Skip to main content
تبرعوا الآن

مصر – وفاة شخص نتيجة اشتباكات لإخلاء جزيرة القرصاية بالقوة

المحاكمات العسكرية القائمة تتحدى السلطة مدنية

 

(نيويورك) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على النيابة العسكرية أن تحيل للقضاء المدني فوراً المدنيين الـ 25 المقبوض عليهم في 18 نوفمبر/تشرين الثاني أثناء محاولة طرد للأهالي بالقوة نفذتها الشرطة العسكرية وخلفت أحد السكان قتيلاً. أضافت المنظمة أن على النيابة المدنية أن تحقق في استخدام الشرطة العسكرية المفرط للقوة، لا سيما إطلاق الرصاص الحي المفضي إلى الوفاة، وأن تلاحق أي عناصر من الجيش مسؤولين عن الاستخدام غير القانوني للقوة.

تم احتجاز سكان جزيرة القرصاية الـ 25 – وهي جزيرة في النيل بمنطقة الجيزة – بتهمة مقاومة الشرطة العسكرية لإجلائهم عن  الجزيرة. يزعم الجيش أنهم يتواجدون على منطقة عسكرية، وذلك رغم حُكم صادر من المحكمة في 2010 بإلغاء أوامر اخلاء سابقة وفيه اعتراف بحق  السكن والعمل في الجزيرة.

وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "حقيقة أن الجيش يطرد السكان ويقبض على مدنيين ويحيلهم إلى المحاكم العسكرية فهذا تحدٍ جسيم للحكم المدني، وعلى الرئيس محمد مرسي أن يضع له حداً. يجب على الجمعية التأسيسية المصرية أن تُنهي بشكل لا رجعة فيه المحاكمات العسكرية بأن ينص الدستور على ألا يكون للجيش أية صلاحيات في احتجاز أو محاكمة المدنيين".

أحالت الشرطة العسكرية سكان الجزيرة الـ 25 المقبوض عليهم في 18 نوفمبر/تشرين الثاني إلى النيابة العسكرية التي اتهمتهم  بمقاومة والتعدي على الجيش والتعدي على أراضٍ للقوات المسلحة وأمرت باحتجازهم 15 يوماً.

في الساعات الأولى من 18 نوفمبر/تشرين الثاني داهم المئات من عناصر الشرطة العسكرية جزيرة القرصاية ويسكنها نحو 2000 شخص، بغرض طرد الأهالي من جزء من الجزيرة يزعم الجيش أنه أرضه. قال أحمد عبد المنعم – 40 عاماً – من أهالي الجزيرة لـ هيومن رايتس ووتش ما حدث:

لم يتكلموا معنا. كنا نائمين، دخلوا الغرفة التي أنام فيها مع أسرتي. هددونا وأمهلونا دقيقتين لنخلي الحجرة. عندما قال أولاد عمي عبد المعطي أحمد ومصطفى علي ياسين للملازم إن هذه أرضنا، أمر بالقبض عليهم، ثم جاء بصفيحة بنزين وسكبها في الحجرة وأشعل فيها النار. قبضوا على أولاد عمي لمجرد أنهم ذكروا أن الأرض ملكنا. أحد أبناء عمي هو إمام مسجد الجزيرة.

وقال علي محمود محمد – 20 عاماً – من سكان الجزيرة، لـ هيومن رايتس ووتش:

أنام كل ليلة على الأرض مع شخصين في سني لحراسة الأرض. على الساعة 5 صباحاً تمت مهاجمة الجزيرة. كنت نائماً وفجأة سمعت صوت الرصاص، وبدأت أجري مثل الجميع. رأيت 200 أو 250 جندياً يطلقون النار على الجميع دون أي مقدمات. أطلقوا النار على ولد في سني فيما كان يحاول القفز في الماء، ثم ضربوه بالرصاص في صدره. مات الولد. قبضوا على أكثر من 25 شخصاً وأغلبهم من لم يستطيعوا الجري. ضربوا الناس بعصي الكهرباء وقبضوا عليهم.

