(ميلانو) قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على السلطات الأسبانية التحقيق في الضرب والإبعاد الذي تعرض له رجل من قِبل ضباط الحرس المدني في مليلية في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2014. وعلى إسبانيا وقف الإعادة الفورية إلى المملكة المغربية من الجيوب التي تقع تحت سيطرتها.
وقامت منظمة حقوق المُهاجرين (برودين) بتصوير واقعة العنف على شريط فيديو؛ يظهر فيه الضباط وهم يحملون رجلاً، يبدو أنه كان فاقداً للوعي، ويسيرون به عبر بوابة في سياج يفصل بين البلدين.
وقالت جوديث ساندرلاند الباحثة الأولى في شؤوو أوروبا الغربية في هيومن رايتس ووتش: "لا يمكن للصور أن تكون أوضح وأكثر رعباً. وعلى إسبانيا التوقف فوراً عن القيام بالإعادة بما تتضمنه من إساءات، وعلى مكتب النائب العام أن يُجري تحقيقات في هذه الواقعة المُروعة. وحتى يتم التحقيق الكامل في الواقعة، على الحرس المدني أن يستبعد هؤلاء الضباط من الخدمة على الحدود".
ويُظهر مقطع الفيديو رجلاً، حددت منظمة برودين هويته على أنه كاميروني الجنسية واسمه داني، ويبلغ من العمر 23 عاماً، يظهره وهو يتسلق بمفرده سُلماً يستند على الجانب الأسباني من السياج، بينما يضربه عدد من ضباط الحرس المدني بهراواتهم. يسقط الرجل على الأرض، ويبدو أنه فقد الوعي بينما ينخزه الضباط بهراواتهم، ويحاولون تهيئة جسده في وضعية الجلوس، ويجاهدون لكي يحركوه عدة مرات.
كما يُظهر الفيديو ضباط الحرس المدني وهم يحملون داني عبر بوابة في مجمع السياج ويعيدونه نحو المملكة المغربية. وخلفه تماماً، ويمكن رؤية ضباط آخرون يصحبون اثنين آخرين من المهاجرين سيراً على الأقدام عبر نفس البوابة. ولا يُظهر مقطع الفيديو ما يحدث في الجانب الآخر. وتحققت برودين من أن داني يقيم في مخيم مؤقت للمهاجرين على مقربة من بلدة الناظور، وحالته الصحية غير معروفة حتى كتابة هذه السطور.
وزعم وفد الحكومة في مليلية أن الشاب الكاميروني لم يكن فاقداً للوعي حين سقط من أعلى السلم، ولكنه في الواقع كان يمارس نوعاً من "المقاومة السلبية". وكان خمس مهاجرين آخرين قد جرحوا في ذات اليوم، وتم نقلهم إلى أحد المستشفيات في مليلية، وتم نقلهم بعد ذلك إلى مركز استقبال المهاجرين وطالبي اللجوء في المدينة.
وفي بيان صحفي صدر يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول، انتقد ممثلو مليلية في الحكومة الأسبانية مقطع الفيديو الذي نشرته برودن باعتباره مُتحيزاً، وبرروا ممارسات الحرس المدني باعتبارها تتسق مع سياق عملهم "في تأمين والدفاع عن الحدود الأوروبية الجنوبية". ووصفت السلطات في مليلية الأحداث التي وقعت في 15 أكتوبر/تشرين الأول على أنها "حملة واسعة يشوبها التوتر الشديد" تتسم بالعنف من جانب المُهاجرين، وأضافت أنه تم علاج 5 من ضباط الحرس المدني جراء الإصابات التي نالتهم في ذلك اليوم.
وتزايدت حدة المخاوف بشأن العنف الذي ترتكبه قوات حرس الحدود الأسبانية، في الوقت الذي تعزز فيه اسبانيا سيطرتها على الحدود في مليلية وسبتة، وغيرها من الأراضي الأسبانية في شمال أفريقيا. كما وصف مفوض المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان نيلز موزنيكس، أحداث 15 أكتوبر/تشرين الأول بأنها "مثال آخر يثير القلق بشأن المثالب في تعامل أسبانيا مع المُهاجرين في الجيوب التي تسيطر عليها".
وتُظهر لقطات فيديو التقطها أحد الصحفيين في 13 أغسطس/آب، وحصلت عليها هيومن رايتس ووتش، تُظهر واقعتين قام ضباط الحرس المدني فيهما بضرب مُهاجرين في القسم الأوسط من السياج، وأعادوا اثنين من المهاجرين بالقوة إلى الأراضي المغربية.
قالت جوديث ساندرلاند: "على ضباط الحرس المدني، حتى وإن واجهوا مواقف عصيبة، أن يمارسوا ضبط النفس ويتخذوا كافة الخطوات المُمكنة لتقليص الإصابات إلى الحد الأدنى. ويجب مُعاقبة الضباط الذين تورطوا في استخدام القوة على نحو غير مُبرر وغير متناسب، وتقديمهم للمُحاكمة إذا اقتضى الأمر".
