Skip to main content
تبرعوا الآن

إسرائيل: قصف متعمد مفترض على صحفيين في لبنان

استهداف المدنيين عمدا هو جريمة حرب

الصحفي في "رويترز" عصام عبد الله يصوّر مقابلة خلال الهجوم الروسي على أوكرانيا، في زابوريجيا، أوكرانيا، 17 أبريل/نيسان 2022. © 2022 يوسلي مارسيلينو
  • الضربتان الإسرائيليتان على مجموعة من الصحفيين اللبنانيين، والأمريكيين، والعراقيين في جنوب لبنان في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023 هما هجوم متعمّد مفترض ضد مدنيِّين، أي جريمة حرب.
  • تشير الأدلة إلى أن الجيش الإسرائيلي كان يعلم، أو ينبغي له أن يعلم، أن مجموعة الأشخاص الذي أطلق النار عليهم كانوا مدنيين.
  • على حلفاء إسرائيل الرئيسيين – الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، وألمانيا – تعليق المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة لإسرائيل نظرا لخطر استخدامها في ارتكاب انتهاكات جسيمة.

(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن الضربتين الإسرائيليتين في لبنان في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، اللتين قتلتا الصحفي في "رويترز" عصام عبد الله وجرحتا ستة صحفيين آخرين، هما هجوم متعمد مفترض على المدنيين، وبالتالي جريمة حرب.

تشير شهادات الشهود وأدلة الفيديو والصور التي تحققت منها هيومن رايتس ووتش إلى أن الصحفيين كانوا بعيدين تماما عن الأعمال القتالية الجارية، وكان واضحا أنهم إعلاميون، وظلوا ثابتين لمدة 75 دقيقة على الأقل قبل أن تصيبهم هجمتان متتاليتان. لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على وجود هدف عسكري قرب موقع الصحفيين.

قال رمزي قيس، باحث لبنان في هيومن رايتس ووتش: "هذه ليست المرة الأولى التي يفترض فيها أن القوات الإسرائيلية هاجمت صحفيين عمدا وتسببت بالقتل والدمار. يجب محاسبة المسؤولين والإعلان بوضوح أن الصحفيين وغيرهم من المدنيين ليسوا أهدافا مشروعة".

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع سبعة شهود، بينهم ثلاثة من الصحفيين المصابين، وحللت 49 مقطع فيديو وعشرات الصور، بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية. كما أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع ممثل عن "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" (اليونيفيل)، واستشارت خبراء عسكريين وخبراء في مجال الفيديو والصوت. في 17 و26 أكتوبر/تشرين الأول، أرسلت هيومن رايتس ووتش رسائل تتضمن نتائج وأسئلة إلى القوات المسلحة اللبنانية والإسرائيلية، على التوالي، لكنها لم تتلق ردا من أي منهما.

تشير الأدلة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش إلى أن الجيش الإسرائيلي كان يعلم، أو ينبغي له أن يعلم، أن مجموعة الأشخاص الذين أطلق النار عليهم كانوا مدنيين.

في 14 أكتوبر/تشرين الأول، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ريتشارد هيشت إن الجيش "يشعر بأسف شديد لمقتل الصحفي". في 17 أكتوبر/تشرين الأول، قال هيشت لرويترز إن الجيش "ينظر في اللقطات و[سيقدم] إجابة عندما نكون مستعدين". لكن ذلك لم يحدث.

تشير أدلة الفيديو، والتحليل الصوتي من قبل خبراء، وشهادات الشهود إلى أن المجموعة كان مرئية لكاميرات طائرة مسيّرة قريبة هي إسرائيلية على الأرجح، وضمن مجال الرؤية من خمسة أبراج مراقبة إسرائيلية، وأنه يرجّح أن المجموعة استُهدفت بوحدة ذخيرة واحدة على الأقل من المدفع الرئيسي لدبابة من موقع عسكري إسرائيلي على بعد نحو 1.5 كيلومتر في الجنوب الشرقي. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد نوع وحدة الذخيرة الثانية التي أصابت الصحفيين.

