(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شمال شرق سوريا هدمت أو أصابت بأضرار 140 مبنى مدنيا على الأقل يأوي 147 عائلة، وذلك في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2022 خلال محاولة إعادة أسر معتقلين فارين ومقاتلين من تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ داعش) هاجموا سجنا مجاورا. قال شهود إن قسد استخدمت جرافات لهدم بيوت في حيَّيِ غويران شرقي والزهور في مدينة الحسكة.
قال شهود ولجنة تحقيق تابعة لـ "الأمم المتحدة" إن مقاتلي داعش دخلوا البيوت أثناء العملية العسكرية، وقالت قسد لـ هيومن رايتس ووتش إنها فجرت متفجرات وضعها عناصر داعش خلال "عمليات التمشيط". ينبغي لـ قسد التعويض على الأشخاص الذين أصابت قسد منازلهم بأضرار أو هدمتها وتقديم جبر مالي أو ذي شكل آخر إلى جميع المتأثرين بالهدم. كما ينبغي لها الشرح لماذا توصلت إلى أن الخيار الوحيد أمامها كان هدم بيوت الناس بهدف تأمينها. على أعضاء التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي يقاتل داعش والذين ساعدوا قسد في تأمين السجن تشجيع قسد على تقديم الجبر ومساعدتها في ذلك.
قال جيري سيمبسون، المدير المشارك لقسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: "ما يزال ينبغي لقوات سوريا الديمقراطية الشرح علنا وبشكل وافٍ لماذا احتاجت إلى هدم عشرات البيوت لأَسْر مهاجمي السجن وتأمين المنطقة. في غضون ذلك، ينبغي لها مساعدة العائلات المتضررة على إعادة بناء حياتها".
في 20 يناير/كانون الثاني، هاجم مقاتلو داعش سجن الصناعة في حي غويران بالحسكة، فأشعلوا معركة دامت عشرة أيام مع قسد، التي ساندتها غارات برية وجوية أمريكية وبريطانية ضمن الحملة الدولية بقيادة الولايات المتحدة لهزيمة داعش. تمد الولايات المتحدة قسد بدعم تقني ومالي بمئات ملايين الدولارات.
كان السجن يضم نحو 4 آلاف ذَكَرا مشتبها بانتمائهم إلى داعش أو أفراد عائلاتهم، بينهم 700 فتى من سوريا وحوالي 20 بلدا آخر. قالت قسد في 31 يناير/كانون الثاني إنها استعادت السيطرة الكاملة على السجن والأحياء المجاورة وإن القتال خلّف 500 قتيل. قالت الأمم المتحدة إن القتال هجّر في البداية ما لا يقل عن 45 ألفا من السكان.
بين 21 يناير/كانون الثاني و11 فبراير/شباط على الأقل، انتشرت قسد وقوات الأمن المحلية المعروفة بـ "الأسايش" في أجزاء مختلفة من المدينة بحثا عن المحتجزين الفارين ومقاتلي داعش الذين كانوا قد هاجموا السجن، بما يشمل أحياء غويران والمفتي والناصرة والزهور. قالت لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن سوريا إن بعض مقاتلي داعش "لجأوا إلى مناطق سكنية"، ما أدى إلى حدوث العملية، التي سميت "مطرقة الشعوب"، وبحلول 23 يناير/كانون الثاني، فر 6 آلاف من سكان غويران والزهور من منازلهم.
بين 2 فبراير/شباط و20 يونيو/حزيران، قابلت هيومن رايتس ووتش 18 شخصا من حي غويران عبر الهاتف قالوا إن العمليات هدمت منازلهم. بينما قد تكون بعض الأضرار ناتجة عن اشتباكات مسلحة بين قسد والأشخاص المشتبه بكونهم من داعش، قال ثلاثة من السكان إنهم رأوا أو سمعوا مركبات ثقيلة وصفوها بأنها جرافات تهدم منازلهم أو منازل أشخاص آخرين. قال 11 آخرون إنهم عندما عادوا إلى أحيائهم ووجدوا منازلهم مهدمة، أخبرهم الجيران أن قسد قد هدمت ممتلكاتهم وممتلكات الآخرين بالجرافات. وتقول الأمم المتحدة إن تحليلها لصور الأقمار الصناعية المتعلقة بـ 40 مبنى متضرر في أحياء قريبة من السجن كشف عن هدم بعضها بواسطة جرافات من طراز عسكري.
خلص مسح أجراه نشطاء محليون في المدينة والقرى المجاورة إلى أن العملية أسفرت عن هدم أو الإضرار بـ 140 مبنى بين 21 و11 فبراير/شباط.
فرّت امرأة من منطقة في حي غويران شرقي في 21 يناير/كانون الثاني مع أقاربها الذين كانوا يعيشون معها. عادت في 2 فبراير/شباط ووصفت لاحقا ما رأته: "منزلنا، وحوالي 10 بقربه، سُوِّيَ بالأرض. لم يُترك أي شيء دون أن يتضرر... الأنقاض لا تزال موجودة [في منتصف مارس/آذار]، ونحن بلا مأوى".
قالت إن الجيران أخبروها أن مقاتلي داعش كانوا في منزلها وعندما رفضوا المغادرة، أحضرت قسد الجرافات وهدمت المنزل ومنازل أخرى مجاورة.
أرسلت هيومن رايتس ووتش لمحة عامة عن النتائج التي توصلت إليها والأسئلة ذات الصلة في 28 يونيو/حزيران إلى قسد. في رد بتاريخ 21 يوليو/تموز، قال القائد العام لـ قسد مظلوم عبدي إن عناصر داعش استخدموا منازل السكان "كمخابئ ومستودعات للأسلحة"، واحتجزوا مدنيين كرهائن، وقتلوا مدنيين، ورفضوا الاستسلام، ثم وضعوا ألغاما وعبوات ناسفة في المنازل، التي فجرتها قسد "أثناء عمليات التمشيط للضرورات الأمنية والعسكرية".
كما قال عبدي إن قسد استخدمت الأسلحة الخفيفة والمتوسطة فقط خلال العملية واعتمدت "التعامل الدقيق والإجراءات الاحترازية... بهدف حماية أرواح المدنيين وممتلكاتهم". وختم القائد بالقول إن "أي تبعات مثل هجوم سجن الصناعة... إنما هي مسؤولية المجتمع الدولي وخاصة الدول التي لديها رعايا محتجزين في شمال وشرق سوريا".
لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق مما إذا كان مقاتلو داعش قد وضعوا عبوات ناسفة في المنازل ولم تكن قادرة على تحديد أي تحقيقات أو ملاحقات جنائية فيما يتعلق بهدم الممتلكات. لم تبلغ قسد السكان المتضررين بشأن أي تعويضات أو إعادة إعمار أو خطط سكنية بديلة.
في 7 أكتوبر/تشرين الأول، كتبت هيومن رايتس ووتش أيضا إلى وزارتَي الخارجية والدفاع الأمريكيتين مع ملخص لنتائجها وطلبت تفاصيل حول مشاركة التحالف في العمليات العسكرية التي أدت إلى هدم المنازل في الحسكة أو الإضرار بها. لم تتلق هيومن رايتس ووتش أي رد.
جميع أطراف النزاع المسلح الداخلي في سوريا مطالَبون باحترام القانون الإنساني الدولي، الذي يحظر الهجمات ضد الأعيان المدنية، مثل منازل المدنيين. إذا استُخدمت عين مدنية مثل مبنى لأغراض عسكرية، وأصبحت هدفا عسكريا، ينبغي ألا تكون الهجمات الموجهة إليها عشوائية أو غير متناسبة؛ يعني ذلك ألا تكون الوفيات والإصابات المتوقعة اللاحقة بالمدنيين والأضرار الأخرى بما فيها تلك اللاحقة بالأعيان المدنية مفرطة بالنسبة للميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة. لا يجوز هدم الممتلكات أو الاستيلاء عليها إلا لضرورة عسكرية قاهرة.
تتحمل قسد والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أيضا مسؤولية احترام قانون حقوق الإنسان، بما فيه الحق في السكن اللائق، والذي يشمل الحماية من هدم المنازل وهدمها تعسفا، والالتزام بتقديم التعويض والمأوى المناسبَين للمتضررين إذا حصل ذلك ولدى حصوله. قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي لقسد إجراء تحقيق للتوصل إلى ما إذا كان هدم المنازل يتفق مع القانون الإنساني ومعايير حقوق الإنسان وتعويض أي شخص تعرض منزله للضرر أو الهدم.
تم تفويض حكومة الأمريكية وتوفير الموارد لها بموجب المادة 1213 من قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2020 لتقديم مدفوعات "على سبيل الهبة"("كخدمة" أو "بدافع العطف") للمدنيين المتضررين من العمليات العسكرية التي تنفذها الولايات المتحدة أو تكون شريكة فيها عالميا. يجوز تقديم المدفوعات على سبيل الهبة من فرد أو منظمة أو حكومة إلى نظيره أو نظيرها دون الإقرار بالمسؤولية. كما أن الحكومة الأمريكية مخولة بموجب مساعدتها الأمنية لـ قسد لمساعدتها في سداد مثل هذه المدفوعات.
قال سيمبسون: "ينبغي لـ قوات سوريا الديمقراطية تقديم الجبر لضحايا عملية "مطرقة الشعوب"، وينبغي لأعضاء التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش تقديم الدعم. في غضون ذلك، تحتاج العائلات المتضررة إلى مساعدة فورية، خاصة مع حلول الشتاء".
منذ اندلاع النزاع في سوريا في 2011، وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية أخرى هدم منازل بشكل غير قانوني، بالإضافة إلى هدم ممتلكات ومصادرة ممتلكات مدنية، من قبل جهات تشمل قوات الأمن التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، دون تعويض أصحابها. ومنذ أكثر من ثلاث سنوات، تحتجز الإدارة الذاتية بشكل غير قانوني في السجون والمخيمات عشرات آلاف المشتبه في انتمائهم إلى داعش وأعضاء عائلاتهم بعد أن أُسِروا عندما طردت قسد والقوات بقيادة الولايات المتحدة داعش من آخر معاقلها في سوريا في 2019. حثت الإدارة الذاتية والتحالف بقيادة الولايات المتحدة الحكومات أكثر من مرة على استرجاع مواطنيها، لكن معظم الدول رفضت استرجاع جميع مواطنيها أو أي من مواطنيها.
المنهجية
بين 2 فبراير/شباط و20 يونيو/حزيران، قابلت هيومن رايتس ووتش 18 شخصا عبر الهاتف بشأن الهدم الكامل أو الجزئي لمنازلهم أثناء عمليات قسد في الحسكة بين 21 يناير/كانون الثاني و2 فبراير/شباط. راجعت هيومن رايتس ووتش صورا فوتوغرافية وفيديوهات تظهر منازل مدمرة تعود لثلاثة من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، بمن فيهم اثنان من الشهود الثلاثة الذين كانوا حاضرين حين هدمت منازهم. تشمل الصور صورا فوتوغرافية نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي في يناير/كانون الثاني، والصور التي التقطتها "وكالة فرانس برس" في 29 يناير/كانون الثاني، وفيديوهات وصور فوتوغرافية التقطت بين يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان شاركها الشهود مباشرة.
راجعت هيومن رايتس ووتش أيضا فيديوهات وصور أخرى منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط تظهر المباني المدمرة في حي غويران شرقي، تشمل مقابلات تلفزيونية مع سكان المباني المدمرة، والصور ومقاطع الفيديو للمباني المدمرة أو المتضررة، ومعلومات أخرى قدمها نشطاء محليون مسحوا الأضرار والدمار.
بالإضافة إلى ذلك، حللت هيومن رايتس ووتش صورا من الأقمار الصناعية لسجن الصناعة والأحياء المجاورة تظهر الأضرار التي لحقت بحوالي 110 مبانٍ في حيَّي غويران شرقي والزهور والتي وقع معظمها بين 25 يناير/كانون الثاني 2022 و6 فبراير/شباط 2022. ولم تكشف صور الأقمار الصناعية عن سبب الضرر.
لحماية هويات الشهود، لم تنشر هيومن رايتس ووتش أي صور فوتوغرافية تتعلق بممتلكات محددة.
قال نشطاء محليون أجروا المسح إنهم قابلوا ممثلين عن 84 عائلة من أصل 147 عائلة فقدت منازلها في حيَّي غويران شرقي والزهور. وخلص المسح إلى أن 48 مبنًى متعدد الطوابق تسكنها 49 عائلة قد هدمت بالكامل، و26 مبنًى تؤوي 26 عائلة لحقت بها أضرار جسيمة، و26 مبنى تؤوي 31 عائلة لحقت بها أضرار متوسطة، و40 مبنى متضرر جزئيا يؤوي 41 عائلة. ووجد المسح أن 131 من هذه المباني كانت في غويران شرقي وتسعة في الزهور.
التحليل الذي أجرته هيومن رايتس ووتش لصور الأقمار الصناعية يشير إلى أضرار لحقت بما لا يقل عن مئة مبنى في حي غويران شرقي ونحو عشرة مبانٍ في حي الزهور وقعت بعد 20 يناير/كانون الثاني. تؤكد صور الأقمار الصناعية التي التُقطت في 28 يناير/كانون الثاني أن معظم الأضرار قد حدثت في كلا الحيَّين بحلول ذلك الوقت. تُظهر صور الأقمار الصناعية التي التقطت في 6 فبراير/شباط أن بعض جيوب الهدم الإضافية حدثت بعد 28 يناير/كانون الثاني.
قارنت هيومن رايتس ووتش صور الأقمار الصناعية مع 31 منطقة دمار حددها النشطاء المحليون في مسحهم. أظهرت الصور المباني المدمرة والأضرار الجسيمة في بعض تلك المناطق، بما فيها تلك الأكثر تضررا، لكنها لم تتمكن من إظهار أضرار طفيفة للمباني، بما فيها الأضرار بالواجهات، والتي حددها المسح.
التصريحات العلنية من قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا
في بيان في 31 يناير/كانون الثاني، قالت القيادة العامة لـ قسد: "بدأت قواتنا حملة تمشيط وتطهير ضد مرتزقة تنظيم "داعش" الإرهابي في محيط السجن" أسفرت عن "ضبط جميع المرتزقة المعتقلين". لكن في اليوم نفسه، قال القيادي في قسد حقي كوباني: "لا تزال قواتنا تبحث ضمن جميع أحياء مدينة الحسكة عن خلايا داعش، وعمن قد يكونون فارين من سجن الصناعة ومختبئين في منازل المدنيين".
في 20 أبريل/نيسان، أعلن مسؤول من "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا"، وهي الهيئة الإدارية التي تسيطر على معظم شمال شرق سوريا، إن لجنة من الإدارة الذاتية نظرت في الهدم وخلصت إلى أن 62 مبنى دّمر كليا وأن 58 مبنى تضرر جزئيا في حيّي غويران والزهور، دون تحديد سبب الضرر. قال المسؤول إن اللجنة رفعت تقريرها إلى "المجلس التّنفيذي لكانتون الجزيرة" التابع للإدارة الذاتية، وهو أحد أهم هيئات صنع القرار في الإدارة الذاتية في محافظة الحسكة. بحسب تقرير إعلامي آخر، قالت الإدارة الذاتية إنها سترسل النتائج التي توصلت إليها بشأن الدمار إلى قوات سوريا الديمقراطية.
المنازل المهدمة في الحسكة، 21 يناير/كانون الثاني – 11 فبراير/شباط
من بين الأشخاص الـ 18 الذين تمت مقابلتهم، قال أحدهم إن قسد استخدمت جرافة لهدم جزء من منزله بينما كان بداخله. قالت أخرى إنها شاهدت هذه القوات تستخدم جرافة لهدم منازل أشخاص آخرين، بينما قالت ثالثة إنها شاهدت عناصر قسد بجانب جرافة يطلقون النار على أشخاص مشتبه بكونهم عناصر داعش في مبنى قريب ثم سمعت ما اعتقدت أنه جرافة تدمر المنازل.
قال 11 شخصا ممن غادروا المنطقة في 21 يناير/كانون الثاني للفرار من القتال الدائر في منطقتهم إنهم عندما عادوا ووجدوا منازلهم مدمرة، أخبرهم الجيران أن قسد قد جرفت عقاراتهم وعقارات الآخرين بالجرافات. لم يعرف الأربعة الآخرون أو يسمعوا من الآخرين كيف هدمت منازلهم. قال جميع الأشخاص الـ 18 إن السلطات لم تتصل بهم لتخبرهم إن كان سيتم تعويضهم عن فقدان منازلهم أو الضرر اللاحق بها.
وصف رجل كيف هدمت قسد جزءا من منزله في حي غويران شرقي بجرافة بينما كان لا يزال في الداخل حوالي الساعة 5 مساء يوم 22 يناير/كانون الثاني:
كنت وحدي في منزلي. سمعت إطلاق نار وانفجارا في مكان قريب. ثم حدث كل شيء بسرعة كبيرة. هدموا جدار غرفة بالجرافة. بدأت الغرفة تهتز، وانهار الجدار. خرجتُ ورأيت نحو 50 جنديا من قسد معهم ثلاث أو أربع عربات مدرعة وجرافة كبيرة صفراء. أمروني برفع يديّ وقالوا إن داعش في منزلي. أخبرتهم أنني المالك وأن بإمكانهم الدخول والتحقق من الأمر. دخلوا وتأكدوا من كل شيء ولم يروا أحدا هناك.
في اليوم التالي أمرتني قسد أنا وجيراني بمغادرة المنطقة، فغادرت. بعد ذلك بقليل تلقيت نبأ هدم منزلي. عدت بعد حوالي أسبوع. دُمر منزلي بالإضافة إلى حوالي تسعة منازل أخرى.
وفّر نشطاء محليون الموقع الدقيق للمبنى المهدم، بالإضافة إلى مقطعَي فيديو وصورتين فوتوغرافيتين قالوا إنهم التقطوها في 4 أبريل/نيسان وتظهر أنقاض منزل الرجل. تُظهر صورة نُشرت على "فيسبوك" في 26 يناير/كانون الثاني المنزل المدمر. قال الرجل إنه لا يعرف كيف دُمر منزله بشكل يتخطى الهدم الجزئي بواسطة الجرافة الذي شهده.
تحققت هيومن رايتس ووتش بشكل مستقل من موقع المنزل والأضرار التي لحقت به من خلال مطابقة الشوارع والمباني ومدى الدمار الظاهر في الصور والفيديوهات مع صور الأقمار الصناعية في 28 يناير/كانون الثاني. تُظهر صور الأقمار الصناعية أيضا على الأقل سبعة مبانٍ أخرى مدمرة تماما في المنطقة المجاورة مباشرة. تظهر صور الأقمار الصناعية منخفضة الدقة التقطت في الصباح الباكر من 21 يناير/كانون الثاني أن المنازل كانت ما تزال سليمة، بينما تظهر صور الأقمارالصناعية الملتقطة في 25 يناير/كانون الثاني أن المنازل مدمرة.
حصلت هيومن رايتس ووتش أيضا على فيديو لآلية بناء كبيرة تنقل الركام في منطقة سكنية ومركبة عسكرية باللون الكاكي مركونة في الجوار من طراز "أوشكوش إم-إيه تي في" (Oshkosh M-ATV)، وهو نوع آليات عسكرية مصفحة تستخدمه قسد وقوات التحالف في شمال شرق سوريا.
قال الرجل نفسه إن أحد جيرانه سجّل الفيديو في 2 فبراير/شباط. طابقت هيومن رايتس ووتش شكل المباني والشوارع الظاهرة في الفيديو مع صور الأقمار الصناعية لتحديد مكان المركبة التي تنقل الرُكام، والتي تقع على بعد حوالي 30 مترا شمال منزل الرجل المدمر.
تحدثت هيومن رايتس ووتش عبر الهاتف مع شخصين آخرين في سوريا قالا إنهما رأيا قسد تستخدم الجرافات لهدم منازل أشخاص آخرين.
وصف رجل آخر كان يعيش في حي غويران شرقي مع عائلته ما قاله له الجيران عما حدث لمنزله بعد فراره من المنطقة وما شاهد عناصر قسد يفعلونه بالبيوت المجاورة الأخرى بعد أن عاد:
في اليوم التالي لحادثة السجن، أمرت قسد عائلتي بإخلاء منزلنا، وذهبنا إلى منطقة أخرى أكثر أمانا. لم يعد معظم الأشخاص الذين أخلوا منطقتنا إلا بعد 10 أو 15 يوما، لكني كنت قلقا من تعرض منزلنا للنهب، لذا عدت بعد أسبوع [حوالي 28 يناير/كانون الثاني]. كانت المنطقة مغلقة بأكملها، لكن قسد سمحت لي بالدخول إلى منطقتي. عندما وصلت إلى منزلنا، رأيت أنه قد دُمّر بالكامل. كما رأيت ثلاثة من منازل جيراني قد هدمت وهناك خمسة منازل أخرى في الجوار هدمت نصفها أو ثلاثة أرباعها. كان الأمر صاعقا وأصبت بانهيار عصبي.
كانت هناك آثار إطارات جرافة على الأرض بجوار منزلي المدمر. أخبرني جيراني أنهم رأوا قسد تستخدم جرافة لهدم منزلي. قالوا إنه أثناء غيابي، كان الناس يخبرون قسد عند دخول عناصر داعش إلى منزل ثم تأتي قسد للتفاوض على استسلامهم. إذا لم يستسلموا، تفتح قسد النار عليهم في المنزل ثم تستخدم جرافة لهدمه.
عندما عدت، مكثت في منزل ابني الذي لم يتضرر. سمعت أن عناصر داعش كانوا لا يزالون في حيَّين بجوار منطقتنا. في اليوم الثاني بعد عودتي، اندلعت اشتباكات بالقرب من جامع الأغوات حوالي الساعة 10 صباحا وذهبتُ لأرى ما يحدث. أغلقت قسد الطريق، لكن الكثير منا شاهدوا قسد تجلب جرافة وتدمر منزلا من طابقين فيه صيدلية في الطابق الأرضي ومنزل مجاور.
في اليوم التالي، اندلعت المزيد من الاشتباكات في مكان قريب. ذهبتُ لأرى ما كان يحدث. كان هناك العديد من جنود قسد وأغلقوا الطرق. أطلقوا النار على المنازل لمدة ساعة تقريبا ثم أحضروا جرافة صفراء كبيرة "كاتربيلر" ودمروا منزلين أو ثلاثة.
الناشطون المحليون الذين أجروا المسح وفّروا الموقع الدقيق لمبنى الرجل، الواقع في الجزء الجنوبي من حي غويران شرقي. لاحظت هيومن رايتس ووتش في صور الأقمار الصناعية بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني تضرر هذا المبنى واثنين آخرين على الأقل بجواره.
قالت امرأة تعيش في حي غويران شرقي إنها شاهدت قسد في 29 يناير/كانون الثاني بجوار ما قالت إنه جرافة، ثم سمعت ما اعتقدت أنه صوت جرافة تهدم المباني:
كانت الساعة 8:30 صباحا، وكنت في المنزل عندما أخبرني جيراني أن أربعة غرباء دخلوا أحد المنازل في مبنانا وأنهم اتصلوا بقسد لإخبارهم. كانت العديد من [المنازل] خالية لأن العائلات كانت قد غادرت الحي بسبب القتال بين قسد والعناصر المشتبه بانتمائهم إلى داعش.
الساعة 9 صباحا بدأت أسمع رشقات نار واستمر ذلك خمس ساعات. الساعة 2 بعد الظهر اشتد إطلاق النار، وغادرت منزلي لأرى ما كان يحدث. مشيت خمس دقائق تقريبا للوصول إلى المنطقة التي تأتي منها الأصوات، في زاوية حيّنا. رأيت جرافة حمراء وأربع مركبات عسكرية. كانت اثنتان [من الآليات العسكرية] تابعتين لقسد واثنتان من التحالف [الدولي المناهض لداعش]. لم يكن فيها جنود أو عليها أعلام، لكنني أعلم أنهم من التحالف لأن سياراتهم أكبر من آليات قسد. كان هناك أيضا حوالي 15 جنديا من قسد يرتدون الزي الأسود المعتاد.
لم تكن الجرافة تتحرك. كانت متوقفة في الشارع ولم يتضرر أي من المباني في الشارع القريب. استخدم عناصر قسد مكبرات الصوت ليأمروا عناصر داعش في أحد المباني بالاستسلام، لكنهم لم يردوا.
عندما رآني الجنود قالوا لي أن أعود إلى المنزل فابتعدت مسافة 50 متر وراقبت من هناك قرابة الساعة. أطلق الجنود النار على المنزل الذي اعتقدوا أن عناصر داعش يختبئون فيه. لم يرد عليهم أحد. ثم ذهبتُ الى المنزل. بعد وصولي إلى المنزل مباشرة، سمعت صوتا عاليا جدا استمر حوالي 30 ثانية. اعتقدت أن الصوت يشبه صوت الجرافة تدمر منزلا. نحن نعرف هذا الصوت لأنه عندما يريد الناس إعادة بناء منزلهم، يستخدمون جرافة لهدم المنزل القديم.