ولقد قامت هيومن رايتس ووتش، ومنظمات حقوق إنسان أسبانية، والمعهد الأسباني المستقل لحقوق الإنسان، ومنظمة المدافعون عن الشعب، قاموا بتوثيق حالات الإعادة الفورية غير القانونية إلى المملكة المغربية من الجيوب الأسبانية.
ويحظر قانون الهجرة الأسباني حالات الإعادة هذه، ويكفل للمهاجرين غير الشرعيين الحق في الاستعانة بمحام ومُترجم أثناء إجراءات الترحيل. وتزعم الحكومة الأسبانية أن المنهج الذي تتبعه هو "الرفض على الحدود"، معتبرة أن المنطقة الواقعة بين السياجين ليست أراضٍ أسبانية، وأن المهاجرين ليسوا فوق الأراضي الأسبانية إلا إذا عبروا "نقطة الشرطة".
وفي سبتمبر/أيلول، وجه قاضٍ من مليلية اتهاماً إلى عقيد الحرس المدني أمبروسيو مارتن فيلاسينيو، بصفته ضابطاً رفيع المستوى في مليلية، بانتهاك القانون المحلي والدولي جراء حالات الإعادة السريعة في 18 يونيو/حزيران، 13 أغسطس/آب. وكانت برودين واثنتان من المنظمات غير الحكومية الأسبانية الأخرى، هما "النجدة من العنصرية"، و"الأندلس ترحب" قد قاموا برفع القضية. وأكد القاضي، في لائحة الاتهام، أن الحدود الأسبانية تبدأ عند السياج الخارجي، وأن كل المناطق بين السياجين هي جزء من الأراضي الأسبانية. ولقد دعمت منظمة المدافعون عن الشعب هذا الرأي.
وقالت جوديث ساندرلاند: "إن فكرة الحكومة عن حدود مرنة تعتمد على المكان الذي يتمركز فيه ضباط الحرس المدني، هي خيال قانوني مريح وخطير. إلا أن الأمر الواقعي هو حرمان أسبانيا الناس من حقوقهم، ومن بينها الحق في طلب اللجوء".
لقد تزايدت محاولات دخول أسبانيا عبر مليلية وسبتة، غالباً في مجموعات كبيرة، في عام 2014. وفي الوقت الراهن، يتم إيواء حوالي 1250 مهاجراً وطالباً للجوء في مركز استقبال في مليلية، والذي لا يتسع لأكثر من 480 شخصاً. ونصف الموجودين في المركز تقريباً من سوريا.
تلتزم أسبانيا، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقانون اللاجئين، وقانون الاتحاد الأوروبي، تلتزم بالامتناع عن الإعادة القسرية –الإعادة القسرية لأي شخص إلى مكان قد يواجه هو أوهي فيه خطراً حقيقياً بالتعرض للتعذيب أوالمُعاملة اللا إنسانية أوالمُهينة- وأن تكفل فرصة طلب اللجوء إلى أي شخص يزعم أن لديه مخاوف مُبررة من الاضطهاد حال عودته. ولقد أعربت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن قلقهما يوم20 أكتوبر/تشرين الأول لأن العنف في سياق السيطرة على الحدود من شأنه أن يمنع طالبي حق اللجوء من الوصول إلى الأراضي الأسبانية.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على المفوضية الأوروبية أن تتخذ إجراءاً ضد أسبانيا لعدم التزامها بقانون الاتحاد الأوروبي. وفي رد يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول إلى أعضاء البرلمان الأوروبي، ورد أولاً في صحيفة ألدياريو، أوضحت المفوضية أن أسبانيا قررت بالفعل ألا تطبق تعليمات الإعادة الخاصة بالاتحاد الأوروبي على المُهاجرين الموقوفين عند حدود الجيب. وبينما تمنح المادة 2.2 (أ) من التوجيهات الصلاحيات للدول الأعضاء للقيام بذلك، نصت المفوضية في ردها على أنه حتى لو كانت الدول الأعضاء تقوم بهذا، فما زال عليها الالتزام بالحد الأدنى من الضمانات المنصوص عليها في التعليمات، وكذلك عليها أن تضمن احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، وحرية الوصول الفعال إلى إجراءات طلب اللجوء.
قالت المفوضية إنه كانت في حوار مع أسبانيا بشأن الموقف، و"أنها لن تتردد في اتخاذ تدابير ملائمة عندما يتوافر دليل على قيام أحد الدول الأعضاء بانتهاك قانون الاتحاد الأوروبي". ورغم ذلك، لا تفكر المفوضية بإرسال بعثة إلى الجيوب، وفقاً لرد 20 أكتوبر/تشرين الأول.
قالت جوديث ساندرلاند: "لا أدري أي دليل إضافي تحتاج إليه المفوضية. وإذا لم يؤدي الحوار إلى تغير واضح وفوري في السياسة المُتبعة، وأوامر إلى الحرس المدني على الحدود، فعلى المفوضية أن تفي بتعهدها، وتبدأ في اتخاذ إجراءات ضد الخرق الذي قامت به أسبانيا".