ملخص
"كان إطلاق النار محدّد الهدف ومتعمدا بوضوح؛ وجّهوا أسلحتهم نحونا... كانوا يصرخون طوال الوقت ’اقتلوهم، اقتلوهم‘. رأيت العديد من الجثث المُصابة بالرصاص أثناء هربي".
"أمير"، شاهد على التفريق العنيف للمتظاهرين في 3 يونيو/حزيران. الخرطوم، أغسطس/آب 2019.
كانت الساعات الأولى من يوم الإثنين 3 يونيو/حزيران 2019، عشية آخر أيام رمضان، مظلمة وماطرة. المتظاهرون السودانيون - الذين أطاحت مظاهراتهم على مدى أشهر بالرئيس عمر البشير الذي حكم البلاد لمدة 30 عاما في 11 أبريل/نيسان - كانوا لا يزالون معتصمين قرب مقر القيادة العامة للجيش، رغم الشائعات بأن الحكومة كانت على وشك فضّ اعتصامهم. بقي المتظاهرون في الشوارع حتى بعد تنحي البشير، للاحتجاج على حكم "المجلس العسكري الانتقالي" الذي تولى السلطة والدعوة لتسليم الحكم إلى سلطة مدنية.
قبيل الفجر، حاصر منطقة الاعتصام عدد كبير من القوات الحكومية بما في ذلك "قوات الدعم السريع"، القوة شبه العسكرية التي تأسست في 2013 ونفذت حملات تعسفية لمكافحة التمرد في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. عقب محاولة أولى لرجال في زي الشرطة لإزاحة المتاريس، قال شهود إن قوات الدعم السريع أطلقت النار على متظاهرين عُزّل، فقتلت الكثيرين فورا. حاصر الجنود المعتصمين المحتجين وضربوهم، واعتدوا عليهم وأذلّوهم، وأحرقوا خيمهم، ونهبوا ممتلكاتهم ودمروها. كما اغتصبوا متظاهرات وارتكبوا أعمال عنف جنسي أخرى. بعد ثلاثة أيام، علّق "الاتحاد الأفريقي" عضوية السودان.
في ديسمبر/كانون الأوّل 2018، وبسبب ارتفاع الأسعار إثر تدابير تقشفية فرضها البشير، اندلعت احتجاجات عمّت البلاد في ديسمبر/كانون الأول 2018 خارج الخرطوم، في مدينة الدمازين الجنوبية في ولاية النيل الأزرق؛ وعطبرة في ولاية نهر النيل الشمالية الشرقية؛ والعُبيد في ولاية شمال كردفان المركزية؛ والقَضارف في الشرق. انضمت النساء، اللواتي تحدّين سياسات وممارسات السلطة الأبوية لحكومة البشير، إلى الاحتجاجات وشاركن في قيادتها. ينبغي فهم العنف الجنسي الذي تعرّضت بعضهنّ له في ضوء تاريخ استخدام قوات الأمن في السودان للعنف الجنسي لإسكات ناشطات حقوق المرأة.
منذ البداية في ديسمبر/كانون الأول، ردت قوات الأمن الحكومية، وخاصة "جهاز الأمن والمخابرات الوطني"، على المظاهرات بالقوة المفرطة، مستخدمة الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين العُزّل. احتجزت القوات آلاف المتظاهرين وقادة المعارضة والمنظمين والنشطاء، غالبا بالعنف، واعتقلت المئات لشهور دون تهم، وضربت الكثيرين واعتدت عليهم. كما فرضت رقابة على وسائل الإعلام عبر مصادرة الصحف، واعتقال الصحفيين، وحجب وسائل التواصل الاجتماعي، وإغلاق أو طرد وسائل الإعلام الأجنبية.
في 11 أبريل/نيسان، بعد حوالي أربعة أشهر من بدء الاحتجاجات، أعلن عوض بن عوف، النائب الأول للرئيس البشير وزير الدفاع، عبر التلفزيون الوطني، أن لجنة أمنية عليا تتألف من قادة الأمن والشرطة والقوات العسكرية، أطاحت بالبشير ونظامه، وأن البشير قد تنحى. جاء هذا الإعلان بعد أيام من اعتصام المتظاهرين حول مقر قيادة الجيش في الخرطوم، مطالبين باستقالة البشير، ومردّدين هتافات "تسقط بس".
بعد الإطاحة بالبشير، سيطر "المجلس العسكري الانتقالي" الذي يضم جنرالات من الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان على الحكومة، واختار محمد حمدان دقلو، المعروف بـ "حميدتي"، نائبا له. وجدت "هيومن رايتس ووتش" أن حميدتي، قائد قوات الدعم السريع، متورط في جرائم خطيرة ارتكبتها قواته ضد المدنيين في دارفور ومناطق أخرى - بما في ذلك الاغتصاب الجماعي وحرق القرى. بعد أبريل/نيسان، ازداد تواجد قوات الدعم السريع في الخرطوم وقادت معظم أعمال العنف اللاحقة ضد المتظاهرين.
استنادا إلى أبحاث ميدانية في الخرطوم بين 28 يوليو/تموز و11 أغسطس/آب، ومقابلات مع أكثر من 60 شخصا في الخرطوم وأم درمان، بينهم عائلات القتلى والنشطاء وموظفي منظمات المجتمع المدني ومقدمي الخدمات الطبية، يوثق هذا التقرير أعنف عمليات تفريق المتظاهرين، ومنها مهاجمة اعتصام 3 يونيو/حزيران عندما فتحت قوات الأمن بقيادة قوات الدعم السريع النار على متظاهرين عُزّل، فقتلت العشرات واغتصبت الناس وأصابت المئات وارتكبت انتهاكات خطيرة أخرى. يصف التقرير أيضا الهجمات اللاحقة على المتظاهرين، ومنها حملة قمع عنيفة أخرى في 30 يونيو/حزيران، عندما نظّم المتظاهرون مسيرة ضد عمليات القتل الواقعة في 3 يونيو وطالبوا مجددا بتسليم الحكم للمدنيين.
لم تتمكّن هيومن رايتس ووتش من التأكّد من إجمالي عدد القتلى خلال هجوم 3 يونيو/حزيران والأيام التالية. أوردت مجموعات مستقلّة من الأطباء تقديرات موثوقة عن قتل أكثر من 120 متظاهر بين 3 و18 يونيو/ حزيران وإصابة أكثر من 900، إصابة بعضهم خطيرة. أكدت المجموعات انتشال جثث من نهر النيل، منها جثتان مربوطتان بالطوب عليهما آثار طلقات نارية، مما يشير إلى احتمال إعدامهما. فُقد عشرات المتظاهرين بينما رُفض عدد القتلى الرسمي البالغ 87 على نطاق واسع باعتباره منخفضا للغاية.
أدانت الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية العنف، ودعت إلى تحقيقات نزيهة ومستقلة والمساءلة عن الانتهاكات الحقوقية الجسيمة على أيدي القوات المسلحة. أنكر المجلس العسكري الانتقالي بداية أنه هاجم الاعتصام وادّعى استهدافه فقط لمنطقة متاخمة لمنطقة للاعتصام زعم أنها تشهد "ممارسات غير قانونية" فيها. ثم أعرب المتحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي عن أسفه عن "الأخطاء" التي ارتكبها ضباط إبان محاولة فض الاعتصام.
سعت السلطات لمنع انتشار المعلومات المتعلقة بالعنف عبر تقييد وصول وسائل الإعلام الدولية إلى البلاد، وإيقاف خدمة الإنترنت بالكامل لأكثر من شهر ابتداء من 10 يونيو/حزيران. لكن، وفي غضون أسابيع، خرج المتظاهرون في العاصمة مجددا إلى الشوارع مطالبين بحكم مدني والعدالة لقتلى 3 يونيو/حزيران. في 30 يونيو/حزيران، استخدمت القوات الحكومية مجددا الذخيرة الحية لتفريق المظاهرات، ردا على "المسيرة المليونية" في أم درمان، مما أسفر عن مقتل عشرة أشخاص على الأقل.
في أوائل يوليو/تموز، وبعد مماطلة لأربعة أسابيع، استؤنفت المفاوضات السياسية، بين المجلس العسكري الانتقالي و"قوى إعلان الحرية والتغيير" المعارضة، وهي تحالف للأحزاب السياسية والجمعيات المهنية وجماعات المجتمع المدني. في 17 أغسطس/آب، وافق الطرفان، على حكومة انتقالية يرأسها مجلس سيادي يقوده الجيش لمدة 21 شهرا يليها 17 شهرا من القيادة المدنية. اتفقا على إجراء إصلاحات وضمان المساءلة عن الجرائم المرتكبة في ظل نظام البشير، وإجراء تحقيق وطني مستقل في أعمال العنف التي جرت في 3 يونيو/حزيران.
استخدام القوة المفرطة وغير المتناسبة لتفريق المظاهرات خلال حملات القمع المتكررة العنيفة، دون التأكد من أن العمليات الأمنية تشكل خطرا أدنى على الأرواح، كان محاولة متعمدة لترهيب الحركة وكسر عزيمة المتظاهرين، بحسب الكثيرين ممن قابلتهم هيومن رايتس ووتش. تضمنت هذه الإجراءات القمعية انتهاكات جسيمة للقانونين المحلي والدولي، بما فيه بعض الجرائم التي قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. كما انتهكت الإجراءات القمعية حريات التجمع والتعبير الأساسية، المكفولة بموجب دستور السودان والالتزامات الدولية التي تضمن للشعب السوداني الحق في التظاهر.
الانتهاكات وانعدام الشفافية والمساءلة من جانب السلطات أدّت بوضوح إلى تأجيج مطالبات المتظاهرين المستمرة بالعدالة. لا تزال عائلات "الشهداء" الذين قتلوا منذ ديسمبر/كانون الأول، وعائلات المفقودين تطالب بالعدالة عن الجرائم المرتكبة ضد أحبائهم.
المساءلة الحقيقية والهادفة أساسية لكي تبدأ عملية تغيير تاريخ السودان الطويل والراسخ من الإفلات من العقاب. سيتطلب ذلك عملية يمكنها بفعالية إثبات الوقائع وحفظ الأدلة والتحضير للملاحقات الجنائية في نظام مستقل فعليا. لن تتم هذه العملية دون عنصر دولي مهم، ألا هو مشاركة ودعم "الأمم المتحدة".
في 21 سبتمبر/أيلول، أعلن رئيس الوزراء تشكيل لجنة تحقيق وطنية، على النحو المتوخى في اتفاق 17 أغسطس/آب. يقتصر تفويض اللجنة على أحداث 3 يونيو/حزيران. في 21 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن رئيس الوزراء أسماء أعضاء اللجنة وسلطاتهم. أعربت المجموعات المعنية بشؤون الضحايا والجماعات الحقوقية عن قلقها إزاء عدم تمثيل النساء في اللجنة وإزاء استقلالية اللجنة لأن من بين الأعضاء ممثلين من وزارتي الداخلية والدفاع اللتين تشرفان على القوات المسؤولة عن الجرائم.
على السلطات مراجعة ولاية اللجنة أو إنشاء لجنة جديدة يمكنها التحقيق في جميع الاستخدامات غير القانونية للقوة والجرائم الأخرى ضد المتظاهرين منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، بما فيها العنف الجنسي، وأن تنص على إتاحة الأدلّة لجميع الهيئات المعنية لمتابعة المقاضاة. على المحققين التحقق من أدوار المجلس العسكري الانتقالي وجميع المتورطين في التخطيط لعملية 3 يونيو/حزيران، بمَن فيهم حميدتي، قائد قوات الدعم السريع.
يتعيّن على السلطات ضمان مشاركة جماعات المجتمع المدني وعائلات الضحايا وطلب الدعم من "الاتحاد الأفريقي" والأمم المتحدة. ينبغي أن يكون بين المحققين خبراء في توثيق العنف الجنسي بطريقة تتمحور حول الضحايا ومساعدتهم في الحصول على الخدمات ومنها الرعاية الصحية طويلة الأجل. ينبغي أن تتيح التحقيقات الإحالة إلى المساعدة الطبية وغيرها من الخدمات للضحايا وأن تشمل خبرة خاصة في مساعدة ضحايا الاغتصاب والاعتداء الجنسي.
ينبغي للحكومة السودانية الانتقالية التي لم تُعيِّن بعد مجلسها التشريعي، أن تبدأ عملية إصلاح ضرورية ترتكز إلى معايير واضحة. يتعيّن على المجلس السيادي والحكومة تشكيل اللجان المنصوص عليها في اتفاقية أغسطس/آب، وإعطاء الأولوية لتلك المتعلقة بالحقوق، وإصلاح القانون والعدالة الانتقالية، ومراجعة القوانين الوطنية الحالية لتتماشى مع المعايير الدولية. ينبغي للمجلس السيادي التصديق فورا على المعاهدات الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان كـ"اتفاقية مناهضة التعذيب" و"اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (سيداو) و"الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري". كما ينبغي للحكومة الآن أن تتعاون مع أوامر الاعتقال العالقة الصادرة عن "المحكمة الجنائية الدولية" ضد البشير والمشتبه بهم الآخرين.
التوصيات
إلى الحكومة الانتقالية
- على رئيس الوزراء مراجعة أداء لجنة التحقيق التي أنشأها في 21 سبتمبر/أيلول أو تشكيل لجنة جديدة مستقلة تتمتع بصلاحيات التحقيق في الانتهاكات ضد المتظاهرين المرتكبة منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، ومنها العنف الجنسي، والحرص على تمكين اللجنة من طلب وجمع وحفظ الأدلة التي يمكن استخدامها في المحكمة عبر الهيئات المختصة، وتخويل هذه الهيئات تنفيذ تدابير لحماية الضحايا والشهود.
- ضمان مشاركة عائلات الضحايا في تحقيق اللجنة، وخضوع التحقيق للتدقيق العام.