أسفرت المصادمات التالية بين الأهالي والجيش عن مقتل محمد عبد الموجود محمد، وهو صياد يبلغ من العمر 20 عاماً من سكان الجزيرة، كما أدت إلى إصابة 10 أشخاص، بينهم 5 جنود. قال الباحثون في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لـ هيومن رايتس ووتش إنهم وثقوااستخدام الجيش للقوة المفرطة أثناء عملية الصباح.

ورد في تصريح الدفن الذي حصل المحامون على نسخة منه أن محمد أصيب بالرصاص الحي، أصيب برصاصة في  الحوض ومات في ظرف ثماني دقائق من الإصابة. قام علاء فاروق المحامي في المبادرة المصرية والذي يمثل أسرة الضحية، بتقديم بلاغ إلى نيابة جنوب الجيزة، يطلب فيها استدعاء الشرطة العسكرية التي انتشرت في الجزيرة ذلك اليوم للاستجواب. إلا أن النيابة رفضت استدعاء شهود وفي اليوم التالي أحالت التحقيق إلى النيابة العسكرية.

سبق أن أوضحت هيومن رايتس ووتش أن الخطوة الأساسية لضمان المحاسبة على انتهاكات الجسيمة التي ارتكبها الجيش في مصر هي إحالة أفراد الجيش المتهمين بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد مدنيين إلى المحاكم المدنية.

كانت بسمة زهران – المحامية في مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب – حاضرة أثناء استجواب اثنين من المحتجزين من أحداث 18 نوفمبر/تشرين الثاني على يد النيابة العسكرية وقالت لـ هيومن رايتس ووتش إنهما كانا مصابين بجروح وكدمات على وجهيهما من أثر المصادمات في الجزيرة. قال المحتجزان للنيابة العسكرية إن الشرطة العسكرية تعرضت لهم بالضرب واستخدموا عليهم عصي الصعق بالكهرباء أثناء القبض عليهم.

وفي بيان نشره المتحدث باسم الجيش على صفحته الرسمية على الفيس بوك في 18 نوفمبر/تشرين الثاني، قال العقيد أحمد محمد علي إن الأرض تخص القوات المسلحة وأنها تخطط لاستخدامها "كمناطق ارتكاز ضمن مهام عمليات القوات المسلحة في تأمين العاصمة". في عام 2007 كانت الحكومة قد أصدرت أمر إخلاء لأهالي الجزيرة وأمر وزير الزراعة بعدم تجديد عقود المزارعين، زاعماً أن الجزيرة التي تتمتع بموقع جيد وسط المدينة، تعتبر قطعة عقار ثمينة، وأنها ملك للدولة وسوف يتم تحويلها إلى محمية بيئية. إلا أن السكان طعنوا على قرار الإخلاء أمام المحاكم الإدارية وربحوا القضية.

أمرت المحكمة الإدارية العليا في فبراير/شباط 2010 مجلس الوزراء ووزارة الزراعة بوقف أي خطط إخلاء وأكدت على حق الأهالي – من مزارعين وصيادين – بالاستمرار في الإقامة والعمل على أرض الجزيرة بناء على الحق الدستوري في السكن والعمل.

وقد ذكرت لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أنه بموجب الحق في الإسكان الوارد في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن الطرد القسري محظور تماماً. يُعرف الطرد (الإخلاء) القسري بأنه "الإبعاد المؤقت أو الدائم ضد إرادة الأفراد والعائلات و/أو التجمعات السكانية من بيوتهم و/أو أراضيهم التي يحتلونها، دون توفير أو تمكينهم من سبل الحماية القانونية وغيرها من أشكال الحماية".

