Skip to main content

كان الإعدام الجماعي لـ 47 شخصا في 2 يناير/كانون الثاني في السعودية إشارة دموية روجت البلاد بها لنفسها كرائدة في الحملة العالمية لمكافحة "داعش" وغيره من الجماعات المتطرفة المسلحة. لكنه كان أيضا نموذجا صارخا للأخطاء التي ترتكبها السعودية، وعديد البلدان الأخرى في هذه الحملة.

للمملكة تاريخ طويل في تبرير العنف وانتهاك حقوق الإنسان باسم مكافحة الإرهاب. وثّقنا محاكمات وإدانات لكثير من النشطاء السلميين ومجموعة كبيرة من انتهاكات الإجراءات القانونية أمام "المحكمة الجنائية المتخصصة"، التي أُنشِئت عام 2008 للنظر في قضايا الإرهاب، والتي غالبا ما تستخدم لملاحقة المعارضين السلميين. أصدرت السعودية عام 2014 قانون ولوائح لمكافحة الإرهاب فضفاضة للغاية، تضمنت أحكاما جائرة تستطيع السلطات استخدامها لتجريم أي تعبير ينتقد الحكومة. يمكن إضافة الإعدامات الجماعية إلى قائمة الانتهاكات الفظيعة هذه.

أدان قضاة سعوديون 47 رجلا بتهم متعلقة بالإرهاب، وفقا لوكالة الأنباء السعودية. معظم المدانين ينتمون لـ "تنظيم القاعدة"، ولهم ارتباطات بسلسلة من الهجمات العنيفة التي حصلت في 2003 و2004. ولكن الإعلان لم يحدد مَن أُدين بتخطيط أو ارتكاب هجمات عنيفة، ومَن أُدين بتهم "الإرهاب" الأخرى، مثل "الإساء إلى سمعة الدولة" أو "الإخلال بالنظام العام".

ما نعرفه هو أن 4 على الأقل من الموجودين في القائمة، بما في ذلك الشيخ نمر النمر، رجل الدين البارز من المنطقة الشرقية في السعودية والذي أدى إعدامه إلى قطع العلاقات مع إيران، كانوا من الشيعة، مما يجعل صلتهم بتنظيم القاعدة السُني وهجماته عامي 2003 و2004 مثيرا للشك. شكّل إعدام النمر الذي استندت إدانته إلى حد كبير على شجبه الناري - ولكن السلمي - للتمييز المنهجي في السعودية ضد الأقلية الشيعية، صفعة ورسالة صارخة لتهديد السكان الشيعة الذين احتجوا من أجل حقوقهم خلال الانتفاضات العربية التي بدأت عام 2011. كان مضمون الرسالة: احتجّ أكثر، سينتهي بك الأمر قتيلا.

في حالة الشيخ النمر، وهي الحالة التي حظيت بمراقبة أكبر، احتجزت "المحكمة الجزائية المتخصصة" النمر 8 أشهر قبل توجيه اتهامات إليه. عقدت جلسات المحاكمة دون إبلاغ ممثله القانوني، ثم حُكِم عليه بالإعدام اعتمادا على ما تعتبره العقلية السعودية الرسمية إرهابا مثل "نقض البيعة مع ولي الأمر" و"الدعوة إلى التظاهر" و"التحريض على الفتنة الطائفية."

انتهت بعض المظاهرات الشيعية بأعمال عنف، وأفادت تقارير بأن 16 شخصا على الأقل، بينهم 2 من ضباط الشرطة، قُتِلوا قبل 2013. ادّعى الضباط الذين اعتقلوا النمر عام 2012 أنه قاوم بعنف وشارك في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة، رغم أنه من الصعب تخيل لماذا يصبح الناشط البارز فجأة عنيفا رغم أنه يرفض المقاومة العنيفة منذ فترة طويلة. نقل تقرير لقناة "بي بي سي" في 2011 اقتباسا عن النمر وهو يدعم "هدير الكلمة ضد السلطات بدلا من السلاح ... سلاح الكلمة أقوى من الرصاص".

لم يكن هناك شيء جديد أو غير عادي في المحاكمة المعيبة التي أدت إلى إعدام الشيخ النمر يوم السبت. لو وفرت بعض المحاكمات – من بين المحاكمات الستة والأربعين الأخرى – حماية كافية لحقوق المتهمين، لكانت شاذة عن القاعدة. وثّقنا انتهاكات طال أمدها للمحاكمة العادلة في نظام العدالة الجنائية في السعودية، التي ليس لها قانون عقوبات، وتسمح للقضاة بإدانة الناس بتهم فضفاضة، بعضها لا يشابه الجرائم المعترف بها، وتسمح بصرف النظر بسرعة عن مزاعم تعذيب المتهمين دون تحقيق، والاقرار باعترافات المتهمين الذين يدّعون إنهم أكرِهوا عليها دون التحقيق فيها.

على سبيل المثال، كشف تحليلنا لمحاكمات 4 متظاهرين شيعة لدى المحكمة الجزائية المتخصصة في سبتمبر/أيلول 2014 أن أحد المُدّعى عليهم حوكم بتهمة "الاتصال بوكالات أنباء أجنبية والمبالغة في الأخبار للإضرار بحكومة المملكة" و"توزيع رقم هاتفه على وكالات أنباء [أجنبية] للاتصال به."

تستند عمليات الإعدام في السعودية إلى المدرسة المتّبَعة غالبا والتي تعتمد مبدأ: "افعل كما أقول، وليس كما أفعل" وتتناقض بشكل صارخ مع استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب التي اعتُمِدت بالإجماع من قبل "الجمعية العامة" عام 2006، والتي أعادت التأكيد في فبراير/شباط الماضي - على الورق على الأقل - في "قمة مكافحة التطرف العنيف" الذي تقودها الولايات المتحدة بدعم من السعودية وتشمل أكثر من 60 دولة على أن حماية حقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من مكافحة الإرهاب. كما صرّح الرئيس الأمريكي باراك أوباما: "لا يمكن انكار العلاقة. عندما يُضطهد الناس، وتنتهك حقوق الإنسان على أسس طائفية أو عرقية وعند إسكات المعارضة، فإن ذلك يؤدي إلى تغذية التطرف والعنف، ويخلق بيئة مناسبة يستغلها الإرهابيون".

اتفق وزراء الدول في اجتماع القمة، بما في ذلك السعودية، على معالجة التهميش الاجتماعي والسياسي، وتعزيز العلاقة بين المجتمعات وقوات الأمن على أساس احترام حقوق الإنسان، وتعزيز دور الأصوات الدينية الجديرة بالثقة التي تدعم التسامح واللاعنف. نفّذ السعوديون إعدامات جماعية بدلا من ذلك، ولم يصدر بحقهم سوى كلمات خجولة تُعبّر عن "قلق" الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، الحليفان المقرّبان من الرياض اللذان كثيرا ما فشلا في ممارسة ما يعظان به عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب.

ليست السعودية وحدها في المنطقة التي تبرر عمليات الإعدام وانتهاكات سلامة الإجراءات القانونية لمكافحة الإرهاب، فالعراق أعدم 177 شخصا عام 2013، كثيرا منهم بتهمة الإرهاب، وهو أعلى مستوى في 10 سنوات، وأعدمت إيران أكثر من 800 شخص عام 2015. بينما تُنسى الوعود التي قُطعت في اجتماعات القمة بسرعة، لا يمكن للإعدامات الجماعية والتمييز المنهجي والقمع وذبح رموز المعارضة في النهاية أن تجعل السعوديين أو أي شخص آخر أكثر أمنا. لا تزال حماية حقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من مكافحة الإرهاب. إن كانت السعودية تريد حقا قيادة حملة مكافحة الإرهاب، ينبغي عليها دعم من يبشر بالسلام، لا تسليط السيف على رقبته.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.