وقعت الهجمات حوالي الساعة 6 مساء في 13 أكتوبر/تشرين الأول. قال الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن الصحفيين تجمعوا الساعة 4:45 بعد الظهر في منطقة خالية على قمة تل في علما الشَّعب لتصوير القتال على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل. قبل حوالي ساعة من الهجمات، بعد ما يشتبه أنه محاولة تسلل من قبل مسلّحين من لبنان إلى بلدة حنيتا الإسرائيلية، على بعد نحو 2.2 كيلومتر، تم تبادل إطلاق النار عبر الحدود بين القوات الإسرائيلية ومجموعات مسلحة.

قال مسؤولون عسكريون إسرائيليون لرويترز إن "حزب الله" أطلق النار على عدة مواقع حدودية، بما فيها "صاروخ مضاد للدبابات أصاب السياج الأمني الإسرائيلي". قالت اليونيفيل في بيان لها ذلك اليوم إنه "وقع تبادل كثيف لإطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في محيط بلدات علما الشعب وعيتا الشعب والضهيرة والعديسة وحولا"، حوالي الساعة 5:20 مساء. بعد 40 دقيقة، أصابت وحدتا ذخيرة موقع الصحفيين. التقطت خمس كاميرات للصحفيين بشكل غير مباشر الهجوم وآثاره، ما سلط الضوء على كيفية تنفيذ الهجوم ومصدره.

قال الصحفيون الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن وحدة الذخيرة الأولى أصابت الصحفي في رويترز عصام عبد الله وجدارا إسمنتيا منخفضا، ما أدى إلى مقتله فورا وإصابة المصورة الصحفية في "وكالة فرانس برس" (أ ف ب) كريستينا عاصي بجروح بالغة. بعد 37 ثانية، أدى هجوم آخر إلى تدمير سيارة تابعة لقناة "الجزيرة" واشتعال النيران فيها وجرح ستة صحفيين، بينهم كارمن جوخدار وإيلي براخيا من الجزيرة، وديلان كولينز وكريستينا عاصي من أ ف ب، وثائر السوداني وماهر نزيه من رويترز.

قال كولينز، وجوخدار، وبراخيا لـ هيومن رايتس ووتش إن الصحفيين السبعة كانوا يرتدون خوذات وسترات واقية زرقاء مكتوب عليها “PRESS” (صحافة)، وكان يمكن التعرف عليهم بوضوح على أنهم صحفيون. تم تأكيد ذلك من خلال الفيديوهات التي حللتها هيومن رايتس ووتش. يُظهر أحد الفيديوهات، المنشور على حساب عاصي في "إنستغرام" قبل ساعة على الأقل من الهجوم، خمسة صحفيين، بينهم عبد الله، يرتدون السترات والخوذات الزرقاء التي تحمل إشارات مرئية بوضوح. كما تظهر لقطات أخرى المجموعة وهي ترتدي السترات والخوذات ذات الإشارات الواضحة في المنطقة نفسها، قرب سيارة مكتوب عليها “TV” (تلفزيون) بأحرف كبيرة على غطاء محرك السيارة.

ظل الصحفيون ثابتين في هذا الموقع المكشوف، ضمن مجال الرؤية للقوات الإسرائيلية المتمركزة في شمال إسرائيل، على بعد 2.2 كيلومتر، لمدة ساعة و15 دقيقة على الأقل، وفقا لأقوال الصحفيين وأدلة الفيديو. أجرى صحفيو الجزيرة تقريرين تلفزيونيين مباشرين، الأول الساعة 4:55 مساء والثاني الساعة 5:24 مساء من الموقع نفسه. كما عُرض البث المباشر لرويترز وأ ف ب في عدة محطات تلفزيونية خلال تلك الفترة.

أكدت هيومن رايتس ووتش وجود "هليكوبتر" إلى الجنوب من موقع الصحفيين قبل ساعة، و30 دقيقة، و5 دقائق من الضربة من خلال فيديوهات راجعتها. أشارت إفادات الشهود والمراسلين الذين كانوا يبثون على الهواء مباشرة في ذلك الوقت إلى أن الهليكوبتر كانت تحلق فوق المنطقة لفترات مختلفة قبل الضربة الأولى، بما يشمل آخر 15 دقيقة، ودقيقة واحدة قبل الهجوم.

حددت إفادات الشهود والتحليل الصوتي للفيديوهات التي أجراها فريقان من الخبراء الذين استشارتهم هيومن رايتس ووتش، بينهم منظمة "إيرشوت" غير الحكومية وخبير في الولايات المتحدة، وجود طائرة مسيّرة بمروحة قبل الضربة الأولى. وفقا لتحليل صوتي أجراه خبيران، حامت الطائرة قرب موقع الصحفيين 11 مرة خلال الـ 25 دقيقة التي سبقت الضربتين. خلص تحليل ثالث أجرته مجموعة بريطانية لخبراء الصوت إلى أن الصوت يتوافق مع صوت محرك كهربائي يدور حول موقع الصحفيين قبل الضربة الأولى، ويمكن أن يكون دليلا على وجود طائرة مسيّرة بمروحة.

تشير جميع الأدلة التي تمت مراجعتها إلى أن الصحفيين لم يتواجدوا قرب المناطق التي تشهد أعمالا قتالية  مستمرة. في 49 مقطع فيديو حللتها هيومن رايتس ووتش وحددت موقعها الجغرافي، وجد الباحثون أن الصحفيين كانوا على بعد كيلومتر إلى كيلومترين من المناطق التي أبلِغ عن الأعمال القتالية فيها. قال جميع الشهود إن الغارات الجوية والاشتباكات المسلحة بين القوات الإسرائيلية وحزب الله والفصائل الفلسطينية المسلحة تركزت في المنطقة القريبة من السياج الحدودي، على بعد كيلومتر إلى كيلومترين من الصحفيين.

لم يشر أي من الأدلة إلى وجود أي هدف عسكري قرب الصحفيين. الهجوم على الموقع استهدف الصحفيين بشكل مباشر، بضربتين متتاليتين خلال 37 ثانية.

قال شاهد في علما الشعب إنه رأى خطين أحمرين يضربان موقع الصحفيين من قمة تلة قرب جرديح في شمال إسرائيل، على بعد حوالي 1.5 كيلومتر من موقع الصحفيين. تؤكد صور الأقمار الصناعية لمنطقة تبعد حوالي 1.5 كيلومتر جنوب شرق موقع الصحفيين في جرديح، الملتقطة صباح أيام 12، و13، و14 أكتوبر/تشرين الأول، وجود نشاط عسكري في هذا الموقع.

"حصانة المدنيين" هي من المبادئ الأساسية في القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب. فهي توجب، في جميع الأوقات أثناء النزاع، اقتصار الاستهداف على المقاتلين والأهداف العسكرية الأخرى فقط. يُحظر بأي حال من الأحوال شن هجمات مباشرة ضد المدنيين. يستفيد الصحفيون من الحماية العامة التي يتمتع بها المدنيون ولا يجوز أن يكونوا أهدافا للهجوم ما لم يشاركوا مباشرةً في أعمال قتالية.

الأطراف المتحاربة ملزمة باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين. عليها اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للتحقق من أن المستهدَف هو هدف عسكري.

قد يحاكَم الشخص الذي يرتكب انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب بقصد إجرامي – أي عن قصد أو بإهمال – بتهمة ارتكاب جرائم حرب. يمكن أيضا تحميل الأفراد المسؤولية الجنائية عن المساعدة في ارتكاب جريمة حرب أو تسهيلها أو المساعدة فيها أو التحريض عليها.

على حلفاء إسرائيل الرئيسيين – الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، وألمانياتعليق المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة لإسرائيل، نظرا للخطر الحقيقي المتثل في استخدامها لارتكاب انتهاكات جسيمة. تحظر السياسات الأمريكية نقل الأسلحة إلى الدول "التي من المرجح أن تستخدمها" في انتهاك القانون الدولي. على الحكومة الأمريكية التحقيق في هذا القصف نظرا لإصابة أحد مواطنيها.

قال قيس: "تشير الأدلة بقوة إلى أن القوات الإسرائيلية كانت تعلم أو ينبغي لها أن تعلم أن المجموعة التي تعرضت لهجومها هي صحفيون. هذا الهجوم غير قانوني، وهو هجوم متعمد مفترض على مجموعة صحفيين يمكن رؤيتها بشكل واضح جدا".  

© 2023 Human Rights Watch

الخلفية

تأتي الضربات الإسرائيلية في ظل تصاعد التوتر على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية. وتتواصل الهجمات الصاروخية، والاشتباكات المسلحة بين الجيش الإسرائيلي ومجموعات لبنانية وفلسطينية مسلحة، منها حزب الله، منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول، أي اليوم التالي للهجوم بقيادة "حماس" في جنوب إسرائيل، الذي قتل 1,200 شخص معظمهم مدنيون بحسب الحكومة الإسرائيلية. أخذت حركتا حماس و"الجهاد الإسلامي" أكثر من 200 شخص رهائن، بينهم أطفال، وأشخاص ذوو إعاقة، ومسنون.

حتى 5 ديسمبر/كانون الأول، كان قد قُتل أكثر من 16,200 شخص، بينهم آلاف المدنيين، وأكثر من 7,100 طفل، ونزح أكثر من 1.8 مليون شخص، وسط قصف عنيف وعمليات عسكرية تنفذها القوات الإسرائيلية في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. قطعت السلطات الإسرائيلية الكهرباء، والمياه، والغذاء، والوقود عن سكان غزة المدنيين، الأمر الذي يرقى إلى العقاب الجماعي. وهذا يفاقم الوضع الإنساني المأساوي بالأصل، الذي تسببت به 16 سنة من الحصار الإسرائيلي غير القانوني، وهو جزء من الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد اللتين ترتكبهما السلطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. وبحسب "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا)، قتل الجيش الإسرائيلي والمستوطنون أكثر من 243 فلسطينيا في الضفة الغربية بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و3 ديسمبر/كانون الأول.

منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، قتلت الهجمات الإسرائيلية 56 صحفيا فلسطينيا على الأقل، معظمهم في غزة، بينما قُتل أربعة صحفيين إسرائيليين على الأقل في هجمات شنتها حماس في جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب "لجنة حماية الصحفيين". قالت المنظمة إن الشهر الأول من الحرب في إسرائيل وغزة كان "الشهر الأكثر فتكا بالصحفيين" منذ أن بدأت توثيق قتل الصحفيين في 1992.

تحققت هيومن رايتس ووتش من استخدام الجيش الإسرائيلي قذائف مدفعية تحتوي على الفوسفور الأبيض في جنوب لبنان، بالإضافة إلى هجوم عشوائي على مدنيين في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، ما يرقى إلى جريمة حرب محتملة. كما وثقت هيومن رايتس ووتش استخدام الجيش الإسرائيلي للفوسفور الأبيض في منطقة ميناء مدينة غزة المكتظة بالسكان. وحتى 23 نوفمبر/تشرين الثاني، كانت الهجمات الإسرائيلية قد قتلت 15 مدنيا على الأقل، بحسب أ ف ب، بالإضافة إلى 85 مقاتلا من حزب الله على الأقل، بحسب وسائل إعلام. وأدت الضربات الصاروخية وهجمات أخرى إلى داخل إسرائيل من قبل حزب الله وفصائل فلسطينية مسلحة في لبنان إلى مقتل ثلاثة مدنيين وستة جنود على الأقل.

أشار أمين عام حزب الله حسن نصر الله في خطاب متلفز في 3 نوفمبر/تشرين الثاني إلى أن الهجمات الإسرائيلية ضد المدنيين في لبنان ستُقابَل بهجمات على مدنيين في إسرائيل. القانون الإنساني الدولي يحظر الانتقام العسكري ضد المدنيين. من واجب أطراف النزاع أن تلتزم بالقانون الإنساني الدولي بغض النظر عن ممارسات الأطراف الأخرى. انتهاك قوانين الحرب من أحد الأطراف لا يبرر انتهاكها من باقي الأطراف.

في المحصلة، قتل الجيش الإسرائيلي ثلاثة صحفيين لبنانيين حتى 21 نوفمبر/تشرين الثاني، بحسب لجنة حماية الصحفيين. في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، أفادت وسائل إعلام عن مقتل الصحفيَّين ربيع المعماري وفرح عمر وسائقهما حسين عقيل في قصف إسرائيلي على قرية طير حرفا، في جنوب لبنان، التي تبعد نحو 2.3 كيلومتر عن مكان مقتل عصام عبد الله. كان الصحفيان يراسلان لصالح "الميادين"، وهي قناة تلفزيونية في لبنان تتوجه إلى العالم العربي وتؤيد حزب الله والحكومة السورية.

13 أكتوبر/تشرين الأول، الجدول الزمني للأحداث الأساسية

الجدول الزمني التالي مبني على تحليل أجراه "مختبر التحقيقات الرقمية" في هيومن رايتس ووتش وباحثون آخرون لـ 49 فيديو، وعشرات الصور، وشهادات شهود، وتقارير إعلامية من يوم الهجوم الموافق لـ 13 أكتوبر/تشرين الأول.

4:45 بعد الظهر. بعد التصوير في الناقورة في جنوب لبنان، وصل فريق الجزيرة، المؤلف من المراسلة كارمن جوخدار والمصور إيلي برخيا، إلى موقع على قمة تلة في علما الشعب، ويعدان الكاميرات ويتحضران للبث المباشر.

4:55 بعد الظهر. يبدأ فريق الجزيرة البث المباشر الأول. يمكن سماع صوت جوخدار في الفيديو وهي تقول إن الدبابات الإسرائيلية قصفت علما الشَّعب، ولكن، بحسب مصادر أمنية لبنانية، لم تُطلَق صواريخ من لبنان، رغم الأنباء عن محاولات مجموعات مسلحة التسلل إلى إسرائيل. يظهر سقوط الذخائر جراء القصف على الكاميرا في عدة مواقع عند الحدود اللبنانية-الإسرائيلية. أكدت هيومن رايتس ووتش أن الموقع الذي التقطته الكاميرا يبعد بين كيلومتر واحد وكيلومترين عن الصحفيين. تقول جوخدار إن بالإمكان سماع هليكوبتر في الجو، ويصوّر برخيا هليكوبتر تحلق فوق منطقة الحدود.

5 مساء تقريبا. ينضم فريقا رويترز وأ ف ب، المؤلفان من عصام عبد الله، وماهر نزيه، وثائر السوداني، وديلان كولينز، وكريستينا عاصي، إلى فريق الجزيرة في علما الشعب.

5:03 مساء. ينشر الجيش الإسرائيلي على "تيليغرام" أن "انفجارا سُمع منذ قليل عند السياج الأمني المجاور لبلدة حنيتا"، التي تعرضت لأضرار طفيفة، وإنه يردّ بالقصف المدفعي باتجاه الأراضي اللبنانية. يضيف الجيش الإسرائيلي أنه حصل تسلل إلى حنيتا وأن الجيش الإسرائيلي يفتش المنطقة.

5:24 مساء. يبدأ فريق الجزيرة البث المباشر الثاني في الموقع. يمكن سماع صوت جوخدار تقول إنه، بعد توقف لبضع دقائق، استؤنف القصف الإسرائيلي على المنطقة قرب علما الشعب، وأصاب مناطق في جنوب غرب لبنان من الناقورة إلى علما الشعب. وتقول جوخدار إنه كانت هناك محاولة فاشلة للتسلل إلى إسرائيل من لبنان رد عليها الجيش الإسرائيلي بالقصف المدفعي على مناطق قرب السياج الفاصل. وتقول جوخدار أيضا إن بالإمكان سماع صوت هليكوبتر ومسيّرة تحلقان فوق علما الشعب. التقطت كاميرا الجزيرة ضربات عدة في مختلف المناطق من علما الشعب. حددت هيومن رايتس ووتش الموقع الجغرافي لأماكن سقوط الذخيرة على أنه يبعد بين كيلومتر واحد وكيلومترين عن الموقع.

5:40 مساء تقريبا. تلتقط كاميرا تابعة لـ رويترز صوت قصف من دبابة، ويمكن رؤية دخان يتصاعد من موقع يبعد نحو 1.5 كيلومتر عن الصحفيين.

5:53 مساء. ينشر الجيش الإسرائيلي على تيليغرام أن "منذ قليل، تم تحديد نيران قادمة من لبنان باتجاه الأراضي الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية"، وأن الجنود الإسرائيليون يردّون بالدبابات والمدافع على مصدر النيران الحية. أفادت "تايمز أوف إسرائيل" أن النيران التي أطلقت حُددت على أنها في محيط بلدة مسكاف عام، التي تبعد 35 كيلومتر عن الصحفيين.

5:54 مساء. يرسل مصور الجزيرة إيلي برخيا صورة "سيلفي" مع عصام عبد الله إلى مجموعة "واتساب". في الصورة، يرتدي برخيا وعصام كلاهما سترة واقية زرقاء مكتوب عليها "PRESS" وخوذة. وتظهر المصورة الصحفية في أ ف ب كريستينا عاصي خلفهما وهي تجلس على الحائط الإسمنتي المنخفض الذي قُصف لاحقا.

5:58 مساء. تُوجَّه كاميرا لـ رويترز إلى الموقع العسكري الإسرائيلي في حنيتا. بالإمكان رؤية دبابة وهي تقصف منطقة في جنوب غرب لبنان، تبعد ثلاثة كيلومتر تقريبا عن الصحفيين. ثم تتجه الدبابة إلى أسفل التلة ولم يعد يمكن رؤيتها.

6:02 مساء. يحمل الصحفي في أ ف ب ديلان كولينز هاتفه – "آيفون 12 برو ماكس" – ويصور بالفيديو موقع حنيتا العسكري. تلتقط كاميرا هاتفه ومضات ضوء سريعة ومتتالية آتية من الموقع العسكري. سجّلت كاميرتان تلفزيونيّتان، تصوران من الموقع نفسه، الضوء كأنه ثابت وليس وميضا. وفي فيديو من كاميرا رابعة، كاميرا من دون مرايا صورت المشهد نفسه من الموقع نفسه، لا يمكن رؤية الضوء. يقول خبراء إن الاختلاف بين فيديوهات الكاميرات الأربع التي كانت تصور المشهد نفسه قد يكون دليلا على أن هذا الضوء هو أشعة قريبة من تحت الحمراء، وقد يكون دليلا على استخدام "اللايزر" للاستهداف أو تحديد المدى من قبل الجيش الإسرائيلي.

كانت هذه الكاميرات الأربع موجهة جميعها نحو موقع الجيش الإسرائيلي في حنيتا، وسجلت لحظة إصابة موقع الكاميرات بالذخيرة. يُسمع دوي انفجار قوي، يتبعه صراخ الصحفيين في الموقع. بعد 37 ثانية، تسقط وحدة ذخيرة ثانية على موقع الصحفيين.

التقط البث المباشر لفريق "المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناسيونال" (إل بي سي)، الذي كان يبعد نحو120 مترا عن الصحفيين، أيضا صوت الضربتين اللتين أصابتا الصحفيين. قبل الضربة الثانية بـ 30 ثانية، يمكن سماع مراسل إل بي سي يقول إن مروحية "أباتشي" تحلق بشكل دائري فوق المنطقة بالإضافة إلى مسيّرة. ويُسمع المراسل يقول إن بالإمكان سماع نيران أسلحة أوتوماتيكية للمرة الأولى، لكن لا يمكن سماعها في البث المباشر. بعد الضربة الثانية، وجه فريق إل بي سي الكاميرا نحو موقع صحفيي أ ف ب، ورويترز، والجزيرة. يمكن رؤية النار ودخان أسود يتصاعد من الموقع.

قطع فريق إل بي سي البث مؤقتا، ثم أكمل التصوير من موقع الضربة. بعد استئناف التصوير، أي بعد دقائق، يمكن رؤية سيارة إسعاف وآلية لـ "الدفاع المدني" في الموقع. وتظهر بوضوح حفرة قرب محرك السيارة من جهة السائق. تظهر أيضا جثة عصام عبد الله ممددة على الأرض خلف حائط إسمنتي منخفض.

تحليل الأسلحة

تُظهر صور مخلفات الذخيرة، التي حللتها هيومن رايتس ووتش وأكدت أنها وُجدت في موقع الضربة، أن إحدى وحدتَيْ الذخيرة اللتين أصابتا الصحفيين كانت قذيفة دبابة 120 مليمتر مثبتة بزعانف. وُجدت مخلفات هذه القذيفة على بعد أمتار قليلة من جثة عبد الله.

لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد نوع مخلفات وحدة الذخيرة الأخرى.

تحليل الصوت

يشير تحليل الصوت من قبل خبراء من منظمتين مستقلتين إلى أن موقع إطلاق وحدة الذخيرة الأولى كان يبعد بين 1.45 كيلومتر و1.8 كيلومتر عن موقع الصحفيين، والمرجح أنها أُطلقت من الجنوب الشرقي. الموقع الذي أكده شهود، جورديح في شمال إسرائيل، يبعد نحو 1.5 كيلومتر عن الصحفيين إلى جهة الجنوب الشرقي.

بعد الضربة الثانية بـ 30 ثانية، التقطت الكاميرات صوت إطلاق نيران من أسلحة خفيفة من مصدر مجهول. يشير تحليل الخبراء وشهادات الشهود إلى أن إطلاق الرصاص لم يبدأ من مكان قريب من الصحفيين. يرجح تحليل الخبراء أن يكون مصدر الصوت على بعد مئات الأمتار من الصحفيين، لكن لا يمكن حساب المسافة بدقة. خلال المقابلات، قال جميع الشهود الذين كانوا في الموقع إن صوت الرصاص بدا كأنه يأتي من جهة الموقع العسكري الإسرائيلي قرب حنيتا، إلى الجنوب الغربي من موقع الصحفيين. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد موقع مصدر الرصاص بشكل قاطع.

حدد تحليل الصوت من قبل الخبراء أيضا صوت مسيّرة كانت تحلق فوق الصحفيين، وأشار إلى أنها حلّقت قرب موقع الصحفيين 11 مرة في الـ 25 دقيقة التي سبقت الضربة الأولى. قال الشهود الذين كانوا في الموقع جميعا إنهم كانوا يسمعون صوت مسيّرة فوقهم. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد طراز المسيرة بشكل مستقل.

حركة المسيّرة فوق الصحفيين ومسار تحليقها بالقرب من مروحية أباتشي إسرائيلية، بالإضافة إلى التقارير الموثقة لتحليق مسيّرات إسرائيلية فوق الجنوب اللبناني، كل ذلك يرجّح أن تكون المسيّرة إسرائيلية. عند الساعة 7:40 مساء، في 13 أكتوبر/تشرين الأول، نشر الجيش الإسرائيلي على منصات التواصل الاجتماعي أن "مسيّرة تابعة للجيش الإسرائيلي تقصف الآن أهدافا إرهابية تابعة لحزب الله في لبنان". يشير تقرير لليونيفيل، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إلى أن تحليق المسيّرات الإسرائيلية فوق جنوب لبنان يشكل 80% من الانتهاكات الـ 188 لأجواء لبنان بين يونيو/حزيران وأكتوبر/تشرين الأول 2023.

أبراج المراقبة

حددت هيومن رايتس ووتش خمسة أبراج مراقبة حدودية في مواقع عسكرية قريبة. البيانات الطوبوغرافية، والصور، والفيديوهات التي تحققت هيومن رايتس ووتش منها ترجح أن كل برج من الأبراج في المواقع العسكرية قرب بلدات حنيتا، وجورديح، وشلومي الإسرائيلية يستخدم كاميرات وأجهزة استشعار، وأن موقع الصحفيين هو على خط الرؤية منها مباشرةً. تبعد أربعة من هذه الأبراج بين 1.8 كيلومتر و2.2 كيلومتر عن الصحفيين، بينما يبعد عنهم الخامس 5.5 كيلومتر.

أبراج المراقبة هذه، الموجودة على الحدود مع لبنان وفي جنوب إسرائيل، مجهَّزة بالعادة بأجهزة استشعار متقدم، مثل نظام "SPEED-ER". بإمكان هذه المنصات، بحسب المصنّع، تحديد البشر على بعد 5 كيلومتر، والآليات على بعد 10 كيلومتر، ويمكنها توفير تصوير الفيديو، والتصوير الحراري وبالأشعة دون الحمراء، بالإضافة إلى قدرات على الاستهداف. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد ما إذا كانت الأبراج بالقرب من الصحفيين مجهزة بمنصة كاميرا "SPEED-ER".

غير أن وجود الأبراج وموقع الصحفيين على خط الرؤية نفسه، بالإضافة إلى الأدلة على تحليق طائرات مسيّرة ومروحية، وقدرات مراقبة أخرى، يرجح أن الجيش الإسرائيلي كان بإمكانه رؤية الصحفيين في وقت الضربة والتعرّف عليهم.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.