- طلب دعم الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في عمل اللجنة ليشمل خبراء في التحقيق في الجرائم ضد الإنسانية وحالات العنف الجنسي.
- إنشاء اللجان الانتقالية المنصوص عليها في اتفاق 17 أغسطس/آب والشروع في أجندة إصلاح شاملة تضمن إصلاح القوانين الوطنية بما يتماشى مع المعايير الدولية والمساءلة. التأكد من تمتُّع اللجان بولايات واستراتيجيات ومقاييس واضحة، ودعوة المجتمع المدني للمشاركة، وطلب الدعم الدولي.
- ضمان تمكين المجلس التشريعي، عند تشكيله، من رفع الحصانات عن أي مسؤول، حتى أعضاء المجلس السيادي على النحو المتوخى في اتفاق 17 أغسطس/آب.
- السماح بالوصول غير المُعرقل للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وجميع المنظمات الدولية الأخرى، منها "مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان"، لرصد حالة حقوق الإنسان باستمرار في البلاد.
- التحرك العاجل للتصديق على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية مناهضة التعذيب، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، و"نظام روما الأساسي" للمحكمة الجنائية الدولية.
- التعاون مع أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية عبر تسليم عمر البشير وأربعة آخرين من المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب - أحمد هارون، وعلي كوشيب، وعبد الله باندا، وعبد الرحيم محمد حسين، الملاحَقين لجرائم دولية في دارفور - إلى المحكمة.
إلى الاتحاد الأفريقي
- دعم جهود المساءلة المحلية في السودان بالضغط العلني للتحقيق في الانتهاكات ضد المتظاهرين منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، لتحديد المسؤولين عنها ومحاسبتهم ورصد أي جهود للمساءلة المحلية.
- تشجيع "اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب" على إنشاء بعثة لتقصي الحقائق في السودان لتقييم الانتهاكات ضد المتظاهرين منذ ديسمبر/كانون الأول 2018.
- رصد التقدم المحرز في السودان حيال الإصلاحات المنصوص عليها في اتفاق 17 أغسطس/آب، وإنشاء اللجان الرئيسية وتشكيل مجلس تشريعي وتعيين رئيس للنظام القضائي ونائب عام.
إلى "اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب"
- إنشاء بعثة لتقصي الحقائق في السودان لتقييم الانتهاكات ضد المتظاهرين منذ ديسمبر/كانون الأول 2018 وعمليات المساءلة المتعلقة بالانتهاكات.
- التعاون مع شركاء مثل "مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" لتوفير الدعم التقني للجنة التحقيق.
- حث السودان على تنفيذ رسائل اللجنة المعلقة والتعاون عن كثب مع هيئات المساءلة الإقليمية والدولية، منها "المحكمة الأفريقية" والمحكمة الجنائية الدولية، والتصديق على المعاهدات الرئيسية بما في ذلك نظام روما الأساسي.
إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان
- إنشاء مكتب مُفوَّض بالكامل في السودان، بموجب مذكرة التفاهم المبرمة في سبتمبر/أيلول مع الحكومة السودانية، على أن تشمل مهمته المراقبة والإبلاغ المنتظم عن تطورات حقوق الإنسان، بما في ذلك جهود المساءلة، مثل لجنة التحقيق التي أُنشئت في 21 سبتمبر/أيلول.
- دعم جهود التحقيق مع المسؤولين عن الانتهاكات ضد المتظاهرين منذ ديسمبر/كانون الأول 2018ـ ومساءلتهم جنائيا، والتحقيق في الانتهاكات السابقة التي ارتُكبت في عهد البشير، وذلك بالتعاون مع السلطات الوطنية.
- تقديم الدعم الفني لأجندة الإصلاح، بما فيه المساعدة في وضع خطط العمل ومعايير إلغاء واستبدال القوانين والإجراءات الوطنية التي تَنتهك القانون الدولي، والتصديق العاجل على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.
-
إلى "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" و"مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي"
- ضمان عدم تسليم "البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لعمليات السلام في دارفور " (اليوناميد) قبل خروجها المزمع عام 2020، للقواعد أو الأصول إلى قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، خصوصا في ضوء استمرار انتهاكاتها في دارفور ودورها في هجوم 3 يونيو/حزيران. الحفاظ على نهج مرن لانسحاب اليوناميد، لتكون العملية سلسة من دون خلق فراغ أمني، وتأخير الانسحاب عند الضرورة.
- تكليف عنصر قوي في مجال حقوق إنسان بالمهمة السياسية بعد انسحاب اليوناميد، شرط تعاونه عن كثب مع مفوّضية حقوق الإنسان لضمان رصد الانتهاكات الحقوقية في جميع أنحاء السودان والإبلاغ عنها.
إلى "الاتحاد الأوروبي" و"الترويكا" (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، النرويج) والحكومات المانحة الأخرى
- دعم جهود تعزيز آليات المساءلة من خلال مساندة الأمم المتحدة في توفير الخبراء وتقديم الدعم الفني للجنة التحقيق الوطنية المُعلن عنها في 21 سبتمبر/أيلول، للمحافظة على المعايير الدولية للتحقيقات.
- تشجيع السودان على الإسراع في تشكيل اللجان المنصوص عليها في اتفاق 17 أغسطس/آب، خصوصا المتعلقة بإصلاح القوانين والمساءلة وتشكيل المجلس التشريعي الانتقالي.
- إذا لم تتّخذ الحكومة الانتقالية خطوات مجدية نحو المساءلة الحقيقية، على الحكومات التي لديها أنظمة عقوبات أن تفكر في فرض عقوبات فردية على مَن ثبتت مسؤوليته عن الانتهاكات الحقوقية الجسيمة، منها على سبيل المثال لا الحصر، الجرائم المرتكبة في 3 يونيو/حزيران، رغم الحصانات التي قد يتمتع بها المسؤولون بموجب القانون السوداني الحالي.
- حث السودان على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية عبر تسليم البشير والهاربين الأربعة الآخرين إلى المحكمة.
المنهجية
يُركز هذا التقرير على هجوم 3 يونيو/حزيران على المتظاهرين في الخرطوم، وكان أعنف هجوم على المتظاهرين بعد عزل الرئيس عمر البشير في 11 أبريل/نيسان. كما يصف التقرير الهجمات التالية، منها هجوم 30 يونيو/حزيران بأم درمان. لكن لا يوثق جميع أحداث العنف التي وقعت منذ اندلاع المظاهرات في ديسمبر/كانون الأول 2018، أو بعد تشكيل الحكومة الانتقالية في 17 أغسطس/آب 2019، أو العنف ضد المتظاهرين خارج العاصمة.
لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد من إجمالي أعداد الخسائر البشرية، لكن وثق الباحثون تفاصيل بعض وقائع القتل التي نالت تغطية كبيرة، وجمعوا شهادات شهود موثوقة فيما يتعلق بحالات أخرى عديدة.
يستند التقرير إلى بحوث ميدانية أجريت في السودان من 28 يوليو/تموز إلى 11 أغسطس/آب، وبحوث أجريت من خارج السودان عبر مكالمات هاتفية مع شهود وضحايا في الخرطوم، فضلا عن أعمال رصد إعلامي وتحليل مقاطع فيديو وصور. وفي الخرطوم، قابل الباحثون أكثر من 60 شخصا منهم ضحايا وشهود لأعمال قمع المتظاهرين يومي 3 و30 يونيو/حزيران، ونشطاء، وأعضاء في نقابات مهنية، ومحللين سياسيين، وعاملين بمنظمات المجتمع المدني، منهم مقدمو الخدمات إلى ضحايا العنف.
أجرى الباحثون مقابلات مع الأفراد – وعادة ما كانت وجها لوجه وعلى انفراد – في أماكن خاصة، مثل البيوت والمكاتب، أو في أماكن عامة هادئة، بالإنغليزية والعربية، بموافقة من أجريت معهم المقابلات. تم إخطار جميع من أجريت معهم المقابلات بالغرض من المقابلة، وطبيعتها الطوعية، وأنهم لن يحصلوا على تعويض مالي، وكيف سيتم جمع المعلومات واستخدامها. ونظرا لتقلب الوضع في السودان، بدّلت هيومن رايتس ووتش بعض الأسماء بأسماء مستعارة، وحجبت معلومات تعريفية أخرى، لحماية من أجريت معهم المقابلات من الانتقام المحتمل.
جمع الباحثون وفحصوا مقاطع فيديو وصور نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وجاء بعضها من مصادر على الأرض، وراجعوا هذا المحتوى أثناء الحديث إلى الشهود للتأكد من أماكن العنف، بما يشمل حالات إطلاق الجنود الذخيرة الحية، واحتجاز المتظاهرين، والهجمات على المستشفيات والعيادات، في 3 و30 يونيو/حزيران. كما جمع الباحثون مقابلات سُجلت بالفيديو بعد تحصيل موافقة الضحايا والشهود التي قدموها إلى وسائل الإعلام وآخرين قاموا بتسجيلها بينهم مقدمو خدمات مساعدة قانونية، وذلك حال عدم التمكن من إجراء مقابلات وجها لوجه. وبعض مقاطع الفيديو المذكورة في هذا التقرير تحتوي على صور صادمة لأعمال عنف وإراقة دماء، ويجب توخي الحرص أثناء مشاهدتها.
في 17 سبتمبر/أيلول، شاركت هيومن رايتس ووتش ملخص نتائجها وبعض الأسئلة مع المسؤولين بمكتب رئيس الوزراء ووزارتي العدل والداخلية التماسا لرد من السلطات على الانتهاكات الموثقة في هذا التقرير. وحتى كتابة هذه السطور، كانت السلطات قد أقرت باستلام الرسالة لكن لم تقدم ردا رسميا.
خلفية
المظاهرات منذ ديسمبر/كانون الأول 2018
بدأت المظاهرات ضد ارتفاع أسعار الخبز في عدة مواقع أواسط ديسمبر/كانون الأول 2018، بما يشمل مدينة الدمازين الجنوبية بولاية النيل الأزرق، والأُبيض في شمال كردفان، وعطبرة في ولاية نهر النيل، والقضارف في شرق السودان، ومدن الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان. وردا على المظاهرات، أطلقت قوات الأمن الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع على المتظاهرين والمارة، فقتلت وأصابت العشرات، بحسب منظمات حقوقية وتقارير إعلامية.[1] أوقفت السلطات واحتجزت المتظاهرين والنشطاء والصحفيين، غالبا بشكل عنيف، وقيدت تغطية المظاهرات، إذ اعتقلت وضايقت الصحفيين، وصادرت الصحف، وحجبت منصات التواصل الاجتماعي. في 25 ديسمبر/كانون الأول، تاريخ خروج المظاهرات الحاشدة في مختلف أنحاء البلاد، طردت السلطات مراسلي "التلفزيون العربي"، وهي قناة عربية خاصة. تعرض العاملون بالمجال الطبي، وبينهم أطباء، للمضايقات والاحتجاز.[2] لعب الأطباء دورا هاما في الحركة الاحتجاجية.[3]
تشكّل "تجمع المهنيين السودانيين"، وهو ائتلاف من المنظمات المهنية والنقابية يضم أطباء ومهندسين وصحفيين، في 2016 وبرز في المطالبة بزيادة الحد الأدنى للأجور. سرعان ما أصبح رأس حربة الحركة الاحتجاجية.[4] عندما بدأت المظاهرات في ديسمبر/كانون الأول، وسّع تجمع المهنيين السودانيين نهجه ودعا المتظاهرين إلى المطالبة بتنحي البشير ونظامه. مع اكتساب المظاهرات الزخم، قامت مجموعات الأحياء المحلية المعروفة بـ "لجان المقاومة"، وقوامها بالأساس شباب المتظاهرين، بتنظيم المظاهرات بالأحياء المختلفة. من ثم أصبحت لجان المقاومة السودانية تحالفا وطنيا من المنظمات المحلية، له صفحة خاصة على فيسبوك.[5]
في 1 يناير/كانون الثاني 2019، وقّع تجمع المهنيين السودانيين ومجموعة من منظمات المجتمع المدني والمعارضة "إعلان الحرية والتغيير" الذي طالب بإنهاء حكم نظام البشير، وتشكيل حكومة وطنية انتقالية تتصدى للأسباب الجذرية للنزاعات في السودان، وتضمن الرفاه والتقدم لجميع السودانيين دون تمييز.[6]
استمرت المظاهرات في يناير/كانون الثاني مع خروج مسيرات شبه يومية وترديد شعارات "تسقط بسّ"، إذ طالب المتظاهرون في مختلف مدن السودان بخلع البشير. استمرت قوات الأمن في استخدام العنف وضرب المتظاهرين والمارة، وفض المظاهرات بالذخيرة الحية والغاز والرصاص المطاطي، ودهس المتظاهرين بالمركبات، ومهاجمة المرافق الطبية.[7] في 9 يناير/كانون الثاني، قتلت قوات الأمن ثلاثة أشخاص على الأقل وأصابت عدة أشخاص آخرين في أم درمان، ثاني أكبر مدن السودان، وأطلقت الرصاص والغاز المسيل للدموع على مستشفى أم درمان التعليمي.[8] بين أواخر ديسمبر/كانون الأول وأواسط مارس/آذار استهدفت قوات الأمن العاملين بالمجال الطبي ومرافق طبية وحاولت اعتقال متظاهرين مصابين. طبقا لـ "أطباء لأجل حقوق الإنسان"، من 19 ديسمبر/كانون الأول إلى 17 مارس/آذار، هاجمت القوات سبعة مراكز صحية، فأوقفت 136 عاملا بالرعاية الصحية، وأطلقت الغاز والرصاص على مستشفيات.[9]
أثناء تلك الفترة، قبضت قوات الأمن الوطني على مئات المتظاهرين والنشطاء وشخصيات المعارضة من مختلف أنحاء السودان، فعرّضت الكثير من المحتجزين للانتهاكات، ومنها التعذيب.[10] قال محتجزون للباحثين إنهم تعرضوا لظروف قاسية، مثل سوء التهوية، والتعرض لبرودة قارسة من مكيف الهواء في منشأة الخرطوم بحري التي وصفوها بأنها "الثلاجات"، فضلا عن الإجبار على البقاء في الخارج تحت الشمس لفترات طويلة، مع الحرمان من الرعاية الطبية.[11] قالت نساء أفرج عنهن من الخرطوم في مارس/آذار لـ هيومن رايتس ووتش إنهن تعرضن للضرب والملامسة والتهديد بالاغتصاب من قبل عناصر "الأمن الوطني".[12]
استمرت السلطات في خنق الإعلام، فحظرت توزيع بعض الصحف، ومنها "الجريدة" و"التيار" دون موافقة مسبقة من الأمن الوطني.[13] كما سحبت السلطات تصاريح العمل الخاصة بصحفيين أجانب، منهم من يعملون لصالح قناتي العربية والجزيرة، الذين قدموا تغطية حية ومنتظمة للمظاهرات.[14] (سُمح للإعلام الوطني والدولي باستئناف التغطية في أبريل/نيسان بعد عزل البشير مباشرة).
في 23 فبراير/شباط، أعلن البشير حالة الطوارئ، وحلّ الحكومة على المستويين الاتحادي والولايات، وعيّن حكاما عسكريين للولايات.[15] لم توقف هذه الخطوة المتظاهرين. اعتُقل العديد من المتظاهرين وحوكموا بإجراءات موجزة بمحاكم شُكلت بقرار من رئيس القضاء بموجب إعلان الطوارئ.[16]
بلغت المظاهرات نقطة تحول مهمة في 6 أبريل/نيسان، عندما تجمع المتظاهرون لدى مقر القيادة العامة للجيش السوداني في الخرطوم، ونصبوا الخيام بالقرب من مجمع الجيش، وبنايات عسكرية أخرى، ومقر الأمن الوطني.[17] استخدم عناصر الأمن الوطني والشرطة ورجال أمن في ثياب مدنية القوة القاتلة لفض اعتصام 6 أبريل/نيسان.[18] نقل تقرير إعلامي أن بعض الجنود ورجال الأمن من رتب غير رفيعة حموا المتظاهرين إذ أطلقوا النار على المهاجمين، وحموا المتظاهرين داخل ثكنات الجيش، في إشارة واضحة على انقسام في صفوف أجهزة الأمن.[19]
لا توجد إحصاءات رسمية بالخسائر في صفوف المدنيين، منذ بداية المظاهرات في ديسمبر/كانون الأول وحتى خلع البشير في 11 أبريل/نيسان. طبقا لمجموعة من الأطباء، قُتل نحو 140 متظاهرا على يد قوات الأمن بين ديسمبر/كانون الأول 2018 و11 أبريل/نيسان.[20] أفادت مجموعة أطباء أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي بمقتل 26 شخصا بين 6 و11 أبريل/نيسان حصرا.[21]
الإطاحة بالبشير
في الساعات الأولى من صباح 11 أبريل/نيسان، أعلنت محطات التلفزة والإذاعة الوطنية عن تنحي البشير. وبعد ساعات، أعلن عوض بن عوف، وزير الدفاع ونائب الرئيس الأول في حكومة البشير، أن قادة القوات المسلحة وقوات الأمن قد أطاحوا بالبشير واعتقلوه مع بعض مساعديه. أعلن بن عوف عن تعليق العمل بالدستور، وفرض حظر تجوال ليلي، مضيفا أن الجيش سيحكم لمدة عامين قبل تنظيم انتخابات عامة.[22]
بناء على مطالب المتظاهرين، تنحى بن عوف عن منصب رئيس "المجلس العسكري الانتقالي" في 12 أبريل/نيسان.[23] حل محله الفريق الأول عبد الفتاح البرهان، والذي قاد قوات الجيش البرية عدة مرات، وشغل منصب المفتش العام للجيش وقائد القوات السودانية في حرب اليمن.[24] وفي اليوم نفسه، عيّن البرهان الفريق أول محمد "حميدتي" حمدان دقلو، قائد "قوات الدعم السريع"، نائبا له. وأُجبر صلاح قوش رئيس "جهاز الأمن والمخابرات الوطني"، الذي أشرف على قمع المتظاهرين منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، على الاستقالة من منصبه وحل محله مسؤول آخر.[25]
كما وثقت هيومن رايتس ووتش، فقد شنت قوات الدعم السريع عمليات اتسمت بالوحشية والانتهاكات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق منذ 2013، وفيها تم تدمير مئات القرى وقتل واغتصاب المدنيين، وإجبار الآلاف على الفرار من بيوتهم.[26] لا تزال الدعم السريع تعمل في دارفور، واستمرت في مهاجمة المدنيين، حتى مع اعتزام "بعثة الاتحاد الأفريقي في دارفور (يوناميد)" – بعد سنوات من الضغط لمغادرة السودان – الخروج من البلاد في يونيو/حزيران 2020.[27] كما استعانت الحكومة بقوات الدعم السريع في اعتراض المهاجرين واللاجئين، وشاركت تلك القوات كمقاتلين في صفوف القوة السودانية التي شاركت في الحرب التي يشنها التحالف بقيادة السعودية في اليمن.[28]
في 25 ديسمبر/كانون الأول، بعد بدء المظاهرات بقليل، أعلن حميدتي عن دعمه لمطالب المتظاهرين، عندما دعا الحكومة إلى تقديم الخدمات وأجور تفي بمتطلبات الحياة.[29] لا تعرف هيومن رايتس ووتش بأية تقارير تفيد بمشاركة قوات الدعم السريع في القمع الذي شنه الأمن الوطني ضد المظاهرات قبل 11 أبريل/نيسان.[30]
تصاعد التوترات
استمر المتظاهرون في الاعتصامات، واستمر هتافهم "مدنية". في 13 أبريل/نيسان، بدأت مجموعات سياسية معارضة تحت مظلة "قوى إعلان الحرية والتغيير" في التفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي على شروط الانتقال إلى الحكم المدني.[31] وعد رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان في 23 أبريل/نيسان بحماية المدنيين وقال إنه لن يتم فض الاعتصام باستخدام العنف.[32]
لكن بدأت بوادر التوتر في الظهور. ففي 30 أبريل/نيسان، اتهم حميدتي المتظاهرين في الاعتصام بأنهم مُختَرقون من قبل "مدمني مخدرات". انتقد المتظاهرين على نصب الحواجز حول الاعتصام قرب القيادة العامة، قائلا بأن واجب المجلس العسكري الانتقالي حماية الأرواح والممتلكات، وإن الحواجز تشلّ حركة الأعمال في الخرطوم، وتزيد من الفوضى والجريمة.[33]
في 13 مايو/أيار، قُتل ستة أشخاص إذ أزالت قوات الدعم السريع الحواجز عنوة بشارع النيل، وهو الطريق الرئيسي المار بالاعتصام والمتاخم لجامعة الخرطوم، مع مقاومة المتظاهرين لهم.[34] اتهم المجلس العسكري الانتقالي المتظاهرين باستفزاز أعمال العنف بنصبهم للحواجز، فعلّق المحادثات مع أحزاب المعارضة 72 ساعة بزعم تخفيف التوترات.[35] لام "تجمع المهنيين السودانيين" والمتظاهرون المجلس على العنف، وأشاروا بأصابع الاتهام إلى عناصر الدعم السريع في أعمال القتل.[36] في 19 مايو/أيار، اتفقت قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي على تشكيل لجنة تحقيق مشتركة للوقوف على ما حدث وتبين المسؤولين عن أعمال القتل.[37] ليس من الواضح إن كانت اللجنة قد تشكلت، أو ما إذا كانت قد نفذت أي تحقيق.
أعلن تجمع المهنيين إضرابا عاما لمدة يومين في جميع أنحاء البلاد، يومي 28 و29 مايو/أيار.[38] انتقد حميدتي هذا الإجراء، قائلا إن قيادات التظاهر يحاولون حصر دور الجيش في دور شرفي فقط.[39] أفادت مصادر إعلامية موثوقة أنه في 29 و30 مايو/أيار قتلت قوات الأمن ثلاثة متظاهرين آخرين، بينهم امرأة حامل بشارع النيل في الخرطوم.[40] أصدر المجلس العسكري الانتقالي بيانا لام فيه جنديا مخمورا. ومع تصاعد التوترات بمنطقة شارع النيل، طلب تجمع المهنيين من المتظاهرين الانسحاب من منطقة كولومبيا لتجنب التصعيد والمواجهات مع القوات المسلحة.[41]
كما سعى المجلس إلى إخفاء المعلومات حول الوضع، فأغلق منظمة إعلامية إقليمية، هي "وكالة أنباء رامتان" فضلا عن إغلاق مقر "الجزيرة" في الخرطوم.[42] في 30 مايو/أيار كتبت وزارة الخارجية إلى السفارات والبعثات الدبلوماسية تطالبها بعدم ارتياد منطقة الاعتصام دون تصريح مسبق من الوزارة، بدعوى احترام السيادة ولاعتبارات متصلة بالسلامة والأمان.[43]
في 30 مايو/أيار أيضا، حذر تجمع المهنيين المجلس العسكري الانتقالي من فض الاعتصام.[44] وفي اليوم التالي حذر اللواء بحر أحمد بحر، قائد الجيش بمنطقة الخرطوم، من أن "موقع الاعتصام أصبح غير آمن ويمثل خطرا على الثورة والثوار ويهدد تماسك الدولة ووحدتها الوطنية".[45]
بحلول ليلة 2 يونيو/حزيران، خرجت شائعات بهجوم محتمل على مخيم الاعتصام، وانتشرت هذه الأنباء بقوة في أوساط المتظاهرين وعلى مواقع التواصل. في حين تراجع عدد المعتصمين، فقد مكث المئات في مختلف مناطق الاعتصام وبالقرب منه. وكان هذا قبل عيد الفطر بيومين فقط.
المفاوضات السياسية بعد الهجومبعد أحداث العنف في 3 يونيو/حزيران، ألغى المجلس العسكري الانتقالي جميع المفاوضات وهدد بتشكيل حكومة انتقالية دون مشاركة مدنية. سرعان ما أدانت الأطراف الدولية والإقليمية أعمال العنف، وفي 6 يونيو/حزيران جمّد "الاتحاد الأفريقي" عضوية السودان.[46] وفي اليوم التالي، وصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى الخرطوم للدفع نحو جولة وساطة جديدة.[47] وافق تجمع المهنيين على إلغاء الإضراب المزمع إذا تحققت شروط معينة، ومنها إخلاء سبيل المعتقلين السياسيين. مهد ذلك الطريق لاستئناف المفاوضات.[48] كما شارك الاتحاد الأفريقي، رغم قراره بتجميد عضوية السودان، في هذه الجولة، فجلب الأطراف معا لاستئناف المحادثات المباشرة في 3 يوليو/تموز.[49] في 4 يوليو/تموز، أعلن وسيط الاتحاد الأفريقي عن الوصول إلى اتفاق سياسي على تشارك المدنيين والجيش في الرئاسة وعلى "إجراء تحقيق تفصيلي وشفاف ومستقل على المستوى الوطني في جميع وقائع العنف المؤسفة التي شهدتها البلاد مؤخرا".[50] تم تفعيل الاتفاق وتوقيعه في 17 يوليو/تموز.[51] في 3 أغسطس/آب، وقعت الأطراف أيضا اتفاقا تمهيديا حول إطار دستوري، يحتوي على بنود تفصيلية تخص الحكومة الانتقالية الجديدة والمؤسسات الانتقالية. تم إعلان "مجلس سيادي" يرأس الحكومة يقوده أعضاء من الجيش لأول 21 شهرا ويعقبهم أعضاء مدنيون لمدة 18 شهرا.[52] وقّعت الأطراف اتفاق تشارك السلطة النهائي في 17 أغسطس/آب مع احتفال الكثيرين في الشوارع بهذا الفصل الجديد من التاريخ.[53] وفي ظرف أيام، تم تعيين عبد الله حمدوك – الأخصائي الاقتصادي ونائب الأمين السابق للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا – رئيسا للوزراء. قام بدوره بتعيين أغلب أعضاء مجلس الوزراء في 8 سبتمبر/أيلول ومن المتوقع أن يشكل لجانا انتقالية للإشراف على الاتفاق، بما يشمل ملفات حقوق الإنسان، والإصلاحات القانونية، والعدالة الانتقالية. من المنتظر إنشاء المجلس التشريعي خلال ثلاثة أشهر من الاتفاق.[54] في أكتوبر/تشرين الأول، عين المجلس السيادي رئيسة جديدة للقضاء، هي أول امرأة تتولى هذا المنصب في أفريقيا، فضلا عن تعيين نائب عام جديد، وهما منصبان يعتبران أساسيان لإحقاق العدالة.[55] |
فض الاعتصام بالعنف في 3 يونيو/حزيران
"جاء الجنود سيرا على الأقدام ومعهم العصي، فبدأنا نرشقهم بالحجارة. كنا قريبين للغاية منهم. أبعدناهم ثم [عادوا] وبدأوا في إطلاق النار علينا مباشرة. أصيب الكثيرون بالرصاص وسقطوا".
موسى ( 21 عاما)، شاهد على هجوم 3 يونيو/حزيران على الاعتصام[56]
بعد ليلة ماطرة وفي ساعات الفجر الأولى المظلمة يوم 3 يونيو/حزيران، في آخر يوم من شهر رمضان، تحرك موكب كبير من المركبات والشاحنات التي أقلت قوات الأمن عبر شوارع الخرطوم والخرطوم بحري، وهي المدينة المجاورة إلى الشمال، حتى وصل الموكب إلى أطراف منطقة الاعتصام قرب القيادة العامة للقوات المسلحة في شارع النيل.[57] فيما بعد، قال المتظاهرون في شارع النيل لـ هيومن رايتس ووتش إنهم رأوا القوات تقترب من جامعة الخرطوم القريبة منهم وبدأوا في الهتاف "سلمية سلمية". مع الإحساس بالخطر، بدأ الأطباء والمسعفون المتطوعون بالاعتصام التحضير للأسوأ.[58] وصف الشهود القوات المقتربة بأنها تضم مسلحين في ثياب الشرطة، والزي الرسمي لقوات الدعم السريع، مع ارتداء بعضهم لزي أسود غير محدد.
قال شهود إن قوات الشرطة جاءت إلى منطقة الاعتصام في البداية سيرا على الأقدام، وكان عناصر الأمن مسلحون بالهراوات والغاز المسيل للدموع، وحاولوا تفكيك الحواجز، لكن المتظاهرين رشقوهم بالحجارة فبدأوا بالانسحاب. ثم عادوا بعد قليل، تقودهم هذه المرة قوات الدعم السريع. فتحت القوات النار على المتظاهرين من نقاط عديدة حول الاعتصام، بعد بدء صلاة الفجر مباشرة نحو الساعة 5 صباحا. قال شاهد لـ هيومن رايتس ووتش، وهو رجل عمره 26 عاما:
أفاق الناس من النوم مع مجيء الجنود من شارع النيل قرب الجسر [...] قاومناهم بالحجارة، وكانوا يرتدون زي الشرطة [...] فعادوا إلى الجسر، ما أعطانا وقتا كافيا للاستعداد. جاءت قوات الدعم السريع وبدأت بإطلاق النار.[59]
قال عدة متظاهرين إنهم رأوا القوات المسلحة تطلق الذخيرة الحية مباشرة على المتظاهرين، فقتلت وأصابت منهم العديدين على الفور. قال شاهد: "كان إطلاق النار محدد الهدف ومتعمدا بوضوح... وجّهوا أسلحتهم نحونا... كانوا يصرخون طوال الوقت: ´اقتلوهم، اقتلوهم´ كل الوقت. رأيت العديد من الجثث المصابة بالرصاص أثناء هربي".[60]
سرعان ما تفشى العنف في أنحاء الاعتصام ودام لعدة ساعات مع إطلاق الجنود النار على المتظاهرين وقيامهم بضربهم والقبض عليهم وإجبارهم على الابتعاد عن المنطقة. أحرقوا خيامهم وأمعنوا في نهب حاجياتهم. قال متظاهر: "هرعت إلى قسم اللغة العربية بعد بدء الهجوم واختبأت هناك. رأيت عناصر الدعم السريع ينهبون شاشات التلفزيون والهواتف النقالة [من المحال التجارية بالمنطقة] ويخزنونها في حجرة هناك [في قسم اللغة]".[61]
مع فرار المتظاهرين من المنطقة واختبائهم، أخذوا معهم القتلى والمصابين من الشوارع إلى العيادات وإلى المستشفى القريب وسط إطلاق الرصاص.[62] وصف الشهود والعاملون بالمجال الطبي بالمنطقة العديد من الإصابات الخطيرة التي لحقت بالمتظاهرين جراء الرصاص والضرب بالسياط، والعصي الحديدية، وأسلحة حادة مثل سونكي البنادق.[63]
انتشرت أنباء الهجوم سريعا عبر الرسائل النصية، والهواتف، ومنصات التواصل الاجتماعي. طالب تجمع المهنيين بتنظيم مظاهرات وبالعصيان المدني في شتى أنحاء السودان.[64] سرعان ما قام المتظاهرون الذين فروا من الاعتصام ومن يعيشون في مناطق أخرى من الخرطوم وبحري وأم درمان بنصب حواجز جديدة وإحراق إطارات السيارات.[65] قامت قوات الدعم السريع وقوات أخرى خرجت في دوريات إلى تلك الأحياء بمطاردة المتظاهرين والمارة ومهاجمتهم، في 3 يونيو/حزيران والأيام التالية، كما هو موثق أدناه. يعتقد بعض الشهود أن ما رأوه يُظهر تعمد قوات الأمن استهداف المتظاهرين الذين تبينت أنهم يلعبون أدوارا قيادية أو يسجلون الأحداث، وأطلقت النار عليهم لتصيبهم أو تقتلهم على الفور.
أفادت "نقابة الأطباء السودانيين"، وهي مجموعة تراقب أعداد الخسائر البشرية منذ بداية المظاهرات، بمقتل 124 شخصا بين 3 و18 يونيو/حزيران، بما يشمل مقتل شخص في القضارف في شرق السودان، وثمانية في دليج بولاية وسط دارفور.[66] أفادت مجموعة أطباء أخرى عن إصابة أكثر من 900 شخص أثناء الفترة نفسها.[67] لكن قد يكون العدد الفعلي أعلى، نظرا لظهور تقارير عن عشرات المفقودين (انظر أدناه).
يجدر بالذكر أن السلطات، على حد علم هيومن رايتس ووتش، لم تنفذ أية عمليات بحث عن جثامين الضحايا التي ظهرت ادعاءات بإلقاء الجنود إياها في النهر. اطلعت هيومن رايتس ووتش على مقاطع فيديو من تصوير المتظاهرين بالاعتصام نُشرت فيما بعد على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعتبر موثوقة، وتؤكد روايات الشهود حول استهداف القوات المسلحة المستشفيات والعيادات الميدانية بالاعتصام، والإحراق والنهب للممتلكات على نطاق واسع.[68]
في 6 يونيو/حزيران، أقرّ مسؤول بوزارة الصحة بمقتل 61 شخصا في 3 يونيو/حزيران أثناء استهداف المتظاهرين بالخرطوم وبمناطق أخرى: تسعة بمناطق أخرى و52 في الخرطوم، بما يشمل 49 مدنيا قتلوا بالرصاص وثلاثة رجال أمن ماتوا بطعنات.[69] في 27 يوليو/تموز، قال رئيس لجنة التحقيق الحكومية، التي أعلن عنها النائب العام في 3 يونيو/حزيران، إن 17 فقط قُتلوا في الاعتصام في الخرطوم، وإن 87 شخصا قد قُتلوا إجمالا بين 3 و10 يونيو/حزيران.[70] لم تقدم الحكومة أدلة تدعم هذه الأعداد.
وقائع القتل غير القانوني بمنطقة اعتصام الخرطوم
وصف المتظاهرون بمنطقة الاعتصام كيف فتحت قوات الدعم السريع النار عليهم بعد محاولة الشرطة الأولى تفكيك الحواجز.
وصف "أمير" (29 عاما)، الذي كان لدى الحواجز قرب جسر النيل الأزرق، كيف رأى جنود الدعم السريع وهم يتقدمون نحو تحصينات المعتصمين بأعداد كبيرة، بعدما أعاد المتظاهرون عناصر الشرطة أدراجهم: "كانت بنادقهم مصوبة نحونا، وعندما بدأوا في إطلاق النار راح الناس يتساقطون. رأيت اثنين يسقطان إلى جواري بعد الإصابة بأعيرة نارية".[71]
تقدمت قوات الأمن إلى منطقة الاعتصام من مختلف الاتجاهات، مع تقدم أعداد كبيرة من القوات على امتداد الشارع من طرف جسر الإمام المهدي (من الشرق). "عثمان" (30 عاما)، الذي كان في الاعتصام، قال إنه رأى الدعم السريع يطلقون النار على أقارب له بالاعتصام:
نحو الساعة 5 صباحا كنا قرب مفوضية العون الإنساني (جهة حكومية تشرف على جميع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية) وحاولنا دفع الجنجويد (مسمى سائد للدعم السريع) عندما جاؤوا وحاصروا المنطقة. رمينا الحجارة. أطلقوا النار علينا ردا على الحجارة. قُتل ثلاثة من أقاربي أمام عيني: رجلين عمرهما 21 و26 عاما وامرأة عمرها 27 عاما. عندما حاولنا نقل إحدى الجثث، أصبت في رأسي وسقطت فاقدا للوعي على الفور. بعد ثلاثة أيام أفقت في مستشفى رويال كير.[72]
انتقلت مجموعة أخرى من القوات إلى النفق المؤدي إلى شارع الجامعة، وأطلقت النار على المتظاهرين لدى معهد التدريب المهني، وهي المنطقة التي اتُخذت مركزا ثقافيا ومساحة عرض فني للمتظاهرين، وقد تحولت إلى عيادة ميدانية لعلاج المصابين.[73] قال رجل عمره 29 عاما:
أبعدنا القتلى أولا إلى منطقة مركز التدريب المهني. ثم رحت أركض. كنت أسمع الناس يصرخون، والرصاص يتطاير حولي في الهواء ويضرب جدران البنايات حولي.[74]
قال الشهود إن الجنود أطلقوا النار على المتظاهرين الذين حاولوا الفرار من منطقة الاعتصام. قال "خالد" (36 عاما)، الذي كان محتجزا من قبل جندي من الدعم السريع قرب جسر النيل الأزرق في بداية عملية 3 يونيو/حزيران، إنه حيث كان يقف، رأى الجنود يطلقون النار على المتظاهرين الذين حاولوا الفرار من المنطقة: "رأيت الناس يتسلقون جدار مقر الفرقة السابعة مشاة للهرب، لكن جنود الدعم السريع راحوا يطلقون النار عليهم. لم يتحرك بعضهم، كما رأيت، وقُتل البعض".[75]
في إحدى الحالات التي نقلتها وسائل الإعلام أيضا، قال الشهود لـ هيومن رايتس ووتش إن جنديا أعدم محمد هاشم مطر، وهو رجل عمره 26 عاما. قال "خالد" متذكرا: "رأيت مطر يتشاجر مع جندي من الدعم السريع. حدث هذا أمام مقر التدريب المهني [بناية جامعية ملاصقة لمنطقة الاعتصام]. ألصق الجندي بندقيته برأس مطر وأطلق النار".[76] ذكرت تقارير إعلامية أيضا أن مطر كان يحمي امرأتين بدا أنهما معرضتان لخطر الاختطاف من قبل جنود الدعم السريع، قبل أن يُصاب بالعيار الناري.[77] أصبحت وفاة مطر أيقونة أشعلت حملة "أزرق من أجل السودان" على مواقع التواصل الاجتماعي، للتضامن باستخدام اللون الأزرق – لون مطر المفضل – كصورة بروفايل.[78]
أفادت الجزيرة أن شابا رأى الجنود يطعنون المتظاهرين بالسونكي قرب مكتب مفوضية العون الإنساني قال: "عدنا إلى فناء مبنى المفوضية الخلفي. هناك جمعت قوات الدعم السريع المصابين في مجموعة، وقام الجنود بتغطية أجسادهم... رأيت جنود الدعم السريع يطعنون المصابين بسونكي بنادقهم. ثم أحرقت الدعم السريع الخيمة وكل من كانوا تحتها".[79]
من الوقائع الأخرى المبلغ عنها على نطاق واسع في موقع الاعتصام – والتي أكدها أقارب وشهود عيان لـ هيومن رايتس ووتش – واقعة مقتل عبد السلام كشة، وهو ناشط عمره 25 عاما أطلق الجنود النار على صدره وساقه، وعباس فرح (28 عاما) الذي أطلق الجنود النار عليه، وتم تصويره وهو يسقط فوق حاجز من حواجز الاعتصام قبل أن يموت. انتشر الفيديو على نطاق واسع على مواقع التواصل وغطته وسائل الإعلام.[80] تذكر المتظاهرون السودانيون القتلى في الأعمال الفنية والجداريات، ووصفوهم بالشهداء، وأعادوا تسمية الشوارع على أسمائهم. على سبيل المثال، تمت تسمية شارع الإنقاذ (إشارة إلى الفلسفة السياسية للحزب الحاكم السابق) بشارع مطر.[81]
القوات المسلحة لم تحمِ المتظاهرين
رغم ظهور شهادات حول قيام جنود من الجيش ومن الدعم السريع وفرق القوات المسلحة الأخرى بالتدخل بشكل فردي لإيقاف الانتهاكات المستمرة، لم يحمِ الجيش المتظاهرين كما فعل في أبريل/نيسان، قبل الإطاحة بالبشير. هذه المرة، قام جنود من الجيش والدعم السريع معا بتفكيك حواجز الاعتصام ولم يسمحوا للمتظاهرين بالتماس الحماية داخل مقر القيادة العامة أثناء الهجوم.
قال الشهود إنه عندما أطلق جنود الدعم السريع النار على المتظاهرين في 3 يونيو/حزيران وقتلوهم أمام ثكنات كل من القوات الجوية والبحرية والفرقة السابعة مشاة ميكانيكي، لم تتدخل قوات أخرى بالمنطقة لحماية المتظاهرين. قام جنود وضباط الجيش في بعض الحالات بضرب وإبعاد المتظاهرين الذين حاولوا التماس الحماية بالثكنات العسكرية، على حد قول الشهود لـ هيومن رايتس ووتش.[82] في فيديو نُشر على يوتيوب، تبين باحثو هيومن رايتس ووتش أنه يتمتع بالمصداقية بعد مقابلتهم للشهود وزيارة الموقع وتفقده، يظهر جنود الجيش وهم يبعدون المتظاهرين الذين سعوا للاحتماء بثكنات الفرقة السابعة مشاة.[83] قال جندي لـ هيومن رايتس ووتش إنه ومعه جنود آخرين من الدعم السريع وجهت إليهم أوامر بالبقاء في ثكناتهم للحيلولة دون تدخلهم: "رأينا مئات سيارات الدعم السريع والشرطة محيطة بقواعدنا، تحول بيننا وبين المتظاهرين. وجهت إلينا الأوامر بالبقاء في أماكننا".[84]
قال "موسى"، وهو طالب عمره 21 عاما، إن البحرية لم تسمح له وللمتظاهرين الآخرين بدخول مقرهم:
حاولنا دخول مبنى البحرية، لكن الجنود ضربونا بشدة ولم يسمحوا لنا بالدخول. كانت سيارات الدعم السريع تحيط بمبنى البحرية على شكل دائرة، والجيش أيضا، ثم أطلقوا النار على من تجمعوا أمام البحرية. قررنا العودة للاعتصام ومحاولة إنقاذ من أصيبوا بالرصاص. كانت الجثث كثيرة في الشارع.[85]
وقائع القتل خارج منطقة الاعتصام
بعد بدء الهجوم في 3 يونيو/حزيران، انضم المتظاهرون الذين خرجوا من الاعتصام إلى المتظاهرين بالمواقع الأخرى بالمدينة ونصبوا المزيد من الحواجز والمتاريس. فرضت قوات الدعم السريع نقاط تفتيش في أنحاء العاصمة، وأغلقت بعض الشوارع، في حين احتمى الناس بالبيوت والمستشفيات. استمر المتظاهرون في الخروج إلى الشوارع، وقد حرّكهم الغضب جراء العنف الذي شهدته منطقة الاعتصام، وردت قوات الأمن بمزيد من العنف.[86]
قُتل خاطر حسين خاطر، وهو طالب عمره 21 عاما، صباح 3 يونيو/حزيران في أم درمان. طبقا لأمه ولشهود عيان، كان خاطر يحاول الانضمام إلى المظاهرات في الخرطوم، لكن الشوارع كانت مغلقة، فمكث في أم درمان. انضم إلى المظاهرات في حيّه السكني، العباسية، وحوالي الساعة 10 صباحا كان جنود الدعم السريع يمرون بشارع الأربعين، وهو شارع رئيسي، فقتلوه. قالت أمه باكية: "أخذه رفاقه من المكان الذي أصيب فيه بالرصاص إلى بيت قريب، لكن لم يتمكنوا من نقله إلى المستشفى في الوقت المناسب لإنقاذ حياته. خاطر ابني الوحيد".[87]
طبقا لتقرير صدر عن "هيئة محامي دارفور"، فقد استُهدف خاطر لأنه كان قائد "لجنة المقاومة" في الحي، وقد تمت مطاردته قبل قتله.[88] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد بشكل مستقل من هذا القول. قُتل أيضا أحد أصدقاء خاطر، وهو محمود محمد عبد الله الأمير (22 عاما) في أم درمان، في الوقت نفسه تقريبا. قال متظاهر كان مع محمود ومجموعة من 12 متظاهرا آخرين إنه رأى جندي الدعم السريع يصوب ويطلق النار على محمود: "أعتقد أن الجندي استهدفه لأنه كان يسجل فيديو [باستخدام هاتفه]".[89]
في الخرطوم، قتل جنود الدعم السريع رجلا عمره 31 عاما وهو واقف مع شخصين آخرين قرب حاجز من حواجز الاعتصام بشارع الإنقاذ، في جنوب الخرطوم. طبقا للشهود، فقد اقتربت سيارة للدعم السريع وبدأ الجنود فيها بإطلاق النار فأصابوه وأصابوا رجلا آخر.[90]
في جنوب الخرطوم أيضا، هاجم جنود الدعم السريع وأعدموا على ما يبدو رجلا عمره 29 عاما، فيما كان واقفا أمام بيته يتحدث إلى صديق. قال شاهد على واقعة القتل لعاملين بمنظمة للمساعدة القانونية إن اثنتين من سيارات الدعم السريع المسلحة توقفتا على مقربة. نزل ضابط من إحدى السيارتين وضرب الرجل بكعب بندقيته، ثم أطلق النار عليه من مسافة قريبة. تؤكد تقارير الطب الشرعي التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش جرحين لدخول رصاصتين في وسط ويمين الصدر، وجرحين لخروج رصاصتين في الظهر.[91]
في الأيام التالية على حملة 3 يونيو/حزيران الدموية، احتُجز المتظاهرون في مواقع مختلفة. بحسب أحد الشهود، قام جنود بالدعم السريع في سيارات تمركزت جنوبي الخرطوم في 4 يونيو/حزيران، بإطلاق النار على المتظاهرين فقتلوا رجلا عمره 37 عاما فيما كان يحاول مساعدة امرأة سقطت في الشارع. مات فيما بعد بالمستشفى.[92]
في ساعات الصباح الأولى من 9 يونيو/حزيران في الخرطوم بحري، قُتل وليد عبد الرحمن سالم سعيد (41 عاما) بعدما هاجمت الدعم السريع وشرطة مكافحة الشغب حاجزا نصبه المتظاهرون في منطقة المزاد ببحري. قال خالد متذكرا أخيه الأكبر، وقد جمع شهادات طبية ومقاطع فيديو لواقعة القتل وهو عضو بلجنة أهالي الضحايا المعروفة الآن بمسمى "تجمع أسر شهداء الثورة السودانية ديسمبر 2018": "الشرطة، بالبزات الزرقاء، أطلقوا النار، فقال وليد للمتظاهرين أن يتحركوا. حينئذ أطلقوا النار عليه".[93]
قال شاهد على واقعة قتل وليد للباحثين إنه يعتقد أنه تم استهدافه من قبل من أطلقوا النار عليه، وأنهم استهدفوه لأنه معروف بكونه قياديا مجتمعيا: "لم يطلقوا النار على أيّ من المتظاهرين الآخرين. كان جريئا وقياديا ومن المؤكد أنه قد استُهدف".[94] قبل يوم، ظهر وليد في مقطع فيديو على مواقع التواصل يناشد الشرطة أن تسمح للمتظاهرين بالتظاهر.[95] قال بعض الأقارب إن الرصاصة مرت بكتف وليد وعنقه. أكدت لجنة أطباء السودان أنه قُتل بعيار ناري.[96] يُظهر مقطع فيديو شاهده الباحثون كيف حاول الناس إنقاذ حياة وليد بعد إطلاق النار عليه.[97]
الضرب والطعن
قالت "لجنة أطباء السودان المركزية" وهي منظمة مهنية للأطباء، إن أكثر من 900 شخص أصيبوا أثناء هجوم 3 يونيو/حزيران وأيام العنف التالية.[98] بعض أسوأ الإصابات كانت أعيرة نارية، لكن الأطباء أفادوا أيضا بوجود إصابات جراء الطعن والضرب المبرح: "استخدموا [الجنود] العصي للضرب إذا كنت قريبا منهم... وكانوا يطلقون النار عليك إذا كنت بعيدا"، كما قال أحد المتظاهرين.[99]
أكد طبيب عالج المصابين في 3 يونيو/حزيران أن بين من أسعفهم "الكثيرين ممن تعرضوا لإصابات بآلات حادة، وقال الكثيرون إن جنود الدعم السريع طعنوهم بالسونكي".[100] قال شاهد للجزيرة إنه رأى عناصر الدعم السريع يطاردون الناس بالاعتصام ويطعنوهم بالسونكي: "فعلوا هذا لأنهم لو أطلقوا النار وهم في هذا الوضع فسوف يصيب رصاصهم بعضهم البعض لأنهم كانوا كثيرين بالمكان".[101]
تلقى باحثو هيومن رايتس ووتش عدة شهادات حول قيام قوات الأمن بضرب المتظاهرين بقسوة بعصي معدنية وهراوات وسياط. بخيت، وهو متظاهر عمره 20 عاما، قال للباحثين إنه تعرض لضرب مبرح من جنود الدعم السريع الذين أخرجوه من مخبأه بمساكن طلاب النيل الأزرق في جامعة الخرطوم.
أجلسونا أمام مساكن الطلاب وضربونا بقسوة بكعوب البنادق والعصي والمواسير. كنا نحو 20 شخصا، بيننا طفلان صغيران عمرهما ثمانية أو عشرة أعوام. استمر الضرب لساعة أو أكثر. ضربوا حتى الطفلين.[102]
علاء الدين إبراهيم أحمد (48 عاما)، وهو من سكان حي دايم، تعرض للضرب بالعصي من قبل الجنود صباح 3 يونيو/حزيران. قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان واقفا قرب مستشفى جودة بحيه السكني، حيث توافد المصابون من الاعتصام. قال متذكرا:
خرجت بعض النسوة وقلن لنا إن الجنجويد قادمون. ثم جاءت نحو 22 سيارة [...] بدأ الجنود في إطلاق النار. ثم نزلت مجموعة من خمسة جنود من السيارات وحاصروني وضربوني بالسياط.[103]
العنف الجنسي
لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد مدى انتشار العنف الجنسي أثناء الهجوم على مخيم الاعتصام، لكن طبقا للأشخاص الذين تعرضوا للاغتصاب، والنشطاء، والمتظاهرين، ومنظمات المجتمع المدني المختصة بالتعامل مع العنف الجنسي، فقد اغتصبت قوات الأمن، وحاولت اغتصاب، واعتدت جنسيا على متظاهرات ومتظاهرين، فضلا عن حدوث وقائع اغتصاب جماعي. وقد شملت هذه الاعتداءات العاملات والعاملين بالمجال الطبي. أغلب من أبلغوا منظمات المجتمع المدني بما تعرضوا له قالوا إنهم اغتصبوا أو تعرضوا للاعتداء الجنسي بالمنطقة المحيطة بالمسجد، والعيادة الجامعية، والمساكن الجامعية.
النساء السودانيات، اللواتي كافحن لسنوات سياسات حكومة البشير وممارساتها الأبوية، لعبن دورا هاما في قيادة المظاهرات وفي مخيم الاعتصام. وتعرضُ بعضهن للعنف الجنسي يتسق مع التوثيق السابق لكيف تستخدم قوات الأمن العنف الجنسي لإسكات الناشطات المطالبات باحترام حقوقهن الإنسانية في السودان.[104]
قدم العديد من العاملين والعاملات بالمجال الطبي ومن المنظمات التي ساعدت الضحايا معلومات حول الاغتصاب لـ هيومن رايتس ووتش، وقد تبينت المنظمة أنها معلومات موثوقة، وهي معلومات تخص وقائع عنف جنسي أثناء هجوم 3 يونيو/حزيران. قالت شاهدة لـ هيومن رايتس ووتش إن منظمتها تأكدت من وقوع 16 حالة اغتصاب بينها أربع حالات اغتصاب جماعي.[105] قالت عاملة أخرى بمجال المساعدات الإنسانية إن منظمتها قابلت أربع نساء ورجل في الثلاثينيات من عمره قالوا إنهم تعرضوا للاغتصاب أثناء الهجوم.[106] قالت مديرة مركز لحقوق المرأة إن منظمتها استقبلت 18 حالة اغتصاب وقعت أثناء أحداث عنف 3 يونيو/حزيران والأيام التالية.[107] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد مما إذا كانت هذه الحالات هي نفسها التي وثقتها منظمات أخرى.
وصفت "ريم" (20 عاما) كيف تعرضت للاغتصاب فيما كانت مختبئة من القوات المهاجِمة في مسكن جامعي للنساء:
كانت هناك أسرّة في الحجرات واختبأت وراء أحدها. سمعت أصوات [جنود الدعم السريع] فيما كانوا ينهبون الأمتعة. [...] اقترب رجل في زي رسمي أسود وقال لهم أن يكفوا عن النهب. لما بدا أنه رجل طيّب، خرجت وأخبرته أنني أريد الذهاب إلى المستشفى. [...] قال إنه سيحميني وأخذني إلى بناية أخرى في المجمع. ثم خلع سرواله وفرض نفسه عليّ بالقوة. [...] أحسست بألم شديد. ثم تصرف وكأننا أصدقاء وحاول أن يكون لطيفا، وأخذني إلى المستشفى وهو ممسك بيدي.[108]
هناك امرأة أخرى طلبت المساعدة من ناشطة بعدما تعرضت للاعتداء، ثم وافقت على تسجيل شهادتها في فيديو شاهدته هيومن رايتس ووتش، قالت إن جنود الدعم السريع أمسكوا بها ومعها نساء أخريات، وأخذوا ثيابهن وهواتفهن وضربوهن بالكابلات، ثم اغتصبوهن بعنف. قالت: "وصفونا بالعاهرات والشيوعيات".[109] هناك امرأة أخرى وثقت ما تعرضت له في مقطع فيديو اطلعت عليه هيومن رايتس ووتش، وصفت كيف وهي مختبئة في مبنى قسم الأشعة بالحرم الجامعي، دخل جنود الدعم السريع وفتشوها وأخذوا هاتفها. ثم حاول جنود الدعم السريع اغتصابها لكن الشرطة العسكرية تدخلت.[110]
هاجمت الدعم السريع عاملات بالمجال الطبي في بعض الحالات. على سبيل المثال، اعتدى جنود الدعم السريع على "ليلى"، وهي صيدلانية عمرها 28 عاما، قرب المركز الطبي بالاعتصام، ثم هددوها بالاغتصاب: "قالوا [الجنود] لي: لا نريد أطباء هنا. دفعوني وأمسكوا بجسدي [...] قال أحدهم: ´اليوم اغتصاب´. خفت للغاية. كانوا منتشرين لضرب جميع من بالاعتصام، ولنهب أي شيء يجدونه [...]".[111]
ركز العديد من النشطاء والناشطات على الآثار النفسية-الاجتماعية الدائمة للعنف الجنسي. انتحرت امرأة تعرضت للاغتصاب، بحسب وسائل الإعلام.[112]
الاعتقال، والانتهاكات، والإهانة
توصلت هيومن رايتس ووتش إلى قيام الجنود بمطاردة المتظاهرين في أماكن اختبائهم داخل البنايات، وقيامها بالقبض عليهم واحتجازهم لساعات، وفي حالات كثيرة حدث هذا في أماكن مفتوحة. تعرض لهم الجنود بالإهانات اللفظية والضرب وحلق الرأس أو قص الشعر (وهي من السبل الشائعة لقيام قوات الأمن بإهانة النشطاء الشبان أو المعتقلين في السودان) وفي بعض الحالات أمروهم بالزحف على الأرض أو شرب مياه الصرف.
قال الشهود إن قوات الأمن قبضت على مئات المتظاهرين في شارع النيل تحت جسر النيل الأزرق صباح 3 يونيو/حزيران، بعد بداية العملية بقليل.[113] هناك صور ومقاطع فيديو نُشرت على مواقع التواصل، تشمل مقطع فيديو ربما يصور جنديا في الدعم السريع، وفيه أيضا عشرات المتظاهرين الجالسين على الأرض محاطين بعدد من الجنود، مع تعرضهم للسخرية والإهانة.[114] يمكن سماع جندي في مقطع الفيديو يقول: "نحن الدعم السريع، واجهنا متمردي دارفور، بسياراتهم حتى... حسبتم أنه يمكنكم تغلبونا؟"[115] يُظهر مقطع فيديو آخر جنود الدعم السريع يضربون المتظاهرين، ويجبرونهم على الزحف في الماء بالشارع قرب الاعتصام.[116] قالت شاهدة، تعمل صيدلانية، للباحثين: "رأيت جنود الدعم السريع يأمرون الشباب بالزحف على الأرض. رأيت جنديا منهم يقف فوق متظاهر ويبول عليه".[117]
وهناك شهود اختبأوا بالطابق الأخير من مستشفى المعلم، قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم رأوا كيف قام جنود الدعم السريع بالقبض على الناس ودفعهم إلى مسجد.[118] أحمد (27 عاما) قال لـ هيومن رايتس ووتش كيف دفعه جنود الدعم السريع إلى خارج مستشفى المعلم حيث كان يختبئ مع كثيرين، ثم أجبروهم على الجلوس في منطقة مفتوحة أمام المستشفى لعدة ساعات:
نعتوني بتاجر المخدرات وبالكافر. قالوا إنني لست رجلا. أمرنا ضابط بالدعم السريع بإزاحة الأحجار في الشارع. ضربوني وقطعوا خصلات شعري بالسكاكين. [...] أجبرونا على ترديد "عسكرية" [...]. كان من يرتدون الزي الأسود عدوانيين وضربونا بالعصي. ثم بدأ جنود الدعم السريع بالصراخ فينا، أن نجري بعيدا، فجرينا، ثم أمرونا بأن نتوقف، ثم أمرونا بأن نجري مرة أخرى.[119]
بخيت متظاهر عمره 20 عاما، أوقف أمام مساكن طلاب النيل الأزرق بجامعة الخرطوم مع مجموعة من نحو 20 شخصا آخرين. قال إن الجنود انتقوه من بين مجموعته: "قالوا إنني إرهابي وقصوا شعري. تحدثوا معي بوقاحة بالغة". أظهر للباحثين صور كدمات وآثار ضرب على مؤخرته، جراء ضرب الجنود إياه ذلك اليوم.
روى متظاهرٌ كيف أمسك به الجنود ومعه آخرون بمساكن النيل الأبيض الجامعية في 3 يونيو/حزيران: "أمرونا بالزحف في الوحل وصعقوني بالكهرباء، بهراوة، مرتين. أخذوا هواتفنا وملابسنا، وحتى صندلي. أخذوا كل شيء". بعد ذلك، أمر الجنود المجموعة بالسير غربا باتجاه السوق العربي: "كنت أسقط وأنهار، لكنهم استمروا بضربي لأقف حتى نصل إلى جسر الفتيحاب [...] تعرضت للضرب لدى نقطتي تفتيش وحلق [الجنود] رأسي مرة أخرى".[120]
وصفت ناشطة بارزة بالمجتمع المدني تجربة مشابهة، حيث نهب جنود الدعم السريع متعلقات المتظاهرين وأجبروهم على السير مسافات طويلة:
اختبأنا في منطقة كلية الأشعة التماسا للأمان. [...] مرقت رصاصة عبر النافذة، ثم جاء جنود الدعم السريع وأمسكوا بنا جميعا وفصلونا إلى مجموعات رجال ونساء. ثم وضعوا الناس حرفيا في أكوام فوق بعضهم. نعتونا بكلمات قذرة. [...] ثم أخذوا جميع متعلقاتنا. وبعد ساعة، أخرجونا إلى الشارع وأجبرونا على السير في الشارع البلدي وأجبرونا على المشي مسافة طويلة بعيدا عن منطقة الاعتصام. ثم أمرونا بالجري وضربونا بالسياط على ظهورنا [...].[121]
تقييد الرعاية الصحية والهجمات على الموظفين الطبيين
قال الشهود والضحايا لـ هيومن رايتس ووتش إن أثناء هجوم 3 يونيو/حزيران، سمحت قوات الأمن أحيانا للأطباء أو المتظاهرين ممن لديهم خبرات طبية بفحص أو معالجة المتظاهرين المصابين، لا سيما أثناء عملية القبض الجماعي على المتظاهرين تحت جسر النيل الأزرق.[122] لكن وفي حالات عديدة أثناء الهجوم وفي الأيام التالية، منعت قوات الأمن أو أعاقت توفير الرعاية الطبية للمتظاهرين المصابين، بما يشمل أثناء عمليات القبض الجماعي في الاعتصام ولدى مختلف العيادات والمستشفيات.[123]
روت "نور" (30 عاما) تجربة شقيقها البالغ من العمر 22 عاما، الذي احتُجز من قبل الدعم السريع في موقع الاعتصام. رآهم يمنعون المصابين من تلقي العلاج. قالت: "قال لي شقيقي إنه رأى الكثير من المصابين أثناء توقيفهم تحت جسر النيل الأزرق... قال إن أحد المتظاهرين إلى جواره كان مصابا ونزف حتى الموت دون أن تسمح له قوات الدعم السريع بأي رعاية طبية".[124]
طبقا للجنة الأطباء المركزية السودانية، فإن الدعم السريع حاصروا مداخل ثلاث مستشفيات في 3 يونيو/حزيران ومنعوا الأطباء والمصابين من الدخول.[125] نُشر مقطع فيديو على يوتيوب في 3 يونيو/حزيران يُظهر قوات الشرطة وهي تهاجم طبيبا لدى مدخل المستشفى.[126] قال متظاهرون مصابون بمستشفى رويال كير للإعلام إن الدعم السريع هاجموهم واعتدوا عليهم عندما سعوا إلى الحصول على رعاية طبية في 3 يونيو/حزيران، وأطلقوا النار على المستشفى صباح 4 يونيو/حزيران.[127] أكد الشهود الهجوم لـ هيومن رايتس ووتش. ذكر طبيب كيف قال له عناصر الدعم السريع وهو يدخل المستشفى: "لا نريد أطباء هنا، دعهم يموتون".[128]
قال مُسعف لوسائل الإعلام إن الجنود حاصروا المستشفى صباح 4 يونيو/حزيران ثم أمروا العاملين بإخراج جميع المتظاهرين المصابين. قال للجزيرة: "قال الجندي إنهم لا يريدون مرضى هنا". قال إن الجنود قبضوا على أحد الأطباء، عُرف أن اسمه وليد عبد الله، بعد أن أطلقوا رصاصة على ساقه.[129]
صُوِّر مقطع فيديو من داخل مستشفى المعلّم، قرب منطقة الاعتصام، يُظهر قيام رجال في زي الدعم السريع وشرطة مكافحة الشغب وهم يهاجمون المتظاهرين عند مدخل المستشفى.[130] قال شاهد عمره 27 عاما للباحثين: "دخلنا المستشفى وأطلق الدعم السريع النار علينا من الخلف. وداخل المستشفى كان الناس يبكون ويصرخون. أطلق عناصر الدعم السريع النار على المدخل الزجاجي للمستشفى وتهشم الزجاج. ثم ضربوا من حاولوا الدخول، عند المدخل الأمامي. رأيت ستة منهم يضربون متظاهرا والعديد من المصابين بالخارج".[131]
قال الشاهد إنه رغم محاولة عناصر المخابرات العسكرية وقف الهجوم، فإن اثنين من جنود الدعم السريع دخلوا وألقوا جهازا متفجرا على المستشفى وأطلقوا عدة طلقات على السقف. قال إن الجنود أجبروه هو وآخرين على الخروج من المستشفى، وضربوهم وصادروا هواتفهم.
كما صدر تقرير عن "عاين"، وهي شبكة إعلامية مستقلة تركز على أنباء النزاع في السودان، يوثق شهادات الشهود الذين أكدوا الهجمات بقيادة الدعم السريع والشرطة على المستشفيات. نقلت المنظمة الإعلامية عن الناشط ناظم سراج الذي ينسق المساعدات الطبية للمتظاهرين قوله: "قامت قوات الأمن المشكلة من الشرطة والدعم السريع بحصار مستشفى رويال كير ومستشفى المعلم، وأمروا المرضى والعاملين الطبيين بإخلاء المستشفيين". قال إن أحد المرضى بالعناية المركزة قد مات بسبب ذلك.[132]
المفقودون والمخفيِّون
منذ هجوم 3 يونيو/حزيران، طالب الأهالي والنشطاء وأطراف أخرى السلطات بكشف مصائر المفقودين. هناك مجموعة على فيسبوك بعنوان "مفقود" تنشر باستمرار أخبارا بتفاصيل عشرات المختفين منذ 3 يونيو/حزيران.[133]
في 5 سبتمبر/أيلول، أعلنت الشرطة السودانية أنها لم تتلق أي شكاوى رسمية من أهالي مفقودين، واتهمت "الأحزاب" بالسعي إلى تحقيق مكاسب سياسية عن طريق تعميم ما وصفتها بـ "أرقام... غير صحيحة" للمفقودين منذ هجوم 3 يونيو/حزيران.[134]
قال نشطاء سودانيون في أغسطس/آب لـ هيومن رايتس ووتش إنهم تأكدوا من أن 17 شخصا فُقِدوا في الخرطوم منذ هجوم 3 يونيو/حزيران، بينهم نساء كنّ يبعن للشاي أو الطعام بموقع الاعتصام.[135] حرّك محامٍ دعوى قضائية لفتح التحقيقات في قضايا 11 مفقودا.[136] إلا أن النشطاء قد أشاروا إلى أن العدد الحقيقي للمفقودين قد يكون أكبر، فربما لم تبلغ بعض العائلات التي بها مفقودون، وربما لم يكن لدى بعض المفقودين عائلات تبحث عنهم.[137]
قال نشطاء للباحثين إنهم يخشون أن تكون قوات الدعم السريع تحتجز بعض الناس في مواقع اعتقال غير رسمية، وأن القوات لا تزال تتحفظ عليهم. لا تعرف هيومن رايتس ووتش بأية جهود رسمية مبذولة حاليا لتأكيد وجود مواقع احتجاز تابعة للدعم السريع أو لإتاحة الوصول إليها. أعرب آخرون عن القلق من أن المتظاهرين ربما ماتوا محترقين أثناء الهجوم داخل خيامهم، مع عدم إمكانية التعرف على هوياتهم بعد الاحتراق.[138] أعرب آخرون عن قلقهم من إمكانية قتل أحبائهم ورمي جثثهم في النيل.
بعد الهجوم على موقع الاعتصام بقليل، أفاد شهود وسائل الإعلام بأنهم رأوا جنود الدعم السريع يلقون جثثا في النهر.[139] قال شاهدان لباحثي هيومن رايتس ووتش الأمر نفسه. قال شاهد عمره 30 عاما: "رأيت جثثا تُرمى في النيل. كان هذا قرب مركز التدريب المهني. رأيت الجنود يربطون أحجارا بسيقان عدة جثث، ربما ثماني، ويرمون بها في النهر".[140] قال شاهد ثالث تم توقيفه من قبل الدعم السريع قرب منطقة العيادة الجامعية إنه سمع ضابطا من الدعم السريع يأمر جنوده برمي "الناس" في النهر.[141]
أُخرجت بعض الجثث من النهر وحُددت هوية أصحابها لاحقا. في 26 يونيو/حزيران، عُثر على جثة بائعة الشاي آمال قوس، التي فُقدت بعد الهجوم على اعتصام 3 يونيو/حزيران، وكانت تطفو في النيل.[142] في أكتوبر/تشرين الأول، قالت أسرة المتظاهر قصي حمدتو، المفقود منذ 3 يونيو/حزيران، للإعلام إن بعد أربعة أشهر من البحث، عثروا على جثمانه بمستشفى في أم درمان.[143] كان جثمان حمدتو من بين جثتين عُثر عليهما في النهر في مطلع يونيو/حزيران، وكان قد رُبط كل منهما بقوالب طوب، وكان بهما آثار إصابات بأعيرة نارية، ما يوحي بقوة بأنه قُتل كل منهما قبل رميهما في النهر.[144] نُشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يُظهر حمدتو مع متظاهرين آخرين يركضون بينما قوات الدعم السريع وقوات الشرطة تطلق النار عليهم.[145]
هذه القضية تسلط الضوء على الصعوبات التي تصادفها العائلات في الحصول على معلومات من المشارح. في 3 أكتوبر/تشرين الأول، ظهرت ثلاث جثث حُددت على أنها تعود إلى ضحايا هجوم 3 يونيو/حزيران، وكانت الجثث قد دُفنت دون تصاريح طبية أو التواصل مع الأهالي. أدت هذه الأنباء إلى فتح تحقيق في التعامل مع الجثامين.
ردود السلطات على هجوم 3 يونيو/حزيران
إنكار المسؤولية عن الجرائم
أنكرت السلطات المسؤولية عن فض الاعتصام. قال الناطق باسم المجلس العسكري الانتقالي الفريق الركن كباشي، في البداية وعلى شاشات التلفزة، إن قوات الأمن لم تهاجم الاعتصام، إنما استهدفت منطقة كولومبيا فقط، التي قال إنها كانت مسرحا للأنشطة غير القانونية. ادعى أن المتظاهرين كانوا ما زالوا في مقر الاعتصام.[146] فيما بعد أقرّ بأن فض الاعتصام كان "مخططا" لكن وقعت بعض "الأخطاء" أثناء التنفيذ.[147]
في يوليو/تموز، أنكر حميدتي، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي وقائد الدعم السريع، أن قواته قد شاركت، قائلا إنه من السهل شراء الزي الرسمي الخاص بالدعم السريع من السوق وأن "أي شخص يمكنه ادعاء أنه من الدعم السريع".[148] لكن في 6 أغسطس/آب أعرب عن "الأسف" على تنفيذ عملية إخلاء كولومبيا، وقال إن العملية تم تصعيدها فشملت فض الاعتصام بالكامل.[149]
في محاولة للدفاع عن شرعية عملية فض الاعتصام، قال الفريق الركن كباشي إن أعضاء المجلس العسكري الانتقالي قد قابلوا رئيس القضاء والنائب العام – وهما منصبان قانونيان رئيسيان – قبل العملية وقد وجهوا القيادة العسكرية إلى تخطيط عملية الفض، بموجب الإجراءات الأمنية والعسكرية المتبعة.[150] لكن رئيس القضاء عباس علي بابكر نفى تصديقه على الهجوم، وقال إن العملية "إن الأمر ليس من اختصاصه وفق القانون السوداني، وإنما من اختصاص النيابة العامة والشرطة، ثم انصرف".[151] وأنكر النائب العام وليد سيد أحمد بدوره إنه قد تمت مشاورته بشأن فض الاعتصام.[152] في 20 يونيو/حزيران، عزل المجلس العسكري الانتقالي النائب العام وليد سيد أحمد بدعوى أنه "بطيء" في التحقيق والملاحقة القضائية بحق شخصيات من النظام السابق.[153]
ردود المجلس العسكري الانتقالي والنائب العام والمفوضية القومية لحقوق الإنسان
في 3 يونيو/حزيران، قال النائب العام وليد سيد أحمد لوسائل الإعلام إن لجنة قد تشكلت للتحقيق في "أحداث" الساعات المبكرة من صباح ذلك اليوم.[154] في 10 يونيو/حزيران، أعلن الناطق باسم المجلس العسكري الانتقالي أن لجنة تحقيق قد توصلت إلى نتائج أولية، وقال إن السلطات قبضت على مجموعة من القوات النظامية، وإن لم يكن من الواضح أي قوات هي التي أشار إليها.[155] رفضت مجموعات المعارضة إجراءات التقصي وطالبت بتحقيق دولي.[156]
في مؤتمر صحفي بتاريخ 27 يوليو/تموز، قال رئيس لجنة تحقيق النيابة العامة فتح الرحمن سعيد إن الدعم السريع والقوات الأخرى لم تطع الأوامر بإخلاء منطقة كولومبيا فقط حيث كان يتم بيع المخدرات، وهاجمت القوات الاعتصام. قال إن قوات مكافحة الشغب المنتمية إلى الدعم السريع شاركت في الهجوم وإن قناصة مقنعين مجهولين أطلقوا النار على المتظاهرين من فوق مبنى "بشير مديكال سيتي" قرب الاعتصام، ما أدى إلى سقوط عدة إصابات.[157]
توصلت اللجنة إلى مقتل 87 شخصا بين 3 و10 يونيو/حزيران، مع مقتل 17 شخصا فقط منهم في موقع الاعتصام في 3 يونيو/حزيران. قالوا إن 48 شخصا أصيبوا بأعيرة نارية. ولم يصلوا إلى أدلة على الاغتصاب أو العنف الجنسي. أوصت اللجنة بفصل ثمانية ضباط من العمل واحتجازهم وتوجيه اتهامات إليهم، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والقتل والاعتداء.[158]
رُفضت هذه النتائج على نطاق واسع.[159] وصف اتحاد الأطباء الشرعيين السوداني، وهو مجموعة أخرى من الأطباء، التقرير بأنه ضعيف ومعيب وغير متناسب مع حجم الجرم المرتكب الذي شهد عليه الجميع. كما رفض تجمع المهنيين السودانيين وقوى إعلان الحرية والتغيير النتائج وطالبت بالمحاسبة ليس فقط على فض الاعتصام والمجزرة التي تلت الفض، لكن أيضا على الجرائم المرتكبة منذ 11 أبريل/نيسان، عندما أطيح بالرئيس عمر البشير، إلى اليوم.
قالت جمعية للمحامين السودانيين بالمملكة المتحدة إن تقرير اللجنة متحيز ويجب أن يُنظر إليه كدليل على "عرقلة سير العدالة" من قبل السلطات.[160] توصل تقرير صادر عن نقابة محامين دارفور إلى أن المجلس العسكري الانتقالي مسؤول عن الهجوم والانتهاكات التي وقعت في 3 يونيو/حزيران والأيام التالية، بما يشمل أحداث 30 يونيو/حزيران. قالت النقابة إنها تحدثت إلى أكثر من 500 شخص بينهم أهالي الضحايا، وإنهم أنكروا جميعا أن تكون اللجنة الحكومية قد تواصلت معهم أو زارتهم للحصول على شهاداتهم.[161]
في 27 سبتمبر/أيلول، بعد ستة أسابيع من تشكيل الحكومة الانتقالية وحلّ المجلس العسكري الانتقالي، أصدرت المفوضية القومية لحقوق الإنسان، وهي مؤسسة شبه حكومية، تقريرا من 35 صفحة به نتائج مماثلة للصادرة عن اللجنة.[162] توصل التقرير إلى أن المسؤولين عن الهجوم قد تحدوا الأوامر الخاصة بإخلاء منطقة كولومبيا المجاورة للاعتصام فقط، ودعا التقرير القضاء إلى تشكيل محاكم لملاحقة الجناة وأوصى بجملة من التوصيات الأخرى منها إصلاح القوانين والتصديق على المعاهدات الدولية.[163] تشكل تجمع أسر شهداء الثورة السودانية ديسمبر 2018 في أغسطس/آب، من قبل أهالي وأقارب القتلى منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، وأعلن رفضه نتائج تقرير مفوضية حقوق الإنسان.[164]
في الوقت نفسه، واجهت أسر الضحايا ومحاميهم معوقات بالمحاكم في طلب العدالة على وقائع القتل والجرائم الأخرى. قال محام مشارك في جهود للملاحقة القضائية على الجرائم لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة والنيابة لم يتعاونا إذ منعا الوصول إلى ملفات القضايا، مع إرهاب ومضايقة الضحايا والشهود. قال المحامي: "هم إما غير مستعدين للتعاون أو خائفون من قوات الدعم السريع. المشكلة هي أننا سنحتاج إلى وقت طويل لتحقيق الإصلاحات القانونية والقضائية قبل إحقاق العدالة بشكل سليم لضحايا 3 يونيو وضحايا الانتهاكات الأخرى".[165]
الدعوات إلى فتح تحقيق دولي في أعمال العنف
ردّت الأطراف الفاعلة الدولية والإقليمية سريعا على أحداث العنف. ففي 3 يونيو/حزيران، أدان رئيس "مفوضية الاتحاد الأفريقي" موسى فقي محمد أعمال العنف وطالب "بتحقيق فوري وشفاف" في الأحداث ومحاسبة المسؤولين عنها وطالب الجيش بحماية المتظاهرين.[166] في 6 يونيو/حزيران، جمّد الاتحاد الأفريقي عضوية السودان.[167] كما أدان "الاتحاد الأوروبي" وحكومات "الترويكا" (المملكة المتحدة والولايات المتحدة والنرويج) الهجوم واتهمت المجلس العسكري الانتقالي بتوجيه الأوامر بتنفيذه.[168] وأعربت مجموعة خبراء مستقلين بالأمم المتحدة عن قلقها إزاء انحدار السودان إلى "هوة سحيقة من انتهاكات حقوق الإنسان"، وطالبت المجموعة مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف بفتح تحقيق مستقل في الانتهاكات ضد المتظاهرين في 3 يونيو/حزيران وما تلاه من أيام.[169]
بعد هجوم 3 يونيو/حزيران مباشرة، طالبت قوى إعلان الحرية والتغيير بتحقيق دولي في أعمال القتل والانتهاكات الأخرى، كشرط لاستئناف المحادثات مع المجلس العسكري الانتقالي.[170] رفض النائب العام حينئذ وليد سيد أحمد هذه الدعوات، وقدم تطمينات بأن التحقيق الوطني القائم سيكون مستقلا.[171] بعد فترة وجيزة، وقعت قوى إعلان الحرية والتغيير اتفاقا سياسيا مع المجلس العسكري الانتقالي (تم الاتفاق عليه مبدئيا في 4 يوليو/تموز ثم تحول إلى الوثيقة الدستورية الموقعة في 3 أغسطس/آب) وبموجبه اتفق الأطراف على تشكيل "لجنة تحقيق وطنية مستقلة بدعم الاتحاد الأفريقي عند الاقتضاء [...] لإجراء تحقيق [....] في الانتهاكات التي جرت في الثالث من يونيو".[172]
في 21 سبتمبر/أيلول، أعلن رئيس الوزراء عن تشكيل لجنة تحقيق مكونة من سبعة أعضاء بينهم ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والعدل، ومحامين مستقلين و"شخصية وطنية" مستقلة.[173] اقتصرت ولاية اللجنة على أحداث 3 يونيو/حزيران مع عدم إمكانية استعمال الأدلة التي تجمعها في المحكمة، وإذا أرادت السلطات السعي في الملاحقة الجنائية، فعليها أن تشكل لجنة تحقيق قضائية أخرى لها ولاية جمع الأدلة التي يمكن استخدامها في المحكمة. أعرب تجمع أسر شهداء الثورة الذي تشكل في أغسطس/آب عن قلقه إزاء استقلالية وفعالية لجنة التحقيق.[174] في 21 أكتوبر/تشرين الأول أعلن رئيس الوزراء أسماء أعضاء اللجنة وأوضح ولايتها وإطارها الزمني وسلطاتها.[175] أعربت منظمات حقوقية عن قلقها إزاء افتقار اللجنة إلى التمثيل النسائي.[176]
كما ورد في أجزاء أخرى من هذا التقرير، ينبغي للسلطات أن تعدل هذه اللجنة أو تعد لجنة جديدة، بما يضمن حيادها واستقلاليتها وأن يتوفر لها ولاية التحقيق في جميع الهجمات على المتظاهرين منذ ديسمبر/كانون الأول 2018 مع ضمان أن الأدلة التي ستجمعها سوف تستعين بها السلطات المعنية في التحقيقات والملاحقات الجنائية. ينبغي للسلطات ضمان أن تضم اللجنة رجالا ونساءً لديهم الخبرات اللازمة وأن تدعو خبراء دوليين إلى دعم عملها. وينبغي أن يكون بين الخبراء أشخاص لديهم خبرة في توثيق العنف الجنسي بشكل يركز على الضحايا، مع مساعدة الضحايا في الحصول على الخدمات، ومنها الرعاية الصحية طويلة الأجل.
استمرار الاحتجاجات وأعمال القمع
استمرت الاحتجاجات بعد هجوم 3 يونيو/حزيران، مع ترديد المتظاهرين شعار "دم قصاد الدم، ما بنقبل الديّة"، مع الدعوة لإحقاق العدالة للضحايا والإسراع بالانتقال إلى حكومة مدنية.[177] وفي مناسبات عدّة، استمرت قوات الدعم السريع في استخدام القوة المفرطة والقاتلة في فض المظاهرات.
في 30 يونيو/حزيران، وهو يوم له أهمية تاريخية إذ حلت فيه الذكرى الـ 30 لبداية نظام البشير، خرج المتظاهرون إلى الشوارع مطالبين بالحكم المدني والمحاسبة على هجمات 3 يونيو/حزيران.[178] كانت تلك أول مظاهرات كبيرة منذ حملة القمع في 3 يونيو/حزيران. وفي اليوم السابق، كان تجمع المهنيين السودانيين قد أفاد بأن قوات أمن المجلس العسكري الانتقالي داهمت مقره وقاطعت مؤتمرا صحفيا.[179] حذّر الجيش بمعاقبة قادة المتظاهرين بصفتهم "مخربين" تسببوا في الإضرار بالممتلكات وقطع الطرق.[180]
وفي يوم التظاهر، خرجت قوات الدعم السريع وقوات أخرى في دوريات في الخرطوم.[181] خرجت حشود كبيرة في مسيرات نحو القصر الجمهوري، حيث يقيم الرئيس، عبر جسر النيل الأبيض الذي يوصل بين أم درمان والخرطوم. ويظهر من المعلومات الواردة من مقاطع الفيديو وشهادات الشهود أن حوالي الساعة 3:20 بعد الظهر، منع الجنود المترجلون وفي مركبات العبور عبر جسر أم درمان وأطلقوا الرصاص على الحشد، ما أدى إلى تفرق المتظاهرين. قال الشهود لـ هيومن رايتس ووتش إن المسلحين كانوا من الدعم السريع وإنهم أطلقوا الذخيرة الحية على المتظاهرين وضربوا آخرين بما يشمل الضرب بالسياط. هذه المعلومات تؤكدها مقاطع فيديو ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي.[182]
أفادت وسائل الإعلام بأن حميدتي قال عبر التلفزيون إن مسلحين مجهولين أطلقوا النار على ثلاثة من جنود الدعم السريع وأصابوهم، فضلا عن إصابة خمسة أو ستة مدنيين.[183] قُتل سبعة متظاهرين وأصيب 181 آخرين، منهم 27 أصيبوا بأعيرة نارية، طبقا لمسؤول بوزارة الصحة.[184] قالت مجموعة أطباء معارضين للإعلام إن 11 شخصا قتلوا في 30 يونيو/حزيران. يشمل هذا العدد ثلاث جثث بها إصابات بأعيرة نارية عُثر عليها في شارع في أم درمان في اليوم التالي، وشخص واحد في عطبرة، حيث فضّت القوات الحكومية مظاهرات باستخدام العنف.[185] تجمع مئات المتظاهرين في أم درمان في اليوم التالي للتنديد بالمجلس العسكري، بعدما عثر السكان على الجثث الثلاث.[186]
في 29 يوليو/تموز، احتج طلاب المدارس الثانوية ببلدة الأُبيّض على ارتفاع الأسعار وتدهور المواصلات العامة. خرجوا في مسيرة سلمية يرددون شعارات: "لا مواصلات ولا خبز".[187] أطلق جنود الدعم السريع النار عليهم وقتلوا خمسة من طلاب الثانوية، كما أفادت وسائل الإعلام.[188] أدانت "اليونيسف" أعمال العنف في 29 يوليو/تموز في بيان وطالبت السلطات بالتحقيق.[189] أثار قتل الطلاب الغضب في أنحاء البلاد، وطالب المتظاهرون في الخرطوم بالعدالة للضحايا.[190]
وفي 1 أغسطس/آب، أفادت لجنة أطباء السودان المركزية، وهي مجموعة مهنية للأطباء، بأن أربعة متظاهرين قتلوا في أم درمان أثناء المطالبة بالعدالة لضحايا الأُبيض.[191] سرعان ما ندد المجلس العسكري الانتقالي بالعنف وقال إن تسعة من جنود الدعم السريع الذين شاركوا في أحداث عنف الأُبيض وأم درمان قد فُصلوا من الخدمة وأحيلوا إلى التحقيق القضائي.[192]
المعايير القانونية المنطبقة
حرية التجمع واستخدام القوة
في حين أن الحق في التجمع والحق في التظاهر السلمي ليسا حقي مطلقين وقد يخضعان للتنظيم والسيطرة الأمنية بشكل متناسب، فإن على الحكومات التزام باحترام وحماية هذين الحقّين، ولجوؤها إلى استخدام القوة لمنع وفض المظاهرات يخضع لتدقيق صارم ومشدد بموجب القانون الدولي، لضمان ضرورة وقانونية مثل هذه الأعمال. لا شك أنه وفي سياق إدارة المظاهرات أمنيا بعد 11 أبريل/نيسان، وتحديدا في 3 يونيو/حزيران وبعده، تجاوزت السلطات السودانية الحدود التي يسمح بها القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإقليمي الأفريقي لحقوق الإنسان، والقوانين المحلية الحاكمة لاستخدام القوة.
