(نيروبي) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنه ينبغي للمانحين والشركاء الأجانب حثّ السودان على إعطاء الأولوية للعدالة والإصلاحات القانونية والمؤسسية، حتى في الوقت الذي يركزون فيه على المخاوف الاقتصادية الملحة للبلاد. في 25 يونيو/حزيران 2020، ستعقد مجموعة من الحكومات والمنظمات المتعددة الأطراف، المعروفة باسم "أصدقاء السودان"، مؤتمر شراكة في برلين بألمانيا لمناقشة الدعم الاقتصادي للبلاد.
قالت جيهان هنري، مديرة قسم شرق أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "بعد عام تقريبا على المرحلة الانتقالية في السودان، لم نشهد سوى تقدم ضئيل جدا بشأن العدالة والإصلاحات الرئيسية. ينبغي لقادة السودان وشركائه الدوليين استخدام المؤتمر القادم للتخطيط للتقدم على عدة جبهات في آن واحد، بحيث يصحح الانتقال مسار الحكم والحقوق في البلاد".
تهدف مجموعة أصدقاء السودان، التي تضم الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإثيوبيا والسعودية والإمارات ومصر، إلى دعم التحول الديمقراطي والإصلاحات الاقتصادية المنصوص عليها في الدستور الانتقالي للسودان. قالت هيومن رايتس ووتش إن تقديم الدعم العاجل لإنقاذ الاقتصاد السوداني المتعثر أمر هام جدا، إلا أن المؤتمر يمثل فرصة للانخراط في أهداف الإصلاح والعدالة في السودان بطريقة شاملة وبناءة.
قبل اجتماع برلين، أصدرت هيومن رايتس ووتش وثيقة أسئلة وأجوبة حول خيارات السودان لتعزيز العدالة في الجرائم الدولية الخطيرة. أوضحت هيومن رايتس ووتش أهمية العدالة في جرائم الماضي وضرورة الإصلاح في القانون والممارسات السودانية التي تعوق محاسبة المسؤولين. تحثّ المنظمة الجهات المانحة على مناقشة الخبرات والمساعدة، التي قد تكون متاحة لدعم جهود السودان من أجل محاسبة المسؤولين عن الجرائم السابقة المرتكبة في جميع أنحاء البلاد، والضغط على السلطات السودانية للانخراط مباشرة مع "المحكمة الجنائية الدولية" دون تأخير لمناقشة خطوات محددة نحو التقدم في ملاحقة قضايا دارفور في المحكمة.
أطيح بالرئيس السوداني عمر البشر، الذي حكم 30 عاما، في أبريل/نيسان 2019 بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية في جميع أنحاء السودان، التي فرقتها قوات الأمن الحكومية بعنف، فقتلت المئات. تولى السلطة مجلس عسكري انتقالي، وخلال أشهر من المفاوضات مع المجموعات المدنية، قمعت قوات المجلس المتظاهرين بعنف، وقتلت أكثر من 120 في الخرطوم في 3 يونيو/حزيران والأيام التالية.
في أغسطس/آب، وعقب اتفاق لتقاسم السلطة بين المجلس العسكري والجماعات المدنية، شكّل القادة السودانيون حكومة انتقالية يرأسها "مجلس سيادي" يتألف من 11 عضوا ورئيس وزراء. ستحكم الحكومة الانتقالية البلاد لمدة ثلاث سنوات، تليها انتخابات. لأول 21 شهرا، سيحكم العسكريون في مجلس السيادة، ثم يتسلم الحكم المدنيون 18 شهرا.
الرئيس الحالي هو اللواء عبد الفتاح البرهان. نائبه هو محمد حمدان دقلو )حميدتي(، قائد "قوات الدعم السريع" شبه العسكرية. تورط حميدتي في جرائم حرب وجرائم محتملة ضد الإنسانية بسبب الهجمات على المدنيين في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، ومؤخرا في هجوم 3 يونيو/حزيران على المتظاهرين في الخرطوم.
منذ أن أدت الحكومة الانتقالية اليمين الدستورية، لم يُحرز تقدم يُذكر في المساءلة خلال أشهر القمع ضد المتظاهرين. ولم تصدر لجنة وطنية للتحقيق في أحداث العنف في 3 يونيو/حزيران، والمعينة في سبتمبر/أيلول، تقريرها النهائي بعد. ينبغي للسلطات ضمان تمتع النائب العام بدعم سياسي وما يكفي من موارد ودعم تقني لمتابعة عمل لجنة 3 يونيو/حزيران. قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي أن تتمكن النيابة العامة من التحقيق مع الأعضاء الكبار في سلسلة القيادة والضالعين بالمسؤولية الأكبر عن التخطيط لعملية التفريق والأمر بتنفيذها.
أشارت النيابة العامة إلى أنها تحقق أيضا في جرائم سابقة أخرى، بما فيها قتل المتظاهرين؛ وانتهاكات الحكومة السابقة منذ 1989؛ والجرائم المتعلقة بالفساد؛ وانتهاكات محددة لحقوق الإنسان في الماضي؛ والجرائم في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق. في محادثات السلام بين الحكومة والجماعات المتمردة من هذه المناطق، أعلن أحد أعضاء فريق التفاوض الحكومي، وهو أيضا عضو في المجلس السيادي، في فبراير/شباط أن الطرفين اتفقا على آليات العدالة لجرائم دارفور، وأن الحكومة ستتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقها حول دارفور.
في 9 يونيو/حزيران، سلّم أحد المشتبه بهم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهو زعيم إحدى الميليشيات في دارفور علي كوشيب. هذا تطور مفصلي لضحايا الفظائع التي ارتُكبت في دارفور بدعم من الحكومة. يُحتجز مشتبه بهم آخرون، بينهم البشير، في الخرطوم.
في وثيقة الأسئلة والأجوبة، توصي هيومن رايتس ووتش السلطات السودانية ببدء مناقشات مع المحكمة الجنائية الدولية بشأن التعاون، بما فيه تقديم المشتبه بهم لاحتجازهم من قبل المحكمة. ينبغي للسلطات السودانية أيضا تشكيل مجموعة عمل لوضع استراتيجية للمساءلة الجنائية عن أخطر الانتهاكات الماضية، وتعديل القانون المحلي لتعزيز المحاكمات ذات المصداقية. ينبغي أن تتضمن التنقيحات دمج مسؤولية القيادة كشكل من أشكال المسؤولية الجنائية، ورفع الحصانات القانونية التي تحمي المسؤولين من المقاضاة.
تدعو الوثيقة الدستورية السودانية إلى مجموعة من الإصلاحات القانونية والمؤسسية واسعة النطاق التي لم تتحقق. لم تعيّن السلطات المجلس التشريعي الانتقالي أو الولاة، ولم تشكل لجانا ضرورية بشأن حقوق الإنسان، والعدالة الانتقالية، والإصلاح القضائي، وإصلاح القانون. قالت هيومن رايتس ووتش إن هذا التأخير يعيق جهود الإصلاح المنظمة، ويقوّض أكثر الانتقال إلى الحكم المدني والتغييرات الأخرى المأمولة.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه لكي يترسخ الانتقال، هناك حاجة ملحة أيضا إلى خطة شاملة لإصلاح الجيش، وقوات الدعم السريع، والشرطة، والقوات الرديفة، و"جهاز الأمن والمخابرات الوطني" ذي الأذرع الممتدة (الذي أعيدت تسميته بـ "المخابرات العامة"، لكنه ما يزال يعمل). يجب أن تشمل الإصلاحات إنشاء أنظمة مساءلة ضمن القوات ووضعها تحت إشراف مدني. ينبغي للسلطات أيضا التحقيق في الصلات المزعومة بين قوات الأمن وشبكة من الشركات المملوكة للدولة التي تسيطر عليها الأجهزة العسكرية والأمنية، والتي كانت موضوع تقارير مختلفة. يُزعم أن بعضها موّل قوات الدعم السريع حتى وهي ترتكب انتهاكات ضد المدنيين.
قالت هنري: "مجرد كون الإصلاحات طموحة وطويلة الأمد لا يعني أنه يجب تأجيلها أكثر. ينبغي للسلطات تنفيذ التزاماتها بالعدالة والإصلاح بدعم كامل من الشركاء للمساعدة في هذا الانتقال. ينبغي ألا تبدَّد هذه الفرصة الفريدة لجعل حقوق الإنسان والعدالة حقيقة للشعب السوداني".