خلال حملته الانتخابية وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من توليه منصبه، وعد الرئيس بايدن بعودة الولايات المتحدة إلى سياسة خارجية متعددة الأطراف تدعم حقوق الإنسان. هذه رؤية مهمة للشرق الأوسط، وهي منطقة غالبا ما يزعزعها الاستبداد والفساد وموجات النضال من أجل حماية أفضل لحقوق الإنسان. ستضع هذه المنطقة رغبة الإدارة على المحك في إعادة تعريف حقوق الإنسان كواحدة من المصالح الأمريكية.
كانت بداية الرئيس معتدلة. سرعان ما بدأ في تصحيح المسار لبعض الأضرار التي حدثت خلال الإدارة السابقة. تراجعت وزارة الخارجية الأمريكية عن قرار الرئيس ترامب في أواخر عهده بتصنيف جماعة الحوثي المتمردة في اليمن منظمة إرهابية. هذا التصنيف، الذي انتقده العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية، كان تهديدا خطيرا للمساعدات الإنسانية لليمن حيث خلّفت ست سنوات من الصراع "5 ملايين شخص على حافة المجاعة" بحسب الأمم المتحدة.
علّقت الولايات المتحدة مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لدورهما في هذا الصراع المزعزع للاستقرار. ورفعت السرية عن تقرير استخباراتي حول جريمة قتل جمال خاشقجي، الصحفي السعودي المقيم في الولايات المتحدة والذي قُتل بوحشية في قنصلية سعودية عام 2018.
تُظهر هذه الإجراءات استعدادا لإدماج قضايا حقوق الإنسان في عملية صنع القرار. لكن حقوق الإنسان بعيدة كل البعد عن كونها مبدأ تنظيميا مركزيا للسياسة الخارجية الأمريكية، على الأقل حتى الآن.
أخطرت وزارة الخارجية الأمريكية الكونغرس بصفقة كبيرة أسلحة لمصر في نفس الأسبوع الذي احتجزت فيه مصر ناشط حقوقي مصري أمريكي وعائلته. رفض الرئيس بايدن معاقبة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عندما أظهر تقرير الاستخبارات الأمريكية بوضوح أن بن سلمان "وافق" على قيام موظفين حكوميين بقتل خاشقجي.
في 2 أبريل/نيسان، رفعت الإدارة الأمريكية العقوبات المفروضة في عهد ترامب على المدعية العامة لـ"المحكمة الجنائية الدولية" ومسؤول كبير آخر في مكتب المدعية العامة، حيث كانت تشكّل تلك العقوبات عقبة كبيرة أمام قدرة المحكمة على تنفيذ ولايتها الهامة. كانت إدارة ترامب قد فرضت هذه العقوبات لإفشال التحقيقات في أفغانستان وفلسطين. على الرغم من إلغاء الأمر التنفيذي الذي سمح بالعقوبات، أوضحت إدارة بايدن أنها لا تزال تعارض "إجراءات المحكمة الجنائية الدولية" فيما يتعلق بأفغانستان وفلسطين. فتحت المدعية العامة للمحكمة مؤخرا تحقيقا رسميا في الوضع في فلسطين، والذي يمكن أن يوفر مسارا طال انتظاره لتحقيق العدالة للضحايا.
لن يكون تغيير المسار بشأن بعض الأفكار الراسخة والتي شكّلت وجهات نظر العديد من المسؤولين المتنفذين و كبار السياسيين حول السياسة الخارجية الأمريكية لسنوات طويلة أمرا سهلا. مع ذلك، للبدء في معالجة الأزمات في المنطقة، سيكون من الأهمية بمكان أن يوضح الرئيس عبر مختلف الجهات الحكومية أن مخاوف حقوق الإنسان ستُعالَج بشكل متّسق وستؤخَذ في الاعتبار على قدم المساواة مع المصالح الأمريكية الأخرى. يمكن أن يساعد وضع مبدأين عريضين في الاعتبار على ربط الرؤية بالواقع. أولا، يجب إنهاء دور الولايات المتحدة في تأجيج الانتهاكات الجسيمة في مناطق الصراع في الشرق الأوسط بشكل نهائي. ثانيا، يجب دعم الحيّز المدني وحرية التعبير والتجمع في جميع أنحاء المنطقة بشكل قوي وبدون استحياء.
عند التراجع عن تمكين انتهاكات حقوق الإنسان، يجب على الولايات المتحدة ألا تقوم بتزويد الأسلحة التي ستُستخدم لارتكاب جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة. بالنظر إلى مستوى الانتهاكات التي ارتكبتها القوات المسلحة الإماراتية والسعودية في اليمن على مر السنين، ينبغي على الولايات المتحدة أن تفرض حظرا على توريد الأسلحة إلى هاتين الدولتين إلى أن تتحقق من أنهما توقفتا عن ارتكاب تلك الانتهاكات من خلال التحقيق في انتهاكاتهما المنهجية لحقوق الإنسان.
بخلاف الصراع العنيف، تعاني الشعوب في الشرق الأوسط من مجموعة من القيود الحقوقية ولديهم حيّز مدني محدود لتغيير الوضع الراهن. محاكمة وسجن النشطاء بسبب المعارضة السلمية هي من أكثر الانتهاكات شيوعا. يعتبر السجن بسبب المعارضة أمرا شائعا.
في السعودية، ومصر، وإيران، والإمارات والبحرين. ، تشهد المحاكم في جميع أنحاء المنطقة قصورا فادحا في الامتثال لمعايير المحاكمات العادلة، وهناك سُبُل انتصاف محدودة، إن وجدت، عن الانتهاكات التي يواجهها الأشخاص في النظم القضائية المحلية.
تواجه النساء في جميع أنحاء المنطقة اللواتي يحاولن تغيير القوانين والممارسات التي تحد من قدراتهن، من المضايقات والترهيب والاعتقال. لدى معظم دول المنطقة قوانين أحوال شخصية تمييزية لا تمنح المرأة حقوقا متساوية مع الرجل في الزواج، والطلاق، وحضانة الأطفال، والميراث إلى جانب الحواجز الأخرى القائمة أمام المشاركة الكاملة والمتساوية في المجتمع. ينطبق الشيء نفسه على الأقليات العرقية والدينية وكذلك مجتمع الميم في جميع أنحاء دول الشرق الأوسط.
هذه كلها قضايا يجب على الولايات المتحدة أخذها في الاعتبار عند التعامل مع الشركاء في الشرق الأوسط. سيكون الدعم الأمريكي قويا للناشطين في جهودهم الشاقة والمليئة بالمخاطر للحد من هذه الممارسات التعسفية. يمكن للولايات المتحدة أن تبدأ بإعطاء الأولوية لحماية الحيّز المدني في جميع أنحاء المنطقة. على سبيل المثال، يمكن للولايات المتحدة ويجب عليها محاسبة المسؤولين الحكوميين وغيرهم ممن يهددون أو يحاكِمون أو يؤذون المدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم من النشطاء السلميين في جميع أنحاء المنطقة، باستخدام أدوات مثل السياسة المعروفة بـ"حظر خاشقجي" وعقوبات "ماغنيتسكي" العالمية (على عكس العقوبات القطاعية الواسعة التي تضر الناس في المنطقة).
يمكن للولايات المتحدة أيضا المساعدة في كسر عزلة المجتمع المدني في جميع أنحاء المنطقة من خلال دعم التعاون الإقليمي والتضامن بين أولئك الذين يعملون في قضايا حقوقية مماثلة. قد يحدث هذا بمشاركة الولايات المتحدة غير المباشرة، مثل دعم المشاركات الأكاديمية وفضاءات الاجتماع.
ولكن، يجب على الولايات المتحدة كحد أدنى أن تنتقل من التركيز الأحادي على دعم المجتمع المدني في البلدان التي لديها علاقة عدائية مع الولايات المتحدة مثل إيران إلى تشجيع التخطيط لتمكين المجتمع المدني على النطاق الإقليمي. يمكن أيضا تمكين أولئك الذين يعملون على الأرض في هذه البيئات الصعبة للغاية للضغط من أجل تحسين الحقوق في بلادهم حتى يطوروا مبادرات تسعى إلى التغلب على التوترات الإقليمية الحالية.