(بيروت) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم، عشية اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، إن على السلطات اللبنانية المضي قدماً بشأن مقترحات إنشاء لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في مصير الأشخاص المختفين قسرياً أثناء الحرب الأهلية التي خاضتها البلاد في الفترة 1975-1990 وما تلاها. وقد خصصت الأمم المتحدة يوم 30 أغسطس/آب كيوم دولي للمختفين، لرفع الوعي بحالات الاختفاء القسري في أنحاء العالم.
أخفقت السلطات للبنانية في التصدي للقضية على نحو كاف، بحسب هيومن رايتس ووتش. فرغم أن لبنان لم يشهد أعداداً كبيرة من حالات الاختفاء القسري منذ تسعينيات القرن العشرين، إلا أن هيومن رايتس ووتش وثقت بضعة حالات لسوريين يبدو أنهم اختفوا قسرياً في لبنان منذ نشوب النزاع في سوريا. وعلى السلطات اللبنانية أن تحقق في تلك الحالات الأخيرة وأن تحيلها إلى المحاكمة.
وقال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "رغم تكرر الوعود فإن سلطات لبنان لم تعمل حتى الآن على تزويد عائلات المختفين بأية إجابات عن مصير أحبائهم. ولا يمكن للبنان المضي قدماً بغير التصدي لماضيه على النحو الكافي".
وتعد عمليات الإخفاء القسري من أخطر الجرائم في القانون الدولي، وقد تشكل جرائم ضد الإنسانية إذا كانت جزءاً من اعتداء أوسع نطاقاً على السكان المدنيين.
وقد اختُطف أو "اختفى" ما يقدر بـ17 ألف لبناني أثناء الحرب الأهلية لسنوات 1975-90. وعلاوة على هذا، "اختفى" في لبنان عشرات المواطنين والفلسطينيين بعد 1990 أثناء الوجود العسكري لسوريا في البلاد، ويُعرف عنهم أو يسود الاعتقاد بنقلهم للاحتجاز في سوريا.
وفي انتصار لعائلات المختفين أصدر مجلس شورى الدولة اللبناني، وهو الهيئة القضائية المنوط بها الإشراف على قانونية ما تقوم به السلطات العامة من أعمال إدارية، أصدر في 4 مارس/آذار 2014 حكماً بأن أقارب الأشخاص الذين اختفوا في لبنان لهم الحق في معرفة مصير أقاربهم المفقودين، وأمر الحكومة بأن تسلم عائلات الضحايا الملفات الكاملة للتحقيقات التي أجرتها اللجنة الرسمية لتقصي الحقائق المشكلة عام 2000 للتحقيق في مصير المُختطفين.
وقد قامت لجنة عام 2000، المكونة من خمسة من ضباط الجيش والمخابرات، بعملها لمدة شهور قليلة ثم أصدرت "تقريراً موجزاً" خلص إلى ضرورة احتساب جميع المختفين لمدة تزيد على 4 سنوات في عداد المتوفين. ولم تقدم اللجنة أية معلومات عن أية قضية محددة.
في 20 سبتمبر/ايلول 2014، حصلت عائلات المختفين أخيراً على نسخة من ملفات تحقيقات اللجنة، فاكتشفوا أن اللجنة لم تجر أية تحقيقات جدية ولا استجوبت أي مسؤولين. وقالت وداد حلواني، رئيسة "لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان"، إن ملفات التحقيقات بينت عدم قيام الحكومة بإجراء أية تحقيقات جدية، لكنها رحبت بالحكم القضائي الذي يؤكد حق العائلات في معرفة مصير أحبائها.
أما اللجنة السورية-اللبنانية المشتركة، المشكلة في مايو/أيار 2005 للتحقيق في حالات الاختفاء القسري التي تورطت فيها قوات الأمن السورية، فلم تتوصل إلى أية نتائج ملموسة ولا نشرت ما توصلت إليه. وقد توقفت اللجنة عن الاجتماع.
وبغية المضي قدماً، قامت "لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان"، إضافة إلى غيرها من المنظمات غير الحكومية، باقتراح مشروع قانون بتشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في مصير المختفين. ومن شأن اللجنة أن تضم ممثلين لعائلات الضحايا إضافة إلى المنظمات غير الحكومية، وأن تتمتع بصلاحيات واسعة للتحقيق مع المسؤولين السابقين واستجوابهم.
كما طالبت لجنة الأهالي بإنشاء قاعدة بيانات للأحماض النووية لأقارب المختفين بهدف المساعدة في عمليات التعرف في المستقبل. وقام شكيب قرطباوي، وزير العدل السابق، في أكتوبر/تشرين الأول 2012، بتقديم مسودة قرار إلى مجلس الوزراء لتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في مصير اللبنانيين وغيرهم ممن اختفوا أثناء الحرب الأهلية اللبنانية. وقد شكل مجلس الوزراء لجنة وزارية لفحص المسودة، بغير اتخاذ أي إجراء آخر.
وبالإضافة إلى تشكيل اللجنة الوطنية، دعت هيومن رايتس ووتش السلطات للتصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وملاحقة حالات الاختفاء القسري الأخيرة التي وقعت على أراضيها.
وفي خريف 2014، اختفى رجلان سوريا في أعقاب انقضاء مدة سجنهما بسجن رومية، ونقلهما بعد ذلك إلى عهدة الأمن العام، وهو الجهاز الأمني المنظم لدخول وخروج الأجانب في لبنان. وقد رفض الأمن العام الإفصاح عن مكانهما لأقاربهما، كما رفض الرد على طلبات مكتوبة من هيومن رايتس ووتش. وما زال مكان الرجلين غير معلوم إلى الآن.
وقال نديم حوري: "إن السبيل الوحيد لمنع حالات الاختفاء في المستقبل هو ضمان المحاسبة على الحالات السابقة".