يواجه المدنيون في لبنان، المعرضون للصدمة أصلا، خطرا جسيما يتمثل في الوقوع ضحية الفظائع المرعبة التي يتحدث عنها المسؤولون الإسرائيليون.
يوم الأربعاء، لمّح رئيس الأركان الإسرائيلي أن الجيش يستعد لغزو بري يستهدف "حزب الله"، الذي أطلق صواريخ على إسرائيل موقعا عشرة إصابات على الأقل. لكن التصريحات الأخيرة للمسؤولين الإسرائيليين ترجّح وجود خطر حقيقي يتمثل في حدوث فظائع أوسع ضد جميع اللبنانيين. فالأسبوع الأخير، دعا وزير التربية الإسرائيلي يوآف كيش إلى "القضاء" على لبنان. وخاطب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المدنيين اللبنانيين مباشرة مستبقا ضربات على مناطق متكتظة بالسكان، قائلا: "منذ زمن طويل، يستخدمكم حزب الله دروعا بشرية. لقد وضع قذائف صاروخية في غرف جلوسكم وصواريخ في مرآبكم... علينا أن نزيل هذه الأسلحة. انطلاقا من هذا الصباح، يحذركم جيش الدفاع الإسرائيلي بالابتعاد عن الأذى".
قبل ذلك، كان قد نزح 90 ألف شخص في لبنان خلال الأيام الخمسة الأخيرة من الغارات الجوية، بالإضافة إلى أكثر من 110 آلاف أُجبروا على ترك منازلهم منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي. لكن الأمور قد تسوء أكثر بكثير. في غزة، يعيش 85% من السكان تحت أوامر الإخلاء الإسرائيلية، وأدت عمليات النزوح المتكررة إلى انفصال العائلات وانقطاع الرعاية الصحية المنقذة للحياة والمعونات الغذائية.
منذ 23 سبتمبر/أيلول، قتلت الغارات الإسرائيلية أكثر من 700 شخص في لبنان، بينهم أكثر من 50 طفلا.
منذ سنة تقريبا، بعد الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها "حماس" وغيرها من الفصائل المسلحة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، تحركت مجموعة كبيرة من منظمات المجتمع المدني، منها "هيومن رايتس ووتش"، لتجنُّب فظائع إضافية في المنطقة. بالفعل، ورغم أنه لا يستطيع أحد الزعم أنه لم يكن على علم بالمخاطر، لم تنجح هذه المساعي في ظل استمرار الانتهاكات والخروقات الخطيرة وتوسعها. تجاهلت إسرائيل الإجراءات الوقائية التي أمرت بها "محكمة العدل الدولية". وتصعيد عملياتها في الضفة الغربية، بالإضافة إلى عنف المستوطنين دون رادع، يرجح ارتكاب المزيد من الفظائع هناك.
إذا كان صناع السياسة قد تعلموا أي شيء من سلوك إسرائيل في غزة، فهو أن يأخذوا كلامها على محمل الجد. فالخطاب الذي يساوي بين الفلسطينيين في غزة وبين حماس سبق استخدام إسرائيل التجويع سلاحا في حربها على غزة والقصف الجوي الكثيف، الذي شمل مواقع معروفة لعمال إغاثة، ومبان سكنية، ومستشفيات. وقد قتل الجنود عائلات بأكملها بالرصاص، وعذبوا الموظفين الطبيين.
واجبنا أن نتكلم في الموضوع. بالإضافة إلى توثيق جرائم الحرب مباشرة، يحتل السعي إلى تجنب الفظائع مكانا محوريا في عملنا كمنظمة حقوقية.
عندما يبدأ فريق قادر على ارتكاب فظاعات جماعية بالدعوة وإصدار بيانات تشي بأنه ينوي ارتكاب مزيد من الجرائم، بل يقوم بخطوات منسجمة مع هذه الأقوال، فإننا نحتاج إلى رد أكثر جدية من المجتمع الدولي.
فعلى سبيل المثال، تعهد الرئيس بايدن في بداية ولايته بإجراء تقييم خطر حدوث فظائع في حالات مشابهة، وهو ملزم بن يُطلع "الكونغرس" على هذه الجهود. رغم الجرائم الإسرائيلية في لبنان، فإن لبنان لم يُذكر على الإطلاق في تقرير الإدارة الأمريكية لعام 2024 في شأن تجنب الفظائع. على الأقل اليوم، أي بعد تصعيد الأسبوع الأخير، على الإدارة أن تنظر بجدية إلى علامات الإنذار في لبنان، وأن تحث حكومات شريكة أخرى على القيام بالمثل. الاستخدام المتعمد لأجهزة "البيجر" كسلاح، والاستخدام غير القانوني للفوسفور الأبيض، والهجمات غير القانونية المفترضة على المدنيين، وبينهم صحفيون ومسعفون، والغارات التي قتلت أعدادا كبيرة من الأطفال جميعها إشارات حمراء في لبنان، يجب أن يلحظها بشكل طارئ أي تقييم للخطر.
كان أمين عام "الأمم المتحدة" أنطونيو غوتيريش واضحا في تحذيره، إذ قال للقادة المجتمعين في نيويورك خلال الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة: "الناس في لبنان، الناس في إسرائيل، والناس في جميع أنحاء العالم ليس بإمكانهم تحمّل أن يصبح لبنان غزة ثانية".
تدعو هيومن رايتس ووتش حلفاء إسرائيل الأساسيين، بمن فيهم الولايات المتحدة، إلى تعليق الدعم العسكري وبيع الأسلحة إلى إسرائيل بسبب الخطر الحقيقي المتمثل في استخدامها لارتكاب انتهاكات خطيرة. لكن الولايات المتحدة تفعل عكس ذلك، وتواصل الموافقة على نقل الأسلحة والمساعدات العسكرية بدون شروط.
عقد قادة العالم المجتمعين في نيويورك اجتماعا طارئا حول لبنان، لكن الكلام وحده لن يكفي لتغيير خطط الحكومة الإسرائيلية. على القادة أن يتحركوا.