(بيروت) – إن عناصر من ميليشيات شيعية، ضمتها الحكومة إلى قوات الجيش، اختطفت وقتلت العشرات من السُنة المُقيمين في بلدة تقع وسط العراق، وهدموا منازل ومتاجر ومساجد سُنية في أعقاب تفجيري 11 يناير/كانون الثاني 2016 التي أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية"، المعروف كذلك باسم داعش، مسؤوليته عنهما. لم يُقدم أي من هؤلاء المسؤولين إلى العدالة.
وقع تفجيران مُتعاقبان في مقهى في بلدة المقدادية، في محافظة ديالى، نحو 130 كلم شمالي بغداد، في 11 يناير/كانون الثاني، وأسفرا عن مقتل 26 شخصا على الأقل، العديد منهم من السُنة، بحسب مُعلم يقطُن قرب المقهى. أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن التفجيرين، وقال إنهما استهدفا ميليشيات شيعية محلية، معروفة باسم "قوات الحشد الشعبي"، والتي تقع رسميا تحت إمرة رئيس الوزراء. ردت عناصر اثنين من المليشيات المُهيمنة عل المقدادية: "فيلق بدر" وقوات "عصائب أهل الحق" بمُهاجمة السُنة، وكذلك منازلهم ومساجدهم، مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص على الأقل، وربما أكثر بحسب سكان محليين.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "يدفع المدنيون مرة أخرى ثمن إخفاق العراق في إحكام السيطرة على الميلشيات المُنفلتة. على الدول التي تدعم قوات الأمن العراقية وقوات الحشد الشعبي أن تُصرّ على أن تضع بغداد حدا لهذه الانتهاكات القاتلة".
يُعد قتل المدنيين عمدا، ونهب وتدمير ممتلكاتهم على نحو غير مُبرر، في سياق نزاع مُسلح، بمثابة انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، الذي تنطبق على كافة الأطراف المُتحاربة في العراق، وقد يرقى إلى جرائم حرب. تتحمل الحكومة العراقية المسؤولية عن أفعال قوات الحشد الشعبي، منذ ضمها رسميا إلى الجيش العراقي في 7 أبريل/نيسان 2015.
قال عباس؛ أحد السُنة القاطنين في المقدادية، والذي لم يُستخدم اسمه الحقيقي، مثل غيره من الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش، من أجل سلامتهم: "أنا أعرف اسم أحد عناصر الميليشيا [حُجب الاسم] وغيره من الذين يجوبون شوارعنا. إنهم من المنطقة، ربما كانت داعش خلف تفجير المقهى، إلا أن عصائب أهل الحق هي من هاجمت السُنة ومنازلهم ومساجدهم في منطقتنا".
قال عباس إنه يعرف 30 شخصا بالاسم، بعضهم جيرانه، وبعضهم من الحي، قتلوا على يد الميلشيات، أغلبهم في ليلة 11 يناير/كانون الثاني.
واثق، سُني آخر من المقدادية، أرسل صورة لجثة شقيقه المُشوهة إلى هيومن رايتس ووتش. لقد ذهبت قوات عصائب أهل الحق إلى منزل عائلته في 11 يناير/كانون الثاني، وأخذوا شقيقه. قال واثق إن أمه أخبرته أن عناصر الميليشيا كانوا يبحثون عن السُنة، وأنه يعرف أسماء 5 من عناصر الميليشيا الذين ذهبوا إلى منزل عائلته في تلك الليلة. قال إن أمه أحضرت الجثة من المشرحة في اليوم التالي للتفجيرين.
قال رياض إنه فر من المقدادية إلى بغداد عقب أن أخذت عناصر الميليشيا شقيقه فاضل من منزلهم في المقدادية، وقتلوه يوم 11 يناير/كانون الثاني "لأنه سُني". أضاف رياض أن أبويه بقيا في المقدادية ودفنا فاضل في اليوم التالي.
قُتل سيف طلال، مُراسل صحفي، وحسن العنبكي، مصور، يعملان في محطة الشرقية التلفزيونية يوم 12 يناير/كانون الثاني في بعقوبة، عاصمة مُحافظة ديالى، 45 كلم جنوبي غرب المقدادية، على يد من أسمتهم القناة "ميليشيا مُنفلتة"، في رسالة إلكترونية إلى هيومن رايتس ووتش. كان طلال والعنبكي في صُحبة الفريق الركن مُزهر العزاوي، القائد المُعين حديثا لعمليات دجلة المُشتركة، لتفقد آثار العنف الطائفي في المقدادية مباشرة. قال العزاوي في تصريح صحفي إنه بعد ترك الصحفييّن، اعترض مُسلحون رحلتهما من أجل تغطية جلسة مجلس المحافظة في بعقوبة، وقتلوهما.
أخبر رعد، سُني آخر من قاطني المقدادية، هيومن رايتس ووتش أن أحدهم كتب، عقب التفجيرين، على جدران منزل عائلته "مطلوب إهدار دمه"، ثم هرب. في اليوم التالي، أخبرهم الجيران أن منزلهم نُسف.
قال رعد إن مُسلحين مجهولي الهوية اختطفوا شقيقه في نوفمبر/تشرين الثاني 2015. طلبوا فدية قدرها 10 آلاف دولار أمريكي قُرب يوم رأس السنة الجديدة، لكنه لم يتمكن من الدفع. علم، عقب التفجيرين، أن عناصر الميليشيا سلموا شقيقه للشرطة. قال رعد إنه تحدث إلى شخص زار شقيقه، وأن شقيقه قال إنه مُتهم بتفجيري المقهى، رغم أنه كان مخطوفا منذ أكثر من شهر. قال رعد إن شقيقه أخبر الزائر أنه تعرض للتعذيب لأنه لم يعترف بالجريمة أمام أحد قضاة التحقيق.
قال جمال، ناشط سُني لم يعد يعيش في المقدادية، إنه جمع معلومات من شهود محليين بشأن 15 شخصا، كلهم من السُنة، خُطفوا أو قٌتلوا منذ 11 يناير/كانون الثاني في المقدادية، إضافة إلى شقيق واثق المقتول، وشقيق رعد المُختطف. قال جمال إنه عُثر على 6 جُثث مجهولة الهوية عند نقطة تفتيش الإمام عبد الله بن علي في بعقوبة يوم 12 يناير/كانون الثاني.
أخبر أحد قادة فيلق بدر، الذين يعملون في ضواحي المقدادية، هيومن رايتس ووتش أن الاختطاف كان ظاهرة منتشرة تشمل الشيعة والسُنة والأكراد والتركمان على حد سواء، وأن قواته كانت تقوم بمُداهمة المُشتبه بقيامهم بالتفجيرين.
أخبر زيد العزاوي، قائمقام المقدادية، الذي مات ابن أخيه في تفجيري المقهى، هيومن رايتس ووتش أن هناك "مُبالغة" في التقارير بشأن مقتل أكثر من 100 شخص سُني، وأن لديه أسماء 7 أشخاص فقط حتى الآن. قال إن "العصابات" دمرت 5 مساجد للسُنة في المقدادية عقب 11 يناير/كانون الثاني، إلا أن هناك مساجد أخرى دُمرت في الشهور المُنصرمة. أعطى جمال هيومن رايتس ووتش أسماء 12 مسجدا سُنيا قال إن الميليشيات الشيعية دمرتها، إضافة إلى 10 متاجر يمتلكها أفراد من السُنة.
نشر رئيس الوزراء حيدر العبادي تغريدات أثناء زيارته إلى بعقوبة في 14 يناير/كانون الثاني بشأن إصداره أوامر "بضرورة إلقاء القبض على المُعتدين على المساجد والأموال العامة وتقديمهم للعدالة". امتدح العبادي قوات الأمن في المقدادية، يوم 19 يناير/كانون الثاني، لقيامها بإلقاء القبض على العصابات التي تهاجم المواطنين والأسواق والمساجد. أخبر العزاوي، الذي التقى رئيس الوزراء، هيومن رايتس ووتش أنه لم يتم توقيف أي من عناصر الميليشيات على حد علمه. قال عباس، أحد سكان المقدادية، إنه سمع من أصدقائه وأقاربه ممن حضروا اجتماع رئيس الوزراء إن ممثلين عن الميليشيات قالوا للعبادي إن تفجيري المقهى وكذلك أعمال القتل وتدمير الممتلكات كلها من فعل داعش.
اعترف بعض رجال الدين الشيعة وقادة قوات الأمن بالعنف الطائفي ضد السُنة وطالبوا بضبط النفس. طالب آية الله العظمى على السستاني، في 15 يناير/كانون الثاني، الحكومة "بعدم السماح لوجود الميليشيات خارج إطار الدولة"، في إشارة إلى أحداث المقدادية. وفي اليوم التالي، قال هادي العامري، قائد فيلق بدر، إن استهداف السُنة "جريمة لا تختلف عن جريمة الإرهاب".
قالت هيومن رايتس ووتش إن ما وقع في المقدادية عقب 11 يناير/كانون الثاني، يتشابه إلى حد لافت، مع الأحداث التي وقعت قبل عدة أشهر فقط في طوز خورماتو؛ مدينة يعيش بها أكراد وتركمان وعرب، وتبعد نحو 130 كلم شمالا. عقب أن قتل تفجير سيارة شخصين هناك في 22 أكتوبر/تشرين الأول، أوقفت عناصر شيعية وتركمانية من قوات الحشد الشعبي 150 عربيا على الأقل، وعذبوا بعضهم، واحتجزوا آخرين من أجل الفدية. نشبت معركة بالأسلحة النارية طوال اليوم، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني، بين قوات شيعية تركمانية وقوات كردية حول المُستشفى العام في طوز خورماتو، وأعقبها حرق عشرات المحال والمنازل وعمليات الاختطاف من كلا الجانبين. لم يُقدم أحد إلى العدالة حتى الآن.
قال جو ستورك: "سيكون الاختبار الحقيقي للسلطة القضائية وقوات الأمن في العراق هو تقديم المسؤولين عن تلك الهجمات المُريعة إلى العدالة في مُحاكمات نزيهة وعلنية. يجب أن يكون إحراز تقدم في تحديد هوية المُشتبه بهم وتسليمهم إلى القضاء مؤشرا هاما من أجل تواصل الدعم العسكري للقوات العراقية".