Skip to main content

شمال شرق سوريا: الضربات التركية تفاقم الأزمة الإنسانية

استهداف البنية التحتية الحيوية وتعريض الحقوق الأساسية للخطر

مقاتل من "الجيش الوطني السوري" المدعوم من سوريا يشارك في عرض عسكري في ريف محافظة حلب في 9 يونيو/حزيران 2022 كجزء من تحضيرات لعمل عسكري في المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية". © 2022 Anas Alkharboutli/picture-alliance/dpa/AP Images

(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن الغارات الجوية التركية التي بدأت في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 ألحقت أضرارا بالمناطق المكتظة بالسكان والبنية التحتية الحيوية في شمال وشمال شرق سوريا، وفاقمت الأزمة الإنسانية الكارثية القائمة والتي تؤثر على الأكراد، والعرب، والمجتمعات الأخرى في المنطقة.

قال عمال إغاثة دوليون وسكان محليون لـ هيومن رايتس ووتش إن الضربات تسببت في نزوح العائلات، وانقطاعات كبيرة في التيار الكهربائي، ونقص الوقود، وأجبرت منظمات الإغاثة على تعليق بعض الأنشطة مؤقتا، كما عطّلت المدارس والعمل. حذر "منتدى المنظمات غير الحكومية في شمال شرق سوريا"، الهيئة التنسيقية الرئيسية للمنظمات غير الحكومية العاملة في المنطقة، في بيان صدر في 25 نوفمبر/تشرين الثاني من الضرر الذي قد يلحقه استهداف البنية التحتية للطاقة بالبيئة وموارد المياه التي تشهد أزمة مياه حاليا في المنطقة.

قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "الهجمات التركية على المناطق المأهولة بالسكان والبنية التحتية الحيوية في شمال وشمال شرق سوريا تُعرّض الحقوق الأساسية للمدنيين لمزيد من الخطر. يعاني السوريون أصلا من كارثة إنسانية، وأزمة نزوح متنامية، واقتصاد متردّ. قد تفاقم الضربات العسكرية التركية الوضع الذي لا يطاق أصلا بالنسبة للأكراد، والعرب، والمجتمعات الأخرى".

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى ستة سكان يعيشون في مدن كوباني (عين العرب)، والقامشلي، وديريك (المالكية)، وبلدة جِل آغا (الجويدية) في محافظة الحسكة، التي عانت كلها من أضرار، فضلا عن عمال الإغاثة الدولية، منهم اثنان على الأرض في شمال شرق سوريا.

صرح منتدى المنظمات غير الحكومية في شمال شرق سوريا أن ما لا يقل عن 10 مدنيين قتلوا في الضربات الجوية التركية، بينهم صحفي قُتل أثناء إجراء مقابلة مع سكان مدينة ديريك. أفادت "لجنة حماية الصحفيين" أن المنطقة التي كان يغطيها كانت هدفا لغارة جوية منفصلة في نفس الموقع قبل ساعات فقط.

قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن الهجمات الجوية على شمال شرق سوريا تأتي ردا على تفجير في اسطنبول بتاريخ 13 نوفمبر/تشرين الثاني أسفر عن مقتل ستة مدنيين وإصابة العشرات، ألقت تركيا باللوم فيه على "حزب العمال الكردستاني" و"وحدات حماية الشعب". تعتبر تركيا، والولايات المتحدة، و"الاتحاد الأوروبي" حزب العمال الكردستاني جماعة إرهابية. وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب، أكبر فصيل في "قوات سوريا الديمقراطية"، وهي جماعة مسلحة يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة وتسيطر على جزء كبير من شمال شرق سوريا، امتدادا لحزب العمال الكردستاني.

نفى كل من حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية، القوة البرية الرئيسية التي تقاتل "داعش" في شمال شرق سوريا، تورطهما في تفجير اسطنبول. يهدد إردوغان للمرة الثالثة خلال العام 2022 بغزو بري للمناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. إذا تم هذا التوغل التركي فسيكون الرابع في شمال سوريا منذ العام 2016. كانت التوغلات السابقة محفوفة بانتهاكات حقوق الإنسان.

عشية 20 نوفمبر/تشرين الثاني، بدأ سلاح الجو التركي هجوما على شمال سوريا، واصفا إياه بـ "عملية المخلب-السيف"، التي تقول تركيا إنها تستهدف مواقع قوات سوريا الديمقراطية و"القوات المسلحة السورية"، لكنها أصابت أيضا مركزا للعلاج من فيروس "كورونا"، ومدرسة، وصوامع حبوب، ومحطات طاقة، ومحطات وقود، وحقول نفط، وطريق يستخدمه المدنيون ومنظمات الإغاثة بشكل كبير. وشنت تركيا أيضا غارات جوية في شمال العراق قالت إنها تستهدف مواقع حزب العمال الكردستاني.

بدأ القصف الجوي بعد أيام فقط من تبني تركيا و81 دولة أخرى إعلان سياسي يسعى إلى تحسين حماية المدنيين حول العالم من استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة.

قالت امرأة تعيش في القامشلي لـ هيومن رايتس ووتش إن المدينة تعرضت للقصف الشديد بين 22 و24 نوفمبر/تشرين الثاني. قالت: "أصابات بعض الغارات مواقع على بعد كيلومتر واحد من مكان عملي وكيلومترين من منزلي". قال رجل يعيش مع زوجته وابنه البالغ من العمر 11 عاما في منطقة غابات على الطرف الشرقي لمدينة كوباني إن القوات التركية قصفت المنطقة وألحقت أضرارا جزئية بمنزله، وأجبرت عائلته وأربع عائلات أخرى على مغادرة منازلهم. قال في 30 نوفمبر/تشرين الثاني: "مرت 10 أيام منذ أن غادرت منزلي ولا أعرف متى سأعود".