قال جو ستورك: "السؤال هو لماذا يحاول الجيش طرد هؤلاء السكان رغم حكم المحكمة؟ وعلى أي أساس قانوني عندما لم يعد الجيش يحكم مصر، تتورط الشرطة العسكرية في الاعتداء على مدنيين والقبض عليهم؟"

كانت المحاكمات العسكرية غير العادلة للمدنيين من أضخم الانتهاكات التي تعرض لها المصريون أثناء فترة عام ونصف تقريباً من الحُكم العسكري، وقد انتهت فعلياً في أغسطس/آب 2012. في 2011 حاكمت المحاكم العسكرية أكثر من 12 ألف مدني، وأدانت تسعة آلاف على الأقل بينهم مئات النشطاء السياسيين، لكن أغلب الحالات كانت مرتبطة بنشاط جنائي عادي. بعد انتخاب الرئيس مرسي تعهد بإنهاء المحاكمات العسكرية للمدنيين وشكل لجنة لمراجعة قضايا المدنيين المحكوم عليهم أمام محاكم عسكرية بالإضافة إلى أمور أخرى. أتمت اللجنة عملها في أكتوبر/تشرين الأول لكن لم تتقدم بتوصيات بالإفراج عن أو إعادة محاكمة أولئك المدانين أمام المحاكم العسكرية، مع استبعاد 1100 شخص من المراجعة ما زالوا مسجونين "لاعتبارات أمنية".

مسودة الدستور المصري الحالية تشتمل على المادة 63 التي تنص على ضمانات المحاكمة العادلة وتنص تحديداً على أن "لا يجوز محاكمة مدني أمام قضاء عسكري". في مذكرة أرسلت إلى الجمعية التأسيسية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني اعترض رسمياً رئيس القضاء العسكري اللواء رضوان غازي على هذه الصياغة. قال إن المادة تحد من اختصاص المحاكم العسكرية، التي يمكنها حالياً إحالة مدنيين للمحاكمة أمامها بناء على 14 سبباً بموجب قانون الأحكام العسكرية، وأنه من غير المعقول الاحتفاظ بهذه المادة دون أسباب وجه حق.

المادة 63 على حالها الآن تعكس القانون الدولي ويجب الاحتفاظ بها، بما أن قانون الأحكام العسكرية يخرق القانون الدولي، على حد قول هيومن رايتس ووتش. خلصت هيئات حقوق الإنسان الدولية على مدار السنوات الـ 15 الماضية إلى أن المحاكمات العسكرية للمدنيين تخرق ضمانات التقاضي العادل الواردة في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة 7 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، التي تؤكد على حق الجميع في المحاكمة أمام قضاء مختص ومستقل وغير متحيز.

إلا أن مشروع قانون الدستور الصادر في 11 نوفمبر/تشرين الثاني في صحيفة المصري اليوم يضم أيضاً فصلاً عن القوات المسلحة، عند المادة 199 التي تنص على أن "لا يجوز بحال أن يحاكم أمام القضاء العسكري إلا العسكريون ومن في حكمهم". كلمة "من في حكمهم" تفتح الباب لإساءة الاستغلال بما أنها قد تشير إلى المدنيين العاملين في مصانع عسكرية بما في ذلك مصانع المكرونة والمياه المعدنية التي يملكها الجيش المصري. وكانت هناك مادة تخرق القانون الدولي أكثر، تم ضمها لمسودة الدستور الصادرة في 22 أكتوبر/تشرين الأول، وهي مدرجة حالياً تحت المادة 199 بصفتها "نص مرادف":

القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة يختص وحده بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ( أثناء أداء مهام العسكرية). ويجوز استثناء محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى في الحالات التى يحددها القانون، ويبين القانون اختصاصاته الأخرى، وذلك كله في حدود المبادئ الواردة بالدستور.

وفي مذكرة إلى الجمعية التأسيسية أشار رئيس القضاء العسكري إلى هذه الصيغة كونها التي يفضلها الجيش. هذه الصيغة تسمح باستمرار المحاكمات العسكرية للمدنيين بما أن قانون الأحكام العسكرية يعطي الجيش سلطة واسعة وكبيرة في محاكمة المدنيين، على حد قول هيومن رايتس ووتش.

وقال جو ستورك: "لن تتخلص مصر أبداً من ميراث انتهاكات الحكم العسكري طالما الجيش ما زال قادراً على القبض على المدنيين وإحالتهم للمحاكم العسكرية". وأضاف: "يجب على أعضاء الجمعية التأسيسية أن يصروا بشكل قاطع ونهائي على أن تكون اليد العليا للقضاء المدني وأن يرفضوا ضغوط المؤسسة العسكرية الرامية لحماية امتيازات الجيش في الدستور".

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة