1. ما هي الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري؟
2. ما هي الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الاضطهاد؟
4. ما هي الأدلّة التي استندتم إليها في نتائجكم؟
5. ماذا تطلبون من الحكومات أن تفعل؟
8. هل تقصدون أنّ إسرائيل دولة فصل عنصري؟
9. هل تقارنون الوضع في إسرائيل/فلسطين بالوضع في ظلّ حكم الأقليّة البيضاء في جنوب أفريقيا؟
11. هل تقصدون أنّ الفلسطينيين واليهود جماعتان عرقيتان؟
13. ألا يسمح قانون الاحتلال للجيش الإسرائيلي بقمع الحقوق المدنية والسياسية؟
18. ألستم تزيلون الفارق بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة وتدعون إلى حلّ قوامه الدولة الواحدة؟
20. كيف يمكن مقارنة نتائجكم بنتائج "مؤسسة الحق"، و"بتسيلم"، و"ييش دين"، وغيرها من المنظمات الحقوقية؟
22. هل تقصدون أن كبار المسؤولين الإسرائيليين قد يُحاكمون؟
23. كيف تختلف توصياتكم عن الدعوات إلى مقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها؟
الفصل العنصري جريمة ضدّ الإنسانية، وهي معرّفة في كل من "الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها" و"نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية". تتكون هذه الجريمة من ثلاثة عناصر أساسية:
1. نيّة الإبقاء على هيمنة مجموعة على أخرى.
2. سياق من القمع المنهجي الذي ترتكبه مجموعة ضدّ أخرى.
3. فعل لاإنسانية واحد أو أكثر.
الجرائم ضدّ الإنسانية هي أفعال جرمية محددة – يذكر نظام روما الأساسي 11 منها، بما فيها الفصل العنصري والاضطهاد – تُرتكب كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي، أو وفقا لسياسة دولة أو منظمة، وتستهدف المدنيين، وهي من أفظع الجرائم في القانون الدولي.
الاضطهاد جريمة ضدّ الإنسانية، وهي معرّفة في كل من نظام روما الأساسي والقانون الدولي العرفي، وتنطوي على الحرمان المتعمد والشديد من الحقوق الأساسية بسبب هويّة الفئة أو الجماعة، وتفترض ارتكاب هذه الأفعال بنيّة تمييزية.
وجدت "هيومن رايتس ووتش" أن مسؤولين إسرائيليين ارتكبوا الجريمتَيْن ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد. وجدنا أنّ عناصر الجريمتَيْن موجودة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفقا لسياسة حكومية إسرائيلية واحدة. تهدف هذه السياسة إلى إبقاء هيمنة اليهود الإسرائيليين على الفلسطينيين، والتمييز ضدّهم في جميع أنحاء إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلّة. استندت النتيجة المتعلقة بوجود الفصل العنصري إلى نيّة الهيمنة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى جانب القمع المنهجي للفلسطينيين والأعمال اللاإنسانية المرتكبة ضدّهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. تشمل هذه الأفعال فرض قيود مشددة على تنقلاتهم؛ ومصادرة الأراضي على نطاق واسع؛ وفرض ظروف قاسية دفعت آلاف الفلسطينيين إلى مغادرة منازلهم في أوضاع ترقى إلى الترحيل أو النقل القسري؛ وحرمان مئات آلاف الفلسطينيين وأقاربهم من حقوق الإقامة؛ وتعليق الحقوق المدنية الأساسية لملايين الفلسطينيين. أما النتيجة المتعلقة بالاضطهاد، فاستندت إلى مجموعة عوامل مماثلة، شملت النيّة التمييزية في معاملة إسرائيل للفلسطينيين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة والانتهاكات الخطيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
نظرنا في السياسات والممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل، وقارنّاها بمعاملة اليهود الإسرائيليين الذين يعيشون في المناطق نفسها. يستند التقرير إلى سنوات من البحث والتوثيق من قبل هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية أخرى، بما في ذلك العمل الميداني الذي أجري في سياق هذا التقرير. راجعت هيومن رايتس ووتش قوانين إسرائيلية، ووثائق تخطيط حكومية، وتصريحات مسؤولين، وسجلات الأراضي. ثمّ حلّلنا هذه الأدلة في ضوء المعايير القانونية لجريمتَيْ الفصل العنصري والاضطهاد. راسلت هيومن رايتس ووتش أيضا الحكومة الإسرائيلية في يوليو/تموز 2020، ملتمسة وجهات نظرها بشأن المسائل المُستعرَضة، لكنها لم تتلقَ ردّا حتى تاريخ نشر هذا التقرير.