مكثت في منزلي ولم أخرج مجددا في ذلك اليوم. غادرتُ المنزل في اليوم التالي وذهبت إلى نفس المنطقة. عندما وصلت إلى هناك، رأيت منزلين مدمرين بالكامل، أحدهما محل هواتف وصيدلية. كما دمروا جزئيا منزلين آخرين مجاورين، ربما حوالي 60% من كل منزل.
قدمت المرأة صورا لثلاثة مبانٍ متضررة قالت إنها التقطتها في 30 يناير/كانون الثاني، والتي تطابقت مع البيانات الوصفية للصور. حدد النشطاء المحليون مكان المباني المتضررة، في الجزء الشمالي من حي غويران شرقي.
تحققت هيومن رايتس ووتش بشكل مستقل من موقع المباني الثلاثة المتضررة قرب مسجد فاطمة الزهراء، إذ طابقت شكل المباني والمعالم في الصور مع صور القمر الصناعي. لا تظهر الصور المُسجلة في 28 يناير/كانون الثاني أي آثار للضرر، لكن صورة بتاريخ 1 فبراير/شباط تظهر مجموعة من المباني المتضررة بشدة.
حللت هيومن رايتس ووتش أربع صور التقطتها وكالة فرانس برس في 29 يناير/كانون الثاني، منها اثنتان تُظهران جنودا، ويبدو في الصور الأربع عدد من المركبات مركونة قرب المنازل الثلاثة نفسها. من خلال مطابقة المباني وأعمدة الكهرباء في مجموعتَي الصور، خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أنه تم التقاطهما في نفس المكان.
تُظهر صور وكالة فرانس برس أربع مركبات، منها جرافة حمراء، تستخدم لنقل مواد مثل التربة أو الركام إلى آليات أخرى للتخلص منها، ومركبة عسكرية سوداء، ومركبتين عسكريتين على الأقل باللون الكاكي. بحسب المصور، العناصر الذين يرتدون زيا باللون الكاكي هم جنود أمريكيون والعناصر الذين يرتدون الزي الأسود أو الزي العسكري باللون الداكن أكثر ينتمون إلى قسد. المركبات ذات اللون الكاكي هي أيضا أوشكوش إم-إيه تي في. تُظهر صور وكالة فرانس برس التي التقطت الساعة 2 بعد الظهر في 29 يناير/كانون الثاني أن المنازل لا تزال سليمة.
قال رجل، فر من منزله وسمع من جيرانه ما حدث، إنه كان يعيش مع شقيقه شمال سجن الصناعة في حي غويران شرقي. منزلهما قريب من الموقع الذي كان فيه منزل الرجل الذي أخبر هيومن رايتس ووتش إنه كان في منزله عندما أصابت قسد منزله بأضرار بواسطة جرافة:
يوم الجمعة [21 يناير/كانون الثاني] قالت قسد إن علينا مغادرة المنطقة، لذا اصطحبت عائلتي للبقاء مع أقارب. بعد يومين، سمعت من شخص كان لا يزال في الحي الذي أسكن فيه أن عناصر قسد دمروا جزءا من منزلي لأنهم اشتبهوا بوجود عنصرين من داعش بداخله. في اليوم التالي، اتصل أحد الجيران وقال إن قسد استخدمت جرافة لهدم 13 منزلا في حيِّنا، بما في ذلك منزلي بأكمله. سمحت لنا قسد بالعودة في 31 يناير/كانون الثاني. عدت في ذلك اليوم ووجدت منزلي مدمرا، ورأيت الكثير من المنازل المدمرة الأخرى في منطقتي.
قدم الرجل أربع صور لمنزله المدمر وللمنازل المدمرة المجاورة له، والتي قال إنه التقطها في 3 فبراير/شباط. تظهر في الصور علامات إطارات كبيرة وعميقة على الأرض تتوافق مع وجود مركبة ثقيلة.
كما وفّر النشطاء المحليون موقع المبنى. حددت هيومن رايتس ووتش في صور الأقمار الصناعية في 28 يناير/كانون الثاني أن هناك مبنًى في ذلك الموقع قد دُمر. تُظهر الصور الفوتوغرافية وصور القمر الصناعي العديد من المعالم المتطابقة، بما في ذلك تخطيط المباني وشكلها وموضع شجرتين. يتطابق اتجاه وارتفاع الشمس الذي شوهد عند الغروب خلف أحد المباني مع الوقت من اليوم الذي التُقطت فيه الصور، وفقا للبيانات الوصفية للصورة.
لكن بسبب نوعية صور القمر الصناعي وحالة المباني المدمرة جزئيا وكليا في المنطقة، لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق بشكل مؤكد من تطابق موقع الصور مع الموقع المحدد الذي وفّره النشطاء المحليون.
الالتزامات القانونية
بموجب القانون الإنساني الدولي، يجوز لأطراف نزاع مسلح داخلي مثل النزاع في سوريا توجيه هجمات ضد أهداف عسكرية فقط، وأعيان "بطبيعتها أو موقعها أو غايتها أو استخدامها، ... يحقق هدمها كليا أو جزئيا، أو الاستيلاء عليها، أو تعطيلها في الأحوال السائدة في حينه ميزة عسكرية مؤكدة".
الهدم المتعمد أو المستهتر للأعيان المدنية، بما في ذلك المنازل الخاصة، غير قانوني. يُحظر دائما هدم الأعيان المدنية لمجرد معاقبة السكان. تصبح الأعيان المدنية متاحة للتعرض للهجوم كأهداف عسكرية عندما تسهم إسهاما فعالا في العمل العسكري. ومن الأمثلة على ذلك الأوضاع التي تنتشر فيها القوات المعادية في ممتلكات مدنية أو حيث يكون من المتوقع أن تنتشر القوات المعادية بشكل وشيك في ممتلكات مدنية لشن هجوم. في حالة الشك، يجب اعتبار أن الأعيان المخصصة عادة للأغراض المدنية، مثل المنازل والمدارس ودور العبادة، ليست متاحة للهجوم.
يجب ألا يكون أي هجوم، حتى لو كان على هدف عسكري، عشوائيا أو غير متناسب. الهجوم غير المتناسب هو الهجوم الذي تكون فيه الخسائر العَرَضية المتوقعة في أرواح المدنيين والأضرار التي تلحق بالأعيان المدنية مفرطة مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة. لا يجوز هدم الممتلكات أو الاستيلاء عليها إلا لضرورة عسكرية قاهرة. قد يشكل الهدم المتعمد والمتعسف للممتلكات المدنية جرائم حرب ويجب محاسبة المسؤولين عنها.
الحق في السكن اللائق بموجب قانون حقوق الإنسان، وهو جزء من الحق في مستوى معيشي لائق، يشمل الحماية من الإخلاء القسري والهدم والهدم التعسفيين لمنزل الفرد. للأفراد المعنيين الحق في تعويض مناسب عن أي ممتلكات متضررة، كجزء من سبل الانتصاف الفعالة لانتهاك حقوقهم. أولئك الذين تُركوا بلا مأوى نتيجة التهجير أو هدم منازلهم لهم الحق في المأوى.
التوصيات
ينبغي لقوات سوريا الديمقراطية اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لإنهاء هدم المنازل والممتلكات الأخرى المدنية وإلحاق الضرر بها من قبل قواتها في غياب ضرورة عسكرية ملحة. كما ينبغي لها فتح تحقيق شفاف في الهدم والأضرار التي لحقت بالمنازل في الحسكة خلال العمليات العسكرية في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، وتقديم تعويضات منصفة إلى أولئك الذين تضررت منازلهم بشكل غير قانوني، وتقديم دفعات على سبيل الهبة أو توفير السكن لجميع المتضررين. ينبغي للإدارة الذاتية لشمال وشرق وسوريا التحقيق في أعمال الهدم وتقديم توصيات إلى قوات سوريا الديمقراطية بشأن طريقة الاستجابة، بما يتماشى مع القانون الدولي.
ينبغي للتحالف الدولي ضد داعش، بما يشمل الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتين انتشرتا في شمال شرق سوريا دعما لقسد، تشجيع قسد على تقديم التعويض المنصف أو الجبر، بما فيه السكن، إلى ضحايا الدمار والأضرار اللاحقة بالمنازل في الحسكة خلال العمليات التي جرت في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط. ينبغي للتحالف أيضا النظر دعم قسد ماديا لمساعدتها على تقديم المدفوعات على سبيل الهبة. كما ينبغي للتحالف دفع قسد إلى فتح تحقيق شفاف ومحايد بشأن الهدم.