في 8 يوليو/تموز، ضربت صواريخ روسية مستشفى أوخمتديت للأطفال في أوكرانيا، فقتلت 36 شخصا وأصابت 140 آخرين.
كان رد بريطانيا على الهجوم، الذي أدلت به السفيرة باربرا وودوارد في اجتماع "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" في كييف، واضحا: كان الهجوم نموذجا لـ "الانحطاط الجبان"، وشكلت تصرفات روسيا "أعمال عنف همجية". الهجمات التي تستهدف المرافق الطبية هي بشكل عام جرائم حرب بموجب القانون الإنساني الدولي.
نظرا لتدابير الحماية الواضحة المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني وتجاهل السلطات الروسية المفترض لها، كان من الإيجابي وغير المستغرب أن تستخدم السفيرة وودوارد خطابها لتذكير أعضاء مجلس الأمن بأن "توجيه الهجمات عمدا ضد المدنيين والأعيان المدنية يشكل جرائم حرب". وهذا هو الرد الصحيح في ظل الظروف الحالية.
لكن على بعد ألفي كيلومتر جنوب كييف، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يبدو تطبيق بريطانيا للقانون الدولي الإنساني أكثر غموضا.
لطالما تقاعست حكومة بريطانيا عن وضع حماية المدنيين الفلسطينيين في صلب تصريحاتها عندما هاجمت القوات الإسرائيلية المدنيين والبنية التحتية المدنية ولم تُدن صراحة سلوك إسرائيل عندما كان غير قانوني. في المقابل، أدانت بعبارات واضحة وعن وجه حق الجرائم الخطيرة التي ارتكبتها الجماعات المسلحة بقيادة "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بما فيها الهجمات على المدنيين واحتجاز المدنيين كأسرى.
بموجب القانون الدولي الإنساني، تعتبر البنية التحتية المدنية، بما يشمل المستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين، أعيانا مدنية محمية وينبغي ألا تكون بأي حال من الأحوال هدفا للهجوم. لا يجوز لأطراف النزاع استهداف سوى المقاتلين والأهداف العسكرية. يكون الهجوم غير قانوني إذا لم يفرق بين المقاتلين والمدنيين أو إذا كان متوقعا أن يسبب أضرارا غير متناسبة للسكان المدنيين مقارنة بالمكسب العسكري.
بالإضافة إلى عدم استهداف المدنيين بالهجوم، يتعين على أطراف النزاع اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر الذي قد يلحق بالمدنيين والأعيان المدنية. ومن بين هذه الاحتياطات ضرورة إصدار تحذير مسبق فعال إذا كان الهجوم قد يؤثر على السكان المدنيين.
تتمتع المؤسسات الطبية كالمستشفيات بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني – وينبغي لأطراف النزاع احترامها باستثناء حالات محددة عند استخدامها من قبل أحد أطراف النزاع لارتكاب "عمل ضار بالعدو".
في الشهر الماضي، أفادت "منظمة الصحة العالمية" بأنها سجّلت أكثر من ألف هجوم على المنشآت الصحية في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
بحسب "اليونيسيف"، تعرّضت 84.6% من جميع مدارس قطاع غزة، والتي غالبا ما تؤوي مئات المدنيين الفلسطينيين النازحين، لقصف مباشر أو تضررت بسبب الهجمات الإسرائيلية بين أكتوبر/تشرين الأول ويوليو/تموز. ومن الأسهل بكثير إحصاء المستشفيات والمدارس التي لم تتعرض للاستهداف أو الهجوم ــ هذا هو حجم الدمار وانتظامه.
معايير مزدوجة
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وثّقت هيومن رايتس ووتش العديد من الهجمات غير القانونية التي شنتها القوات الإسرائيلية في غزة، بعضها يرقى إلى جرائم حرب مفترضة، منها على منشآت وكوادر ووسائل نقل طبية، ومبنى سكني، وضربات على قوافل ومبانٍ لعمال إغاثة.
في مايو/أيار 2024، تقدم المدّعي العام لـ "المحكمة الجنائية الدولية" بطلب لإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مفترضة، بما يشمل استخدام التجويع وسيلةَ حرب وتوجيه هجمات متعمدة ضد السكان المدنيين، إلى جانب طلب اعتقال قادة حماس بتهمة ارتكاب جرائم مفترضة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
أصدرت "محكمة العدل الدولية" ثلاث مرات إجراءات مؤقتة كجزء من قضية رفعتها جنوب أفريقيا ادعت فيها أنّ إسرائيل تنتهك "اتفاقيّة منع الإبادة الجماعيّة" لعام 1948، والتي تواصل إسرائيل تجاهلها.
وفي وقت سابق من هذا الشهر شهدنا هجوما قاتلا آخر عندما وردت أنباء عن استشهاد أكثر من 100 شخص أثناء تجمعهم لأداء صلاة الفجر في مدرسة التابعين.
كانت المدرسة تأوي آلاف الأشخاص عندما دمرتها الأسلحة الإسرائيلية، مؤدية إلى وقوع مذبحة ودمار هائل لدرجة أن الأطباء أفادوا بعدم قدرتهم على تحديد هوية العديد من الضحايا وأن عدد الإصابات يفوق قدراتهم.
رغم تصريح وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، في منشور على "X"، بأنه "مصدوم" من "الخسائر في الأرواح"، إلا أنه لم يذكر مبادئ القانون الدولي الإنساني الأساسية التي تهدف إلى حماية المدنيين، والتي ينبغي أن تكون محورية في نهج بريطانيا تجاه الأعمال العدائية في غزة كما هو الحال في أوكرانيا.
تشمل هذه المبادئ حظر مهاجمة المدنيين ومبادئ التمييز والتناسب والحماية الخاصة للمؤسسات الطبية.
والواقع أن الحكومة البريطانية لم تعلق بعد على التقارير الواردة في أبريل/نيسان بأن قواعد الاستهداف التي يطبقها الجيش الإسرائيلي تسمح بشن هجمات تقتل ما يصل إلى 20 مدنيا لإصابة عضو واحد من ذوي الرتب الدنيا من حماس. ورد أن ضابطا إسرائيليا في غرفة عمليات الاستهداف قال: "عمليا، لم يكن مبدأ التناسب موجودا".
أشار وزير الخارجية في تغريدته إلى التزامات الجماعات المسلحة الفلسطينية بحماية المدنيين، وهو الواجب الذي يتضمن تجنب إقامة أهداف عسكرية في المناطق المدنية، قدر الإمكان.
لكن التصريح بذلك دون الإشارة إلى واجبات الجيش الإسرائيلي في حماية المدنيين هو أمر أخرق ومتهور.
فهو قد يعزز الاعتقاد الخاطئ بأن الهجمات على المدنيين مبررة عند وجود مقاتلين دون مراعاة مبدأ التناسب والمتطلبات اللازمة لاتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر بالمدنيين.
وهو يغض النظر أيضا عن الإصابات بين المدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية نتيجة الهجمات الإسرائيلية غير القانونية خلال الأعمال العدائية الحالية والسابقة، والتي تُبرر غالبا بمزاعم وجود مقاتلين أو ما يسمى بدفاع "الدروع البشرية".
حماية المدنيين في غزة
التزامات الأطراف المتحاربة بحماية المدنيين غير قائمة على المعاملة بالمثل - ولا يجوز مطلقا تبرير قيام الجيش الإسرائيلي بهجمات متعمدة، أو عشوائية، أو غير متناسبة على المدنيين.
يبدو أن بريطانيا أخذت بعض الانتقادات في عين الاعتبار. في بيان أدلى به مؤخرا للأمم المتحدة، أكد السفير جيمس كاريوكي، نائب الممثل الدائم لبريطانيا لدى الأمم المتحدة، على ضرورة التزام الجيش الإسرائيلي بقوانين الحرب.
لكن في مقال كتبه وزير الخارجية ونُشر في اليوم التالي لبيان السفير كاريوكي، تجنب الإشارة إلى الحماية الممنوحة للمدنيين والأهداف المدنية، وهو استثناء واضح عند مقارنته بالمناسبات العديدة التي أدان فيها الهجمات على المدنيين من قبل إيران، وحزب الله، وحماس، وبالطبع روسيا.
التحفظ على تسمية الأمور بمسمياتها فيما يتعلق بسلوك إسرائيل يتضح في استعداد الحكومة لإدانة خطاب الوزراء الإسرائيليين حول إساءة معاملة المعتقلين وتجويع المدنيين، وعدم إدانة تصرفات إسرائيل نفسها.
لعل عدم ارتياح بريطانيا إزاء تطبيق القانون الدولي الإنساني يتضح أكثر في تباطؤها في تعليق تراخيص بيع الأسلحة لإسرائيل. ينص القانون البريطاني على وجوب تعليق التراخيص إذا كان هناك "خطر واضح" من استخدام هذه الأسلحة في "ارتكاب أو تسهيل ارتكاب انتهاك خطير للقانون الدولي الإنساني".
مؤخرا، استقال دبلوماسي بريطاني سابق كان يدير عمليات تقييم تراخيص التصدير في المنطقة، قائلا إن الحكومة البريطانية قد تكون متواطئة في جرائم حرب من خلال استمرارها في ترخيص المعدات العسكرية لإسرائيل.
الخطر واضح؛ حيث تزود بريطانيا حاليا إسرائيل بمكونات لطائرة "إف-35" (F-35) المقاتلة، التي تشكل العمود الفقري لحملة القصف الإسرائيلية المتواصلة، واعترفت الحكومة بأنها كانت ترخص معدات صنفتها على أنها "من المرجح أن يستخدمها الجيش الإسرائيلي في عمليات هجومية في غزة". ونظرا للخطر، ينبغي تعليق التراخيص أثناء إجراء أي مراجعة داخلية.
تولى وزير الخارجية منصبه واعدا بتعزيز سيادة القانون وإعادة تأكيد مكانة بريطانيا على الساحة العالمية.
عليه أن يرقى إلى مستوى هذا الطموح. القانون الدولي لا يفرق بين أحد، لأن العدالة عمياء [نزيهة] كما هو معروف.
يحظر القانون الدولي الهجمات الموجهة ضد المدنيين بغضّ النظر عن مرتكبها، وإذا أكدت بريطانيا على أهمية حماية المدنيين وقوانين الحرب في أوكرانيا، يتعين عليها أن تفعل الشيء نفسه في غزة. وأي شيء أقل من ذلك يهدد بتقويض المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي الإنساني وسيُعرض حياة المزيد من المدنيين للخطر. الكلمات لها أهمية.