على الحكومة الإسرائيلية التوقف عن ارتكاب جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد، وتفكيك جميع أشكال القمع والتمييز التي تمنح امتيازا لليهود الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين، بما في ذلك المجالات المتعلقة بإجراءات المواطنة والجنسية، وحرية التنقل، وتوزيع الأراضي والموارد، والحصول على الماء والكهرباء والخدمات الأخرى، وتراخيص البناء.
يتعيّن على حكومات الدول الأخرى أن تعبّر علنا عن قلقها إزاء ارتكاب السلطات الإسرائيلية الجريمتَيْن ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد، وأن تطبّق إجراءات المحاسبة التي يستدعيها وضعٌ بهذه الخطورة. ينبغي على الدول إنشاء لجنة تحقيق أمميّة للتحقيق في التمييز والقمع المنهجيَيْن على أساس الهويّة الجماعية في الضفة الغربية وإسرائيل، وتعيين مبعوث عالمي للأمم المتحدة يُعنى بجريمتَيْ الاضطهاد والفصل العنصري، مع تفويضه بحشد عمل دولي للقضاء عليهما حول العالم. عليها أيضا التحقيق مع الضالعين بشكل موثوق في هاتين الجريمتين ومحاكمتهم، بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية والقوانين الوطنية، وفرض عقوبات فردية تشمل حظر السفر وتجميد الأصول بحق المسؤولين الضالعين في استمرار ارتكاب هاتين الجريمتين الخطيرتين. عليها فرض شروط تربط بيع الأسلحة والمساعدات العسكرية والأمنية لإسرائيل باتخاذ السلطات الإسرائيلية خطوات ملموسة يُمكن التحقق منها، للقضاء على جريمتَيْ الفصل العنصري والاضطهاد. عليها التدقيق في الاتفاقيات، وخطط التعاون، وجميع أشكال التجارة والتعاملات مع إسرائيل لتحديد المساهمين المباشرين في ارتكاب الجريمتَيْن ضدّ الفلسطينيين، والتخفيف من آثارهما على حقوق الإنسان. عندما يتعذر ذلك، عليها وقف الأنشطة والتمويلات التي يثبت أنها تسهّل هاتين الجريمتين الخطيرتين.
لا شكّ أنّ الفلسطينيين داخل الخط الأخضر لديهم حقوق أكثر. تشكل هذه الحقوق فارقا مهما بين محنة الفلسطينيين في إسرائيل ومحنتهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة. حتى داخل إسرائيل، يواجه الفلسطينيون تمييزا منهجيا، يشمل المساكن المتاحة لهم، وجودة المدارس التي يرتادونها، ما يعكس نيّة السلطات الإسرائيلية الإبقاء على هيمنة اليهود الإسرائيليين على الفلسطينيين. لكن جريمة الفصل العنصري تتطلب حدا أعلى من القمع، وهو ما توصلت إليه هيومن رايتس ووتش في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.
وجدنا أنّ العناصر الثلاثة لجريمة الفصل العنصري تجتمع في الأراضي المحتلة. تهدف هذه السياسة إلى إبقاء هيمنة اليهود الإسرائيليين على الفلسطينيين من نهر الأردن إلى البحر المتوسط. في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تقترن هذه النية بقمع منهجي وأفعال لاإنسانية ترتكب ضد الفلسطينيين المقيمين هناك.
لا يذكر القانون الدولي تعريفا لدولة الفصل العنصري، لكنّه يحدّد جريمة الفصل العنصري التي يرتكبها أفراد. وجدت هيومن رايتس ووتش أن مسؤولين إسرائيليين ارتكبوا جريمة الفصل العنصري من خلال سياسات وأفعال محدّدة في بعض المناطق الخاضعة لسيطرتهم. على وجه الخصوص، وجدنا أنّ العناصر الثلاثة للجريمة متوفرة في الأراضي الفلسطينية، نتيجة سياسة واحدة للحكومة الإسرائيلية. تهدف هذه السياسة إلى الحفاظ على هيمنة اليهود الإسرائيليين على الفلسطينيين من النهر إلى البحر. في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تقترن هذه النية بقمع منهجي وأفعال لاإنسانية ترتكب ضد الفلسطينيين المقيمين هناك.
كلا، إذ أثّر النُفور من ممارسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا حتى بداية التسعينات حتما في رسم قرار المجتمع الدولي بشأن تعريف الفصل العنصري كجريمة ضدّ الإنسانية. لكن على مرّ السنين، فصل المجتمع الدولي مصطلح الفصل العنصري في القانون الدولي عن سياقه الأصلي في جنوب أفريقيا، وطوّر حظرا قانونيا عالميا على ممارسته. بغضّ النظر عن مكان ارتكابه، يشكّل الفصل العنصري جريمة ضدّ الإنسانية معرّفة في الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها لـ 1973 ونظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية لـ 1998، وصيغ هذا الأخير بعد انتهاء الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. خلُصت هيومن رايتس ووتش إلى أنّ مسؤولين إسرائيليين ارتكبوا جريمة الفصل العنصري بموجب المعايير القانونية المحددة في هذه الصكوك، وليس على أساس أي مقارنة بالوضع في جنوب أفريقيا.
يعطي القانون الدولي لحقوق الإنسان هامشا واسعا للحكومات في وضع سياسات الهجرة الخاصة بها. ليس هناك في القانون الدولي ما يمنع إسرائيل من تعزيز الهجرة اليهودية. يحقّ لليهود الإسرائيليين، الذين هاجر كثيرون منهم إلى فلسطين في عهد الانتداب، أو إلى إسرائيل في وقت لاحق هربا من الاضطهاد المعادي للسامية في أنحاء مختلفة من العالم، حماية سلامتهم وحقوقهم الأساسية. غير أن ذلك الهامش الواسع لا يعطي للدولة حق التمييز ضدّ الأشخاص الذين يعيشون أصلا هناك، بما في ذلك الحقوق المتعلقة بلمّ شمل العائلة، أو ضدّ الأشخاص الذين لديهم حق العودة إلى بلادهم. يحق للفلسطينيين أيضا حماية سلامتهم وحقوقهم الأساسية.
في القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، تمّ تفسير العرق والتمييز العرقي على نطاق واسع يتخطّى لون البشرة أو السمات الوراثية، ويشمل الفوارق على أساس النسب والأصل القومي أو العرقي، من بين فئات أخرى. تستخدم هيومن رايتس ووتش هذا التعريف الأوسع بدلا من التعامل مع العرق على أنه مكوّن من سمات وراثية فقط. يُبرز اعتماد نظام روما الأساسي، بعد انتهاء الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، أن مصطلح "الجماعة العرقية"، في هذا النظام على الأقل، يعكس مفهوما أوسع للعرق، ويُرجح أن تفسّره المحاكم على هذا النحو. على مدى العقدَيْن الأخيرَيْن، في سياقات متشابهة لكن منفصلة، قيّمت المحاكم الجنائية الدولية هويّات الجماعات بناءً على السياقات وصياغتها من قبل الفاعلين المحليين، على عكس المقاربات السابقة التي كانت تركّز على السمات الجسدية الوراثية، ما يعكس التطور المعاصر في العلوم الاجتماعية. بتطبيق هذه المعايير، وثقت هيومن رايتس ووتش كيف يُنظر إلى اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين في السياق المحلي على أنهم جزء من مجموعتَيْن بهويتَيْن منفصلتَيْن ضمن المفهوم الأوسع لـ "جماعتَيْن عرقيتَيْن" بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بينما تُعامل العديد من القوانين والأوامر العسكرية الإسرائيلية اليهود والفلسطينيين بشكل مختلف.
-
ألستم تتجاهلون أنّ إجراءات السلطات الإسرائيلية التقييدية التي تعتبرونها دليلا على الفصل العنصري والاضطهاد التخفيف من التهديدات الأمنية الحقيقية؟ عندما ينحسر التهديد، ستسمح السلطات بمزيد من الحريات.
-
تواجه السلطات الإسرائيلية تحديات أمنية مشروعة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلّة. غير أن القيود التي لا ترمي إلى تحقيق توازن بين حقوق الإنسان، مثل حرية التنقل، والمخاوف الأمنية المشروعة، مثل إجراء تقييمات أمنية فرديّة وليس منع جميع سكان غزة من المغادرة باستثناء قلة نادرة، تتجاوز بكثير ما يسمح به القانون الدولي. حتى عندما يكون الأمن جزءا من الدافع إلى اعتماد سياسة معينة، لا يمنح ذلك إسرائيل تفويضا مطلقا لانتهاك الحقوق بشكل جماعي. بعض السياسات، مثل "قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل" وتجميد سجل سكّان الأراضي الفلسطينية المحتلة، تتذرّع بالأمن لتعزيز أهداف هي بالأساس ديموغرافية. العديد من الانتهاكات، مثل الرفض القاطع لتصاريح البناء، والإلغاء الجماعي للإقامة أو تقييدها، ومصادرة الأراضي على نطاق واسع، ليست لديها أية مبررات أمنية مشروعة. وُضعت فقط لفرض أغلبية يهودية في إسرائيل وأجزاء من الضفة الغربية والإبقاء عليها لتعميق السيطرة اليهودية الإسرائيلية على الأرض في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. قد تكون المخاوف الأمنية المشروعة حاضرة في دوافع السياسات التي ترقى إلى الفصل العنصري، تماما كما قد تكون حاضرة في الدوافع وراء السياسات التي تسمح باستخدام القوة المفرطة أو التعذيب.
-
ألا يسمح قانون الاحتلال للجيش الإسرائيلي بقمع الحقوق المدنية والسياسية؟
بينما يسمح قانون الاحتلال للمحتلّ بتقييد بعض الحقوق المدنية والسياسية بناءً على مبررات أمنية محدودة، فإنّ التعليق الجماعي للحقوق الأساسية للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عقود، من دون نهاية في الأفق، يتجاوز بكثير ما يجيزه القانون الدولي. مع مرور الوقت، تتراجع صلاحية المحتلّ في تقييد الحقوق. ترقى القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على الحقوق المدنية للفلسطينيين إلى مستوى الإجراءات التي "يُقصد بها" منعهم من "المشاركة في الحياة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية"، وخلق "ظروف تحول دون النماء التام لهذه الفئة" من خلال حرمانهم من حقوقهم في حرية التعبير، والتجمع السلمي، وتكوين الجمعيات، والتي تم تحيددها على أنها أفعال لا إنسانية في الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها لـ 1973.
تمارس "السلطة الفلسطينية" و"حماس" وظائف الحكم المحلي في أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالتالي، فهي ملزمة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان باحترام الحقوق المدنية والسياسية وغيرها من الحقوق. وثقت هيومن رايتس ووتش على نطاق واسع تقاعسها عن ذلك لسنوات، بما فيه اعتقالاتها التعسفية المنهجية، وتعذيبها للمنتقدين والمعارضين. تسيطر إسرائيل حصريا على أكثر من 60% من الضفة الغربية، فضلا عن القدس الشرقية. في الجزء المتبقي من الضفة الغربية، حيث تمارس السلطة الفلسطينية الحكم في بعض المجالات، لا تزال الحكومة الإسرائيلية تسيطر على جوانب عديدة من حياة الفلسطينيين، بما فيها الحدود، والموارد الطبيعية، والمجال الجوّي، وحركة الناس والبضائع، والأمن، وسجلّ السكان.
رغم انسحاب القوّات البريّة الإسرائيلية، ما زالت إسرائيل قوّة احتلال في غزّة أيضا، لأنها تسيطر على حركة الأشخاص والبضائع، وسجلّ السكان، والضرائب، وتمويل الخدمات العامة، وغيرها من جوانب الحياة هناك. تُحدَّد الالتزامات بموجب القانون الإنساني الدولي بمدى ممارسة قوّة أجنبية ما سيطرتها على السكان الخاضعين للاحتلال، وفي غزّة، يتوفر الحد الأدنى للسيطرة اللازم لتفعيل الالتزامات بموجب قانون الاحتلال.
تستخدم السلطات الإسرائيلية سيطرتها لقمع الفلسطينيين بشكل منهجي، واستبعاد معظمهم من إبداء رأيهم في مجموعة واسعة من المسائل التي تؤثر بشكل كبير على حياتهم اليومية والمستقبلية. ارتكابُ السلطات الفلسطينية جرائم خطيرة لا يقلل من مسؤولية السلطات الإسرائيلية عن أفعالها.
تقيّم هيومن رايتس ووتش غزة انطلاقا من كونها جزء من وحدة إقليمية واحدة تشمل الضفة الغربية، علما أنّ المجتمع الدولي والحكومة الإسرائيلية اعترفا بذلك. لم يمثّل إجلاء الحكومة الإسرائيلية المستوطنين من غزة في 2005 خروجا عن هدف السيطرة الديموغرافية والسيطرة على الأرض في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إنما كانت تعدّل حساباتها في ضوء العدد الكبير من السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في منطقة صغيرة، وعبء توفير الأمن لمجموعة استيطانية يهودية صغيرة هناك. ركّز هذا التحوّل على تأمين أغلبية يهودية في إسرائيل والأجزاء المخصصة للاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أي مساحات كبيرة من الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وجدت هيومن رايتس ووتش أنّه، في الحالات النادرة التي تسمح فيها السلطات الإسرائيلية بتنقل الفلسطينيين بين الضفة الغربية وغزة، يكون التنقل في اتجاه واحد، أي نحو غزة، للضغط عليهم ليغادروا الضفة الغربية التي تطمع في تخصيص جزء كبير منها للمستوطنات اليهودية. يرسّخ التحكم في حركة سكان غزة سياسة الحكومة الإسرائيلية للحفاظ على أغلبية يهودية في بقية المناطق بين نهر الأردن والبحر المتوسط، حيث تميّز ضدّ الفلسطينيين بشكل منهجي.
عبّر عدد من المسؤولين الإسرائيليين بوضوح عن نيّة الحفاظ على هيمنة أبدية في الضفة الغربية، بغض النظر عن الترتيبات المعمول بها لحكم الفلسطينيين. امتدّ هذا الموقف من رئيس الوزراء الأسبق ليفي أشكول عن "حزب العمل الإسرائيلي"، الذي قال في يوليو/تموز 1967: "أرى فقط منطقة شبه مستقلة [للفلسطينيين] لأن الأمن والأرض بيد الإسرائيليين"، وصولا إلى نتنياهو عن "حزب الليكود"، الذي قال في يوليو/تموز 2019: "ستستمر القوات العسكرية والأمنية في حكم المنطقة بأكملها، حتى [نهر] الأردن". تطابقت أقوالهما بأفعال وسياسات تمعن في نقض المفهوم القائل إن السلطات الإسرائيلية تعتبر الاحتلال أمرا مؤقتا. تشمل هذه الأفعال والسياسات التوسع الاستيطاني الهائل، حيث يعيش أكثر من 660 ألف مستوطن إسرائيلي حاليا في الأراضي المحتلة؛ والاستمرار في مصادرة الأراضي؛ وبناء الجدار الفاصل داخل الضفة الغربية وليس على حدود 1967 لاستيعاب النمو المتوقع للمستوطنات؛ ودمج نظام الصرف الصحي للمستوطنات، وشبكات الاتصالات، والشبكات الكهربائية، والبنية التحتية للمياه، ومجموعة من الطرقات مع البنية التحتية داخل إسرائيل؛ وسنّ مجموعة متنامية من القوانين السارية على المستوطنين اليهود دون الفلسطينيين في الضفة الغربية. احتمال التوصّل إلى اتفاق بين زعيم إسرائيلي مستقبلي والفلسطينيين لتفكيك هذا النظام التمييزي وإنهاء القمع الممنهج لا يلغي نية المسؤولين الحاليين في الحفاظ على النظام الحالي، ولا الواقع الحالي القائم على الفصل العنصري والاضطهاد.
-
كيف تلومون إسرائيل على الفصل العنصري بينما رفض الفلسطينيون مقترحات حلّ الدولتين في كامب ديفيد وبعده؟
السلطات الإسرائيلية مسؤولة عن حماية حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال، والمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، بصرف النظر عن وضع المفاوضات السياسية أو نتيجتها ومَن المسؤول عن التقدم والجمود فيها. على السلطات الإسرائيلية الالتزام بقانون الاحتلال، الذي يحظر على قوة الاحتلال الاستيطان في الأراضي المحتلة والتعامل معها كأراضٍ تحت سيادتها، ويفرض حماية خاصة لسكان هذه الأراضي. طالما أنّ الحكومة الإسرائيلية مستمرة في ممارسة سيطرتها على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، عليها منحهم حماية كاملة للحقوق المكفولة للجميع، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، باستخدام الحقوق التي تمنحها للمواطنين الإسرائيليين كمعيار.
كلا، فالفصل العنصري جريمة تقوم على هيمنة مجموعة من الناس على مجموعة أخرى، بصرف النظر عما إذا كانت المجموعة المهيمنة تتمتع بسيادة رسمية في المنطقة. تقيّم هيومن رايتس ووتش الحكم الإسرائيلي داخل حدودها المعترف بها دوليا وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة – غزّة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية – لأن الحكومة الإسرائيلية تمارس سيطرة أساسية على هذه المناطق. غير أننا نؤكد على الأطر القانونية المختلفة السارية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، نظرا إلى اختلاف وضعَيْهما بموجب القانون الدولي، ونستعرض السياسات والممارسات المختلفة التي تتبعها السلطات الإسرائيلية في كل منطقة. لا تغيّر أي نتيجة بشأن وجود فصل عنصري أو اضطهاد الوضعَ القانوني لأي منطقة، حتى عندما تكون خارج حدود الدولة المرتكبة للجريمَتَيْن، ولا تنتقص من واقع الاحتلال. تدعو هيومن رايتس ووتش السلطات الإسرائيلية إلى الكف عن ارتكاب هاتين الجريمتين، وليس تبني حلّ سياسي معيّن. لا تمنع مناشدتنا للسلطات الإسرائيلية لإنهاء الفصل العنصري حلّ الدولة الواحدة، أو حلّ الدولتين، أو الكونفدرالية، أو أي ترتيب سياسي آخر. على السلطات الإسرائيلية الكف عن الفصل العنصري حالا، بصرف النظر عن الترتيبات السياسية القائمة اليوم أو مستقبلا.
