الانتقال إلى البلدات السبع القائمة التي خططت لها الحكومة، أو إلى بعض القرى المعترف بها حديثاً. البلدات التي خططت لها الحكومة هي سبع بلدات ومن بين أفقر ثماني مناطق في إسرائيل، وهي غير مجهزة جيداً لتحمل تدفق سكان جدد عليها. الكثير - إن لم يكن أغلب البدو - رفضوا إعادة التوطين في البلدات المذكورة، وتعاني من قلة البنية التحتية وارتفاع معدلات الجريمة وندرة فرص العمل وعدم كفاية الأراضي لتحمل سبل كسب الدخل التقليدية مثل الرعي. فضلاً عن أن الدولة تطالب البدو المنتقلين للبلدات بالتنازل عن مطالباتهم بالأراضي القديمة - وهو أمر غير وارد بالنسبة لأغلب البدو، ممن لهم مطالبات بأراضي انتقلت إليهم أباً عن جد عبر الأجيال.
ويشكل البدو 25 في المائة من تعداد شمال النقب، لكنهم يشغلون أقل من 2 في المائة من مساحة أراضيها. وعلى مدار السنوات العشر الماضية، خصصت السلطات الإسرائيلية قطع أراضي كبيرة في هذه المنطقة، وأنشأت صناديق تمويل عامة، من أجل إنشاء مزارع خاصة. وهناك 59 "مزرعة شخصية" من هذا النوع في النقب - واحدة من بينها فقط مخصصة لأسرة بدوية والباقي لأسر يهودية - تمتد على مساحة أكثر من 81 ألف دونام من الأرض، وهي المساحة الأكبر من إجمالي الأراضي المخصصة للقرى البدوية السبع المقرر أن تستضيف 85 ألف نسمة. وتقول منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية عدالة بأن الدولة أوصلت لهذه المزارع الكهرباء والمياه رغم أن بعضها لا يتمتع بتصاريح التخطيط اللازمة. وعبر سلسلة من القوانين، صدر آخرها في 12 يوليو/تموز، أضفت الدولة صفة الشرعية بأثر رجعي على هذه المزارع وصحرت ببناء المزيد منها.
وقد وثقت هيومن رايتس ووتش التمييز المنهجي الذي يعاني منه المواطنين الإسرائيليين البدو في تقرير جاء في 130 صفحة بعنوان "خارج حدود الخريطة" وصدر في مارس/آذار 2008.
وقد صدقت إسرائيل على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في عام 1991، ويطالبها بضمان الحق في السكن. لجنة الأمم المتحدة المسؤولة عن تفسير العهد قالت إن هذا يعني أنه لا يمكن للحكومات تنفيذ أوامر الإخلاء إلا في "حالات استثنائية محدودة"، وفي تلك الحالة تتم بموجب مبادئ حقوق الإنسان التي تُلزم الحكومة بالتشاو مع الأفراد المتأثرين أو المجتمعات المحلية المتأثرة، مع تحديد المصلحة العامة التي تستدعي الإخلاء، وضمان أن المتأثرين سُتتاح لهم فرصة حقيقية للطعن في الإخلاء، مع توفير التعويض الملائم والبدائل الكافية من أراضي وإسكان.
وهناك حق آخر عرضة للانتهاك، وهو الحق في الملكية، الوارد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إعلان الأمم المتحدة لحقوق الشعوب الأصلية لعام 2007 الذي لم تعترض عليه إلا دولتان في العالم أجمع - هما الولايات المتحدة وكندا - ورد فيه أن الشعوب الأصلية لها الحق في الأراضي التي كانت تملكها قديماً أو تحتلها أو تستغلها بأي شكل، وأن الدول عليها تقديم الاعتراف القانوني بهذا. كما ورد فيه رفض إعادة توطين سكان أصليين دون موافقتهم الحرة والمسبقة والمستنيرة، وبعد اتفاق مسبق على تعويض منصف وعادل.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2008، أوصت لجنة غولدبرغ - التي عينتها الحكومة أواخر 2007 للتوصل إلى حل لمطالبة سكان القرى غير المعترف بها بالأرض - بأن تعترف الدولة بالقرى التي فيها "عدد كافي" من السكان الدائمين والتي لا تتدخل في تخطيط الدولة. عملاً يعني هذا الاعتراف بقلة من عشرات القرى غير المعترف بها. كما دعت اللجنة إلى إنشاء عدة لجان فض منازعات تتناول مطالبات البدو بالملكية وتوفر التعويض المالي على الأراضي المُصادرة. وفي مايو/أيار 2009، شكلت الحكومة لجنة براور لوضع خطة لتنفيذ توصيات لجنة غولدبرغ.