Skip to main content

السودان: احتجاز مئات المتظاهرين وإساءة معاملتهم

أوقفوا اعتقالات المتظاهرين؛ أطلقوا سراح المحتجزين؛ ارفعوا حالة الطوارئ

المدخل الرئيس لسجن سوبا في الخرطوم، السودان، حيث تحتجز أعداد كبيرة من الأشخاص على خلفية المظاهرات إثر الانقلاب العسكري. © 2022 خاص

(نيروبي) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن قوات الأمن السودانية تحتجز بشكل غير قانوني مئات المتظاهرين منذ ديسمبر/كانون الأول 2021 وتخفي العشرات قسرا في إطار حملتها الواسعة ضد معارضي انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول العسكري.

ضربت قوات الأمن المتظاهرين المحتجزين وأساءت معاملتهم، بما يشمل تعرية الأطفال المحتجزين وتهديد النساء بالعنف الجنسي. على السلطات السودانية الإفراج عن جميع المحتجزين بشكل غير قانوني، بمن فيهم المخفيون قسرا، بينما على شركاء السودان الدوليين فرض عقوبات فردية تستهدف المسؤولين عن القمع.

قال محمد عثمان، باحث السودان في هيومن رايتس ووتش: "يُشكّل الاستهداف الوحشي للمتظاهرين محاولة لبثّ الخوف، وقد أفلت إلى حد كبير من الرقابة الدولية. على مدى شهور، انتهكت قوات الأمن واحتجزت بشكل غير قانوني مئات الأشخاص، بمن فيهم الأطفال، الذين يُعبَّرون عن معارضتهم للحكم العسكري".

في 25 أكتوبر/تشرين الأول، قاد قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان انقلابا عسكريا ضد حكومة السودان الانتقالية وأعلن حالة الطوارئ. في 26 ديسمبر/كانون الأول، أصدر أمرَ طوارئ يمنح قوات الأمن الحصانة وأعاد صلاحيات الاعتقال إلى "جهاز المخابرات العامة" (المخابرات)، صاحب السجل الحافل بالانتهاكات الجسيمة. ألغى أمرُ الطوارئ قرارَ الحكومة الانتقالية بسحب صلاحيات الاعتقال من المخابرات. منذ أن أعاد البرهان صلاحيات الاعتقال إلى المخابرات، تصاعدت الاعتقالات التعسفية للمتظاهرين. وجدت هيومن رايتس ووتش أن السلطات تسيء استخدام سلطات الطوارئ لتنفيذ اعتقالات غير قانونية، منها الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي.

بين فبراير/شباط وأبريل/نيسان 2022، قابلت هيومن رايتس ووتش 25 شخصا، ثمانية رجال و17 امرأة، بينهم ثمانية معتقلون سابقون، وأقارب 13 محتجزا من الخرطوم، ومدني في وسط السودان، وبورتسودان في الشرق، والفاشر في دارفور. كما قابلت هيومن رايتس ووتش أربعة محامين معنيين بحماية المتظاهرين، منهم اثنين من "مجموعة محامي الطوارئ"، وهي مجموعة غير رسمية قدمت المساعدة القانونية المحتجزين وتدافع عنهم منذ الانقلاب.

في أوائل مارس/آذار، أفاد "مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان" في السودان أن أكثر من ألف شخص اعتُقلوا بين 25 أكتوبر/تشرين الأول و3 مارس/آذار، منهم 148 طفلا. وجدت هيومن رايتس ووتش أن قوات الأمن استهدفت الأشخاص الناشطين أو الذين يُعتقد بأنهم ناشطون في حركة التظاهر. اعتُقل بعضهم أثناء المظاهرات أو بعدها مباشرة، بينما اعتُقل آخرون من الشوارع، أو من سياراتهم، أو منازلهم.

كما نفذت أقسام مختلفة من قوات الأمن اعتقالات، بمن فيها شرطة مكافحة الشغب، و"شرطة الاحتياطي المركزي"، ووحدات عسكرية تابعة للقوات المسلحة السودانية، بالإضافة إلى عملاء مجهولين بملابس مدنية.

شمل عنف قوات الأمن المزعوم ضد المتظاهرين الاعتداء الجنسي وتهديدات بالاغتصاب. أفاد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان أنه حتى 22 مارس/آذار، أبلغت 16 امرأة عن تعرضهن للاغتصاب أثناء الاحتجاجات في الخرطوم.

كما أساءت قوات الأمن معاملة الأطفال، بما في ذلك مزاعم تعريتهم وحلق رؤوسهم جزئيا. قالت العائلات التي تمت مقابلتها إنها تعرضت للترهيب لإسقاط شكاوى محتملة ضد قوات الأمن. قالت والدة طفل في مدني إنها وجدت ابنها (16 عاما) في مركز للشرطة بعدما حضر احتجاجا في 13 ديسمبر/كانون الأول: "رأيت ابني ينزف وقد ضُرب بشدة. كان عاري الصدر. عندما طلبت فحصا طبيا لابني، قالت لي الشرطة: "سنطلق سراح ابنك دون توجيه اتهامات، لكنكِ لن ترفعي علينا دعوى"".

وجدت هيومن رايتس ووتش أن قوات الأمن بشكل عام تحتجز المتظاهرين في منشآت للشرطة أو في أماكن غير معلنة قبل نقلهم إلى السجن، لكن دون تقديمهم أمام محكمة أو وكيل نيابة.

قال أربعة معتقلين احتُجزوا بين أسبوعين وأربعة أسابيع في سجنَيْ سوبا وأم درمان في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط إنهم حُرموا من الزيارات العائلية والاتصال بمحامين. قال محاميان يعملان في قضايا المحتجزين إن السلطات التي لديها مسؤوليات الإشراف على الاحتجاز، بما فيها مكتب النائب العام، غالبا ما تنكر معرفة بأمر المحتجزين، أو ترسل العائلات إلى مؤسسات أخرى للحصول على معلومات. يمكن أن يُشكّل رفض الإقرار باحتجاز شخص ما أو الكشف عن مكانه في الحجز إخفاءً قسريا، وهي جريمة بموجب القانون الدولي.

قال محام ومعتقلان سابقان تمت مقابلتهم إن الأوامر في الخرطوم باحتجاز شخص ما، أو تمديد احتجازه، أو إطلاق سراحه تُدار فيما يبدو من خلال اللجنة الأمنية المشتركة للولاية، والتي تضم ممثلين من جميع القوى الأمنية ويرأسها حاكم ولاية الخرطوم بالوكالة.

في 25 أبريل/نيسان، رفض قاض معاقبة استمرار احتجاز 19 عضوا وموظفا من "لجنة التفكيك"، الذين لم يمثلوا بعد أمام المحكمة رغم احتجازهم منذ فبراير/شباط بتهمة خيانة الأمانة، وهي جريمة جنائية يُعاقب عليها بالإعدام من بين عقوبات أخرى. تشكّلت اللجنة في ظل الحكومة الانتقالية لتتبع الفساد والاختلاس من قبل النظام السابق. كان خمسة من المعتقلين الـ 19 قد اعتُقلوا سابقا مباشرة عقب الانقلاب لكن أطلق سراحهم لاحقا. وفقا لمحامي دفاع، حتى 27 أبريل/نيسان، أُفرج عن جميع الأشخاص الـ 19 بكفالة.

 خبير "مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" المعيّن بشأن السودان زار البلاد في 21 فبراير/شباط، وخلال زيارته وفي تاريخ قريب منها، أفرجت السلطات بكفالة عن 115 شخصا في الخرطوم متهمين بتعكير الصفو العام. بعد زيارته، استؤنفت الاعتقالات التعسفية. قال محام لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن احتجزت حوالي 100 رجل بين مارس/آذار وأبريل/نيسان ونقل بعضهم إلى سجون أخرى داخل الخرطوم وخارجها. في 22 أبريل/نيسان، أفرجت السلطات عن 25 محتجزا من سجن سوبا في الخرطوم.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على شركاء السودان الضغط على الجيش لوقف الاعتقالات، والسماح للمراقبين المستقلين بالوصول إلى مواقع الاحتجاز، وإلغاء سلطات الطوارئ التعسفية المستخدمة لتبرير هذه الانتهاكات. ينبغي لشركاء السودان الإقليميين والدوليين تنسيق استجابتهم لضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الواسعة الانتشار منذ الانقلاب، بما يشمل فرض عقوبات فردية محددة الهدف.

قال عثمان: "هذه الحملة المنظمة من الاحتجازات غير القانونية التي تهدف إلى خنق حركة المقاومة لن تتوقف دون ضغط مشترك ومنسق. على المجتمعات الإقليمية والدولية ألا تغفل عن مطالب المتظاهرين بحكم مدني يحترم الحقوق، وعليها أن تتخذ تدابير ملموسة لمحاسبة من يقودون القمع".

للمزيد من المعلومات حول عمليات الاعتقال والاحتجاز غير القانونية، يرجى المتابعة أدناه. 

 

الضرب والتهديد بالعنف الجنسي

قامت الشرطة، ومنها شرطة مكافحة الشغب وشرطة الاحتياطي المركزي، بالإضافة إلى رجال بالزي المدني ووحدات عسكرية أخرى، بإساءة معاملة المتظاهرين بشدة عند احتجازهم في المظاهرات. شمل ذلك الضرب والركل، وفي بعض المناسبات على الأقل، العنف الجنسي.

في 28 فبراير/شباط، بعد تفريق الاحتجاجات قرب القصر الرئاسي في الخرطوم، اعتقل عناصر مكافحة الشغب والاحتياطي المركزي متظاهرا عمره 32 عاما وضربوه بأعقاب البنادق، والهراوات، والقضبان الحديدية قبل تعريته بالكامل في شارع. "كانوا يضربونني في كل مكان، بما في ذلك على رأسي. لم أعد أرى أو أحس بأي شيء بعد ذلك". تركته الشرطة في النهاية، ونقله أحد المارة إلى المستشفى.

في أعقاب مظاهرة في 24 يناير/كانون الثاني، قال رجل عمره 25 عاما إن عناصر أمن مجهولين اعتقلوه هو واثنين آخرين في الشارع. عصبوا أعينهم وأجبروهم على ركوب شاحنة "بيك آب" وهم يلكمونهم ويركلونهم. اقتادت قوات الأمن الرجال الثلاثة إلى مكان مجهول لبضع ساعات، واستجوبتهم لفترة وجيزة وفتشت هواتفهم وصورتهم، ثم نقلتهم إلى "سجن سوبا" بالخرطوم.

في اليوم نفسه، ضرب عناصر الشرطة النظامية والاحتياطي المركزي ناشطة عمرها 29 عاما واعتدوا عليها جنسيا أثناء فرارها هي وصديقتَيْها من عناصر الشرطة الذين فرّقوا احتجاجا بعنف في الخرطوم. هاجمت قوات الشرطة السيارة التي كانت تستقلها، وأطلقت عبوة غاز مسيل للدموع في السيارة، ثم أخرجتها مع صديقتيها ونهبت ممتلكاتهن:

دخل أحد رجال الشرطة وفتح القفل وأخرجني وبدأ بضربي. وكان آخر يصرخ "اغتصبها" مستخدما تعابير مروعة. سحبت نفسي وبدأت بالجري. سمعت رجل الشرطة الذي قال اغتصبها يقول "أطلقوا عليها الرصاص". سمعته يسحب مسدسه فتوقفت. قفز عليّ رجل آخر أمامي، ودفعني بكل قوته أرضا وبدأ بضربي، ثم أغمي علي.

قالت إن ثلاثة رجال شرطة شرعوا في الاعتداء عليها: "استيقظت وهم يضعوني في سيارة شرطة [كبيرة]. وجدت نفسي على أرضية السيارة. كان هناك ثلاثة منهم، أحدهم يرتدي زي الشرطة، واثنان يرتديان "أبو طيرة" [زي الاحتياطي المركزي]. كانوا يخلعون ملابسي، بما في ذلك سروالي، ورأيت أحدهم يخلع سرواله، وكانوا يضربونني". أوقف الاعتداءَ مسؤولٌ توجه إلى السيارة.

في 23 مارس/آذار، اعتقلت قوات الأمن بعنف طالبة عمرها 18 عاما في منزلها، وعصبت عينيها، وأخذتها إلى مكان مجهول، حيث ضربها أفراد الأمن وهددوها بالاعتداء الجنسي:

في البداية، نقلتني القوات من منزلي إلى منطقة نائية. كان هناك بعض الزنازين المحاطة بالأشجار. بدأ أحد الأشخاص الذين أخذوني بلمس جسدي، لكنني دفعته بعيدا. أحاط بي ستة منهم وبدأوا بضربي بأيديهم والعصي. قال لي أحدهم: سأغتصبك، وأقتلك، وألقي جثتك في النهر. ظلوا يسألونني معلومات عن الأعضاء النشطين في الحركة.

الاعتقالات التعسفية وبمعزل عن العالم الخارجي من قبل "الإدارة العام للمباحث والتحقيقات الجنائية"

في الخرطوم، قامت قوات الأمن بشكل عام بنقل المتظاهرين الذين تم القبض عليهم في الشوارع أو في منازلهم إلى مركزين تابعين لإدارة المباحث، أحدهما في الخرطوم والآخر في بحري. الإدارة، المعروفة أيضا باسم "المباحث الفيدرالية"، هي فرع شرطة متخصص في التحقيق في الجرائم الكبرى.

عادة ما تُمنع العائلات والمحامون من مقابلة المتظاهرين المحتجزين في هذه المراكز. تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى عائلات أشخاص كانوا محتجزين هناك لمدة تصل إلى أسبوعين دون أو يقابلوا أقاربهم أو محاميهم.

احتُجزت الطالبة البالغة من العمر 18 عاما في البداية في مقر المباحث في بحري، حيث تم استجوابها والضغط عليها لتصبح مخبرة. نُقلت لاحقا إلى مقر المباحث في الخرطوم. قال أفراد عائلتها إنهم ذهبوا إلى مقر بحري عندما كانت محتجزة هناك، لكن الشرطة أنكرت وجودها. اُفرج عنها في 27 مارس/آذار، لكنها قالت لـ هيومن رايتس ووتش إنه لعدة أيام بعد إطلاق سراحها، استمر مسلحون في مراقبة منزل عائلتها وملاحقتها في الشوارع.

اعتُقل رجل عمره 35 عاما في 14 مارس/آذار أثناء توجهه مع صديق إلى مظاهرة في الخرطوم. قالت شقيقته إن عائلته استفسرت في المباحث في الخرطوم، لكن الشرطة نفت معرفة أي شيء بشأن مكان شقيقها. بعد أربعة أيام، وباللجوء إلى العلاقات الشخصية، حددت عائلتها مكان شقيقها وصديقه لدى المباحث.  

في 14 يناير/كانون الثاني، قُبض على سبعة أشخاص على خلفية مقتل قائد الاحتياطي المركزي في مظاهرة في اليوم السابق. وقد أُفرِج عن أربعة منذ ذلك الحين، لكن محمد آدم (17 عاما)، وأحمد الفاتح ("الننة")، ومحمد الفاتح، ما زالوا محتجزين.

قال محام يتابع القضية إن رجالا من الشرطة غير معروفين قبضوا على آدم، المعروف باسم "توباك"، أثناء مغادرته المستشفى حيث كان يتلقى العلاج الطبي لإصابة أصيب بها في مظاهرة. لمدة ثمانية أيام، لم تتمكن أسرته ومحاموه من تحديد مكانه. في 22 يناير/كانون الثاني، عندما سمع أقاربه أنه قد يكون محتجزا في مقر المباحث بالخرطوم، ذهبوا إلى هناك. أنكرت المباحث احتجازه، لكن أقاربه ومحاميَيْن قالوا إنهم رأوه يركب سيارة ويتم اقتياده بعيدا في نفس اليوم. اعترف لهم رجل من المباحث بأنه سيتم نقله إلى مقرهم في بحري.

أفادت مجموعة "محامو الطوارئ" أن المعتقلَيْن الآخرَيْن احتُجزا أيضا في مبنى المباحث. نُقل الثلاثة فيما بعد إلى "سجن المركزي كوبر" في الخرطوم، حيث ما يزالون هناك.

بموجب القانون السوداني، يتحمل وكلاء النيابة والقضاة مسؤولية الإشراف على الاعتقالات ومواقع الاحتجاز، بما في ذلك السجون ومراكز الشرطة. إلا أن محاميا وأقارب اثنين من المحتجزين قالوا إن وكلاء النيابة نفوا معرفتهم بمكان المحتجزين أو قالوا إنهم غير مخولين بالكشف عن معلومات عن المحتجزين أو مكانهم، متذرعين بالإجراءات الاستثنائية في ظل حالة الطوارئ.

قالت هيومن رايتس ووتش إن غياب الرقابة الكافية من قبل النيابة العامة والقضاء، كما يقتضي القانون، يزيد من خطر الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري.

قال أحد أعضاء محامي الطوارئ إن تعدد القوى الأمنية المتورطة في الاعتقالات يجعل تعقب أو تحديد سلطة الاحتجاز أكثر صعوبة: "بدون تعاون من السلطات، يجعل ذلك عملنا أكثر صعوبة، ويزيد معاناة العائلات، وفي الواقع يحمي الجناة من المسؤولية".

الاعتقال التعسفي بمعزل عن العالم الخارجي؛ "جهاز المخابرات العامة"

رغم الإجراءات التي يفرضها القانون السوداني، فإن السلطات الأمنية تنقل المحتجزين إلى السجون دون عرضهم أمام وكيل نيابة أو قاض أو محكمة. كما تحرم سلطات السجون المحتجزين من الاتصال بأسرهم ومحاميهم. قالت ثلاث معتقلات سابقات من سجن سوبا وامرأة من سجن أم درمان النسائي إنهن حُرمن من الزيارات أثناء وجودهن في السجن بين أسبوعين وأربعة أسابيع.

قال محتجزون ذكور في سجن سوبا إن جميع المعتقلين على خلفية الاحتجاجات احتُجزوا في ثلاث زنازين، اثنتان كبيرتان وواحدة صغيرة. قال محتجزان إن طفلين على الأقل كانا في زنزانتهما.

قال محتجزون سابقون، ومحامون، وأقارب إن مسؤولي السجن قالوا مرارا إن ليس لهم سلطة على احتجاز المعتقلين على خلفية الاحتجاجات، وإنهم "مضيفون" فقط، بينما قال البعض صراحة إن المحتجزين كانوا بعهدة المخابرات العامة.

في 7 فبراير/شباط، اعتُقلت امرأة عمرها 19 عاما في مظاهرة واقتيدت إلى سجن النساء في أم درمان. حاولت والدتها الوصول إليها هناك: "ذهبنا إلى المخابرات العامة والشرطة ومكتب النائب العام – لكننا لم نجد أجوبة هناك. قال لي أحد المعارف في الشرطة: "لا يمكنني المساعدة. تقع مسؤولية هؤلاء المعتقلين على عاتق المخابرات العامة. يقولون إن ابنتك من مثيري الشغب وتنظم الاحتجاجات وهذا هو السبب في أنهم يحتجزونها مع آخرين هناك". احتُجزت الفتاة دون السماح لها بمقابلة أقاربها أو محاميها لمدة أسبوعين.

قال مسؤولو السجن للمحتجزين إن عليهم الحصول على تصريح من المخابرات العامة للحصول على الخدمات الأساسية. قال محتجز عمره 31 عاما تم اعتقاله من منزله ونقله إلى سجن سوبا في 7 فبراير/شباط: "كلما طلبنا مقابلة طبيب أو الاتصال بعائلاتنا، كانوا يقولون دائما، "يجب أن يوافق هذا الجهاز على ذلك... . في البداية، تمكن بعضنا من الاتصال بأُسَرنا لإبلاغها بمكاننا؛ لكن بعد يومين أو ثلاثة أيام جاء إلينا مسؤول السجن وقال إن الأجهزة الأمنية وجّهت إليهم تعليمات بعدم السماح للسجناء بالاتصال بعائلاتهم".

قال محامون إن مسؤولي السجن رفضوا طلبات المحامين المتكررة بمقابلة موكليهم المحتجزين على خلفية الاحتجاجات. لم يسمح مسؤولو السجن إلا بمراسلات مكتوبة مراقَبة، وهو ما رفضه المحامون.

انتهاكات، وسوء معاملة، وتعذيب بحق الأطفال

لم يسلم الأطفال الذين شاركوا في الاحتجاجات من سوء المعاملة أو الاعتقال التعسفي. قال أهالي أربعة صبية محتجزين إن الشرطة لم تبلغهم بمكان أبنائهم.

لم يُسمح لوالدة محمد آدم، الشاب البالغ من العمر 17 عاما الذي اعتُقل في 17 يناير/كانون الثاني على خلفية مقتل قائد شرطة، بزيارته إلا في 8 فبراير/شباط. قال محامٍ كان يرافقها إن آدم وصف تعرضه للتعذيب وإنه رأى علامات تتوافق مع التعذيب وسوء المعاملة على جسده: "قال لنا إنه تعرض للتعذيب بدق المسامير في ساقه، وضرب عناصر الشرطة ساقه المصابة، وتم تقييده وتعليقه رأسا على عقب... كما رأيت حروق السجائر على جلده".

قال آدم لمحاميه إنه مَثَل أمام قاضٍ، لكن القاضي تجاهل شكواه بشأن سوء معاملته.

في 24 فبراير/شباط، اعتقلت الشرطة فتى عمره 16 عاما في أم درمان مع طفلين آخرين أثناء تفريق احتجاج. قالت والدة الصبي إن ابنها وصف احتجازه من قبل عدد من قوات الأمن، بما في ذلك الاحتياطي المركزي، والشرطة النظامية، وشرطة مكافحة الشغب، والقوات المسلحة السودانية، ورجال آخرين بثياب مدنية، حيث لكموا الصِبية وضربوهم بأعقاب البنادق والهراوات، وأن بعض أفراد القوة مزقوا ملابس الصبية بسكين وجردوهم من ملابسهم.

وجدته والدته مع الصبيين الآخرين في مركز شرطة أم درمان ذلك المساء. قالت إنه بدت عليهم علامات الضرب وكانوا يرتدون جلابيات كبيرة وكانوا شبه عراة تحتها. "عندما اشتكيت من هذه المعاملة السيئة، قال لي رجل شرطة هناك: ’لم يعتقلوا ابنك من منزله لأنه لم يفعل شيئا، كان يتظاهر‘".

في تقرير صدر في أبريل/نيسان، قالت منظمة "ريدرس"، ومحامو الطوارئ، و"مركز الناس للعون القانوني"، وهي مجموعة محلية تقدم الدعم القانوني، إن الأطفال عموما لا يُتهمون بارتكاب جرائم جنائية، بل يُطلق سراحهم بضمانات بأنهم لن يشاركوا في الاحتجاجات مرة أخرى. قال أهالي ثلاثة صبية إن الشرطة ضغطت عليهم لإسقاط الشكاوى ضدها بسبب سوء المعاملة.

قال محام في بورتسودان إن الشرطة في المدينة، وهي عاصمة ولاية البحر الأحمر، اعتقلت عشرة أطفال واحتجزتهم لساعات. وجد والد صبي عمره 14 عاما ابنه في مركز للشرطة وقد حُلق رأسه جزئيا: "كان الأمر مهينا... أخبرني أنه تعرض للضرب على أيدي الشرطة عند القبض عليه قبل أن يهددوه بالقتل إذا شارك في الاحتجاجات مرة أخرى". قال الأب إنهم أطلقوا سراح ابنه بكفالة، لكن عندما طلب من الشرطة استمارة تسمح لهم بإجراء فحص طبي لإصاباته، لمّحت الشرطة إلى أن مثل هذه الخطوة سيكون لها عواقب على ابنه.

تنتهك هذه الاعتقالات الحماية الدولية للأطفال، لا سيما على النحو المنصوص عليه في "الميثاق الأفريقي لحقوق ورفاهية الطفل" و"اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل"، والسودان طرف فيهما. تحظر كلتا المعاهدتين التعذيب وأي معاملة مهينة أو منتهِكة للأطفال وتطالبان بأن تكون مصالحهم الفضلى هي الأولوية في جميع القرارات والإجراءات المتعلقة بالأطفال المشتبه فيهم أو المحتجزين.

تنص المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل على ما يلي: "يجب أن يجرى اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقا للقانون ولا يجوز ممارسته إلا كملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة". حددت كلتا الاتفاقيتين سلسلة من الضمانات للأطفال المحتجزين عندما يكون من الضروري للغاية اعتقالهم، ولم يلتزم السودان بأي منها في تعامله مع الأطفال المحتجين.

أثر الاعتقالات

وجدت هيومن رايتس ووتش أنه إضافةً إلى فقدان الحرية، فإن تأثير الاعتقالات التعسفية على حياة المحتجزين وأقاربهم كان عميقا.

تتحمل العائلات عبء إعالة أحبائها المحتجزين في ظل اقتصاد على حافة الانهيار وتضخم متصاعد، بالتزامن مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الخبز والوقود. قال محتجز عمره 37 عاما: "في سجن سوبا  كانت نوعية الطعام سيئة، كما الرعاية الطبية. كان على عائلاتنا تحمّل عبء جلب الطعام أو توفير المال حتى نتمكن من شراء الطعام والأشياء الأخرى من متجر خاص في السجن".

أشار محام إلى أن العديد من العائلات اضطرت إلى القيام برحلات طويلة إلى سجن سوبا على مشارف الخرطوم، على بعد 28 كيلومتر من المركز، لتوفير الضروريات التي يجب أن يوفرها السجن، بما فيها الطعام، والبطانيات، والأدوية.              

قال بيان لمجموعة محامي الطوارئ في 5 أبريل/نيسان إن السلطات نقلت بعض المعتقلين من سجن سوبا إلى سجون أخرى خارج العاصمة، منها سجون في بورتسودان وولاية النيل الأبيض. وقالوا إن هذه الخطوة تجعل اتصال المحتجزين بمحاميهم وعائلاتهم أكثر صعوبة.

يقلق الآباء والأمهات أيضا من تأثير الاحتجاز على دراسة أطفالهم. قال والد محتجز عمره 17 عاما إن ابنه قُبِل في الجامعة، وهو الآن يخشى أن يفقد مكانه. قالت أمٌ إن ابنتها، في المرحلة الجامعية، فوتت دروسا أثناء الاحتجاز: "طلبت من إدارة السجن تزويدنا بوثيقة تؤكد أن ابنتي كانت في السجن لأنها فوتت بعض امتحانات الجامعة، لكنهم رفضوا تزويدنا بذلك".

كما وصف الآباء والأمهات الأثر النفسي للاعتقالات وسوء معاملة أطفالهم. قالت والدة صبي عمره 16 عاما: "إنهم ]قوات الأمن[ يريدون منع أولادنا من المشاركة في الاحتجاجات، ويريدون أيضا إثارة خوف العائلات على مصير أبنائهم حتى لا يسمحوا لهم بالتظاهر".

قال والد صبي عمره 13 عاما إن ابنه، الذي احتُجز نصف يوم تقريبا لإجبار الأب على الاستسلام، ما زال لديه مشاكل في النوم. "من المقلق رؤيته هكذا، نحن نحاول إيجاد علاج لابننا، ولا يمكننا تحمل تكلفته، وليس هناك إمكانية للحصول على مساعدة من الحكومة لما فعلوه".

التوصيات

إلى السلطات السودانية

  • رفع حالة الطوارئ وإلغاء مرسوم 26 ديسمبر/كانون الأول؛
  • إطلاق سراح أي شخص تم اعتقاله بشكل غير قانوني على خلفية الاحتجاجات؛
  • السماح بدخول مراقبين مستقلين إلى جميع مراكز الاحتجاز؛
  • إنهاء الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي والاختفاء القسري؛
  • تسهيل التحقيقات الفعالة والمستقلة من خلال دعوة الخبراء المعنيين من "اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب" والأمم المتحدة – بما في ذلك "الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي" – للمشاركة؛
  • السماح لسلطات الادعاء والقضاء بتفتيش مواقع الاحتجاز وسجلات الاعتقالات وضمان احترام رفاهية المحتجزين وحقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة.

إلى شركاء السودان الدوليين والإقليميين والأمم المتحدة

  • الضغط على الجيش لرفع حالة الطوارئ، والسماح بدخول مراقبين مستقلين إلى جميع مراكز الاحتجاز، ووقف الانتهاكات بحق المتظاهرين؛
  • تبني إجراءات محددة الهدف ضد قادة قوات الأمن المتورطة في الاعتقالات غير القانونية والإخفاء القسري، بمن فيهم القياديون في إدارة المباحث الجنائية وجهاز المخابرات العامة؛
  • تقديم الدعم المستمر لتفويض الخبير المستقل للأمم المتحدة بشأن السودان والدعوة إلى توجيه دعوات لخبراء الأمم المتحدة واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب المعنيين لزيارة السودان؛
  • دعم المنظمات المحلية في عملها في مجال توثيق حقوق الإنسان.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد
الموضوع

الأكثر مشاهدة