يتخذ التمييز أشكالا متعددة حول العالم، ولكلّ شكل خصائصه. عندما يصل التمييز إلى مستوى عالٍ من القمع ويقترن بالعناصر الأخرى المذكورة في هذا التقرير، فقد يستوفي التعريف القانوني لجريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد كجريمتين ضدّ الإنسانية. في 2020، وجدت هيومن رايتس ووتش أن الانتهاكات التي ارتكبتها حكومة ميانمار ضدّ مسلمي الروهينغا ترقى إلى جريمتي الفصل العنصري والاضطهاد. توصلت هيومن رايتس ووتش أيضا إلى نتائج حول جرائم أخرى ضدّ الإنسانية، مثل القتل في إطار هجوم منهجي على المدنيين من قبل "داعش" في العراق؛ والتعذيب الواسع والمنهجي والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر؛ والهجمات المنهجية على المدنيين في جمهورية أفريقيا الوسطى. توصلنا إلى حصول إبادة جماعية في حالات مختلفة: في حملة الأنفال التي شنتها الحكومة العراقية ضدّ الأكراد؛ وقتل السكان التوتسي على يد حكومة رواندا السابقة؛ وقتل مسلمي سريبرينيتشا من قبل قوات صرب البوسنة. في هذه الحالات وغيرها، طالبنا بمحاسبة الضالعين بشكل موثوق في الجرائم.
تفتخر هيومن رايتس ووتش بالعمل مع منظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية، مثل مؤسسة الحق، و"المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان"، وبتسيلم، وييش دين، وغيرها التي جزمت بوجود الفصل العنصري والاضطهاد. عملت هذه المنظمات في الميدان لسنوات، وتثري أبحاثها وتحليلاتها عمل هيومن رايتس ووتش. قيّمت كل منظمة هذه المسائل بشكل مستقل، بما يتناسب مع اختصاصها وخبراتها، أي أن نتائجنا قد تختلف في بعض النقاط، وتلتقي في أخرى. قيّمنا حكم إسرائيل في كافة أنحاء المنطقة التي تسيطر عليها، مع إبراز الاختلافات القانونية وتلك المتعلقة بالوقائع الأساسية بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.
نعم، فتح مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في 3 مارس/آذار 2021 تحقيقا في الجرائم الخطيرة المزعومة المرتكبة في فلسطين (الأراضي الفلسطينية المحتلة) منذ 13 يونيو/حزيران 2014. وسط تقاعس السلطات الإسرائيلية لعقود طويلة عن وقف الانتهاكات الخطيرة كما هو موثق في تقريرنا، تدعو هيومن رايتس ووتش مكتب المدعية العامة إلى التحقيق مع الأفراد الضالعين بشكل موثوق في الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد، ومحاكمتهم كجزء من التحقيق الشامل.
على السلطات القضائية الوطنية في البلدان الأخرى التحقيق مع الأفراد الضالعين بشكل موثوق في هاتين الجريمتين ومحاكمتهم بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، وبما يتماشى مع قوانينها الوطنية.
وجدت هيومن رايتس ووتش أدلّة قويّة على ارتكاب جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد، لكننا لم نتعمق في المسؤولية الجنائية المحتملة لأفراد معينين. على المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فعل ذلك كجزء من تحقيق مكتبها، وعلى السلطات القضائية الوطنية في البلدان الأخرى تطبيق ذلك بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، وبما يتماشى مع قوانينها المحلية.
لا تتخذ هيومن رايتس ووتش موقفا مساندا أو معارضا للدعوات الصادرة عن بعض المجموعات للمستهلكين، والأفراد، والمؤسسات بمقاطعة إسرائيل، أو الإسرائيليين، أو الكيانات الإسرائيلية، أو غيرها، وتكتفي بالدفاع عن حق الأشخاص في المقاطعة كشكل من أشكال التعبير السلمي. دعت هذه المجموعات إلى المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات للضغط على إسرائيل لتنهي احتلالها العسكري، ولتحقيق أهداف أخرى. في المقابل، لا تقدّم هيومن رايتس ووتش أي توصيات إلى الأفراد، وتقتصر مطالبها (غير تلك الموجهة إلى الحكومات) على الشركات، وهي أضيق بكثير من أهداف حملة المقاطعة. تطلب منها فقط وقف الأنشطة التي تساهم مباشرة في جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد المرتكبتين ضدّ الإنسانية، والتوقف عن تأمين السلع والخدمات التي يُرجّح أن تسهم في هذه الجرائم، بما يتماشى مع مسؤوليات الشركات بموجب "مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان" لتجنب التواطؤ في الانتهاكات الحقوقية الخطيرة. ينبغي أن يدفع ارتكاب الجرائم ضدّ الإنسانية الشركات العاملة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة إلى تدقيق شديد في أنشطتها هناك، تعتمد نتائجه على نوع العمل، والتفاعلات بين الأنشطة وجريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد، والخيارات المتاحة لتخفيف الضرر أو إصلاحه، وآثار وقف النشاط التجاري أو تقليصه.
لا تتسرّع هيومن رايتس ووتش في التوصّل إلى مواقف جازمة بوجود جرائم ضدّ الإنسانية، إذ أنها من أخطر الجرائم بموجب القانون الدولي. نية الهيمنة هي من العناصر الضرورية في الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري. على مدى عقود، أصرّت السلطات الإسرائيلية على أن الوضع الراهن، لا سيما في الأراضي المحتلة، "مؤقت" وناتج عن تعثر "عملية السلام". لكن تصريحات السلطات الإسرائيلية وأفعالها في السنوات الأخيرة، بما فيها التوسع المستمر للمستوطنات المخصصة للإسرائيليين دون سواهم في الضفة الغربية، وسن "قانون الدولة القومية لليهود"، والإعلان عن نية ضمّ أجزاء إضافية من الضفة الغربية رسميا أوضحت نيتها الحفاظ على هيمنة اليهود الإسرائيليين على الفلسطينيين في المستقبل المنظور، إن لم يكن بشكل دائم. بناءً على كل هذه الحقائق، توصلت هيومن رايتس ووتش إلى أنّ خطورة وطبيعة سلوكيات معيّنة للسلطات الإسرائيلية تخطّت الحد، وترقى إلى جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد. إضافة إلى ذلك، نتيجة انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية في 2015، بات للمحكمة ولاية قضائية للنظر في الجرائم ضدّ الإنسانية في غزة والضفة الغربية.
لا نمتنع عن رصد الانتهاكات الحقوقية بسبب التكهن بالعواقب السياسية. على أية حال، فإن اكتشاف جرائم ضدّ الإنسانية ينبغي أن يدفع المجتمع الدولي إلى إعادة تقييم نهجه في إسرائيل وفلسطين. نموذج تسوية النزاعات، الذي لطالما وجّه نهج المجتمع الدولي في إسرائيل وفلسطين، يستخف بخطورة انتهاكات حقوق الإنسان بالتعامل معها كمشاكل مؤقتة ستعالجها المفاوضات السياسية قريبا، ما أجهض الجهود المبذولة للضغط من خلال هذا النوع من الأدوات الحقوقية وإجراءات المحاسبة التي يستدعيها الآن وضعٌ بهذه الخطورة. على المجتمع الدولي التوقف عن تقييم الوضع من منطلق ما قد يحدث إذا تقدّمت المفاوضات السياسية، والاعتراف بالواقع التمييزي الراسخ للحكم الإسرائيلي الحالي، والذي يرقى إلى جريمتَي الفصل العنصري أو الاضطهاد، والتصدي لهما كما يتصدّى لاستمرار أي جريمة ضدّ الإنسانية.