عطلت الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للطاقة الخدمات الأساسية في شمال شرق سوريا. قال سكان وعمال إغاثة لـ هيومن رايتس ووتش إن هجوما قرب محطة الكهرباء السويدية في قضاء ديريك في 23 نوفمبر/تشرين الثاني أدى إلى انقطاع كبير في الكهرباء والإنترنت في مدينة ديريك وقضائَيْ ديريك والحسكة.

قال منتدى المنظمات غير الحكومية في شمال شرق سوريا إن محطة توليد الكهرباء توفر الطاقة لمحطة مياه علوك، التي تخدم أكثر من 460 ألف شخص في محافظة الحسكة، وجميع المناطق والمدن ذات الكثافة السكانية العالية في منطقة الجزيرة العليا. قال أحد عمال الإغاثة في شمال شرق سوريا لـ هيومن رايتس ووتش في 30 نوفمبر/تشرين الثاني: "ما زالت بعض العائلات بلا إنترنت أو كهرباء"، مضيفا أن أبرز انقطاعات التيار الكهربائي حدثت بين 23 و29 نوفمبر/تشرين الثاني.

قالت المرأة التي تعيش في القامشلي: "قبل الغارات الجوية، كنا نحصل على الكهرباء خمس ساعات. لم نعد نحصل عليها الآن مطلقا."

كما أدى استهداف منشآت النفط والغاز إلى تفاقم النقص الحاد في الوقود، الذي كان يشكّل أصلا أزمة في شمال شرق سوريا، ما سبب معاناة للمدنيين في العثور على وقود للطهي والتدفئة في الشتاء. قال أحد سكان القامشلي: "من الصعب علينا الحصول على اسطوانات الغاز هذه الأيام، حتى في السوق السوداء".

وقال شخص آخر من سكان القامشلي: "أسعار الوقود كانت أصلا مرتفعة إلى مستويات لا تُصدَّق ولا يمكن تحملها. ولكن على الأقل قبل الضربات كان الوقود ما يزال موجودا".

قال جميع السكان الستة الذين قابلناهم إن حياتهم تعطلت بشكل كبير منذ أن بدأت تركيا عملية المخلب-السيف. وقال أحد سكان جِل آغا، والذي يملك حظائر دجاج، إن إحداها تعرضت لأضرار بالغة في غارة تركية على حقل نفط قريب. أضاف: "لقد تغير الكثير منذ بداية هذا الهجوم. لم نعد نجرؤ على الخروج بعد الآن، ولا حتى إلى أعمالنا. لا نعرف متى أو كيف ستحدث الضربة".

قال رجل يعيش مع عائلته قرب مدينة كوباني: "يعيش الناس في خوف. هناك شعور عام بالذعر والرعب. لا يذهب الناس إلى العمل، والأطفال لا يذهبون إلى المدرسة". قال إن ابنتيه البالغتين خمس وسبع سنوات ذهبتا إلى المدرسة ليوم واحد فقط منذ 20 نوفمبر/تشرين الثاني. "ركضتا إلى المنزل وهما تبكيان عندما سمعتا دوي انفجارات قرب مدرستهما ذلك اليوم".

في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، استهدفت الضربات التركية أيضا موقعا لقوات سوريا الديمقراطية في مخيم الهول، وهو معسكر اعتقال في محافظة الحسكة يضم أكثر من 53 ألفا من المشتبه بانتمائهم إلى داعش وأفراد عائلاتهم، معظمهم من النساء والأطفال من حوالي 60 دولة. قالت قوات سوريا الديمقراطية و"المرصد السوري لحقوق الإنسان" إن الضربات قتلت ثمانية حراس وتسببت بالذعر بين المعتقلين ومنظمات الإغاثة. قال ثلاثة عمال إغاثة إن التصعيد المستمر أجبر منظمات الإغاثة بشكل متقطع على تعليق بعض الخدمات أو تقليصها في مخيم الهول والمناطق المحيطة به.

قالت أربع نساء محتجزات هناك لـ هيومن رايتس ووتش إن الضربات في المنطقة التي تضم مخيم روج في جوار ديريك تسببت في انقطاع التيار الكهربائي ليومين تقريبا، وخفض إمدادات المياه بشدة، ونقص الطعام الطازج في سوق المخيم.

هاجمت تركيا مرارا المدن والبلدات في شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية بالقصف، والمدفعية، والطائرات بدون طيار خلال العام 2022. أصدرت هيومن رايتس ووتش في أغسطس/آب، على خلفية التهديدات المتصاعدة بغزو بري تركي للمنطقة، وثيقة أسئلة وأجوبة تسلط الضوء على الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها تركيا والجماعات المسلحة المحلية المدعومة من تركيا خلال توغلاتها السابقة في المنطقة.

كما تناولت هيومن رايتس ووتش في وثيقتها الآثار المترتبة على السوريين والأجانب المحتجزين في المنطقة بسبب صلات مزعومة بداعش. وحددت الالتزامات القانونية الدولية على جميع أطراف النزاع لاتخاذ كافة التدابير الممكنة لحماية المدنيين وتقليص الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية المدنية. قالت هيومن رايتس ووتش إنه يجب على تركيا، بحال حدوث غزو، فتح حدودها أمام المحتاجين والسماح للفارين من للنزاع بالتماس الحماية داخل تركيا.

قال كوغل: "يمكن لتركيا، بل ينبغي لها، أن تضمن ألا تؤدي أعمالها العسكرية إلى تفاقم الأزمات الإنسانية وأزمة النزوح في شمال شرق سوريا. يتعين على حلفاء تركيا الدوليين الضغط على حكومتها لضمان ألا تهدد حملتها الحقوق الأساسية للسوريين".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة