(نيويورك) - قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته اليوم إن عدم توفير الحكومة الأفغانية المساءلة عن العنف ضد النساء والفتيات قوّض التقدم في حماية حقوق المرأة. تؤدي المكاسب التي حققتها قوات "طالبان" مع استكمال الولايات المتحدة سحب قواتها إلى ترك الوضع الحالي في أفغانستان، وخاصة حقوق المرأة، بلا ضمانات.
يركز تقرير "́اعتقدت أن حياتنا قد تتحسن̀: تطبيق قانون القضاء على العنف ضد المرأة في أفغانستان"، الصادر في 32 صفحة، على تجارب الأفغانيات في محاولاتهن لتحقيق العدالة ضد أفراد عائلاتهن وغيرهم من المسؤولين عن العنف. وجدت هيومن رايتس ووتش أن التطبيق المحدود لـ "قانون القضاء على العنف ضد المرأة" حرم عديدا من النساء والفتيات من تدابير الحماية الرئيسية والعدالة. مع تحقيق حركة طالبان مكاسب كاسحة على الأرض، يهدد احتمال تشكيل حكومة تهيمن عليها الحركة أيضا الحماية الدستورية والقانونية الدولية للحقوق الأساسية للمرأة الأفغانية.
قالت باتريشا غوسمان، المديرة المساعدة لقسم آسيا في هيومن رايتس ووتش: "على المانحين الدوليين تعزيز التزامهم بحماية النساء الأفغانيات العالقات بين تقاعس الحكومة وتوسّع سيطرة طالبان. على الحكومات التي طالما دعمت حقوق المرأة في أفغانستان أن تدافع بقوة عن تطبيق قانون مكافحة العنف ضد المرأة، الذي أدى إلى تغيير بطيء، ولكن حقيقي".
مع تراجع تمويل المانحين والاهتمام العالمي بأفغانستان، وانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، أثارت منظمات حقوق المرأة وجماعات المجتمع المدني الأخرى مخاوف من تقلص الدعم الدولي للمناصرة والتدريب اللازمين لحماية وتعزيز تنفيذ القانون. قالت هيومن رايتس ووتش إن هذا الدعم مهم جدا لحماية النساء والفتيات.
يستند التقرير إلى 61 مقابلة مع نساء وفتيات أبلغن عن جرائم، ومدعين عامين وقضاة ومحامين ومقدمي المساعدة القانونية وجماعات المناصرة.
منذ 2001، أعلِن عن الإصلاحات القانونية في أفغانستان، إلى جانب توسيع فرص التعليم والتوظيف، باعتبارها تقدما مهما للنساء والفتيات الأفغانيات. ظهرت تحسينات في الحماية القانونية من خلال تدريب مجموعة من المحاميات ومدعيات عامات وقاضيات، واعتماد قوانين جديدة، من أهمها قانون مكافحة العنف ضد المرأة.
قانون مكافحة العنف ضد المرأة، الذي أصدره الرئيس عام 2009 وأعيد التأكيد عليه عام 2018، يجرّم 22 انتهاكا تجاه النساء، بما فيها الاغتصاب والضرب والزواج القسري وحرمان النساء من التملك، ومنع المرأة أو الفتاة من الذهاب إلى المدرسة أو العمل. رغم المقاومة الكبيرة من المحافظين داخل القضاء والبرلمان الأفغاني، ساهم القانون في إحراز بعض التقدم الحقيقي، ما سهل زيادة البلاغات والتحقيقات في الجرائم العنيفة ضد النساء والفتيات.
إلا أن التنفيذ الكامل يزال للقانون بعيد المنال، حيث تعمل الشرطة والنيابة العامة والقضاة في كثير من الأحيان على ردع النساء عن تقديم الشكاوى والضغط عليهن لطلب الوساطة ضمن أسرهن بدلا من ذلك. بالنسبة للنساء اللواتي يتعرضن للإيذاء، خلق أيضا الضغط الأسري والاعتماد المالي والوصمة المرتبطة بتقديم شكوى والخوف من الانتقام، بما فيه فقدان أطفالهن، عقبات هائلة أمام تسجيل القضايا.
منذ اللحظة التي تقرر فيها امرأة أو فتاة أفغانية تقديم شكوى بموجب قانون العنف ضد المرأة، تواجه مقاومة. في كثير من حالات العنف من أحد أفراد الأسرة الذكور - غالبا الزوج - تثني الشرطة النساء عن رفع دعوى وتضغط عليهن للعودة إلى المنزل والسعي إلى المصالحة. قالت امرأة في هرات كان زوجها يضربها مرارا، إنها عندما اشتكت، قال لها والداه إن ذلك "من حقوق الزوج".
حتى لو تمكنت المرأة من رفع قضية، يجبرها ضغط الأقارب في كثير من الأحيان على سحبها. قالت امرأة تعرضت للضرب بشكل متكرر من قبل والدها وزوجها، إن المدعي العام ومحاميها أمراها بالعودة إلى المنزل و"التضحية بنفسها من أجل أطفالها". في معظم الحالات، لا يتاح للمرأة حق التواصل مع محامين.
كما تتعرض النساء للضغط لقبول الوساطة لحل الشكاوى ويتعرضن للخطر من خلال إكراههن على التصالح مع المعتدي عليهن. رغم أن القانون يحظر الوساطة وخاصة في حالات الأذى الجسيم، إلا أن بعض المسؤولين يحيلون النساء وأقاربهن إلى الوساطة حتى في الجرائم العنيفة، بما يتجاوز نظام العدالة تماما، ويعزز الإفلات من العقاب على الجرائم الأكثر خطورة.
عدم توقيف المشتبه بهم من قبل الشرطة هو أحد أكثر الأسباب شيوعا لعدم تقدم القضايا. تحجم الشرطة بشكل خاص عن اعتقال الأزواج المتهمين بالعنف ضد زوجاتهم. ينص قانون العقوبات المعدل لعام 2018 على أنه لا يمكن استخدام "الشرف" في الدفاع في قضية القتل، إلا أن "جرائم الشرف" لا تزال منتشرة على نطاق واسع، وغالبا ما تتغاضى السلطات القضائية عنها، لا سيما في المناطق الريفية.
كثير من النساء والفتيات اللواتي يبلغن عن جرائم عنف ضدهن، بما فيه الاعتداء الجنسي مثلا، يصفن تعرضهن لفحوصات مهبلية جائرة ومنتهِكة، تعرف بـ "اختبارات العذرية"، وهي ممارسة فاقدة للمصداقية بشكل كبير وليس لها أساس علمي. غالبا ما تُقبل "النتائج" المبلغ عنها كدليل في المحكمة، ما يساهم أحيانا في فرض عقوبات سجن طويلة على النساء والفتيات. رغم أن "منظمة الصحة العالمية" أصدرت مبادئ توجيهية عام 2014 توضح أن هذه الاختبارات ليس لها صلاحية علمية، إلا أنها ما تزال منتشرة على نطاق واسع.
رغم القيود المفروضة على قانون مكافحة العنف ضد المرأة وضعف تطبيقه، فهو أداة تشريعية مهمة لمكافحة الجرائم التمييزية والعنيفة ضد النساء والفتيات في أفغانستان. حسب العاملين في القضاء، أسس القانون لقوانين أخرى تعزز الحقوق، مثل قانون مكافحة التحرش، وبدأ في تغيير المفاهيم حول معالجة العنف في المنزل وفي المجتمع الأفغاني الأكبر.
أدى تنامي نفوذ طالبان وسيطرتها، وإمكانية تشكيل حكومة ائتلافية في المستقبل مع سياسيين محافظين، إلى تصاعد مخاوف المدافعين عن حقوق المرأة الأفغانية من تعريض تشريعات مثل قانون مكافحة العنف ضد المرأة للخطر.
قالت غوسمان: "من الضروري لشركاء أفغانستان الدوليين الاستمرار في تقديم دعم مالي وسياسي كبير للحفاظ على الإصلاحات القانونية التي تضمن الحماية للنساء اللواتي يواجهن العنف داخل المنزل وخارجه".