لا يُسمح بتقييد التجمع السلمي إلا عن طريق قوانين "ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم".[193] وأية قيود على أساس الأمن القومي يجب أن تكون محددة بدقة، وضرورية، ومتناسبة للتعامل مع تهديد مشروع.
يمكن لسلطات إنفاذ القانون – وتشمل الشرطة والعاملين بالقوات المسلحة الذي يتولون أدوارا تخص إنفاذ القانون – أن تدير وتنظم المسيرات والتجمعات بموجب معايير القانون الدولي. ورد في "مدونة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين" الصادرة عن الأمم المتحدة أن: "لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفى الحدود اللازمة لأداء واجبهم".[194] وتنص "المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون" ("المبادئ الأساسية") الصادرة عن الأمم المتحدة، على أن الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون عليهم "أن يستخدموا إلى أبعد حد ممكن، وسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى استخدام القوة" وأن استخدام القوة لا يكون إلا "حيث تكون الوسائل الأخرى غير فعالة".[195] وعندما يكون استعمال القوة ضروريا، يجب على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون "ممارسة ضبط النفس في استخدام القوة والتصرف بطريقة تتناسب مع خطورة الجرم".[196]
كما تحد المبادئ الأساسية من استخدام القوة في فض "التجمعات غير القانونية"، إذ ينص المبدأ 13 على أنه "على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، عند تفريق التجمعات غير المشروعة، إنما الخالية من العنف، أن يتجنبوا استخدام القوة، أو، إذا كان ذلك غير ممكن عمليا، أن يقصروه على الحد الأدنى الضروري".[197]
تنص المبادئ الأساسية أيضا على أن "لا يجوز استخدام الأسلحة النارية القاتلة عن قصد إلا عندما يتعذر تماماً تجنبها من أجل حماية الأرواح". وينص المبدأ 9 على أن: "يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين عدم استخدام أسلحة نارية ضد الأفراد إلا في حالات الدفاع عن النفس، أو لدفع خطر محدق يهدد الآخرين بالموت أو بإصابة خطيرة، أو لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة تنطوي على تهديد خطير للأرواح، أو للقبض على شخص يمثل خطرا من هذا القبيل ويقاوم سلطتهم، أو لمنع فراره، وذلك فقط عندما تكون الوسائل الأقل تطرفا غير كافية لتحقيق هذه الأهداف".[198]
وينص المبدأ 10 على أن على موظفي إنفاذ القوانين "توجيه تحذير واضح يعلن عزمهم عن استخدام الأسلحة النارية".[199] وتنص المبادئ بوضوح على أنه لا انحراف عن هذه المبادئ القانونية بالتذرع بمبررات مثل "حالة عدم الاستقرار السياسي الداخلي أو لدواعي طوارئ عامة أخرى".[200]
تستخدم قوات الأمن السودانية الذخيرة الحية ضد المتظاهرين العُزل بشكل يبدو بوضوح أنه غير متناسب وغير عادل، مقارنة بمبادئ استخدام القوة. حتى إذا سعى بعض المتظاهرين إلى مواجهة القوات برميها بالحجارة، فإن استخدام الذخيرة الحية يبقى غير مبرر.
الجرائم ضد الإنسانية
أدى عنف القوات السودانية قبل، وأثناء، وبعد هجوم 3 يونيو/حزيران إلى مقتل مئات الأشخاص، وكان جزءا من نسق استخدام القوة المفرطة في فض المظاهرات. لم تستخدم السلطات القوة المتناسبة أو تتخذ تدابير معقولة لتتأكد أن العمليات تشكل حدا أدنى من الخطر على الحياة.
ارتكاب أعمال قتل بشكل متعمد أو على نطاق موسع، بحق المتظاهرين، وغير ذلك من الأعمال اللاإنسانية أثناء وقائع فض المظاهرات، كجزء من سياسة حكومية لمهاجمة العُزَّل، قد يشكّل جرائم ضد الإنسانية. يمكن ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية أثناء أوقات السلم أو في سياق النزاع المسلح، وهي تتكون من الأعمال المرتكبة على نطاق واسع أو بشكل ممنهج ضمن هجوم على السكان المدنيين، أي أن ثمة درجة من التخطيط أو السياسات المتعمدة في ارتكاب الجريمة. مثل هذه الأعمال تشمل القتل والاضطهاد لفئة بناء على أسباب سياسية، أو "الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية".[201]
هناك أدلة ظرفية على أن هجوم 3 يونيو/حزيران كان مخططا له من قبل المجلس العسكري الانتقالي. فقد اختلف المجلس والمعارضة حول استمرار الاعتصام قبل هجوم 3 يونيو/حزيران، وانهارت المفاوضات بين الطرفين بعد أن قتلت الدعم السريع متظاهرين في 14 مايو/أيار عند حاجز كان قد أقامه المعتصمون.[202] تجددت المحادثات بعدما طلبت أحزاب المعارضة من المتظاهرين إزالة الحواجز.[203] وفي 3 يونيو/حزيران، يبدو من عدد القوات الكبير في العملية ضد الاعتصام – ويُقدر بالآلاف – أنها كانت عملية مخططا لها رسميا.
توصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن الجنود قتلوا عمدا متظاهرين عُزلا وسجلت شهادات شهود متعددة، اشتملت على رواية كيف صوّب الأمن أسلحته وأطلق النار عليهم. ذكر الأطباء وأظهرت تقارير الطب الشرعي أن أغلب الإصابات كانت بأعيرة نارية. وبعد حملة 3 يونيو/حزيران، سمع بعض الشهود الجنود يحتفلون بنجاح عملية الفض ويسخرون من المتظاهرين، ويكيلون لهم الإهانات ويجبرونهم على إعلان قبول الحكم العسكري. وثقت هيومن رايتس ووتش تقارير بتوجيه إهانات عنصرية وسباب وعمليات حلق رؤوس واعتداءات جنسية واغتصاب جماعي وتبول على المتظاهرين، ما يشير إلى تعمد إلحاق الأذى البدني بالمتظاهرين وإذلالهم. ولقد كانت أعمال القتل منذ ديسمبر/كانون الأول واسعة النطاق. كما قالت نقابة أطباء السودان إن المتظاهرين قد قُتلوا في 20 مدينة وقرية مختلفة.[204]
لا تقتصر المسؤولية على الأفراد الذين نفذوا هذه الأعمال، إنما تقع أيضا على من أمر وساعد أو تواطأ بأي شكل آخر في هذه الجرائم. بموجب مبدأ مسؤولية القيادة، فإن المسؤولين العسكريين والمدنيين في سلسلة القيادة يمكن تحميلهم المسؤولية الجنائية عن الجرائم التي يرتكبها المرؤوسون، إذا كان القادة يعرفون أو يجدر بهم أن يعرفوا بوقوع هذه الجرائم ثم تقاعسوا عن اتخاذ تدابير معقولة لإيقافهم.[205] من ثم، فعلى المحققين التحقيق في أدوار قائد قوات الدعم السريع حميدتي، والمجلس العسكري الانتقالي، وجميع الحاضرين أثناء اجتماعات التخطيط السابقة لعملية الفض.
التحقيقات والمحاسبة
المادة 2(1) والمادة 2(3) من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، والسودان دولة طرف فيه، تُطالب الدول الأطراف "باحترام الحقوق المتعرف بها فيه [...] وكفالة هذه الحقوق" وتقديم سبل انتصاف فعالة على انتهاكات الحقوق المنصوص عليها في العهد.[206] ولقد شددت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، المسؤولة عن متابعة التزام الدول بالعهد، على أن تكون سبل الانتصاف "ميسرة وفعالة" وتراعي "حالات الضعف الذي تتسم به بعض فئات الأشخاص".[207] كما ذكرت اللجنة أن على الدول الأطراف "السماح لضحايا حقوق الإنسان بمعرفة الحقيقة فيما يخص الأعمال المرتكبة، ومعرفة من هم الجناة والحصول على التعويض المناسب".[208]
كما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعة مبادئ متصلة بالتزامات الدول إزاء ضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وهي تذكر بوضوح أن على الدول التزامات بأن "تحقق في الانتهاكات" الخاصة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان "بفعالية وسرعة ودقة ونزاهة، وأن تتخذ إجراءات عند الاقتضاء وفقا للقانون المحلي والدولي ضد مرتكبي الانتهاكات المزعومين".[209] كما أن على الدول "واجب التحقيق فيها [أي الانتهاكات الخطيرة] وواجب محاكمة الأشخاص الذين يزعم أنهم ارتكبوا هذه الانتهاكات في حال توفر أدلة كافية ضدهم".[210]
في السودان، لاقى التحقيق الذي أعلنه النائب العام رفضا واسعا، ولم يسفر عن سبل انتصاف فعالة للضحايا. لم تتوفر علنا معلومات حول مصير الجنود الذين، وبحسب حميدتي، تم اتهامهم بجرائم، بما يشمل إمكانية نسب جرائم ضد الإنسانية إليهم. على الحكومة الانتقالية السودانية الجديدة، حتى تفي بواجبها بالتحقيق وتوفير سبل الانتصاف الفعالة، أن تضمن التحقيق في هجوم 3 يونيو/حزيران والهجمات التالية، بشكل يستوفي المعايير الدولية. يجب أن يشمل التحقيق الفعال القدرة على جمع الأدلة وحفظها، وأخذ الشهادات، وتحضير الملفات للملاحقة الجنائية بالمحاكم، بشكل يراعي إجراءات التقاضي السليمة وحقوق المحاكمة العادلة.
المحكمة الجنائية الدولية
للمحكمة الجنائية الدولية ولاية على الجرائم الدولية المرتكبة في دارفور بالسودان. ورغم أن السودان ليس دولة طرف في المحكمة، فقد أحال مجلس الأمن الوضع في دارفور إلى الجنائية الدولية عام 2005 بموجب قرار 1593. ينص القرار 1593 صراحة لا ضمنا على أن يتعاون السودان مع المحكمة، وينص في المادة 2 على أن المجلس "يقرر أن تتعاون حكومة السودان وجميع أطراف الصراع الأخرى في دارفور تعاونا كاملا مع المحكمة وأن تقدم إليهما كل ما يلزم من مساعدة عملا بهذا القرار". لا تزال بعض أوامر المحكمة الجنائية الدولية بالتوقيف على خلفية الجرائم المرتكبة في دارفور لم تُنفذ بعد أكثر من 12 عاما.
شكر وتنويه
أجرى بحوث هذا التقرير وكتبه مساعد أبحاث في قسم أفريقيا، والمديرة المشاركة في قسم أفريقيا جيهان هنري، وحررته مديرة قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش ماوسي سيغون.
أجرى المراجعة عن قسم البرامج نائب مدير البرامج باباتوندى أولوغبوجي؛ وأجرت المراجعة القانونية المستشارة القانونية الأولى آشلينغ ريدي. كما راجع التقرير كل من مديرة المناصرة في قسم أفريقيا كارين كانيزا نانتوليا؛ والمديرة المشاركة في قسم العدالة الدولية إليز كيبلر؛ والباحثة الأولى بقسم حقوق المرأة سكاي ويلر؛ ونائبة مدير برنامج الأمم المتحدة في هيومن رايتس ووتش ليلى مطر؛ ومديرة المناصرة في قسم الاتحاد الأوروبي لوتيه ليخت.
قدمت المنسقة المشاركة في قسم أفريقيا نجمة عبدي المساعدة في تحرير التقرير وتحضيره للنشر. وقدم مساعدة في إنتاج التقرير كل من المدير الإداري فيتزروي هوبكنز؛ والمنسق الأول خوسيه مارتينيز. أعد جون إمرسون الخرائط.
تعرب هيومن رايتس ووتش عن بالغ امتنانها وعميق شكرها للنساء والرجال الذين تضرروا من هذه الانتهاكات، وعائلاتهم، وأصدقائهم، والشهود، والنشطاء، ومقدمي الخدمات الذين أطلعونا على تجاربهم، معرضين أنفسهم بذلك لمخاطر كبيرة.